بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 27-04-2013 11:52 AM

الرَّحْمَة في واحة الشعر
قال أبو القاسم ابن عساكر:


بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ مغتنمًا***ولا تكنْ مِن قليلِ العرفِ محتشما



واشكرْ لمولاك ما أولاك من نعمٍ***فالشكرُ يستوجبُ الإفضالَ والكرما




وارحمْ بقلبِك خلقَ الله وارعَهُم***فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رَحِما



وقال زين الدين العراقي:


إنْ كنتَ لا ترحمُ المسكينَ إن عَدِما***ولا الفقيرَ إذا يشكو لك العَدما



فكيف ترجو من الرحمنِ رحمتَه***وإنَّما يرحمُ الرحمنُ من رَحِما



وقال أبو الفضل ابن حجر:


إنَّ منْ يرحمُ أهلَ الأرضِ قد***جاءنا يرحمه من في السَّما



فارحمِ الخلقَ جميعًا إنَّما***يرحمُ الرحمنُ منَّا الرُّحما



وقال أبو الفتح محمد بن أحمد الكندي:


سامحْ أخاك الدَّهرَ مهما بدَتْ***منه ذنوبٌ وقعُها يعظُمُ



وارحمْ لتلقَى رحمةً في غدٍ***فربُّنا يرحمُ مَن يرحمُ



وقال ابن يعقوب:


إن كنتَ ترجو مِن الرحمنِ رحمتَه***فارحمْ ضعافَ الورَى يا صاحِ محترمًا



واقصدْ بذلك وجهَ اللهِ خالقِنا***سبحانَه مِن إلهٍ قد برى النَّسما



واطلبْ جزا ذاك مِن مولاك رحمتَه***فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رحِما



وقال ابن الشوائطي:


بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ واللسنِ***واشكرْ لربِّك ما أولى مِن المننِ



وارحمْ بقلبِك خلقَ اللهِ كلَّهم***يُنلْك رحمته في الموقفِ الخشنِ

https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...LwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52 27-04-2013 11:54 AM

الرفق
معنى الرفق لغةً واصطلاحًا

معنى الرفق لغةً:
الرِّفق ضد العنْف، وهو لين الجانب، ويقال: رَفَق بالأَمر وله وعليه يَرْفُق رِفْقًا، ومرفقًا: لان له جانبه وحسن صنيعه. ورَفُقَ يَرْفُقُ ورَفِقَ لطف ورفَقَ بالرجل وأَرْفَقه بمعنى وكذلك تَرفَّق به .
معنى الرِّفق اصطلاحًا:
قال ابن حجر في تعريف الرِّفق: (هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد ال***) .
وقال القاري: (هوالمداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها) .

محمد رافع 52 27-04-2013 12:56 PM

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق

يقول ابن حزم:

اعلم أن من في نفسه عجبا أو ظن لها على سائر الناس فضلا فلينظر إلى صبره عندما يداهمه هم أو وجع فإن رأى نفسه قليلة الصبر فليعلم أن أهل البلاء أفضل منه ثم لينظر إلى سيرته فيما خوله الله من نعمة أو مال أو صحة أو جاه فإن وجد نفسه مقصرة فيما يلزمه من الشكر لواهبه تعالى فليعلم أن كثيرا من الناس أشكر لله منه
واعلم أن التسلط على من تحتك من مرؤوس أو رعية يدلان على خساسة النفس ودناءة الهمة وضعف العقل لأن العاقل الرفيع النفس العالي الهمة إنما يغلب أكفاءه في القوة ونظراءه في المنعة وأما الجرأة على من لا يمكنه المعارضة فسقوط في الطبع ورذالة في النفس وعجز ومهانة ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح ب*** فأر أو بفرك قملة وحسبك بهذا ضعة وخساسة .

واعلم أن ترويض الأنفس أصعب من ترويض الأسد لأن الأسد إذا سجنت في بيوت الملوك أمن شرها والنفس وإن سجنت في الجسد لم يؤمن شرها
من العجب من يعجب برأيه فيزهو على غيره ومن يعجب بجاهه وعلو حاله فيتكبر ويظهر منه الاستخفاف بالناس واحتقارهم بالكلام وفي المعاملة حتى إذا زاد ذلك وضعف التمييز والعقل ترقى ذلك إلى الاستطالة على الناس بالأذى والتحكم وإيجاد الطاعة لنفسه إن أمكنه ذلك فإن لم يقدر على ذلك اقتصر على ذم الناس والاستهزاء بهم
ولقد سألت بعضهم عن سبب علو نفسه واحتقاره الناس فما وجدت عنده مزيدا على أن قال لي أنا حر لست عبد أحد فقلت له أكثر من تراه يشاركك في هذه الفضيلة فهم أحرار مثلك وليسوا عبيد فلم أجد عنده زيادة فرجعت إلى مراقبة أحوالهم ففكرت في ذلك سنين لأعلم السبب الباعث لهم على هذا العجب فتوصلت إلى أنهم يرون أن عندهم فضل عقل وتميز رأي على سائر الناس فمن ها هنا تسرب العجب فيهم وهذا ليس شيء من الفضائل بل هو من النقائص فكلما نقص العقل توهم صاحبه أنه أوفر الناس عقلا

وبعد .
أحبتي فإن كل واحد منا باستطاعته علاج عيوبه، كما فعل ابن حزم رحمه الله ذلك،

والله جل وعلا قال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين

والرسول http://forum.amrkhaled.net/images/sm...salla-icon.gif قال (وإنما الحلم بالتحلم)


وقال الشاعر :
والنفس كالطفل
إن تهمله شب على حب الرضاع
وإن تفطمه ينفطم

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه

والله تعالى أعلم

محمد رافع 52 27-04-2013 01:09 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alqadhi (المشاركة 5242074)
باااااااااااااااارك الله بمجهودكم المتميز استاذي الفاضل ......


فجزااااااااااكم الله خيراااااااااااااا


اشكرك ربنا يرضى عنك ويبارك فيك

محمد رافع 52 27-04-2013 01:32 PM

أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159].
(يقول تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم، ممتنًّا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته، المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ أي: أي شيء جعلك لهم لينًا لولا رحمة الله بك وبهم) .
- وقال سبحانه مخاطبًا الرسول: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215] (أي: ارفق بهم وألن جانبك لهم) .
- وقال سبحانه: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 43-44].
فقوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا (أي: سهلًا لطيفًا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف ، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، لَّعَلَّهُ بسبب القول اللين يَتَذَكَّرُ ما ينفعه فيأتيه، أَوْ يَخْشَى ما يضره فيتركه، فإنَّ القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه) .

محمد رافع 52 27-04-2013 01:35 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أن يهود أتوا النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال: مهلًا يا عائشة، عليك بالرِّفق وإياك وال*** والفحش. قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في)) .
- وعن جرير رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يحرم الرِّفق يحرم الخير) .
(يعني أنَّ الإنسان إذا حرم الرِّفق في الأمور فيما يتصرف فيه لنفسه، وفيما يتصرف فيه مع غيره، فإنَّه يحرم الخير كله، أي: فيما تصرَّف فيه، فإذا تصرَّف الإنسان بال*** والشدة، فإنَّه يحرم الخير فيما فعل، وهذا شيء مجرَّبٌ ومشاهد، أنَّ الإنسان إذا صار يتعامل بال*** والشِّدَّة؛ فإنَّه يحرم الخير ولا ينال الخير، وإذا كان يتعامل بالرِّفق والحلم والأناة وسعة الصدر؛ حصل على خيرٍ كثير، وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائمًا رفيقًا حتى ينال الخير) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)) .
و(قد يظن بعض النَّاس أنَّ معنى الرِّفق أن تأتي للناس على ما يشتهون ويريدون، وليس الأمر كذلك، بل الرِّفق أن تسير بالنَّاس حسب أوامر الله ورسوله، ولكن تسلك أقرب الطرق وأرفق الطرق بالنَّاس، ولا تشق عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله، فإن شققت عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله، فإنَّك تدخل في الطرف الثاني من الحديث، وهو الدعاء عليك بأن يشق الله عليك) .
- وعنها أيضًا رضي الله عنها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه )) .
- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أعطي حظه من الرِّفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرِّفق حرم حظه من الخير)) . (إذ به تنال المطالب الأخروية والدنيوية وبفوته يفوتان) .
وهذه النصوص التي مرت معنا تدل (على أنَّ الرِّفق في الأمور، والرِّفق بالنَّاس، واللين، والتيسير، من جواهر عقود الأخلاق الإسلامية، وأنَّها من صفات الكمال، وأنَّ الله تعالى من صفاته أنَّه رفيق، وأنه يحب من عباده الرِّفق، فهو يوصيهم به ويرغبهم فيه، ويعدهم عليه عطاءً لا يعطيه على شيءٍ آخر. ويُفهم من النصوص أنَّ ال*** شَيْن خلقي، وأنَّه ظاهرة قبيحة، وأنَّ الله لا يحبه من عباده) .

محمد رافع 52 29-04-2013 06:52 PM

أقوال السلف والعلماء في الرِّفق

- (بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ جماعة من رعيته اشتكوا من عماله، فأمرهم أن يوافوه، فلما أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أيها النَّاس، أيَّتها الرعية إنَّ لنا عليكم حقًّا، النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير، أيَّتها الرعاة إنَّ للرعيَّة عليكم حقًّا فاعلموا أنَّه لا شيء أحب إلى الله ولا أعز من حلم إمام ورفقه، ليس جهل أبغض إلى الله، ولا أغم من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنَّه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهريه يرزق العافية ممن هو دونه) .
- و(روي أنَّ عمرو بن العاص كتب إلى معاوية يعاتبه في التأني فكتب إليه معاوية: أما بعد: فإنَّ التفهم في الخبر زيادة رشد، وإنَّ الرشيد من رشد عن العجلة، وإن الخائب من خاب عن الأناة، وإن المتثبت مصيب أو كاد أن يكون مصيبًا وإن العَجِل مخطئ أو كاد أن يكون مخطئًا، وأن من لا ينفعه الرِّفق يضره الخرق، ومن لا ينفعه التجارب لا يدرك المعالي) .
- وعن عروة بن الزبير قال: (كان يقال: الرِّفق رأس الحكمة) .
- وعن الشعبي قال: (غُشي على مسروق في يوم صائف، وكانت عائشة قد تبنته فسمَّى بنته عائشة، وكان لا يعصي ابنته شيئًا، قال: فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه، أفطر واشرب، قال: ما أردت لي يا بُنية؟ قالت: الرِّفق، قال. يا بنية، إنَّما طلبت الرِّفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)، وفي رواية: (إنَّما طلبت الرِّفق لتعبي).
- وقال سفيان لأصحابه: (تدرون ما الرِّفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها؛ الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه) .
- قال وهب بن منبه: (الرِّفق ثني الحلم) .
- وعن قيس بن أبي حازم قال كان يقال: (الرِّفق يمن، والخرق شؤم) .
- وعن حبيب بن حجر القيسيِّ قال: (كان يقال: ما أحسن الإيمان يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرِّفق) .
- وقال ابن القيم: (من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه) .
- وقال ابن حجر: (لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرِّفق، إلا عجز وانقطع فيغلب) .
- وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل لزوم الرِّفق في الأمور كلها، وترك العجلة والخفَّة فيها، إذ الله تعالى يحب الرِّفق في الأمور كلها، ومن منع الرِّفق منع الخير ،كما أنَّ من أعطي الرِّفق أعطي الخير، ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يحب، إلا بمقارنة الرِّفق ومفارقة العجلة) .
- وقال أيضًا: (العاقل يلزم الرِّفق في الأوقات، والاعتدال في الحالات؛ لأنَّ الزيادة على المقدار في المبتغى عيبٌ، كما أنَّ النقصان فيما يجب من المطلب عجز، وما لم يصلحه الرِّفق لم يصلحه ال***، ولا دليل أمهر من رفق، كما لا ظهير أوثق من العقل، ومن الرِّفق يكون الاحتراز، وفي الاحتراز ترجى السلامة، وفي ترك الرِّفق يكون الخرق، وفي لزوم الخرق تخاف الهلكة) .

محمد رافع 52 29-04-2013 06:54 PM

فوائد الرِّفق

1- طريق موصل إلى الجنة.
2- دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
3- يثمر محبة الله ومحبة النَّاس.
4- ينمِّي روح المحبة والتعاون بين النَّاس.
5- دليل على صلاح العبد وحسن خلقه.
6- بالرِّفق ينشأ المجتمع سالـمًا من الغل وال***.
7- عنوان سعادة العبد في الدارين.
8- الرِّفق يزين الأشياء.
9- الرِّفق بالحيوان في إطعامه، أو ***ه، من مظاهر الإحسان.
10- الرفق دليل على فقه الرفيق وأناته وحكمته.
11- الرِّفق ينتج منه حسن الخلق.
12- بالرِّفق ينال الإنسان الخير.

محمد رافع 52 29-04-2013 07:03 PM

صور الرِّفق
1- الرِّفق بالنفس في أداء ما فرض عليه:
المسلم لا يُحَمِّل نفسه من العبادة مالا تطيقه، فالإسلام دين يسر وسهولة، فالمتبع له يوغل فيه برفق، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الدين يسر، ولن يشادَّ http://www.dorar.net/misc/tip.gifالدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة ، وشيء من الدُّلْجة )) .
وعن عائشة رضي الله عنها: ((أنَّ الحولاء بنت تُوَيْتِ بن حبيب بن أسد ابن عبد العزَّى مرت بها، وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقلت: هذه الحولاء بنت تويتٍ. وزعموا أنَّها لا تنام بالليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنام بالليل، خذوا من العمل ما تطيقون، فو الله لا يسأم الله حتى تسأموا )) .
قال ابن القيم: (نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين بالزيادة على المشروع، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ تشديد العبد، على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما بالشرع. فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقدر كفعل أهل الوسواس. فإنهم شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد عليهم القدر، حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم) .
2- الرِّفق مع النَّاس عامة:
ويكون بلين الجانب وعدم الغلظة والجفاء، والتعامل مع النَّاس بالسَّمَاحَة، قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنون هيِّنون ليِّنون، كالجمل الأنِفِ http://www.dorar.net/misc/tip.gif ، إن قِيد انقاد، وإذا أُنيخ على صخرة استناخ )) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله رفيق يحب الرِّفق في الأمر كلِّه)) .
3- الرِّفق بالرعية:
الراعي، سواء كان حاكمًا، أو رئيسًا، أو مسؤولًا، عليه أن يرفق برعيته، فيقضي حاجتهم، ويؤدِّي مصالحهم برفق، قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ شرَّ الرِّعاء الحُطَمة )) .
(وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مثلًا لكل راع عنيف، قاس شديد لا رحمة في قلبه على رعيته من النَّاس، سواء أكان ولي أسرة، أو صاحب سلطان، صغرت دائرة رعيته أو كبرت، فشرُّ الرعاة من النَّاس على النَّاس هو الحطمة، الذي لا رفق عنده، ولا رحمة في قلبه تليِّن سياسته وقيادته، فهو يقسو ويشتد على رعيته، ويوسعهم عسفًا وتحطيمًا، ويدفعهم دائمًا إلى المآزق والمحرجات، ولا يعاملهم بالرِّفق والحكمة في الإدارة والسياسة) .
قال ابن عثيمين: (أما ولاة الأمور فيجب عليهم الرِّفق بالرعية، والإحسان إليهم، واتباع مصالحهم، وتولية من هو أهل للولاية، ودفع الشر عنهم، وغير ذلك من مصالحهم؛ لأنَّهم مسئولون عنهم أمام الله عز وجل) .
4- الرِّفق بالمدعوِّين:
الداعية عليه أن يرفق في دعوته، فيشفق على النَّاس ولا يشق عليهم، ولا ينفِّرهم من الدين بأسلوبه الغليظ والعنيف، (وأولى النَّاس بالتَّخلُّق بخلق الرِّفق الدعاة إلى الله والمعلِّمون، فالدعوة إلى الله لا تؤثر ما لم تقترن بخلق الرِّفق في دعوة الخلق إلى الحق، وتعليم النَّاس لا يُؤتي ثمراته الطيبات ما لم يقترن بخلق الرِّفق الذي يملك القلوب بالمحبة) . قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125].
فيدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتلطَّف مع العاصي بكلام ليِّن وبرفق، ولا يعين الشيطان عليه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبًا، فلا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه، تقولوا: اللهم أخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا- أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- كنَّا لا نقول في أحد شيئًا حتى نعلم علام يموت؟ فإن خُتم له بخير علمنا أن قد أصاب خيرًا، وإن خُتم بشرٍّ خفنا عليه) .
وانظر إلى رفق إبراهيم عليه السلام مع أبيه قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 46-47].
قال الشنقيطي: (بيَّن الله جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين أنَّ إبراهيم لما نصح أباه النصيحة المذكورة مع ما فيها من الرِّفق واللين، وإيضاح الحق، والتحذير من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ومن عذاب الله تعالى، وولاية الشيطان، خاطبه هذا الخطاب العنيف وسماه باسمه، ولم يقل له يا بني في مقابلة قوله له يا أبت، وأنكر عليه أنَّه راغب عن عبادة الأوثان، أي: معرض عنها لا يريدها؛ لأنَّه لا يعبد إلا الله وحده جل وعلا، وهدَّده جلَّ وعلا، وهدَّده بأنَّه إن لم ينته عما يقوله له ليرجمنه، قيل: بالحجارة، وقيل: باللسان شتمًا، والأول أظهر، ثم أمره بهجره مليًّا، أي: زمانًا طويلًا، ثُمَّ بيَّن أنَّ إبراهيم قابل أيضًا جوابه العنيف بغاية الرِّفق واللين، في قوله: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي... [مريم: 47]) .
5- الرِّفق بالخادم والمملوك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: ((للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلَّف من العمل إلا ما يطيق)) .
قال الشنقيطي: (فأوجب على مالكيهم الرِّفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم؛ كما هو معروف في السُّنَّة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم مع الإيصاء عليهم في القرآن) .
6- الرِّفق بالحيوان:
فمن الرِّفق بالحيوان، أن تدفع عنه أنواع الأذى، كالعطش والجوع والمرض، والحمل الثقيل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
- ((بينا رجل يمشي، فاشتدَّ عليه العطش، فنزل بئرًا، فشرب منها، ثُمَّ خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر)) .
- وعن سعيد بن جبير قال: ((مرَّ ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟! لعن الله من فعل هذا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا )) .

محمد رافع 52 29-04-2013 07:07 PM

نماذج من رفق النَّبي صلى الله عليه وسلم
- كان النَّبي صلى الله عليه وسلم رفيقًا هيِّنًا ليِّنًا سهلًا، في تعامله، وفي أقواله وأفعاله، وكان يحب الرِّفق، ويحث النَّاس على الرِّفق، ويرغِّبهم فيه، فعن عبادة بن شرحبيل قال: ((أصابنا عام مخمصة، فأتيت المدينة، فأتيت حائطًا من حيطانها، فأخذت سنبلًا ففركته فأكلته، وجعلته في كسائي، فجاء صاحب الحائط، فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال للرجل: ما أطعمته إذ كان جائعًا، أو ساغبًا، ولا علمته إذ كان جاهلًا، فأمره النَّبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ إليه ثوبه، وأمر له بوسق من طعام، أو نصف وسق)) .
- وكان صلى الله عليه وسلم رفيقًا بقومه رغم أذيتهم له، فعن عروة أنَّ عائشة رضي الله عنها زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنَّها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ ((قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يَالِيلَ بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلَّم علي، ثُمَّ قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا .
- وكان صلى الله عليه وسلم رفيقًا في تعليمه للجاهل، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ . قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُـزْرموه دعوه، فتركوه حتى بال، ثُمَّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنَّما هي لذكر الله عزَّ وجلَّ والصلاة وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه )) .
- وعن معاوية بن الحكم السلمي قال: ((بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكْلَ أُمِّيَاه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتهم يُصمِّتونني لكني سكت، فلما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فو الله ما كهرني ، ولا ضربني، ولا شتمني. قال: إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النَّاس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)) .
- كما أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يُبيِّن للناس الأمور بالرِّفق، ومن ذلك الشاب الذي طلب منه أن يأذن له بالزنى، فعن أبي أمامة قال ((إن فتى شابًّا أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادْنُه، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: أتحبُّه لأمِّك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لأخواتهم؟ قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء)) .
- وكان صلى الله عليه وسلم رفيقًا بنسائه، فعن أنس ((أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أتى على أزواجه، وسَوَّاق يسُوقُ بهنَّ يُقال له: أَنْجَشَة، وكان يَحْدُو للإبل ببعض الشعر حتى تسرع على حِدَائه، فقال له النبي: ويحك يا أَنْجَشَة، رُوَيدًا سَوْقَك القوارير )) .
- كما أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يرفق بأبناء المسلمين، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الآخر، ثم يضمهما، ثم يقول: اللهم ارحمهما، فإنِّي أرحمهما)) .

محمد رافع 52 29-04-2013 07:09 PM

نماذج من رفق الصحابة رضي الله عنهم
رفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن زيد بن وهب قال: خرج عمر رضي الله عنه ويداه في أذنيه وهو يقول: يا لبيكاه يا لبيكاه، قال النَّاس: ما له؟ قال: جاءه بريد من بعض أمرائه أنَّ نهرًا حال بينهم وبين العبور ولم يجدوا سفنًا، فقال أميرهم: اطلبوا لنا رجلًا يعلم غور الماء. فأتي بشيخ فقال: إني أخاف البرد وذاك في البرد، فأكرهه فأدخله، فلم يلبثه البرد، فجعل ينادي: يا عمراه يا عمراه! فغرق، فكتب إليه فأقبل فمكث أيامًا معرضًا عنه، وكان إذا وجد على أحد منهم فعل به ذلك، ثم قال: ما فعل الرجل الذي ***ته؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما تعمدت ***ه، لم نجد شيئًا يعبر فيه، وأردنا أن نعلم غور الماء، ففتحنا كذا وكذا، وأصبنا كذا وكذا، فقال عمر رضي الله عنه: لرجل مسلم أحبُّ إليَّ من كلِّ شيء جئت به، لولا أن تكون سُنَّة لضربت عنقك، اذهب فأعط أهله ديته، واخرج فلا أراك .
- وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابَّة فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي، وترك صبية صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا ، ولا لهم زرع، ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خُفاف بن إِيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمض، ثُمَّ قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه، ثُمَّ قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، قال عمر: ثكلتك أمُّك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانًا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه) .
- وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد عبدًا في عمل لا يطيقه وضع عنه

محمد رافع 52 29-04-2013 07:23 PM

الرِّفق في واحة الشعر
قال الشاعر:


الرِّفقُ ممن سيلقَى اليمنَ صاحبُه*** والخُرقُ منه يكونُ ال***ُ والزللُ

والحزمُ أن يتأنى المرءُ فرصتَه***والكفُّ عنها إذا ما أمكنتْ فشلُ



والبرُّ للهِ خيرُ الأمرِ عاقبةً***واللهُ للبرِّ عونٌ ماله مثلُ



خيرُ البريَّةِ قولًا خيرُهم عملًا***لا يصلحُ القولُ حتى يصلحَ العملُ



وقال القاضي التنوخي:


القَ العدوَّ بوجهٍ لا قطوبَ به***يكادُ يقطرُ مِن ماءِ البشاشاتِ



فأحزمُ النَّاسِ مَن يلقَى أعاديَه***في جسمِ حقدٍ وثوبٍ مِن موداتِ



الرِّفقُ يمنٌ وخيرُ القولِ أصدقُه***وكثرةُ المزحِ مفتاحُ العداواتِ



وقال منصور بن محمد الكريزي:


الرفقُ أيمنُ شيءٍ أنت تتبعُه***والخرقُ أشأمُ شيءٍ يقدُمُ الرِّجلا



وذو التثبتِ مِن حمدٍ إلى ظفرٍ***مَن يركبِ الرِّفقَ لا يستحقبِ الزَّللا



وقال النابغة:


الرِّفقُ يمنٌ والأناةُ سلامة***فاستأنِ في رفقٍ تلاقِ نجاحًا



وقال أحمد بن موسى الأزرق:


وزِنِ الكلامَ إذا نطقتَ، فإنَّما***يُبدي العقولَ أو العيوبَ المنطقُ



لا أُلفينَّك ثاويًا في غربةٍ***إنَّ الغريبَ بكلِّ سهمٍ يُرشقُ



لو سار ألفُ مدجَّجٍ في حاجةٍ***لم يقضِها إلا الذي يترفَّقُ



وقال مسلم بن الوليد:


ينالُ بالرِّفق ما يعيا الرجالُ به***كالموتِ مستعجلًا يأتي على مهلِ



وقال محمد بن حبيب الواسطي:


بنيَّ إذا ما ساقك الضرُّ فاتئدْ***فللرِّفقُ أولى بالأريبِ وأحرزُ



فلا تَحْمَينْ عند الأمورِ تعزُّزًا***فقد يورثُ الذُّلَ الطويلَ التعززُ



وقال آخر:


خذِ الأمورَ برفقٍ واتئدْ أبدًا***إياك مِن عجلٍ يدعو إلى وصبِ



الرفقُ أحسنُ ما تُؤتَى الأمورُ به***يصيبُ ذو الرفقِ أو ينجو مِن العطبِ



وقال المنتصر بن بلال:


وعليك في بعضِ الأمورِ صعوبةٌ***والرِّفقُ للمستصعباتِ مِرانُ



وبحسنِ عقلِ المرءِ يثبتُ حالُه***وعلى المغارسِ تُثمرُ العيدانُ



وقال أبو الحسن الربعي:


الرِّفقُ ألطفُ ما اتخذتَ رفيقَا***ويسوءُ ظنُّك أن تكونَ شفيقا



فخذِ المجازَ مِن الزمانِ وأهلِه***ودعِ التعمقَ فيه والتحقيقا



وإذا سألتَ اللهَ صحبةَ صاحبٍ***فاسألْه في أن يصحبَ التوفيقا



وانظرْ بعينِك حازمًا متعذرًا***في حيثُ شئتَ وعاجزًا مرزوقا





محمد رافع 52 29-04-2013 07:26 PM

السَّتر
معنى السَّتر لغةً واصطلاحًا
معنى السَّتر لغةً:
السَّتْـرُ: تَغَطية الشَّيء، وهو مَصْدَرُ سَتَر الشَّيء يَسْتُرُه ويَسْتِرُه سَتْرًا وسَتَرًا، أي: غَطَّاهُ أو أخفاهُ.
وكلُّ شَيْء سَتَــرْتَه فالشَّيء مَسْتُور، والذي تَسْتُرُه به سِتْرٌ له.
والسِّتْرُ والسُّتْرَةُ والمسْتَرُ والسِّتَارُ والسِّتَارَةُ: ما يُسْتَتَرُ به، قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا [الكهف: 90] .
معنى السَّتر اصطلاحًا:
المراد بالسَّتْر هنا (السَّتْـرُ على المسلم إن وقع في معصية، شريطة أن لا يعلنها ويجهر بها) .
وقيل: (السَّتْـرُ هو: إخفاء العيب، وعدم إظهاره، فمن كان معروفًا بالاستقامة، وحصل منه الوقوع في المعصية، نُوصِح وسُتِر عليه) .

محمد رافع 52 29-04-2013 07:29 PM

الفرق بين الغُفْران والسَّتر

(أنَّ الغُفْران أخصُّ، وهو يقتضي إيجاب الثَّواب. والسَّتْر: ستْـرُك الشَّيء بسِتْرٍ، ثم استعمل في الإضراب عن ذِكْر الشَّيء، فيقال: سُتِر فلانٌ، إذا لم يُذْكر ما اطُّلِع عليه من عثراته. وسَتَر الله عليه، خلاف فضحه. ولا يقال لمن يُسْتر عليه في الدُّنيا إنَّه غُفِر له؛ لأنَّ الغُفْران يُنبئ عن استحقاق الثَّواب على ما ذكرنا، ويجوز أن يُستر في الدُّنيا على الكافر والفاسق) .
وقال أبو البقاء الكفوي: (الغُفْران: يقتضي إسقاط العقاب، ونيل الثَّواب، ولا يستحقُّه إلَّا المؤمن، ولا يُستعمل إلَّا في البارئ تعالى. والسَّتْـرُ: أخص من الغُفْران إذ يجوز أن يَسْتر ولا يَغْفر)

mabrok 29-04-2013 07:43 PM

جزاك الله كل خير

محمد رافع 52 29-04-2013 08:05 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mabrok (المشاركة 5246262)
جزاك الله كل خير

بارك الله فيك

محمد رافع 52 01-05-2013 05:33 PM

أولًا: في القرآن الكريم
لقد حثَّ الإسلام على السَّتْر، ورغَّب فيه، واتَّخذ وسائل من أجل ذلك، فشرع حدَّ القذف، حتَّى لا يُطْلِق كلُّ أحد لسانه، وكذا أمر في إثبات حدِّ الزِّنى بأربعة شهود، ونهى عن أن يتجسَّس المسلم على أخيه، كما توعَّد بالعذاب لكلِّ من يشيع الفاحشة في المؤمنين:
- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النُّور: 19].
قال ابن كثير: (أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا أي: بالحدِّ، وفي الآخرة بالعذاب) .
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12].
عن مجاهد في قوله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا قال: (خذوا ما ظهر لكم، ودعوا ما سَتَر الله) .
وقال الطَّبري: (وقوله: وَلا تَجَسَّسُوا يقول: ولا يتتبَّع بعضكم عَوْرة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظُّهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذمُّوا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره) .
- وقال تعالى: وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ [فصِّلت: 22].
قال القرطبي: (معنى تَسْتَتِرُونَ: تستخفون، في قول أكثر العلماء، أي: ما كنتم تستخفون من أنفسكم حذرًا من شهادة الجوارح عليكم، ولأنَّ الإنسان لا يمكنه أن يُخفِي من نفسه عمله، فيكون الاستخفاء بمعنى ترك المعصية) .
وقال البيضاوي: (أي: كنتم تَسْتَتِرون عن النَّاس عند ارتكاب الفواحش، مخافة الفضيحة، وما ظننتم أنَّ أعضاءكم تشهد عليكم بها، فما اسْتَـتَــرْتم عنها. وفيه تنبيه على أنَّ المؤمن ينبغي أن يتحقَّق أنَّه لا يمرُّ عليه حال إلا وهو عليه رقيب. وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ [فصِّلت: 22] فلذلك اجترأتم على ما فعلتم) .

محمد رافع 52 01-05-2013 05:44 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويِّة

كان النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرَّجل الشَّيء،لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ وهذا مشهور عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من المجَاهرة: أن يعمل الرَّجل باللَّيل عملًا، ثمَّ يصبح وقد سَتَره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يَسْتُره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه)) .
قال ابن الجوزي: (المجَاهرون: الذين يجاهرون بالفواحش، ويتحدَّثون بما قد فعلوه منها سرًّا، والنَّاس في عافية من جهة الهمِّ مستورون، وهؤلاء مُفْتَضحون) .
قال العيني: (أنَّ ستْر الله مستلزم لستْر المؤمن على نفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجَاهرة، فقد أغضب الله تعالى فلم يَسْتُره، ومن قصد التَّسَتُّر بها حياءً من ربِّه ومن النَّاس، مَنَّ الله عليه بِسِتره إيَّاه) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كُرْبة من كُرَب الآخرة، ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)) .
قال المباركفوري: (من سَتَر مسلمًا، أي: بَدَنه أو عيبه بعدم الغيبة له، والذَّبِّ عن معائبه، وهذا بالنِّسبة إلى من ليس معروفًا بالفساد، وإلَّا فيُستحب أن تُــرْفع قصَّته إلى الوالي، فإذا رآه في معصية، فينكرها بحسب القدرة، وإن عَجز، يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتَّب عليه مفسدة) .
- وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عَورَاتهم، فإنَّه من اتَّبع عَوراتهم يتَّبع الله عَوْرته، ومن يتَّبع الله عَوْرته يفضحه في بيته)) .
(فاسْتُر إخوانك، فإنَّه لا طاقة لك بحرب الله، القادر على كشف عيوبك، وفضح ذنوبك، التي لا يعلمها النَّاس عنك، وألْجِم لسانك عن الخوض في الأعراض، وتتبُّع العَورات، وإفساد صِيت إخوانك، وإساءة سُمْعَتهم) .
- وفي قصَّة ماعز بن مالك الأسلمي، عندما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف على نفسه بالزِّنى، وسأله أن يقيم عليه الحدَّ ليطهِّره، فأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم برجمه . فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله مع من زنيت، وكذلك المرأة الغامديَّة ، عندما أقرَّت على نفسها،لم يسألها النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
- وفي إحدى روايات حديث ماعز، أنَّه جاء إلى أبي بكر الصِّديق، فقال له: ((إنَّ الآخر زنى -يريد نفسه- فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ فقال: لا. فقال له أبو بكر: فتُب إلى الله، واسْتَتِر بسِتر الله؛ فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده. فلم تُقْرِره نفسه، حتَّى أتى عمر بن الخطَّاب، فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر. فلم تُقْرِره نفسه حتَّى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: إنَّ الآخر زنى. فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرَّات، كلُّ ذلك يُعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى إذا أكثر عليه، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: أيشتكي، أم به جِنَّة؟ فقالوا: يا رسول الله، والله إنَّه لصحيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبِكْر أم ثيِّب؟ فقالوا: بل ثيِّب، يا رسول الله، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرُجِم)) .
قال ابن عبد البر: (وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ السَّتْر أولى بالمسلم على نفسه -إذا وقَّع حدًّا من الحدود- من الاعتراف به عند السُّلطان، وذلك مع اعتقاد التَّوبة والنَّدم على الذَّنب، وتكون نيَّته ومعتقده ألَّا يعود، فهذا أولى به من الاعتراف، فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده، ويحبُّ التَّــوَّابين) .
- وفي رواية: ((أنَّ رجلًا اسمه هَزَّال، هو الذي أشار على ماعز أن يأتي النَّبي صلى الله عليه وسلم فيخبره، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك)) .
قال أبو الوليد الباجي: (وقوله صلى الله عليه وسلم لـهَزَّال ((يا هَزَّال، لو سَتَــرْته بردائك، لكان خيرًا لك)). هَزَّال هذا هو: هَزَّال بن رئاب بن زيد بن كليب الأسلمي. ويريد بقوله: ((لو سَتَــرْته بردائك، لكان خيرًا لك)). يريد: ممَّا أظهرته من إظهار أمره، وإخبار النَّبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر به، فكان ستْره بأن يأمره بالتَّوبة، وكتمان خطيئته، وإنَّما ذكر فيه الرِّداء على وجه المبالغة، بمعنى أنَّه لو لم تجد السَّبيل إلى سِتْره إلَّا بأن تَسْتُره بردائك ممَّن يشهد عليه، لكان أفضل ممَّا أتاه، وتسبَّب إلى إقامة الحدِّ عليه، والله أعلم وأحكم) .
وقال ابن الأثير: (ومنه حديث ماعز ((ألَا سَتَرْته بثوبك يا هَزَّال)). إنما قال ذلك حبًّا لإخفاء الفضيحة، وكراهيةً لإشاعتها) .

محمد رافع 52 01-05-2013 05:48 PM

أقوال السَّلف والعلماء في الحثِّ على السَّتْر
- قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: (لو أخذت سارقًا لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ، ولو أخذت شاربًا، لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ) .
- وعن أبي الشَّعثاء قال: (كان شُرَحْبِيل بن السِّمْط على جيشٍ، فقال لجيشه: إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب- يعني الخمر- فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فنطهِّره، فأتاه ناس، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب، فكتب إليه: أنت- لا أمَّ لك - الذي يأمر النَّاس أن يهتكوا سِتْر الله الذي سَتَرَهم به) .
- وعن المعْرُور بن سُوَيْد قال: (أُتي عمر بامرأة راعية زنت، فقال عمر: ويح المرِّيَّة، أفسدت حَسَبَها، اذهبا بالمرِّيَّة فاجلداها، ولا تخرقا عليها جلدها، إنَّما جعل الله أربعة شهداء سترًا ستركم به دون فواحشكم، ولو شاء لجعله رجلًا صادقًا أو كاذبًا، فلا يطَّلعنَّ سِتْر الله منكم أحد) .
- وعن الشَّعبي: أنَّ رجلًا أتى عمر بن الخطَّاب، قال: (إنَّ ابنة لي أصابت حدًّا، فعَمَدت إلى الشَّفْرة، فذبَحَت نفسها، فأدركتُها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت، ثم أنَّها نَسَكت، فأقبلت على القرآن، فهي تُخْطب إليَّ، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له عمر: تعمد إلى سِتْر سَتَره الله فتكشفه؟ لئن بلغني أنَّك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنَّك نَكالًا لأهل الأمصار، بل أنكِحها نكاح العفيفة المسلمة) .
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ثلاث أحلف عليهنَّ، والرَّابعة لو حلفت لبَررْت: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولَّى اللهَ عبدٌ في الدُّنيا فولَّاه غيره يوم القيامة، ولا يحبُّ رجل قومًا، إلا جاء معهم يوم القيامة، والرَّابعة التي لو حلفت عليها لبَررْت: لا يَسْتُر الله على عبد في الدُّنيا، إلَّا سَتَر عليه في الآخرة) .
- وعن مريم بنت طارق: (أنَّ امرأة قالت لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمَّ المؤمنين، إنَّ كَرِيًّا أخذ بساقي وأنا مُحْرِمَة، فقالت -رضي الله عنها-: حِجْرًا حِجْرًا حِجْرًا ، وأعرضت بوجهها، وقالت بكفِّها، وقالت: يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكنَّ ذنبًا، فلا تخبرنَّ به النَّاس، ولتستغفر الله تعالى، ولتتب إليه؛ فإنَّ العباد يُعَيِّرُون ولا يُغَيِّرُون، والله تعالى يُغَيِّر ولا يُعَيِّر) .
- وعن أبي عثمان النَّهدي، قال: (إنَّ المؤمن ليُعطى كتابه في سِتْرٍ من الله تعالى، فيقرأ سيِّئاته فيتغيَّر لونه، ثمَّ يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثمَّ ينظر، وإذا سيِّئاته قد بُدِّلت حسنات، فعند ذلك يقول: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: 19]) .
- وقال الحسن البصري: (من كان بينه وبين أخيه سِتْر فلا يكشفه) .
- وعن إبراهيم بن أدهم، قال: (بلغني أنَّ عمر بن عبد العزيز قال لخالد ابن صفوان: عِظْني وأوجز. قال: فقال خالد: يا أمير المؤمنين، إنَّ أقوامًا غرَّهم سِتْر الله عزَّ وجلَّ، وفتنهم حُسْن الثَّناء، فلا يغلبنَّ جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالسِّتْر مغرورين، وبثناء النَّاس مسرورين، وعمَّا افترض الله متخلِّفين مقصرين، وإلى الأهواء مائلين. قال: فبكى، ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتِّباع الهوى) .
- وقال العلاء بن بدر: (لا يعذِّب الله عزَّ وجلَّ قومًا يسترون الذُّنوب) .
- وعن محمود بن آدم قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: (لولا ستْر الله عزَّ وجلَّ ما جالسَنا أحدٌ) .
- وعن شُبَيْل بن عوف الأَحْمَسِي، قال: (كان يقال: من سمع بفاحشة، فأفشاها، كان فيها كالذي بدأها) .
- وعن عبد الله بن المبارك، قال: (كان الرَّجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في سِتْر، ونهاه في سِتْر، فيُؤجر في سِتْره، ويُؤجر في نهيه، فأمَّا اليوم فإذا رأى أحدٌ من أحدٍ ما يكره، استغضب أخاه، وهتك سِتْره) .
- وقال الفضيل بن عياض: (المؤمن يَسْتر وينصح، والفاجر يهتِك ويُعيِّر) .
- وعن عبيد الله بن عبد الكريم الجِيْلِي، قال: (من رأيته يطلب العثرات على النَّاس، فاعلم أنَّه معيوب، ومن ذكر عَورات المؤمنين، فقد هتك سِتْر الله المرخَى على عباده) .
- وقال ابن رجب: (رُوي عن بعض السَّلف أنَّه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب النَّاس، فذكر النَّاس عيوبهم. وأدركت أقوامًا، كانت لهم عيوب فكَفُّوا عن عيوب النَّاس فنُسيت عيوبهم) .
وقال ابن القيِّم: (وأمَّا اكتفاؤه في ال*** بشاهدين دون الزِّنا، ففي غاية الحِكْمة والمصلحة؛ فإنَّ الشَّارع احتاط للقصاص والدِّماء، واحتاط لحدِّ الزِّنا، فلو لم يقبل في ال*** إلَّا أربعة لضاعت الدِّماء، وتواثب العادون، وتجرَّءوا على ال***؛ وأمَّا الزِّنا فإنَّه بَالَغَ في سِتْره، كما قدَّر الله سِتْره، فاجتمع على ستْره شرع الله وقدره، فلم يقبل فيه إلَّا أربعة يصِفُون الفِعْل وصف مشاهدة، ينتفي معها الاحتمال؛ وكذلك في الإقرار، لم يكتف بأقلَّ من أربع مرَّات، حرصًا على سِتْر ما قدَّر الله ستْره، وكَرِه إظهاره، والتَّكلُّم به، وتوعَّد من يحبُّ إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم، في الدُّنيا والآخرة) .
وقال أيضًا: (للعبد سِتْرٌ بينه وبين الله، وسِتْرٌ بينه وبين النَّاس، فمن هتك السِّتْر الذي بينه وبين الله، هتك الله السِّتْر الذي بينه وبين النَّاس) .
وقال أيضًا: (ومن النَّاس من طبعه طبع خنزير: يمرُّ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قَمَّه ، وهكذا كثير من النَّاس، يسمع منك، ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ، فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة، أو كلمة عَوْراء، وجد بغيته، وما يناسبها، فجعلها فاكهته ونقله) .
وقال أبو البركات الغزي العامري في كلامه عن آداب العِشْرة بين المسلمين: (ومنها: الاجتهاد في سِتْر عَورَات الإخوان وقبائحهم، وإظهار مناقبهم، وكونهم يدًا واحدةً في جميع الأوقات) .

محمد رافع 52 01-05-2013 05:53 PM

فوائد السَّتْرِ

1- نشر الحبِّ والألفة بين المؤمنين.
2- أنه يعين العاصي على أن يتدارك نفسه، ويتوب إلى الله توبةً نصوحًا، وبالعكس فلو فُضِح وشُهِّر به، لكان في هذا إعانة للشَّيطان عليه، حيث يدفعه إلى مزيد من المعاصي والآثام.
3- أنَّ فَضْح النَّاس -وخاصة أهل الفضل منهم إن بدت منهم زلَّة أو هفوة- قد يجرِّئ كثيرًا من عوام النَّاس على المعاصي.
4- أنَّ نفس السَّاتر تزكو، ويرضى عنه الله، ويَسْتُره في الدُّنيا والآخرة.
متى ينبغي السَّتْر على المسلم؟
ينبغي على المسلم أن يَسْتر إخوانه المسلمين، وخاصَّةً إذا كانوا من ذوي الهيئات، وممَّن ليسوا معروفين بالأذى والفساد، أمَّا إذا كانوا معروفين بالفساد، ويجاهرون به، فلا يَسْتُر عليهم. يقول ابن تيمية: (فمن أظهر المنكر، وجب عليه الإنكار، وأن يُهْجَر ويُذَمَّ على ذلك. فهذا معنى قولهم: من ألقى جلباب الحياء، فلا غيبة له. بخلاف من كان مُسْتَتِرًا بذنبه، مُسْتَخْفيًا، فإنَّ هذا يُسْتَر عليه؛ لكن يُنْصَح سِرًّا، ويَهْجُره من عرف حاله، حتَّى يتوب، ويَذْكر أمره على وجه النَّصيحة) .
وقال النَّووي: (وأمَّا السَّتر المندوب إليه هنا، فالمراد به: السَّتر على ذوي الهيئات ونحوهم، ممَّن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد، فأمَّا المعروف بذلك، فيُسْتَحبُّ أن لا يُسْتَر عليه، بل تُرْفَع قضيته إلى وليِّ الأمر، إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأنَّ السِّتر على هذا يُطْمِعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله. هذا كلُّه في سِتْر معصية وقعت وانقضت، أمَّا معصية رآه عليها، وهو بعد متلبِّسٌ بها، فتجب المبادرة بإنكارها عليه، ومنعه منها على من قَدر على ذلك، ولا يحلُّ تأخيرها، فإن عجز، لزمه رفعها إلى ولي الأمر، إذا لم تترتَّب على ذلك مفسدة، وأمَّا جَرْح الرُّواة والشُّهود والأُمناء على الصَّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، فيجب جَرْحُهم عند الحاجة، ولا يحلُّ السِّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة، وهذا مُجْمَعٌ عليه، قال العلماء في القسم الأوَّل -الذي يُسْتَر فيه-: هذا السِّتر مندوب، فلو رفعه إلى السُّلطان ونحوه،لم يأثم بالإجماع، لكن هذا خلاف الأولى، وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه، والله أعلم) .
وقال ابن رجب: (واعلم أنَّ النَّاس على ضربين:
أحدهما: من كان مَسْتُورًا، لا يُعْرَف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هَفْوة، أو زلَّة، فإنَّه لا يجوز كشفها، ولا هتكها، ولا التَّحدث بها؛ لأنَّ ذلك غيبة محرَّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النُّور: 19]. والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن المسْتَتِر فيما وقع منه، أو اتُّهم به وهو بريء منه، كما في قصَّة الإفك. قال بعض الوزراء الصَّالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تَسْتُر العصاة، فإنَّ ظهور معاصيهم، عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستْر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائبًا نادمًا وأقرَّ بحدٍّ، ولم يفسِّره، لم يُسْتَفْسَر، بل يؤمر بأن يرجع ويَسْتر نفسه، كما أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامديَّة، وكما لم يَسْتَفْسر الذي قال: أصبت حدًّا، فأقمه علي. ومثل هذا لو أُخِذ بجريمته، ولم يبلغ الإمام، فإنَّه يُشْفَع له، حتَّى لا يبلغ الإمام.
والثَّاني: من كان مُشْتَهِرًا بالمعاصي، معلنًا بها، لا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعْلن، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسن البصري وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره؛ لتقام عليه الحدود. صرَّح بذلك بعض أصحابنا، واستدل بقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها)) . ومثل هذا لا يُشْفَع له إذا أُخِذ، ولو لم يبلغ السُّلطان، بل يُتْرك حتَّى يُقَام عليه الحدُّ، لينكفَّ شرُّه، ويَرْتَدع به أمثاله. قال مالك: من لم يُعرف منه أذى للناس، وإنَّما كانت منه زلَّة، فلا بأس أن يُشْفع له، ما لم يبلغ الإمام، وأمَّا من عُرِف بشَرٍّ أو فساد، فلا أحبُّ أن يشفع له أحد، ولكن يُتْرك حتَّى يُقَام عليه الحدُّ. حكاه ابن المنذر وغيره.
وكره الإمام أحمد رَفْع الفُسَّاق إلى السُّلطان بكلِّ حال، وإنَّما كرهه؛ لأنَّهم غالبًا لا يقيمون الحدود على وجهها، ولهذا قال: إن عَلِمت أنَّه يقيم عليه الحدَّ فارفعه، ثمَّ ذكر أنَّهم ضربوا رجلًا، فمات، يعني: أنَّه لم يكن قَتْلُه جائزًا.
ولو تاب أحد من الضَّرب الأوَّل، كان الأفضل له أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى، ويَسْتُر على نفسه.
وأما الضَّرب الثَّاني، فقيل: إنَّه كذلك، وقيل: بل الأولى له أن يأتي الإمام، ويقرَّ على نفسه بما يوجب الحدَّ، حتَّى يطهِّره) .
السَّتْرُ لا يعني ترك إنكار المنكر:
لا يعني السَّتْر ترك الإنكار على من تَسْتُره فيما بينك وبينه، وإذا أنكرت عليه، ونصحته، فلم ينتهِ عن قبيح فعله، ثمَّ جَاهَر به جازت الشَّهاده عليه بذلك، كما ذكر ذلك العلماء، وقد فرَّق ابن حجر بين مَحَلِّ السَّتر والإنكار، قال: (والذي يظهر أنَّ السَّتر محلُّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حَصل التَّلبُّس بها، فيجب الإنكار عليه، وإلَّا رفعه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة) .
وينبغي أن تكون النَّصيحة سرًّا ولا تكون أمام الملأ.
يقول الشافعي في ذلك:


تَعَمَّدني بنصحك في انفرادي***وجنِّبني النَّصيحة في الجماعهْ



فإنَّ النُّصح بين النَّاس نوع***من التَّوبيخ لا أرضى استماعه



وإن خالفتني وعصيت قولي***فلا تجزع إذا لم تُعط طاعهْ


محمد رافع 52 01-05-2013 05:57 PM

صور السَّتْرِ

1- ستر المسلم نفسه:
(المسلم عليه أن يستر نفسه، فلا يُشْهر خطاياه أمام الخَلْق، ولا يذكر زلَّاته أمام النَّاس، ولو كانوا أصدقاءه، إلَّا على وجه السُّؤال والفتيا، دون تحديد أنَّه الفاعل، سيَّما عند من يعرفه) .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من المجَاهرة أن يعمل الرَّجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يَسْتُره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أيُّها النَّاس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئًا، فليَسْتَتر بسِتْر الله)) .
2- ستْر المسلم لإخوانه المسلمين:
وكما يَسْتُر المسلم نفسه، عليه أن يَسْتُر إخوانه المسلمين، إذا رأى منهم عيبًا أو خطأً، قال صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كُرْبةً من كُرَب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كُرْبةً من كُرَب الآخرة، ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)) .
3- ستْر الميِّت:
إذا غسَّل المسلم ميِّتًا، فرأى فيه شيئًا معيبًا، فعليه أن يَسْتره، ويكتم أمره، قال صلى الله عليه وسلم: ((من غسَّل ميِّتًا، فكتم، غَفَر الله له أربعين مرَّةً)) .
الوسائل المعينة على اكتساب صفة السَّتْر:
1- أن تعلم فضل السَّتْر، وأنَّ من سَتَر أخاه المسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة.
2- أن تستشعر معنى أخوة الإيمان، فقد قال الله عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في تَوَادِّهِم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عُضْو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى)) .
3- أن تضع نفسك مكان أخيك الذي أخطأ وزلَّ، فهل تحبُّ أن تُفْضَح أم تُسْتَر؟ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم، حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه)) ، وعن عكرمة أنَّ ابن عبَّاس، وعمَّارًا، والزُّبير -رضي الله عنهم جميعًا- أخذوا سارقًا، فخلوا سبيله، فقلت لابن عبَّاس: (بئسما صنعتم حين خلَّيتم سبيله، قال: لا أمَّ لك، أما لو كنت أنت، لسرَّك أن يُخَلَّى سبيلك) .
4- أن ينشغل العبد بإصلاح نفسه: قال الحسن البصري: (يا ابن آدم، لن تنال حقيقة الإيمان حتَّى لا تعيب النَّاس بعيب هو فيك، وتبدأ بذلك العيب من نفسك، فتصلحه، فما تصلح عيبًا إلَّا ترى عيبًا آخر، فيكون شغلك في خاصَّة نفسك). وقيل لربيع بن خُثَيْم: ما نراك تعيب أحدًا، ولا تذمُّه! فقال: ما أنا على نفسي براضٍ، فأتفرَّغ من عيبها إلى غيرها) .

نسيــــــم الجنـــــــــة 01-05-2013 06:02 PM

بوركت جهودكم القيمة

محمد رافع 52 01-05-2013 06:03 PM

السَّتْرُ في واحة الشِّعر
قال ثعلب:


ثلاثُ خصالٍ للصَّديقِ جعلتُها***مُضَارِعَةً للصَّومِ والصَّلواتِ



مواساتُه والصَّفحُ عن عثراتِه***وتركُ ابتذالِ السِّرِّ في الخلواتِ



وقيل:


إذا شئتَ أن تحيا ودينُك سالـمٌ***وحظُّك موفورٌ وعرضُك صَيِّنُ



لسانُك لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ***فعندك عَوراتٌ وللنَّاسِ ألسنُ



وعينُك إن أبدتْ إليك معايبًا***لقومٍ فقلْ: يا عينُ للنَّاسِ أعينُ



وصاحبْ بمعروفٍ وجانبْ مَن اعتدَى***وفارقْ ولكن بالتي هي أحسنُ



وقال الشَّاعر:


إذا المرءُ لم يلبسْ ثيابًا مِن الـتُّقَى***تقلَّبَ عريانًا وإن كان كاسيَا



وخيرُ لباسِ المرءِ طاعةُ ربِّه***ولا خيرَ فيمَن كان للهِ عاصيَا



وقال أحمد شوقي:


ومن لم يُقِمْ سِتْرًا على غيرِه***يعِشْ مُسْتَباحَ العرضِ مُنْهَتك السِّتر



وقيل:


شرُّ الورَى مَن بعيبِ النَّاسِ مُشْتَغلٌ***مثلَ الذُّبابِ يراعي موضعَ العللِ



وقال ابن الأعرابي:


إذا المرءُ وفى الأربعين ولم يكنْ***له دونَ ما يأتي حياءٌ ولا سِتْرُ



فدعْه ولا تَنْفَسْ عليه الذي أتى***ولو مد أسباب الحياة له العمر



وقال الشَّاعر:


إذا أنت عِبْتَ النَّاس عابوا وأكثروا***عليك وأبدوا منك ما كان يُسْتَرُ



وقد قال في بعض الأقاويل قائل***له منطق فيه لسان محبر



إذا ما ذكرتَ النَّاسَ فاتركْ عيوبَهم***فلا عيبَ إلا دون ما فيك يُذْكَرُ



فإن عِبْتَ قومًا بالذي ليس فيهم***فذاك عندَ الله والنَّاسِ أكبرُ



وإن عِبْتَ قومًا بالذي فيك مثله***فكيف يَعِيب العُورَ من هو أعورُ





محمد رافع 52 01-05-2013 06:04 PM

http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg

السَّكِينَة
معنى السَّكِينَة لغةً واصطلاحًا

معنى السَّكِينَة لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة.
فالسُّكُونُ ضدُّ الحركة، يقال: سَكَنَ الشَّيء يَسْكُنُ سُكونًا، إذا ذهبت حركته، وكلُّ ما هَدَأَ فقد سَكَن، كالرِّيح والحَرِّ والبرد ونحو ذلك، وسَكَنَ الرَّجل سكت.
والسكينة: الطمأنينة والاستقرار والرزانة والوقار .
معنى السَّكِينَة اصطلاحًا:
قال ابن القيِّم: (هي الطُّمَأنِينة والوَقَار والسُّكون، الذي ينزِّله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدَّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوَّة اليقين والثَّبات) .
وقال الجرجانى: (السَّكِينَة: ما يجده القلب من الطُّمَأنِينة عند تنزُّل الغيب، وهي نور في القلب يَسْكُن إلى شاهده ويطمئن) .

محمد رافع 52 01-05-2013 06:06 PM

الفرق بين السَّكِينَة والوَقَار
السَّكِينَة والوَقَار كلمتان مترادفتان، إلَّا أنَّ هناك فرقًا طفيفًا بينهما، قال أبو هلال العسكري: (إنَّ السَّكِينَة مُفَارَقة الاضطراب عند الغضب والخوف، وأكثر ما جاء في الخوف؛ ألَا ترى قوله تعالى: فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [التَّوبة: 40] وقال: فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 26]، ويُضَاف إلى القلب، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 4] فيكون هيبة وغير هيبة، والوَقَار لا يكون إلا هيبة.
المشهور في الفرق بينهما: أنَّ السَّكِينَة هيئةٌ بدنيَّةٌ تنشأ من اطمئنان الأعضاء.
والوَقَار: هيئةٌ نفسانيَّةٌ تنشأ من ثبات القلب، ذكر ذلك صاحب ((التنقيح))، ونقله صاحب ((مجمع البحرين)) عن بعض المحقِّقين.
ولا يخفى أنَّه لو عُكِس الفرق، لكان أصوب، وأحقَّ بأن تكون السَّكِينَة هيئةً نفسانيَّةً، والوَقَار: هيئةٌ بدنيَّةٌ) .

محمد رافع 52 01-05-2013 06:27 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نسيــــــم الجنـــــــــة (المشاركة 5249492)
بوركت جهودكم القيمة

جزاكم الله خيراً

محمد رافع 52 03-05-2013 12:36 AM

أولًا: في القرآن الكريم
- قوله تعالى: ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [التَّوبة: 26].
أي: أنزل عليهم ما يُسكِّنهم ويُذهب خوفهم، حتَّى اجترؤوا على قتال المشركين بعد أن ولَّوا .
- قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا [التَّوبة: 40].
قال أبو جعفر: (يقول تعالى ذكره: فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله، وقد قيل: على أبي بكر، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا، يقول: وقوَّاه بجنود من عنده من الملائكة، لم تروها أنتم وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ، وهي كلمة الشِّرك السُّفْلَى، لأنَّها قُهِرت وأُذِلَّت، وأبطلها الله تعالى، ومَحَق أهلها، وكلُّ مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب، والغالب هو الأعلى. وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا، يقول: ودين الله وتوحيده وقول لا إله إلَّا الله، وهي كلمته (العُليا)، على الشِّرك وأهله، الغالبة) .
- قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح: 4].
يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ أي: جعل الطُّمَأنِينة. قاله ابن عبَّاس، وعنه: الرَّحمة. وقال قتادة: الوَقَار في قلوب المؤمنين. وهم الصَّحابة يوم الحُدَيبِية، الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلمَّا اطمأنَّت قلوبهم لذلك، واستقرَّت، زادهم إيمانًا مع إيمانهم .
- قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18].
وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ أي: من الصِّدق والوفاء، والسَّمع والطَّاعة، فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ: وهي الطُّمَأنِينة، وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وهو ما أجْرَى الله على أيديهم من الصُّلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتَّصل بفتح خيبر، وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العزِّ والنَّصر والرِّفعة في الدُّنيا والآخرة؛ ولهذا قال: وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح: 18] .
- قوله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 26].
فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي الطُّمَأنِينة والوَقَار.
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وقيل: ثبَّتهم على الرِّضا والتَّسليم، ولم يدخل قلوبهم ما أدْخَل قلوب أولئك من الحَمِيَّة .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:39 AM

ثانيًا: في السُّنَّة النبوية
- عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أُقِيمت الصَّلاة، فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السَّكِينَة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) .
(فيه: النَّدب الأكيد إلى إتيان الصَّلاة بسَكِينة ووَقَار، والنَّهي عن إتيانها سعيًا، سواءً فيه صلاة الجمعة وغيرها، سواءً خاف فَوْت تكبيرة الإحرام أم لا. والمراد بقول الله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] الذَّهاب، يقال: سَعَيْت في كذا أو إلى كذا، إذا ذهبت إليه، وعملت فيه) .
- وعن ابن عبَّاس أنَّهُ دفعَ معَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ عرَفَةَ ، فسمعَ النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ وراءَهُ زَجْرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبِلِ، فأشَارَ بسَوطِهِ إليهمْ، وقالَ: أيُّها الناسُ، عليكم بالسَّكِينَةِ) .
(علَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ) أي: لازموا الطُّمَأنِينة والرِّفق، وعدم المزَاحمة في السَّير.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت أحدًا كان أشبه سَمْتًا وهديًا ودلًّا. وفي رواية: (حديثًا، وكلامًا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه، قام إليها، فأخذ بيدها فقبَّلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته، وأجلسته في مجلسها)) .
قال القاري: (...((سمتًا)). أي: هيئة وطريقة كانت عليها من السَّكِينَة والوَقَار. قال الشَّارح: السَّمت في الأصل القَصْد، والمراد به: هيئة أهل الخير والتَّزيي بزيِّ الصَّالحين. ((وهديًا)) أي: سيرة وطريقة. يقال: فلان حَسَن الهدي، أي: حَسَن المذهب في الأمور كلِّها. ((ودلًّا)): بفتح دال وتشديد لام، فسَّره الرَّاغب بحُسْن الشَّمائل، وأصله من: دلِّ المرأة، وهو شَكْلها، وما يُسْتَحْسَن منها. والكلُّ ألفاظ متقاربة. قال التوربشتي: كأنَّها أشارت بالسَّمت إلى ما يُــرَى على الإنسان من الخشوع والتَّواضع لله، وبالهدي: ما يتحلَّى به من السَّكِينَة والوَقَار، إلى ما يسلكه من المنهج المرضي) .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:43 AM

أقوال السَّلف والعلماء في السَّكِينَة
- قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (تعلَّموا العلم، وتعلَّموا للعلم السَّكِينَة والحلم) .
- قال أبو محمَّد -في حديث علي-: إنَّ ابن عبَّاس -رحمه الله- قال: (ما رأيت رئيسًا مِحْرَبًا يُزَنُّ به ، لرأيته يوم صفِّين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، وكأنَّ عينيه سراجَا سليط وهو يحمش أصحابه إلى أن انتهى إليَّ وأنا في كثف فقال: معشر المسلمين استشعروا الخشية، وعَنُّوا الأصوات، وتجَلْبَبوا السَّكينة، وأكْملُوا اللُّؤَم، وأَخِفُّوا الجُنَن، وأَقْلقُوا السُّيوف في الغُمْد قبل السَّلَّة، والحَظُوا الشَّزْر، واطْعَنُوا الشَّزْر، أو النَّتْر، أو اليَسْر) .
- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كنَّا نتحدَّث أنَّ السَّكِينَة تنطق على لسان عمر وقلبه) .
- وقال ابن القيِّم: (السَّكِينَة إذا نزلت على القلب اطمأن بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوَقَار، وأنطقت اللِّسان بالصَّواب والحِكْمة، وحالت بينه وبين قول الخَنَا والفحش، واللَّغو والهجر وكلِّ باطلٍ. وفي صفة رسول الله في الكتب المتقدِّمة: إنِّي باعث نبيًّا أمِّيًّا، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخَّابٍ في الأسواق، ولا متزيِّنٍ بالفحش، ولا قوَّالٍ للخَنَا. أسدِّده لكلِّ جميلٍ، وأَهَب له كلَّ خُلق كريم، ثمَّ أجعل السَّكِينَة لِبَاسه، والبرَّ شعاره، والتَّقوى ضميره، والحِكْمَة معقوله، والصِّدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خُلُقه، والعدل سيرته، والحقَّ شريعته، والهدي إمامه، والإسلام ملَّته، وأحمد اسمه) .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:46 AM

فوائد السَّكِينَة
للتَّحلِّي بهذه الصِّفة فوائد وآثار طيِّبة، تخصُّ الفرد المتَحلِّي بها، وتعمُّ المجتمع من حوله.
قال ابن عثيمين: (السَّكِينَة هي: عدم الحركة الكثيرة، وعدم الطَّيش، بل يكون ساكنًا في قلبه، وفي جوارحه، وفي مقاله، ولا شكَّ أنَّ هذين الوصفين -الوَقَار والسَّكِينَة- من خير الخصال التي يمنُّ الله بها على العبد؛ لأنَّ ضدَّ ذلك: أن يكون الإنسان لا شخصيَّة له ولا هيبة له، وليس وقورًا ذا هيبة، بل هو مَهِين، قد وضع نفسه ونزَّلها، وكذلك السَّكِينَة ضدُّها أن يكون الإنسان كثير الحركات، كثير التَّلفت، لا يُــرَى عليه أثر سَكِينة قلبه، ولا قوله ولا فعله، فإذا مَنَّ الله على العبد بذلك، فإنَّه ينال بذلك خُلُقين كريمين) .
ومن فوائد السكينة ما يلي:
1- السَّكِينَة رداء ينزل فيثبِّت القلوب الطَّائرة، ويهدِّئ الانفعالات الثَّائرة.
2- أنَّ المتَحلِّي بها يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((السَّكِينَة السَّكِينَة)) .
3- متى نزلت على العبد السَّكِينَة: استقام، وصَلحت أحواله، وصَلح بالُه، وإذا ترحَّلت عنه السَّكِينَة، ترحَّل عنه السُّرور والأمن والدَّعة والرَّاحة وطيب العيش، فمِنْ أعظم نعم الله على عبده: تَـنَـزُّل السَّكِينَة عليه، ومن أعظم أسبابها: الرِّضا عنه .
4- المتَحلِّي بالسَّكِينَة يخشع في صلاته.
5- إنَّ من صفة النَّاسك السَّكِينَة؛ لغلبة التَّواضع وإتيان القناعة، ورفض الشَّهوات .
6- السَّكِينَة علامة من علامات رضا الله عزَّ وجلَّ.
7- أنَّ من ثمارها محبَّة الله للعبد، ومن ثمَّ محبَّة النَّاس له.
8- تجعل العبد قادرًا على تحمُّل المصيبة إذا نزلت.
9- تجعل العبد قادرًا على امتصاص غضبه في المواقف الصَّعبة.
وغير ذلك من الفوائد العظيمة، التي يجنيها الفرد والمجتمع المسلم من هذا الخُلِق الكريم.

محمد رافع 52 03-05-2013 12:49 AM

أقسام السَّكِينَة

1- عامَّة: وهى التى تخصُّ عامَّة الخَلْق، وهى التي يجدها العبد عند القيام بوظائف العبوديَّة، وهي التي تورث الخشوع والخضوع، وجمعيَّة القلب على الله، بحيث يؤدِّي عبوديَّته بقلبه وبدنه قانتًا لله عزَّ وجلَّ .
2- خاصَّة: وهى التي تخصُّ أتباع الرُّسل بحسب متابعتهم، وهي سَكِينة الإيمان، وهي سَكِينةٌ تُسَكِّن القلوب عن الرَّيب والشَّك، ولهذا أنزلها الله على المؤمنين في أصعب المواطن، أحوج ما كانوا إليها، هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح: 4]. فذكر نعمته عليهم بالجنود الخارجة عنهم، والجنود الدَّاخلة فيهم، وهي السَّكِينَة عند القلق والاضطراب .
أعلى مراتبها وأخصُّ أقسامها:
أعلى مراتب السَّكِينَة وأخصُّ أقسامها هي: سَكِينة الأنبياء، وقد ذكر ذلك ابن القيِّم وأورد لها أمثلة، فقال: ومن أمثلتها:
- السَّكِينَة التي حصلت لإبراهيم الخليل، وقد أُلْقي في المنْجَنِيق مسافرًا إلى ما أَضْرَم له أعداء الله من النَّار، فللَّه تلك السَّكِينَة التي كانت في قلبه حين ذلك السَّفر.
- السَّكِينَة التي حصلت لموسى، وقد غشيه فرعون وجنوده من ورائهم، والبحر أمامهم، وقد استغاث بنو إسرائيل: يا موسى إلى أين تذهب بنا؟! هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون خلفنا.
- وكذلك السَّكِينَة التي حصلت له وقت تكليم الله له نداءً ونجاءً، كلامًا حقيقةً، سمعه حقيقةً بأذنه.
- وكذلك السَّكِينَة التي حصلت له، وقد رأى العصا ثعبانًا مبينًا.
- وكذلك السَّكِينَة التي نزلت عليه، وقد رأى حبال القوم وعِصِيَّهم كأنَّها تسعى، فأوجس في نفسه خِيفةً.
- وكذلك السَّكِينَة التي حصلت لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد أشرف عليه وعلى صاحبه عدوُّهما، وهما في الغار، فلو نظر أحدهم إلى تحت قدميه لرآهما.
- وكذلك السَّكِينَة التي نزلت عليه في مواقفه العظيمة، وأعداء الله قد أحاطوا به، كيوم بدر، ويوم حُنين، ويوم الخندَّق وغيره.
فهذه السَّكِينَة أمر فوق عقول البَشَر، وهي من أعظم معجزاته عند أرباب البصائر، فإنَّ الكذَّاب -ولا سيَّما على الله- أَمْلَق ما يكون، وأخوف ما يكون، وأشدُّه اضطرابًا في مثل هذه المواطن، فلو لم يكن للرُّسل -صلوات الله وسلامه عليهم- من الآيات إلَّا هذه وحدها لكفتهم .
صور السَّكِينَة ودرجاتها:
قال صاحب ((المنازل)): (السَّكِينَة: اسم لثلاثة أشياء:
أوَّلها: سَكِينة بني إسرائيل التي أعطوها في التَّابوت.
السَّكِينَة الثَّانية: هي التي تَنْطِق على لسان المحدَّثين، ليست هي شيئًا يُملك، إنَّما هي شيء من لطائف صنع الحقِّ، تُلقى على لسان المحدَّث الحِكْمة، كما يُلقي الملَك الوحي على قلوب الأنبياء، وتنطق بنُكَت الحقائق مع ترويح الأسرار، وكشف الشُّبه.
السَّكِينَة الثَّالثة: هي التي نزلت على قلب النَّبي، وقلوب المؤمنين، وهي شيء يجمع قوَّةً وروحًا، يَسْكن إليه الخائف، ويتسلَّى به الحزين والضَّجِر، ويَسْكن إليه العَصِيُّ والجريء والأَبِيُّ.
وأمَّا سَكِينة الوَقَار التي نزَّلها نعتًا لأربابها: فإنَّها ضياء.
تلك السَّكِينَة الثَّالثة التي ذكرناها، وهي على ثلاث درجات:
الدَّرجة الأولى: سكينة الخشوع عند القيام للخدمة: رعاية وتعظيمًا وحضورًا.
الدَّرجة الثَّانية: السَّكِينَة عند المعاملة بمحاسبة النفوس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحق.
الدَّرجة الثَّالثة: السَّكِينَة التي تثبِّت الرِّضَى بالقَسْم، وتمنع من الشَّطْح الفاحش، وتوقِّف صاحبها على حدِّ الرُّتبة، والسَّكِينَة لا تَنْزل إلَّا في قلب نبيٍّ أو وليٍّ) .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:51 AM

الوسائل المعينة على التَّخلُّق بخُلق السَّكِينَة
1- الامتثال لقول الرَّسول صلى الله عليه وسلم ((عليكم بالسَّكِينَة)) .
2- مصاحبة ذوي الطَّبع الهادئ، وأصحاب السكينة فـــ((المرء على دين خليله)) .
3- القراءة في كتب السِّيرة النَّبويِّة.
4- معرفة فوائد وآثار السَّكِينَة.
5- التَّحلِّي بالصَّبر:
فالصَّبر من الفضائل الخُلقية، التي تُعَوِّد الإنسان السَّكِينَة والاطمئنان، وتكون بلسَمًا لجراحه، ودواءً لمرضه وبلائه، فالصَّابر يتلقَّى المكاره بالقبول، فيحبس نَفْسه عن السَّخط، فيتحلَّى بالسَّكِينَة والوَقَار .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:53 AM

المواطن التي تطلب عندها السكينة

(والمقصود أنَّ العبد محتاج إلى السَّكِينَة عند الوساوس المعترضة في أصل الإيمان؛ ليثبت قلبه ولا يزيغ، وعند الوساوس والخطرات القادحة في أعمال الإيمان؛ لئلَّا تقوى وتصير همومًا، وغمومًا، وإرادات ينقص بها إيمانه، وعند أسباب المخاوف على اختلافها، ليثبت قلبه، ويسكن جَأْشه، وعند أسباب الفرح؛ لئلَّا يطمح به مركبه، فيجاوز الحدَّ الذي لا يُعْبَر، فينقلب ترحًا وحزنًا، وكم ممَّن أنعم الله عليه بما يُفْرِحه، فجمح به مركب الفرح، وتجاوز الحدَّ، فانقلب ترحًا عاجلًا.
ولو أُعِين بسَكِينة تعدل فرحه، لأُرِيد به الخير، وبالله التوفيق.
وعند هجوم الأسباب المؤلمة، على اختلافها: الظَّاهرة والباطنة، فما أحوجه إلى السَّكِينَة حينئذ، وما أنفعها له وأجْدَاها عليه، وأحْسَن عاقبتها.
والسَّكِينَة في هذه المواطن، علامة على الظَّفَر، وحصول المحبوب، واندِّفاع المكروه، وفقدها علامة على ضدِّ ذلك، لا يخطئ هذا ولا هذا. والله المستعان) .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:55 AM

نماذج في السَّكِينَة
الرَّسول صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم من خُلُقِه السَّكِينَة الباعثة على الهيبة والتَّعظيم، الدَّاعية إلى التَّقديم والتَّسليم، وكان من أعظم مَهِيب في النُّفوس، حتَّى ارْتَاعت رُسُل كسرى من هيبته حين أتوه، مع ارتياضهم بصَوْلة الأكَاسِرة، ومكاثرة الملوك الجبابرة، فكان في نفوسهم أهيب، وفي أعينهم أعظم، وإن لم يتعاظم بأهبة، ولم يتطاول بسطوة، بل كان بالتَّواضع موصوفًا، وبالوِطاء معروفًا .
نماذج من العلماء:
أحمد بن حنبل:
عن المروذي، قال: لم أرَ الفقير في مجلس أعزَّ منه في مجلس أحمد، كان مائلًا إليهم، مُقْصرًا عن أهل الدُّنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعَجُول، وكان كثير التَّواضع، تعلوه السَّكِينَة والوَقَار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفُتيا، لا يتكلَّم حتَّى يُسْأل، وإذا خرج إلى مسجده، لم يتصدَّر .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:57 AM

آيات السَّكِينَة

ومقتضى السَّكِينَة هدوء النَّفس وسُكُونها. وفي ذلك يقول ابن القيِّم:
(كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا اشتدَّت عليه الأمور قرأ آيات السَّكِينَة.
وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شيطانيَّة ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوَّة، قال: فلمَّا اشتدَّ عليَّ الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السَّكِينَة. قال: ثمَّ أقلع عنِّي ذلك الحال، وجلست وما بي قَلَبةٌ .
وقال ابن القيِّم أيضًا: (قد جرَّبت -أنا أيضًا- قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه، فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته) .

محمد رافع 52 03-05-2013 01:02 AM

السَّكِينَة في واحة الشِّعر

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب يرتجز برَجَز عبد الله بن رواحة، ويقول:


اللهمَّ لولا أنت ما اهتدينا***ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا



فأَنْزِلَنْ سَكِينةً علينا***وثبِّت الأقدام إن لاقينا



إنَّ الأعداءَ قد بغوا علينا***إذا أرادوا فتنةً أبينا



وقال ابن المبارك في مسعر بن كدام:


من كان ملتمسًا جليسًا صالحًا***فليأتِ حلقةَ مِسْعرِ بنِ كِدَامِ



فيها السَّكِينَةُ والوَقَارُ، وأهلُها***أهلُ العفافِ وعِلْيَةُ الأقوامِ



وقال آخر:


أهلًا بقوم صالحين ذوي تُقَى***خير الرجال وزَيْن ملاءِ



يسعون في طلب الحديث بعفَّة***وتوقُّر وسَكِينة وحياءِ



لهم المهابة والجلالة والتقى***وفضائل جلَّت عن الإحصاءِ


محمد رافع 52 03-05-2013 01:05 AM

سلامة الصَّدر
معنى سلامة الصَّدر لغةً واصطلاحًا

معنى السلامة لغةً:
السلامة مصدر: سلم يسلَم بسلامة، يقال: سلم المسافر أي خلص ونجا من الآفات فهو سالم. ومعظم باب هذه المادة من الصِّحة والعافية؛ فالسلامة: أن يَسْلَم الإنسان من العاهة والأذى. قال أهل العلم: الله -جلَّ ثناؤه- هو السَّلام؛ لسلامته مما يَلْحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء، والسَّلام والسَلَامة: البَرَاءة .
معنى الصَّدر لغةً:
الصَّدر: أعلى مُقَدَّمِ كُلِّ شيءٍ، وكلُّ ما واجَهَكَ صَدْرٌ، وصَدْرُ القَناةِ أعلاها، وصَدْرُ الأمر أوَّلُه، كصَدْرُ النَّهارِ واللَّيْلِ، وصَدْرُ الشِّتاءِ والصَّيفِ، وما أشْبَه ذلك. وصَدْرُ الإِنسانِ: الجزء الممتدُّ من أسفل العنق إلى فضاء الجوف، وجمعُه: صُدورٌ، وسمِّي القلب صَدْرًا لحلوله به، وفي التَّنزيل العزيز: قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ [آل عمران: 29] .
معنى سلامة الصَّدر اصطلاحًا:
قال الشَّوكاني: (وأما سَلَامة الصَّدر، فالمراد به: عدم الحقد والغل والبغضاء) .
فسليم القلب والصَّدر هو من سَلِم وعُوِفي فؤاده من جميع أمراض القلوب وأَدْوَائها، ومن كلِّ آفة تبعده عن الله تبارك وتعالى.

محمد رافع 52 03-05-2013 01:08 AM

الفرق بين سلامة الصَّدر والبَلَه والتَّغَفُّل
يقول ابن القيِّم: (والفرق بين سَلَامة القلب والـبَلَه والتَّغَفُّل: أنَّ سَلَامة القلب تكون من عدم إرادة الشرِّ بعد معرفته، فيَسْلَم قلبه من إرادته وقصده، لا من معرفته والعلم به، وهذا بخلاف الـبَلَه والغَفْلة، فإنَّها جهل وقلَّة معرفة، وهذا لا يُحْمد؛ إذ هو نقص، وإنَّما يَحْمد النَّاس من هو كذلك؛ لسَلَامتهم منه، والكمال أن يكون القلب عارفًا بتفاصيل الشَّرِّ، سليمًا من إرادته، قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (لست بِخِبٍّ ولا يخدعني الخِبُّ) . وكان عمر أعقل من أن يُخْدع، وأورع من أن يَخْدع، وقال تعالى: يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعراء: 88-89] فهذا هو السَّليم من الآفات التي تعتري القلوب المريضة، من مرض الشُّبهة التي توجب اتِّباع الظَّنِّ، ومرض الشَّهوة التي توجب اتِّباع ما تهوى الأنفس، فالقلب السَّليم الذي سَلِم من هذا وهذا) .

محمد رافع 52 03-05-2013 11:22 PM

أولًا: في القرآن الكريم
- قال الله -تبارك وتعالى-: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10].
قال ابن رجب: (أفضل الأعمال سَلَامة الصَّدر من أنواع الشَّحْناء كلِّها، وأفضلها السَّلَامة من شحناء أهل الأهواء والبدع، التي تقتضي الطَّعن على سلف الأمَّة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم، ثمَّ يلي ذلك سَلَامة القلب من الشَّحْناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسه، وقد وصف الله تعالى المؤمنين عمومًا بأنَّهم يقولون: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10]) .
- وقال -تبارك وتعالى-: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 43].
ففي هذه الآية الكريمة، يبيِّن الله -تبارك وتعالى- أنَّ سَلَامة الصَّدر، ونقاء القلب من أمراضه -والتي منها الغِلُّ- صفة من صفات أهل الجنَّة، وميزة من ميزاتهم، ونعيم يتنعمون به يوم القيامة. وقال -تبارك وتعالى- في موضع آخر من كتابه الكريم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47].
قال ابن عطية: (هذا إخبار من الله عزَّ وجلَّ أنَّه ينقِّي قلوب ساكني الجنَّة من الغلِّ والحقد، وذلك أنَّ صاحب الغلِّ متعذِّب به، ولا عذاب في الجنَّة) .
وقال القشيري: (طهَّرنا قلوبهم من كلِّ غش، واستخلصنا أسرارهم عن كلِّ آفة. وطهَّر قلوب العارفين من كلِّ حظٍّ وعلاقة، كما طهَّر قلوب الزَّاهدين عن كلِّ رغبة ومُنية، وطهَّر قلوب العابدين عن كلِّ تهمة وشهوة، وطهَّر قلوب المحبِّين عن محبَّة كلِّ مخلوق، وعن غلِّ الصَّدر- كلُّ واحد على قدر رتبته) .

محمد رافع 52 04-05-2013 12:02 AM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويِّة

- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر)) .
هذا الحديث يكشف عن مدى اهتمام المصطفى صلى الله عليه وسلم بسَلَامة صدره، فهو ينهى ويحذِّر من أن يُنْقَل إليه ما يُوغِر صَدْره، ويغيِّر قلبه تجاه أصحابه الكرام، رضوان الله عليهم أجمعين.
قال المباركفوري شارحًا لهذا الحديث: (قوله: ((لا يُبَلِّغُنِي)). أي: لا يوصلني. ((من أحد)). أي: من قبل أحد. ((شيئًا)). أي: مما أكرهه وأغضب عليه، وهو عامٌّ في الأفعال والأقوال، بأن شتم أحدًا وآذاه، قال فيه خصلة سوء. ((فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليهم)). أي: من البيت وأُلَاقيهم. ((وأنا سليم الصَّدر)). أي: من مساويهم. قال ابن الملَك: والمعنى: أنَّه صلى الله عليه وسلم يتمنَّى أن يخرج من الدُّنيا وقلبه راض عن أصحابه، من غير سخط على أحد منهم) .
- وعن محمَّد بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أوَّل من يدخل من هذا الباب، رجل من أهل الجنَّة، فدخل عبد الله بن سَلاَمِ، فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك، وقالوا: أخْبِرْنا بأوثق عملٍ في نفسك ترجو به. فقال: إنِّي لضعيف، وإنَّ أوثق ما أرجو به الله سَلَامة الصَّدر، وترك ما لا يعنيني)) .
وهنا يذكر عبد الله بن سَلَام رضي الله عنه أنَّه لم يكن له كثير عمل استحق علية شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنَّة، إلَّا أنَّ أرجى عمل وأوثقه لديه هو: أنَّه كان سليم الصَّدر مشتغل عما لا يعنيه.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن غِرٌّ كريم، والفاجر خبٌّ لئيم)) .
قال المناوي: (... ((المؤمن غِرٌّ)). أي: يغُرُّه كلُّ أحد، و يغُرُّه كلُّ شيء، ولا يعرف الشَّرَّ، وليس بذي مَكْر ولا فطنة للشَّرِّ، فهو يَنْخَدع لسَلَامة صَدْره، وحسن ظنِّه، وينخَدع لانقياده ولينه. ((كريم)). أي: شريف الأخلاق. ((والفاجر)). أي: الفاسق. ((خبٌّ لئيم)). أي: جريء، فيسعى في الأرض بالفساد، فالمؤمن المحمود: من كان طبعه الغَرَارة، وقلَّة الفِطْنة للشَّرِّ، وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلًا، والفاجر من عادته الخُبث والدَّهاء والتَّوغل في معرفة الشَّرِّ، وليس ذا منه عقلًا) .
- وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي النَّاس أفضل؟ قال: كلُّ مَخْموم القلب، صدوق اللِّسان. قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخْموم القلب؟ قال: هو النَّقيُّ التَّقيُّ، لا إثم عليه، ولا بَغْي ولا غلٌّ ولا حسد)) .
قال علي القاري: (أي: سليم القلب، لقوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعراء: 89]، من خَمَمْت البيت، إذا كنسته، على ما في ((القاموس)) وغيره، فالمعنى: أن يكون قلبه مكنوسًا من غبار الأغيار، ومُنَظَّفًا من أخلاق الأقذار) .

محمد رافع 52 04-05-2013 12:04 AM

أقوال السَّلف والعلماء في سلامة الصَّدر
- قال ابن العربي: (لا يكون القلب سليمًا إذا كان حقودًا حسودًا معجبًا متكبرًا، وقد شرط النَّبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان، أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه) .
- وسئل ابن سيرين -رحمه الله تعالى- ما القلب السَّليم؟ فقال: النَّاصح لله في خلقه .
- وقيل: القلب السَّليم الذي يحبُّ للنَّاس ما يحبُّه لنفسه، قد سَلِم جميع النَّاس من غشِّه وظلمه، وأسْلَم لله بقلبه ولسانه، ولا يعدل به غيره .
- وقال ابن تيمية: (فالقلب السَّليم المحمود، هو الذي يريد الخير لا الشَّر، وكمال ذلك بأن يعرف الخير والشَّر، فأمَّا من لا يعرف الشَّر، فذاك نقص فيه لا يُمدح به) .
- وقال الأكفاني وعبد الكريم: (وأصل العبادة مكابدة اللَّيل، وأقصر طرق الجنَّة سَلَامة الصَّدر) .
- ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، جمع ولده، وفيهم مَسْلمة، وكان سيِّدهم، فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإنَّها عِصْمة باقية، وجُنَّة واقية، وهي أحصن كهف، وأزْيَن حِلْية، ليعطف الكبير منكم على الصَّغير، وليعرف الصَّغير منكم حقَّ الكبير، مع سَلَامة الصَّدر، والأخذ بجميل الأمور... .
- وقال سفيان بن دينار: قلت لأبي بشير -وكان من أصحاب علي-: أخبرني عن أعمال من كان قَبْلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويُؤْجَرون كثيرًا. قلت: ولم ذاك؟ قال: لسَلَامة صدورهم .
- وقيل: أَنَّه لَا طَرِيق أقرب من الصِّدْق، وَلَا دَلِيل أنجح من العِلم، ولَا زَاد أبلغ من الـتَّقْوَى، وما رأيت أَنْفَى للوسواس من ترك الفضول، ولَا أنور للقلب من سَلَامة الصَّدر .
- ويقال: أخلاق الأبدال عشرة أشياء، سَلَامة الصَّدر، وسخاوة المال، وصدق اللِّسان، وتواضع النَّفس، والصَّبر في الشِّدة، والبكاء في الخُلوة، والنَّصيحة للخَلْق، والرَّحمة للمؤمنين، والتَّفكُّر في الفناء، والعبرة في الأشياء .
- وقال قاسم الجوعي: أصل الدِّين الورع، وأفضل العبادة مكابدة اللَّيل، وأفضل طرق الجنَّة سَلَامة الصَّدر .
- وقال بدر الدِّين الغزي: (فمن آداب العِشْرة... سَلَامة قلبه للإخوان، والنَّصحية لهم، وقبولها منهم، لقوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعراء: 89]، وقال السقطي رحمه الله: (من أجلِّ أخلاق الأبرار: سَلَامة الصَّدر للإخوان، والنَّصيحة لهم) .

محمد رافع 52 04-05-2013 12:06 AM

فوائد سلامة الصَّدر

1- من أعظم فوائد سَلَامة الصَّدر: أنَّها سبيل لدخول الجنَّة، فهي صفة من صفات أهلها، ونعت من نعوتهم، قال تعالى: يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعراء 88-89].
2- أنَّها تكسو صاحبها بحلَّة الخيريَّة، وتلبسه لباس الأفضلية، كما في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((خير النَّاس ذو القلب المخْمُوم واللِّسان الصَّادق، قيل: ما القلب المخْمُوم؟ قال: هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ الذي لَا إثم فيه، ولَا بَغْي ولَا حسد، قيل: فمن على أَثَــرِه؟ قال: الذي يَشْنَأُ الدُّنيا ويحبُّ الآخرة قيل: فمن على أَثَرِهِ؟ قال: مؤمن في خُلُق حسن)).
3- أنَّها تجمع القلب على الخير والبِرِّ والطَّاعة والصَّلاح، فلا يجد القلب راحة إلا فيها، ولا تقرُّ عين المؤمن إلا بها.
4- أنَّها تزيل العيوب، وتقطع أسباب الذُّنوب، فمن سَلِم صدره، وطَهُر قلبه عن الإرادات الفاسدة، والظُّنون السَّيئة، عفَّ لسانه وجوارحه عن كلِّ قبيح.
5- ومن الفوائد أيضًا: أنَّ فيها اقتداء بالنَّبي صلى الله عليه وسلم وتأسِّيًا به، فهو -بأبي هو وأمي صلَّى الله عليه وسلم- أسلم النَّاس صدرًا، وأطيبهم قلبًا، وأصفاهم سريرة.

محمد رافع 52 04-05-2013 12:08 AM

صور سلامة الصَّدر

1- سَلَامة الصَّدر مع عامَّة النَّاس، فلا يحمل لهم في قلبه غلًّا ولا حسدًا، ولا غيرها من الأمراض والأَدْواء القلبيَّة، التي تقضي على أواصر المحبَّة، وتقطع صلات المودَّة.
2- سَلَامة الصَّدر مع خاصَّة إخوانه ومقرَّبيه.
3- سَلَامة الصَّدر مع وُلاة الأمر، فلا يحمل عليهم الحقد، ولا يثير عليهم العامَّة، ولا يذكر مثالبهم عند النَّاس، ويكون نصوحًا لهم، مُشْفِقًا عليهم، غاضًّا الطرف عن أخطائهم التي يُتَجَاوز عنها، وينشر الخير عنهم، ويذكرهم بخير أعمالهم وصفاتهم.
4- سَلَامة صدور الوُلاة للرَّعيَّة، فلا يُكثر من الشُّكوك فيهم، ولا يتربَّص بهم أو يتجسَّس عليهم، أو يؤذيهم في أموالهم أو ممتلكاتهم، ويكون مُشْفِقًا عليهم، ساعيًا وراء راحتهم.
5- سَلَامة صدور العلماء وطلبة العلم بعضهم مع بعض، فــ(أحقُّ النَّاس -بعد العلماء- بسَلَامة الصَّدر طلَّاب العلم، فطالب العلم غدًا يقف أمام النَّاس يفتيهم ويعلِّمهم ويرشدهم، فلا بدَّ من أن يُـرَبِّي نفسه على سَلَامة الصَّدر، ونقاء السَّريرة، التي هي صفة من صفات أهل الجنَّة: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47]) .

محمد رافع 52 04-05-2013 12:13 AM

موانع اكتساب سَلَامة الصَّدر

1- نزغات الشَّيطان، ووساوسه، فالشَّيطان حريص على إيغار الصُّدور، وإفساد القلوب، لذا حذَّر الله -تبارك وتعالى- منه، وأمر عباده بانتقاء القول الحسن، قال -تبارك وتعالى-: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا [الإسراء: 53] وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الشَّيطان قد أَيِس أن يعبده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التَّحريش بينهم)) .
2- إصابة القلب ببعض الأمراض الخُلُقيَّة، والتي تُفسد القلب، كالحسد والغلِّ والحقد، وإذا اشتمل القلب على هذه الأدواء لم يُعْتبر سليمًا، فهي تضادُّ سَلَامة القلب.
3- التَّنافس على الدُّنيا فعن عمرو بن عوف رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أَنْ تُبْسَط عليكم الدُّنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) .
4- حبُّ الشُّهرة والرِّياسة، وهي داء عضال ومرض خطير، وشرٌّ مُستطير، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (ما من أحدٍ أحبَّ الرِّياسة إلا حَسد وبَغى، وتَتبَّع عيوب النَّاس، وكره أن يُذكر أحد بخير) . وقال ابن عبد البر -رحمه الله- تعالى:


حبُّ الرِّياسة داء يخلق الدُّنيا***ويجعل الحبَّ حربًا للمحبينا



يَفْرِي الحلاقم والأرحام يقطعها***فلا مروءة يُبقي لا ولا دينًا




5- الاتِّصاف ببعض الصِّفات، والتي من شأنها أن تُوغر الصُّدور، وتؤثر في سلامتها، ككثرة المزاح، وكثرة المراء والجدال، والعُجب وغيرها.

محمد رافع 52 04-05-2013 12:15 AM

الوسائل المعينة على اكتساب سَلَامة الصَّدر
1- الإخلاص لله -تبارك وتعالى- وهذا تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((ثلاث لا يَغِلُّ عليهنَّ قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمَّة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإنَّ الدَّعوة تحيط من ورائهم)) . قال ابن الأثير: (إنَّ هذه الخِلال الثَّلاث تُسْتَصلح بها القلوب، فمن تمسَّك بها طَهُر قلبه منالخيانة والدَّخل والشَّر) .
2- الإقبال على كتاب الله تعالى قراءةً وتعلُّمًا وتعليمًا، فهو شفاء لما في الصُّدور، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57].
3- الدُّعاء، فهو العلاج النَّاجع والدَّواء النَّافع، فيدعو العبد مولاه أن يجعل قلبه سليمًا من الضغائن والأحقاد على إخوانه المؤمنين، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10].
4- التَّخلُّق بالأخلاق التي تزيد من المحبَّة والألفة بين المؤمنين، كالبَشَاشة والتَّبَسُّم، وإفشاء السَّلام، وإهداء الهديَّة وغيرها، فإنَّ هذه الأخلاق كفيلة بانتزاع سخيمة القلوب، وأعْلَاق الصُّدور، فتصبح نقيَّة صافية.
5- الابتعاد عن كلِّ ما من شأنه أن يفسد الوُدَّ، ويعكِّر صفو الصُّدور، فيبتعد المؤمن عن الأخلاق الرَّديَّة، كالحسد والغلِّ والحقد والظَّنِّ السَّيئ وغيرها.
6- رضا العبد بما قسمه الله تعالى: (قال ابن القيِّم: إنَّ الرِّضا يفتح له باب السَّلَامة، فيجعل قلبه سليمًا نقيًّا من الغشِّ والدَّغل والغلِّ، ولا ينجو من عذاب الله إلَّا من أتى الله بقلب سَلِيم، كذلك وتستحيل سَلَامة القلب مع السَّخط وعدم الرِّضا، وكلَّما كان العبد أشدَّ رضى، كان قلبه أسلم) .

محمد رافع 52 04-05-2013 12:18 AM

نماذج من الصَّحابة
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنَّا جلوسًا مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم فقال: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة، فطلع رجل من الأنصار، تَنْطِفُ لحيته من وضوئه، قد تَعَلَّق نَعْلَيه في يده الشِّمال، فلمَّا كان الغد، قال النَّبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرَّجل مثل المرَّة الأولى، فلمَّا كان اليوم الثَّالث، قال النَّبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرَّجل على مثل حاله الأولى، فلمَّا قام النَّبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إنِّي لَاحَيْت أبي فأقسمت ألَّا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تُـؤْوِيَني إليك حتَّى تمضي، فَعلتَ. فقال: نعم. قال أنس: وكان عبد الله يحدِّث أنَّه بات معه تلك الليالي الثَّلاث، فلم يره يقوم من اللَّيل شيئًا، غير أنَّه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه، ذَكَر الله عزَّ وجلَّ وكبَّر حتَّى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أنِّي لم أسمعه يقول إلَّا خيرًا. فلمَّا مضت الثَّلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إنِّي لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هَجْرٌ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مِرَار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة، فطلعت أنت الثَّلاث مِرَار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أنِّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق)) .
- وعن زيد بن أسلم، أنَّه دخل على ابن أبي دُجانة، وهو مريض، وكان وجهه يتهلَّل، فقال له: ما لك يتهلَّل وجهك؟ قال: ما من عملِ شيءٍ أوثق عندي من اثنين: أمَّا أحدهما، فكنت لا أتكلَّم بما لا يعنيني، وأما الأُخْرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا .
- وأُثِر عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنَّه كان يدعو لسبعين من أصحابه، يسمِّيهم بأسمائهم، وهذا العمل علامة على سَلَامة الصَّدر .
- وقد كان أبو موسى الأشعري صوَّامًا قوَّامًا، ربَّانيًّا، زاهدًا، عابدًا، ممَّن جمع العلم والعمل والجهاد وسَلَامة الصَّدر، لم تغيره الإمارة، ولا اغترَّ بالدُّنيا .

محمد رافع 52 04-05-2013 12:19 AM

نماذج من السَّلف
- (دخل رجل على عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا، فأنت من أهل هذه الآية: إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] وإن كنت صادقًا، فأنت من أهل هذه الآية: هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم: 11]، وإن شئت عفونا عنك. فقال: العفو، يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدًا) .
- وعن الفضل بن أبي عيَّاش، قال: (كنت جالسًا مع وهب بن منبِّه، فأتاه رجل، فقال: إنِّي مررت بفلان وهو يشتُمك. فغضب، فقال: ما وجد الشَّيطان رسولًا غيرك؟ فما بَرِحْت من عنده حتَّى جاءه ذلك الرَّجل الشَّاتم، فسلَّم على وهب، فردَّ عليه، ومدَّ يده، وصافحه، وأجلسه إلى جنبه) .

محمد رافع 52 04-05-2013 12:24 AM

سلامة الصَّدر في واحة الشِّعر

قال الشَّاعر:


بَني عمِّنا إنَّ العداوةَ شأنُها***ضغائنُ تبقَى في نفوسِ الأقاربِ



وقال عنترة:


لا يحملُ الحقدَ من تَعْلُو به الرُّتبُ***ولا ينالُ العلا مَن دأبُه الغضبُ



وقال الخليل:


سأُلزمُ نفسي الصَّفحَ عن كلٍّ مذنبٍ***وإن كثرتْ منه عليَّ الجرائمُ



فما النَّاسُ إلَّا واحدٌ مِن ثلاثةٍ***شَرِيفٌ ومَشْرُوفٌ ومِثْلي مُقَاوِمُ



فأمَّا الذي فوقي فأعرفُ فضلَه***وأتبعُ فيه الحقَّ والحقُّ لازمُ



وأمَّا الذي مثلي فإنْ زلَّ أو هفا***تفضَّلت إنَّ الفضل بالعز حاكمُ



وأمَّا الذي دوني فإن قال صُنتُ عن***إجابتِه عرضي وإن لام لائمُ



وقال أبو الفتح البستي:


خذِ العفوَ وأْمرْ بعرفٍ كما***أُمرت وأعرضْ عن الجاهلين



ولِنْ في الكلامِ لكلِّ الأنامِ***فمُسْتَحْسَنٌ مِن ذوي الجاهِ لين



وقال الشاعر:


إذا استطعتَ كنْ إمَّا مسيحًا مسامحًا***عداك وإمَّا فارسَ الحربِ عنترا



فما اللُّؤْمُ إلَّا إنْ حقدت فلم تكنْ***كريمًا فتعفوا أو شجاعًا فتثأرا

محمد رافع 52 04-05-2013 12:29 AM

السَّمَاحَة
معنى السَّمَاحَة لغةً واصطلاحًا
معنى السَّمَاحَة لغةً:
مادة (سمح) تدل على سلَاسةٍ وَسُهولةٍ. والمسامَحة: المساهَلة، وسمح بكذا يسمح سُمُوحًا وسَماحه: جاد وأعطى، أو وافق على ما أريد منه .
معنى السَّمَاحَة اصطلاحًا:
السَّمَاحَة في الاصطلاح تطلق على معنيين:
الأول: (بذل ما لا يجب تفضلًا) .
الثاني: (في معنى التَّسامح مع الغير، في المعاملات المختلفة، ويكون ذلك بتيسير الأمور، والملاينة فيها، التي تتجلى في التيسير وعدم القهر) .

محمد رافع 52 04-05-2013 11:45 PM

أولًا: في القرآن الكريم
- قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199].
قال السعدي: (هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع النَّاس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به النَّاس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق... ويتجاوز عن تقصيرهم، ويغض طرفه عن نقصهم) .
- وقال سبحانه: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 237].
قال ابن عاشور: (ومعنى كون العفو أقرب للتقوى، أنَّ العفو أقرب إلى صفة التقوى من التمسك بالحق؛ لأن التمسك بالحق لا ينافي التقوى، لكنه يؤذن بتصلب صاحبه وشدته، والعفو يؤذن بسماحة صاحبه ورحمته، والقلب المطبوع على السَّمَاحَة والرَّحْمَة أقرب إلى التقوى، من القلب الصلب الشديد؛ لأنَّ التقوى تقرب بمقدار قوَّة الوازع، والوازع شرعي وطبيعي، وفي القلب المفطور على الرَّأفة والسَّمَاحَة، لين يزعه عن المظالم والقساوة، فتكون التقوى أقرب إليه؛ لكثرة أسبابها فيه) .
- ونفى الله عن رسوله الفظاظة، وغلظ القلب، فقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران: 159].
قال السعدي: (أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك. وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسيه، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ لأنَّ هذا يُنفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيِّئ) .
- وقال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 280].
ففي هذه الآية (وجَّه الله الدائنين إلى التيسير على المدينين المعسرين، فعلَّمهم الله بذلك سماحة النفس، وحسن التغاضي عن المعسرين) .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:07 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.