بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أخبار و سياسة (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=79)
-   -   تحليلات سياسية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=455672)

youssef darwish 17-12-2012 12:35 PM

بسم الله الرحمن الرحيم :friendsxs3:

aymaan noor 17-12-2012 12:37 PM

أمراء وسماسرة وبيروقراطيون: النفط والدولة في السعودية
 
كتاب
أمراء وسماسرة وبيروقراطيون: النفط والدولة في السعودية

http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/koki.jpg
"أمراء، وسماسرة، وبيروقراطيون: النفط والدولة في المملكة العربية السعودية".
تأليف ستيفان هيرتوغ
مطبعة جامعة كورنل، 2011. صدر بالإنجليزية.

سؤال: ما الذي دفعك لكتابة هذا الكتاب؟

ستيفان هيرتوغ: كانت الفكرة الأصلية وراء هذا البحث هي تحليل كيف أن الاصلاحات الاقتصادية الليبرالية تغير الهياكل الاقتصادية والسياسية في دولة غنية بالنفط ( ريعية) مثل المملكة العربية السعودية. كانت هذه هي الخطة قبل أن أبدأ في بحثي الميداني، ولكن ما اكتسبته من خبرة غير الكثير من توجهاتي حيال الموضوع. فعوضاً عن التغيير، وجدت استمرارية تاريخية تضرب بجذورها في الطريقة التي تُمارس بها السياسة وتُدار بها علاقة العمل بالدولة في السعودية، ووجدت أيضاً أن العديد من أوجه الاستمرارية لا تتطابق مع نظرية "لعنة الموارد" للدول الريعية.

لقد عانت السعودية منذ تأسيس الدولة الحديثة في الخمسينات من صراع مع العمالة الزائدة والفساد، ولكنها في الوقت نفسه تمتلك مؤسسات تعمل وفق أساليب عالمية مثل مؤسسة النفط الوطنية (أرامكو) وعملاق الصناعة (سابك)، وهما مؤسستان تعملان باستقلالية عن باقي مؤسسات الدولة منذ عقود. على مستوى السياسة، فللسعودية سجل غير متوازن في التسعينات والألفينات. وفي الوقت الذي تمت فيه عدة عمليات خصخصة ناجحة حيث تمكنت الحكومة من خلق سوق رأسمالي حديث ومرن، فإن الاصلاحات الأخرى في سياسة العمالة أو في البيئة البيروقراطية للاستثمار الأجنبي لم تكن بنفس القدر من النجاح.

أدى هذا إلى تفكيك الدولة السعودية الريعية، وعوضاً عن التنظير حول هذا ككيان متجانس، فقد تم النظر إلى العوامل الفردية وتاريخها السياسي. متى ولماذا تُستعمل أموال النفط لرعاية وبناء الاقطاعيات البيروقراطية، ومتى ولماذا يتم استعمالها لأغراض التنمية؟ في هذا السياق، قمت بالكثير من الأبحاث الأرشيفية والتاريخية أكثر مما كان مخططاً في السابق، لأني شعرت أنه لم يكن هناك معلومات تاريخية كافية عن تكوين الدولة السعودية الحديثة. ورغم أن هناك الكثير من التاريخ الشعبي، فإن أغلب المتوفر من أدبيات العلوم الإجتماعية يوفر صورة كاريكاتورية للفساد واللاكفاءة البيروقراطية- أو في بعض الأحيان تقدم حالات غير محتملة من الكفاءة في عصر ما قبل النفط- غير صحيحة في أجزاء مهمة منها.

يوفر الجزء التاريخي من كتابي بحثا إجتماعيا متماسكاً عن كيف أن قرارات الأمراء بخصوص توزيع عوائد النفط المتزايدة بسرعة قد شكّل مؤسسات الدولة بأشكال مختلفة تماماً، وكيف أن هذه الموارد شكّلت علاقات القوة والنفوذ بين هذه المؤسسات وبعضها البعض، وبينها وبين العوامل الرئيسة في المجتمع. وباختصار، إنه استعراض للأسباب التي جعلت المجتمع السعودي على ما هو عليه الآن، وكيف أن السياسات البيروقراطية، وأسلوب صنع القرار، وعلاقات قطاع الأعمال بالدولة يتم تفسيرها بتفصيل أكثر من خلال مجموعة من الحالات التي تم دراستها حول اصلاح الاستثمار الخارجي، وسعودة سوق العمل، والدخول في منظمة التجارة العالمية. يمتلك الكتاب أيضاً طموحاً للمقارنة، ولكن الرؤية الأساسية في الكتاب هي محاولة فهم السعودية كما هي بشكل صحيح- في نهاية الأمر فإنها ليست فقط دولة ريعية في جوهرها، ولكنها ربما أهم دولة في الشرق الأوسط كله. دعني أتحدث هنا بشكل براغماتي، لقد كتبت الكتاب بفضل الصلات التي وفرت لي المعلومات في السعودية، كما أن المرحلة الليبرالية نسبياً ما بعد 2003 التي مرت بها السعودية أتاحت لي القيام ببحث ميداني وأرشيفي بدون قيود لأكثر من عام، إضافة إلى الزيارات المتعددة التي قمت بها بعد ذلك إلى المملكة. لقد توفرت لي الفرصة لأعمل خلال البيروقراطية السعودية لفترة طويلة مما أعطاني تصورات اثنوغرافية مفيدة حول موضوع البحث والتي أضافت إلى المقابلات التي أجريتها والعمل الأرشيفي في السعودية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

سؤال: ما هي المواضيع، والقضايا، والأدبيات المحددة التي يتناولها؟

ستيفان هيرتوغ: إن القضايا الرئيسة التي يتناولها الكتاب تتمحور في النقاش حول "لعنة الموارد"، وتاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية للدولة السعودية وتأثيره على المجتمع المحلي. كما أني أحاول أن أسهم أكثر في نقاشات أوسع عن العلاقات بين الدولة والمجتمع، والإدارة العامة في الدول النامية، متناولاً ومنتقداً مفاهيم محددة مثل كفاءة الدولة واستقلاليتها.

إن أحد المفاهيم التي أعتقد أنها تتجاوز الحالة السعودية هو تضاؤل إستقلالية الدولة في الدول الريعية. فالنخبة الحاكمة عادة ما تتمتع بطرق ملتوية تتمكن من خلالها من استغلال أموال النفط في المراحل الأولى من التنمية، ولكن سرعان ما تبدأ بالتقيد بالتزامات التوزيع مما يقلص بشكل كبير من قدرتها على المناورة- وخصوصا في النظم الشمولية. إن الاستقلال الكبير للنخبة الملكية الحاكمة في المراحل الأولي في المملكة العربية السعودية أعطى عدداً من الأمراء نفوذاً لا حدود له على تشكيل الدولة. وترجع الكثير من الخصوصيات والصور المكررة من البيروقراطية السعودية الفاقدة للحيوية إلى تحالفات الأمراء والمشاكل التي حدثت قبل نصف قرن من الزمان، وهي نتائج أصبحت تقريباً غير ممكنة التقويم بعد أن كبر حجم الدولة والمنتفعين منها.

إن ما يثير الاستغراب في وضع الدولة السعودية في وقتنا الحالي هو ليس كفاءتها أو انعدام هذه الكفاءة، ولكن بالأحرى درجة التشظي الضخمة للمؤسسات التي تشكل الدولة، كل حسب تاريخها الخاص ومجموع المتعاملين معها من المجتمع. يضم جهاز الدولة السعودية منظمات تختلف كاختلاف الميليشيات القبلية: فمن قضاء إسلامي يعيش في كثير من نواحيه في القرن السابع الميلادي، إلى شركات تملكها الدولة وتتمتع بقدر عالٍ من الحداثة والعلمانية مثل أرامكو والتي تبقى بمنأى عن العائلة السعودية، إلى جهاز أمن غير قابل للاختراق تحت إشراف أميري مباشر وتتبعه مدنه ومدارسه وجامعاته ومستشفياته الخاصة. لقد بدأ بناء هذه الاقطاعيات المتوازية منذ الخمسينات مع بدء تدفق أموال النفط، وتعمق هذا البناء في السبعينات مع الطفرة النفطية حين بدأت النخبة الحاكمة بخلق مؤسسات جديدة لكل سياسة جديدة أو مشكلة تعترضها. وفي حين أن بعض أجزاء الدولة يمكن اعتبارها كفوءة بمقاييس البيروقراطية الحديثة، فإن هناك قدراً محدوداً من التواصل بين العوامل التي تشكل الدولة نفسها.

إن عدم تجانس الدولة السعودية يجعل بعض الاصلاحات أصعب من غيرها- حتى ضمن الأجهزة الإدارية الكفوءة. يقلص كل من التشظي الحكومي وانتشار المحسوبية عبر العمالة الزائدة في القطاع العام من امكانية الإصلاح في العديد من المؤسسات، ويؤثر سلباً على الإصلاح في المستويات الدنيا من البيروقراطية، في حين أن الاصلاحات التي يمكن أن تستمر في مؤسسات متفرقة وبنجاح كبير، خصوصاً إذا كان التطبيق مفوضاً لجزر منعزلة من البيروقراطية الكفوءة.

سؤال : كيف يمكن لعملك هذا أن يتوافق مع أعمالك وأبحاثك السابقة أو يختلف عنها؟

لقد ألمحت إلى بعض هذه الطروحات في كتابي في مقالتي التي صدرت عام 2007 في الدورية العالمية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studie، وأيضاً في فصل في عدد المملكة العربية السعودية في الميزان Saudi Arabia in the Balance ، والذي قام بتحريره بول آرتز Paul Aarts، وجيرد نونمان Gerd Nonneman، في 2005. لكن الكتاب يحتوي على نظرية أكثر تطوراً وتجانساً، وعلى سرد تاريخي أكثر تفصيلاً واستمرارية، وعلى مقارنة أكثر عمقاً بين ما توصلت إليه من خلال دراساتي وعلاقات الدولة بالمجتمع والسياسات البيروقراطية في عموم العالم النامي، ومواضيع بحث حول الدخول إلى منظمة التجارة الدولية، واصلاح الاستثمار الخارجي، وسياسات السعودة حتى 2010. وبالتوازي مع الكتاب، فقد طورت طروحاتي بشكل أكثر حول متى تبرز "جزر الكفاءة" في الدول الريعية في مقال في تاريخ الأعمال Business History في 2008، وفي مقال في السياسة الدولية World Politics في 2010. أفكر حالياً بفكرة كتاب عن السياسات في المؤسسات المملوكة للدولة في الدول الريعية لأبني أكثر على ما قمت به من عمل.

سؤال : من هم الذين تأمل أن يقرأوا كتابك وما هو الأثر الذي ترجوه منه؟

على أقل تقدير، فإن المادة البحثية الميدانية يفترض أن تكون مهمة لأي شخص لديه اهتمام بالنقاش حول "لعنة الموارد" في الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط. كما أعتقد أن الكتابة مفهومة بشكل كافٍ لتكون مهمة لأي شخص يتعامل مع مواضيع خاصة بالسعودية ودول الخليج بصفة عملية، ولتكن بصفة عمل، أو دبلوماسية، أو صحافة، أو تبنٍ لقضايا معينة، أو ببساطة كمقيم محلي في تلك الدول. وبشكل عام، آمل أن أخاطب كل من لديه اهتمام بالسياسات البيروقراطية في العالم النامي، وبضمنهم القائمون على التنمية. ولكن الأهم من هذا كله أن الكتاب مكتوب لكل السعوديين الذين لديهم اهتمام بالسياسة والتنمية الاقتصادية لبلدهم. إن التعليقات التي أقدرها كثيراً تأتي من السعوديين الذين يعرفون من تجاربهم الشخصية الآليات التي قمت بتحليلها.

سؤال : كيف تريد لكتابك أن يؤثر على النقاشات السياسية والفكرية الحالية حول السعودية؟

أعتقد أن النقاش الدائر حول السعودية محصور بين فكرتي التقليل من الذات والدعاية المساندة للسعودية، وهو بهذا يبتعد عن النظر بعدالة وموضوعية للواقع المعقد والتنوع الكبير في النظام السعودي. ولهذا فإني أود أن أضيف إلى هذا النقاش فهماً أعمق لهذا البلد، والمحددات التي تحكم عمله، والطرق التي تم بموجبها خلق التنوع الاجتماعي والتكنوقراطي في النظام والذي تهيمن عليه الصورة السعودية والاسلامية من الخارج.

في الحقيقة، هذا الكتاب ليس كتابا سياسياً بالدرجة الأولى ولكنه يناقش الأساليب التي يمكن بموجبها أن يؤثر توزيع الريع سلباً على التنمية الاقتصادية ويعرقل السياسة. إن فهم هذه القيود يجب أن يكون الخطوة الأولى تجاه أية إصلاحات ذات مغزى، وبالخصوص للقطاع العام وأسواق العمل. إن التحديات التي يواجهها البلد مستقلة عن شكل النظام السياسي، وهو ما ستتم مناقشته في السنوات القادمة. وبعيداً عن تحليلي الخاص لتوزيع الريع في السعودية، فقد بدأت أفكر في طريقة أكثر عدالة وشفافية للمشاركة في ريع النفط والتي لا تؤثر سلباً على تماسك البيروقراطية، كما أنها لا تخرج المواطنين من دائرة الانتاج الاقتصادي كما تفعله الآن سياسات التشغيل الزائدة عن الحد في القطاع العام. ولذلك فأنا أعمل حالياً على ورقة بحث حول " دخل المواطنين" في دول مجلس التعاون الريعية، وهو مفهوم يتم فيه فصل التوزيع المباشر للريع عن التوظيف ويتم فيه اعتباره كحق أساسي للمواطنة. يمكن لهذا أن يمنح المزيد من الاستقلالية الاقتصادية للمواطنين، ويقلل من التشتت وانعدام العدالة في أنظمة التوزيع الحالية.

سؤال : ما هي المشاريع الأخرى التي تقوم بها الآن؟

إضافة إلى المشروع حول مدخول المواطنين، فأنا الآن أنهي كتاباً بالتعاون مع عالم الاجتماع، دييغو غامبيتا Diego Gambetta، عن السبب في وجود الكثير من المهندسين في صفوف الاسلاميين المتطرفين، وهو مشروع صغير تطور ذاتياً عبر السنين. أعمل أيضاً على مقال يوضح استمرارية الملكيات العربية، وورقة بحث توضح الفرق بين الأساليب السياسية المختلفة للدول الريعية. ولكنني وزوجتي ننتظر مولودنا الثاني قريباً، لذلك فمن يريد الاطلاع على هذه البحوث عليه أن يتحلى بالصبر

مقتطفات من كتاب
" أمراء، وسماسرة، وبيروقراطيون: النفط والدولة في المملكة العربية السعودية"
لستيفان هيرتوغ.

حين دخلت غرفة التلكس في وزارة سعودية هامة في صيف 2003، شعرت بأن شيئاً ما كان خطأ في الاتصالات بين الأطراف المختلفة في الحكومة السعودية. فأمام شاشات كومبيوتر من جيل السبعينات من حجم 12 بوصة جلس موظف سوداني يرتدي عمامة ضخمة، وبين حين وآخر، تعود طابعة تبدو وكأنها ماتت منذ فترة طويلة للحياة وتصدر منها ضوضاء وهي تطبع رسالة على شريط الورق اللا منتهي الذي يتدلى منها. بهذه الطريقة كانت الوزارات السعودية تتواصل فيما بينها في عام 2003، وبعد أن صُرفت المليارات على تحديث نظم الاتصال في إدارة المملكة، وبعد ثلاثة سنوات متتالية من العوائد النفطية العالية.

لقد كانت قضية مثيرة من البيروقراطية العتيقة، ولكن غرفة التلكس كانت أيضاً جزءاً من اللغز العملي الواسع الذي كنت أبحث فيه لفترة من الزمن: خلال العقود الماضية، اعتلت كل النخبة السعودية الحاكمة قارب الاصلاحات الاقتصادية، وبضمنها الخصخصة، والسعودة لأسواق العمل، واصلاح سوق رأس المال، وتحرير ضوابط الاستثمار الأجنبي، ودخول منظمة التجارة العالمية. لقد أصبحت النخبة الحاكمة راغبة فعلاً في إعادة تعريف دور الإدارة، والقطاع الخاص بعد أن تراكمت الثروة عبر السنين وأصبحت لدى النخبة الإرادة للقيام بمهام تنموية جديدة. ورغم أن الاجماع السياسي يبدو واسع النطاق، إلا أن سجل الاصلاحات الاقتصادية في السعودية منذ 1999 لم يكن متوازناً. وقد أثار هذا فضولي حيث أنه لا يتفق مع الخطاب الرسمي حول سياسة التنمية الرشيدة، ولا مع الكليشيهات الغربية حول الفساد السعودي الذي لا مفر منه. لماذا أثبت سوق العمالة السعودي أنه غير واضح الملامح في حين أن مشروعات محددة أخرى، مثل خصخصة تيليكوم السعودية عام 2003، تمت بنجاح؟ لماذا كان تطوير البيئة التنظيمية للمستثمرين الأجانب في الألفينات أصعب من بناء بنية تحتية بمواصفات عالمية قبل ربع قرن من الزمن؟ لماذا تم تطبيق بعض السياسات بينما تعثرت سياسات أخرى في دهاليز البيروقراطية؟

إن السجل السعودي المشوش لا يتسق بسهولة مع الطرق المقبولة لتفسير الاقتصاد السياسي للمملكة، وأقصد على وجه الخصوص نظريات "الدولة الريعية"، والتي كانت المملكة العربية السعودية المثل الدائم لها، والتي ُرسمت لها صورة أوسع مما يجب. وفي الوقت الذي وفرت هذه النظريات فرصة جيدة للتفكير بخصوص مشاكل عامة خاصة بالتنمية النفطية، فإنها كانت أقل فائدة في تفسير درجة النجاح أو الفشل، وهو أكثر الألغاز إثارة في نظام معقد مثل السعودية، والذي لم يكن أبداً فشلاً تنموياً. فالنظريات الريعية تتوقع أن دخل النفط سيسمح للدول أن تتصرف بشكل مستقل عن مطالب المجتمع، وأن المدخول النفطي سيقوي من الدولة على حساب المجتمع، وعلى حساب السلطة التنظيمية الضعيفة لمؤسسات الدولة وانتشار الاعتماد على الريع، وهذا كله صحيح في السعودية إلى حد ما. ورغم ذلك، فلا شيء من هذه التوقعات يفسر تعقيدات آليات صنع القرار في السعودية أو التباين في النتائج.

علم الاجتماع والمشاركة في الثروة

لقد أدركت أخيراً أن قصة السعودية وضحت ضعفاً رئيسياً في نظرية الريع: فرغم أن الأدبيات في هذه النظرية تتوقع أن الدول الغنية والاقتصاديات سوف تتمتع بمواصفات معينة- وهي في الغالب صحيحة في ما تذهب إليه من تكهنات- فإن التفاصيل حول كيفية ظهور تلك النتائج وأين تظهر عادة ما تكون مختصرة وعمومية الوصف. يفتقر الكثير من النقاشات حول الدولة الريعية إلى التحليل العملي للآليات المسببة في كل المستويات ما عدا المستوى العام.

ولكن الاهتمام المعطى لآلية مسببة معينة هو ما نحتاجه لدراسة اللغز السعودي ذي النتائج الاصلاحية غير المتجانسة، والتي تظهر فيها الآثار الريعية في بعض الأحيان وتختفي في البعض الآخر. هذه الحاجة للتحديد هي الفكرة الرئيسية التي توجه مسار الكتاب. فأنا أجادل أن النفط كان مهماً جداً في تشكيل الدولة السعودية، ونظام السلطة فيها، وأساليب صناعة القرار، ولكنه لم يكن مهماً دوماً بالشكل المتوقع وبالوسائل التي يمكننا أن نفهمها فقط في حالة إذا فهمنا الطرق التي أثر عن طريقها النفط في تشكيل السلطة ضمن المملكة عبر الزمن.

وفي سبيل استكشاف الطرق التي أثر المدخول النفطي من خلالها على السياسة السعودية، فقد اخترت استراتيجية تحتاج إلى أكثر من عام من البحث الميداني والأرشيفي وعبر ثلاث قارات: متابعة سوسيولوجية توزيع الريع في المملكة. فإذا كان المدخول النفطي مهما، فبأي شكل؟ وكيف يتم التصرف فيه؟ كيف يتصرف الناس حين يبنون دولة ريعية ويتفاوضون حول السياسات المتبعة ضمنها؟ من الذي يستفيد من مدخول الدولة وكيف؟ ما هي أنواع العلاقات السلطوية التي يتم تشكيلها في هذه العملية؟ حتى نتعامل مع هذه المواضيع، كان لزاماً علي أن أدرس شبكات اجتماعية صلبة في جوهر الدولة السعودية وحولها. تعمل النظريات الريعية عادة عن طريق التجميع الدقيق لمفاهيم مثل "الدولة"، و"المجتمع"، أو"الأعمال". يوفر بحثي أساسيات صغيرة ومتوسطة للعمليات الريعية توضح تأثير التوزيع الريعي على مؤسسات معينة، وجماعات مجتمعية، وشبكات اجتماعية. وهي المحاولة الأولى لعمل هذا بشكل نظامي.

إن فهم الأثر الفعلي لأموال النفط على العلاقات السلطوية أتاح لي أن أحدد- وفي بعض الأحيان أن أناقض- بعضاً من الافتراضات المهمة من النقاش الدائر حول الدولة الريعية وتطوير الأفكار الأساسية للبعض الآخر. إبتداء من بناء الدولة النفطية في الخمسينات، يعود هذا الكتاب إلى متابعة المسار الاعتيادي من مدخول خارجي ريعي من خلال التفاعل بين الريع والبناء الاجتماعي، إلى نتاجات السياسات في الألفينات كما تم تأطيرها ضمن هذه الهياكل.

من أول النتائج التي توصلت إليها هو أن قرارات النخبة لها أهمية قصوى في تشكيل الدولة، خصوصاً في المراحل الأولى في بناء الدولة. فلا يوجد هناك آلية تلقائية تقوم بانتاج الفساد، والسعي وراء الريع، وبيروقراطية ضعيفة. فبينما قامت العائلة المالكة السعودية في حالات كثيرة باستعمال سلطتها المالية لبناء محسوبيات شخصية أو لتوظيف جيوش فعلية من المنتفعين البيروقراطيين الذين لا عمل فعلياً لهم، وبطريقة أخرى فقد استعملوا هذه الموارد مع آخرين لبناء إدارات كفؤة عن طريق شراء خبرات عالمية وتقديم عروض جذابة للمواطنين الطموحين. وإذا كانت هناك نتيجة ما، فإن أجزاء كبيرة من المدخول النفطي قد وسعت من لائحة الخيارات المؤسسية المتوفرة للنخبة مما أنتج جهازاً حكوميا غاية في التباين بين أجزائه.

لقد لعب جهاز الدولة السعودي دورا قيادياً ساحقاً لغيره في السياسة الداخلية. فقد كانت السياسة السعودية مركزية بشكل كبير بيد النخبة، التي أضعف شخاؤها وؤعايتها للآخرين من استقلالية المجموعات الإجتماعية. ومع ذلك فإن طبيعة النمو الاقتصادي المتقطع للدولة وعصب النظام الذي يتمحور حول العائلة المالكة قد أدى إلى عدم انسجام كبير وتشظ للجماعات الإجتماعية، وبدرجة أساسية لمؤسسات الدولة في المستويات الدنيا من الهيكل السياسي.

وبينما كانت القرارات السياسة تتخذ من أعلى الهرم نزولاً لأسفله وتهيمن عليها سلطات عليا، فإن النظام تمكن من أن يبني وفي وقت قصير أن يمنح المتعاملين معه في المجتمع، جماعات كانوا أم أفراداً، التزامات مالية واسعة. وبمرور الوقت فإن هذا السخاء الأبوي أصبح غير قابل للتغيير مما قلص من استقلالية القيادة في التصرف بحرية في عوائد النفط وهي آلية توضح الأهمية القصوى لقرارات التوزيع التي تم اتخاذها في منعطفات تاريخية سابقة. إن مجموعات المنتفعين من الدولة الريعية، والذين تراكمت أعدادهم عبر الزمن، كانت لهم فائدة واضحة في تهدئة المجتمع سياسياً ولكن وجودهم غير القابل للتزحزح في الدوائر البيروقراطية وحولها يجعل عملية الاصلاح والإدارة اليومية لشؤون الدولة أكثر صعوبة.

بعد فترة من التطورات السريعة والتغيرات التي أملاها التوسع في الدولة، فإن الدولة السعودية برزت وبشكل غير متوقع كدولة متشظية وككيان ضخم وجامد- رغم وجود بعض الأجزاء الحيوية وعالية الكفاءة فيها. ولتفسير السبب الذي يجعل بعض الاصلاحات ممكنة في السعودية في وقتن الحاضر وبعضها الآخر غير ممكن، فإننا نحتاج إلى "تفكيك" الدولة. نحتاج أن نفهم هياكلها وعلاقاتها بالمجتمع على المستوى المتوسط لمنظمات محددة وجماعات إجتماعية، إضافة غلى فهم الأفراد المنتفعين من الدولة على المستوى الفردي.

إن التشظي على المستوى المتوسط في الدولة السعودية يعني أن القابلية للتنسيق والتكامل في السياسات بين المؤسسات المختلفة والشبكات الأخرى ضعيف، كما يشهد بهذا المنظر الذي ذكرناه سابقاً من غرفة التلكس والذي يوحي بأن الرسائل تصل وكأنها قادمة من قارة أخرى. وعلى النقيض من هذا، فإن سياسات الإصلاح التي شملت بضع مؤسسات فقط، أو التي تمت عبر أطراف دولية قوية نُفذت بشكل أكثر نجاحاً. وحتى بعد ذلك، فإن النجاح في التطبيق مشروط بالكم من اللاعبين على المستوى الفردي الذين يحتاجون أن يتم تفعيلهم وتوجيههم في هذه العملية، وهؤلاء قد يكونون مدراء من المنتفعين من البيروقراطية، أو أفراداً يلعبون أدواراً تنظيمية في المجتمع. وبينما يعد المجتمع السعودي ضعيفاً من ناحية التنظيم الجمعي، فإن الشبكات الاجتماعية في الدائرة البيروقراطية يمكنها في أغلب الأحيان أن تعرقل السياسة. إن "درجة اتساع" المستوى الأوسط، و"عمق" المستوى الفردي في سياسة ما هما عاملان حيويان في تحديد النجاح أو الفشل لهذه السياسة. إن التفريق في السياسات الريعية بين المستويين المتوسط والفردي يسمح بفهم أكثر دقة " لقدرة الدولة" في البيروقراطية الريعية، وهو عامل يمكن أن يتباين خلال نظام ما إعتماداً على المحتوى المؤسساتي.

إن التحليل العميق للنموذج السعودي يوفر لنا أساساً أعمق للنقاش الدائر حول الدولة الريعية. إنه يضيف دقة للتأكيد على أن الدولة الريعية مستقلة عن المجتمع. وفي الأساس، فإن مدخول النفط أعطى النخبة الحاكمة مساحة واسعة للمناورة. هذا الاستقلال يمكن أن يتقلص بمرور الزمن، ولكن، يمكننا أن نرى أن القيود التي تربط الدولة بالمجتمع تتزايد وهي تأخذ على عاتقها مسؤوليات التوزيع الفردي للثروة والتي لا يمكن الرجوع عنها.

إن الحالة السعودية تؤكد التوقع النظري أن الريع يقوي الدولة في مقابل المجتمع. والآلية التي توضح هذه النتيجة هي أن الاعتماد على الريع يميل إلى جعل المجموعات الإجتماعية تابعة للنظام ويقوض من تجانسها الداخلي. ومع ذلك، فإن الدخل النفطي العالي يبدو مغرياً للنخبة السياسية لتضيف منظمات أخرى لجهاز الدولة لمواجهة المشاكل السياسية والإدارية، مما ينتج عنه تشظي الدولة نفسها. هذه هي النتيجة غير الموثقة حتى الآن لتأثير المدخول الريعي الذي يبدو حاصلاً في الدول الريعية أيضاً.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه البيروقراطيات "المترهلة" ذات السلطات التنظيمية مهمة وكاشفة لطبيعة النظام، وهي التي تعزى في أغلب الأحيان للمدخول الريعي، فإن هذه البيروقراطيات تعد طارئة وعرضية بدرجة أكثر مما تتنبأ به الأدبيات. واعتماداً على الكيفية التر تقرر بها القيادات استعمال المدخول المكتشف حديثاً في عملية بناء الدولة، فإن هذه البيروقراطيات قد تظهر وقد لا تظهر. وإذا ظهرت، فإن الآلية المعتادة هي استعمال التوظيف البيروقراطي كمورد لضمان الولاء والذي يقوض المحفزات الفردية في النظام البيروقراطي. وفي حالات أخرى، فإن المنتفعين الثيوقراطيين والذين تم انتقاءهم بعناية من قبل آل سعود قاموا ببناء "جزر من الكفاءة" في خضم جهاز الدولة السعودية تتمتع بأنظمة توظيف وحوافز مستقلة عن بعضها، وتصدر في بعض الأحيان تعليمات صريحة بتجاوز البيروقراطية في باقي جهاز الدولة. وبخلاف ما تمت مناقشته في السابق، فقد وجدت أن وجود أو غياب نظام ضرائبي على المستوى الوطني له أثر ضئيل على سلطات الدولة التنظيمية.

إن السعي وراء الربح والفساد الذي تتنبأ به الأدبيات يحدث بالفعل في السعودية، حيث يتضاعف حجم بعض المؤسسات وكأنها مصالح ومحسوبيات خاصة لبعض اللاعبين المؤثرين في النظام. يتفاوت حجم الفساد كثيراً بين مؤسسة وأخرى، ومع ذلك فإن هذا لا يعد السبب الرئيس للنتائج المتواضعة للسياسات الرسمية، بل إنه يتصل أكثر بتشظي الدولة وبزخم المنتفعين داخل بيروقراطية الدولة. إن ما أطلق عليه أنا "الانتفاع المقسم"- وهو نظام غير متجانس وغير رسمي مبني على الانتفاع من الريع الذي تهيمن عليه العلاقات الرأسية- يسمح بالتحليل الدقيق أكثر مما تسمح به نظريات الدولة الريعية. إنه يعطينا الفرصة لنفهم في أي جزء منها تكون الظاهرة الريعية قابلة للتطبيق وفي أي جزء آخر لا يمكن تطبيقها، إضافة إلى فهم علاقات السلطة التي تحددها.



محمد محمود بدر 17-12-2012 12:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة youssef darwish (المشاركة 5018556)
بسم الله الرحمن الرحيم


مرحبا بالعضو الجديد

youssef darwish 17-12-2012 01:59 PM

تسلم يا استاذ محمد
موضوع يستحق المتابعه
:078111rg3:

:078111rg3:

:078111rg3:

:078111rg3:

:078111rg3:

ابونرمين 17-12-2012 02:52 PM

فقد أدى الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى حالة التخبط في إدارة الدولة -والتي بدت واضحةً في إصدار القرارات والتراجع السريع عنها في أكثر من مرة- إلى إشاعة حالة من الضبابية حول البيئة الاستثمارية في مصر، وعدم الاطمئنان إليها، مما تسبب في عدد من التداعيات الاقتصادية السلبية، ولم تذكر من ضمن الأسباب : (1)ما يسمى بجبهه المعارضة والتى لا هدف لها الا أسقاط شرعية الرئيس،وأقتحام الأتحادية ؟؟ (2)ظهور فلول النظام السابق على الساحة،وأستماتتهم للبقاء بعد كتابة مادة العزل السياسى فى الدستور الجديد (3) الدور الخفى للأعلام المصرى(الخاص)فى نشر حالة الضبابية من تغيير للحقائق،وعد تسليط الضوء على الأيجابية والله نسأل السلامة لمصر،والوعى واليقظة للمصريين،والعون والمدد من الله تعالى للرئيس...آمين

darch_99 17-12-2012 04:56 PM

شكرا
 
السيد/ ايمن نور تحية طيبة وبعد

اقتباس:

على الرغم من أن التركة الاقتصادية التي خلفها الرئيس السابق حسني مبارك وراءه كانت مثقلةً بالمشكلات الاقتصادية، فإن سوء إدارة المرحلة الانتقالية أدت إلى تفاقم تلك المشكلات إلى درجة حدت بالبعض إلى التساؤل عن مدى إمكانية وصول مصر إلى مرحلة الإفلاس. فقد أدى الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى حالة التخبط في إدارة الدولة
هل من العدل ايتها الكاتبة ان تنسبي المرحلة الانتقالية كلها للرئيس مرسي سنتين كاملتين بينما الرئيس اخذ منها فعلا 5 اشهر فقط والحاصل كله نتيجة تركة حسني مبارك والمجلس العسكري علي حد قولك بدليل قولك

اقتباس:

-والتي بدت واضحةً في إصدار القرارات والتراجع السريع عنها في أكثر من مرة

اقتباس:

3- انخفاض الاحتياطي النقدي بصورة كبيرة من 35.221 مليار دولار في يونيو 2010 إلي نحو 15.533 مليار دولار في يونيو 2012، بما يعنيه ذلك من أن حصيلة الاحتياطيات الدولية أصبحت لا تكفي لتغطية الواردات السلعية المصرية سوى لثلاثة أشهر فقط.
كويس انك ذكرتي الفترة دي اللي مكانس مرسي فيها رئيس واية علاقة مرسي بيها سوي انها الت الية هذة التركة
اقتباس:

- تزايد عجز الموازنة العامة للدولة واتساع الفجوة بين النفقات والإيرادات والتي يتوقع أن تتجاوز 10% بنهاية العام المالي الحالي على الرغم من أن التوقعات في بداية العام لم تتخطَّ 8%.
5- تدهور التصنيف الائتماني الخاص بمصر وما تبعه من ارتفاع أسعار فائدة القروض التي تبرمها مصر سواء من الداخل أو الخارج

احد اهم الاسباب في ذلك عدم الاستقرار السياسي التي تتسبب فيه المعارضة وفلول الوطني ولسان حالهم بيقول اقوم انتا من علي الكرسي واحنا اللي نحكم بل واحيانا بصراحة

اقتباس:

- اعتمدت الحكومة على الاقتراض كحل سهل وسريع لتمويل ذلك العجز، مما أدى إلى تضخم حجم الديون بصورة كبيرة حتى وصل الدين العام المحلي إلى 1238,137 مليار جنيه في العام المالي 2011/2012، مقارنة بنحو 1044,898 مليار جنيه خلال نفس الفترة في العام المالي 2010/2011. وقد تم عقد غالبية هذه القروض بأسعار فائدة مرتفعة للغاية وصلت إلى 15- 17%، وهو ما جعل خدمات الديون وحدها تلتهم ما يقرب من 25% من نفقات الموازنة الحالية.

7- أيضًا ارتفعت معدلات البطالة بصورة كبيرة لتصل المعدلات الرسمية المعلنة إلى نحو 12% في عام 2011، مقارنة بنحو 9% في عام 2010، وهي معدلات يتشكك الكثير من الاقتصاديين في مدى صحتها، ويرون أن المعدلات الحقيقية تتخطاها بكثير.

محاولات الخروج من الأزمة: قرض صندوق النقد الدولي

وتتمثل أفضل الطرق للتعامل مع عجز الموازنة في إعادة هيكلة النفقات والإيرادات لترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات كمحاولة أولية لتضييق حجم الفجوة بينهما، وعدم تحميل الحكومات القادمة بأعباء الديون، بما قد يكبل من حرية حركة تلك الحكومات في اختيار السياسات التي قد ترتئيها مناسبة في حينه. لكن كثيرًا ما قد تقرر الحكومات اللجوء إلى الحل الأسهل وهو الاقتراض.

وقد اختارت حكومات ما بعد الثورة اللجوء إلى هذا الحل الأسهل سواء من خلال الاقتراض الداخلي أو الخارجي، وفي هذا الإطار تم الإعلان عن بدء التفاوض مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 3,2 مليار دولار ثم تم رفعه بعد ذلك ليصل إلى 4,8 مليار دولار، وهو ما شكل قضية خلافية كبيرة بين الحكومات المختلفة وبعض رموز الثورة الذين رأوا أن الاقتراض من الصندوق قد يهدد استقلال القرار الاقتصادي المصري، ويكبله بسياسات بعينها قد لا تتوافق مع السياسات التي تحقق أهداف الثورة في المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر. وربما ترجع تلك المخاوف إلى الخبرات السابقة مع صندوق النقد الدولي حيث أدى اقتراض مصر من الصندوق في تسعينيات القرن الماضي إلى إجبارها على تطبيق "سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي"، والتي رأى كثير من الاقتصاديين أنها لم تكن تتناسب مع طبيعة الاقتصاد المصري، وأنها كانت سببًا رئيسيًّا في ارتفاع معدلات البطالة وزيادة نسب الفقر، بالإضافة إلى ما نتج عن سياسات الخصخصة من استحواذ القطاع الخاص على كثير من السلع والخدمات الاستراتيجية في صفقات شابها الفساد، وتسببت في عمليات إهدار واسعة للمال العام.

وفي خبرة دولية حديثة، أدى تطبيق هذه الإجراءات مؤخرًا في اليونان إلى قيام حركة احتجاجات شعبية واسعة نتيجة لما تمخضت عنه هذه السياسات من ارتفاع في معدلات البطالة، وزيادة في معدلات الفقر، وتعميق مشكلة سوء توزيع الدخل.إلا أن الحكومة أعلنت -في محاولة منها لتهدئة الرأي العام- أن القرض لن يكون مشروطًا، وبذلك لن يؤثر على استقلال القرار الاقتصادي المصري أو قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية. ثم أعلنت فيما بعد أن القرض مشروط بتقديم الحكومة لخطة اقتصادية تضمن خفض عجز الموازنة من خلال زيادة الإيرادات الضريبية، وخفض الدعم، ولكن دون أن تعلن الحكومة عن الطريقة التي تنتوي بها تطبيق هذه الخطة بصورة مباشرة وشفَّافة، واكتفت بالتصريح بأن محدودي الدخل لن يتأثروا بها.

تداعيات التدهور الاقتصادي

ومن الواضح أن الحكومة قد بدأت في تنفيذ شروط صندوق النقد منذ أعلنت رفع أو تخفيض الدعم على عدد من السلع من دون الإشارة إلى أن تلك الإجراءات تأتي في إطار تنفيذ روشتة الصندوق. وبدأت الحكومة بتنفيذ هذه الإجراءات تدريجيًّا بداية من إعلان خطة زمنية لبدء تخفيض الدعم على البنزين والسولار، مرورًا برفع أسعار الكهرباء وصولا بالضرائب الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا ثم ما لبث الرئيس محمد مرسي أن ألغاها تحت وطأة الغضب الشعبي، معلنًا أنه سيطرحها للحوار المجتمعي في الوقت الذي توجهت فيه حكومته لصندوق النقد لتأجيل إعلان الصندوق للمصير النهائي للقرض لمدة شهر حتى تتمكن الحكومة من تطبيق السياسات المتفق عليها. وهو ما يعني أن نتيجة الحوار المجتمعي محسومة مسبقًا، وما هو إلا محاولة لتهدئة الرأي العام قبل إجراء الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من ديسمبر.

وعلى الرغم من أن إعادة هيكلة الدعم وإصلاح النظام الضريبي كانا دائمًا في قلب الإصلاحات التي نادى بها الجميع لإعادة توزيع الدخل بصورة عادلة تضمن تحسين الظروف المعيشية للغالبية الكاسحة من الشعب المصري، والتي تعاني من الفقر ولا تحصل على أبسط حقوقها في حياة كريمة، فإن الإصلاحات التي أقبلت عليها الحكومة الحالية جاءت في عكس الاتجاهات المرجوة، فبدلا من أن تلجأ لزيادة الإيرادات الضريبية من خلال فرض الضرائب التصاعدية وزيادة معدلات الضريبة على الشرائح الأعلى قامت بفرض الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات، وبدلا من أن تلغي دعم الطاقة الموجه للشركات الكبرى التي تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية أعلنت أنها ستخفضه بنسبة 30% فقط مع تخفيض الدعم الموجه للكهرباء والسولار والبنزين أيضًا.

وعلى ذلك فإنه على الأرجح أن تشهد مصر ارتفاعات كبيرة في أسعار معظم السلع والخدمات للأسباب الآتية:

1. تخفيض الدعم الموجه للسولار والبنزين والكهرباء وهو ما سيؤثر -سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة- على أسعار كافة السلع والخدمات الأخرى.

2. ارتفاع الضرائب غير المباشرة على بعض السلع والخدمات. حتى وإن تراجع الدكتور مرسي في الوقت الحالي عن تنفيذ هذا القرار، إلا أنه بدا واضحًا أنه عاجلا أو آجلا سيتم تنفيذه.

3. الانخفاضات المتحملة في قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمريكي، وما ينتج عنه من ارتفاع لأسعار كافة السلع المستوردة.

وفي ظل تدهور الظروف الاقتصادية وما تمخضت عنه من ارتفاعات كبيرة في معدلات البطالة بالإضافة إلى ثبات هياكل الأجور والمرتبات وعدم تطورها مع ارتفاع الأسعار، فإن أي زيادة في الأسعار ستؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية للملايين من محدودي الدخل. وهو ما ينذر بإمكانية تكرار مشهد انتفاضة الخبز في عام 1977 إن لم تحاول الحكومة بصورة جادة تعديل مسار سياستها الاقتصادية لتتوقف عن المحاباة للطبقة الرأسمالية، ولتصبح أكثر توافقًا مع مطالب الثورة في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر.

اقتباس:

وعلى ذلك فإنه على الأرجح أن تشهد مصر ارتفاعات كبيرة في أسعار معظم السلع والخدمات للأسباب الآتية:
احيانا لا اصدق ان من النخبة من هم بدون وعي او هم يتعمدون تجاهل الحقائق البادية للسياسي الحاذق ام انهم يستغلوا الواقع لابراز السلبيات في مقالتهم لتبدو موضوعية ولكنهم في الحقيقة يريدون وضع البزين علي النار ويدعون عدم مسؤليتهم

ان كنت تعي فتلك مصيبة وهذة مؤامرة وان كنت لا تعي فالمصية اعظم فكيف تمسك بالقلم لتصنع من فحاخ لتفجير البلد
يا ايتها النخبة يا سادة يا كرام
الحكومة الحالية لا تعبر مطلقا بتاتا وقطعيا عن عموم الاسلاميون ولا الاخوان ولا غيرهم
كل السياسات الفاشلة هي هي نفس سياسات حكومة حسني مبارك مع بعض مساحيق تجميل الوجة لا اكثر ولا اقل هي لم تأتي بجديد بينما عام الاسلاميون لم يأخذو فرصتهم بعد

وان بداية حكم الاسلاميين حقيقة تبدأ إذا حصلوا علي اغلبية في مجلس النواب القادم وشكلوا هم الحكومة رغما عن الرئيس وبناءا علي الدستور وهنا فقط تستطيعون ان تقولوا ان الاسلاميون يحكمون ولن يحدث هذا الا اذا سارت الامور علي ما يرام علي الاقل في شهر مارس القادم
اما ان تقولوا حكومة الاخوان وليس فيها وزير من وزارات السيادة واحدة فقد كذبت
اما ان تقولوا ان القوي الاسلامية تحكم وليس في الوزارة وزير واحد من تلك القوي الا الاخوان وهي وزارت هامشية كالشباب فقد كذبتم
اما ان تقولوا الاسلاميون يحكمون ووزير الداخلية هو من ابرز اولاد عمومة من كان اكبر عضو بالحزب الوطني فقد كذبتم
اما ان تقولوا ان الاسلاميون يحكمون واكبر فل يحكم وزارة المالية بنفس اساليب حسني مبارك فقد كذبتم
اما ان تقولو ان الاسلاميون يحكمون ورئيس وزاراء مصر لا ينتمي فكريا لتلك القوي التي لها قوة تصويتية وهذا حقها فقد كذبتم
لدي الكثيير والله لاقوله ولكن كفي

شكرا لك سيدي



محمد محمود بدر 17-12-2012 06:13 PM

جزاك الله خيرا على الموضوع

aymaan noor 17-12-2012 11:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 5018378)
شكرا علي المقال

ولي تعليق ولكن عندما اعود ان شاء الله

جزاك الله كل خير

أ
هلا بك أستاذى الفاضل و سأقوم بالتعليق ان شاء اله على مشاركتك الثانية
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 17-12-2012 11:22 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 5018378)
شكرا علي المقال

ولي تعليق ولكن عندما اعود ان شاء الله

جزاك الله كل خير

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alien2 (المشاركة 5018419)
هذا هو الوضع الاكيد حدوثه
و هذا مالا نتمناه
وقلنا مرارا
يجب ان يتعاون الجميع لحل هذة المشكلة
و الا ستكون هناك ثورة جياع ضد الحكومة
و الحكومة ستقمع الثورة
و عندها ستكون حرب بين افراد الشعب من ناحية
و ميليشيات الاخوان و السلفيين و التكفيريين من الناحية الاخرى
اللهم احفظ مصر و اهلها

جزيل شكرى و تقديرى لحضرتك أستاذى الفاضل
و بالفعل هذا مانتمناه أن يتعاون الجميع لحل هذه المشكلة
ان شاء الله لن تكون هناك ميليشيات ، و الكل سيتوحد من أجل صالح البلد
و لكن المسألة محتاجة بعض الوقت حتى بيدرك الجميع أن صالح البلد فى التوحد و ليس فى الفرقة


جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 17-12-2012 11:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محمود بدر (المشاركة 5018531)
اللهم احفظ مصر و اهلها
جزاك الله خيرا شكرا على الموضوع

اللهم آمين
شكرا أستاذ محمد على المرور
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 17-12-2012 11:25 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة youssef darwish (المشاركة 5018556)
بسم الله الرحمن الرحيم :friendsxs3:

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محمود بدر (المشاركة 5018568)

مرحبا بالعضو الجديد

مرحبا بالعضو الجديد
و ننتظر مشاركاتك و موضوعاتك القيمة
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 17-12-2012 11:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابونرمين (المشاركة 5018664)
فقد أدى الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى حالة التخبط في إدارة الدولة -والتي بدت واضحةً في إصدار القرارات والتراجع السريع عنها في أكثر من مرة- إلى إشاعة حالة من الضبابية حول البيئة الاستثمارية في مصر، وعدم الاطمئنان إليها، مما تسبب في عدد من التداعيات الاقتصادية السلبية، ولم تذكر من ضمن الأسباب : (1)ما يسمى بجبهه المعارضة والتى لا هدف لها الا أسقاط شرعية الرئيس،وأقتحام الأتحادية ؟؟ (2)ظهور فلول النظام السابق على الساحة،وأستماتتهم للبقاء بعد كتابة مادة العزل السياسى فى الدستور الجديد (3) الدور الخفى للأعلام المصرى(الخاص)فى نشر حالة الضبابية من تغيير للحقائق،وعد تسليط الضوء على الأيجابية والله نسأل السلامة لمصر،والوعى واليقظة للمصريين،والعون والمدد من الله تعالى للرئيس...آمين

جزيل شكرى و تقديرى لحضرتك أستاذى الفاضل
لا أختلف مع حضرتك فى اعتبار هذه الأمور ضمن الأسباب
و هذا لاينفى وجود أسباب أخرى أكثر أهمية
و نتمنى ممن يتولوا المسئولية أن يكونوا قدر المسئولية و يحسنوا التصرف للنهوض بالبلد ان شاء الله

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

راغب السيد رويه 17-12-2012 11:50 PM

إن التحليل العميق للنموذج السعودي يوفر لنا أساساً أعمق للنقاش الدائر حول الدولة الريعية. إنه يضيف دقة للتأكيد على أن الدولة الريعية مستقلة عن المجتمع. وفي الأساس، فإن مدخول النفط أعطى النخبة الحاكمة مساحة واسعة للمناورة. هذا الاستقلال يمكن أن يتقلص بمرور الزمن، ولكن، يمكننا أن نرى أن القيود التي تربط الدولة بالمجتمع تتزايد وهي تأخذ على عاتقها مسؤوليات التوزيع الفردي للثروة والتي لا يمكن الرجوع عنها.

جزاك الله خيرا وبارك فيك

youssef darwish 18-12-2012 02:59 PM

جزاك الله خيراً على الموضوع لكن ى للدستور

اسلام محمد الفرجاني 19-12-2012 02:27 PM

جزاك الله خيراً

aymaan noor 20-12-2012 10:38 AM

المسارات المحتملة للخلافة السياسية في السودان
 
المسارات المحتملة للخلافة السياسية في السودان
http://rcssmideast.org/media/k2/item...8b8ba561_L.jpg
محمد عبدالله يونس
يواجه النظام الحاكم في السودان مأزق الخلافة السياسية في فترة ما بعد انقضاء حكم الرئيس عمر البشير، في ظل صراعات محتدمة سواء بين أجنحة السلطة داخل النظام، أو بين السلطة والمعارضة السياسية، لا سيما وأن السودان ينتمي إلى ما يمكن تسميته بـ"دول الربيع العربي المؤجل"، في ظل سياق إقليمي ينزع نحو تفجير الأوضاع المستقرة داخل الدول، على نحو يطرح سيناريوهات مختلفة بشأن "آليات انتقال السلطة"، سواء عبر المسار الثوري، أو من خلال الانقلاب العسكري، أو عن طريق التوافق السياسي.
وقد ارتبط تصاعد الجدل حول ترتيبات انتقال السلطة عقب انتهاء فترة رئاسة عمر البشير، بالإعلان عن إجرائه عملية جراحية في الدوحة خلال أغسطس الماضي، فرضت عليه الإحجام عن المشاركة في الشئون العامة طوال الفترة الماضية، بيد أن محفزات الجدل حول الخلافة السياسية تتجاوز ذلك لتشمل أبعادًا متعددة أهمها:

1- تداعيات انفصال الجنوب، حيث قوض اتجاه الجنوب نحو الانفصال شرعية النظام الحاكم في السودان، فضلا عن أنه فجر صراعًا محتدمًا على المناطق الحدودية مثل أبيي وهجليج، وأفقد السودان حوالي 75% من إنتاج النفط.

2- تصاعد انتقادات المعارضة، إذ بدأت المعارضة تتكتل في إطار "الجبهة الوطنية الثورية" منذ المظاهرات التي اندلعت في يوليو الماضي، واتجه خطابها السياسي في الآونة الأخيرة نحو تحدي شرعية النظام، وخاصة مع تأكيد زعيم حزب المؤتمر الشعبي الإسلامي حسن الترابي، في أكتوبر الماضي، على أن نظام البشير سينهار ويتحلل، لأنه أقرب إلى "الدواء الذي فقد صلاحيته".

3- تردي الأوضاع الاقتصادية، على خلفية ارتفاع معدلات التضخم بنسبة 40% خاصة خلال التوترات الحدودية مع دولة الجنوب، حيث أصدرت الحكومة، في يوليو الماضي، قرارات برفع أسعار السلع الأساسية والوقود بنسب تتراوح بين 12.5% و60%، وزيادة الضرائب بنسبة 17%.

أطراف معادلة السلطة

يستند نظام البشير على تحالف مصلحي ثلاثي بين الحركة الإسلامية السودانية، وحزب المؤتمر الوطني، والمؤسسة العسكرية، وهو ما يرجع إلى النشأة المعقدة لنظام الإنقاذ الإسلامي الذي تأسس بعد الانقلاب العسكري الذي قاده البشير عام 1989 بدعم من الحركة الإسلامية بزعامة حسن الترابي.

ويمكن القول إن شركاء السلطة في السودان لم يتوافقوا على بديل واحد للبشير، وإنما سارع كل منهم لإعداد أحد قياداته للإفادة من الإحلال السلطوي، إذ تدعم الحركة الإسلامية علي عثمان طه النائب الأول للبشير وأمينها العام ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني بهدف تطويع الحزب ودمجه في الحركة التي انقسمت عقب انشقاق الترابي عام 1999، ويعتبر طه الأقرب لخلافة البشير لما يحظى به من قبول دولي لمشاركته في مفاوضات السلام مع الجنوب، في حين تميل قيادات حزب المؤتمر إلى ترشيح نافع علي نافع مساعد الرئيس والنائب الثاني للبشير في الحزب باعتباره مركز القوة الرئيسي داخل الحزب الذي نجح في توحيد صفوفه في مواجهة المعارضة، فضلا عن خلفيته الأمنية لعمله السابق مديرًا لجهاز الأمن العام، وتعتبر قيادات الحزب ترشيح نافع مقدمة لفصل الحزب عن وصاية الحركة الإسلامية وتعزيز استقلاليته، بينما تفضل المؤسسة العسكرية أن يكون خليفة البشير أحد قياداتها، وفي هذا السياق صعدت أسهم كل من الفريق أول بكري صالح وزير رئاسة الجمهورية الذي شارك في انقلاب 1989، والفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه في فبراير الماضي.

بدائل المعارضة

يتمثل المسار الثاني للخلافة السياسية في انتقال السلطة لصفوف المعارضة ذات القوة الصاعدة في الآونة الأخيرة، وهو احتمال يبدو مستبعدًا في ظل افتقادها للإجماع، وانقساماتها البينية، بيد أن المعارضة تطرح بدائل أخرى يتمثل أهمها في:

1- المجلس الرئاسي الانتقالي، ويتجلى هذا البديل في وثيقة انتقال السلطة بعد سقوط نظام البشير التي وقعتها فصائل المعارضة الرئيسية في يونيو الماضي، والتي تتضمن تأسيس مجلس رئاسي من 7 قيادات يمثلون أقاليم السودان، ومجلس انتقالي تشريعي يدير فترة انتقالية لمدة ثلاثة أعوام لوضع دستور جديد، وإجراء عملية إصلاح سياسي.

2- الحراك الاحتجاجي، حيث ترى قيادات الحركات الاحتجاجية الشبابية أن انتقال السلطة لن يكون في صالح المعارضة بدون ضغوط احتجاجية قوية، ومن هذا المنطلق ترفض قيادات حركة "شباب 30 يناير" وحركة "التغيير الآن" تأسيس أحزاب في ظل نظام البشير حتى لا تضطر للخضوع لقواعده، وتدخل في صراعات سياسية على غرار الأحزاب التقليدية.

3- التمدد الانفصالي، إذ ربما تجد الحركات الانفصالية في فترة ضعف النظام خلال انتقال السلطة من البشير لخليفته، فرصة لقلب معادلات الصراع مع العاصمة، والتصعيد العسكري بهدف تكرار نموذج جنوب السودان.

مسارات مستقبل الخلافة

وعلى الرغم من أن مسار انتقال السلطة في السودان يبدو للوهلة الأولى أقرب لكونه إحلالا سلطويًّا من داخل النظام؛ فإن متغيرات عديدة قد تنحرف بالخلافة السياسية نحو تفجر الفوضى السياسية وصراعات السلطة، أهمها الانشقاقات المتصاعدة في صفوف الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، وهو ما يفرض عدة سيناريوهات حدية للخلافة السياسية: أولها، انهيار الوحدة الوطنية وتفكك السودان لدويلات متناحرة، وهو ما سوف يؤدي إلى استبعاد سيناريو الخلافة لصالح سيناريو الاستقرار.

وثانيها، اندلاع موجة احتجاجية أشد وطأة وأكثر تنظيمًا تنجح في إزاحة النظام على غرار النموذجين المصري والتونسي، مع عدم وضوح كامل فيما يتعلق بماهية حاكم السودان المقبل. وثالثها، حدوث انقلاب عسكري يُعيد إنتاج نظام الإنقاذ الإسلامي. ورابعها، اتجاه النظام إلى التفاوض مع قوى المعارضة الرئيسية لتحقيق انتقال سلس للسلطة في مقابل معادلات جديدة للمشاركة في الحكم، ونهج توافقي للإصلاح السياسي.

aymaan noor 20-12-2012 11:02 AM

الطائفة الشرطية وحكومة الرئيس مرسي: تحالف يقوم على رؤية أمنوقراطية للدولة
 
الطائفة الشرطية وحكومة الرئيس مرسي: تحالف يقوم على رؤية أمنوقراطية للدولة
http://arabic.jadaliyya.com/content_...rimEnnarah.jpg
قوات الامن المصرية أمام جامعة القاهرة 2009.

عادت القوات المسلحة للظهور على الساحة السياسية، ولم يكن ظهورها هذه المرة فقط للإدلاء بالبيانات التي تحاول شرح أسباب اصرار بعض ضباط القوات الجوية على إيقاظ سكان المدن من النوم مبكراً عن طريق التحليق المنخفض بالمقاتلات فوق الأحياء السكنية، أو تبرير آخر انتهاك تورط فيه أفراد الجيش (على غرار البيان الذي تلاه المتحدث الرسمي للقوات المسلحة عصر الثامن عشر من نوفمبر لتبرير الاعتداء على جزيرة القرصاية) — ولكن هذه المرة كان الظهور للحديث عن الشأن السياسي العام والتعبير عن موقف (وإن كان مبهماً وحمّالاً للأوجه) من موجة الاحتجاجات العنيفة التي تبعت الاعلان الدستوري الصادر بتاريخ 22 نوفمبر، وهو ما آثار حفيظة البعض والتفاؤل الساذج عند البعض الآخر والقلق عند الكثيرين. أضف إلى هذا القلق المستمر الظاهر في تصريحات حكومة الاخوان والذي يعكس تساؤلاً تردد كثيراً هو الآخر في الشوارع عن فلسفة عمل جهاز الشرطة في عصر الرئيس المنتخب محمد مرسي، ثم ضعها بجانب قرار إعطاء صفة الضبطية القضائية لأفراد القوات المسلحة — وهو قرار مشابه للقرار الذي كان محامو الاخوان قد طعنوا به إلى جانب عدد من المنظمات الحقوقية في 13 يونيو الماضي، عندما أصدره وزير عدل المجلس العسكري، قبيل المرحلة الثانية من الانتخابات. مع الفارق أن القرار في هذه المرة صادر بقوة القانون، كما أنه وضع سقفاً زمنياً لهذه الصلاحية المضافة لرجال القوات المسلحة، كما أنه مرتبط بإعلان نتيجة الاستفتاء الدستوري المقبل (أي أنه في الغالب مرتبط بعدم ثقة الحكومة في قدرة الشرطة على تأمين الاستفتاء). كل هذه التساؤلات تدفعنا للعودة إلى التساؤل الأصلي عن طبيعة العلاقة المعقدة بين الرئيس مرسي وحكومته، وبين مؤسسات الدولة العميقة أو أجهزتها الأمنية.

لا شك أن حكومة الاخوان منذ تولي مرسي الرئاسة قد سعت إلى تشكيل تحالف حاكم مع أجهزة الدولة القائمة، وفي مقدمتها الشرطة والجيش. كما أنها قدمت تنازلات عديدة من أجل بناء هذا التحالف: فهي بطبيعة الحال لم تفكر في تعيين وزيراً للداخلية من خارج جهاز الشرطة (وهو أمرا متوقع), ولا من خارج دائرة قيادات الداخلية الأكثر نفوذاً والأكثر تجسيداً لفلسفة "استعادة القبضة الأمنية" — أي من قطاع الأمن العام والقطاعات الجغرافية (مديري أمن المناطق)، وهي الدائرة التي ينتمي اليها الوزير أحمد جمال الدين، (وكل من سبقوه من بعد العادلي)، الذي كان مديراً لأمن أسيوط وقت اندلاع ثورة يناير، وأشرف بنفسه على قيام جنوده بالتعدي بالضرب واعتقال أخت زوجة المرشد العام للاخوان المسلمين، محمد بديع يوم 26 يناير، طبقاً لما رواه لي عدد من شباب الاخوان (الحاليين والسابقين) من منطقة أسيوط الذين شاركوا في مظاهرة 26 يناير (وكتب عنه أيضا محمد أبو الغيط في مقالته الشهيرة"في انتظار نهاية العالم")، والذين اعتقلوا يومها ولم يستطيعوا حتى الآن استساغة تعيين أحمد جمال الدين وزيراً للداخلية. وبخلاف شخص وزير الداخلية، فقد كان أهم ما قدمته حكومة الرئيس مرسي من أجل ضمان تحييد وزارة الداخلية ومشاركتها في التحالف السياسي الجديد هو ضمان عدم المساس بجهاز الشرطة بتاتاً لا تطهيراً ولا إصلاحاً ولا حتى عتاباً.

لم تحتج حكومة الاخوان أن تقدم حتى هذه الضمانات للمؤسسات الأمنية الأخرى التي خرجت من الثورة أكثر تماسكاً (أقصد الجيش والمخابرات). وبهذا فقط حافظ الرئيس مرسي على الطابع الأمنوقراطي للدولة المصرية اتقاء لشر تلك المؤسسات، أولاً، ولتوافق رؤيته لدور وشكل الدولة مع الرؤية الأمنوقراطية، ثانياً، والأهم من هذا وذاك لأنه يحتاجهم بشدة في الفترة القادمة. ولكن شيئاً ما قد اختلف في مصر ما بعد الثورة وهو ما لا يتحكم فيه الرئيس ولن يستطيع استعادته في الغالب: وهو نقص قدرة تلك المؤسسات على القمع والسيطرة الاجتماعية. الإخوان يحاولون الحفاظ على الطابع الأمنوقراطي لدولة غير قادرة على استعادة شرعية القمع وتحتاج الى مجهود أكبر بكثير لممارسته وتواجه مقاومة مستمرة من قطاعات شعبية واسعة، وفي غياب الإرادة عند حكومة الاخوان المحافظة لخلق تصور جديد لعلاقة الدولة بالمجتمع ينتج عن هذا أن هذه المؤسسات التي يخشاها الرئيس ويحتاج إليها في نفس الوقت تفضل التقوقع حول نفسها وحماية مكتسباتها الموروثة منذ تأسيس الدولة المصرية القمعية الحديثة بقدر المستطاع. وتفضل تفادي الصدام كلما أمكن، فهكذا تزداد ترسخاً دولة "ملوك الطوائف" كمايصفها أشرف الشريف. وقد ظهر هذا بوضوح في المناقشات التي دارت في عمل اللجنة التأسيسية حيث حاربت كل طائفة من أجل ترسيخ وضع أكثر تمييزاً لها ولم تكترث بما ورد في بقية النص فكانت معارك الدستور "طائفية" بامتياز. وتقبل الإخوان هذا الواقع وتفاوضوا مع ملوك كل طائفة حسب ما سمحت به توازنات القوى—فوجدناهم يناطحون طائفة القضاء أحيانا وينحنون أمام طائفة الجيش دائماً.

لا يوجد أدنى سبب لكي نظن كما يظن البعض بأن القوات المسلحة على خلاف مع الرئيس وحكومة الإخوان—خاصة بعد أن حصلوا على أقصى أمانيهم في مشروع الدستور الأخير وبدون أي مقاومة تذكر (اللهم إلا بعض المقاومة الشفهية التي بدت مصطنعة من المستشار الغرياني ومن الدكتور محمد البلتاجي—راجع تسجيلات مناقشات الدستور حول مواد القوات المسلحة). بل وقد حصلوا على هدية في النسخة الأخيرة من الدستور: فبعد أن كانتنسخة 15 أكتوبر 2012 تنص على أنه "لا يجوز بحال أن يحاكم أمام القضاء العسكرى إلا العسكريون ومن فى حكمهم" تم تعديل هذه المادة في المسودة الأخيرة لكي تسمح بمحاكمة المدنيين في حالات ارتكاب "الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة" وكان هذا بعد أقل من أسبوعين من معركة جزيرة القرصاية والتي استولت القوات المسلحة على جزء منها يوم 18 نوفمبر و***ت أحد سكانها اثناء هجومها على الجزيرة وحاولت كالعادة اتهام الأهالي بالتعدي على إحدى أراضي القوات المسلحة على الرغم من أن القضاء الإداري قد أقر بأحقية الأهل في الأرض—وقد أحيل من قبض عليه من أهالي الجزيرة لاحقاً الى النيابة العسكرية. الشيء الوحيد الذي قد يهدد هذا التحالف هو فقدان القوات المسلحة لثقتها في قدرة حكومة الإخوان على انهاء حالة السيولة السياسية والاجتماعية ولكن في جميع الأحوال تدخلهم بصورة مباشرة مستبعد. ومحاولتهم للظهور في أغلب الأمر يقصد بها توصيل رسالة مبهمة يفهمها كل طرف على أنهم متوافقين معه، وفي أحد التحليلات التي قرأتها يقول صاحبها مازحاً إن الجيش يصدر تلك البيانات حمالة الأوجه لأنه لا يجد شيئاً آخر يشغل به الفراغ الرهيب الذي أصابه بعد تنحيته عن الإدارة المباشرة للمجال السياسي.

ولكن ماذا عن الشرطة؟ فالجيش يستطيع أن يتوارى ويمارس نشاطه في الخلفية كما يحلو له، ولكن هذا ترف لا يقدر عليه رجال الشرطة — ذراع الدولة الأكثر احتكاكاً بالمواطن.

كان من المتوقع أن يتسبب استمرار حالة السيولة الثورية في ظهور تناقضات في طبيعة علاقة الحزب الحاكم بالشرطة — وهي علاقة قائمة على مصلحة مشتركة وشراكة استراتيجية أيضاً وليس فقط على توافق مؤقت بالإبقاء على الهياكل القديمة المتآكلة للدولة. فالاستقرار السياسي والاجتماعي هو الشغل الشاغل لحكومة الاخوان ولداعميهم في الداخل وفي الخارج، كما أنه القاسم المشترك بين أهداف وتطلعات الحكومة الحالية والجهاز الأمني الموروث من دولة ما قبل الثورة. لقد اعتاد الناس على تقييم أداء الشرطة بناء على تفاعلها مع التظاهرات السياسية الصاخبة وفي هذا تجاهل للدور الأكبر التي تلعبه — وتشتاق إلى العودة له — وزارة الداخلية وهو القمع الاجتماعي. في تقديري أن وزارة الداخلية إن عاجلاً أم آجلاً سوف تمر بنفس التحول الذي مرت به (وأرى أنها قد بدأته بالفعل) أجهزة الشرطة في دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال بعد التحول الديمقراطي: أي أن دورها في القمع والحصار السياسي سينحسر بشدة، في نفس الوقت الذي يزيد دورها في القمع والسيطرة الاجتماعية. حكومة الإخوان تحتاج إلى أجهزة قمع قوية حتى تستطيع تنفيذ برنامجها الاقتصادي والاجتماعي والذي سيتسبب حتما في ردود فعل عنيفة على مستوى الشارع. وقد أعطت الضوء الأخضر منذ بدايات صيف 2012 لوزارة الداخلية للتعامل بقوة أكثر مما كانت تقدر عليه في السنتين الماضيتين مع الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات العمالية, وقد حاولت الشرطة التعامل بالقوة مع إضراب سائقي النقل في جراج امبابة في سبتمبر الماضي وقامت باقتحام الجراج لضبط وإحضار احد قيادات الإضراب كما بدأت في التعامل بقوة ليس فقط في حالات قطع الطرق الاحتجاجية والتي انتشرت بشدة مع تردي خدمات الدولة خاصة في المحافظات وارتفاع سقف توقعات المواطنين، بل أيضاً مع حالات أقل إرباكاً بكثير—فبدأت الشرطة في صيف 2012 في استخدام القوة لفض وقفات صغيرة ذات مطالب محدودة في المحافظات خارج مباني المحافظة والوحدات المحلية وفي اعتقال المنظمين لتلك الوقفات—ولا بد أن هذه الجرأة المكتسبة مؤخراً قد أتت بدعم من أعلى. إضافة الى ذلك فقد بدأت الشرطة في محاولة "استعادة هيبتها" (وهو المصطلح الذي أصبح لبانة يلوكها قيادات الشرطة ليل نهار) عن طريق استخدام القوة المفرطة والأسلحة النارية باستسهال شديد وهو ما نتج عنه الكثير من حالات ال*** (أتحدث مثلا عن 12 حالة وفاة نتيجة للاستخدام غير المبرر وغير القانوني للقوة فيما بين يوليو ونوفمبر 2012 شاركت في توثيقها وفي تقديم الدعم القانوني لضحاياها كما كانت مؤسسة النديم لإعادة تأهيل ضحايا ال***** قد أصدرت تقريراً قامت فيه بتجميع الرقم الإجمالي لحالات ال*** وال***** في فترة المائة يوم الأولى من حكم الرئيس مرسي من مصادر مختلفة وقدرت العدد بـ 34 حالة *** خارج اطار القانون و88 حالة *****).

ولكن علاقة الشرطة بالمجتمع ليست — أو لم تعد — "علاقة خطية "، ففي الحالات التي تجد مقاومة فيها يختلف رد فعل رجال الشرطة، فتجدهم أحياناً يلجئون للقوة وأحياناً أخرى للهروب، واليوم تجد الشرطة نفسها مضطرة للتعامل مع ردود فعل جماهيرية غاضبة عندما ت*** شخصاً بغير حق أو عندما تقوم ب***** شخص حتى الموت في أحد أقسام الشرطة. لذا، عندما نصحو من النوم في يوم من الأيام على أخبار عن معارك تدور خارج أحد أقسام الشرطة أو عن قطع طريق القاهرة — الدلتا، تسارع أذرع وزارة الداخلية الاعلامية والمعلوماتية لتوصيل رسالة لإعلام العاصمة وللرئاسة والحكومة بأنها ليست إلا حالة أخرى من حالات البلطجة غير المبررة وأن الأهالي الغاضبون ما هم إلا مجموعة من مسجلي الخطر الذين يحاولون تحرير أصدقائهم من أسر الشرطة. وفي كل مرة تتبنى أجهزة الاعلام والحكومة الرواية التي تصدر عن وزارة الداخلية—ولعل الفارق الوحيد بين وزارة الداخلية في عصر مبارك وفي عصر ما بعد الثورة هو أنها صارت تحرص على إغراقنا بالمعلومات، التي عادة ما تكون منفصلة تماما عن الواقع. ومع تكرار هذا النوع من الصدامات، وتكرار تبريرات الجهاز الاعلامي لوزارة الداخلية، يصعب على المرء تصديق هذه الرواية. وحتى وإن أحسن النية بالشرطة بدون الوصول الي استنتاج بأن الشعب المصري قد أصابه وباء ما يجعله يهاجم الشرطة ويقطع الطرق العمومية بصفة مستمرة وبدون سبب. أما مواقف المسؤولين في حكومة الإخوان من الذين يعملون على ملف الأمن والعدالة الجنائية—ما بين وزارة العدل والفريق الرئاسي—فيما يتعلق بارتفاع وتيرة ال*** الشرطي بصورة غير مسبوقة وحالة المواجهات المستمرة فكانت أقرب الى عدم الاكتراث. فهم، خاصة فيما يتعلق بسياق العمل الشرطي العادي، لا يريدون التدخل على الإطلاق—لأنهم حريصون على ترك مساحة كافية للشرطة من أجل "استعادة هيبتها" ولكن خارج مجال الصراع السياسي المباشر. فقط في سياق المظاهرات ذات الطابع السياسي الصريح، حيث سقوط الضحايا أصبح له ثمن أغلى، قد يثير الوضع انتباه الرئاسة والحكومة.

ومن المهم التنويه بأن مهندسي العلاقة بين حكومة الإخوان ووزارة الداخلية هم القانونيون المحسوبون على التيار "الثوري" داخل الحكومة ومنهم من كانوا ينتمون إلى تيار قضاة الاستقلال في عصر مبارك: فوزير العدل أحمد مكي بدأ مهامه الوزارية بكتابة مشروع قانون جديد للطوارئ بعد انتهاء حالة الطوارئ المستمرة منذ ثلاثين عاما، وأدعى في بداية الأمر انه لا ينوي الدفع به، ثم حاول الدفع به بعد ذلك وفشل. وبعدها خرجت علينا وزارة الداخليةبستة مشاريع قانونية مرة واحدة تعطي رجالها صلاحيات استثنائية في الأسبوع الأول من سبتمبر أكثرها إثارة للجدل سمي بقانون حماية المجتمع من "الخطرين"، بالإضافة الى قانون لتقييد حرية التظاهر والإضراب وتعديلات على مواد في قانون العقوبات لتصبح أكثر غلظة. وعندما تسربت هذه المشاريع آثر الرئيس وقتذاك—وهو الذي يملك سلطة التشريع في غياب البرلمان — تفادي الصدام فتجاهلهم، رغم دفاع الوزير مكي عن حزمة قوانين وزير الداخلية إيماناً منه بأن رجل الشرطة يحتاج الى تلك الصلاحيات من أجل استعادة قدرته على الضبط المجتمعي، ثم حاول بعد ذلك أن يطرح فكرة تمرير تلك التشريعات الاستثنائية تحت مسميات مختلفة. وبعد هذا بشهر واحد أشيع أن مجلس الوزراء بصدد اعداد قانون "لحماية مكتسبات الثورة" مشابه للقانون سيئ السمعة الذي صاغته وزارة الداخلية، ولكن وزير الشؤون القانونية محمد محسوب نفى ذلك (والأرجح أنه تراجع وأن الاشاعة لم تكن خاطئة تماماً). وأخيراً وبعد محاولات عدة كان أول القوانين الصادرة بموجب الاعلان الدستوري الأخير هو قانون تأسيس نيابة حماية الثورة والذي يعطيها صلاحية التحقيق في جرائم النشر والإضرابات والتظاهر وتعطيل المواصلات والاعتداء على السلطات (حاول الوزير أحمد مكي مجدداً الدفع بقانون لتقييد حرية التظاهر أعلن عنه في مؤتمر صحفي بتاريخ 26 نوفمبر ولكنه لم ينجح حتى الأن).

اذن فالتحالف القائم بين رئيس الدولة وحكومته وقيادات الأجهزة الأمنية تحالف استراتيجي قائم على سعيهم جميعا إلى "استعادة هيبة الدولة" (أي قدرتها على القمع والسيطرة الاجتماعية) من أجل إعادة إحكام قبضة الدولة على الفئات المهمشة التي زادت مطالبها وثقتها في قدرتها على التحرك في الشارع وفي المجال العام. فأكثر ما تكرهه الدولة المصرية بملوك طوائفها المتعددة هو فقدانها للسيطرة على المجال العام. وأرى أن هذا التحالف ليس مهدداً بالدرجة التي تسمح بانهياره بعد، ولكن فلنقل أن في حالات الصدام السياسي بين فئات شعبية متنوعة وبين الحكومة الاخوانية، ومع ارتفاع وتيرة ال*** السياسي والسخط الموجه ضد الحزب الحاكم مباشرة تحدث ارتباكات في هذا الاصطفاف السلطوي الطائفي الطبع، وتبدأ بعض التناقضات في الظهور، وقد تتحول الى شروخ في المستقبل غير البعيد إذا حاول الحزب الحاكم الدفع بجهاز الشرطة لمواجهة أو قمع معارضين سياسيين وهو الدور الذي لم تعد تقوى عليه ولن تستطيع أن تمارسه وهي منهكة في محاولات فرض السيطرة الاجتماعية.

كيف تصرف رجل الشرطة المتواجد في الشارع منذ بدء الاحتجاجات التي أعقبت إصدار الاعلان الدستوري؟ لقد تزامنت هذه الأحداث في بداياتها مع مظاهرات استهدفت جهاز الشرطة نفسه وكان مكانها هو محيط وزارة الداخلية بالقاهرة في الذكرى الأولى لاحتجاجات محمد محمود، وهي الذكرى المرشحة للتحول إلى موسم للاشتباك مع وزارة الداخلية في غياب أي نوع من أنوع العدالة والمحاسبة على جرائم ال*** وطالما بقى جهاز الشرطة بدون أي تغيير. أنماط التدخل الشرطي في هذه المظاهرات، والمقارنة بينها وبين تدخلها في الاحتجاجات السياسية الأخرى التي لا تستهدف الشرطة مباشرة خاصة عندما تتحول الى مواجهات عنيفة بين الأهالي، تعكس ضعف وتفكك تلك الطائفة تفتقد الى شرعية حقيقية ولكنها تملك مصالح تحاول الحفاظ عليها. على مدى أكثر من عشرة أيام ما بين الاثنين 19 نوفمبر والخميس 29 نوفمبر—اشتبكت الشرطة مع الثوار في مظاهرات *** فيها 3 أشخاص. وبعد إصدار الاعلان الدستوري يوم 22 نوفمبر بدأت موجة من الاحتجاجات التي صاحبها *** أهلي واعتداءات على مقر الحزب الحاكم—الحرية والعدالة — وكان هذا بالتزامن مع استمرار المظاهرات في محيط وزارة الداخلية. فعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية وقعت اشتباكات أهلية وتعرضت مقرات الحرية والعدالة للهجوم في القاهرة والإسكندرية ومحافظات والبحيرة والغربية وبورسعيد والإسماعيلية والسويس وقام المتظاهرون بقطع السكك الحديدية في دمنهور. وكان رد فعل الشرطة متبايناً ولم يتبع نسقاً واحداً. ففي عدد من الحالات وقفوا للمشاهدة أو اختفوا تماما وفي أحيان أخرى تدخلوا للتفريق بين المتظاهرين، وعندما كانوا يستشعرون القوة كانوا يلقون القبض على المتظاهرين المعارضين ويطلقون الغاز لإبعادهم. في الأسبوع الأول من المواجهات في مدينة المحلة وفي وجود أعداد ضخمة على الجانبين آثر رجال الشرطة سلامة أنفسهم، ثم وبعد أن زادت حدة المواجهات تدخلوا واستخدموا القوة وهو ما أدى إلى انتقال الاشتباك مع الأهالى إلى قسمي شرطة المحلة الاول والثاني يوم 30 نوفمبر. أما في الاسكندرية حيث وقعت مواجهات عنيفة مشابهة أيام 23 و24 نوفمبر وفي هذه الأثناء تعاونت الشرطة بصورة لصيقة مع أعضاء حزب الحرية والعدالة الحاكم وسمحت لهم باستخدام مدرعات الأمن المركزي لاحتجاز الأفراد الذين قام أعضاء الحزب باعتقالهم من المتظاهرين ولم تتدخل لوقف الاعتداءات الجسدية عليهم ثم قامت بنقلهم الى مديرية أمن الإسكندرية، وهو ما رواه أكثر من شخص من الذين تم اعتقالهم—أحد هؤلاء الأشخاص من المنتمين لحزب مصر القوية المحسوب على التيار الاسلامي الوسطي وصفهم في شهادته بأنهم كانوا "أشبه بشركة أمن خاصة استأجرها أعضاء الحرية والعدالة".

أما في الاشتباكات التي وقعت خارج قصر الاتحادية فحدث ولا حرج عن دور جهاز الشرطة—الذي انتقدته قيادات الاخوان واتهمته بالتخاذل. فرغم أن الشرطة لم تكن طرفاً في المواجهات، إلا في القليل من الأحيان التي قامت فيها باطلاق الغاز على المتظاهرين المعارضين—إلا أنها لعبت دوراً رئيسياً في تأمين وجود مؤيدي الرئيس حول قصر الاتحادية وسمحت للمؤيدين باحتجاز و***** العشرات من المعارضين خارج بوابة قصر الرئاسة (كان هذا يحدث تحت سمع وبصر رجال الأمن المركزي والمباحث الجنائية وقوات الحرس الجمهوري). ومن اللافت للنظر أن الشرطة كانت تتسلم المعارضين المعتقلين من أعضاء الحرية والعدالة وكأنهم يملكون صفة الضبطية القضائية (بضعهم تم تسليمهم الى قسم شرطة مصر الجديدة والبعض الآخر تسلمته الشرطة مباشرة من أماكن الاحتجاز التي استحدثها المؤيدون بجوار قصر الاتحادية). بل وقد قامت باستلامهم وهم في حالة تُظهِر بوضوح أنهم تعرضوا ل***** وضرب شديد، ولم تتصرف الشرطة حينذاك بمنطق رجل الشرطة الحيادي والذي كان يستوجب التحفظ على الشخص الذي قام بتسليم المعارضين للاشتباه في أنه قام بالتعدي بالضرب على مواطن آخر واحتجازه واستجوابه وتفتيشه وهي أشياء كلها لا تجوز لرجال السلطة العامة حتى من الذين لا يحملون صفة الضبط القضائي. فقد تعاملت الشرطة كما اعتادت في هذه الحالة على أنها أداة لتنفيذ ارادة الحزب الحاكم. والأكثر دلالة هو أن مأمور قسم مصر الجديدة لم يصر على إثبات هوية الأشخاص الذين قاموا بتسليم المعتقلين الواقع عليهم ال***** — يتضح هذا من نص المحضر (رقم 11228 بتاريخ 6 ديسمبر 2012) الذي أثبتت فيه شرطة قسم مصر الجديدة القبض على 70 إلى جهة غير معلومة" كما يذكر المحضر وكأن مأمور القسم ليس له سلطان عليهم.

لا تنفي أي من الأمثلة التي استعرضناها أعلاه ودلالاتها العوامل الأخرى التي قد تؤثر على عمل رجال الشرطة، ومنها العامل الشخصي: بعض ضباط الشرطة على مستوى الشارع قد تدفعهم انحيازاتهم الشخصية وتاريخ طويل من الحشد المعنوي داخل جهاز الشرطة ضد الإخوان للتصرف بطرق مغايرة أو على الأقل بلا مبالاة في حالات الاشتباكات. والعامل الأهم من ذلك وهو أن جهاز الشرطة جهاز ضخم (يزيد عدد العاملين بوزارة الداخلية عن مليون شخص) ومفكك وفي ظل استمرار التخبط والتفكك البيروقراطي في مصر تصعب السيطرة الكاملة على جهاز بهذا الحجم كان ومازال يدار بمركزية شديدة لم تعد مجدية مع انتشار وتشعب ولامركزية الحراك الاجتماعي والثوري. كما أن هناك اعتباراً ثالثاً وهو أن رجال الشرطة في مصر غير مهنيين وغير مدربين بشكل كاف وهو ما لم يكن ظاهراً بوضوح للبعض قبل الثورة ولكنه ليس بأمر جديد.

وتوجد استثناءات لهذه الحالة التي أقدر أنها الحالة الأعم. لكن حتى في هذه الحالات الاستثنائية والتي تتدخل فيها الشرطة ويبدو عليها قدر من الحيادية، يصعب تحديداً فهم ما يدور بخلد الضباط والجنود المتواجدين على الأرض. من هذه الحالات الاشتباكات التي دامت لمدة يوم كامل تقريبا يوم 14 ديسمبر، عشية الاستفتاء، في الإسكندرية خارج مسجد القائد ابراهيم بعد أن أثارت الخطبة التي ألقاها الشيخ المحلاوي جدلاً ونقاشاً عنيفا، وتسببت في اصابة 23 شخصاً ما بين كسور وجروح واختناقات من الغاز. فقد تدخلت الشرطة (بعد تأخر طويل) وصنعت كردوناً أمنياً فصل بين المتواجدين داخل وخارج المسجد واستخدمت الغاز للتفريق مع إصرار المتجمهرين خارج المسجد على القبض على بعض مؤيدي الشيخ المحلاوي الذين اتهموهم باحتجاز و***** أربعة من المصلين، في حين حاولت قيادات الشرطة التفاوض مع الطرفين ودفع هذا الموقف الطرفين إلى عدم الثقة بنوايا القوة الأمنية التي جاءت للتدخل.

وبغض النظر عما إذا كانت هناك دوافع خفية أو لا فتظل هذه الحالات استثنائية في تقديري. الدفاع عن السلطة مسألة عقيدية بالنسبة لرجال الشرطة ولكنه يصبح أكثر صعوبة عندما يترجم إلى دفاع عن مقرات الكيان الحزبي الممثل للسلطة، فتقوم الشرطة بهذه المهمة اذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً وتفضل الانكفاء على نفسها والتعامل بمنطق الطائفة عندما يصبح الأمر فيه تهديدات مباشرة لحياتها. وبطبيعة الحال لن يستميت رجال الشرطة للدفاع عن مقرات الحزب المنتشرة في ربوع البلاد كما يفعلون أمام وزارة الداخلية. ولكن كل هذه الاعتبارات لا تغلب على الشراكة المصيرية التي تجمعها رؤية مشتركة محافظة للدولة. وبعد أخذ ما تقدم من شرح لتطور العلاقة منذ انتخاب الرئيس مرسي في الاعتبار وفي ظل التعاون الذي ظهر بين الشرطة ومؤيدي الرئيس يوم الأربعاء، الخامس من ديسمبر، كيف يمكن فهم تصريحات جهاد الحداد أو تصريح عصام العريان القيادي الإخواني والذي اتهم الشرطة بالتقاعس قائلاً "لن يتراجع الرئيس،وإذا كانت أجهزة الدولة ضعيفة ومثخنة بجراح الفترة السابقة، فالشعب يقدر على فرض إرادته وحماية الشرعية .أعضاء الحزب سيكونون فى مقدمة الصفوف إن شاء الله"؟ هناك احتمال أن يكون منبئاً بصدام مستقبلي مع قيادات الشرطة ومع شخص وزير الداخلية نفسه—هذا إذا كانت بعض قيادات الجماعة تريد للشرطة أن تعود للعب دور أكثر وضوحاً في القمع السياسي. وهو بكل شك صدام لا يريده أرباب الطائفة الشرطية ولكنهم في نفس الوقت يخشون التورط بصورة أكثر وضوحا في المعارك السياسية. وهناك تفسير آخر لهذا النوع من التصريحات وهو التفسير الذي أميل إليه يراه على أنه مجرد حجة لتبرير ال*** الأهلي الذي يبدو أن الرئيس وحزبه ينوون اللجوء إليه من أجل تعزيز حكمهم في الفترة المقبلة.

"لم تتم محاكمة مدير الأمن مع كل قادة الداخلية كما كنت أتخيل فور نجاح الثورة، بل حدث العكس تماماً، فقد أصبح هذا اللواء تحديداً.... هو أول وزير للداخلية في عهد سيادة رئيس الثورة محمد مرسي!" – من مقالة العضو السابق بجماعة الاخوان المسلمين محمد أبو الغيط "في انتظار نهاية العالم".

اسلام محمد الفرجاني 20-12-2012 11:04 PM

جزاك الله خيرا وبارك فيك

راغب السيد رويه 21-12-2012 12:08 AM

اذن فالتحالف القائم بين رئيس الدولة وحكومته وقيادات الأجهزة الأمنية تحالف استراتيجي قائم على سعيهم جميعا إلى "استعادة هيبة الدولة" (أي قدرتها على القمع والسيطرة الاجتماعية) من أجل إعادة إحكام قبضة الدولة على الفئات المهمشة التي زادت مطالبها وثقتها في قدرتها على التحرك في الشارع وفي المجال العام. فأكثر ما تكرهه الدولة المصرية بملوك طوائفها المتعددة هو فقدانها للسيطرة على المجال العام. وأرى أن هذا التحالف ليس مهدداً بالدرجة التي تسمح بانهياره بعد، ولكن فلنقل أن في حالات الصدام السياسي بين فئات شعبية متنوعة وبين الحكومة الاخوانية، ومع ارتفاع وتيرة ال*** السياسي والسخط الموجه ضد الحزب الحاكم مباشرة تحدث ارتباكات في هذا الاصطفاف السلطوي الطائفي الطبع، وتبدأ بعض التناقضات في الظهور، وقد تتحول الى شروخ في المستقبل غير البعيد إذا حاول الحزب الحاكم الدفع بجهاز الشرطة لمواجهة أو قمع معارضين سياسيين وهو الدور الذي لم تعد تقوى عليه ولن تستطيع أن تمارسه وهي منهكة في محاولات فرض السيطرة الاجتماعية.

جزاك الله خيرا وبارك فيك

راغب السيد رويه 21-12-2012 12:10 AM

جزاك الله خيرا وبارك فيك

youssef darwish 21-12-2012 12:54 AM

ربنا يفك كرب جميع بلاد المسلمين

أ/رضا عطيه 21-12-2012 01:29 AM

العدو صارفى الداخل !!1

ولذا نزلوا ميدان الحرب ب120ألف جندى من خيرة شباب مصر

وتركوا الحدود بأفراد متناثرة حتى ينتهوا من خدمة شرعية التعنت والفرقة !!

ولا زالت المؤسسات محاصرة !

ولا زالت الميليشيات تملأ المواقع !

فبأى حق

أشعر بأنى لى حق فيهم ؟؟!!!

ربح فصيل وحيد كل المواقع

وصرت كمواطن أتألم لرؤية العالم لنا بحصار المصرى للمصرى فى حرب شوارع المدن

وحصار الميليشيات لمؤسسات هزت قلوب 60دولة للتضامن معها ولم تهتز لها جفون مؤسسات الأمن والحماية أو كما كانت تسمى من قبل

لك الله يامصر

شكرا أستاذنا


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:21 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.