بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدى (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 20-10-2013 10:07 PM

الفرق بين العُدْوَان وبعض الصِّفات

- الفرق بين العُدْوَان والإثم:
قال أبو هلال العسكري: (الإثم: الجُرْم كائنًا ما كان. والعُدْوَان: الظُّلم. قاله الطبرسي، وعلى هذا فقوله تعالى: يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 62] مِن عطف الخاص على العام .
قال الرَّاغب: (الإثم أعمُّ مِن العُدْوَان) .
- الفرق بين العُدْوَان والطُّغيان:
قال أبو البقاء الكفويُّ: (الطُّغيان: هو تجاوز الحدِّ الذي كان عليه مِن قبل، وعلى ذلك إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء [الحاقة: 11] والعُدْوَان: تجاوز المقدار المأمور به بالانتهاء إليه والوقوف عنده، وعلى ذلك فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ [البقرة: 194]) .
- الفرق بين العُدْوَان والبغي:
قال أبو البقاء الكفوي: (والعُدْوَان: تجاوز المقدار المأمور به بالانتهاء إليه والوقوف عنده، وعلى ذلك فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ [البقرة: 194] والبغي: طلب تجاوز قَدْرِ الاستحقاق -تجاوزه أو لم يتجاوزه-، ويستعمل في المتكَبِّر) .
- الفرق بين العُدْوَان والظُّلم:
قال ابن رجب: (وقد يُفَرَّق بين الظُّلم والعُدْوَان: بأنَّ الظُّلم ما كان بغير حقٍّ بالكلِّيَّة، كأخذ مال بغير استحقاق لشيء منه، و*** نفس لا يحلُّ ***ها، وأما العُدْوَان: فهو مجاوزة الحدود وتعدِّيها فيما أصله مباح، مثل أن يكون له على أحد حقٌّ مِن مالٍ أو دمٍ أو عرضٍ فيستوفي أكثر منه، فهذا هو العُدْوَان، وهو تجاوز ما يجوز أخذه، فيأخذ ما له أخذه وما ليس له أخذه..) .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:11 PM

ذَمُّ العُدْوَان والنَّهي عنه
أولًا: في القرآن الكريم

حذَّر الإسلام مِن العُدْوَان؛ لأنَّها صفة مذمومة ومقيتة، ونهى عن التَّعاون عليها، وقد وردت آياتٌ تحذِّر مِن العُدْوَان، منها قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].
قال الطَّبري: (وَالْعُدْوَانِ يقول: ولا على أن تتجاوزوا ما حدَّ الله لكم في دينكم، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم) .
- قال تعالى: وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [المائدة: 62].
قال ابن كثير: (أي: يبادرون إلى ذلك مِن تعاطي المآثم والمحارم، والاعتداء على النَّاس، وأكلهم أموالهم بالباطل، لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ أي: لبئس العمل كان عملهم، وبئس الاعتداء اعتداؤهم) .
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87].
قال السعدي: (والله قد نهى عن الاعتداء فقال: وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك) .
- قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55].
قال السعدي: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ أي: المتجاوزين للحدِّ في كلِّ الأمور، ومِن الاعتداء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصلح له، أو يتنطَّع في السُّؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدُّعاء، فكلُّ هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه) .
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 178].
قال ابن جرير: (يعني تعالى ذكره بقوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ، فمن تجاوز ما جعله الله له بعد أخذه الدية، اعتداء وظلمًا إلى ما لم يجعل له من *** قاتل وليه وسفك دمه، فله بفعله ذلك وتعديه إلى ما قد حرمته عليه، عذاب أليم) .
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ [المجادلة: 9].
قال ابن كثير: (ثمَّ قال الله مُؤدِّبًا عباده المؤمنين ألَّا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ أي: كما يتناجى به الجهلة مِن كفرة أهل الكتاب، ومَن مَالأهم على ضلالهم مِن المنافقين) .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:13 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن عائشة، قالت: ((أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أناس مِن اليهود، فقالوا: السَّام عليك يا أبا القاسم. قال: وعليكم. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السَّام والذَّام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لا تكوني فاحشة. فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلتُ: وعليكم)) .
والمراد بالفحش هنا هو: (عُدْوَان الجواب) .
- عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المستبَّان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم)) .
قال النَّوويُّ: (معناه أنَّ إثم السُّباب الواقع مِن اثنين مختصٌّ بالبادئ منهما كلُّه، إلَّا أن يتجاوز الثَّاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر ممَّا قال له) .
- (عن عبد الله بن مغفل ((أنَّه سمع ابنه يقول: اللَّهمَّ إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنَّة إذا دخلتها. فقال: أي بني، سل الله الجنَّة، وتعوَّذ به مِن النَّار؛ فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّه سيكون في هذه الأمَّة قوم يعتدون في الطُّهور والدُّعاء)) .
قال القاري: (... ((قومٌ يعتدون)) -بتخفيف الدَّال-: يتجاوزون عن الحدِّ الشَّرعي... والاعتداء في الدُّعاء يكون مِن وجوهٍ كثيرة، والأصل فيه أن يتجاوز عن موقف الافتقار إلى بساط الانبساط، ويميل إلى أحد طرفي الإفراط والتَّفريط في خاصَّة نفسه، وفي غيره إذا دعا له أو عليه، والاعتداء في الطُّهور استعماله فوق الحاجة، والمبالغة في تحرِّي طهوريته حتى يفضي إلى الوساوس) .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:15 PM

أقوال السَّلف والعلماء في العُدْوَان

- عن أيوب قال: (مَرَّ ابن عمر برجل يكيل كيلًا كأنَّه يعتدي فيه، فقال له: ويحك! ما هذا؟ فقال له: أمر الله بالوفاء. قال ابن عمر: ونهى عن العُدْوَان) .
- عن ابن الحنفيَّة قال: (دخل علينا ابن ملجم الحمَّام وأنا وحسن وحسين جلوسٌ في الحمَّام، فلمَّا دخل كأنَّهما اشمأزَّا منه، وقالا: ما أجرأك تدخل علينا! قال فقلت لهما: دعاه عنكما، فلعمري ما يريد بكما أحشم مِن هذا، فلمَّا كان يوم أُتِي به أسيرًا، قال ابن الحنفيَّة: ما أنا اليوم بأعرف به منِّي يوم دخل علينا الحمَّام، فقال عليٌّ: إنَّه أسيرٌ فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه، فإن بَقِيتُ ***تُ أو عفوت، وإن متُّ فا***وه قِتْلَتِي ولا تعتدوا؛ إنَّ الله لا يحبُّ المعتدين) .
- عن الرَّبيع قال: (سمعت الشَّافعي يقول: أنفع الذَّخائر التَّقوى، وأضرُّها العُدْوَان) .
- كتب الفضل بن يحيى إلى عامل له: (بئس الزَّاد إلى المعاد العُدْوَانُ على العباد) .
- كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الموسم: (أمَّا بعد: فإنِّي أُشهد الله، وأبرأ إليه في الشَّهر الحرام والبلد الحرام ويوم الحجِّ الأكبر أنِّي بريء مِن ظُلْم مَن ظلمكم، وعُدْوَان مَن اعتدى عليكم، أن أكون أمَرْت بذلك أو رضيته أو تعمَّدته، إلَّا أن يكون وهمًا منِّي، أو أمرًا خفي عليَّ لم أتعمَّده، وأرجو أن يكون ذلك موضوعًا عنِّي مغفورًا لي إذا علم منِّي الحرص والاجتهاد) .
- كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمَّاله: (إن قَدَرت أن تكون في العدل والإحسان والإصلاح كقَدْر مَن كان قبلك في الجور والعُدْوَان والظُّلم فافعل، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله) .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:17 PM

آثار العُدْوَان

1- العُدْوَان سبب للعقوبة العاجلة في الدُّنيا:
قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران:110-112].
(هؤلاء اليهود يجانب ضرب الذلة عليهم حيثما حلوا، قد صاروا في غضب من الله، وأصبحوا أحقاء به، وضربت عليهم كذلك المسكنة التي تجعلهم يحسون بالصغار مهما ملكوا من قوة ومال.ثم ذكر- سبحانه- الأسباب التي جعلتهم أحقاء بهذه العقوبات ... ذلك الذي أصابهم من عقوبات رادعة، سببه أنهم كانوا يكفرون بآيات الله وأدلته الدالة على وحدانيته وعلى صدق رسله- عليهم الصلاة والسلام- وتلك هي جريمة بنى إسرائيل الأولى. أما جريمتهم الثانية فقد عبر عنها- سبحانه- بقوله: وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ أى: أنهم لم يكتفوا بالكفر، بل امتدت أيديهم الأثيمة إلى دعاة الحق وهم أنبياء الله- تعالى- الذين أرسلهم لهدايتهم ف***وهم بدون أدنى شبهة تحمل على الإساءة إليهم فضلا عن ***هم. وقال- سبحانه- بِغَيْرِ حَقٍّ مع أن *** الأنبياء لا يكون بحق أبدا. لإفادة أن ***هم لهم كان بغير وجه معتبر في شريعتهم لأنها تحرمه) .
2- توعُّد المعتدي بدخول النَّار:
قال تعالى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ [ق: 24-25].
(قال لمن استحق النار: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ أي: كثير الكفر والعناد لآيات الله، المكثر من المعاصي، المجترئ على المحارم والمآثم. مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ أي: يمنع الخير الذي عنده الذي أعظمه، الإيمان بالله وملائكته وكتبه، ورسله مناع، لنفع ماله وبدنه، مُعْتَدٍ على عباد الله، وعلى حدوده مُّرِيبٍ أي: شاك في وعد الله ووعيده، فلا إيمان ولا إحسان ولكن وصفه الكفر والعدوان، والشك والريب، والشح، واتخاذ الآلهة من دون الرحمن) .
3- المعتدي بعيد عن محبَّة الله والقرب منه:
قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55].
قال الطبري: (وأما قوله: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55]، فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لعباده في دعائه ومسألته ربه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حد لهم في دعائهم إياه ومسألتهم وفي غير ذلك من الأمور) .
4- المعتدي على مال الغير دمه هدر:
نقل القرطبي عن أهل العلم قوله: (قال علماؤنا: ويُنَاشَد اللِّصُّ بالله تعالى، فإن كفَّ تُرِك، وإن أَبَى قُوتِل، فإن أنت ***ته فشَرُّ قتيلٍ، ودمه هدرٌ) .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:19 PM

ما يباح مِن العُدْوَان

يباح مِن العُدْوَان الرَّدُّ على المبتدئ به على سبيل مُجازاته:
قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194].
قال الطَّبري: (فالعُدْوَان الأوَّل ظُلْمٌ، والثَّاني جزاءٌ لا ظُلْم، بل هو عدلٌ؛ لأنَّه عقوبةً للظَّالم على ظلمه، وإن وافق لفظه لفظ الأوَّل) .
قال السَّمعاني: (وإنَّما سمَّى الجزاء على الظُّلم: اعتداء، على ازدواج الكلام، ومثله قوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [الشُّورى:40] وتقول العرب: ظلمني فلان فظلمته، أي: جازيته على الظُّلم. ويقال: جهل فلان عليَّ فجهلت عليه) .
قال الرَّاغب: (أي: قابلوه بحسب اعتدائه، وتجاوزوا إليه بحسب تجاوزه... ومِن العُدْوَان الذي هو على سبيل المجازاة، ويصحُّ أن يُتعاطى مع مَن ابتدأ، قوله : فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة: 193]، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا [النِّساء: 30]) .
(ويصحُّ أن يتعاطى مع مَن ابتدأ، كقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194]، أي: قابلوه بحقِّ اعتدائه، سُمِّي بمثل اسمه؛ لأنَّ صورة الفعلين واحدة، وإن كان أحدهما طاعة والآخر معصية) .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:23 PM

صور العُدْوَان

1- ال***:
مِن صور العُدْوَان *** النَّفس بغير حقٍّ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا [النِّساء: 29-30].
قال السعدي: (لا ي*** بعضكم بعضًا، ولا ي*** الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ومن رحمته أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود) .
ومن صور العدوان في ال*** *** النفس بالانتحار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تردى من جبل ف*** نفسه ، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، ومن تحسى سمًا ف*** نفسه ، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، ومن *** نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)).
قال ابن بطال: (هذا الحديث يشهد لصحة نهى الله تعالى فى كتابه المؤمن عن *** نفسه فقال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا الآية [النساء: 29-30]) .
2- أكل مال الغير بغير حقٍّ:
سواء بالسَّرقة أو الغصب أو النَّهب أو الاختلاس والاحتيال..، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا [النِّساء: 29-30].
يقول ابن كثير: (نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا) .
3- العُدْوَان في القول:
عن عائشة، قالت: ((أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أناسٌ مِن اليهود، فقالوا: السَّام عليك يا أبا القاسم. قال: وعليكم. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السَّام والذَّام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لا تكوني فاحشة. فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلتُ: وعليكم)).
4- العُدْوَان على الأعراض:
قال صلى الله عليه وسلم: ((فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحُرمة يومكم هذا)) .
ويشمل التَّعدِّي على الأعراض: الغيبة والسَّبَّ والشَّتم والقذف وغير ذلك.
5- العدوان بابتغاء الشهوات المحرمة من زنا ولواط وغيرها:
قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون: 5-7].
قال ابن عباس: نهاهم الله نهيًا شديدًا، فقال: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون: 7] فسمى الزاني من العادين .
وقال الطبري: (فمن التمس لفرجه منكحا سوى زوجته، أو ملك يمينه، ففاعلو ذلك هم العادون، الذي عدوا ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم فهم الملومون) .
6- العُدْوَان في الدُّعاء:
فقد ورد في الحديث: ((أنَّ عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللَّهمَّ إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنَّة إذا دخلتها، فقال: أي بني، سل الله الجنَّة وتعوَّذ به مِن النَّار؛ فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّه سيكون في هذه الأمَّة قوم يعتدون في الطُّهور والدُّعاء)) .
أسباب الوقوع في العُدْوَان:
1- مخالفة أوامر الله:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 178].
2- اتَّباع الهوى:
قال تعالى: وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ [الأنعام: 119].
يقول ابن كثير: (بين تعالى جهالة المشركين في آرائهم الفاسدة، من استحلالهم الميتات، وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى: فقال وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ أي: هو أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم).
3- لعب الميسر وشرب الخمر سببٌ للعَدَاوَة بين النَّاس:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة: 90-91].
قال ابن عباس رضي الله عنه في سبب نزول هذه الآية: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا فلما أن ثمل عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته، فيقول: صنع هذا بي، أخي فلان -وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن والله لو كان بي رؤوفا رحيما ما صنع هذا بي، حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان، وقد *** يوم أحد، فأنزل الله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 93])
فقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة: 91] يفيد (أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها، خصوصا الخمر والميسر، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء. فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى ال***. وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء) .
4- الكراهية والبغضاء.

محمد رافع 52 22-10-2013 10:25 PM

الملامح الأساسيَّة للشَّخصيَّة العُدْوَانيَّة

يرى الأطباء النَّفسانيون أنَّ هناك سلوكيات يُعْرَف به الشَّخص العُدْوَاني مِن غيره، وهذه السُّلوكيَّات كالتَّالي:
1- المماطلة، حيث التَّأخير في إنجاز الأشياء التي يجب أداؤها.
2- سرعة التَّهيج، والمجادلة وعبوس الوجه، والتَّجهُّم عندما يطلب منه أن يؤدِّي عملًا غير مرغوب لديه.
3- يتعمَّد العمل ببطء أو بدون إتقان في المهام التي لا يريدها.
4- يحتجُّ كثيرًا دون تبرير بأنَّ النَّاس تطلب أشياء غير معقولة.
5- يتجنَّب المسؤوليات، بأن يتظاهر بالنِّسيان.
6- يستاء مِن الاقتراحات المفيدة مِن الآخرين لتحسين الإنتاج.
7- دائم الانتقاد للنَّاس الموجودين في مراكز السُّلطة بدون مبرِّرٍ، بسببٍ أو بدون سببٍ .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:26 PM

الوسائل المعينة على ترك العُدْوَان

1- طاعة أوامر الله عزَّ وجلَّ.
2- البعد عن الهوى وزلَّات النَّفس.
3- تذكُّر الموت والعاقبة.
4- التَّضرُّع والدُّعاء.
5- البعد عن الوساوس في جميع أموره.
6- البعد عن المنافسة غير الشَّريفة.
7- تجنُّب الكراهية والحقد والحسد.
8 – الشُّعور بالأخوَّة الإسلاميَّة
.

محمد رافع 52 22-10-2013 10:28 PM


الحِكَم والأمثال في العُدْوَان
- أَعْدَى مِن الحيَّة:
أي: مِن العُدْوَان .
- أَعْدَى مِن الأيْم:
هو الحيَّة، أي: أَظْلَم .
- أَعْدَى مِن الذِّئب .
- قيل: مَن طال عُدْوَانه زال سلطانه.
- وقيل: مَن جمح به العُدْوَان، جنح عليه الإخوان .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:34 PM

ذم العُدْوَان في واحة الشِّعر

قال ابن الرُّومي:

ولا يرَى الظُّلمَ والعُدْوَانَ فاعلُهم *** إلَّا إذا رابهُ ظُلْمٌ وعُدْوَانُ


وقال عبد الله بن علي آل عبد القادر:

ونادَى منادٍ باغي الخيرِ أقبلنْ *** ويا باغي العُدْوَان لا تنسَ عُقْبَاه


قال الشوكانيُّ:

وكُفَّ يدَ العُدْوَانِ عن كلِّ مسلمٍ *** سوى ما أتَى في شرعِ ربِّ العوالمِ


قال أحمد محرَّم:

ولا ابتغت صالحُ الأعمالِ ناهضةً *** إلَّا انبرى ناهضُ العُدْوَانِ يُثنيها


وقال ابن وكيع التِّنِّيسيُّ:

لا تجمعِ الإثمَ مع البهتانِ *** وكنْ على خوفٍ مِن العُدْوَانِ


وقال آخر:

ومَن يبغِ أو يسعى على النَّاس ظالـمًا *** يقع غيرَ شكٍّ لليدين وللفمِ



أنصفتَ مظلومًا فأنصف ظالـمًا *** في ذلَّةِ المظلومِ عذرُ الظالمِ



مَن يَرْضَ عُدْوَانًا عليه يَضِيرُه *** شرٌّ مِن العادي عليه الغانمِ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpK...(2)_-_Copy.jpg

محمد رافع 52 22-10-2013 10:36 PM

الغدر

معنى الغدر لغةً واصطلاحًا

معنى الغدر لغةً:
الغدر ضدُّ الوفاء بالعهد. يقال: غَدَرَه وبه، كنَصَرَ وضَرَبَ وسَمِعَ، غَدْرًا وغَدَرانًا- محركةً- إذا نقض عهده وترك الوفاء، وهي غَدُور وغَدَّار وغَدَّارَة، وهو غادِرٌ وغَدَّار وغِدِّير وغدور وغُدَرٌ، وأصل هذه المادة يدلُّ على تَرك الشيء. ومن ذلك الغَدْر: وهو تَـرْك الوفاءِ بالعهد .
معنى الغدر اصطلاحًا:
قال الجاحظ: (هو الرُّجوع عمَّا يبذله الإنسان من نفسه ويضمن الوفاء به) .
وقال المناوي: (الغدر: نقض العهد والإخلال بالشَّيء وتركه) .
وقيل هو: (نقض العهد مطلقًا في لحظة لم تكن متوقعة ولا منتظرة) .

محمد رافع 52 22-10-2013 10:38 PM

الفرق بين المكر والغدر

الفرق بينهما: أن الغدر: نقض العهد وترك الوفاء به .
بينما قد يكون المكر ابتداءً من غير عهد

محمد رافع 52 26-10-2013 11:42 PM

ذم الغدر والنهي عنه
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ [النحل: 94].
(أي تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتم- خديعةً، وغرورًا، ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنَّقلة إلى غيرهم، من أجل أنهم أكثر منهم عَددًا وعُددًا وأعز نفرًا، بل عليكم بالوفاء بالعهود، والمحافظة عليها في كل حال) [6344] ((تفسير المراغي)) .
وقال ابن زيد، في قوله: تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ [النحل: 92] يغر بها، يعطيه العهد، يؤمنه وينزله من مأمنه، فتزل قدمه وهو في مأمن، ثم يعود يريد الغدر، دَخَلاً بَيْنَكُمْ [النحل: 92] قال قتادة: خيانة وغدرًا [6345] ((جامع البيان)) للطبري .
قال ابن كثير: (...لأن الكافر إذا رأى المؤمن قد عاهده، ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين، فانصدَّ بسببه عن الدخول في الإسلام) [6346] ((تفسير القرآن العظيم)) .
- قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 91].
قال الطبري: (إنَّ الله تعالى أمر في هذه الآية عباده بالوفاء بعهوده التي يجعلونها على أنفسهم، ونهاهم عن نقض الأيمان، بعد توكيدها على أنفسهم لآخرين بعقود تكون بينهم بحق مما لا يكرهه الله) [6347] ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)).
قال الماوردي: (لا تنقضوها بالغدر، بعد توكيدها بالوفاء) [6348] ((النكت والعيون)) .
- قوله تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الأنفال: 58].
قال ابن كثير: (يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ قد عاهدتهم خِيَانَةً أي: نقضًا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود، فَانبِذْ إِلَيْهِمْ أي: عهدهم عَلَى سَوَاء أي: أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم، وهم حرب لك، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي: تستوي أنت وهم في ذلك) [6349] ((تفسير القرآن العظيم)) .
وقال السعدي: (وإذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة، بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة. فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عهدهم، أي: ارمه عليهم، وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم. عَلَى سَوَاء أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك، ولا يحل لك أن تغدرهم، أو تسعى في شيءٍ مما منعه موجب العهد، حتى تخبرهم بذلك. إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ بل يبغضهم أشد البغض، فلا بد من أمر بيِّنٍ يبرئكم من الخيانة... ودلَّ مفهومها أيضًا أنه إذا لم يُخَفْ منهم خيانة، بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته) [6350] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص 324). .
- قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34].
قال القاسمي: (لا تنقضوا العهود الجائزة بينكم وبين من عاهدتموهم، فتخفروها وتغدروا بمن أعطيتموه إياها) [6351] ((محاسن التأويل)) .
وقال الراغب: (ولكون الوفاء سببًا لعامة الصلاح، والغدر سببًا لعامة الفساد، عظَّم الله أمرهما، وأعاد في عدة مواضع ذكرهما، فقال: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34]، وقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ [البقرة: 177]) [6352] ((تفسير الراغب)) .
وقال ابن رجب: (ويدخل في العُهود التي يجب الوفاءُ بها، ويحرم الغَدْرُ فيها: جميعُ عقود المسلمين فيما بينهم، إذا تَرَاضَوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاءُ بها، وكذلك ما يجبُ الوفاء به لله عزَّ وجلَّ ممَّا يعاهدُ العبدُ ربَّه عليه من نذرِ التَّبرُّرِ ونحوه) [6353] ((جامع العلوم والحكم)) .

محمد رافع 52 26-10-2013 11:46 PM

ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان)) .
قال ابن بطال: (وهذه مبالغة في العقوبة وشدة الشهرة والفضيحة) .
وقال النووي: (لكل غادر لواء. أي: علامة يشتهر بها في الناس؛ لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له، وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر؛ لتشهيره بذلك) .
(وفي هذا الحديث دليل على أن الغدر من كبائر الذنوب، لأن فيه هذا الوعيد الشديد) .
- وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) .
قال المناوي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد .
وقال العظيم آبادي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد عليه .
وقال ابن عثيمين: (... ((وإذا عاهد غدر)) يعني: إذا أعطى عهدًا على أي شيء من الأشياء غدر به، ونقض العهد، وهذا يشمل المعاهدة مع الكفار، والمعاهدة مع المسلم في بعض الأشياء ثم يغدر بذلك .
- وفي حديث هرقل الطويل مع أبي سفيان عندما سأله عن النبي: ((فهل يغدر؟ قال: لا، ثم قال هرقل: وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون)) .
قال ابن بطال: (قد جاء فضل الوفاء بالعهد، وذم الختر في غير موضع في الكتاب والسنة، وإنما أشار البخاري في هذا الحديث إلى سؤال هرقل لأبي سفيان، هل يغدر؟ إذ كان الغدر عند كلِّ أمة مذمومًا قبيحًا، وليس هو من صفات رسل الله، فأراد أن يمتحن بذلك صدق النبي؛ لأن من غدر ولم يفِ بعهد لا يجوز أن يكون نبيًّا؛ لأنَّ الأنبياء والرسل عليهم السلام أخبرت عن الله بفضل من وفى بعهد، وذم من غدر وختر) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعط أجره)) .
قال المهلب: قوله: ((أعطى بي ثم غدر)) يريد: نقض عهدًا عاهده عليه .
وقال المناوي: (... ((ثم غدر)). أي: نقض العهد الذي عاهد عليه؛ لأنَّه جعل الله كفيلًا له فيما لزمه من وفاء ما أعطى، والكفيل خصم المكفول به للمكفول له) .
وقال الصنعاني: (فيه دلالة على شدة جرم من ذكر، وأنه تعالى يخصمهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموه، وقوله أعطى بي، أي: حلف باسمي وعاهد، أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني، وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)) .
قال ابن بطال: (دلَّ أنَّ الغدر حرام لجميع الناس، برهم، وفاجرهم؛ لأن الغدر ظلم، وظلم الفاجر حرام كظلم البرِّ التقي. فإن قال قائل: فما وجه موافقة حديث ابن عباس للترجمة؟ قيل: وجه ذلك- والله أعلم- أنَّ محارم الله عهود إلى عباده، فمن انتهك منها شيئًا لم يف بما عاهد الله عليه، ومن لم يفِ فهو من الغادرين، وأيضًا فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة مَنَّ على أهلها كلِّهم، مؤمنهم، ومنافقهم، ومعلوم أنه كان فيهم منافقون، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم، أنَّ مكة حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وأنَّه لا يحلُّ قتال أحد فيها، وإذا كان هذا، فلا يجوز الغدر ببرٍّ منهم ولا فاجر؛ إذ شمل جميعهم أمان النبي وعفوه عنهم) .
- وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة)) . وفي رواية: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة)) .
قال النووي: (وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر، لاسيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين) .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:38 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.