ذم الخِدَاع في واحة الشِّعر قال منصور بن محمد الكريزي: وصاحبٌ غيرُ مأمونٍ غوائلُه *** يبدي لي النُّصحَ منه وهو مشتملُ على خلافِ الذي يبدي ويظهرُه *** وقد أحطت بعلمي أنَّه دغلُ عفوت عنه انتظارًا أن يثوبَ له *** عقلٌ إليه مِن الزَّلَّات ينتقلُ دهرًا فلمَّا بدا لي أن شيمتَه *** غِشٌّ وليس له عن ذاك منتقلُ تركته تركَ قالٍ لا رجوعَ له *** إلى مودَّتِه ما حنَّت الإبلُ وقال آخر: قل للذي لست أدري مِن تلونِه *** أناصحٌ أم على غِشٍّ يداجيني إنِّي لأُكثرُ ممَّا سُمْتَني عجبًا *** يدٌ تشجُّ وأخرى منك تأسوني تغتابني عندَ أقوامٍ وتمدحُني *** في آخرين وكلٌّ عنك يأتيني هذان أمران شتى بون بينهما *** فاكففْ لسانَك عن ذمِّي وتزييني وقال ابن عبد القوي: ويَحْرُم بُهْتٌ واغتيابٌ نميمةٌ *** وإفشاءُ سرٍّ ثمَّ لعنٌ مقيَّدِ وفحشٌ ومكرٌ والبذاءُ، خديعةٌ *** وسخريةٌ والهزوُ والكذبُ قيِّدِ بغير خِدَاع الكافرين بحربِهم *** وللعرسِ أو إصلاحِ أهلِ التَّنكُّدِ http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpK...(2)_-_Copy.jpg |
الخِذْلَان معنى الخِذْلَان لغةً واصطلاحًا معنى الخِذْلَان لغةً: الخِذلان مصدر خَذَل يَخْذُل خَذْلًا وخِذْلَانًا، وهو تركك نُصْرة أخيك وعَوْنَه، والخَاذِل: ضدُّ النَّاصر، وخِذْلَان الله تعالى للعبد: ألَّا يعصمه مِن السَّيِّئة، فيقع فيها، والتَّخْذِيل: حَمْل الرَّجل على خِذْلَان صاحبه، وتَثْبِيطُه عن نُصْرَته، وأصل هذه المادة يدلُّ على تَرْك الشَّيء والقُعود عنه . معنى الخِذْلَان اصطلاحًا: قال الرَّاغب: (الخِذْلَان: ترك مَن يُظنُّ به أن ينصرَ نصرَتَه) . وقال النَّوويُّ: (قال العلماء: الخَذْل: ترك الإعانة والنَّصر) . وقال الشوكانيُّ: (الخِذْلَان: ترك العون) ، وقال -أيضًا-: (الخَذْل: ترك الإغاثة) . |
ذمُّ الخِذْلَان والنهي عنه أولًا: في القرآن الكريم - قال تعالى: لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً [الإسراء: 22]. قال ابن كثير: (مَّخْذُولاً لأنَّ الرَّبَّ تعالى لا ينصرك، بل يَكِلُك إلى الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرًّا ولا نفعًا؛ لأنَّ مالك الضرِّ والنَّفع هو الله وحده لا شريك له) . - قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]. قال أبو حيان الأندلسيُّ: وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء قيل: بالتَّوفيق والعِرْفَان، وتُذِلُّ بالخِذْلَان) . - قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [الشَّمس: 7-10]. (قال ابن زيد: جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إيَّاها للتَّقوى، وخِذْلَانه إيَّاها للفجور) . قال الغزَّالي: (فمهما وقع العبد في ذنب، فصار الذَّنب نقدًا، والتَّوبة نسيئة، كان هذا مِن علامات الخِذْلَان) . - قال تعالى: كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ [القيامة: 20-21]. قال الغزَّالي: (فعبَّر عن المخذولين بقوله تعالى: كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ) . - قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً [الفرقان: 27-29]. قال ابن كثير: (يخذله عن الحقِّ، ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه) . |
ثانيًا: في السُّنَّة النبوية - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره)) . قال النَّوويُّ: (وأمَّا: لا يَخْذُله. فقال العلماء: الخَذْل: ترك الإعانة والنَّصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ) . - وعن معاوية بن قرَّة رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال مِن أمَّتي أمَّة قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)) . قال ملا علي القاري: (... ((مَن خَذَلهم)) أي: مَن ترك عونهم ونصرهم، بل ضرَّ نفسه، وظلم عليها بإساءتها) . - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا)). قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالـمًا؟ قال: ((تأخذ فوق يديه)) . |
أقوال السَّلف والعلماء في الخِذْلَان - عن أنس أنَّ أبا طلحة قال: (غشينا ونحن في مصافِّنا يوم أحد، حدَّث أنَّه كان فيمن غشيه النُّعاس يومئذ، قال: فجعل سيفي يسقط مِن يدي وآخذه، ويسقط مِن يدي وآخذه، والطَّائفة الأخرى -المنافقون- ليس لهم همٌّ إلَّا أنفسهم، أجبن قوم، وأرغبه وأخذله للحقِّ) . - قيل لمحمد بن كعب القرظي: ما علامة الخِذْلَان ؟ قال: (أن يستقبح الرَّجل ما كان عنده حسنًا، ويستحسن ما كان عنده قبيحًا) . - وقال علي بن عبيدة: (العقل والهوى ضدَّان فمؤيِّد العقل التَّوفيق، وقرين الهوى الخِذْلَان، والنَّفس بينهما، فأيهما ظفر كانت في حيِّزه) . - وقال قتيبة بن مسلم: (ومَن تبجَّح بالانفراد، وفَخَر بالاستبداد كان مِن الظَّفر بعيدًا، ومِن الخِذْلَان قريبًا) . - وقال أبو عبيدة معمر بن المثنَّى: (مرَّ قيس بن زهير ببلاد غطفان، فرأى ثروةً وعددًا، فكَرِه ذلك، فقيل له: أيسوؤك ما يسرُّ النَّاس؟ قال: إنَّك لا تدري أنَّ مع النِّعمة والثَّروة التَّحاسد والتَّخاذل، وأنَّ مع القلَّة التَّحاشد والتَّناصر) . - وقال الماوردي: (قال بعض البلغاء: المخْذُول مَن كانت له إلى اللِّئام حاجة) . - وقال الزمخشري: (الخِذْلان مسامرة الأماني، والتَّوفيق رفض التَّواني) . - وقال جعفر: (استجلاب النَّصر في شيء واحد، وهو الذِّلة والافتقار والعجز... وحلول الخِذْلَان بشيء واحد وهو العُجب) . |
آثار الخِذْلَان ومِن آثار ومَضَار الخِذْلَان على الفرد والمجتمع: 1- انتشار عدوى الأنانيَّة وحبِّ الذَّات. 2- إيثار الرَّاحة، وتقديم المصلحة الخاصَّة على المصلحة العامَّة. 3- انعدام الشَّهامة ونجدة الملهوف، وإغاثة المنكوب. 4- انقطاع عُرَى الأخوَّة بين المسلمين. 5- الخِذْلَان مِن أسباب الهزيمة. 6- الخِذْلَان عار يقع على صاحبه. |
حكم الخِذْلَان خِذْلَان المسلم لأخيه المسلم حرامٌ شرعًا، وذلك مثل أن يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البَطْش به، فلا يدفعه، أو يراه وهو يرتكب مخالفة شرعيَّة ولا ينهاه، وقد عدَّه ابن حجر الهيتمي من الكبائر . قال المناوي: (خِذْلَان المؤمن حرامٌ شديد التَّحريم دنيويًّا كان مثل: أن يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البطش به، فلا يدفعه، أو أخرويًّا: كأن يَقْدِر على نُصْحِه مِن غيِّه -بنحو وعظٍ-، فيترك) . لكن ينبغي تقييد وجوب نصرته وتحريم خذلانه بما إذا لم يكن هناك عذر شرعي، قال النَّوويُّ: (قال العلماء: الخِذْل: ترك الإعانة والنَّصر، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ) . |
صور الخِذْلَان ومِن صور الخِذْلَان: 1- خِذْلان المظلوم: وقد عدَّها الهيتمي مِن الكبائر، وقال: (الكبيرة السَّادسة والسَّابعة والثَّامنة والتَّاسعة والأربعون والخمسون بعد الثَّلاثمائة: ظُلْم السَّلاطين والأمراء والقضاة وغيرهم مسلمًا أو ذِمِّيًّا بنحو أكل مال أو ضرب أو شتم أو غير ذلك، وخِذلان المظلوم مع القُدْرَة على نصرته، والدُّخول على الظَّلَمة مع الرِّضا بظلمهم وإعانتهم على الظُّلم والسِّعَاية إليهم بباطل) . 2- الخِذْلَان في الجهاد: خِذْلَان المسلمين في الجهاد وعدم نصرتهم صفة مِن صفات المنافقين، قال الله تعالى فيهم: وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران: 167-168]. وروى الطَّبريُّ بإسناده مرسلًا قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: حين خرج إلى أحدٍ في ألف رجل مِن أصحابه، حتى إذا كانوا بالشَّوط -بين أحدٍ والمدينة- انخذل عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث النَّاس، فقال: أطاعهم فخرج وعصاني، والله ما ندري علام ن*** أنفسنا هاهنا أيُّها النَّاس؟ فرجع بمن اتَّبعه مِن النَّاس مِن قومه مِن أهل النِّفاق وأهل الرِّيَب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم أذكِّركم الله أن تخذلوا نبيَّكم وقومكم عندما حضر مِن عدوِّهم. فقالوا: لو نعلم أنَّكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنَّا لا نرى أن يكون قتال. فلمَّا استعصوا عليه، وأبوا إلَّا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم)) . |
أسباب الوقوع في الخِذْلَان للوقوع في الخِذْلَان أسباب كثيرة منها: 1- البعد عن خِلَال الإيمان. 2- الاستعانة بغير الله. 3- طاعة الكافرين والمنافقين: قال تعالى: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [الأحزاب: 48]. 4- مفارقة الإخوان: قال الماورديُّ: (قالت الحكماء: مَن لم يرغب بثلاث بُلِيَ بستٍّ: مَن لم يرغب في الإخوان بُلِيَ بالعداوة والخِذْلَان ..) . 5- الركون إلى الظَّالمين: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [هود: 113]. 6- التَّكالب على الدُّنيا وكراهية الموت، والإغراق في اللَّهو وطلب الرَّاحة. 7- العُجْبُ: فالعُجْبُ طريقٌ إلى خِذْلَان المرء، بحيث يَكِل الله العبد إلى نفسه فلا ينصره، وقد قال -جلَّ وعلا-: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة: 25] . 8- الجبن وسوء الرَّأي: قال ابن القيِّم: (وصحَّة الرَّأي لقاح الشَّجَاعَة، فإذا اجتمعا كان النَّصر والظَّفر، وإن قعدا فالخِذْلَان والخيبة) . 9- عدم الرِّضا بالقضاء والقدر: قال الماورديُّ: (معاند القَدَر مَخْذُولٌ) . 10- ضعف رابطة الإيمان. 11- قطع الأرحام: قال الماورديُّ: (تعاطف الأرحام، وحميَّة القرابة يبعثان على التَّناصر والألفة، ويمنعان من التَّخاذل والفُرْقة) . 12- التَّعلُّق بغير الله: قال ابن القيِّم: (فأعظم النَّاس خِذْلَانًا مَن تعلَّق بغير الله، فإنَّ ما فاته مِن مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم ممَّا حصل له ممَّن تعلَّق به، وهو معرَّضٌ للزَّوال والفوات. ومثل المتعلِّق بغير الله، كمثل المستظلِّ مِن الحرِّ والبرد ببيت العنكبوت، وأوهن البيوت) . 13- القرب مِن السِّفْلَة واطِّراح ذوي الأحساب والمروءات: قال الأبشيهيُّ: (مَن قرَّب السِّفْلَة واطَّرح ذوي الأحساب والمروءات استحقَّ الخِذْلَان) . 14- الافتراق والاختلاف في الدِّين، قال تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46]. |
الحِكَم والأمثال في الخِذْلَان - إنَّ مع الكثرة تَخَاذلًا ومع القلَّة تماسكًا. يعني في كثرة الجيش وقلَّته . - مِن كِلاَ جَنْبَيْك لا لبَّيك. ويُرْوى (جانبيك) وهما سواء، يُضْرَب للمَخْذُول . - مَن فاز بفلان فاز بالسَّهم الأخيب. لمِن يَخْذُل في وقت الحاجة |
ذم الخِذْلَان في واحة الشِّعر وقال طالب بن أبي طالب: ألا إنَّ كَعْبًا في الحروبِ تخاذلوا *** فأَرْدَتْهُم الأيَّامُ واجترحوا ذَنْبا وقال زيد الخيل: فلو أنَّ نصرًا أصلحتْ ذاتَ بيننا *** لضحَّت رويدًا عن مطالبِها عمرُو ولكن نصرًا أرتعتْ وتخاذلتْ *** وكانت قديمًا مِن خلائقها الغَفْرُ وقال زهير بن أبي سلمى: ألم ترَ للنُّعمانِ كان بنجوةٍ *** مِن الشَّرِّ لو أنَّ امرأً كان ناجيا فلم أرَ مخذولًا له مثلُ ملكِه *** أقلَّ صديقًا باذلًا أو مواسيا وقال الأعشى: بينَ مغلوبٍ تليلٍ خدُّه *** وخَذُولِ الرِّجلِ مِن غير كسحِ وقال الشَّاعر: مَن يتَّقِ الله يُحْمَدْ في عواقبِه *** ويَكفِه شرَّ مَن عزُّوا ومَن هانوا مَن استعان بغيرِ اللهِ في طلبٍ *** فإنَّ ناصرَه عجزٌ وخِذْلانُ وقال عبيد العنبري: إذا ما أراد اللهُ ذلَّ قبيلةٍ *** رماها بتشتيتِ الهوى والتَّخَاذلِ وقال ابن الصبَّاغ الجذامي: لا غروَ أنَّ الدَّمعَ يمحو جريه *** بالخدِّ سكبًا ما جناه الجاني للهِ قومٌ أخلصوا فتخَلَّصوا *** مِن آفةِ الخسرانِ والخِذْلَان وقال الشَّاعر: وقد كنتُ أرجو منكم خيرَ ناصرٍ *** على حينِ خِذْلَانِ اليمينِ شمالها فإن أنتم لم تحفظوا لمودَّتي *** ذمامًا فكونوا لا عليها ولا لها قال مهلهل: وابكينَ للأيتامِ لـمَّا أقحطوا *** وابكين عندَ تخاذلِ الجيرانِ وابكين مصرعَ جيدِه متزمِّلًا *** بدمائِه فلذاك ما أبكاني http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:A...LwPBmUxBgwO-4h |
الخيانة معنى الخيانة لغةً واصطلاحًا معنى الخيانة لغةً: الخيانة نقيض الأمانة، من خانه خَوْنًا وخيانة ومَخَانة، واختانه، فهو خائن وخائنة وخؤون وخَوَّان والجمع خانة وخَوَنَةً وخُوَّان، ويقال: خُنْتُ فلانًا، وخنت أمانة فلان . معنى الخيانة اصطلاحًا: قال الراغب: (الخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر) . (والأظهر أنها شاملة لجميع التكاليف الشرعية) . وقيل: هي (الاستبداد بما يؤتمن الإنسان عليه من الأموال والأعراض والحرم، وتملك ما يستودع، ومجاحدة مودعه) . وقال ابن عاشور: (وحقيقة الخيانة عمل من اؤتمن على شيء بضد ما اؤتمن لأجله، بدون علم صاحب الأمانة) . |
|
ذم الخيانة والنهي عنها أولًا: في القرآن الكريم - قال الفيروزآبادي عن ورود هذه الصفة في القرآن: (قد وردت في القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل: في الدِّين والدِّيانة وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ [الأنفال: 27]. الثاني: في المال والنِّعمة وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء: 105]. الثالث: في الشرع والسنَّة وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ [الأنفال: 71]. أي: إِن تركوا الأَمانة في السُّنَّة فقد تركوها فى الفريضة. الرّابع: الخيانة بمعنى الزِّنى وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52]. أي: الزَّانين. الخامس: بمعنى نَقْض العهد والبيعة وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً [الأنفال: 58]. أي: نقض عهد) . ولقد وردت الآيات التي تحذر من الخيانة بعدة سياقات، فمنها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38]. قال ابن كثير: (وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها) . وقال سبحانه: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الأنفال: 58]. (يقول تعالى ذكره: وإما تخافنَّ يا محمد من عدوٍّ لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده، وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر. فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء. يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنَّك قد فسخت العهد بينك وبينهم؛ بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد) . - وقال عزَّ مِن قائل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء: 105-108]. قال السعدي: (قوله: وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا أي: لا تخاصم عن من عرفت خيانته، من مدعٍ ما ليس له، أو منكر حقًّا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية) . - وقال عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10]. قال ابن كثير في قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا (أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أنَّ ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلًا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ. أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتها ليلًا ونهارًا، يؤاكلانهما، ويضاجعانهما، ويعاشرانهما أشدَّ العشرة والاختلاط فَخَانَتَاهُمَا أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجدِ ذلك كلُّه شيئًا، ولا دفع عنهما محذورًا؛ ولهذا قال: فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أي: لكفرهما، وَقِيلَ أي: للمرأتين: ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وليس المراد: فَخَانَتَاهُمَا في فاحشة، بل في الدين، فإنَّ نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء) . - وقال سبحانه: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 51-52]. قال السعدي في قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ. (يحتمل أنَّ مرادها بذلك زوجها أي: ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف، أني لم أخنه بالغيب، أي: لم يجرِ مني إلا مجرد المراودة، ولم أفسد عليه فراشه، ويحتمل أنَّ المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني. وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ فإنَّ كلَّ خائن، لا بدَّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره) . |
ثانيًا: في السنة النبوية - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) . قال ابن عثيمين في قوله: ((إذا اؤتمن خان)): (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه) . - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنَّه بئس الضجيع ، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة )) . - وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))- قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمَن)) . قال النووي في معنى الجمع في قوله: يخونون ولا يؤتمنون. (أنهم يخونون خيانة ظاهرة؛ بحيث لا يبقى معها أمانة، بخلاف من خان بمقيد مرة واحدة، فإنه ويصدق عليه أنه خان الأمانة في بعض المواطن) . - وعن جابر رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخوَّنهم، أو يلتمس عثراتهم)) . قال ابن بطال: (فبين النبي عليه السلام، بهذا اللفظ المعنى الذي من أجله نهى عن أن يطرق أهله ليلًا. فإن قيل: وكيف يكون طروقه أهله ليلًا سببًا لتخونهم؟ قيل: معنى ذلك، والله أعلم، أن طروقه إياهم ليلًا هو وقت خلوة، وانقطاع مراقبة الناس بعضهم بعضًا، فكان ذلك سببًا لسوء ظن أهله به، وكأنَّه إنما قصدهم ليلًا ليجدهم على ريبة، حين توخَّى وقت غرَّتهم وغفلتهم. ومعنى الحديث النهي عن |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:28 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.