بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   حى على الفلاح (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   هذا ديننا الاسلامى وهذا نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=478828)

محمد رافع 52 02-12-2012 01:31 AM

تحرير المرأة
الحرية كلمة عذبة تتوق إليها النفوس البشرية، وقيمة سامية تؤكد إنسانية الإنسان، لذلك فلا غرو أن يسعى إليها كل الأفراد، ويبذلوا في سبيلها الغالي والنفيس، ويؤيدوا كل من يحمل لواءها ويذود عنها.
وقد جاء الإسلام حاميًا للحرية مدافعًا عنها، فحرر المرأة من الذل والخزي والهوان الذي كانت تعيش فيه أيام الجاهلية وأخذ بها إلى حمى العزة والكرامة والشرف؛ سواء أكانت هذه المرأة ابنة، أو أختًا، أو أمًّا، أو زوجة.
دعوات تحرير المرأة:
وقد ظهرت في بلاد المسلمين دعوات لتحرير المرأة، وهي في حقيقة أمرها دعوات للانحلال والتسيب الاجتماعي والخلقي، بدأت بدعوة النساء إلى نبذ الحجاب الشرعي الساتر لها، الحافظ لعفتها وكرامتها، والخروج من البيت بحجج شتي كالعمل والمساواة مع الرجل والاختلاط بالرجال اختلاطًا فاحشًا دون ضابط من خلق أو دين، وهذا الذي أدى إلى ضعف الحياء وفقدان العفة والسقوط في مهاوي الرذيلة، مما يسبب الإضرار بالبيت والأسرة والمجتمع.
ولم توازن هذه الحركات في دعوتها إلى تحرير المرأة بين واجباتها داخل بيتها، وبين مسؤولياتها خارجه فأثر ذلك على بناء الأسرة، وحرم الأطفال من الحياة الأسرية الهادئة، وخلا البيت ممن يقوم على شؤونه.
ودعاوى تحرير المرأة برفعها شعار المساواة والحرية تُنَفِّر من قوامة الرجل؛ مما يؤدي إلى التمرد عليه وعلى التقاليد الإسلامية والروابط الأسرية، وفي كلٍّ ضياع للأسرة ثم للمجتمع كله، يشهد على صدقه الواقع.
ومن المحزن أن الكثير من المسلمات انبهرن ببريق هذه الدعوات، وظنن أنها تحقق ما يردن من سعادة ونعيم، وهذا يرجع لأسباب سوء أحوال المرأة في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وجعل بعض العادات والتقاليد غير الشرعية ملصقة بالإسلام؛ كتسلط الرجل على المرأة بدعوى القوامة وسلبها حقوقها، أو عدم إشراكها معه في التفكير والرأي بدعوى نقصان العقل.
وجهل المرأة بتعاليم الإسلام، وعدم تعليمها ما ينفعها، وإغراقها في الأفكار المدمرة لعقلها وبيتها كدعوى التحرر.
ومن هذه الأسباب أيضًا: الحركة الاستعمارية المسلطة على العالم الإسلامي. ومحاولات التدمير الفكري والاجتماعي من قبل أعداء الإسلام وهو ما يعرف بالغزو الفكري.
الإسلام وتحرير المرأة:
وعلى كل من ابتليت بهذه الدعوى وصدَّقتها وانجرفت في تيارها أن تعلم أن الإسلام قد حرر المرأة، فحفظ لها حقوقها بما يضمن عدم إساءة الرجل لها، وأتاح مجالات تنمية كفاءتها ومواهبها الفطرية.
لقد أعطى الإسلام المرأة حقوقها الاقتصادية فجعل لها من الميراث نصيبًا بعد أن كانت محرومة منه، بل وساواها في بعض حالات الميراث بالرجل، ودافع عن حقوقها الاجتماعية فأعطاها حرية اختيار الزوج، بل وحرية طلب الطلاق في حالة تعثر الحياة الزوجية، وجعل لها حق حضانة الأطفال، وحافظ على عفتها وشرفها وكرامتها فأمرها بالحجاب والتستر، وكلف الرجل بالإنفاق عليها حتى ولو كانت ثرية، حتى لا تضطر للخروج من أجل العمل، فإن اضطرت للخروج فلا غبار عليها.
أدلة تكريم المرأة:
وأدلة القرآن والسنة كثيرة في بيان تكريم المرأة. قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرًا}
[النساء: 124]، وقال تعالى: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء: 32]، وقال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19].
وقال ( : (إنما الدنيا متاع، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة) [ابن ماجه].
وقال ( : (من اْبتُلِي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كُنَّ له سترًا من النار) [مسلم].
أكاذيب وأباطيل:
وعلى الرغم مما حققه الإسلام للمرأة من حقوق نجد من ينادي بتحرير المرأة المسلمة، ويزعم -كذبا وبهتانًا- أن الإسلام يقيد حركتها ويجعلها حبيسة بيتها وأسيرة زوجها وهيكلا متحركًا خلف أسوار حجابها إلى غير ذلك من الأكاذيب؛ مما يعد هجومًا على الإسلام وخداعًا للمسلمة، ليمكن استخدامها حربًا على دينها ومجتمعها.
وكل ذلك ليس إلا شعارات براقة خادعة يُبتغى من ورائها إفساد المرأة بحجة تحريرها وإخراجها من بيتها وطبيعتها التي خلقها الله وفطرها عليها. وبهذا الشعار الماكر يخربون البيوت، ولقد كان هذا السهم الغادر موجهًا إلى صدر المجتمعات الإسلامية للنيل من أبنائه وبناته، وسهمًا لمحاربة العفة والطهارة.
دور الاستعمار:
وقد تزامنت هذه الدعاوى الماكرة -التي ظهرت في القرن التاسع عشر- مع الاحتلال الاستعمأرى لمعظم الأقطار الإسلامية، وكان الهدف منها طمس الهوية الإسلامية وإذابة اعتزاز المسلمة بدينها وخلقها وإفساد رسالة المرأة السامية في تربية النشء تربية إسلامية، وفي هذا يقول زعيم المبشرين القس (زويمر): ليس غرض التبشير التنصير فقط... ولكن تفريغ القلب المسلم من الإيمان... وإن أقصر طريق لذلك هو اجتذاب الفتاة المسلمة إلى مدارسنا بكل الوسائل الممكنة، لأنها هي التي تتولى عنا مهمة تحويل المجتمع الإسلامي وسلخه عن مقومات دينه.
نتيجة التحرر:
ثم جاء الخطر الجسيم من المنادين بهذه الحركة والحاملين للوائها ممن ينتسبون للإسلام. وكانت نتيجة من اندفعن مع هذا التيار أن دفعن الثمن، ففقدت المرأة سعادتها وكرامتها كابنة وأم، وزوجة ذات رسالة في تربية النشء.
وخسرت الأسرة بذلك مقومات صلاحها وبقائها، بوصفها وحدة أولى ولبنة أساسية في المجتمع، بحكم ما أصاب الأسرة من طبيعة الصراع بين عنصريها الرجل والمرأة، فلم تعد السكن الهادي ولا المنزل السعيد، والمسلمة الواعية تستشعر هذا الخطر المحدق بها، وتحرص على تجنبه وعدم الانزلاق فيه.

محمد رافع 52 02-12-2012 01:31 AM


التعامل مع غير المسلمين
سؤال يحيرني: كيف أعامل جاري غير المسلم؟
هذا السؤال مصدر حيرة وقلق لكثير من المسلمين الذين يخشون على دينهم، ويريدون الوصول إلى قول فصل، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، والإجابة ميسرة إلى حد بعيد، فكل ما على المسلم أن يفعله أن يرجع إلى كتاب ربه، وسنة نبيه (، وسيصل إلى بغيته في ذلك، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي قدَّم لنا حلاًّ لتَعَايُش المسلم مع غيره من أصحاب الملل المختلفة، ومن تعليمات الإسلام وإرشاداته ما يأتي:
- البر بهم والإحسان إليهم:
يرشدنا الإسلام إلى أن الأصل في معاملة الناس جميعًا مسلمهم وكافرهم البر بهم، والإحسان إليهم، قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة: 8ذ-9].
فلم تُرَغِّب الآيات في العدل والإحسان إلى غير المسلمين فحسب، بل رغبت في البر إليهم أيضًا.
وإذا كان الإسلام لا ينهي عن البر والإقساط إلى المخالفين من أي دين ولو كانوا وثنيين أو مشركين، فإنه ينظر نظرة خاصة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقد قدَّم القرآن الكريم نموذجًا في أدب الحوار معهم فلا يناديهم إلا بقوله تعالى: يا أهل الكتاب، يا أيها الذين أوتوا الكتاب، وذلك إشارة إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي، وبينهم وبين المسلمين رحم وقربي، يتمثل في أصول الدين الواحد الذي بعث به الله -سبحانه وتعالى- أنبياءه جميعًا قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13].
وقد مات ( ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله. ودخل وفد نجران على النبي ( مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال (: (دعوهم)! فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.
وقد أوصي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو على فراش الموت الخليفة من بعده بأهل الذمة خيرًا، وأن يفي بعهدهم، ولا يكلفهم فوق طاقتهم. والذمة معناها العهد، الذي يشمل عنصري التأمين والحماية، وهذا سبق وريادة يُعرف في عصرنا بالحقوق المدنية وال***ية.
الإيمان بجميع الرسل:
جعل الإسلام من بين أركان عقيدته الإيمان بكتب الله قاطبة، ورسله جميعًا، ومن ينكر ذلك يدخل في دائرة الكفر، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة: 136].
مؤاكلتهم ومصاهرتهم:
أباح الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب وتناول ذبائحهم ومصاهرتهم، والتزوج من نسائهم في الحدود الشرعية المسموحة، قال تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5].
- التدفق في الحديث معهم:
حث الإسلام على الترفق في الحديث معهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن؛ لأن في ذلك نزعًا للأحقاد، وتنقية للنفوس مما يعلق بها من حقد، قال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} [العنكبوت: 46].
- توفير الحياة الآمنة:
كذلك حث الإسلام على توفير الحياة الآمنة، كما حث على الصدق في التعامل والعدل والسلام مع غير المسلمين، وقال (: (من آذى ذميًّا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة) [الخطيب]، وقال: (من ظلم معاهدًا، أو انتقص حقًّا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة) [أبو داود].
- الإهداء لهم:
وأجاز الإسلام للمسلم أن يهْدي الهدايا إلى غير المسلمين، وأن يقبل منهم الهدية ويجازيه عليها، فقد ثبت أن النبي ( أهدى إليه الملوك، فقبل منهم، وكانوا غير مسلمين، فعن أم سلمة -أم المؤمنين- رضي الله عنها-، أن النبي ( قال لها: (إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك) [أحمد].
ويجب على المسلم أن يكون تعامله مع غير المسلم في حدود التأثير فيه لا التأثر به، فكل له عاداته وتقاليده، فلا يجوز للمسلم التشبه بغير المسلم فيما يخالف مبادئ الإسلام، كأن يتشبه بهم في ملابسهم، أو يقدم مشروبًا محرمًا لضيوفه، أو طعامًا غير حلال للمسلمين، أو ما شابه ذلك.
هذه هي مبادئ الإسلام الخالدة وقيمه السامية التي تتعامل مع الإنسان وتحترمه، فقد كان سهل بن ضيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمرَّ الناس عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض -أي من أهل الذمة- فقالا: إن النبي ( مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: (أليست نفسًا) [البخاري].


محمد رافع 52 02-12-2012 01:35 AM

الآداب الإسلامية


الأدب مع الله
ذات يوم كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- معه بعض أصحابه يسيرون في الصحراء بالقرب من المدينة، فجلسوا يأكلون، فأقبل عليهم شاب صغير يرعى غنمًا، وسلَّم عليهم، فدعاه ابن عمر إلى الطعام، وقال له: هلمَّ يا راعي، هلمَّ فأصب من هذه السفرة.
فقال الراعي: إني صائم.
فتعجب ابن عمر، وقال له: أتصوم في مثل هذا اليوم الشديد حره، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟‍!
ثم أراد ابن عمر أن يختبر أمانته وتقواه، فقال له: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها، ونعطيك من لحمها فتفطر عليها؟
فقال الغلام: إنها ليست لي، إنها غنم سيدي.
فقال ابن عمر: قل له: أكلها الذئب.
فغضب الراعي، وابتعد عنه وهو يرفع إصبعه إلى السماء ويقول: فأين الله؟!
فظل ابن عمر يردد مقولة الراعي: (فأين الله؟!) ويبكي، ولما قدم المدينة بعث إلى مولى الراعي فاشترى منه الغنم والراعي، ثم أعتق الراعي.
وهكذا يكون المؤمن مراقبًا لله على الدوام، فلا يُقْدم على معصية، ولا يرتكب ذنبًا؛ لأنه يعلم أن الله معه يسمعه ويراه.
***
وهناك آداب يلتزم بها المسلم مع الله -سبحانه- ومنها:
عدم الإشراك بالله: فالمسلم يعبد الله -سبحانه- ولا يشرك به أحدًا، فالله
-سبحانه- هو الخالق المستحق للعبادة بلا شريك، يقول تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36].
إخلاص العبادة لله: فالإخلاص شرط أساسي لقبول الأعمال، والله -سبحانه- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، بعيدًا عن الرياء، يقول تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا}
[الكهف: 110].
مراقبة الله: فالله -سبحانه- مُطَّلع على جميع خلقه، يرانا ويسمعنا ويعلم ما في أنفسنا، ولذا يحرص المسلم على طاعة ربه في السر والعلانية، ويبتعد عمَّا نهى عنه، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) _[متفق عليه].
الاستعانة بالله: المسلم يستعين بالله وحده، ويوقن بأن الله هو القادر على العطاء والمنع، فيسأله سبحانه ويتوجه إليه بطلب العون والنصرة، يقول تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران: 26] ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله) [الترمذي].
محبة الله: المسلم يحب ربه ولا يعصيه، يقول تعالى: {والذين آمنوا أشد حبًّا لله} [البقرة: 165].
تعظيم شعائره: المسلم يعظم أوامر الله، فيسارع إلى تنفيذها، وكذلك يعظم حرمات الله، فيجتنبها، ولا يتكاسل أو يتهاون في أداء العبادات، وإنما يعظم شعائر الله؛ لأنه يعلم أن ذلك يزيد من التقوى، قال تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32].
الغضب إذا انتُُهكت حرمات الله: فالمسلم إذا رأى من يفعل ذنبًا أو يُصر على معصية، فإنه يغضب لله، ويُغيِّر ما رأى من منكر ومعصية، ومن أعظم الذنوب التي تهلك الإنسان، وتسبب غضب الله، هو سب دين الله، أو سب كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، والمسلم يغضب لذلك، وينهى من يفعل ذلك ويحذِّره من عذاب الله -عز وجل-.
التوكل على الله: المسلم يتوكل على الله في كل أموره، يقول الله -تعالى-: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58] ويقول تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا} [الطلاق:3]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكَّلون على الله حق توكَّله، لرُزِقْتُم كما يُرْزَق الطير تغدو خِمَاصًا (جائعة) وتعود بطانًا (شَبْعَي)) _[الترمذي].
الرضا بقضاء الله: المسلم يرضى بما قضاه الله؛ لأن ذلك من علامات إيمانه بالله وهو يصبر على ما أصابه ولا يقول كما يقول بعض الناس: لماذا تفعل بي ذلك يا رب؟
فهو لا يعترض على قَدَر الله، بل يقول ما يرضي ربه، يقول تعالى: {وليبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون
} [البقرة: 155-157].
الحلف بالله: المسلم لا يحلف بغير الله، ولا يحلف بالله إلا صادقًا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) [متفق عليه].
شكر الله: الله -سبحانه- أنعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ فيجب على المؤمن أن يداوم على شكر الله بقلبه وجوارحه، يقول تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إني عذابي لشديد} [إبراهيم: 7].
التوبة إلى الله: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار }
[التحريم: 8].
ويقول تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:13].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) [مسلم].
وهكذا يكون أدب المسلم مع ربه؛ فيشكره على نعمه، ويستحي منه
سبحانه، ويصدق في التوبة إليه، ويحسن التوكل عليه، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، ويرضى بقضائه، ويصبر على بلائه، ولا يدعو سواه، ولا يقف لسانه عن ذكر الله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يستعين إلا بالله، ودائمًا يراقب ربه، ويخلص له في السر والعلانية.


محمد رافع 52 02-12-2012 01:39 AM

آداب الطريق
ذات يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إياكم والجلوسَ على الطرقات) فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا أبيتم إلا المجالس؛ فأعطوا الطريق حقها). قالوا: وما حق الطريق؟
قال صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر) [متفق عليه].
***
الطريق مرفق عام، وهو ملك للناس جميعًا، ولو اعتبر كل إنسان الطريق جزءًا من بيته، لحافظنا عليه.
ومن آداب الطريق التي يجب على كل مسلم أن يلتزم بها:
غض البصر: المسلم يغض بصره عن المحرمات، امتثالا لأمر الله -تعالى-: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}
[النور: 30-31].
إماطة الأذى: المسلم يميط الأذى كالحجارة أو الأسلاك أو الزجاج أو غيرها فيبعده عن الطريق، قال صلى الله عليه وسلم: (... وتميط الأذى عن الطريق صدقة) [متفق عليه]. ويتجنب قضاء الحاجة في الطريق، حتى لا يؤذي
أحدًا، ويتجنب اللعب، والمزاح غير المقبول، ولا يسخر ممن يسير في الطريق ولا يستهزئ بهم.
ولا يضيق على المارة، وإنما يفسح لهم الطريق. وإن كان يحمل عصًا أو مظلة أو شيئًا يمكن أن يؤذي المسلمين؛ فيجب أن يحترس في حمله حتى لا يؤذيهم، ولا يحرك يديه ب*** أثناء السير في الأماكن المزدحمة، ولا يزاحم أثناء صعود الكباري أو المشي في الأنفاق -مثلا-.
الالتزام بآداب مرور السيارات: فسائق السيارة يلتزم بآداب المرور، ويحترم شرطي المرور، ويلتزم بالإشارات، ولا يستخدم آلة التنبيه بكثرة؛ حتى لا يزعج المرضى، ويلتزم بالسرعة المحددة له في الطريق.
رد السلام:

المسلم عندما يسير في الطريق يلقي السلام على من يقابله، ويرد السلام بأحسن مما سمع.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [متفق عليه]. والمسلم يعاون من لا يستطيع عبور الطريق
أو السير؛ فيأخذ بيده، وإن كان له سيارة أو وسيلة يركبها فله أن يحمل معه غيره، ويرشد الضالَّ الذي فقد طريقه، ويفضُّ المشاجرات التي يستطيع فضَّها والإصلاح بين أطرافها.
الاعتدال والتواضع في المشي: المسلم يجعل مشيه وسطًا بين الإسراع والبطء ولا يمشي بخُيلاء أو تكبر، قال تعالى: {واقصد في مشيك} [لقمان: 19]. وقال تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحًا إنك لن تخرق الأرض ولا لن تبلغ الجبال طولاً} [الإسراء: 37].
السير في جانب الطريق:

المسلم يلتزم جانب الطريق (الرصيف) عندما يمشي على رجليه؛ حتى لا يتعرض للإصابة بحوادث السيارات أو الدراجات، ويجب التمهل عند عبور الشارع، والتأكد من خلو الطريق من العربات.
الحرص على نظافة الطريق:

وتجنب رمي القاذورات فيها، وحبذا لو تعاون الجميع على تنظيفها.
الأدب عند السير مع الكبير:

فلا يتقدم عليه، وليستمع إليه إذا تحدث، كما أنه يمشي عن يساره ليكون له أولوية الخروج والدخول وغير ذلك.
عدم الأكل أثناء السير:

فإن ذلك منافٍ للمروءة.
عدم رفع الصوت في الطريق: حتى لا يؤذي السائرين، أو تتسرب
الأسرار، ويتجنب المزاح غير المقبول مع رفقاء الطريق.


محمد رافع 52 02-12-2012 01:45 AM

آداب العمل
ذات يوم ذهب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأله أن يعطيه شيئًا من المال أو الطعام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما في بيتك شيء؟).
قال الرجل: بلى، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب (إناء) نشرب فيه من الماء؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتني بهما). فأتاه الرجل بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: (من يشتري هذين؟) قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال صلى الله عليه وسلم: (من يزيد على درهم؟) قالها مرتين أو ثلاثًا، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال له: (اشْتَرِ بأحدهما طعامًا فانبذْه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدومًا فأْتني به). فأتاه به، فَشَدَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده، ثم قال للرجل: (اذهب فاحتطب وِبعْ، ولا أَرَينَّك خمسة عشر يومًا).
فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتةً (علامة) في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا
لثلاثة: لذي فقر مدقع
(شديد) أو لذي غرم مفظع (دَين شديد) أو لذي دم موجع) [أبوداود].
***
جلس الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صباح أحد الأيام، فرأوا رجلا قويَّا، يسرع في السير، ساعيًا إلى عمله، فتعجب الصحابة من قوته ونشاطه، وقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله (أي: لكان هذا خيرًا له) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحًا لهم أنواع العمل الطيب: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) [الطبراني].
فالإسلام دين العمل، وهو عمل للدنيا، وعمل للآخرة. قال تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} [القصص: 77]. وقد أمر الله -سبحانه- بالعمل والسعي في الأرض والأكل من رزق الله، فقال تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15].
وحثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل، فقال: (اعملوا فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له) [متفق عليه]. وكان الأنبياء جميعًا -عليهم الصلاة والسلام- خير قدوة لنا في العمل والسعي، فما من نبي إلا ورعى الغنم، وكان لكل نبي حرفة وعمل يقوم به، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأعمال المختلفة، ولم يتميز عليهم كما حدث في بناء المسجد أو حفر الخندق، فكان يحمل التراب والأحجار.
وللعمل والسعي على الرزق آداب يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، منها:
استحضار النية: المسلم يبتغي من عمله إشباع البدن من الحلال وكفه عن الحرام، والتقوِّي على العبادة، وعمارة الأرض.
عدم تأخير العمل عن وقته: المسلم يقوم بأعماله في أوقاتها دون تأخير، وقيل في الحكمة: لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد.
التبكير: قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)
[الترمذي وابن ماجه وأحمد].
الجد في العمل: المسلم يذهب إلى عمله بجد ونشاط، دون تباطؤ أو كسل، فمن جَدَّ وجد، ومن زرع حصد. قال الشاعر:
بقـدر الكَدِّ تُكْتَســب المعـــالي
ومـن طـلب العــُلا سـهر الليالــي
ومـن طـلب العــلا مـن غيـر كَـد
أضاع العمر فــي طلـــب المــُحَالِ
إتقان العمل: المسلم يتقن عمله ويحسنه قدر المستطاع. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا ***تم فأحسنوا ال***ة، وإذا ***تم فأحسنوا ال***، ولْيَحُدَّ أحدُكم شفرته؛ فلْيُرِح ذبيحته) [مسلم].
التواضع: الكبر في الأمور كلها مذموم، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر)
[أبو داود والترمذي وأحمد]. فلْيتواضع كل رئيس لمرءوسيه، ولْيتعاون كل مرءوس مع رئيسه، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحـسنة؛ فقد كان يعاون أصحابه فيما يقومون به من عمل، ويساعد أهله في تواضع عظيم.
عدم الانشغال بعمل الدنيا عن العبادة والطاعة:

المسلم يعمل لكي يحصل على الكسب الطيب له ولأسرته، وهو عندما يعمل يكون واثقًا من تحقيق أمر الله؛ إذ يقول: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15].
وإذا كان العمل لاكتساب الرزق وإعفاف النفس عن المسألة عبادة في
حد ذاته، فإن ذلك لا يشغلنا عن طاعة الله فيما أمرنا به من سائر العبادات.
البعد عن العمل الحرام: المسلم يختار عملا لا يتعارض مع أصل شرعي، فلا يعمل في بيع الخمور أو فيما شابه ذلك.
الأمانة: المسلم أمين في عمله؛ لا يغش ولا يخون، ولا يتقاضى رشوة من عمله وهو حافظ لأسرار العمل، ويؤديه على أكمل وجه، وكذلك صاحب العمل عليه أن يحفظ للعاملين حقوقهم؛ فيدفع لهم الأجر المناسب دون ظلم، ولا يكلفهم ما لا يطيقون من العمل، كما أنه يوفر لهم ما يحتاجون إليه من رعاية صحية واجتماعية.


محمد رافع 52 02-12-2012 01:51 AM

آداب النصيحة
يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء. فاتفقا على أن ينصحا الرجل ويعلماه كيف يتوضأ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا. ثم توضأ كل منهما فإذا بالرجل يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح دون تجريح.
***
النصيحة دعامة من دعامات الإسلام. قال تعالى: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة). قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [متفق عليه]. وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. [متفق عليه].
وللنصيحة جملة من الآداب، منها ما يتعلق بالناصح، ومنها ما يتعلق بالمنصوح.
آداب الناصح:
الإخلاص:

فلا يبغي الناصح من نصحه إظهار رجاحة عقله، أو فضح المنصوح والتشهير به، وإنما يكون غرضه من النصح الإصلاح، وابتغاء مرضاة الله.
الحكمة والموعظة الحسنة واللين: فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [_النحل: 125].
عدم كتمان النصيحة:

المسلم يعلم أن النصيحة هي أحد الحقوق التي يجب أن يؤديها لإخوانه المسلمين، فالمؤمن مرآة أخيه، يقدم له النصيحة، ويخبره بعيوبه، ولا يكتم عنه ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست).
قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته) [مسلم].
أن تكون النصيحة في السر:

المسلم لا يفضح المنصوح ولا يجرح مشاعره، وقد قيل: النصيحة في الملأ (العلن) فضيحة.
وما أجمل قول الإمام الشافعي:
تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي
وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ
فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ
مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا. وقيل: النصح ثقيل فلا تجعلوه جبلا، ولا ترسلوه جدلا، والحقائق مرة فاستعينوا عليها بخفة البيان.
الأمانة في النصح: فلا يخدع المنصوح ولا يستهين بأمره، بل يبذل الجهد، ويعمل الفكر، قبل أن ينصح، وعليه بيان ما يراه من المفاسد إن وجد في ستر وأمانة.

آداب المنصوح:
أن يتقبل النصيحة بصدر رحب:
وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه.
عدم الإصرار على الباطل: فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [_البقرة: 206].
أخذ النصح من المسلم العاقل: لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا، وَفَّقَهُ الله لأرشد أموره) [الطبراني].
شكر الناصح: يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.


محمد رافع 52 02-12-2012 11:25 AM

الدستور في الإسلام : تدوينه وأساليب نشأته ونهايته





أولا : تعريف الدستور في الإسلام



سبق تعريف الدستور لغة ، وسيتم هنا عرض لتعريف الدستور في الإسلام من الناحية الاصطلاحية . ويمكن أن يعرف الدستور في الإسلام بتعريفين : أحدهما عام ، والآخر خاص :


أ - التعريف العام : الدستور في الإسلام هو مجموعة القواعد والأحكام العامة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية ، التي تنظم المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها الحكم في الإسلام .


فالدستور الإسلامي بهذا التعريف العام ثابت على مدى الزمن ، لا يمكن تعديله ، أو تغييره ، أو إلغاؤه بحال ؛ لأنه وحي من الله وليس لبشر أن يغير في الوحي أو يبدل.


ب - التعريف الخاص : الدستور في الإسلام هو مجموعة القواعد والأحكام الأساسية في الدولة المسلمة، التي تبين نظام الحكم وشكل الدولة ، والسلطات العامة فيها ، والأشخاص والهيئات التي تتولى هذه السلطات ، وارتباطها ببعضها ، وبيان حقوق الأفراد ، وواجباتهم ، صادرة في ذلك عن مبادئ الإسلام العامة ، وتنظيماته في الشؤون الدستورية .



وتعريف الدستور بهذا المعنى ، يمكن أن يسمى ( التعريف الفني أو القانوني ) ، وهو الذي تعنى به هذه الدراسة ، والدستور بهذا المعنى لا يعني الأحكام الشرعية الثابتة ، والمبادئ الأساسية لنظام الحكم في الإسلام ، وإنما يعني الدستور في دولة إسلامية - مهما اختلف زمان وجودها ومكانها - الذي يبين التنظيمات الأساسية في تلك الدولة حسب ظروفها وأحوالها ، وقد يختلف عن دستور دولة إسلامية عن أخرى ، باختلاف مكانها أو زمانها .


ومما يوضح التعريفين السابقين ، أن الأحكام والقواعد الدستورية في النظام الإسلامي تنقسم إلى قسمين : ثابتة ، وغير ثابتة ، فالثابتة هي ما ورد صريحا من قواعد عامة في نصوص القرآن والسنة ، وما كان محل إجماع علماء المسلمين منها ، في الشؤون الدستورية كالشورى ، والعدالة ، والمساواة ، والتعاون . وغير الثابتة هي الأحكام المستنبطة عن طريق الاجتهاد والرأي ، مما يتعلق بالأساليب والأنظمة ، والتفصيلات التي تختلف تبعا لاختلاف ظروف الزمان والمكان.


ووفقا لما عليه الفقه الدستوري المعاصر الذي قسم الدساتير إلى جامدة ومرنة يجد الباحث في المقابل أن قواعد الدستور في الإسلام تشمل النوعين الجامد والمرن ، وهي ما يقصد بها هنا الثابتة وغير الثابتة ، فالثابتة تقابل الجامدة وغير الثابتة تقابل المرنة ، ومن الأمثلة على القضايا الدستورية الثابتة في الإسلام عدم جواز تغيير دين الدولة الإسلامية ، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار .


ومن القضايا المرنة : ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته السياسية ، أي باعتباره إماما ورئيسا للدولة ، مما هو مبني على المصلحة الموجودة في عصره صلى الله عليه وسلم ، مثل طريقة إرسال الجيوش . للقتال ، وتولية القضاة والولاة ، وعقد المعاهدات وتدبير أمور الدولة المالية والإدارية ، فهذه أحكام وتشريعات وقتية حسب المصلحة والظروف في ذلك الزمن ، مثل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم بصفته قاضيا ؛ لأنه يحكم بناء على ما يسمع من حجة ، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, وإنما أقضي لكم على نحو ما أسمع منكم فمن قضيت له من حق أخيه شيئا ، فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة » رواه البخاري.




ثانيا : تدوين الدستور في الإسلام


اتضح مما سبق أن الأحكام الدستورية الإسلامية قسمان ، قسم ثابت وقسم غير ثابت ، وعليه فإن الأحكام والقواعد الثابتة لا تتغير مدى الزمن ، سواء دونت فيما يسمى بوثيقة الدستور أم لم تدون ، بل لم يثبت تدوينها على مر التاريخ الإسلامي ، إذ ليس هناك حاجة إلى تدوينها ما دامت ثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع المسلمين والمفترض أن الدولة الإسلامية يتوفر فيها العلماء والفقهاء الذين يهدون مسيرتها الدستورية ويستندون إلى هذه المصادر .


وسواء دونت هذه الأحكام أم لا فإن لها السمو على جميع القوانين والأحكام دستوريها وغير دستوريها ؛ لأنها وحي من الله لا يسمو فوق حكمه حكم .


فالبحث في تدوين الدستور إنما هو لدولة إسلامية معينة بما يحتويه من أحكام غير ثابتة ؛ لأنها تختلف من دولة لأخرى ، ولأنها هي التي يجب أن يحتويها الدستور ، أما الأحكام الثابتة فإن تدوينها في دستور دولة معينة أمر لا لزوم له كما سبقت الإشارة إليه ؛ لأن هذه الأحكام ثابتة في آيات القرآن وتفسيرها والأحاديث وشروحها ، ومباحث الفقه وأصوله ؛ ولأن هذه الدولة الإسلامية يجب أن تلتزم في دستورها بأحكام الشرع وأن لا تخالفها ، وبالتالي فلها أن تعد دستورها وفق ظروفها ، موافقة في ذلك شرع الله ، ويحتوي هذا الدستور الأحكام الخاصة بدستور هذه الدولة .


وفي هذا المجال نجد بعض الباحثين في شأن الدستور الإسلامي يرى أن هناك تدوينا للدستور في بعض العصور ، ويمثل بالوثيقة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة ، ويعتبرها دستورا للدولة في ذلك العصر ، موافقا لظروف ومتطلبات الوقت الذي وضع فيه ، والحقيقة أن هذه الوثيقة تحوي أحكاما دستورية تعالج بعض القضايا الدستورية في ذلك الوقت الذي وضعت فيه ، ويمكن الاستئناس بها عند تدوين أي دستور لدولة إسلامية ، ولكنها ليست دستورا كاملا بمعنى الدستور الفني أو الخاص بل هي وثيقة دستورية لها أهميتها في تاريخ الدولة الدستورية . ولم يثبت بعد هذه الوثيقة تدوين يشبهها لأحكام دستورية في الدولة الإسلامية ، بل استمر العمل بالرجوع إلى الأحكام الثابتة ، واستنباط أحكام جديدة لما يستجد من وقائع ، والتعارف على أعراف معينة غير مخالفة لأحكام الشريعة تستقر لفترة من الزمن ، حتى بدأت حركة تدوين الدساتير في الدول الإسلامية بإعلان الدستور التونسي عام 1276هـ الموافق 1861م ثم الدستور العثماني عام 1293هـ الموافق 1876م . اللذين يمكن اعتبارهما أول دستورين إسلاميين بمعنى الدستور الخاص تم تدوينهما .


ويستنتج من ذلك وفقا للمعنى الخاص للدستور أنه من الممكن أن توجد دساتير مدونة في بعض الدول الإسلامية وأخرى غير مدونة ، أو توجد بعض قواعد الدستور مدونة وبعضها الآخر غير مدون ، أي أنه ليس هناك إلزام بتدوين الدستور في النظام الإسلامي ، ولا إلزام بعدم التدوين ، وأن ذلك راجع لما تستقر عليه الآراء في الدولة الإسلامية وللظروف المتغيرة ، بحيث قد يكون الأفضل في جهات متعددة التدوين صيانة لحقوق عامة للمسلمين واستئناسا بتوثيق التداين ، { وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا } سورة البقرة آية 282 ، واستئناسا بتدوين السنة مع ورود نصوص تصرف عن ذلك وبالوثيقة النبوية التي كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة .


وقد لا يحتاج إلى التدوين في جهات وأزمان معينة إذا أمن جانب صيانة حقوق عامة المسلمين وترجحت مراعاتها ، فليس المهم في النظام الإسلامي النظر إلى الشكل ولكن المهم هو المضمون ، وهو وجود قواعد دستورية راسخة وصريحة متمشية مع حكم الله ، تضمن للحاكم والمحكوم حقوقهما على حد سواء ، وليس ضروريا بعد ذلك أن تكون هذه القواعد مدونة في وثيقة تسمى الدستور أو تكون غير مدونة .


ثم إن الدستور بمعناه الخاص في الدولة الإسلامية قد يكون ثابتا أو مرنا حسب ظروف كل دولة ، وما يستقر الرأي الدستوري فيها عليه من أمر بهذا الخصوص ، ولا علاقة بين تدوين الدستور وثباته ، فقد يكون الدستور مدونا ومرنا ، وقد يكون ثابتا وهو غير مدون ، والعكس كذلك ، وهذا الثبات الذي أشير إليه هنا متعلق بالدستور بمعناه الفني أو القانوني ، وبالتأكيد فإن الثبات هنا هو ثبات نسبي .


وفي حالة تدوين دستور معين لدولة إسلامية ، يجب النص على أن الحكم لله وحده ، وأن السيادة المطلقة لله { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } سورة الأنعام آية 57 .


وإن التشريع الملزم هو من عند الله { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } سورة المائدة آية 48 .


كما أنه لا يفضل وضع نص قرآني ضمن مواد الدستور ؛ لأن مواد الدستور من طبيعتها التغير ، وليس ذلك من طبيعة نصوص القرآن ؛ ولأن النصوص القرآنية فوق النصوص الدستورية وبالتالي فإن وضعها مادة في الدستور إنقاص من شأنها ، وإنما يستخلص الحكم الدستوري من الآية ، ويذكر أن ذلك استنادا إلى الآية كذا ، ومثال ذلك عندما يراد أن ينص على أن الشورى أساس من أسس الحكم ، لا توضع آية : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } سورة الشورى آية 38 , مادة كبقية المواد ، وإنما يقال مثلا : " إن الشورى أساس من أسس الحكم " ، ثم تفصل كيفية الشورى ونطاقها وفق ظروف الواقعة .


والخلاصة : أن تدوين الدستور في الدولة الإسلامية ليس بضرورة ، فالأمر فيه متروك للحاجة والمصلحة ، ويتأكد التدوين عند قلة العلماء المجتهدين ، وضعف الوازع الديني لدى المؤسسات الدستورية ، والخوف على حقوق عامة المسلمين . وعدم تدوين الدستور في الدولة الإسلامية لا يعني عدم وجود المؤسسات الدستورية ، فوجودها غير مرتبط بالتدوين أو عدمه ؛ لأن وجودها مرتبط بوجود الدولة الإسلامية ذاتها .




محمد رافع 52 02-12-2012 11:27 AM

ثالثا : أساليب نشأة الدساتير في الإسلام ونهايتها :


1 - أساليب نشأة الدساتير في الإسلام :


سبق الكلام حول أساليب نشأة الدساتير ، حيث يحدد علماء الفقه الدستوري المعاصر عدة أساليب لنشأة الدساتير التي حصروها في :


أ - أسلوب المنحة .


ب - أسلوب التعاقد .


جـ - أسلوب الجمعية الوطنية المنتخبة .


د - أسلوب الاستفتاء التأسيس .


وقد رجحت الرأي القائل بأن حصر أساليب نشأة الدستور أمر غير مسلّم وأن كل أسلوب من الأساليب المذكورة يمثل الأسلوب الذي اتبع في مرحله معينة لها ظروفها التي أدت إلى وجود هذا الأسلوب ، وأنه قد تستجد أساليب جديدة وفق ظروف معينة ، إضافة إلى أن الأساليب المذكورة تمثل ما تم اتباعه في ظل الأنظمة الغربية التي هي نتيجة لثقافة وظروف وتاريخ تلك الأنظمة ، وأنه قد تتبع أساليب أخرى بالنسبة للنظام الإسلامي ؛ وذلك لاختلاف الظروف الحضارية والتاريخية لهذا النظام عن النظم الغربية المعاصرة .


ومن الباحثين في الفقه الدستوري الإسلامي من حدد أساليب أو أسلوبا معينا لنشوء الدستور في الدولة الإسلامية ، كأسلوب المنحة وأسلوب التعاقد ، أو أسلوب الجمعية الوطنية المنتخبة ، وهذا أمر غير مسلم به كذلك ؛ لأنه قد تستجد أساليب أخرى بتغير الظروف ، ثم إن اختيار أسلوب من الأساليب المتبعة في الأنظمة الغربية ، وتحديده أسلوبا لنشوء الدستور في النظام الإسلامي أمر غير مقبول ؛ لأن النظام الإسلامي متميز عن ما سواه من الأنظمة الوضعية ، وإن وافق في شيء من الجزئيات بعض هذه الأنظمة ، فذلك لا يعني أن يصبغ النظام الإسلامي بصبغة هذه الأنظمة ، فهو نظام له خصوصيته واستقلاليته . فالدستور في ظل النظام الإسلامي قد ينشأ بأسلوب مشابه شكلا لأحد الأساليب المستخدمة في الأنظمة الغربية ، أو بأسلوب مختلف ومعايير لجميع تلك الأساليب ، فالباحث في هذا المجال يجب أن يتحرر من إلزام نفسه باتباع المنهج الغربي التقليدي لتميز النظام الإسلامي في هذا المجال عن غيره من الأنظمة ، فنشأة الدستور في النظام الإسلامي مرتبطة بالشرعية الإسلامية وأحكامها ، فمن المعروف أن الأحكام الدستورية الثابتة ليست منحة من البشر ، وليست كذلك مجالاللمناقشة بقبولها أو رفضها سواء من الحكومات ، أو من الشعوب فهي ملزمة للجميع ، فمعروف أن السيادة في الإسلام لله وحده وليست للحكومة أو للشعب كما في بعض النظم ، وبالتالي فالدولة تتقيد في سيادتها الداخلية والخارجية بالإسلام ولا تخرج على أحكامه ، فأحكام الإسلام لها السيادة المطلقة ، والأحكام الدستورية المتغيرة التي قد تدون فيما يسمى بوثيقة الدستور هي التي يكون المجال لنشوئها متروكا للأسلوب الذي يوافق ظروف الدولة الإسلامية وقت نشوء هذا الدستور الذي لا يخرج بحال عن أحكام الإسلام ولا يخالفها ، وبالتالي فإن مسألة موافقة الحاكم أو الشعب على الدستور في ظل النظام الإسلامي مسألة نسبية ، فالحكم المطلق والتشريع المطلق في الإسلام لله وحده ، وإنما يكون اختيار الناس وموافقتهم فيما لم يرد فيه نص قاطع وما كان محلا للاجتهاد من أهل الاجتهاد , كل في تخصصه حسب الوقائع فلكل واقعة تتطلب الاجتهاد وأهلها ؛ فينبغي التفريق هنا بين تحرير الواقعة التي يؤخذ فيهما رأي ذوي الخبرة من ساسة واقتصاديين ومهندسين وأطباء ، أو عامة مستفيدين مما كان منفعته عامة ، وبين ما كان اجتهادا في إظهار الحكم الشرعي وليس ذلك إلا لذوي العلمبالشريعة من أفراد تكمل بهم أداة الاجتهاد تفسيرا وحديثا وفقها وأصولا ولغة وبلاغة . إذن فنشأة الدستور في الدولة الإسلامية مرتبطة بالتزام المجتمع ، والدولة بالإسلام عقيدة وشريعة ، ثم إن بيعة الناس للحاكم ملزمة للطرفين بالتحاكم إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالتالي فإن الدولة المسلمة ملزمة بالدستور الإسلامي ، ولا يتصور وجود حاكم مسلم أو دولة مسلمة غير ملتزمة بهذا الدستور .


فنشأة الدستور بالمعنى المتعارف عليه لدى فقهاء القانون غير وارد في النظام الإسلامي ؛ لأن الأحكام الدستورية الثابتة موجودة أصلا ولا داعي لإنشائها ، أما الأحكام المتغيرة فمردها إلى المجتهدين من العلماء المسلمين ، وإن كان هناك تشابه بين أسلوب نشوء - هذه الأحكام المتغيرة ، وأحد الأساليب المتعارف عليها لدى الفقهاء القانونيين فهذه المشابهة شكلية فقط .


2 - أساليب نهاية الدساتير في الإسلام :


ذكر في الباب الأول الأساليب التي ينتهي بها الدستور عادة ، وفقا للفقه الدستوري الوضعي وهي :


أ - الأسلوب السلمي .


ب - الأسلوب غير العادي .


ت - أسلوب العرف .


والنظام الدستوري الإسلامي يختلف عن النظم الوضعية ، ذلك لأن جزءا من أحكامه وحي ، والوحي غير قابل للتعديل والإنهاء من البشر . أما الجزء الآخر من أحكامه والتي قد تقنن ، بناء على الاجتهاد والمصلحة في الدولة الإسلامية ، فهذا يرجع لما يتفق عليه أهل الرأي حول إنهاء الدستور أو بعض أحكامه ، فقد تنهى عن طريق الأسلوب الذي وضعت به ، أو أي أسلوب يضمن عدم انتهاك حقوق الأفراد .


وهو ما يشبه إلى حد ما الأسلوب السلمي ، أو قد تنهى بعض أحكام الدستور بسبب تقادمها وعدم إمكانية تطبيقها فتهمل ، أو ينشأ حكم جديد يتعارف عليه يكون ملغيا لحكم غير مبني على حكم شرعي ثابت ، بشرط أن لا يكون في إلغائه ضرر ، وأن لا يكون الحكم الجديد مخالفا لأحكام الشرع .


أما ما اصطلح عليه في الفقه الوضعي بالأسلوب غير العادي أو الأسلوب الثوري ومقتضاه أن توجد ظروف وأوضاع تؤدي إلى إلغاء الدستور أو تعطيله فهذا لا يوجد نظيره في الإسلام فيما يتعلق بالدستور بمعناه الثابت أو العام ؛ لأن المسلمين ملتزمون بدستورهم بحكم إيمانهم وعقيدتهم ، وتطبيق الدستور دين ملتزمون به ، أما فيما يتعلق بالدستور بمعناه الخاص أو الفني فالأمر فيه راجع لأهل الحل والعقد .


الإسلام والدستور






محمد رافع 52 02-12-2012 11:30 AM

الدستور الإسلامي
الدستور لفظة غير عربية يراد بها عدة معاني من أهمها: القاعدة أو الأساس الذي يُبنى عليه، وأكثر ما تُستخدَم هذه الكلمة في عالمنا المعاصر في المجال السياسي، ويراد بها القانون الأعلى في الدولة؛ فهو بهذه المثابة أبو القوانين الذي تنبثق منه بقية القوانين التي تحكم المجتمع في مجالاته المتعددة كافة؛ حيث يُنَص فيه على شكل الدولة وشكل الحكومة ونظام الحكم والسلطات العامة في الدولة؛ فيبين ما السلطات العامة وكيفية تكوينها، واختصاصات كل سلطة وحدودها، والعلاقة بين السلطات، وصلاحيات كل سلطة، وكيفية الرقابة على السلطات، وحقوق الأفراد والجماعات الأساسية وواجباتهم وحرياتهم، وضمانات حفظ ذلك.

والدستور غريب في لفظه وكيفيته على الفقه السياسي الإسلامي في عصر الراشدين وما تلاه من العصور، وإن كان كل ما يتضمنه الدستور تدل عليه أحكام الشريعة؛ سواء بالموافقة أو الرفض.
والمؤلفات في الأحكام السلطانية مما يمكن أن تُعَد النواة لكتابة الدساتير في الفقه السياسي الإسلامي ولو تفحصنا كتاباً مثل كتاب الأحكام السلطانية للماوردي لوجدناه يشتمل على حديث في كثير من الأمور التي تتضمنها الدساتير؛ حيث عقد باباً للإمامة (رئاسة الدولة) تكلم فيه عن حكم نصب الإمامة وشروط الإمام، وكيفية وصوله لمنصبه، وشروط من يختاره لهذا المنصب، ثم تحدث عن واجبات الإمام (أي حقوق الملة والأمة تجاهه وحقوقه على الأمة)، كما تحدث عن المسوغات التي يفقد بها الإمام منصبه إذا تحققت فيه، وعقد باباً للحديث عن الوزارة؛ فبين أنواعها والشروط التي ينبغي وجودها في من يلي هذا المنصب وعقد باباً للحديث عن أمراء الأقاليم، وباباً في الحديث عن الإمارة على الجهاد، وباباً في الحديث عن الولاية على حروب المصالح، وكل ما تقدم يدخل في ما يسمى الآن بالسلطة التنفيذية.

كما عقد باباً في ولاية القضاء تحدث فيه عن شروط من يتولى القضاء وكيفية انعقاد ولاية القضاء وحدود ولاية القاضي، وهذه تعد بالمعايير المعاصرة السلطة القضائية. كما عقد باباً لولاية المظالم وهي معنية بالنظر في المقام الأول في تعديات الولاة على الرعية وهي تُعَد في أيامنا هذه من باب القضاء الإداري، وهكذا حتى أتم عشرين باباً، تناول أموراً في صلب ما يسمى بالدستور.

لكن هناك فروقاً جوهرية بين كتب الأحكام السلطانية وبين الدساتير تتمثل في:
1 - أن كتب الأحكام السلطانية عندما تذكر الأحكام فإنها تذكرها من قبيل المدارسة الفقهية، بينما ما تذكره الدساتير تذكره على أنه أحكام باتة نافذة ملزِمة.
2 - أن كتب الأحكام السلطانية تشتمل على ما يعد من قبيل المواد الدستورية والمواد الأقل شأناً؛ أي في منزلة القانون العادي، بينما الدساتير تتضمن فقط المواد التي يمكن أن تُعَد أنها مواد دستورية دون أية مواد أخرى.
3 - والفرق الثالث أن كتب الأحكام تُكتَب من طرف أهل العلم وليس هناك أية آلية يجب اتباعها لكتابة المؤلفات في الأحكام السلطانية؛ فيمكن لكل عالم أن يكتب كتاباً في ذلك يضمِّنه مذهبَه ورأيَه واختياراته ويمكن لأي عالم أن يرجع عن بعض أقواله إذا تبين له أن هناك ما هو أصوب من رأيه المرجوع عنه؛ من غير أن يكون هناك طريق يجب عليه سلوكه في ذلك. بينما الدستور يوضع وَفْقَ آلية معيَّنة وهو دستور وحيد للدولة، ويظل سارياً نافذاً ولا يمكن التراجع عن بعض أحكامه إلا وَفْق آلية معيَّنة.

إذا نظرنا لبعض الدساتير المعاصرة التي كتبت من منظور إسلامي فسنجد أنها تناولت ما تتناوله الدساتير الوضعية (عناوينَ وموضوعاتٍ) لكنها تختلف عنها في كونها تثبت الوجهة الإسلامية في كل ما تذكر، وقد تضيف بعضَ المواد الدستورية التي لا نظير لها في الدساتير الوضعية؛ نظراً لطبيعة شمول أحكام الإسلام لكل ما يتعلق بالفرد والجماعة، لكن الحقيقة ليس هناك ضابط موضوعي يضبط الموضوعات التي يشملها الدستور والتي لا يشملها.


محمد رافع 52 02-12-2012 11:32 AM

مكونات الدستور الإسلامي:
يحتوي الدستور الإسلامي على مجموعة من المواد تعالِج وضع الدولة بين الدول وعلاقة الدولة بغيرها من الدول الإسلامية، ودين عامة أهلها، ووضع الطوائف المغايرة للأغلبية، ووضع الفرد من حيث الحقوقُ والحرياتُ والواجباتُ، ومجموعة من المواد التي تعالج النظام السياسي، ومجموعة من المواد التي تعالج الوضع الاقتصادي، ومجموعة من المواد التي تعالج الحالة الاجتماعية: كالتعليم والصحة والأسرة والزواج والطلاق، ومجموعة من المواد التي تبيِّن أسس المجتمع الإسلامي: يذكر فيها محورية الإيمان بالله واليوم الآخر والتحاكم إلى شرع الله - تعالى - وأن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع وأن كل ما خالفها باطل، ومجموعة من المواد التي تبيِّن السلطات في الدولة والعلاقة بينها، ومجموعة من المواد التي تتحدث عن الشورى والتشريع والرقابة.
كما يتبين في الدستور الإسلامي الغاية الإسلامية التي تسعى إليها الدولة، وحدود طاعة الرعية لها والأحوال التي تصبح معها الرعية في حِلٍّ من طاعتها أو مقاومتها.

مصادر الدستور الإسلامي:
مصادر الدستور الإسلامي تنحصر في مصادر ثلاثة:
1 - القرآن الكريم: الذي فيه الإرشاد والدلالة على الخير كله في أمور الدنيا والآخرة كلها، والذي ضمَّنه الله الهداية والسعادة لمن اتبعه وجعله إمامه وأمامه ولم يجعله خلفه أو تابعاً.
2 - سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: وهي التفسير العملي لما جاء في كتاب الله تعالى. وقد أوجب الله - تعالى - طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بل علق الإيمان بتحكيم الرسول في كل شيء من شؤوننا وأقسم على ذلك بذاته العَلية فقال - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
3 - سنة الخلفاء الراشدين: وهم الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعهم؛ حيث قال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين..." ، فقد وطدوا - رضي الله تعالى - عنهم دعائم الدولة وانتقلت السلطة في مدة ثلاثين سنة إلى أربعة خلفاء كل منهم بطريقة مباينة لبقية الطرق وهو ما أوجد قدراً من السوابق الدستورية التي تثري هذا الباب من العلم.
ما تقدم يمثل المصادر الأصلية للدستور، وهناك ما يُعَد من قبيل المصادر التبعية التي لا تستقل بإفادة المطلوب؛ وإنما لا بد من اعتمادها على المصادر الأصلية وهي اجتهادات المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

تدوين الدستور:
المقصود بتدوين الدستور أن تدوَّن المسائل التي يعالجها الدستور في وثيقة مكتوبة تكون لها السمو والعلو على جميع القوانين السائدة في المجتمع، وهذه الوثيقة (الصك) يطلق عليها الدستور.

إن المسائل التي ينظر إليها على أنها دستورية لم تفرَد في الدولة الإسلامية على مدى أكثر من اثني عشر قرناً عن بقية المسائل التي تضمنتها الشريعة، ومن لوازم ذلك ألا يكون هناك تدوين لتلك المسائل مجتمعة في وثيقة واحدة.
والحقيقة أن التدوين لا يحتاج الناس إليه في كل أحوالهم، بل يُحتَاج إليه عند توافر شروط معيَّنة، ومن أهم دواعي تدوين الدستور عند شعب من الشعوب أن لا يكون لهذه الشعوب مصادر قانونية تحظى بالاحترام والتقدير من الشعب جميعه، وحينئذٍ يكون الاتفاق على وثيقة (دستور) يتفق عليها الناس تقود النظام السياسي للبلاد مخرجاً من التفرق والتناحر الذي يمكن أن تنجرف إليه كل طبقات المجتمع في حالة عدم وجود مثل تلك الوثيقة؛ حيث تحدد الوثيقة الحقوق والواجبات والمسؤوليات والصلاحيات والعلاقات بين مكونات المجتمع؛ سواء الأفراد أو الجماعات أو الحكومة، ومن البيِّن أن الدول الإسلامية تنفرد عن بقية دول العالم بخاصية لا توجد في دولة غيرها؛ وذلك أن الدول الإسلامية لها دين محفوظ معلوم المصادر، له في كل ما ينزل بالمجتمع والجماعة والأفراد حكمه وهدايته، ويتمتع حكم الإسلام وهدايته بالاحترام والتقدير والتقديس من كل نفس تشهد أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن ثَمَّ فليست هناك دواعٍ موضوعيةٌ لكتابة دستور؛ إذ يكفي في ذلك نشر العلم بالفقه السياسي وتفعيل دور مؤسسة الحسبة في الجانب السياسي، لكن لو اختار الناس أن يكون للبلد دستور مكتوب فليس هناك ما يمنع من ذلك إذا كان الدستور يحافظ على الأحكام الشرعية المتعلقة بالسياسة وهذا لا يمكن حدوثه إلا إذا كانت صياغة الدستور تحدث من قِبَل علماء الشريعة أو تحت إشرافهم الكامل.


محمد رافع 52 02-12-2012 11:33 AM

تعديل مواد الدستور:
في جميع الدساتير الوضعية توجد آلية محددة لتعديل أو تغيير بعض مواد الدستور، وذلك نابع من أن الدستور يوضع معبِّراً عن تصورات الشعب وتطلعاته وَقْتَ صدوره، لكن هذه التصورات والتطلعات عرضة للتغير مع مرور الزمن من أجل ذلك تحسَّبوا لذلك عن طريق إمكانية التعديل أو الإلغاء، وأما الدستور الإسلامي فينبغي ألا توضع فيه إلا الأحكام التي لا تكون عرضة للتغير بمرور الزمن حتى يحفظ للدستور هيبته ولا يكون عرضة للتغيير حسب آراء أو أهواء بعض الناس، وأما الآليات التي تكون عرضة للتغيير فوضعها في وثيقة أخرى أدنى من الدستور منزلة قد يكون أوفق من وجهة نظري.
وعندما يوضع الدستور على النحو الذي ذكرته لا يكون الدستور عرضة للتغيير ومن ثَمَّ يكون إلزامه ليس قاصراً على الجيل الذي وضع الدستور؛ بل يمتد ليشمل الأجيال التالية، وبهذا أيضاً يكون الدستور للبلاد الإسلامية كلها دستوراً واحداً، وهو ما يوجِد تجانساً كبيراً بين تلك الدول ويقرِّب ما بينها.

مشروعات الدساتير الإسلامية المعاصرة:
اطلعتُ على عدة مشروعات لدساتير إسلامية من ذلك:
1 - إعلان دستوري إسلامي للمستشار الدكتور علي جريشة - رحمه الله - وهو مكون من 49 مادة.
2 - نموذج لدستور وضعه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وهو مكون من 141 مادة
3 - نموذج لدستور إسلامي وضعه الدكتور مصطفى كمال وصفي نائب رئيس مجلس الدولة المصري - رحمه الله - وهو مكون 74 مادة.
4 - نموذج لدستور إسلامي أقره المجلس الإسلامي العالمي في إسلام أباد وهو مكون من 87 مادة.
هذه المشروعات مجموعة في كتيب واحد على الترتيب الذي أوردته هنا تحت اسم إعلان دستوري إسلامي صادر عن دار الوفاء للطباعة والنشر بالمنصورة بمصر.

محمد رافع 52 03-12-2012 10:11 AM



الشورى في حياة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام




الشورى لها مكانة عظيمة في ديننا الإسلامي، وقد سمى الله تعالى سورة في القرآن الكريم باسم الشورى. والشورى هي أن يأخذ الإنسان برأي أصحاب العقول الراجحة والأفكار الصائبة، ويستشيرهم حتى يتبين له الصواب فيتبعه، ويتضح له الخطأ فيجتنبه، وهي تكون في الأمور التي ليس فيها أمر من الله، أو أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ إنه لا شورى مع وجود نص شرعي.

ولقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يشاور المسلمين، ويأخذ آراءهم، فقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159).

وإن المتأمل لسيرته وحياته صلى الله عليه وسلم رغم علو منزلته عند ربه، ومكانته بين أصحابه، يجده كثير التشاور معهم، بل وحتى مع زوجاته صلى الله عليه وسلم، ومن ثم كان أصحابه رضي الله عنهم يبادرونه بالرأي والمشورة، ولكن في الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي، أما ما ورد فيه نص، فليس أمام المسلم سوى القبول والتسليم، وإن خالف عقله وهواه، ومشاهد الشورى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته المطهرة كثيرة.

ففي أمور الحرب، تبرز مواقف النبي صلى الله عليه وسلم التي شاور أصحابه فيها، ابتداء بغزوة بدر، حيث شاورهم في الخروج لملاقاة العدو، واختيار المكان الذي ينزلون فيه، وقال صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة: (أشيروا علي أيها الناس)، ثم تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عند أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر ـكخبير عسكري ـ وقال: يا رسول الله! أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة)، فقال الحباب: يا رسول الله! إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ـأي جيش المشركين- فننزله ونغوِّر (نخرب) ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أشرتَ بالرأي).

فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الحباب ومشورته، ونهض بالجيش حتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من الآبار.

وفي غزوة (أُحد) جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وشاورهم في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة المشركين، وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة، إلا أن الكثير من الصحابة ـخاصة الذين لم يشهدوا بدراًـ أشاروا بالخروج للعدو، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم على رأيهم.

وعندما أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة حفر الخندق، استحسن النبي صلى الله عليه وسلم فكرته وأمر بتنفيذها، فكانت سبباً رئيسياً من أسباب النصر في تلك الغزوة.

لقد ربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وعودهم على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى ولو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه، تعويداً لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، ولم يحدث أن عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً لأنه أخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه ومشورته.

ولو ذهبنا بعيداً عن المعارك والحروب، لوجدنا أيضاً في حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم الكثير من المواقف التي ظهر من خلالها اهتمامه وترسيخه للشورى بين المسلمين.

فشاور صلى الله عليه وسلم كلاً من علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما في قضيّة الإفك، وشاور الناس في كيفيّة التعامل مع من آذاه في عرضه الشريف.

وفي صلح الحديبية، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على الخروج إلى مكة، والصحابة يحلمون بعمرة يزورون فيها بيت الله الحرام، فلما علموا بالصلح والرجوع، حزنوا وتثاقلوا مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم ب*** الهدي والحلق، ظنا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحلل من الإحرام أخذا بالرخصة في حقهم، وأنه سيستمر هو في إحرامه، فأشارت عليه زوجته أم سلمة رضي الله عنها بمباشرة النحر وحلق الشعر بنفسه، فسارع الصحابة رضوان الله عليهم لامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان رأيها سديداً ومشورة مباركة.

وحين دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً لها، أشار عليه عمه العباس بقوله: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً، فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة عمه، وقال: (نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن) رواه أبو داود. وقد حدث بهذه المشورة تثبيت لأبي سفيان رضي الله عنه على الإسلام وتقوية لإيمانه.

لا شك أن الشورى التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم عليها بقوله وفعله، يتحقق من ورائها أهداف عظيمة، فهي تعمل على نشر الألفة بين أفراد المجتمع، وهي وسيلة للكشف عن أصحاب الرأي السديد، ومَنْ بإمكانهم وضع خطط يؤخذ بها في المواقف الصعبة الطارئة، مما يفتح الباب للاستفادة من كل العناصر المتميزة في المجتمع، وحينما تكون الشورى أمراً إلهياً وسلوكاً نبويًّا، فإن المجتمع الذي يتمسك بها، ويسير على دربها، سيحوز الأمن والأمان والتوفيق والنجاح، قال الله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159)، وقال: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (الشورى:38).





محمد رافع 52 03-12-2012 10:34 AM


محمد عليه الصلاة والسلام

الرسول القائد

لابد أننا نجزم ونؤكد على أن رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- هو رجل دولة الأول: سياسياً وعسكرياً. وفي كل مرة كان في القمة التي لا يرقى إليها أحد وهو الأمي الذي لا يعرف قراءة ولا كتابة مما يدل على أن المسألة هنا ربانية المبدأ والطريق والنهاية.


ولابد أن لنجاح القيادة السياسية نقاط توقف نختصرها كما يلي:
  1. استيعاب هذه القيادة لدعوتها وثقتها بها وبأحقيتها، وثقتها بانتصارها، وعدم تناقض سلوك هذه القيادة مع ما تدعو إليه.
  2. قدرة القيادة على الاستمرار بالدعوة تبليغاً وإقناعاً.
  3. قدرة القيادة في استيعاب المستجيبين للدعوة تربية وتنظيماً وتسييراً.
  4. وجود الثقة الكاملة بين القيادة وأتباعها.
  5. قدرة القيادة على التعرف على إمكانية الأتباع وأن تستطيع الاستفادة من كل إمكاناتهم العقلية والجسمية أثناء الحركة.
  6. قدرة القيادة على حل المشاكل الطارئة بأقل قدر ممكن من الجهد.
  7. أن تكون هذه القيادة بعيدة النظر مستوعبة للواقع.
  8. قدرة هذه القيادة على الوصول إلى النصر والاستفادة منه.
  9. قدرة هذه القيادة أن تحكم أمر بناء دولتها إحكاماً يجعلها قادرة على الصمود والنمو على المدى البعيد.
وما عرف التاريخ إنساناً كمل في هذه الجوانب كلها إلى أعلى درجات الكمال غير محمد -صلى الله عليه وسلم- مع ملاحظة أن كمالاته هنا جانب من جوانب كمالاته المتعددة التي لا يحيط بها غير خالقها.

ولنستعرض جوانب سيرة رسول الله، تلك الجوانب العملية لنرى براهين ذلك:
1 - استيعابه - صلى الله عليه وسلم- لدعوته نظرياً وعملياً وثقته بها وبانتصارها:


لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- واضحاً تماماً في أن منطلق دعوته هو أن الحاكم الحقيقي للبشر لا يجوز أن يكون غير الله. وأن خضوع البشر لغير سلطان الله شرك، وأن التغيير الأساسي الذي ينبغي أن يتم في العالم هو نقل البشر من خضوع بعضهم لبعض إلى خضوع الكل لله الواحد الأحد.


والأمثلة كثيرة ولكني سوف اختار لكم منها:


طالب المشركين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة أن يطرد المستضعفين من المسلمين حتى يجلسوا إليه، وفي كل مرة كان يتنزل قرآن ويكون موقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرفض، ومن هذه ما أخرجه أبو نعيم عن ابن مسعود قال : من الملأ (أي السادة) من قريش على رسول الله وعنده صهيب وبلال وخباب وعمار –رضي الله عنهم– ونحوهم وناس من ضعفاء المسلمين فقالوا (أي الملأ مخاطبين رسول الله): أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء الذين منَّ الله عليهم؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعناك قال: فأنزل الله عز وجل: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ. أخرجه أحمد والطبراني.


وبذلك يكفيك أن تعلم أن الناس يعتبرون العمل السياسي الإسلامي عملاً مثالياً لا يستطيعه أي إنسان فإذا ما عرفنا بعد ذلك أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- استطاع أن يقود الناس بهذا الإسلام. فلا نجد موقفاً من مواقفه تناقض مع نصوص ومبادئ دعوته، وعلمت أنه ما من زعيم سياسي إلا ويضطر للتناقض، إما لاحقا مع سابق أو دعوى مع عمل أو داخلياً مع خارجي، أدركت مدى الكمال في القيادة المحمدية، وخاصة إذا عرفت أنه لم يستطيع أن يرتفع من حكّام الأمة الإسلامية إلى القيادة بالإسلام الكامل بحق، إلا أفراد منهم الخلفاء الراشدون الأربعة، أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ساس الناس بالإسلام ولم ينزل بالإسلام إلى مستوى الناس، بل رفع الناس إلى مستواه على وتيرة واحدة ونسق واحد في الفكر والعمل.


2 - استطاعته -صلى الله عليه وسلم- الاستمرار بدعوته تبليغاً وإقناعاً:

هناك شيئان أساسيان يجب أن يتفطّن لها قادة الحركات السياسية الفكرية الجديدة:

أ) الحرص على استمرار عملية التبليغ والإقناع.


ب) البصر الحكيم بالموقف الذي يتخذ من الخصم.
إن أي دعوة من الدعوات إذا لم تستطع تأمين عملية استمرار التبليغ والإقناع تجمد ثم تنحصر ثم تموت. وأي دعوة من الدعوات لا تتخذ الموقف المناسب من الخصم تضرب ضربة ساحقة ثم تزول.


عندما ندرس هذين الجانبين في العمل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تجد أنه -صلى الله عليه وسلم- قد نجح فيهما. فرغم تألب الجزيرة العربية كلها عليه، ورغم العداء العنيف الذي ووجه به، ورغم كل شئ فإن عملية التبليغ لم تنقطع لحظة من اللحظات.


أما للأمر الثاني، فأنت تلاحظ حكمة مواقفه تجاه العدو، فهو في مكة يصبر ويأمر أتباعه بالصبر، ولم يأمر بقتالهم، ولو فعل ذلك لخسر أتباعه ***اً، ولشغل بذلك في قضايا الثأر، ولما أمكنه أن يتابع عملية التبليغ. فكسب بهذه الخطة كثيراً من القلوب.فإذا ما انتقل إلى المدينة رأيت تجدد مواقفه على حسب الظروف الجديدة من معاهدة إلى سلام إلى حرب إلى ضربة هنا ووثبة هناك. ولكن هذا كله لم يؤثر بتاتاً على عملية تبليغ الحق وإقناع الناس به على كل مستوى وبكل وسيلة ملائمة.وخلاصة القول: لا توجد حركة سياسية تقوم على أساس عقدي نجحت كما نجحت دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي فترة قصيرة، وهذا يدلنا على أن الأمر أكبر من أن يكون –لولا التوفيق الإلهي– لهذا الرسول الأعظم الفذ على مدى التاريخ بين الرجال.

3 - قدرته صلى الله عليه وسلم على استيعاب أتباعه تربية وتنظيماً وتسييراً ورعاية:
أ) ألا تقدر هذه الدعوة على أن تربي أتباعها تربية نموذجية بحيث يعطي أتباعها صورة حسنة عنها، مما يؤدي إلى نفور الناس منها كأثر عن نفورهم من أصحابها، فيكون التابع حجة على الدعوة بدلاً من أن يكون حجة لها. وعلى العكس من ذلك إذا ما ربي أفرادها تربية نموذجية حية فإن الناس يؤمنون بهم قبل إيمانهم بدعوتهم، ويحبونهم قبل أن يعرفوا ما يدينون به، وكم رجال ضربوا دعوتهم بسلوكهم مع أنهم يحملون دعوة عظيمة.


ب) أن يدخل الدعوة ناس ولا تستطيع هذه الدعوة أن تسخر طاقاتهم في سبيلها. وأمثال هؤلاء يكونون في وضع مشلول فلا هم ضد الدعوة ولا هم يقدمون شيئاً لها.


هذه النواحي الثلاث لابد من تلافيها لأي دعوة تقوم على أساس مبدأ معين وعدم تلافيها يعطل سير الدعوة وي***ها. ومن دراستنا لحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- نجد أنه يتجنبها وتجد ما يقابلها بشكل لا مثيل له بحيث لا تستغرب بعد كيف انتصرت هذه الدعوة وهذه الجماعة وكيف توسعت على مر الأيام.فنرى:

  • في الجانب الأول: تربية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكيف أن الأمة الإسلامية كلها قد وُسعت تربية.
  • في الجانب الثاني: ترى الحركية الدائمة التي كان يجعل أصحابه دائماً يعيشونها.
  • في الجانب الثالث: ترى دقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الرعاية والعناية والسهر على شؤون الأتباع بشكل عجيب، ولعل هذا الجانب أحق بالتمثيل
أن الدعوة العقدية السياسية تصاب من قبل أتباعها بسبب قيادتها من نواح ثلاث:


ج) عندما لا يحس الأتباع بالرعاية الدائمة، والملاحظة التامة، وعندما لا يوضعون فيما يحس وضعهم به، أو عندما يحسون بأنهم منسيون، أو عندما لا يعرف الإنسان محله ومهمته بها، كل هذا يؤثر على نفسية الأتباع ويولد عندهم فتوراً عن الدعوة.
أخرج ابن إسحاق عن أم سلمة أنها قالت: لما ضاقت مكة وأوذي أصحاب رسول الله وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شئ مما يكره، ومما ينال أصحابه. فقال لهم رسول الله: (إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه).



وقد وجههم مرتين إلى الحبشة. مرة في السنة الخامسة، ومرة في السنة السابعة. حيث كان المسلمون مقدمين على أعظم مراحل الاضطهاد مرحلة المقاطعة الشاملة.والأمثلة كثيرة وفيها دلالة على مبلغ دقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في توجيه أصحابه بالشكل الذي يحمون فيه ويأمنون، وكيف أنه لا ينسى أحد منهم بل يستوعبهم جميعاً برعايته، وكيف يعدهم للحظة المناسبة، وكيف يسيّر كل واحد منهم بحكمة تناسب وضعه.


4- الثقة التي كان يتمتع بها -صلى الله عليه وسلم- عند أتباعه:للثقة بين الناس وقائدهم أهمية عظيمة جداً عند أصحاب الفكر السياسي، لذلك ترى في أنظمة الحكم الديمقراطية أن الحكومة تبقى حاكمة ما دامت متمتعة بثقة شعبها التي تعرفها ببعض الوسائل، وهذا حال الناس الذين يثقون بحكوماتهم ومتعاونين معها فإنهم يستطيعون بالتالي أن يسدوا النواقص. أما إذا فقدت الثقة فقد تلاشى كل شئ وفقدت الأمة قوتها ويضعف روحها المعنوية ويضرب اقتصادها وبالتالي يهوي بها.لذلك كان من أهم عوامل القائد السياسي لأمة ثقة الأمة به ومحبتها له، فإن هذا إذا وجد يعوض كل النواقص وكل الفراغات فإذا ما وضح هذا بشكل عام نقول: أن تاريخ العالم كله لا يعرف مثلاً واحداً يشبه ما كانت عليه ثقة أتباع الرسول –صلى الله عليه وسلم- به. إن ثقة الناس بالقائد الرسول كانت ثقة غير متناهية يكفي لإدراكها أن ترى بعضاً من مواقف الصحابة في أدق وأصعب وأحوج الأحوال:قال أبو الهيثم بن التيهان: يا رسول الله وإن بيننا وبين الناس حبالاً (أي أحلافاً وعهوداً) فلعلنا نقطعها ثم ترجع إلى قومك وقد قطعنا الحبال وحاربنا الناس. فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله وقال: الدم الدم، الهدم الهدم، وفي رواية: بل الدم الدم والهدم الهدم. أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم. ثم أقبل أبو الهيثم على قومه فقال: يا قوم هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشهد أنه لصادق وأنه اليوم في حرم الله وأمنه وبين ظهري قومه وعشيرته، فاعلموا أنه إن تخرجوه رمتكم العرب عن قوس واحدة، فإن كانت طابت أنفسكم بالقتال في سبيل الله وذهاب الأموال والأولاد فادعوه إلى أرضكم فإنه رسول الله حقاً، وإن خفتم خذلاناً فمن الآن. فقالوا عند ذلك: قبلنا عن الله وعن رسوله ما أعطيانا، وقد أعطينا من أنفسنا الذي سألتنا يا رسول الله، فخل بيننا يا أبا الهيثم وبين رسول الله فلنبايعه، فقال أبو الهيثم: أنا أول من بايع.







محمد رافع 52 03-12-2012 10:37 AM

الأمثلة كثيرة وكلها تشعر الإنسان بمقدار الثقة التي كانت تملأ قلوب هذا الرعيل الأول مع معرفتهم بما سيترتب على هذه البيعة من آثار مخيفة. والحقيقة أن شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم كانت- من الأسر والقوة والنفاذ بحيث لا يملك من يخالطها إلا أن يذوب فيها، إلا إذا كانت شخصية معقدة، ولعل في قصة مولاه زيد بن حارثة ما يؤكد هذا المعنى. إذا يأتي أبو زيد وأعمامه ليشتروه ويرجعوا به إلى أهله حراً ولكن زيداً يختار صحبة محمد مع العبودية والغربة، على فراقه مع الحرية ولقاء الأهل. وهذه ظاهرة عجيبة أن يصارح زيد أهله بهذا، وهو ليس صغير السن بل كان وقتذاك ناضج الفكر فكافأه محمد -صلى الله عليه وسلم- (كان ذلك قبل النبوة) أن حرره وتبناه.
5 - استطاعة القائد الاستفادة من كل إمكانيات الأتباع العقلية والجسمية أثناء الحركة، مع المعرفة الدقيقة بإمكانية كل منهم ووضعه في محله:إن عبقرية القيادة لا تظهر في شئ ظهورها في معرفة الرجال، ووضع كل في محله، واستخراج طاقات العقول بالشورى، واستخلاص الرأي الصحيح. وفي كل من هذين كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأسوة العليا للبشر.إن الشورى في فن السياسة عملية تستجمع فيها طاقات العقول كلها لاستخلاص الرأي الصالح، ويتحمل فيها كل فرد مسؤولية القرار النهائي، ويقتنع فيها كل فرد بالنتيجة. فيندفع نحو المراد بقوة وترتفع بها ملكات الفرد وروح الجماعة. ويبقى الإنسان فيها على صلة بمشاكل أمته وجماعته، ولذلك جعل الله أمر المسلمين شورى بينهم، حتى يتحمل كل فرد من المسلمين المسؤولية كاملة ولا يبقى مسلم مهملاً.والظاهرة التي نراها في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كقائد. حبه للشورى وحرصه عليها ومحاولته توسيع دائرتها واستخلاصه الرأي الأخير في النهاية:قبيل غزوة بدر استشار الناس فأشار المهاجرون، فلم يكتف ثم استشار الناس فأشار الخزرج والأوس، ثم اتخذ قراره الأخير حتى يمحو أي تردد عن أي نفس. وقبيل يوم أحد استشار الناس وأخذ برأي الأكثرية. ويوم الأحزاب أخذ برأي سلمان الفارسي. ويوم الحديبية أشارت عليه أم سلمة زوجته فأخذ برأيها.أنها القيادة التي لا تستكبر أن تنزل على رأي مسلم كائناً من كان، ما دام الرأي سليماً صحيحاً. والقيادة الصالحة هي التي تعمم الشورى حتى لا يبقى أحد عنده رأي إلا قاله وخاصة فيما يكون فيه غرم.أما معرفة الرجال ووضع كل في محله المناسب له وتكليفه بالمهمة التي يصلح لها، فكذلك لا يلحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد فيها.إن أبا بكر وعمر كانا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقبهما الصحابة بالوزيرين له، وكان يسمر معهما في قضايا المسلمين، ولما مرض -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا بكر أن يصلي بالناس وهذا الذي جعل المسلمين يختارونه بعده خليفة، ثم كان عمر الخليفة الثاني، والناس يعرفون ماذا فعل أبو بكر وعمر يوم حكما الناس، فهل يشك أحد أن تركيز الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هاتين الشخصيتين كان في محله، وأنهما من الكفاءة في المحل الأعلى، وأن رأي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهما في محله. وهذان مثلان فقط وإلا فما اختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً إلا ورأيت الحكمة في هذا الاختيار.لكل مقام رجال وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر الخلق فراسة في اختيار الرجل المناسب للمقام المناسب.
6- قدرته الكاملة -صلى الله عليه وسلم- على حل المشاكل الطارئة:إن انهيار الدعوات والتنظيمات السياسية عادة ما يكون بسبب مشكلة طارئة لا تستطيع القيادة أن تحلها حلاً موفقاً، مما يؤدي إلى انقسام أصحابها أو ضربها والقضاء عليها. فكلما كانت القيادة أقدر على حل المشاكل كان ذلك أضمن لنجاح الدعوة.وقد يحدث أن بعض القيادات تحل المشاكل حلاً غير مشروع، فتستعمل القوة مع أتباعها، فتبيد المعارضين أو تسجنهم كما نرى كثيراً من هذا في عصرنا الحاضر. إلا أن الظاهرة التي لا مثيل لها في تاريخ القيادات العالمية أنك تجد عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدرة لا مثيل لها على حل المشاكل بكل بساطة، هذا مع سلوك الطريق الألطف مع الأتباع. والذي عرف العرب عن كثب يدرك كفاءة هذه القيادة التي استطاعت أن تشق الطريق بأقل قدر ممكن من المتاعب.أنه لا توجد أمة في العالم أكثر مشكلات من الأمة العربية، فالعوامل النفسية التي تثير المشاكل كثيرة جداً، فكلمة قد تثير حرباً، وجرح كرامة قد يؤدي إلى ويلات، ونظام للثارات وشعور بالولاء وعواطف متأججة وعصبية عارمة وجرأة نادرة وقسوة وصلابة وعدم انضباط، وكل واحدة من هذه تحتاج إلى قيادة تتمتع بكفاءة منقطعة النظير، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائد الذي استطاع أن يدير أمر هذا الشعب القوي المراس ويحل كل مشاكله بكل بساطة.وأبرز الأمثلة حله لمشكلة وضع الحجر الأسود قبل النبوة حين هدمت قريش الكعبة وأعادت بناءها.في رواية ابن اسحاق للحادث قال: ثم أن القبائل جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغ البناء موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحاوزوا وتحالفوا وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا لعقة الدم. فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا فزعم (إذ يروي أن المشير على قريش مهشم بن المغيرة، ويكنى أبا حذيفة) بعض أهل الرواية: أن أبا أمية بن المغيرة عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عامئذ أسن قريش كلها، قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ففعلوا. فكان أول داخل عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد. فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال -صلى الله عليه وسلم- هلمّ إليّ ثوباً، فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال: لنأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوا جميعاً ففعلوا. حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بني عليه.
والنماذج كثيرة كلها تبين كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحل المشكلات اليومية بسرعة عجيبة فلا يبقى لها أي أثر. هذه الإمكانية العجيبة في حل المشكلات جعلت رجلاً كبرناردشو الأديب الإنكليزي المشهور يقول: ما أحوج العالم إلى رجل كمحمد يحل مشاكله وهو يشرب فنجاناً من القهوة (أي ببساطة)!ومن قرأ كتب الحديث رأى كثرة المشكلات اليومية والفردية والجماعية التي كانت تعترض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسوس شعباً من أعصى شعوب العالم انقياداً وطاعة وسياسة، ومع هذا فما عرف أن مشكلة مرت عليه إلا وحلها بسهولة كاملة واستقامة مع منهج الحق الذي يدعو إليه والذي يمثل أرقى صور الواقعية والمثالية بآن واحد، وما كان ذلك ليكون لولا توفيق الله ورعايته.
7- بعد نظرة -صلى الله عليه وسلم- وضرباته السياسية الموفقة:إن الدارس لتصرفات رسول الله يجد أنه لا يوجد تصرف إلا وفيه غاية الحكمة وبعد النظر. فمثلاً يرسل كسرى إلى عاملة على اليمين (باذان) أن يهيج رسول الله، وأن يقبض على رسول الله ليرسله إلى كسرى، فيرسل باذان رجلين ليقبضا على رسول الله ويأتيا به إلى كسرى ويأمر باذان أحد الرجلين أن يدرس أحوال رسول الله، فلما وصل الرجلان أبقاهم الرسول عنده خمسة عشر يوماً دون رد عليهم وقُتل كسرى في اليوم الخامس عشر فأنبأهم -عليه السلام- ب*** كسرى يوم م***ه وأهدى أحد الرجلين منطقة فيها ذهب وفضة وأرسل إلى باذان رسالة مضمونها أنه إن أسلم أعطاه ما تحت يده وكان من آثار هذا كله أن خلع باذان ولاءه لكسرى وأسلم معلناً ولاءه لمحمد -صلى الله عليه وسلم-.إن الأمثلة كثيرة جدا ولكن يبقى أن تدرك الأفق العالي الذي كان ينظر منه -عليه السلام- وتدرك أن قيادته جزء من صلته بالله المحيط علماً بكل شئ فكان مسدداً راشداً مهدياً.
8 و 9 - الوصول إلى النصر وتطبيق ما كان العمل من أجله بعد النصر وإحكام البناء بحيث يكون قادراً على الصمود في المستقبل ووضع أسس النمو الدائب المتطور بحيث تحتفظ الدعوة بإمكانية السير عبر العصور:لقد مضى على بدء الإسلام أربعة عشر قرناً، ولا زال الإسلام في انتشار، ولا زال يتوسع، رغم كل ما تبذله الدعايات الكافرة من أعدائه، سواء كانوا أصحاب دين أو غير أصحاب دين بطرق منظمة وغير منظمة، فلا زال الإسلام هو الإسلام ولا زال قادراً على الحركة. ورغم الملابسات التاريخية التي أوقعت العالم الإسلامي في قبضة أعدائه، ورغم سيطرة الأعداء فالإسلام باق. ورغم أن الكافرين استطاعوا أن يهيؤا لأعداء الإسلام وسائل الانتصار داخل العالم الإسلامي فالإسلام شامخ يتحدى ويقهر.وخلال هذا التاريخ الطويل سقطت دول تحكم باسم الإسلام وقامت دول تحمل الإسلام واستوعب الإسلام الجميع. وفي كل مرة كان الإسلام محمولاً حق الحمل كان أصحابه هم الغالبين وحضارته أرقى الحضارات وما ذلّ المسلمون إلا من تقصيرهم وتفريطهم وجهلهم بالإسلام.القرون الوسطى عند الأوروبيون قمة التأخر والقرون الوسطى عندنا قمة التقدم وكانوا يومها متمسكين بدينهم وكنا لا زلنا متمسكين بديننا ومن هنا مفرق الطريق، حيث كان الإسلام حمل أتباعه على التقدم وحيث كان غير الإسلام ديناً كان تأخر. وهذا هو الإسلام يصارع الآن على كل مستوى شرقاً وغرباً فكراً وسلوكاً وهو في كل حال أبداً غالب وأن اضطهد المسلمون فذلك لقوة فكرهم لا لشيء آخر.وما أحد يجهل أن روح الجهاد في قلوب المسلمين هي التي حررت العالم الإسلامي من قبضة مستعمريه في عصرنا هذا. لقد استطاع الإسلام أن يفعل هذا لأن الأساس الذي بناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له خلال ثلاثة وعشرين عاماً كان من القوة بحيث يحمل كل العصور ويسع كل العصور.أن الظاهرة التي نراها في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه خلال عشر سنوات فقط كان كل جزء من أجزاء دعوته قائماً يمشي على الأرض على أكمل ما يكون التطبيق، وكل جزء من أجزاء دعوته قابلاً للتطبيق خلال كل عصر، وما مر عصر إلا ورأيت الإسلام مطبقاً بشكل من الأشكال. فإذا ما عملت بأن دعوة سياسية فكرية تحتاج إلى عشرات السنين حتى تنتشر وتنتصر وقد تطبق وقد لا تطبق أدركت أن العملية هنا ليست عملية عادية وإنما هي شئ خارق للعادة تحس وراءه يد الله. وتحس بالتالي أن الدين دين الله وأن محمداً عبده ورسوله.

محمد رافع 52 03-12-2012 11:32 AM

العـــلاقـات الاجتماعيــة في الإســلام


المعاملة الحسنة إحدي السمات الشخصية التي تميز الإنسان وتدل علي مدي إيمانه وتحليه بالأخلاق الكريمة لأن الحديث النبوي يؤكد علي أن الدين المعاملة‏..‏ وقد لوحظ في الفترة الأخيرة تعامل بعض الشباب والفتيات مع الآخرين من أفراد المجتمع بأساليب غير لائقة وأخذ معظم الأمور بشيء من اللامبالاة وعدم الاهتمام وكأنه يعيش في مجتمع معزول‏.‏

إسلاميات الأهرام المسائي حاورت بعض رجال الدين للوقوف علي هذه الظاهرة وكيفية مواجهتها ووضع الروشتة الشرعية للشباب والفتيات لذلك في البداية يقول الشيخ منصور الرفاعي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق إن التعامل مع الآخرين فن والفن قيم وذوق وأخلاق وكل إنسان يتعلم هذا الفن من بيته لأن البيت يوجد فيه التعامل بين الأب والأم والأبناء وكذلك تعامل الأم مع الجيران

وسرعان ما يشب الإنسان شيئا فشيئا وتتسع قدراته وينتقل الشاب إلي المدرسة ويبدأ في تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية مع نظرائه في المدرسة وكذلك الفتاة ومن هنا يأتي دور الأم فهي بمثابة المدرسة الأولي للطفل لتوضيح حسن العلاقة بينه وبين الآخرين لأنها تنمي فيه كيفية التفاهم مع غيره وحسن التعامل بالأدب والاحترام مع الأكبر سنا وكذلك كيفية اكتساب الصديق لأنه شيء مهم في حياة كل فرد لأن الإنسان بلا صديق كالغريق تحت الماء‏.‏

وأضاف ان المدرس في الفصل عليه جانب كبير في تنمية المهارات التي تغرس في وجدان وأحاسيس الشاب أو الفتاة لأنه يعلمه أدب الحوار مع الآخرين لأن أسلوب الحوار شيء مهم في حياة الشاب مشيرا إلي دور عالم الدين في المسجد لأنه يهتم بتربية ضمير الإنسان ويعلمه كيف يراقب ربه في السر والعلن وكيف يرعي حق أصدقائه وجيرانه من خلال علمه بمراقبة الله له في أعماله وأفعاله وكذلك ضرورة ان يعلم الشاب او الفتاة ان الحرية لها ضوابط ليس فيها تفلت وتنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين‏.‏

لا ترضي أحدا
وقال الرفاعي أن هناك العديد من الأفعال التي يقدم عليها بعض الشباب في التعامل مع الآخرين لا ترضي أحدا مثل ارتفاع الصوت وسوء الظن في الآخرين والتدخل في شئون الغير ولا يعلم أن من حسن خلق الإنسان تركه ما لا يعنيه وكذلك نقل الكلام إلي الآخرين وهذا يدخل في باب التجسس التي تعد رذيلة من الرذائل وخلق ذميم وعادة سيئة لذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم‏(‏ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه‏)‏

مشددا علي أن هناك مشكلة كبري يجب أن يتداركها الشباب وهي قيام البعض منهم بتصوير الفتيات علي المحمول ثم يقومون بتكبير هذه الصور والاحتفاظ بها والإساء إلي سمعتهم بدون وجه حق وهذا خلق ذميم لو انكشف فاعله لاحتقره الجميع‏:‏

وأشار إلي أننا نلاحظ في العديد من المواصلات العامة جلوس بعض الشباب ووقوف الشيوخ والأمهات اللاتي يحملن وليدهن ولا يقوم أحد من الشباب بالتطوع بإحلال اي منهم مكانه وهذا مخالف لما تنص عليه تعاليم الدين الإسلامي والله تعالي يقول‏(‏ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم‏)‏ مؤكدا أن بعض الشباب يبرر بأن المرأة نادت بالمساواة فعليها ان تتحمل فهذا فكر خاطيء فالاحترام واجب والرسول ـ صلي الله عليه وسلم ــ قال‏(‏ النساء شقائق الرجال‏)‏ فلابد من احترام مشاعرهن كأي إنسان وكذلك الرجل المسن الذي يقول الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ في ذلك‏(‏ ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه‏)‏

احترام الأكبر سنا
وذكر الرفاعي ما قاله الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ لعبد الله بن عباس‏(‏ كبر‏)‏ اي احترم الأكبر منك سنا‏,‏ وقال ــ صلي الله عليه وسلم ــ ايضا‏(‏ أنزلوا الناس منازلهم‏)‏ مشيرا إلي أنه لابد أن يعلم الشباب أن ما يفعله الآن مع الكبار سيفعله معه شباب الغد في يوم من الأيام عندما يكبر ويصل إلي مرحلة الشيخوخة والتاريخ ذكر لنا ان عبد الله بن عباس ابن عم النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ كان يركب حمارا فتقدم عبد الله بن مسعود وهو من علماء اهل زمانه وأخذ بزمام الحمار فقال بن عباس يابن مسعود يا فقيه الأمة اترك حماري فقال ابن مسعود هكذا أمرنا ان نفعل مع آل بيت نبينا ــ صلي الله عليه وسلم ــ فنزل بن عباس من علي الحمار وأمسك بيدي بن مسعود وقبلها وقال هكذا أمرنا ان نفعل مع علمائنا فهذا إن دل فإنما يدل علي مدي احترام الآخرين والصحابة لبعضهم البعض ويجب أن يتخذ الشباب والفتيات من ذلك قدوة لهم في كيفية التعامل مع الآخرين‏.‏

الأخلاق الفاضلة
ومن جانبه أكد الدكتور عبد الحميد عز العرب الأستاذ بجامعة الأزهر أننا في حاجة ماسة إلي الأخلاق الفاضلة والقيم الإسلامية الرفيعة التي ينبغي أن يتحلي بها كل مسلم لاسيما الشباب في عصرنا الحاضر فإننا في الواقع إذا نظرنا إلي معظم الشباب وجدناهم قد فقدوا القيم النبيلة في معاملتهم مع بعضهم ومع غيرهم فنجدهم لا يغيثون ملهوفا ولا يأخذون بيد ضعيف ولا يهتمون بأن تكون هناك علاقة طيبة بينهم وبين غيرهم وهذا كله بلاشك يتنافي مع مباديء الدين الحنيف القائمة علي التعاون بين أبناء المجتمع كلهم عملا بقوله تعالي‏(‏ وتعاونوا علي البروالتقوي‏)‏ وأيضا قوله ــ صلي الله عليه وسلم كان الله في عون المرء ما كان المرء في حاجة أخيه‏.‏

وقال إن شبابنا اليوم يفتقر إلي القيم الدينية بكل ما تحويه هذه الكلمة من معني ولاشك ان اهتمام الشباب والفتيات بالقيم الدينية له أثره علي المجتمع وعلي الأمة بأثرها فالشباب هم عدة الوطن والأمل المنشود في بناء المستقبل وشباب بلا قيم ومباديء كشجر بلا ثمر لذا لابد ان يكون لدي الشباب من الغرس الديني ما يمكنه من التغلب علي ما يعانيه في الوقت الحاضر ولا ينبغي أن يتخذ الشباب من بعض التحديات التي تسود في ذلك العصر علة او وسيلة للبعد عن الدين او فعل التصرفات العشوائية التي نجدها من هنا أو هناك تحت
مسمي الحرية أو أي مسمي آخر من المسميات التي نجدها منتشرة علي الساحة في هذا العصر‏.‏

الواقع العملي
‏*‏ أما الدكتور عبد المهدي عبدالقادر الأستاذ بجامعة الأزهر قال إن الغرض من قول‏(‏ الدين المعاملة‏)‏ أن الحياة ليست بالكلام الطيب أو المظهر الطيب فقط ولكن الواقع العملي الذي يدل علي سلامة المخبر مع جمال المظهر مؤكدا أن شباب اليوم عليه أن يتعامل مع الآخرين معاملة جادة في إطار الأخلاق الكريمة وأن يتجنب الأفعال السيئة مثل قيادته السيارة بسرعة زائدة واصطدامه بالآخرين وكذلك إذا أراد أن يأخذ أو يعطي يكون بأسلوب مهذب ودرجة عالية من الالتزام وأن يتقن عمله مؤديا رسالته في المجتمع كما ينبغي أن يكون أما ما نراه من شباب اليوم من قيامهم بالإساءة إلي أنفسهم قبل الإساءة إلي الآخرين شيء مخزي ويجب أن تتقي الشاب الله ويتخلي بالأخلاق الطيبة وإذا أراد أن يتحدث مع شخص آخر فليتحدث بأسلوب لائق ويطبق قول الرسول صلي الله عليه وسلم من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه فليس منا وقال أيضا‏(‏ ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه‏)‏
وناشد الدكتور عبد المهدي الشباب والفتيات كل علي حدة سواء أن يتخلقوا بالأخلاق الكريمة وأن يسيرا علي خطي الكرام حتي تكون الحياة ذات مذاق طيب‏.‏

*‏ وقال إنني لست راضيا عما يحدث من الشباب والذي يعتبر رهقا يؤدي إلي شقاء الصغير والكبير وكذلك نجد بعض الأسر علي بركان ممكن أن ينفجر في أي وقت وهذا إن دل فإنما يدل علي توتر علاقات الناس مع بعضهم البعض التي تعتبر في غاية الاضطراب والكآبة مطالبا الشباب بالتحلي بالاخلاق وضبط النفس علي المكارم ولا داعي لكثرة الضجيج‏.‏

حصر معني الدين
‏*‏ وقال الدكتور عبد العظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر أن الحديث النبوي الدين المعاملة المراد منه حصر معني الدين في أساليب التعامل مع الناس علي اختلاف منازلهم والمعني العام الذي يحمله أن المتدين الحق من الناس لا يعرف بكثرة العبادة كالصلاة والصيام والحج والاعتماد وإرخاء اللحية وحمل المسبحة في يده والإكثار من قال الله وقال الرسول صلي الله عليه وسلم وإظهار علامات الصلاح هذا كله ليس مقياسا لمعرفة المتدين من غير المتدين‏,‏ وإنما المحك الحقيقي الذي يعرف به صلة الآخرين بالدين هو أساليب المعاملة التطبيقية الحسنة الصادقة مع الناس عامة لا يخص بها أفرادا دون آخرين بل هي سلوكه اليومي مع كل من يتعامل معه كالإحسان إلي الجار والزميل مع العمل والمحافظة علي الوفاء بالوعد إذا وعد والصدق في القول وأن يحب للناس ما يحبه لنفسه‏,‏ وأن يعطي كل ذي حق حقه سواء كان مقربا إليه أو بعيدا عنه وأن يخلص ويتفاني في أداء الواجبات عليه سواء كان واجب عمل أو علاقات اجتماعية كمواساة المصابين ورعاية الضعفاء ومديد العون لكل مكروب إن كان ذلك في استطاعته وعيادة المريض وبذل النصيحة لمن يعرفهم وألا يكون أنانيا يحب الخير لنفسه‏,‏ وأن يصون الأمانة سواء كانت مادية أو اجتماعية فلا يفشي سرا لأحد‏.‏ وألا يسخر من غيره لأي سبب من الأسباب وأن يسلم الناس من لسانه ويده وبخاصة جيرانه في السكن وزملائه في العمل وأن يحترم الكبير ويرحم الصغير ويعرف لذوي الفضل فضلهم‏.‏

ارحموا عزيز قوم ذل
‏*‏ وأضاف المطعني أنه قد جاء في الاثر‏..‏ ارحموا عزيز قوم ذل‏,‏ وغنيا افتقر وعالما ضاع بين جهال‏.‏

وأنه من أفضل ضروب التعامل التي يعرف بها الشاب أو الفتاة المتدين‏.‏ ألا يتدخل في مالا بعينه من الأمور إلا إذا دعي للدخول فيها كأخذ رأيه والإسهام في حل المشاكل التي تنشأ بين أي أحد‏.‏ وفي هذه الحالة يجب أن يكون أمينا في النصح وإبداء الرأي صادقا في إزالة الخلاف بين من استدعوه لحل مشكلاتهم

*‏ وأوضح أن الإسلام وضع فيما ومباديء لتنظيم السلوك الرفيع والمعاملة السامية ومن ذلك المبدأ الذي يقول‏:‏ عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به هذا المبدأ هو أرقي توجيه عرفته الإنسانية فلا تعامل أحد بما تكره أنت أن يعاملك به الآخرون والمبدأ الثاني كما تدين تدان وفيه تحذير لكل إنسان من عواقب التعامل السييء‏,‏ لأن الناس يعاملون الفظ الغليظ من الناس بالفظاظة والغلظة وكذلك مما وضعه الإسلام‏:

‏ ان تحب لأخيك ما تحبه لنفسك أو علي الأقل لا تتمني له الشر والمصائب حتي لو كان عدوا لك فإن الله عز وجل يجزيك علي الإحسان إلي من أساء إليك مشيرا إلي قول بعض الحكماء أحسن إلي الناس تستعبد قلوبهم‏.‏

*‏ وأشار إلي أن الآباء والأمهات عليهم أن يغرسوا هذه المبادئ في نفوس أبنائهم لأن من شب علي شيء شاب عليه وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم تبرز قوتهم علي حسن المعاملة صغارا لتكون خلقا لهم وهم كبار‏,‏ ومما عرف عن شباب الصحابة أنهم كانوا يلتزمون الصدق وتوقير الأكبر سنا منهم‏,‏ حتي أنهم ما كانوا يتحدثون في مجالس الكبار تأدبا معهم إلا إذا طلب من أحدهم الحديث وعلينا جميعا بالحياء الذي يقول فيه المصطفي صلي الله عليه وسلم الحياء كله خير الحياء لا يأتي إلا بالخير‏.‏

*‏ وأخيرا ليس بآخر نقول لكل شاب وفتاة انه يجب أن يتحلي كل واحد منكم بالأخلاق الكريمة التي كان عليها شباب الصحابة رضوان الله تعالي عنهم وأرضاهم ولا تجعلوا متغيرات العصر تطغي علي مبادئكم التي يجب أن لا تتغير فتقلل من احترامكم لذاتكم وغيركم واعلموا جيدا أن المرء كما يدين يدان‏..‏ وأن ما تفعلونه اليوم من خير أو شر في شبابكم يردإليكم عند هرمكم وسرعان ما تمر الأيام وتمضي دون أن تدري فبالأمس القريب كنت جنينا في بطن أمك ثم أصبحت طفلا ثم ترعرعت وصرت شابا يافعا أو فتاة يافعة وسرعان ما تمضي الأيام وتصبح شيخا كهلا لا تقدر علي الحركة فاعمل لهذه الأيام واعلم أن الأيام تمر وتنقضي وأن هذا من عمرك وإن الملذات والشهوات لتلدغ روحك وجسدك ولن تدري إلا وأنت بين يدي رب العباد فاعمل لهذه اللحظة قبل أن يفوت الآوان وتندم وقت مالا يفيد الندم‏.‏


منقول


محمد رافع 52 13-12-2012 07:44 PM

أهمية الوحدة في الإسلام
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي شرع لعباده شعائر الدين، وجعل فيها تأليفا بين قلوب عباده المؤمنين، سبحانه هو الإله الواحد الفرد الصمد، الذي }لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ (الإخلاص/ 3 ـ 4)، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، فكانت أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار علىنهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا عباد الله }اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ (آل عمران/ 102 ـ 105)، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مدنيا بطبعه، اجتماعيا بفطرته، فلذلك كانت مصالح البشر متشابكة، ومنافعهم متداخلة، ولا يستغني أحد عن أحد مهما أوتي في هذه الدنيا من سلطان وجاه، وقوة ومال؛ ذلك من أجل أن يتعاون الناس على القيام بأعباء الخلافة في هذه الأرض؛ فإن الناس جميعا مستخلفون في هذه الأرض، ومؤتمنون على دين الله سبحانه وتعالى، فعليهم أن يتعاضدوا على هذا الخير، وأن يتعاونوا على هذا البر، وقد حض الله تبارك وتعالى على التعاون، فقد قال عز من قائل: }وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{(المائدة/2).
هذا.. ونجد في كتاب الله سبحانه من الآيات البينات الدالة على وجوب الوحدة والتآلف، والقضاء على أسباب التنافر والاختلاف؛ ما فيه تبصرة للعباد، فقد سمعتم ما سمعتموه من آيات الله تبارك وتعالى التي نزلت في سورة آل عمران تدعو إلى الاتحاد كما تدعو إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وسمعتم فيها ما سمعتموه مما يدعو إلى نبذ أسباب الفرقة وما فيه من التحذير البالغ من كل ما يؤدي إلى التشتت والاختلاف، وقد بين الله سبحانه عاقبة التفرق والاختلاف عندما قال وهو أصدق القائلين: }وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{ (الأنفال/46)، والله سبحانه وتعالى أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالدعوة الجامعة التي تؤلف هذه القلوب بعد تنافرها، وتجمعها بعد شتاتها، وقد ألف الله سبحانه بعبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بين طائفتي المهاجرين والأنصار، فكانوا أمة واحدة متحدة في آلامها وآمالها، في عقيدتها وعباداتها، في مبادئها وغاياتها، كل قلب من قلوب أبنائها ينبض بما تنبض به القلوب الأخرى، كانوا متعاونين على الخير، متآمرين بالمعروف، متناهين عن المنكر، وقد قضى الله سبحانه بهذه الدعوة التي بعث بها عبده ورسوله صلى الله عليه وسلمعلى ما كان بين طائفتي الأنصار الأوس والخزرج من الخلاف والشقاق، وقد امتن الله سبحانه على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم مظهرا للناس إعجاز هذا الدين الحنيف وآيات قدرته سبحانه عندما قال: }لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ{ (الأنفال/63)، ونجد أن النبي صلى الله عليه وسلميحض على هذه الوحدة، فهو يحذر عليه أفضل الصلاة والسلام من كل ما يدعو إلى الفرقة والخلاف والنزاع بين الناس، فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم، لا يسلمه ولا يخذله ولا يحقّره، بحسب امرئ من الشر أن يحقّر أخاه المسلم»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، ويقول صلى الله عليه وسلمفي وصف المؤمنين أيضا: «يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم».
جاءكتاب الله بما يدعو إلى القضاء على أسباب الفرقة والخلاف والتحذير البالغ منها، فإن الله سبحانه وتعالى يقول:}إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ (الحجرات/10)، ثم إنه سبحانه يقول إثر ذلك: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ{ (الحجرات/ 11 ـ 12)، ثم يبين للناس جميعا من أين منشؤهم، ومن أين تناسلوا، فهم أولاد أب واحد وأم واحدة، لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى، فلا داعي إلى التعالي بالأنساب والأحساب؛ لأنها لا زنة لها عند الله سبحانه وتعالى، فالله تعالى يقول: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ (الحجرات/ 13) فتقوى الله هي ميزان التفاضل بين الناس، وبحسب ما يكون المؤمن عليه من تقوى الله تكون منزلته من الله سبحانه، فمن كان أكثر اتقاء لربه، وعملا بأمره سبحانه، وازدجارا عن نهيه؛ كان أقرب إلى الله، ومن كان بخلاف ذلك كان أيضا بخلاف ذلك.
وقد شرع الله تعالى هذه العبادات التي شرعها من أجل جمع الشمل، وتأليف القلوب، وتوحيد الصف، ورأب الصدع، فإن الله سبحانه وتعالى شرع كل عبادة من العبادات من أجل هذه الأمور السامية التي تؤدي بالعباد إلى الاتحاد في ظل العبودية لله، فقد شرع الله سبحانه وتعالى الصلوات الخمس، وشرعها في الجماعات من أجل تأليف القلوب حتى يكون الاتجاه من قبل العباد إلى الله اتجاها واحدا، فالناس مطالبون بأن يتجهوا إلى ربهم سبحانه وتعالى اتجاها واحدا، لذلك علمهم الله سبحانه في السورة التي يكررونها في الصلاة في كل يوم وليلة سبع عشرة مرة على الأقل أن يقولوا }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ (الفاتحة/5)، فهم يوجهون العبادة إلى الله بصيغة جماعية لا بصيغة فردية؛ لأن كل إنسان مطالب بأن يكون جزءا من كل، فالكل بمثابة الإنسان الواحد، وشرع الله سبحانه صلاة الجمعة من أجل ما فيها أيضا من الخير العظيم، والبر العميم، وقد حض على المسارعة إليها عندما قال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{ (الجمعة/9) وشرع الله سبحانه أيضا الزكاة لما فيها من دفع الخصاصة عن الفقراء، والتأليف بين قلوبهم وقلوب الأغنياء، واستلال الأحقاد والسخائم من قلوب هؤلاء الفقراء، وجعل قلوب الأغنياء تفيض بالمرحمة، وتفيض بعواطف الإحسان اتجاه إخوانهم الفقراء، وشرع الله سبحانه وتعالى الصيام، وأنتم الآن على أبواب شهره الكريم لهذه الغاية السامية؛ فإن في الصيام تعويدا للنفوس على الصبر، وتذكيرا لأولي اليسر بحاجات ذوي المسغبة، وجعل الله سبحانه وتعالى في الصيام روحانية بالغة، فلذلك كان الصوم من جملة أسباب تفجير مشاعر الرحمة في نفوس الناس، وعطف قلوبهم بعضها على بعض، وقد بين الله تعالى الغاية من الصيام في قوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ (البقرة/183)،وكذلك شرع الله سبحانه الحج من أجل هذه الغايات السامية، فهو ملتقى عظيم يجمع بين عباد الله المؤمنين الذين تلتقي وفودهم من كل فج عميق في ذلك الحرم الآمن والبلد الأمين في رحاب الله الطاهرة؛ حيث تعج ألسنة الناس جميعا بلسان واحد داعية الله سبحانه، معلنة التلبية لندائه، والاستجابة لأمره، فإذاً يجب على المؤمنين جميعا أن يتعاونوا على الخير، وأن يكون كل مؤمن أخا للآخر؛ بحيث لا يفصل بينه وبينه أي فاصل، يتحدان في المشاعر والأحاسيس، والآمال والآلام، كما يتحـدان في العقيـدة والعبادة.
فاتقوا الله يا عباد الله، واحرصوا على ما يقربكم إلى الله تعالى زلفى }وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{(آل عمران/ 133 ـ 135).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البرّ الكريم.
* * *
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب، وأستغفره وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله }وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{ (البقرة/281)،وليتزود كل أحد منكم من يومه لغده، ومن حاضره لمستقبله، ومن حياته لمماته، ومن دنياه لآخرته، ومن يسره لعسره، واعلموا أن الناس تسير بهم ركابهم سيرا سريعا إلى الدار الآخرة التي إليها المنتهى، وإليها الترحال، وقد جعل الله تعالى في العبادات الدورية التي تتكرر بتكرر العام، والتي تتكرر بتكرر اليوم تذكيرا للناس بمضي هذه الأوقات؛ ليحاسب الإنسان نفسه عند كل عبادة من هذه العبادات، فالصيام مثلا في كل عام يذكر الناس بمرور العام، ويذكرهم بإقبال عام جديد، ومن أجل ذلك كان الواجب على كل من يستقبل شهر رمضان المبارك أن يستقبله بالتوبة ومحاسبة النفس، والرجوع إلى الرشـد، والعض بالنواجـذ على الخير.
فاتقوا الله يا عباد الله، وصلوا أنفسكم بالله، وصلوا أنفسكم بإخوانكم المؤمنين بالترابط معهم برباط المودة والإخاء، واتقوا الله في سريرتكم وعلانيتكم.

محمد رافع 52 13-12-2012 08:10 PM

المضمون الأخلاقي للوحدة الإسلامية
الشيخ محسن عطوي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الميامين وأصحابه المنتجبين.
يعتبر الصوت الذي أطلقه تجمع العلماء المسلمين في لبنان, منادياً بوحدة المسلمين وداعياً إليها واحداً من الأصوات المميزة والقليلة التي أصبحت تحرص على هذا الأمر في عالم المسلمين.. فإن أعلى صوت يرتفع هو صوت هذه الجماعة من العلماء التي تعيش الوحدة حالة واقعية وتترجمها مسلكاً عملياً فيما تمارسه من أعمال وفيما تصدت له من مواقف.
ولست في مقام المدح بقدر ما أنا عليه في مقام استشراق الواقع الذي هو مليء بالثقوب والأمراض, بحيث أصبح معظم المسلمين منسحقين أمام العديد من المشكلات والأعداء, ومن العجيب إغفال مسألة الوحدة وغياب الطرح الجاد في معظم وسائل الإعلام.. سيما المجلات الفكرية ذات الطابع الإسلامي التي تصدر في العديد من الدول المسلمة.
والذي يبدو أن ثمة عملاً مباشراً لاستئصال هذه النزعة الفطرية التي تتطلع لها شعوب العالم الإسلامي من قبل الحكومات الحائرة التي تحكم هذه الشعوب, ومن قبل العديد من المفكرين المشبوهين المصادرين, وهذا يعني أنها أحد الأسلحة الماضية التي يمكن استخدامها في رفع مستوى وعي الأمة وفي تمكينها من الدفاع عن نفسها أمام هجمات الأعداء وهو أمر قد ضلع به الاستعمار وأدواته منذ زمن بعيد لإضعاف جماعة المسلمين وتفريق صفوفهم, بل هو أمر مؤسف مارسه السلاطين وعلماء السوء فيما مضى من عهد المسلمين الغابر, وهذه الحقيقة جديرة برفع التعجب السالف, ووضع المسلم المخلص أمام عري الحكام وزيفهم لتأكيد ضرورة إزالة هذه الحقبة من أمام التيار الثوري المخلص.
وحتى إذا طرحت مسألة الوحدة في كتابات بعض المفكرين.. فإنك لا تجد فيها روح الإخلاص والنصيحة, والحرص على الوصول بها إلى مرتبة الحقيقة المعاشة, بل تطرح بنحو خاو من الحيوية والمعاناة.. وتجعلها أقرب إلى الترف الفكري منها إلى الدواء الناجع, وإذا وجد الإخلاص في طروحات البعض الآخر فهو قد ينطلق من تصورها موقفاً سياسياً خاضعاً للظروف الآنية التي تعيشها الساحة ليكون في الوحدة الإسلامية لوناً من التحالف الضروري لمواجهة الخصوم, الأمر الذي ينزع عنها نقاءها الرسالي المبدئي بوصفها واحداً من الأركان المهمة في مجتمع المسلمين وقلوبهم, والأمر الذي يجعل هذا المفهوم آنياً سطحياً يبقى ما بقيت الظروف ثم يزول بزوالها لتكون الوحدة مجرد علاج عابر لا حالة صحية دائمة ثابتة.
ولم تقف هذه الروح عند صانعها بل تعدتهم إلى جمهور الناس الذي يأنس بهذه الطروحات ويبتسم لها في المهرجانات والمواقف العامة.. فإذا خلا إلى نفسه وإلى بني ***ه تبرز كل الظواهر التي يبطنها هذا المسلم في ذاته على الآخرين من مذهب الآخرين, وكذلك تبرز هذه الظواهر قوية عند حصول أدنى انتكاسة أو فتنة, بل حتى عند غياب الذكر بهذه الوحدة, والجمهور إنما يخلص ويتأثر بقدر ما يخلص الواعظ والداعية.. حيث تثبت الفكرة في القلوب بقدر ما تكون صادرة عن قلب الداعية وعمق وجدانه.
وليس ما يدعى إليه من قبل التيار الإسلامي المؤمن هو مجرد انسجام مع الوحدة الإسلامية كموقف سياسي آني.. حتى لو فهمها البعض كذلك, لأن مفهوم الوحدة الإسلامي جزء من آثار المعتقد والأيديولوجية الإسلامية.. بل هي ركن من عموم الفكر الإسلامي... يقاس به سلامة الانتماء إلى الإسلام عند وضع الموازين, فمن لا يعيش هذا المفهوم في وجدانه وفي مسلكه لا يكون متمثلاً لتعاليم الإسلام, وبعد ذلك منقصة ولون من ألوان الانحراف, ولسنا مضطرين لنسوق الأدلة على هذا الأمر عندما نملك بديهة الانتماء إلى دين واحد تقل فيه الأمور التي نختلف عليها, وما كانت مقاس الوحدة في أي أمر من الأمور تعني ضرورة التوافق في الرأي.. والتحول إلى نسخة مكررة ينعدم فيها الاختلاف والتمايز.
هذه البديهة مسلمة عند الجميع.. وعلى أساسها يتم التعامل حتى بين المختلفين في الرأي داخل المذهب الواحد, أو بين المذاهب المختلفة المنضوية في إطار عقائدي واحد, وليس يعني هذا القبول للاختلاف، إلا أن النفس قد تربت على المودة لهذا الفريق المعين والتجاوز النفسي لنقاط الخلاف معه حيث يتأكد القبول له والتعاون العفوي معه والارتباط الطبيعي به, وهذا المرتكز الأخلاقي (المودة) هو جوهر التضامن الاجتماعي وأساس وحدة الجماعة الإسلامية, وبقدر ما تنمو في ذات الفرد وتتعزز من خلال تقوى الله تعالى بقدر ما تتوثق عرى الوحدة وتصبح أمراً عفوياً في حياة الفرد والجماعة.
وبملاحظة هذا الأمر أيضاً لا يصبح لكثير من المقولات أهميتها, من قبل ضرورة وحدة القيادة أو وحدة الفتاوى الفقهية.. أو وحدة المرتكزات العقائدية.. أو غيرها لأن مثل هذه الأمور لا تخلق وحدة نفسية ذات مرتكز أخلاقي, بل هي تساعد على إزالة الحواجز لثبات هذا المرتكز الأخلاقي وللتأكيد على ذلك نرى أن أفراداً من أسرة واحدة من بلد واحد من مذهب واحد, يتباغضون ويتنافسون عندما يفقدون الإحساس بالمودة كموقف أخلاقي من الآخرين, وعلى عكسه نرى مؤمنين تقيين يتحابان في الله مهما تباعدت المواطن أو اختلفت الأذواق.
والذي يظهر من الآيات الكريمة في مسألة الوحدة قد يؤكد ما نذهب إليه, ففي تأكيد الآية الكريمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ولو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم﴾ على أن التأليف الذي حصل بين قلوب المسلمين إنما هو من الله تعالى.. في هذا التأكيد يشير إلى أن مسألة التآلف والوحدة إنما هي مسألة نفسية أخلاقية تنبع من المحبة للمؤمنين حتى حدود القبول بالتضحية في سبيلهم, في الوقت الذي لا يهتم بهذه الآية الكريمة بأثر لقيادة النبي المجمع عليها.. ولا العقيدة التي لا خلاف فيها.
ونفس هذا المعنى يبدو من الآية الثانية ﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً﴾ حيث يتم التأكيد على دور العناية الإلهية في هذا الأمر.
وأعود للتأكيد بأني لا ألغي دور الأمة الأخرى في قضية الوحدة.. ولكني أرى أن جماع هذه الأمور وأساسها هو هذه المودة التي يجب على المؤمن أن يجاهد نفسه ليحصلها.. ليس على صعيد علاقته بإخوانه من أبناء المذهب الآخر بل أيضاً على صعيد علاقته بأسرته وأرحامه وأتباع مذهبه, حيث هي سمة إيمانية تعز على التحصيل إلا عند من بلغوا الإيمان في ركنية تقوى الله ومكارم الأخلاق، وهي تظهر في انعكاساتها.
رغبة في الخير للآخرين, وإخلاصاً في النصيحة لهم, حيث يكون في التعاطي الفكري والعملي إصرار على الوصول إلى مرتبة الكمال.
احتراماً للخصوصيات الفكرية والمزاجية تاتجاً عن الاحترام الحقيقي لذات هذا المسلم فينعكس هدوءاً في المحاورة.. وتقديراً لرأي ورغبة في التعرف على الحق.. وتركاً للدخول في كل ما يسيء.
استعداداً للتضحية في سبيل الآخرين, بعد زوال الغل وأسباب النفرة والتباغض من داخل النفس.
وحصول هذه الأمور هو كل المطلوب من أجل وحدة رائعة باقية, تعز على الفتن والهزات وتبقى معيناً للموقف السياسي الذي لا يتم في الفراغ وإنما ينطلق من مرتكزات ثابتة راسخة تعطيه النجاح والسداد.
ومن هنا يبرز الدور المهم لكل العاملين وللمؤسسات والمشرفين عليها, حيث يجب التشديد على غرس هذا الأمر بكل السبل المتاحة وفي مختلف الأعمار لينشأ المسلم في وسط يعتبر الوحدة هي الحالة الطبيعية التي ألفها، وألوان الفرقة هي النشاز الذي ينفر منه ويبعد عنه؛ وتحصل هذه عندما يرى أباه وشيخه وأصحابه يحترمون رأي الآخرين ويقدرونها, وإن ناقشوها فموضوعية تامة ليس فيها تجن ولا سباب, وتحصل عندما يتأصل في نفسه الخوف من الله والتزام تعاليمه لينعكس هذا الخوف مراقبة لله في كل أمر يسدد الإنسان ويجعله أقرب إلى الله تعالى.
ولست منكراً صعوبة الوصول إلى هذه الظاهرة الاجتماعية بدون سلطة، فإن السلطان أساس في إنحراف المجتمع وأساس في صلاحه, والسلطان الجائر لن يمكنك من تربية الناس لما تريد لأنه يريد همجاً رعاعاً ينعقون معه, وسوف تكون إحدى أولويات الصراع إزاحة هذا الحاكم من الطريق لتثني لك الوسادة ويستقيم لك الأمر, ولقد رأينا كيف أصبحت الوحدة حقيقة راهنة بعد انتصار الإسلام في إيران, وكيف سرى تطبيقها والإخلاص في طرحها إلى شعوب المسلمين ليجدد في قلوبهم الأمل في انبعاث إسلامي عام, وكم دعى الإمام الخميني إلى هذه الوحدة. فلم يجد صدى لهذه الدعوة.. حتى مَنّ الله عليه بالفتح وأسبغ عليه النصر, فأصبحت دعوته مدوية في الآفاق, ولكن ضآلة النتائج, عند غياب السلطان ينبغي أن لا تمنع من العمل الجاد للوصول إليها, سيما وأن بالإمكان تنويع الوسائل للوصول إلى الهدف, شرط أن نكون مخلصين في هذه الدعوة, وشرط أن تصدر من أعماقنا من معاناتنا, ومودتنا للآخرين.
وهذا المضمون الأخلاقي للوحدة الإسلامية هو مضمون كل أمر في الإسلام الذي كانت الركيزة الكبرى لكونه خاتم الرسالات, أنه يريد أن يتمم الأخلاق, وأنه جعل الدين معاملة, وأنه لم يعتبر إيمان المؤمن كاملاً إلا بعد كمال الأخلاق فيه, ونحن نريد الوحدة كذلك لأننا نريدها باقية ترضي الله عز وجل. وتوصل المسلمين إلى مراتب الشرف والعزة والكرامة. والله خير مأمول

محمد رافع 52 13-12-2012 08:17 PM

أهمية الوحدة بين المسلمين

هيثم جواد الحداد
ملخص الخطبة
1- وصية الفرقة التي بليت بها أمتنا.
2- حكم الوحدة الإسلامية وأدلتها.
3- التحذير من الفرقة والاختلاف وأسبابهما.
4- العقل والتاريخ يدلان على أهمية الوحدة.
5- ضوابط الوحدة التي ندعو إليها.
6- أحوال الوحدة الإسلامية.
7- المناصحة لا تمنع الوحدة والاجتماع.
الخطبة الأولى

وبعد، فإن من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة وفتكت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها، الاختلاف والتفرق، وصدق الله عز وجل إذ يقول: (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ) [الأنفال:45، 46].أيها المؤمنون، إن من أهم عوامل قومة أمة من الأمم، الاتحاد، بالاتحاد تنال الأمم مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة، بالاتحاد، تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان.أيها المؤمنون، إن تنمية الوعي بأهمية وحدة المسـلمين كما يأمرهم الإسلام هي النقطة الأساس الأولى في سبيل التغلب على الواقع المؤلم الذي أوجده هذا التفرق وأفرزته هذه الإقليمية المقيتة.لقد نقلت الإقليمية المسلمين من القوة إلى الضعف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الأخوة إلى العداوة، وولدت بينهم بؤراً بركانية قابلة للانفجار في أي لحظة.أيها الإخوة، إن أول ما نتحدث عنه في هذه الخطبة، هو حكم الوحدة بين المسلمين،قد يقول قائل: وهل يحتاج هذا السؤال إلى جواب، ثم هل يحتاج الجواب إلى برهان، وهل يحتاج البرهان إلى بيان.نعم أيها المؤمنون، نحن بحاجة ماسة إلى بيان حكم الوحدة بين المسلمين، إن واقع المسلمين اليوم، يشهد شهادة لا ريب فيها، أنهم في غفلة تامة عن حكمها، فضلاً عن عجزهم عن تطبيقها، أو السعي إليها، والقليل منهم الذي وفقه الله لإدراك أهميتها، فعمل من أجلها وجاهد في سبيل تحقيقها.
حرموا هداية دينهم وعقولهم **هذا وربك غاية الخســران


تركوا هداية ربهم، فإذا بهم **غرقى من الآراء في طوفان

وتفرقوا شــيعاً بها نهجهم** من أجلها صاروا إلى شنآن


إننا نشاهد بأم أعيننا فئاماً من إخوة لنا لا همَّ لهم إلا تفريق المسلمين، وبث بذور الاختلاف بينهم، ونراهم لاهثين في البحث عن كل ما من شأنه تشتيت ما بقي من أشلاء هذه الأمة إلى مِزق، من تجمعات محدودة لا تتطلع إلى علياء، ولا تنظر إلى أبعد من أنفها، ولا تجاوز أخمص قدميها.وإن لنا كذلك إخوة يسعون في الأرض يظنون أن الأصل أن تكون كلمة المسلمين شتى.أيها المؤمنون، إن أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة واحدة، قال الله عز وجل: (وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ) [المؤمنون:51]. ولذلك فإننا نقول: الوحدة بين المسلمين واجبة، بنصوص القرآن والسنة.لقد تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة، فتارة تأمر بالوحدة أمراِ صريحاً كما في قول الله عز وجل: (وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103].قال القرطبي رحمه الله: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة"، ورحم الله ابن المبارك حيث قال:
إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا




وأخرج الطبري عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال: (حبل الله الجماعة)في صحيح مسلم ٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)).وتارة تأمر بتحصيل أمور لا يمكن أن تحصل إلا بالوحدة: قال الله عز وجل: (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:10]، وقال جل وعلا: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) [الأنفال:1].وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)) رواه الإمام أحمد، وأصله في صحيح مسلم عن أبي هريرة.فهذه الأدلة تأمر المسلمين بالأخذ بكل ما يزيد المحبة بينهم، والنهي عن كل ما يولد البغضاء في صفوفهم، وتأمرهم صراحة بأن يكونوا إخوة، ولا يمكن للمسلمين أن يكونوا إخوة إلا إذا كانوا متحدين، فإن الأخوة ضد الفرقة والاختلاف.أيها المؤمنون، ومن أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة بين المسلمين النهي الصريح عن الافتراق والاختلاف الذي هو ضد الوحدة والاجتماع.قال الله عز وجل: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ) [الأنفال:45].قال الطبري: "يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ولا تخالفوهما في شيء، ولا تنازعوا فتفشلوا، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا وتذهب ريحكم"[1].قال الشاعر:
وفي كثرة الأيدي عن الظلم زاجر **إذا حضرت أيدي الرجال بمشهد




أخرج الطبري عن ابن عباس في قول الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]، قال: في هذا ونحوه من القرآن أمرَ الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة فنهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.عن زَكَرِيَّا بْنَ سَلَّامٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: ((أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ)) ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَهَا إِسْحَاقُ[2].وعن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجماعة رحمة، والفرقة عذاب))[3].عباد الله، قد حذر الله عز وجل هذه الأمة من محنة الفرقة وبين لهم أنـهـا هـي الـسبب الـمباشر في هلاكها فقال عز وجل: (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كـَـيْـفَ نُـصَـرِّفُ الآيَاتِ لَـعَـلَّـهُـمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65].ومن أساليب القرآن في الحث على الجماعة ـ وإن كان لا يفيد الوجوب مباشرة ـ أن الله جعل من أخص صفات المؤمنين أنهم أولياء بعض قال الله عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].والولاية ـ يا عباد الله ـ هي النصرة والمحبة، والإكرام، والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهراً، وباطناً[4].وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وقال: ((المسلم أخو المسلم)).ومن أساليب الشريعة في الحث على الوحدة بين المسلمين تحذير الشريعة من الشذوذ ومفارقة الجماعة، ففي سنن الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ : فِينَا، ثم ذكر خطبة جاء فيها ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ)).وعن أبي الدرداء وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من ثلاثة لا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية))[5].ونهت الشريعة أن يهجر المسلم أخاه المسلم، وأمرت بإفشاء المسلمين بينهم، من أجل إشاعة المحبة، وأمرت بصلاة الجماعة ولم تعذر أحداً في التخلف عنها إلا في أشد الظروف، ونهت أن يسافر الرجل وحده، وأن يبيت وحده.أيها الإخوة، لو ذهبنا نستقصي شواهد الشريعة التي تفيد بمجموعها وآحادها وجوب اجتماع كلمة المسلمين لطال بنا المقام، لكن حسبنا فيما تقدم من إشارات ما يكفي كل طالب حق ألقى السمع وهو شهيد.أيها المؤمنون، ولولا أن الاتحاد ذو منافع عديدة، وفوائد كثيرة، لم يوجبه الله عز وجل، ولهذا فإن وجوب الوحدة بين المسلمين يستدل عليها بالعقل الصحيح مع النقل الصريح الصحيح.إن العقلاء من كل ملة ونحلة في القديم والحديث اتفقوا على أن الوحدة سبيل العزة والنصرة، فهذا معن بن زائدة الذي وصفه الذهبي بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام وعين الأجواد يوصي أبناءه عند وفاته بقوله:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا



تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا


أيها المؤمنون، إن التاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها التفرق والاختلاف، سقطت الخلافة العباسية بعد أن تفرقت الدول الإسلامية في ذلك الوقت، فنشأت الدولة البويهية، والمماليك، ودويلات الشام، ولم يبق للخلافة العباسية إلا مزع متفرقة متناثرة من العالم الإسلامي، فلما زحف المغول إلى بغداد لم يقف في وجه زحفهم غير أهل بغداد فقط، فأعملوا فيهم ال*** حتى ***وا أكثر من ثمانمائة ألف نسمة، كما قال غير واحد من المؤرخين.وسقطت الدولة الإسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلات متفرقة متناحرة، لا همّ لأحدهم سوى التلقب بألقاب الملك والسلطان حتى ولو كان على بقعة لا تجاوز حظيرة خراف.
مما يزهدني في أرض أندلس أسمــاء معتضـد فيها ومعتمد



ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد


ولم تسقط الدولة العثمانية إلا بعد أن تمزق جسدها إلى أشلاءَ متناثرة، وبعد أغرى الصليبيون الجدد بعض زعماء المسلمين بالانفصال عنها، وأحسنوا اتقان العمل بقاعدة: فرِّق تسُد، وهاهو العالم الإسلامي اليوم منقسم إلى دويلات متناحرة، تعيش على هامش التاريخ، وتتجرع ألوان الهوان.
صوت الشعوب من الزئير مجمعا فإذا تفرق كان بعض نباح




إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق، فالفرقة تجعل هلاك الأمة بيد أبنائها في سلاسل من الحروب في غير معركة، وانتصارات بغير عدو.
ألم تر أن جمع القوم يخشى وأن حريم واحدهم مبـاح



إن الغرب النصراني أدرك أن وحدة أي أمة من الأمم ـ سواه ـ خطر عليه، فأوروبا لم تستطع كتمان حلمها في تفكك الاتحاد السوفيتي الذي يمثل خطراً حضارياً، عسكرياً عليها، فساندت بكل قواها حركات التحرر التي قامت بها دويلاته، حتى استراحت من أحد مصادر القلق الذي كان يؤرق راحتها، وبقي لها عدو آخر هو التحدي الذي يمثله العالم الإسلامي.إن العالم الإسلامي بتفرقه وتنازعه لا يشكل أي هاجس خوف لأحد، لكن العالم الغربي الصليبي يخشى أن يستيقظ المسلمون من نومهم، فيسارعوا إلى الأخذ بأسباب القوة، والعودة إلى الوحدة.وتجنباً لذلك فإنه يحاول بكل جهد أن يقضي على كل منفذ يمكن أن يسلكوه، فيعود بهم إلى سابق عزهم وسالف مجدهم.وصدق الله عز وجل إذ يقول: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا) [آل عمران:120].قال قتادة: الحسنة هي الألفة والجماعة، والسيئة: الفرقة والاختلاف.إن الغرب النصراني يعمل جاهداً على تغذية كل سبب يغذي الفرقة بين المسلمين، ويكرس تباعدهم، ويزيد من تناحرهم.لقد كثر الحديث عن دويلة في شمال العراق، وآخرى في جنوب السودان، ودويلات في جنوب لبنان، ولم يغمض لأوروبا جفن إلا بعد انقسمت البوسنة والهرسك، وبدأت بقع من اندونيسيا بالانفصال، وهكذا.وفي المقابل ها هي أوروبا تسعى بكل ما تستطيع لتحقيق أكبر قدر من الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لقد سارعوا بعد أن طحنتم حروب ضروس في الحربين العالمية الأولى والثانية، إلى الاستعلاء على الخلافات الشخصية وتناسي أحقاد الماضي، وتجاوز الفوارق العقدية، وصهر حدود الفرقة.أيها المؤمنون، هذه الحقائق عن المصالح التي تؤدي إليها الوحدة، وهذه المفاسد التي تدفعها من أدلة وجوب الوحدة، فالشريعة الإسلامية جاءت لتحصيل مصالح العباد في الدارين، وتحصيل هذه المصالح يكون بتحقيق أي أمر يجلب المصلحة، ويدفع المفسدة، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.وعليه فإننا نقول: إن وجوب تحقيق الوحدة بين المسلمين ثابت بنصوص الكتاب والسنة المتضافرة المتآزرة، وهذا الوجوب ثابت أيضاً بالعقل والنظر الصحيح.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً، وأن لا يتفرق، هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي صلى الله عليه وسلم: في مواطن عامة أو خاصة، مثل قوله: ((عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة))، وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة بل وفي غيرها هو التفرق والاختلاف، فإنه وقع بين أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما الله به عليم ـ وان كان بعض ذلك مغفوراً لصاحبه لاجتهاده الذي يغفر فيه خطؤه، أو لحسناته الماحية، أو توبته، أو غير ذلك ـ لكن ليعلم أن رعايته من أعظم أصول الإسلام[6].

محمد رافع 52 17-12-2012 10:55 AM

ما هو موقف الإسلام من ترويج الشائعات؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد ندب دين الإسلام إلى الصدق وحذر من الكذب، فقد ثبت عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» رواه البخاري ومسلم.
والشائعات من أخطر أنواع الكذب ، وقد جاء التحذير النبوي من (قيل وقال)
قال ابن كثير: "وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة: "أن رسول الله نهى عن قيل وقال"، أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تَثبُّت، ولا تَدبُّر، ولا تبَيُّن"
كما أن الإسلام يحث المسلم على التثبت من مصدر معلوماته ويحذر المسلم من جهالة المصادر التي يتلقى عنها أخباره، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [الحجرات/6]
وفي سورة النور سمى الله سبحانه وتعالى الشائعة التي نالت من عرض أمنا أم المؤمنين عائشة بالإفك قال تعالى:إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْم [النور/11]
وقال تعالى:" لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور/12] .
وقد جاء تحذير النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين من انسياقهم للشائعات فقال صلى الله عليه وسلم:"كفى بالمرء كذبا (وفي رواية : إثما) أن يحدث بكل ما سمع "
ويجب على المسلم إذا بلغه أمر لم يتحقق من مصدره:
- عدم إشاعته؛ لأنه قد يكون من الكذب كما بينا
- أن يطلب برهان هذا الخبر كما علمنا الله في سورة الحجرات .
والإشاعات إنما تروج في زمن الفتن والاضطرابات وهنا نهيب بمن يمتلك الآلة الإعلامية أن يخرج للناس بالأخبار الصحيحة الموثقة حتى يقطع دابر الشائعات ويقطع على الناس في الوقوع فيها.
والله أعلم.

محمد رافع 52 17-12-2012 11:01 AM

الشائعات وخطرها


د. مهران ماهر عثمان


بسم الله الرحمن الرحيم
الشائعات وخطرها


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فقد ندب دين الإسلام إلى الصدق وحذر من الكذب، فقد ثبت عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» رواه البخاري ومسلم.
ومن أخطر صور الكذب إطلاق الشائعات:
وهذا النوع من الكذب يستخدمه أعدؤنا لتدمير الشعوب، ويسمونه بأسماء كثيرة، منها: حرب الأعصاب، والحرب النفسية.
ومما يدل على أنه من أنواع الكذب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه مسلم.
وروى في المقدمة قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ».

نماذج من الشائعات التي أضرت بالأمة:
1/ شائعة إسلام أهل مكة لما هاجر المسلمون إلى الحبشة، فرجع بعضهم، فأسروا وعذبوا.
2/ شائعة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم *** يوم أحد، فعلا الهم الصحابة وتمكن الغم منهم، وتسربت إليهم روح الهزيمة وأوهنت قوتهم، فمن واقف لا يدري ما يفعله، ومن معتزل للمعركة فارٍّ من أرضها، ومن يائس من الحياة قائل: "ما فائدة العيش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
3/ شائعة حمراء الأسد التي حكاها القرآن }إنَّ الناس قد جمعوا لكم{ [آل عمران/173].
4/ شائعة الإفك.
ولا تسأل عما ترتب من أثر سيء عليها!!
فرسول الله صلى الله عليه وسلم نزل به من الهم ما جعل عليا يشير عليه بطلاق زوجه.
وأبوها وأمها أسكتتهما الحادثة وأحاط بهما همٌّ عظيم.
وعائشة فارقها النوم، ولازمها البكاء، حتى أقحطت به عينها وجفت مآقيها.
ولحق بالصحابة الذين أدّبوا أنفسهم بما أنزل الله بعدُ في الآية }لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً{ [النور/12] حزن عميق وأسى عارم. ولقد قال الله تعالى في شأن هذه الشائعة: }إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ{ [النور/15].
5/ شائعات في الحجاز ومصر والمغرب عن عثمان رضي الله عنه أنه لم يشهد بدراً، وفر من أحد، ولم يبايع ...إلى آخر ترهات أجاب وأفاد بشأنها ابن العربي في العواصم من القواصم رحمه الله.
فلما فشت هذه الأخبار، وانتشرت في الآفاق جمعت الغوغاء، فكانت سبب ***هم له رضي الله عنه وسخط ولعن من ***ه.

التحذير من الشائعات:
إطلاق الشائعات فعل من لا خلاق له، وقد أعلمنا ربنا في كتابه أن ذلك من خلال الكافرين المكذبين بيوم الدين.. فلقد أشاع قوم نوح عنه أن همَّه لفتُ النظر إليه والتفضل على قومه، وأشاع قوم هود عليه السلام أنه سفيه؛ ولقد علموا أنه أعقلهم وخيرهم وأنهم أولى بذلك منه، وأشاع فرعون عن نبي الله موسى: }إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِه{ [الشعراء/35]. ولا يخفى على مسلم ما قاله أعداء الله وأشاعوه من شأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم!
ومن أجل ذلك نهى شرعنا وحذر من إطلاق الشائعات..
قال ابن كثير: "وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال. أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تَثبُّت، ولا تَدبُّر، ولا تبَيُّن" .
وفيما يتعلق بالأعراض والقذف جاء هذا التحذير: }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{ [النور/19]. ومعنى الآية: إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية، ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله- وحده- يعلم كذبهم، ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا تعلمون ذلك. وفي حديث أسماء بن يزيد رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى». ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ» رواه أحمد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس مطية الرجل زعموا» رواه البخاري في الأدب وأبو داود.
قال البغوي رحمه الله: "إنما ذم هذه اللفظة لأنها تستعمل غالبا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، إنما هو شيء يحكى على الألسن، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ليتوصل به إلى حاجته من قولهم: زعموا، بالمطية التي يتوصل بها الرجل إلى مقصده الذي يؤمه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتثبت فيما يحكيه والاحتياط فيما يرويه، فلا يروي حديثا حتى يكون مرويا عن ثقة" شرح السنة (3/413) .

ما يجب على المسلم إذا بلغه أمر:
- عدم إشاعته؛ لأنه من الكذب كما مر معنا.
- مراقبة الله، فلا يشيع خبراً، ولا يسيء ظناً، ولا يهتك عرضاً، ولا يصدق فاسقاً.
طلب البرهان والتثبت. وهذا ما ندب الله تعالى إليه في كثير من آي القرآن، قال تعالى: }لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء{ [النور/13]، وقال: }وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا{ [النساء/83]، والمعنى: وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه متعلقًا بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين، أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان، أفشوه وأذاعوا به في الناس. ومعنى قوله: }يستنبطونه{، أي: يستخرجونه ويستعلمونه من معادنه، يقال: استنبط الرجل العين، إذا حفرها واستخرجها من قعورها. وقال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا{. وفي السنة الصحيحة: «التأني من الله والعجلة من الشيطان» رواه أبو يعلى، و«التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة» رواه أبو داود.
ومن أشد الأحاديث تحذيراً من إطلاق الشائعات حديث الرؤيا في صحيح البخاري رحمه الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلين، رجلا قائما على رأس رجل، وعند القائم كلوب مِنْ حَدِيدٍ، وكان يدخل الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ». فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم لما سأل عن ذلك: «هذا –الذي يُعذب- يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ».
أسأل الله أن يعمر بالإيمان قلوبنا، وأن ينزه ألسنتنا من كل ما يسخطه.
رب صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

محمد رافع 52 17-12-2012 11:03 AM


محمد رافع 52 17-12-2012 11:05 AM


محمد رافع 52 17-12-2012 11:06 AM


محمد رافع 52 17-12-2012 11:06 AM


محمد رافع 52 17-12-2012 11:07 AM


محمد رافع 52 17-12-2012 11:08 AM


محمد رافع 52 17-12-2012 11:08 AM


Muhammad Karim 17-12-2012 04:27 PM

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

محمد رافع 52 18-12-2012 10:44 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة eng_muhammed2 (المشاركة 5018755)
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

رضى الله عنك وعن والديك اخى الكريم

محمد رافع 52 19-12-2012 10:48 AM


محمد رافع 52 19-12-2012 10:50 AM


محمد رافع 52 22-12-2012 01:01 AM

من وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
يَا أَبَا ذَرٍّ : اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ :
شَبَابَكَ : قَبْلَ هَرَمِكَ .
وَ صِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ .
وَ غِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ .
وَ فَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ .
وَ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ .

شرح الحديث :
صور كريمة فيها حقيقة المغنم : نحبها ما فيها ونبين بعض معانيها و من يقتنيها أبدا يفوز ويفرح ويسر وينعم ، لأنها لوحات كريمة فيه معارف الدين وعلوم الهدى بأحسن صورة للطيبين يتقدم ، فيسر المؤمن في الحياة وقبل الممات وبالعلم والعمل بها يسلم ، ولحسن وصيتها يجب أن نتسابق ولفعل الطاعات والخيرات وما يحب الله سبحانه بسرعة لها نبادر ولها نحزم ، وبما يحسن من الخيرات وعمل الصالحات نعمل وبها بجد وإخلاص نعلم ونعمل ونهتم ، ليجازينا ربنا بأفضل ما أوعد المتقين والصالحين من الفوز العظيم والنجاح الأعظم ، ولا نسوف العلم بمعارف الهدى والعمل حتى يوم القيامة في الحساب من حظنا لا نخصم ، ولا تكون علينا أيام القيامة والآخرة حسرة وغصة وعذاب فنتندم ، ولا ندخل نار أعدت لمن ضيع شابه وصحته وغناه وفراغه وحياته كلها حتى مات وعمره أخترم .
يا أخوتي الطيبين : هذه الوصية الكريمة من سيد الأنبياء والمرسلين لأبي ذر رحمه الله ، وقد مر شرح ما تقدم منها ، وهي من أعلى الوصايا في الدين ، لأنه فيها الحث وطلب التحقق بمعارف الهدى علما وعملا ، وذكرت في كثير من المصادر .
وفي الحقيقة على الإنسان : أن يغتنم ويسارع العمل بالفرص المتاحة له ، وبالخصوص مما ذكر في حديث اللوحة .

لأن الغنم : هو الفوز والنجاح والفلاح ، من غير مشقة ولا تعب ، لأنه :
من يغتنم أيام الشباب : ويسارع فيه في العبودية لله سبحانه وإقامة الواجبات ، وهو في ***وان الحيل والاستطاعة وروح الفتوة والمبادرة ، فيكون تعبه بسيط ولا يقاس بأيام الهرم والشيخوخة والسعي والعمل فيها ، فلذ يجب أن يغتنم الإنسان عمره قبل الهرم وكبر السن حيث لا يطيق عمل العبادات والطاعات وهو قائم ، فضلا عن المسابقة في الأعمال الصالحة والخيرات والمشاركة فيها بجد بنفسه .
وعليه أن يغتنم صحته : أيضا ، ويأخذ نفسه بما فرض الله عليه من العبودية وتعاليم الهدى في حال عافيته ، لأن المريض لا يستطيع أن يعبد الله بما يعبد الصاحي المعافى ، والذي يمكنه أن يتحرك ويتكلم بدون مشقة .
وعلى المؤمن أن يغتنم غناه : فيقدم ما فرض الله عليه من الحقوق والواجبات في الإنفاق من الخمس والزكاة وغيرها من المستحبات إن أستطاع ، لأنه إن أفتقر لا يستطيع الإنفاق ، وإنه يكون مطالب بالحقوق السابقة ، وإن نوى فلا يصدق لأنه قد كان عنده نعم الله فلم ينفقها في طاعته ، فسوف يندم أشد الندم ، ويؤاخذ في حسابه حتى على الحلال حيث لم يقدم منه شيء لآخرته ، وفي الحرام وعدم تقديم الحقوق العقاب الشديد ، لأنه الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب .
كما أنه يجب أن يغتنم الفراغ : كل مؤمن ، قبل أن يأتي وقت في لا يستطيع أن يعبد براحة وبدون فكر مشوش بالهموم ، ولا يتفرغ أيضا لأن يشارك في مشاريع الخير ولا يساعد العباد لمشاغله الكثير ، بل حتى إقامة الواجبات مثل الأمور التي تحتاج لفراغ زايد كالحج ومن المستحبات الأكيدة كالزيارة وغيرها لا يستطيع التحقق بثوابها لعدم الفراغ .
والخلاصة يجب أن نغتنم الحياة : كلها قبل الممات ، ونعمل بها في طاعة الله سبحانه وتعالى ، وقبل ما يأتي ما ينغصها ويسلب أجمل ما فيها مما ذكر في الحديث ونحن فيها، ولذا جاءت توصيات كثيرة في هذا المعنى :
ومنها قول الله سبحانه :
{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
(133)
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} آل عمران .

وهذه الآيات الكريمة : كأنها نص الحديث الشريف ولكنها بأسلوب آخر ، فتدبر بهما تعرف .
وقد قال الله : إنما ينعم علينا لنشكره ونطلب منه المزيد ، ويجب أن نسارع ونتسابق لعمل الطاعات ، لأن أذا جاء الأجل بعد لا عمل ، وإنما هو الحساب فقط ، وهنا عمل بلا حساب ، ولنتدبر هذا المعنى نتلو قوله تعالى :
{ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55)
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ (56)
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57)
وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)
أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} المؤمنون .

ولذا قال سبحانه : يمدح ويثني على من يسابق بالخيرات ولأعمال الصالحة والطاعات :
{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) } الواقعة.

والآيات والأحاديث : التي تحث على العلم والعمل كثيرة ، يجب أن يراعيها العاقل ويعمل بها قبل فوات الأوان ، ويفقد الإنسان أهم مقومات الاستطاعة على العمل والتي أهمها كما عرفنا في بحث سابق الصحة والفراغ .
وأسأل الله سبحانه : أن يرزقنا كل مقومات الطاعة ، ويجعلنا في أحسن الأحوال في عبوديته بكل تعاليمه مخلصين له الدين، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .


محمد رافع 52 22-12-2012 01:33 AM

بيان أهداف الإسلام
الكـاتب : عبد الله خياط
إن دين الإسلام دين تكافُل وتراحُم، دين تعاطف وشفقة، دين معاملة وإحسان، عمل على ذلك أولو العزائم؛ سلفكم الكرام، أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدانت لهم الدنيا، وتحطمت تحت أقدامهم تيجان الجبابرة من أقاصرة وأكاسرة؛ وملكوا أَزِمَّة الأمور، ووصفهم رب العزَّة في كتابه بقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29]، فكانت الشدة منهم على الكافرين، وكانت الرحمة والشفقة بينهم، مثلاً للعادلين والمتأسِّين.والدين الإسلامي في مَجموعه وحدة متماسكة الأطراف، محكمة العُرَى، تؤلِّف بين جملة من الحقوق، الأخذ بها في مجموعها أمرٌ لا مندوحة عنه.
فتوحيد الله - جلَّ جلاله - بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتأليهه، وإفراده بكامل العبودية والتقديس - كل ذلك جزء من عقيدة المسلم، وفي طليعة ما يجب أن يعنى به؛ قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 21-22].
هذا هو الحق الأول بالنسبة لخالق الكون ومدبِّره، ومربيه بنعمه وإفضاله.
الحق الثاني: ويتعلق بصلاح الجماعة الإسلامية، وتكوين وحدتها، وتنظيم أهدافها، وتكفلها الصالح العام، وتضافر جهودها لتحقيق الأخوة الإسلامية التي نصَّ الله عليها بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].
وقد أوضحتِ السنة النبوية مدلول هذا الإخاء وهذا الحق وأهدافه، ومدى الأخذ به كمبدأ من مبادئ الدين، في جملة من الأحاديث، وفي صور مختلفة.
فمرة يكون التوجيه إليه بالترفع عن الظلم، وعدم التجنِّي على الغير، والتحذير من الشُّحِّ، والنهي عن الإضرار، كما صح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحَّ؛ فإنه أهلك مَنْ كان قبلكم))، ويقول: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرَار)).
وتارةً يكون التوجيه إلى هذا الحق بالتنويه عن مدى الترابط الإسلامي والتكافل في الحقوق، كما جاء في الحديث: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يَبِعْ بعضكم على بَيْع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا. كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرْضه)).
وكما جاء في حديث آخر: ((مَنْ نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا؛ نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَنْ يسَّر على مُعْسِرٍ؛ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومَنْ ستر مسلمًا؛ ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)).
ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الخَلْقُ عيال الله؛ فأحب الخَلْق إلى الله مَنْ أحسن إلى عياله)).
وتارةً يكون التوجيه إلى هذا الحق بتصوير واقع الأخوَّة الإسلامية، والتعريف بطرف من مسالكها، كما يتَّضح ذلك من قول الرسول - صلى الله عيه وسلم -: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا))، ((مثل المؤمنين - في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم - كَمَثَل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحمَّى)).
ومن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبَّ لنفسه)).
وتارةً يكون التوجيه إلى هذا الحق باستدرار العَطْف والرحمة، والحثِّ على الرفق والشفقة؛ كما صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الراحمون يَرْحَمهم الرحمن؛ ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء)).
فإذا قست القلوب، والتاثت العقول، وتحجَّرت الضمائر، وتصاممت الآذان عن أمثال هذه التوجيهات الرشيدة - يكون العلاج عندئذٍ ترهيبًا وتخويفًا يكبح جماح النفس؛ وتوعُّدًا وزجرًا تتحدَّد به الغاية، ويُعلم منه المصير، يُفصح عنه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ لا يرحم الناس لا - يرحمه الله -))، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُنزع الرحمة إلا من شقي)) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ ضارَّ مسلمًا ضارَّه الله، ومَنْ شاقَّ مسلمًا شاقَّ الله عليه)).
وناهيكم - عباد الله - بمضارَّة الله ومشاقَّته؛ إنها القصاص العادل يا عباد الله، قصاص رب العالمين جزاءً وفاقًا: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49] (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 14]، إنَّها نقمة الله وشديد أخذه؛ فاحْذَرُوا نِقْمَته وأخذه، (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].
فاتَّقوا الله - عباد الله - واعرِفوا لله حقَّه؛ فأفردوه به، واعبدوه على هدى وبصيرة، واعرفوا للجماعة حقوقها؛ فارْعَوْها حق رعايتها؛ ليكمل لكم الدين، ولتكونوا من حزب الله وأوليائه المفلحين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

محمد رافع 52 22-12-2012 01:42 AM

التناقض المصطنع بين العلم والدين
الكـاتب : نايف عبوش

لا جرم أن الإسلام جاء ثورة كبرى على الواقع القديم الفاسد، فكان انقلاباً شاملاً في حياة الناس في جانبها العقدي، حيث حررهم من عبادة الأوثان، ورفض الأساطير والخرافة، باعتماده العقل والعلم، فحررهم من الجهل، وبذلك النهج المتطور، أرسى أساساً صلباً للتعامل مع حقائق الحياة، والظواهر الكونية.

وفي ظل هذا الهدي الإلهي، تمكن الجيل النبوي من الصحابة، والتابعين، ومن تلاهم، ممن استوعبوا النهج الرباني على مراداته الحقيقية، من بناء حضارة إنسانية زاهرة، تخطت ذاتها في المكان والقيم، لتشع بالعطاء والنور على العالمين، حيث لا تزال بصماتها، حتى بعد أن أخذت بالتراجع عن الدور، بعد أن دبت فيها عوامل الضعف والانحلال، تحمل في طياتها خميرة الهام التحضر المعاصر، في الكثير من إرهاصاته العلمية، والفلسفية، والفنية، وعندما تجمد العقل العربي المسلم في وقت لاحق، وتوقف عن العطاء، وعجز عن مسايرة التمدن، وصناعة التقدم، وحاصرته العولمة بعاصفتها الهوجاء، بما تمتلكه من عناصر التأثير، في فضاء مفتوح بكل الاتجاهات، نشأ تصور زائف لدى الكثير من النخب بتأثير الاغتراب، بأن الدين الإسلامي رجعي، ولا يناسب العصر، ولا يفتح الأفاق أمام عقل الإنسان لتطوير علومه، وتنمية قدراته التقنية، متناسية أن دين الإسلام، هو الذي حول العرب من مجرد قبائل تغط في الجهل والوثنية، تعيش على هامش الحضارة، إلى أمة متنورة، قادت العالم، وأسعدت البشرية لقرون طويلة، ولعل من يتلو القرآن الكريم بتدبر، يلاحظ أن لفظة (العلم) وردت فيه أكثر من مرة، للدلالة على النسك التعبدية، والمعاني الدينية، التي نزلت على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من السماء، باعتباره دين هداية للناس بالدرجة الأولى إضافة إلى الدلالة على القوانين المركزية التي تحكم الظواهر الكونية، حيث يتعايش (العلم) و(الدين)معا في لغة القرآن، بألفة متجانسة، لا تقبل التناقض، كما يتوهم من أصيب من النخب بعمى الاستلاب والانبهار بمعطيات الحضارة المعاصرة، وما أبدعته من منجزات علمية وتكنولوجية، ولا جرم أن هذا التوافق الإيقاعي بين الإسلام والعلم، هو منهج رباني محكم، يراعي حاجة الإنسان الملحة للتوازن بين الروح والمادة، ويكبح جماح النزق المهووس، لترجيح عنصر المادة، تحت وطأة قصور عقل الإنسان عن استيعاب ما وراء المحسوس، بما يفسح المجال للعلم والعقل، بتجاوز حدود طاقتهما، فيقعا في خطأ الحكم بإقحام كل التصورات، لضوابط العلم التجريبي وحسب، خلافا لقاعدة (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).
وبذلك النهج الرشيد، استجاب الإسلام بتوازن تام، إلى متطلبات سعادة الإنسان ببعديها المادي العلمي المحض، والمعنوي العقدي الديني، على حد سواء، وإذا كان الإسلام في جانب الإعجاز العلمي منه، الذي تضمنته الكثير من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة، قد أشار إلى حقائق علمية، لم تكن معروفة للناس وقت نزول القرآن، بسبب عدم تطور الأدوات العلمية يوم ذاك، وكشفت العلوم الحديثة، ومن خلال تطور التقنيات، وأدوات البحث العلمي، وتراكم الخبرة، والمعرفة الإنسانية، بالصورة التي هي عليها اليوم، صحتها، وأثبتت تطابق حقائق الدين الإسلامي التام، مع النتائج العلمية الحديثة، التي توصلت إليها، فلا جرم أن ذلك التوافق، مقصود قطعاً، وليس محض صدفة، ومن ثم فهو يأتي؛ مصداقاً لقول الله تعالى: ( ويرى الذين أُوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد)، في سياق تراتبية جدلية صارمة، لا انفصام لها، تجعل العلم وسيلة مضافة، للهداية إلى صراط الله العزيز الحميد، وإذا كان الدين الإسلامي قد أحاط بالكليات الغيبية، وألمح إلى الحقائق العلمية بإشارات معجزة، فلا شك انه قد ترك للعقل الإنساني حرية التفكير في الكون، وما خلق الله - تعالى -فيه من عوالم، ليتأملها بعناية، ويبحث فيها، ويكتشف تلك الحقائق، وفقا لمستوى تمكنه العلمي، وبالتالي العمل على تسخيرها لاستخداماته الحياتية، وفقا للناموس المركزي الإلهي (هو الذي سخر لكم ما في الأرض جميعا)، إضافة إلى ما تضيفه له تلك الاستكشافات العلمية، من أدوات محسوسة للتيقن، وتعميق الإيمان بحقيقة الوجود الإنساني، وارتباطه بآفاق الكون، ابتداء من الذات الإنسانية (فَلينظُرِ الإنسان مم خلق)، وانتهاء بآفاق الكون(سنريهم ءآياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق). ومن هنا نلاحظ أن الإسلام قد فضل المتعلمين على غير المتعلمين (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، في إشارة واضحة لتحقيق هذا الغرض السامي.
وهكذا.. فالإسلام ومن خلال الإيقاعات التوافقية، بينه وبين العلم، يدفع الإنسان بشكل دائم، لكي يتفاعل بشكل مستمر، مع الكون والحياة، بقصد تفجير طاقة الإبداع لديه، لكي يرفد الحضارة بعناصر الاستمرار، ويرفدها بمقومات البقاء، ويؤمن لها مستلزمات التطور والارتقاء، بمنظور مسؤولية استخلافه الرباني في الأرض، وتكليفه بأعمارها، تبعا لموجبات هذا ألاستخلاف..فانه-أي- الإسلام بهذه الحقيقة الساطعة، لا ينطوي، على أي تناقض، بينه وبين العلم، على طول الخط، كما يزعم أولئك المتنطعون.

محمد رافع 52 22-12-2012 01:51 AM

واجب المسلم تجاه الفتن
الكـاتب : ماجد بن خنجر البنكاني
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له.وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
وبعد:
عباد الله: إننا نعيش هذه الأيام في فتن عظيمَة تنوَّعت أسبابُها، واختلفت مقاصدُها، وتعدّدت مصادِرها، فتنٌ في الدّين والدنيا، فتن من أناس تحاوِل مَحوَ الحقّ وإبعادَ الناسِ عنه، ديدنُها الهدْم والتخريبُ، والنهب والتحريش.
فتنٌ تعاظمَ اليومَ خطَرها، وتطايَر شررها، وتزايَد ضررُها، فتنٌ نالت من الدين كله نالت من فروعه، ومن أركانِه وأصولِه. في الصحيحين أن النبي قال: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج"، قالوا: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: ال***، ال***.
فما أكثر الفتن والمصائب، وما أكثر ال*** في عصرنا الحاضر، وما هي إلا بسبب ذنوبنا وتقصيرنا.
قال الله - تعالى -: ((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)) ويقول - سبحانه وتعالى -: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)).
فالله جلت قدرته حليم على عباده غفور رحيم يرسل لهم الآيات والنذر لعلهم يرجعون إليه ليتوب عليهم، والأزمات والنكبات ما هي إلا نذر لعباده ليرجعوا إليه، وبلوى يختبرهم بها، قال - سبحانه -: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقال - تعالى -: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وقال - سبحانه -: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والآيات في هذا المعنى كثيرة. من محاضرة ألقاها الشيخ ابن باز - رحمه الله - في جامعة أم القرى بمكة المكرمة في شهر رجب 1409هـ
والله - سبحانه وتعالى - يعاملنا بعفوه ولطفه وليس بعدله ولو عاملنا بعدله لهلكنا.
قال الله - تعالى -: ((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)) أي: لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم، من أنواع الدواب والحيوانات فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل. (وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ) عن تعجيل العقوبة عليهم إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه. [تفسير السعدي].
عباد الله: إننا في زمن تداعت فيه الفتن كداهية دهياء، فقلّت فيه الأمانة، ونزعت فيه الخشية من الله، وتنافس الناس فيه على الدنيا، وحظوظ النفس، وكثر فيه ال***، وبلغ أوج صوره، على اختلاف تنوعه، حتى لربما لا يدري القاتل فيم قَتَل، ولا المقتول فيم قُتِل، كما قال ذلك النبي فيما صح عنه، ولكن لمستفهم أن يقول: ما النجاة في خضم هذه الأحداث، وما موقف المؤمن من متغيرات زمانه، وفجاءة النقمة فيه؟ فالجواب على هذا بيِّن بحمد الله، فإن لكل داء دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، والدواء في مثل هذا كثير التنوع، فمن ذلك: أولاً حمد الله على العافية مما ابتلى به كثيراً من الناس من الفتن والرزايا، والحروب المدمرة، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة، والإيمان بأن ما يريده الله كائن لا محالة، وأن ما أصاب الناس لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وَ(اللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ))[الرعد41].
ثم قال - رحمه الله -: فلا إله إلا الله ما أوسع علم الله، انظروا إلى الأحداث والمستجدات -عباد الله- كيف تحل بنا فجأة على حين غِرّة دون أن تقع في ظن أحدنا، أو يدور بِخَلَدِه أن أحداثا ما ستكون يوما ما، مما يؤكد الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله، واللجوء إليه، وخشيته وحده، بالتوبة والإنابة، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة، وبذل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا ملجأ من الله إلا إليه.
ألا إن من خاف البشر فر منهم، غير أن من خاف الله فإنه لا يفر إلا إليه: (فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)[الذاريات: 50] ولقد صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا يردّ القدر إلا الدعاء)).
ألا وإن ما يحدث في هذه الأزمنة من كوارث تحل بنا بغتة ليذكرنا باليوم الذي تقوم فيه الساعة، والناس في غفلة معرضون، مع ما يتقدمها من أمارات وأشراط تدلّ عليها، فقد جاء في الصحيحين أن النبي قال: ((لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لِقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يُليط حوضه فلا يسقي منه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها))، كل ذلك عباد الله دليل على فجاءة النقمة، وأن نفساً لا تدري ماذا تكسب غداً، ولا تدري بأي أرض تموت.
ثم اعلموا رحمكم الله أنه ينبغي للمرء المسلم في خضم الأحداث الرهيبة والمتغيرات المتنوعة ألا يصاب بشيء من الاسترسال مع مشاعر القنوط واليأس، وألا يحبس أنفاسه مع الجانب الذي قد يكلح في وجهه على حين غفلة من جوانب الخير الأخرى في حياته، دون التفات إلى المشوشات من حوله، والتخوفات التي ليس لها ضريب، فليس بلازم عقلاً أن تكون تلك المخاوف صادقة كلها، فلربما كانت كاذبة إذ قد تصح الأجسام بالعلل، وقد يكون مع المحنة منحة، ومع الكرب فرج، فَإِنَّ مَعَ (الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ لْعُسْرِ يُسْراً)[الشرح5، 6]. ولن يغلب عسر يسيرين، و إِنَّهُ : (لاَ يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ للَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَـافِرُونَ)[يوسف87]. موقف المسلم من الفتن للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -.
وبهذا تم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأرجو الله أن تكونوا قد انتفعتم به، وأن تعملوا به. وأن يعم به النفع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد إن لا إله ألا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

محمد رافع 52 24-12-2012 03:26 PM

مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها


خصائص الشريعة الإسلامية:

1- جاءت الشريعة الإسلامية بالتشريع التام الكامل الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، الذي نظم جميع العلاقات، نظم علاقة الإنسان بربه (العبادات) وعلاقة الإنسان بنفسه وأهله، وعلاقة الإنسان بالإنسان فرداً كان أو جماعة، وعلاقة مادية أو اجتماعية، كما نظم علاقة المواطن بالدولة والدولة بالمواطنين في جميع أنواع العلاقات، كما نظم علاقة الدول بعضها ببعض في السلم والحرب وعلاقة الدول برعايا الدول الأُخر في الحالين أيضاً. كما نظم علاقة الإنسان بالكائنات الأُخر التي تعيش مع الإنسان، أو التي تعيش معها وعليها من حيوان ونبات وجماد ما في السماء وما في الأرض وما بينهما، فالشريعة الإسلامية جاءت بنهج اجتماعي وحياتي كامل. فهي عقيدة وسلوك ونظام..
إذن ليس الشريعة الإسلامية عقيدة دينية فحسب، بل هي أيضاً وبآن واحد سلوك أخلاقي ونظام تشريعي قانوني.
2- جاءت الشريعة الإسلامية للناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]، [قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا].
وهذا التشريع خاتماً للشرائع ومصدقاً لما سبقه.
3- جاءت الشريعة الإسلامية موحدة تحقق للبشرية فوائد جمة، وذلك بتوحيد معايير الخير والشر في ربوع العالم فالحق حق هنا وهناك وبالأمس واليوم وغداً، في مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها، والباطل كذلك وينتج عن هذا التوحيد تقارب المجتمع الإنساني كله في أفكاره وتصرفاته وفي عاداته وتقاليده. وهذه هي أول لبنة من لبنات الوحدة الكبرى التي ينشدها الإسلام، ويرسي دعائمها بتشريعه الخالد المستقر البعيد عن نزعات الهوى حيث تهيأت للإنسان المؤمن وحدة في التشريع، فلهذا أحدث الإسلام ثورة اجتماعية تامة في حياة العرب، وفي حياة سائر الشعوب التي تأثرت في تعاليمه وحضارته، فجعلت من دويلات قبائل العرب دولة حقيقية موحّدة قوية مبنية على فكرة دينية دنيوية شاملة ومبادئ ديمقراطية وعدالة اجتماعية بدلاً من فكرة العصبية القبلية الضيقة المشحونة بالتعصب الذميم وبالتنافر والبغضاء، وأبدلت بعاداتهم الوثنية والجاهلية شرائع وأحكام مرتكزة على الإيمان الصحيح والعمل الصالح والحق والنظام والمصلحة العامة.
4- يترتب على وحدة التشريع انتشار الطمأنينة، وتنمية المحبة بين الناس جميعاً وتدفق الاخاء تحت ظلال المحبة الكبرى محبة الله، فالشريعة الإسلامية تتصف بالبساطة والوضوح وسهولة الفهم والقناعة، ولا تنطوي على عقائد غامضة ولا ألغاز سرية، ولا تعقيدات لاهوتية، بل هي دين الفطرة.
5- إن الشريعة الإسلامية ترتب الثواب الآخروي لكل عمل من أعمال التي يؤديها الإنسان سواء أكان ذلك في دائرة العبادات أم المعاملات أم الأحكام الشاملة لكل أبواب الفقه بل ترتب الثواب حتى على نية المرء. بينما القوانين الوضعية ترتبط المسؤولية فيها بالقيام بالفعل وتنتهي عند تنفيذ الحكم، مما يترك المجال واسعاً للمحتالين والمغامرين لنيل أغراضهم والتملص من الأحكام بغفلة من القانون.

محمد رافع 52 24-12-2012 03:29 PM

مميزات الشريعة الإسلامية:
امتازت الشريعة الإسلامية بأمور يعرفها كل من قارن بين الشرائع الدينية والبارز منها:
1- هو تكفلها لسائر الأحكام التي تخص حياة الإنسان الفردية والاجتماعية الدينية والدنيوية، فلا تجد واقعة من الوقائع تخص الإنسان نفسه أو مع غيره أو المجتمع نفسه أو مع غيره إلاَّ ويظهر حكمها من نص أو ظاهر أو قاعدة أو أصل وهذه الميزة تفقدها سائر الشرائع السماوية والنظم الحزبية والقوانين الدولية.
2- تساير الزمن مهما تقلبت الأحوال وتعالج شؤون الحياة في العالم مهما اختلفت الأوساط فكانت النتيجة الحتمية إن صارت خاتمة الشرائع الإلهية والأديان السماوية.


3- جاءت أحكامها تباعاً وتدريجاً حتى كملت قواعدها وأصولها وتمت أحكامها وأسسها في غدير خم في حجة الوداع عندما نزلت الآية الكريمة: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا].
4- حثت على العمل لكسب المغنم في هذه الحياة وتحصيل المعرفة بأسرار هذه الكائنات ووعدت الصالحين بالميراث.
5- حررت العقل البشري من الأساطير والخرافات ووجهته نحو المنطق الحر والدليل والبرهان في العقيدة والإيمان، ولم تأخذ بالجريمة والجريرة بمجرد التفكير فيها، وإنما تأخذ بها بعد ارتكابها فلم تأخذ بالتفكير بالزنا وإنما تعاقب على ارتكابه كما ينسب ذلك لبعض الشرائع.
أحكام الشريعة الإسلامية:

الشريعة الإسلامية مجموعة أحكام نزّل بها الوحي على محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- ما يتعلق بالعقائد الأساسية كالأحكام المتعلقة بذات الله وصفاته، وبالإيمان به وبرسله وكتبه واليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء، وقد تكفل بهذا النوع علم الكلام.
2- ما يتعلق بتهذيب النفوس وإصلاحها. كالأحكام المبينة للفضائل التي يجب أن يتحلى بها الإنسان كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد والشجاعة والإيثار والتواضع والإحسان والعفو والصفح، والأحكام المبينة للرذائل التي يتحتم على المرء أن يتخلّى عنها كالكذب والخيانة وخلف الوعد والجبن والأنانية والتكبر والإساءة إلى الغير والانتقام وما إلى ذلك مما تكفل ببيانه علم الأخلاق.
3- ما يتعلق ببيان أعمال الناس وتنظيم علاقاتهم بخالقهم كأحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج، وتنظيم علاقات بعضهم ببعض كأحكام البيوع والهبة والإجارة والرهن والزواج وغيرها. وقد انفرد بهذا النوع علم خاص يسمى علم الفقه.

محمد رافع 52 24-12-2012 03:32 PM

إتمام الشريعة الإسلامية:
تذهب الشيعة إن القرآن والسنة النبوية والمأثورة من العترة الطاهرة الزكية قد أظهرت الأحكام الشرعية لكل حادثة من الحوادث النازلة والوقائع المستجدة إلى يوم القيامة إما بالنص عليها بالخصوص أو بنحو العموم شأن الأنظمة والقوانين الدولية فإنها تشرع أحكام الحوادث النازلة والوقائع المتجددة بموادها الكلية وأصولها العامة ومبادئها الشاملة، تاركة فهم الجزئيات واستنباط التفاصيل وما تهدف إليه من حقائق ومقاصد لأهل البصيرة وحسن السليقة ومعتمدة على استخراج أحكام الوقائع من نصوصها وظواهرها ومفهومها وسياق بيانها ولوازمها على أهل المعرفة والتفكير المستنير. فكذلك هو الاجتهاد عند الشيعة.
كما قام الإجماع عند المسلمين إن كل واقعة أو حادثة على مختلف أنواعها وأزمانها وظروفها لا تخلو عن الحكم الشرعي.
وجوب تشريع الأحكام ووجه حسنه:

ذهبت الإمامية والمعتزلة إلى وجوب التكليف على الله تعالى عقلاً. والمراد بالوجوب على الله تعالى في هذا المقام وغيره كما يقال اللطف واجب عليه تعالى ــ هو كون الفعل موافقاً للحكمة ــ أي أن حكمته تعالى تقتضي ذلك الفعل لا أن غيره أوجبه عليه تعالى كما توهمه بعضهم وشنع على القائلين بالوجوب.
وأما الأشاعرة فقد نفوا ذلك وزعموا أن التكليف والتشريع للأحكام ليس بواجب بل هو تفضل منه تعالى إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعل.
والحق هو الأول لأن جعل التكليف على نوع الإنسان إنما هو لإصلاح المعاش وتنظيم الحياة، فهو أمر حسن يحكم بوجوبه العقل على من بيده ملكوت الإنسان وله عليه سلطان. وعليه سيرة العقلاء من قديم الزمان فلا تجد حكومة إلاَّ وقد سنت قوانين لإصلاح أمور أتباعها وتنظيم حياة رعاياها، وذلك لجلب السعادة إليهم ودفع الشقاء عنهم في أدوار حياتهم الفردية والاجتماعية وفي أطوار نشأتهم الأولية والآخروية. فإنه تعالى لو تركهم سدى لأحاطت بهم المهالك، ولضاقت بهم المسالك لقصور عقل الإنسان عن إدراك ما ينفعه وما يضره، ولغلبة الشهوة فيه على سلطان العقل، وحبه للسطوة


والسيطرة على أفراد النوع، والتنازع على وسائل العيش. وهو أعز مخلوق لدى الله وأشرف موجود عنده. فلا يعقل أنه يهمل أمره ولا يصلح شأنه وهو الرب الرحيم الرؤوف بمخلوقاته المدير لمصنوعاته، فأرسل الرسل مبلغين ومنذرين بقوانين وأحكام ترشدهم لصالحهم الخاص والعام، وتنظم لهم أمور الحياة في السراء والضراء، وتوصلهم إلى الكمال وتجنبهم عن الضلال وتربطهم بخالق الكون ومدبره، فكلفهم بالمعرفة بأصول الدين ليطلعوا على عظيم شأنه وكمال قدرته على خلقه. ويطاع في أمره ونهيه، وكلفهم بالعبادات في عدة من الأوقات وفي كثير من المناسبات ليخرجهم من مقام الحيوانية إلى مقام الإنسانية، ومن ظلمات النفس إلى نورها وروحانيتها، ويقوي فيهم الشعور الديني حتى تلتهب النفس بالعاطفة الدينية، ويصبح الشعور الديني فيها وازعاً نفسياً يسوقها الإتيان ما يريده تعالى منها، ورادعاً قلبياً عن فعل ما يبغضه عزَّ أسمه منها، وكلفهم بما يصلح شؤون حياتهم في جميع أدوارها وأطوارها لئلا يترك الناس سدى، ويسودهم الهرج والمرج، فقنن لهم قوانين الاختصاص في الأموال، وسنَّ لهم قسمة المواريث وموجبات الإنفاق وتوزيع الغنائم والصدقات. وألزمهم بالعقود لئلا تختلف النيات وتجهل أو تتجاهل المقاصد في المعاملات والإيقاعات وندبهم لما فيه صلاحهم ونجاحهم، وجعل القصاص والحدود والتعزيرات والضمانات حفظاً للنفوس والأموال، وخوفاً من المروق عن طاعة الرحمن، ووعدهم بالثواب على حسب مقادير الإطاعة، وأوعدهم بالعقاب على حسب مقادير المعصية، وبالغ في الإنذارات، وأكثر من التحذيرات والترغيبات والترهيبات حرصاً منه تعالى عليهم أن لا يقصروا في ذلك فتفوت عليهم المصالح ويقعوا في المفاسد فيبؤوا بالخسران المبين والضرر العظيم. وقد وقع التنبيه من أئمتنا على محاسن التكليف في مواضع كثيرة منها ما في الاحتجاج أنه أتصل بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب قوماً من أصحابه خاضوا في التعديل والتجريح فخرج حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس إن الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق أراد أن يكون على آداب رفيعة وأخلاق شريفة فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلاَّ بأن يعرفهم مالهم وما عليهم، والتعريف لا يكون إلاَّ بأمر ونهي، والأمر والنهي لا يجتمعان إلاَّ بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون إلاَّ بالترغيب، والوعيد لا يكون إلاَّ بالترهيب، والترغيب لا يكون إلاَّ بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم، والترهيب لا يكون إلاَّ بضد ذلك، ثم خلقهم في داره وأراهم طرفاً من اللذات ليستدلوا به على ما ورائهم من اللذات الخاصة التي لا يشوبها ألم ألاَّ وهي الجنة، وأراهم طرفاً من الآلام ليستدلوا به على ما ورائهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبها لذة ألاَّ وهي النار، من أجل ذلك يرون نعيم الدنيا مخلوطاً بمحنها، وسرورها ممزوجاً بكدرها وغمومها). وأمثال تلك الأحاديث الشريفة كثيرة.
والحاصل إن الغاية والمصلحة في تكليف العباد هو التعريض للثواب وحفظ نظام العالم. وهذا غرض صحيح فيكون التكليف حسناً بل واجباً لأن الترك للإحسان بالنسبة إلى من يستحقه مع عدم المانع قبيح، بل لولا صدور التكليف والتشريع للأحكام لكان الله تعالى فاعلاً للقبيح لأنه بتركه للتشريع يكون مغرياً للعبد بالقبيح والإغراء بالقبيح قبيح. ومعلوم لا يصدر من الله تعالى القبيح لعدله وحكمته فوجب صدور التشريع منه.

محمد رافع 52 24-12-2012 03:35 PM

أهداف الشريعة الإسلامية:
الشريعة الإسلامية هي مجموعة الأوامر والأحكام الاعتقادية والعملية التي يوجب الإسلام تطبيقها لتحقيق أهدافه الإسلامية في المجتمع.
1- تحرير العقل البشري من رق التقليد والخرافات وذلك من خلال العقيدة الصادقة الحقة من الإيمان بالله، وتوحيد معايير الخير والشر في ربوع العالم، وتوجيه العقل نحو الدليل والبرهان.
2- إصلاح الفرد نفسياً وخلقياً وتوجيه نحو الخير والإحسان لكي لا تطغى شهواته ومطامعه على عقله من خلال العبادة المشروعة التي تذكره بخالقه وبعقيدة الثواب والعقاب في الآخرة، لكي يكون المؤمن في مراقبة دائمة لأعماله، حريصاً على عدم التقصير في واجباته.
3- إصلاح المجتمع بصورة يسود فيه الأمن والعدل وصيانة الحريات والكرامة الإنسانية، ونشر الطمأنينة والمحبة في ربوع العالم.

ومن الأهداف الثلاثة في الإسلام يتحدد معنى الشريعة وتقوم على ثلاث دعائم وهي:
1- عقيدة عقلية 2- عبادة روحية 3- نظام قانوني قضائي
لهذا يقال إن الإسلام دين ودولة.
ويجب التفريق بين النظام والتطبيق، إذ لا ينكر أنه في الواقع العملي والتاريخي كثيراً ما يساء فهم الحقيقة الإسلامية في بعض هذه النواحي الثلاث، أو يساء تطبيقها فتظهر الصورة مشوهة.
كما إنَّ التشريع مرَّ بأطوار متعاقبة، ويتميز كل دور عن الآخر نتيجة الأحداث متعددة متجددة متغايرة، والتشريع لابد من أن يواجه هذه الأحداث بوضع الأحكام الملائمة.
نصوص الكتاب والسنة متناهية الحوادث متجددة الاجتهاد

محمد رافع 52 24-12-2012 03:39 PM

خصائص الشريعة الإسلامية:
للشريعة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها وهي:
1- الشريعة من عند الله.
2- الجزاء في الشريعة دنيوي وآخروي.
3- عموم الشريعة وبقاؤها.
4- شمول الشريعة.
وسنتكلم عن كل خصوصية من الخصوصيات المذكورة آنفاً:
1- الشريعة من عند الله:

إن مصدر الشريعة الإسلامية هو الله تعالى، وهي وحيه إلى رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) باللفظ والمعنى، وكون هذا اللفظ معجزاً ومتواتراً نقله وهو القرآن أو باللفظ والمعنى إلاَّ أنه غير معجز فهو الحديث القدسي أو بالمعنى دون اللفظ وهو السنة الشريفة، وهي تختلف عن جميع الشرائع الوضعية لأن مصدرها البشر، ويترتب على هذه الخصلة جملة نتائج منها:
1- إن مبادئ الشريعة وأحكامها خالية من الجور والنقص والهوى لأنها من صنع الله والله له الكمال المطلق الذي هو لوازم ذاته، بخلاف القوانين الوضعية التي لا تنفك عن النقص والجور والهوى لأنها صادرة من الإنسان والإنسان لا يخلو من هذه النقائص.
2- جاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ المساواة بين الناس بغض النظر عن اختلافهم في اللون أو ال*** أو اللغة، وجعلت أساس التفاضل بينهم العمل الصالح ومقدار ما يقدمه الفرد من الخير. قال تعالى: [يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ]، وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم): (فلا فضل لعربي على أعجمي إلاَّ بالتقوى)، فالجميع أمام أحكام الشريعة الإسلامية متساوون.
3- هيبة واحترام نفوس المؤمنين لأحكام الشريعة الإسلامية حكاماً كانوا أو محكومين لأنها صادرة من عند الله تعالى فلها صفة دينية فتؤمن بها النفوس ولا يقسر عليها الإنسان قسراً بخلاف القوانين الوضعية فليس لها سلطان على النفوس، فترى إن النفوس تجرأ على مخالفة القانون الوضعي كلما استطاعت الإفلات من رقابة القانون وسلطة القضاء، (كمسألة الخمر).
2- الجزاء في الشريعة دنيوي وأخروي:

أولاً:إن الشريعة الإسلامية تتفق مع القوانين الوضعية في أن قواعدها وأحكامها تقترن بجزاء يوقع على المخالف، ولكنها تختلف معها في أن الجزاء فيها أُخروي ودنيوي. بل أن الأصل في أجزيتها هو الجزاء الأُخروي. وإنما ترتب الجزاء الدنيوي لمقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع.
ثانياً:الجزاء الدنيوي منه ما كان جنائياً ومنه ما يكون مدنياً كما هو الحال في القوانين الوضعية وإن كان نطاقه أوسع من نطاق الجزاء في القانون الوضعي نظراً إلى شمول الشريعة الإسلامية لجميع شؤون الأفراد ومنها الدنيوية والأخلاقية خلافاً للقانون الوضعي.
ثالثاً:الجزاء الأُخروي يترتب على كل مخالفة لأحكام الشريعة، سواء أكانت من أعمال القلوب أم من أعمال الجوارح ما لم تقترن مخالفته بتوبة نصوح وتحلل من حق الغير. وهذا ما تشير إليه النصوص الكثيرة منها: [وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ].
رابعاً:إن المسلم يخضع لأحكام الشريعة خضوعاً اختيارياً في السر والعلن خوفاً من عقاب الملك الجبار، وحتى لو استطاع أن يفلت من عقاب الدنيا، فتنزجر النفوس عن مخالفة الشريعة الإسلامية أما بدافع الاحترام أو استشعار للحياء من الله تعالى، أو بدافع الخوف من العقاب الآجل الذي ينتظر المخالفين [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا]، قوله تعالى: [فَمَنْ يعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه].
لذا فإن الإيمان أساس الشريعة الإسلامية، وهو الوازع الداخلي المتين الذي يوقظ الضمير ليراقبه ويحاسبه على أعماله وهو الضمانة لاحترام أحكام الشريعة وتنفيذها، فلا يمكن أن يعوّل على سلطة القانون فقط والدليل ما نراه في العصر الحاضر من أثر ضعف الإيمان ومن شدة صرامة القانون وإمكانات تنفيذه وشدة المراقبة على المتعدي والمخالف له ومع هذا فإن الانحلال الخلقي قد تفش وتفاقم المشكلات الاجتماعية وازدياد الجرائم وأعمال ال*** والإدمان على المخدرات والمسكرات والانغماس في الفجور والملذات والانهيار في الأباحية ال***ية وقلة الحياء، وتفشي الكسل والقذارة والشغب والفوضى وتفكيك الروابط التقليدية الانضباطية في المجتمع والمدرسة والعائلة جميعاً وما شاكل ذلك.
3- عموم الشريعة وبقاؤها:

أولاً:الشريعة الإسلامية عامة لجميع البشر في كل مكان وزمان، فلم تكن ضيقة المرمى أو تكن قومية اللون ولا محصورة بالعرب أو بشعب مختار بل هي رسالة شاملة ودعوة عالمية موجهة إلى جميع الناس في جميع الأقطار والأمصار ولذا خاطب القرآن الكريم النبي (ص) بقوله تعالى: [قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا]، [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا].
ثانياً:إن الشريعة الإسلامية لا تنسخ ولا تبدل لأنها خاتمة الشرائع، ويستلزم أن تكون أحكامها وقواعدها على نحو تحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان وتفي بحاجاتهم. قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]والرحمة تتضمن رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم.
ثالثاً:تشريع الرخص عند وجود مشقة في تطبيق الأحكام من ذلك إباحة النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها حفاظاً لبقاء النفس. وإباحة أكل المحرم عند الضرورة كأكل الميتة وإباحة الفطر في شهر رمضان للمسافر والمريض ونحو ذلك.
ولا شك إن دفع المشقة ضرب من ضروب رعاية المصلحة ودرء المفسدة وكذا التدرج في التشريع.
رابعاً:إن المتتبع لأحكام الشريعة يجد بالاستقراء أن المقصد العام للشريعة الإسلامية هو تحقيق مصالح الناس بجلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم، وإن مصالح العباد تحقق بتحقيق الأمور الضرورية لهم وضمان الأمور الحاجية وتوافر الأمور التحسينية أي الكماليات:
فالأولى الضرورية:هي التي لا قيام لحياة الناس من دونها وإذا غابت حل الفساد وعمّت الفوضى واختل نظام الحياة. وتسمى بمقاصد الشريعة وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وبعضهم يجعل مع العرض النسل.
وقد بنيت عليها مسائل العبادات والعقوبات والمعاملات الضرورية جميعاً وترمي إلى قيام مصالح الدين والدنيا الأساسية.
أما الدين وهو مجموعة العقائد والعبادات والقوانين التي شرعها الله تعالى، وأوجب المحافظة عليه بالجهاد، وفرض العقوبة على كل من يصد الناس عن دينه أو من يرتد عن دينه أو من يبتدع ويحدث في الدين ما ليس منه.
أما النفس فقد شرع لإيجادها الزواج للتوالد، وشرع لحفظها وبقائها ما يقيم الحياة من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وأباح الطيبات وأحل المعاملات. وشرع لمنع الاعتداء عليها القصاص والدية والكفارة وحرم الإلقاء بها إلى التهلكة، كما أوجب دفع الضرر عنها.
وشرّع الله تعالى لإيجاد النسل النكاح لبقاء النوع وأباح في الزواج كل ما به حفظه، كما شرع لحفظ النسل تحريم الزنا والحد على الزاني والزانية وتحريم الإجهاض إلاَّ عند الضرورة.
وأما حفظ العقل فيتم عن طريق ما أوجبه الله لكفالة سلامته وزيادة قدرته وعن طريق ما حرّمه مما يفسده ويضعف قوته، فأجزل الثواب للمعلم. وحرّم تناول الخمر وكل مسكر ومخدر وأوجب العقوبة على من يقدم على إذهاب عقله.
وأما المال فقد شرّع الله لإيجاده وكسبه السعي للرزق وإباحة المعاملات والمبادلات والتجارة والمضاربة، وشرع لمنع الإعتداء عليه وصيانته تحريم السرقة وحد السارق والسارقة وتحريم الغش والخيانة والربا وأكل أموال الناس بالباطل وتحريم إتلاف مال الغير وفرض ضمان المتلفات ومراعاة المماثلة في الضمان وغيرها من الأحكام.
والثانية الحاجيات:وهي التي يحتاج إليها الناس ليعيشوا بيسر وسعة وإذا فاتتهم لم يختل نظام الحياة ولكن يصيب الناس ضيق وحرج عند المشقة كالافطار للمريض، وفي المعاملات بيع السلم، وشرّع الطلاق للخلاص من حياة زوجية لم تعد تطاق، وفي العقوبات شرّعت الدية (الضمان المالي) في ال*** الخطأ على أقارب القاتل الذكور تخفيفاً عن المخطئ.
والثالثة التحسينيات:فهي ترجع إلى محاسن العادات ومكارم الأخلاق، وإذا غابت لا يختل نظام الحياة ولا يصيب الناس حرج ولكن تخرج حياتهم عن النهج الأقوم وما تستدعيه الفطرة السليمة والعادات الكريمة ولبيان التحسينات فقد شرعت الطهارة للبدن والثوب، وستر العورة والنهي عن بيع الإنسان أخيه الإنسان، والنهي عن *** الأطفال والنساء في الحروب وقلع الأشجار والدعوة إلى الضيافة والشجاعة والكرم وآداب الطعام والشراب وحسن الجوار.
وإذا اجتمعت المصالح الضرورية والحاجية والكمالية ولم يكن الجمع بينها كلها، قدمت الأولى على الثانية، والثانية على الثالثة، ثم في الطبقة ذاتها كما في اجتماع المصالح الضرورية المتعددة قدم حفظ الدين باعتباره الأصلح والأفضل على جميع المصالح الدنيوية. أما بين المصالح الدنيوية فيقدم حفظ النفس على حفظ المال وهكذا.
وكذلك إذا تعارضت المصالح من النوع الواحد من الفئة ذاتها وتعذر الجمع بينها قدم الدفع عن النفس على الدفع عن العضو، وقدم حفظ الإنسان على حفظ الحيوان، وقدمت صيانة المال الخطر على المال الوضيع وهكذا تطبق قاعدة تقديم الأفضل فالأفضل والأصلح فالأصلح من المصالح المتزاحمة.
وإذا تعارضت المفاسد والمصالح رجح أعظمها فإن كان الأعظم مفسدة شرّع الحكم لدفعها وإن كان الأعظم مصلحة شرع الحكم لجلبها مثاله *** القاتل مفسدة لأن فيه تفويت حياته ولكنها جازت لأن فيها تحقيق مصلحة أعظم وهي حفظ حياة الناس على العموم والدفاع عن البلاد يعرض النفوس لل*** وهذه مفسدة، ولكن ترك الأعداء يدخلون البلاد ويستعمرونها مفسدة أعظم فشرّع الجهاد.

محمد رافع 52 24-12-2012 03:42 PM

مقاصد الأحكام القانونية:
كانت مقاصد القانون الوضعي بين أركان ثلاثة أساسية وهي: العدل، والأمن أو النظام العام، والتقدم الاجتماعي، وقام حول هذه المقاصد جدال ومناظرات ونظريات بين علماء القانون، فمنهم من أعطى الأولوية للأمن العام وكان ذلك مذهب الشكليين، ومنهم من أكّد العدل وهو مذهب المثاليين، ومنهم أخيراً مَنْ أصرَّ على ركن التقدّم الإجتماعي والرخاء والازدهار، وهو مذهب الاجتماعيين الواقعيين.
والحقيقة إنها جميعاً تتركز على العدل، فالعدل يرمي إلى حماية الفرد في المجتمع، بإعطاء كل ذي حقٍ حقه ويمنع الاعتداء عليه من الغير.
وأما الأمن العام والنظام فهو من ضرورات الحياة الاجتماعية ومن ضمانات حماية الحقوق الفردية. فينبغي له أن يبنى بدوره على العدل وإلاَّ انقلب إلى تعسف وظلم ودكتاتورية. وكذلك التقدّم الإجتماعي فإنه لا يتحقق إلاَّ عند توافر العدل الصحيح الذي يحمي النفوس والأعراض والأموال، والذي يؤمن الأمل والطمأنينة الاقتصادية وينشط المبادرة الشخصية ومن ثم الجد في العمل والنتاج.
خامساً:طبيعة أحكام الشريعة جعلها عامة وباقية وهي نوعان:
النوع الأول: أحكام تفصيلية:وهذه إما تتعلق بالعقيدة أو بالعبادات أو بالأخلاق أو ببعض المسائل الخاصة بعلاقات الأفراد فيما بينهم:
أ- فأحكام العقيدة: كالإيمان بالله واليوم الآخر ونحو ذلك لا يتصور مجيء عصر يستغني فيه البشر عنها لأنها تبين حقائق ثابتة، وأحكام العبادة تنظم علاقة الفرد بربه على شكل معين وهذا التنظيم يحتاج إليه الإنسان في كل زمان، فإنه لا إشكال بأن العبادة لها فائدة دنيوية تظهر في صلاح النفس وما ينتج من صلاح المجتمع. فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
ب- والأخلاق: فالشريعة أكدت على جانب الأخلاق لإرساء قواعد المجتمع على أسس قويمة.
جـ- الأحكام الفقهية التفصيلية: وهي الأحكام المتعلقة ببعض علاقات الأفراد فيما بينهم فهي غير قابلة للتغير والتبديل لأن تشريعها بني على أساس أن الحاجة إليها تبقى قائمة في كل زمان ولكل جماعة مثل حق الحضانة وكيفية الزواج وتنظيم الميراث وتحريم الربا، والعقوبات في الشريعة الإسلامية من حدود.
النوع الثاني: أحكام على شكل قواعد ومبادئ عامة:وهي أحكام توسع على حاجات الناس ولا تضيق بها. ويمكن أن نذكر أمثلة منها:
1- جاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ الشورى في الحكم بعد انتهاء عصر النص في الخلافة، قال تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]، وقوله تعالى: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ]، ومبدأ الشورى أسمى نظام للحكم يمكن أن يصل إليه النوع البشري بعد نضوج العقل البشري في الفكر السياسي.
2- مبدأ المساواة وهو مبدأ عظيم صالح لكل زمان ومكان.
3- مبدأ العدالة، الشريعة تأمر بتحقيق العدالة في الأرض والحكم بالعدل حتى مع الأقربين والأبعدين والأصدقاء والأعداء [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ]فهو مبدأ صالح لكل زمان ومكان.
4- قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وهو رفع الضرر في الشريعة الإسلامية فلا يجوز لأحد إيقاع الضرر بنفسه أو بغيره. كما أنه لا يجوز مقابلة الضرر بضرر آخر لأنه عبث وفساد.
5- مسؤولية المرء الفردية بحيث يسأل وحده عن أعماله ولا يسأل عن أعمال غيره مبدئياً، قال تعالى: [وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى] وخاصة في العقوبات.
6- لا يؤاخذ الإنسان بالقصد الباطني غير مقرون بالعمل، فالهاجس والخاطر في المعاصي والمنكرات لا يعاقب عليها الإنسان فلا يوجبان المسؤولية، وكذلك أنَّ الهم وهو ترجيح قصد الفعل على تركه فإنه إن همَّ بالحسنة كتبت له وإن همَّ بالسيئة لم تكتب عليه سيئة وهذا من باب التسامح لتشجيع الناس على العمل الصالح والكف عن المنكرات.
وأما العزم هو الجزم بالقصد والثبات عليه ففي القول المشهور يؤخذ المرء به ديانة وإن لم يقترن بالعمل لقوله تعالى: [وإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ]، والحاصل إن الله يعاقب والمسؤولية توجب عند العمل فقط.
سادساً:مصادر الأحكام الشرعية التي تتصف بالمرونة، فالكتاب والسنة الشريفة المصدران الأصليان للشريعة جاءت أحكامها على نحو ملائم لكل زمان ومكان، كما أن دليل الإجماع والعقل كلها مصادر مرنة دلت عليها الشريعة. وهذا مما يجعل الشريعة لها الصلاحية للعموم والبقاء.

محمد رافع 52 24-12-2012 03:45 PM

- شمول الشريعة:
إن الشريعة الإسلامية نظام شامل لجميع شؤون الحياة فهي ترسم للإنسان سبيل الإيمان وتبين أصول العقيدة وتنظم صلته بربه، وتأمره بتزكية نفسه، وتحكم علاقاته مع غيره، فلا يخرج من حكم الشريعة شيء.
ويمكن تقسيم أحكام الشريعة إلى ثلاث مجموعات:
الأولى:الأحكام المتعلقة بالعقيدة كالإيمان بالله واليوم الآخر وهذه الأحكام الاعتقادية محل دراستها علم الكلام.
الثانية:الأحكام المتعلقة بالأخلاق كوجوب الصدق والأمانة والوفاء بالعهد وحرمة الكذب والخيانة ونقض العهد، وهذه هي الأحكام الأخلاقية ومحل دراستها علم الأخلاق.


الثالثة:الأحكام المتعلقة بأقوال وأفعال الإنسان في علاقاته مع غيره وهذه هي الأحكام العملية وسميت بالفقه ومحل دراستها علم الفقه.
وتنقسم الأحكام العملية بالنسبة إلى ما تتعلق به إلى قسمين:
القسم الأول:العبادات كالصوم والصلاة والمقصود بها تنظيم علاقة الفرد بربه.
القسم الثاني:المعاملات وهي التي يقصد بها تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، وهذه تشمل جميع روابط القانون العام والخاص في الاصطلاح الحديث. وهي تنقسم إلى ما يأتي:
أ- الأحكام المتعلقة بالأسرة من نكاح وطلاق ونفقة ونسب وتسمى بقانون الأسرة أو الأحوال الشخصية.
ب- الأحكام المتعلقة بعلاقات الأفراد المالية ومعاملاتهم كالبيع والإجارة والرهن والكفالة ونحو ذلك وهي ما يسمى حالياً بقانون المعاملات أو بالقانون المدني، ومن هذه الأحكام ما يتعلق بالشركات والتسليف والأمور التجارية الأُخر التي ينظمها في الوقت الحاضر القانون التجاري.
جـ- الأحكام المتعلقة بالقضاء والدعوى والشهادة واليمين وهي تدخل فيما يسمى اليوم بقانون المرافعات.
د- الأحكام المتعلقة بمعاملة الأجانب غير المسلمين في الدولة الإسلامية أو مع الرعايا الأجانب وتسمى بالقانون الدولي الخاص.
شبهات عصرية للشريعة الإسلامية:

هنالك من يدعي عدم قابلية التطبيق للشريعة الإسلامية في العصر الحاضر، لأن هنالك مشكلات زمنية تعترض سبيل هذا التطبيق ولا تتسع الشريعة لحلها في نظرهم وهي:
1- مشكلة الصفة الدينية والأحكام الثابتة التي لا تقبل التطور. وهذا وَهمْ منشؤه عدم معرفة بأحكام الشريعة الإسلامية، فإن الصفة الفقهية لا تنافي كونها متطورة وكفيلة بوفاء الحاجات العصرية وحل المشكلات.
2- بعض العقوبات المحددة شرعاً كعقوبة الزنا بالجلد والسارق بالقطع. والجواب إن هذه الحدود مشروطة بشرائط يجعل في تطبيقها نادرة التطبيق، على إن إقامة حد يمنع آلاف الآخرين من ارتكاب هذه الجريمة التي توجب الحد، ومن المعلوم إن هذه الحدود تقام عندما يكون المجتمع إسلامياً وتعليمه وتربيته إسلامية.
3- نظام الفائدة في المعاملات التجارية والأعمال المصرفية وتحرير الربا. والجواب بأنَّ هنالك أنظمة وشركات في الشريعة الإسلامية كالمضاربة فيها الربح المشروع بدلاً من الربا والفائدة.
4- الأوضاع القانونية والنظم الاقتصادية كعقد التأمين لم يكن موجوداً في الفقه الإسلامي. والجواب على ذلك إن المبادئ الحقوقية في الفقه الإسلامي ذات سعة ومرونة للاستيعاب وباب الاجتهاد مفتوح.
المستقبل للشريعة الإسلامية:

وذلك للأسباب التالية:
1- تطبيق الشريعة الإسلامية يعتبر في نظر المسلمين من الدين وجزء من عقيدتهم.
2- الشريعة الإسلامية هي القانون الصحيح لهذه الأمة لأنه يمثل مصالحها وأفكارها في الحياة ومستقر تقاليدها ومثلها العليا.
3- الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.
4- النهضة الفقهية لدراسة الشريعة وبيان مبادئها وقواعدها وأحكامها

محمد رافع 52 03-01-2013 01:04 AM

الهدنة
هي مصالحة أهل الحرب علي ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره، سواء أكان فيهم من يقر علي دينه ومن لم يقر، دون أن يكونوا تحت حكم الإسلام، والذي يعقد الهدنة هو الإمام أو نائبه، فإذا عقدها أحد الأفراد، عُدَّ ذلك خروجًا علي الإمام أو نائبه، ولم يصح العقد عند الجمهور.
وتجب الهدنة في (حالتين):
الحالة الأولي: إذا طلبها العدو، فإنه يجاب إلي طلبه، ولو كان العدو يريد الخديعة، مع وجوب الحذر والاستعداد، قال تعالي: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} [الأنفال: 61- 62].
ولقد هادن رسول الله ( مشركي مكة علي أن يدخلها فيقيم بها ثلاثًا، ولا يدخلها إلا بجُلُبَّان السلاح: السيف وجرابه، ولا يخرج بأحد من أهلها، ولا يمنع أحدًا يمكث بها ممن كان معه.
الحالة الثانية: الأشهر الحرم، فإنه لا يجوز فيها أن يبدأ المسلمون القتال، إلا إذا بدأ العدو، فإنه يجب عندئذ القتال، حتى ولو كان ذلك في المسجد الحرام مع ما له من حرمة، لأن حرمة المسلم أشد حرمة عند الله من حرمة المسجد الحرام، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب. قد أذن الله للمسلمين بالقتال فيها إذا بدأ الأعداء القتال، قال تعالي: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله} [البقرة: 217] .
وقال تعالي: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فا***وهم} [البقرة: 191].
ركن الهدنة :
ركن الهدنة الإيجاب والقبول بين الإمام أو نائبه والأعداء.
حكم الهدنة:
يترتب علي الهدنة إنهاء الحرب بين المتحاربين، ويأمن الأعداء علي أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، لأن الهدنة عقد أمان أيضًا.



محمد رافع 52 03-01-2013 01:07 AM

الأحكام الاقتصادية والمالية
الأحكام الاقتصادية والمالية تختص بالموارد المالية التي تدخل الدولة عن طريق الأنفال والفيء والغنيمة والنذور والزكاة وغير ذلك.
الأنفال:
قد يترتب على الحروب بعض المكاسب المادية، عرفها الفقهاء بأموال الفىء والغنيمة، وقد يخص الإمام بعض المجاهدين ببعض الأموال تحريضًا على القتال، وحثًا لهم على الحمية في الجهاد، وهو جائز لقوله تعالى:{يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال : 65]. وأما السلب الذي هو ثياب المقتول وسلاحه ودابته وما كان معه من مال فيرى الحنفية والمالكية أنها من الغنيمة، فتكون لجماعة الغانمين، ويرى الشافعية والحنابلة أن السلب حق للقاتل في كل حال بدون إذن الإمام، لقول الرسول (: (من *** قتيلاً فله سلبه) [رواه الجماعة إلا النسائي]. والحنفية والمالكية استدلوا على رأيهم بأن الرسول الله ( جعل السلب حقًا للقاتل بوصفه إمامًا،وأما الشافعية والحنابلة، فيرون أن جعل السلب نفلاً كان تصرفًا من الرسول الله ( بطريق الفُتيا، ويشترط لجواز التنفيل أن يكون قبل أن تكون الغنيمة في أيدي الغانمين، فإن حصلت في أيديهم فلا نفل إلا في الخمس.
الفىء:
هو المال الذي يؤخذ من أهل الحرب من غير قتال عن طريق الصلح والجزية، وكان الفىء لرسول الله ( خاصة، لقول الله تعالى: {وما أفاء الله علي رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله علي من يشاء والله علي كل شيء قدير} [ الحشر : 6]. وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - قال :( كانت أموال بني النضير مما أفاء الله - عز وجل - على رسوله (، وكانت خالصة له،وكان ينفق فيها على أهله نفقة سنة، وما بقى جعله في الكراع (الخيل والبغال والحمير) والسلاح ) [متفق عليه].
والفىء لجماعة المسلمين بعد وفاة رسول الله ( وليس للأئمة، وذلك لأن الأئمة ينصرون بقوة قومهم المعنوية، أما رسول اله ( فقد كان يُنصر بما أعطاه الله من مهابة، لقوله (: (نُصرت بالرعب مسيرة شهر) [ متفق عليه ].
الغنيمة:
هي ما أخذ من أموال أهل الحرب عنوة بطريق القهر والغلبة،وتقسم أموال الغنيمة كما في قوله تعالى: {واعلموا أن ما غنتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شيء قدير} [الأنفال :41] .
فتقسم الغنيمة خمسة أقسام، قسم لمن ذكرتهم الآية، وأربعة أخماس الغنيمة الباقية للغانمين، فيعطى للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم واحد، لقول الرسول (: (للفارس ثلاثة أسهم: للفرس سهمان، وللراجل سهم) [ متفق عليه ].
أما حديث: (للفارس سهمان، وللراجل سهم) فهو ضعيف السند، ويسهم لمن دخل الحرب بغرض الجهاد، ولو دخل بفرسه، ثم مات فرسه فيسهم له بسهم الفرسان، ويستحق الراجل ما دام قد دخل أرض المعركة بنية الجهاد وإن لم يجاهد لقول أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: (إنما الغنيمة لمن شهر الوقعة). [البخاري]. ويجوز أن يقسم الإمام الغنائم في دار الحرب لما في ذلك من رفع الروح المعنوية للجنود، وقد قسم رسول الله ( الغنائم في حنين ولم يكن قد رجع. [البخاري].
وقسم غنائم بني المصطلق في ديارهم. هذا هو رأي الجمهور، ورأي الأحناف أن الغنائم تُقسم في دار الإسلام.



محمد رافع 52 03-01-2013 01:08 AM

إدارة الدولة
الإدارة في عهد الخلفاء الراشدين:
تميز المسلمون في مجال إدارة الدولة، وكانت النواة في عهد النبي (، فقد كان يبث الدعوة، ويجاهد العدو، ويأخذ الغنائم والصدقات والعشور، ويقسمها بين المجاهدين وأهل البلاد الفقراء والمهاجرين والأنصار، ويوزع العمل بين عماله، ويرسل القضاة والمعلمين إلي بعض البلدان .
وسار أبو بكر علي نهج النبي ( ، وزاد أن قسم جزيرة العرب إلي ولايات وأعمال، مثل مكة، والمدينة، والطائف.. إلخ ،فقسمت الحجاز إلي ثلاث ولايات ، واليمن إلي ثمانٍ، والبحرين وما يتبعها ولاية، وكان يهتم بمراقبة الموظفين والإداريين.
ووضحت صورة التنظيم الإداري في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لاتساع رقعة الدولة الإسلامية، فعين العمال وراقبهم، وأحصي القبائل، وفرض الفروض والعطايا، ودوَّن الدواوين التي تشبه الوزارات اليوم، فوضع أول ديوان للخراج في الإسلام وكان أول من استقضي القضاة، وأحدث التاريخ الهجري، وكان يحدد راتب العامل بحسب حاجته وبلده، وغير ذلك من التقسيمات والتنظيمات الإدارية.
وحافظ عثمان بن عفان-رضي الله عنه- علي هذا النظام وإن حدث اضطراب في نهاية عهده، بسبب الخارجين عليه. وكان علي -كرم الله وجهه- كسابقيه في الإدارة.
319 - 331

محمد رافع 52 03-01-2013 01:11 AM

الأمان
هو عقد يفيد ترك ال*** والقتال مع المحاربين، وهو إحدى طرق ترك الحرب، فإذا طلب الأمان أي فرد من الأعداء المحاربين قُبل منه، وصار بذلك آمنًا، لا يجوز الاعتداء عليه، بأي وجه من الوجوه، يقول تعالي: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} [التوبة: 5].
نوعا الأمان:
وللأمان نوعان؛ عام وخاص، فالعام: هو ما يكون لجماعة غير محصورين، ولا يعقده إلا الإمام أو نائبه. والخاص: هو ما يكون للواحد أو لعدد محصور كعشرة فما دون، ولا يجوز لأكثر من ذلك كأهل بلدة كبيرة، لما فيه من افتئات علي الإمام، وتعطيل الجهاد، والأمان العام إما مؤقت وهو الهدنة، أو مؤبد وهو عقد الذمة.
شروط الأمان:
يشترط للأمان شروط هي:
- أن يكون لمصلحة أو علي الأقل دفع ضرر عن المسلمين.
- أن يكون المسلمون في حالة ضعف ، والكفار في حالة قوة.
- العقل؛ فلا يجوز إعطاء الأمان للمجنون والصبي غير المميز.
- البلوغ وسلامة العقل.
-الإسلام، فلا يصح أمان الكافر ولو ذميا، وإن كان يقاتل مع المسلمين، لأنه متهم، بالنسبة للمسلمين، فلا تؤمن خيانته، والأمان مبني علي مراعاة مصلحة المسلمين، والكافر يشك في تقريره للمصلحة. وأجاز جمهور الفقهاء إجازة العبد، ولم يجز أبو حنيفة إجازة العبد المحجور، كما لا تشترط الذكورة، فيصح أمان المرأة. لحديث النبي(:قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء [متفق عليه].
ويصح أمان الأعمي، والمريض، ولا يجوز أمان التاجر في دار الحرب، والأسير فيها.
حكم الأمان:
يثبت بعقد الأمان الأمن والطمأنينة لمن استأمنهم المسلمون، فيحرم *** رجالهم وسبي نسائهم وأولادهم، واسترقاقهم، واغتنام أموالهم، كما لا يجوز فرض الجزية عليهم، ويدخل في أمان الرجل أمن أولاده الصغار، وماله وأهله، بلا شرط إذا كان الإمام هو الذي أعطي الأمان.
والأمان عقد لازم من المسلمين، يجب الوفاء بما اتفق عليه، إذا أمن عدم الضرر، لأن عقد الأمان حق علي المسلم فليس له نبذه إلا لتهمة أو مخالفة.
نواقض الأمان:
ينتقض الأمان بأمور، أهمها:
-أن يكون الأمان غير مقيد بوقت، فيري الإمام من المصلحة نقضه، فيخبرهم بالنقض، ثم يقاتلهم.
-وإذا طلب العدو نقض الأمان، فيدعوهم الإمام إلي الإسلام، فإن رفضوا فيدعوهم إلي عقد الذمة، فإن رفضوا ردهم إلي مأمنهم ثم قاتلهم.
-وإذا حصل ضرر للمسلمين،فللإمام نقض الأمان؛ لقول الله تعالي: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم علي سواء}[الأنفال: 58].
-وإذا كان الأمان محددًا بوقت معين، وانتهي الوقت، فينتقض الأمان بانقضاء الوقت.
مدة الأمان:
لا تزيد مدة الأمان عن سنة إذا كان المحارب قد دخل دار الإسلام مستأمنًا، وذلك حتى لا يصير جاسوسًا وعونًا علي المسلمين، ولا يضع الإمام علي المستأمن الجزية، فإن أقام تمام سنة، أخذت منه الجزية، وصار ذميا لالتزامه ذلك، ولم يترك بعضها أن يرجع إلي دار الحرب، لأن عقد الذمة لا ينتقض.



محمد رافع 52 03-01-2013 01:15 AM

الحرابة أو قطع الطريق
الحرابة: هى خروج الفرد أو الجماعة بالسلاح على الناس في بلد إسلامى لأخذ أموالهم. وقد يجنحون إلى ال*** وهتك العرض وغير ذلك.
حد الحرابة:
الحرابة جريمة كبيرة، بل هى من أكبر الكبائر، ولذلك وضع لها الإسلام عقابًا رادعًا حتى لا تنتشر في المجتمع، فتكثر الفوضى والاضطرابات، فينهار المجتمع.
قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحارون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن ي***وا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} [المائدة:33-34].
وقد اختلف الفقهاء في هذا الحد، فقالوا إن كلمة (أو) في الآية للتخيير بمعنى أن للحاكم أن يختار حُكْمًا من أحكام أربعة يوقعها على المحارب والمفسد في الأرض، وهذه الأحكام هى: ال***، أو الصلب، أو قطع الأيدى والأرجل من خلاف فتقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، فإن عاد للحرابة مرة ثانية تقطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى، أو النفي من الأرض. فالحاكم يختار إحدى هذه العقوبات، فيطبقها على الجانى.
ومن الفقهاء من قال إن (أو) في الآية للتنويع. بمعنى أن تتنوع العقوبة بمقدار الجريمة.
فإن قَتَل ولم يأخذ مالا ***، وي*** جميع المحاربين وإن كان القاتل واحدًا منهم، وإن *** وأخذ المال ***، ومن الفقهاء من قال ي*** أولا ثم يصلب ليكون عبرة، وإن أخذ المال ولم ي*** قطعت يده ورجله من خلاف، وإن أخاف الناس، ولم ي***، ولم يأخذ أموالهم عُزِّرَ بالحبس أو النفي من البلد.
شروط إقامة حد الحرابة:
ولكى يقام حد الحرابة على الجانى لابد من أن يكون الجانى بالغًا عاقلا، فإن كان صبيَّا صغيرًا، واشترك مع غيره في قطع الطريق أو كان مجنونًا فلا حد عليه. ويقام الحد على من تنطبق عليهم الشروط واشتركوا مع هؤلاء في الجريمة!
- أن يكون قد حمل سلاحًا في تعدِّيه على الناس أو في قطع الطريق عليهم.
- أن يقع التعدى خارج البلد في الصحراء مثلا، لأنه لو كان في داخل البلاد لم يُعد هذا حرابة.
- أن يكون تعديه هذا مجاهرة وفي العلانية، فإن هجم على قافلة مثلا وسرق منها في الخفاء وهرب، فهو سارق يقام عليه حد السرقة ولا يقام عليه حد الحرابة، وإن أخذ جهرًا وهرب فهو ناهب ولا يطبق عليه حد الحرابة.
دفاع الإنسان عن نفسه وعن غيره:
وليس معنى ذلك أن يستسلم الإنسان لقاطع الطريق، وإنما عليه أن يدافع عن نفسه إلا أن يخشى الهلاك. فإن دافع عن نفسه و*** فهو شهيد، وإن *** المعتدى فلا شىء عليه لقوله (: (من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن *** دون دينه فهو شهيد، ومن *** دون دمه فهو شهيد، ومن *** دون أهله فهو شهيد...) [الترمذي].
وإذا استطاع أن يدافع الإنسان عن غيره، وجب عليه ذلك، فإن كان غير قادر فلا شىء عليه.
سقوط حد الحرابة بالتوبة:
يسقط حد الحرابة بتوبة الجانى أو قاطع الطريق، وذلك قبل أن يقبض عليه الحاكم، فإذا قدر عليه الحاكم بعد ذلك عفي عنه ما ارتكبه في حق الله، أما ما ارتكبه في حق العباد فلا يعفي عنه، وتكون العقوبة من قبيل القصاص، والأمر في ذلك يرجع إلى المجنى عليهم لا إلى الحاكم؛ فإن كان قد سرق فقط يرد ما أخذه إلى صاحبه، وإن هلك رَدَّ مثله أو قيمته، ولكن لا يقام عليه الحد. وإن كان قد *** يقتص منه، في*** لا على الحرابة ولكن على القصاص إن رأى المجنى عليهم ذلك.
كما يسقط بتكذيب المقطوع عليه القاطع في إقراره بقطع الطريق ويسقط برجوع القاطع عن إقراره بقطع الطريق، وبتكذيب المقطوع عليه البينة، وبملك القاطع الشيء المقطوع له، وهو المال.
حكم من يساعد قاطع الطريق:
إن ساعد أحد قاطع الطريق في هجومه المسلح على الناس، ولكنه لم ي*** ولم يأخذ مالا؛ فحكمه حكم قاطع الطريق ويقع عليه حد الحرابة، وقيل: بل يعزر فيحبس.
قتال البغاة:
البغى لغة هو التعدى أو هو الامتناع عن طاعة الإمام في غير معصية والخروج عليه بالسلاح أو بدون سلاح وهو مُحرَّم لقول النبي (: "من حمل علينا السلاح فليس منا" [متفق عليه]. ولقوله (: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية" [مسلم والنسائى].
وهؤلاء البغاة لا يأخذون حكم قطاع الطريق. وإنما يحاربون بقصد ردعهم وردهم إلى طاعة الإمام، وليس بغرض ***هم، قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله}[الحجرات: 9].
أى حتى ترجع إلى أمر الله وتخضع للحق. فهم يقاتلون بهدف إخضاعهم لأمر الله، فإن أُسِرَ منهم أحد لا ي***، وإن جرح منهم أحد لا يجهز عليه بال***.
وإن كانت جماعة البغاة لا تملك سلاحًا تخرج به على الحاكم؛ فإنهم يحبسون حتى يخضعوا لأمر الله ويتوبوا ولا ي***ون، فإن استعدوا للقتال، وكان لهم مكان يتحصنون فيه، وسلاح يحاربون به، دعاهم الإمام إلى التزام الطاعة، ودار العدل، وعدم الخروج على الجماعة،فإن رفضوا ذلك قاتلهم، ولكن لا يبدأ بالقتال، ولا حرج من أن يُقتَل البغاة بسلاحهم، ويؤخذ خيلهم لحربهم إذا احتاج المسلمون إلى ذلك، لأن للإمام أن يفعل ذلك في مال المسلمين العدول إذا اقتضى الأمر ذلك، فكأن الاستعانة بمال البغاة أولى، ويحبس الإمام عنهم أموالهم حتى يردهم ويتوبوا إلى ربهم، فإن تابوا: أعاد الإمام إليهم أموالهم.
والبغاة ليس عليهم ضمان ما أتلفوه من الأنفس والأموال، لأنهم إنما بنوا بتأويل القرآن، ولأن تضمينهم ينفرهم عن الرجوع إلي طاعة الإمام، فلا يشرع كتضمين أهل الحرب، ولاضمان على أهل العدل من المسلمين ب***هم أهل البغى، ولا يضمنون ما أتلفوه عليهم، وإذا أتلف البغاة أو العادلون مال بعضهم بعضًا، قبل تمكن المنعة للبغاة، أو بعد انهزامهم، فإنهم يضمنون ما أتلفوه من الأنفس والأموال، لأنهم حينئذ أهل دار الإسلام، فتكون الأنفس والأموال معصومة.

محمد رافع 52 03-01-2013 01:22 AM

الصكوك الإسلامية
الصكوك هي جمع( صك)وتعني شهادة ائتمانية وتقابل (شيك)باللغة الانجليزية، والفرق بين (الصكوك الإسلامية) والسندات ( الصكوك التقليدية) ،هو أن (الصك الإسلامي) ملكية شائعة في أصول أو منافع، وبالتالي فهي متوافقة مع القاعدة الاقتصادية الإسلامية التي تحرم الربا المتمثل في ضمان عوائد ثابتة بغض النظر عن الربح أو الخسارة (فالصكوك الإسلامية) تعطي دخل لمالكيها مقابل تجارة معينة أو تأجير لأصل أو غيره من أنواع الصكوك المتاحة، و هي عبارة عن أوراق (صكوك) تثبت حق ملكية في أصل معين ،و(الصكوك) في الاقتصاد الإسلامي يقابلها (السندات المالية) في الاقتصاد التقليدي، و يتميز (الصك) بضرورة وجود الأصل فإن (السندات التقليدية) قد تصدر بضمان المنشأة فقط، وعرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمصرفية الإسلامية (الصكوك الإسلامية)أنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أو نشاط استثماري، وذلك بعد تحصيل قيمة (الصكوك) وقفل باب الاكتتاب واستخدامها فيما أصدرت من أجلها، وقد وصل عددها إلى أربعة عشر نوعا.

أنواع الصكوك الإسلامية

1- مالك موعود باستئجارها، بغرض بيعها و استيفاء ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح مملوكة لحملة الصكوك.

2- صكوك ملكية المنافع، هي وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك عين موجودة بغرض إجارة منافعها، واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب وتصبح منفعة مملوكة لحملة الصكوك.

3- صكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة أو (الموصوفة في ألذمه): هي وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك منفعة موجودة(مستأجر) بغرض إعادة إجارتها و استيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة مملوكة لحملة الصكوك.

4- صكوك ملكية الخدمات من طرف معين أو(من طرف موصوف في ألذمه): هي وثائق متساوية القيمة تصدر بغرض تقديم الخدمة من طرف معين واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح تلك الخدمات مملوكة لحملة الصكوك.

5- صكوك السلم: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لتحصيل رأس مال السلم، وتصبح سلعة السلم مملوكة لحامل الصكوك.

6- صكوك الاستصناع: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تصنيع سلعة، ويصبح المصنوع مملوكاً لحامل الصكوك.

7- صكوك المرابحة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لتمويل شراء سلعة مرابحة، وتصبح سلعة المرابحة مملوكة لحامل الصكوك.

8- صكوك المشاركة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلتها في إنشاء مشروع، أو تمويل نشاط على أساس المشاركة، ويصبح المشروع ملكاً لحامل الصكوك، وتدار صكوك المشاركة على أساس الشركة أو على أساس المضاربة.

9- صكوك الشركة: هي وثائق مشاركة تمثل مشروعات تدار على أساس الشركة بتعيين أحد الشركاء لإدارتها.

10- صكوك المضاربة: هي وثائق مشاركة تمثل مشروعات تدار على أساس المضاربة بتعيين مضارب من الشركاء لإدارتها.

11- صكوك الوكالة بالاستثمار: هي وثائق مشاركة تمثل مشروعات تدار على أساس الوكالة بالاستثمار ويعين وكيل من حملة الصكوك لإدارتها.

12- صكوك المزارعة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تمويل مشروع للمزارعة، ويصبح لحملة الصكوك حصة في المحصول.

13- صكوك المساقاة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام الاكتتاب فيها في سقي أشجار مثمرة، ورعايتها على أساس عقد المساقاة، ويصبح لحملة الصكوك حصة من الثمرة.

14- صكوك المغارسة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام الاكتتاب فيها في غرس أشجار على أساس عقد المغارسة، ويصبح لحملة الصكوك حصة في الأرض و الغرس.


ازدهار الصكوك الإسلامية

ظهرت (الصكوك الإسلامية) قبل عدة سنوات،وانتشرت هيكلة (الصكوك الإسلامية) في السنوات الخمس السابقة ،وقد تطورت صناعة (الصكوك الإسلامية)،وتوقع مركز دبي المالي العالمي أن تقفز قيمة الإصدارات إلى 001بليون دولار في غضون خمس سنوات من 31بليون دولار حاليا وقال المركز إن معظم النمو سيقوده مصدرو النفط في الخليج العربي (عن مجلة المستثمرون) وكذلك أعلن بنك دبي الإسلامي مؤخرا عن إغلاق أكبر إصدار (للصكوك الإسلامية) في العالم مع زيادة القيمة الأساسية للإصدار من 2.8بليون دولار إلى 3.5بلايين دولار نتيجة للإقبال الكبير للمشاركة في الإصدار الذي طرح لصالح مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، حيث جمع الإصدار أكثر من 11بليون دولار وذلك لأنه يتناسب مع تمويل القطاع النفطي وقطاع الإنشاءات التي باتت تشكل تحديا في الخليج العربي، كما إن قطر تدرس اللجوء إلى سوق السندات الإسلامية لتمويل ما يصل إلى 06بليون دولار من مشروعات الطاقة بحلول عام 0102، وتقول الكويت إنها تحتاج إلى استثمار 46بليون دولار على الأقل في السنوات المقبلة لتطوير صناعة الطاقة.


خصائص الصكوك الإسلامية

1- هي وثائق تصدر باسم مالكها بفئات متساوية القيمة لإثبات حق مالكها فيما تمثله من حقوق في الأصول والمنافع الصادرة مقابلها.

2- تمثل حصة شائعة في ملكية أصول أو منافع أو خدمات يتعين توفيرها، ولا تمثل ديناً على مصدرها لحاملي الصكوك.

3- إنها تصدر بعقد شرعي بضوابط شرعية بين طرفيها وآلية إصدارها وتداولها والعائد عليها.

4- يكون تداول الصكوك بناء على الشروط والضوابط الشرعية لتداول الأصول والمنافع والخدمات التي تمثلها.

وقد حققت (الصكوك الإسلامية) قفزات نوعية من حيث العوائد، وحازت على اهتمام السوق الإسلامي والغربي، وأحيطت هذه الإصدارات برقابة شرعية تضمن سلامة الإجراء والتنفيذ من حيث موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة، ومع ذلك فهي تعاني من بعض الصعوبات و من المؤكد التغلب عليها في السنوات القادمة ،ومن المشاكل التي تواجهها هو عدم وجود سوق ثانوية متكاملة لهذه الإصدارات ويرجع السبب إلى قلة عدد الصكوك المصدرة في الوقت الراهن مقارنةً بسوق السندات التقليدي،وبمتابعتنا للوضع الحالي لسوق (الصكوك الإسلامية) نستنتج طفرة كبيره في الإصدارات لم تكن موجودة في السابق، ونستنتج مستقبل واعد للسوق الثانوية (للصكوك الإسلامية)على مدى العشر سنوات القادمة ومن المتوقع ظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق مما يجعله أداه ممتازة لعمليات الخزانة وعمليات المبادلة،والصكوك كبديل للسندات التقليدية هي تطور جديد وواسع للمستثمرين الذين يرغبون في منتجات استثمارية تراعي التقاليد الإسلامية،وإن تطوير هذا القطاع لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من كافه علماء المسلمين في سبيل استحداث أدوات تمويلية إسلامية حديثة لخدمة المجتمع الإسلامي و الغربي، وكل من يهتم بالفكر المالي الإسلامي لما يتميز به من عدالة ومساهمة واضحة في تحقيق التنمية الدائمة والمتوازنة ولله الموفق.

محمد رافع 52 03-01-2013 01:30 AM

التنمية الاقتصادية
قال تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 46]. وقال جل شأنه: {ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} [الأعراف: 129].
خلق الله الإنسان واستخلفه في الأرض للقيام بإعمارها، ونشر الخير والسلام فيها، فقال تعالى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود: 61].
وقال النبي (: (من أحيا أرضًا ميتة فهي له) [أبو داود].
وخلق الله للإنسان الوسائل التي تعينه على تحقيق هذه الغاية، فمنحه القوة على العمل، ووهبه المال اللازم لقضاء حاجاته ولأن المال شيء هام في حياة الأفراد، فقد وضع له الإسلام من الضوابط ما يجعله خادمًا للبشر، وعنصرًا مشاركًا في الإنتاج، وليس مسيطرًا على النفوس، فالمال -إذن- وسيلة وليس غاية.
ماذا نفعل بالمال؟:
من الوظائف التي بينها الإسلام للمال:
- الاستثمار في الوجوه المشروعة لتحقيق مقاصد الشريعة.
- إشباع الاحتياجات المشروعة مع مراعاة الطرق المشروعة في الإنفاق، فلا يميل الفرد إلى الشح والاكتناز أو يتجه نحو الإسراف والتبذير.
- أداء حقوق الله في المال من الصدقات والزكاة والإنفاق في سبيل الله.
- الكسب ويكون إما من عائد العمل أو عوائد حقوق الملكية. ومن هنا كان الكسب والعمل من أهم وسائل محاربة الفقر في النظام الإسلامي.
ومن ذلك يتبين أهمية التنمية وضرورتها، فالتنمية إصلاح لمعاش الأفراد وتحسين لمستواهم الاقتصادي والاجتماعي بما يكفل لهم الحياة الطيبَّة.
ومعيار التنمية في الإسلام هو توفير الضروريات اللازمة لحياة الأفراد والعمل على تحقيق زيادة في الدخل.
كيف تتحقق التنمية الاقتصادية؟:
وضع الإسلام بعض الضوابط التي تحقق التنمية الاقتصادية، ومن ذلك:
- تكليف الإنسان بإعمار الأرض والاستفادة من ثرواتها وخيراتها.
- أداء حقوق الله -تعالى- في المال من صدقات وزكاة وإنفاق في سبيل الله.
- تحريم الربا والاكتناز والاحتكار.
التنمية الاقتصادية.. لماذا؟:
والغرض من هذه الضوابط السابقة هو الوصول إلى التنمية وتحقيق أهدافها، الأساسية كما وضعها الإسلام ومن هذه الأهداف :
- تحقيق الحياة الطيبة التي تقوم على وفرة الإنتاج وعدالة التوزيع وسيادة الأمن.
- توفير عناصر القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية اللازمة لحماية المجتمع وأمنه.
- تحقيق التوازن بين الإشباع المادي لحاجات الأفراد وشعورهم بالرضا والسعادة.
- التكافل الاجتماعي وتنمية مبدأ الانتماء الذي يقوم على مسئولية المجتمع تجاه الفرد ومسئولية الفرد تجاه مجتمعه.
- تحقيق الفائض عن الاحتياجات واستخدامه في الإنفاق على غير القادرين على الكسب أو استثماره بما يجعل المستقبل مشرقًا للجميع.
وهكذا وضع الإسلام من المبادئ ما يضمن سعادة الفرد واستقراره وبالرغم من ذلك فهناك كثير من الدول الإسلامية تعاني من التخلف والفقر؛ لأنها تركت الطريق الذي رسمه الإسلام لها، وأهملت في واجباتها، فترتب على ذلك ما يلي:
1- سوء استخدام الموارد وتوجيهها للأمور الترفيهية، وليس لسد الاحتياجات الأساسية.
2-تبعية الدول الإسلامية للدول الغربية واتباع سياساتها وبرامجها التي لا تناسب المجتمعات الإسلامية.
3- عدم الأخذ بالأساليب العلمية والتكنولوجية في التنمية.
4- سعي الأفراد وراء المكاسب الشخصية وإهمال حاجات المجتمع.
5- عدم توفير الأعمال اللازمة للأشخاص، وانتشار البطالة، ورحم الله
عمر بن الخطاب الذي قال لأحد نوابه في أحد الأقاليم: ماذا تفعل إذا جاءك سارق؟ قال: أقطع يده. قال عمر: فإني إن جاءني منهم جائع أو عاطل فسوف أقطع يدك. لأن الله -سبحانه وتعالى- استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها. يا هذا إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.


محمد رافع 52 03-01-2013 01:32 AM

استخدام الطاقة النووية
بدأت قصة الطاقة النووية مع بداية التفكير فى المادة واللبنات التي تتكون منها، والنظام الذى يربط بين هذه اللبنات.
وكانت البداية قبل 2500 سنة أى فى العصر اليونانى عندما قام فلاسفة اليونان بتصنيف المادة ودراسة كل نوع حتى وصلوا إلى الخصائص التي تميز كلا منها، ومرت الرحلة الطويلة حتى وصلت إلى الكشف العظيم، والذى جاء بعد عشرات الحلقات من الاكتشافات مثل اكتشاف الأشعة المهبطية، والإلكترون، والأشعة المصعدية والسينية، ثم اكتشاف النواة.
وكانت أعظم النظريات فى هذا المجال: النظرية النسبية لأينشتاين (1879م-1955م)، والنظرية الكوانتية لماكس بلانك (1858م-1947م)، والتي تفسر طيف الإشعاع الصادر عن الأجسام.
ثم جاءت سلسلة دراسات العالم الإيطالى "فرص" (1901م-1954م)، والتي انتهت عام 1945 ببناء أول قنبلة نووية.
حدث أول انفجار تجريبى فى صحراء يور نادودى موتيروز فى ولاية مكسيكو سيتى فى الساعة الخامسة والنصف صباح السادس عشر من يوليو 1945م، وقد نجح الانفجار نجاحًا باهرًا، وتولدت منه الكرة النارية والسحابة التي تشبه الفطر، والتي نشرتها وسائل الإعلام، وتولد عن الانفجار ومضة من النور الساطع أشد ضوءًا من الشمس بمراحل، ثم تبعت الومضة هبة مخيفة من الضغط لحقها زئير هائل من الرعد بقى هديره يتداوله الصدى بين التلال والوديان عدة دقائق، وكانت الطاقة التي تولدت معادلة لخمسة آلاف طن من الديناميت.
وفى الرابع والعشرين من يوليو 1945م أمر ترومان الذى كان قد تولى رئاسة أمريكا بإلقاء قنبلة نووية على اليابان فى أول موعد يسمح به الطقس بعد الثالث من أغسطس وتم إنذار اليابان بالاستسلام فى السادس والعشرين من يوليو، ولكن رئيس وزراء اليابان رفض الاستسلام فتم إلقاء قنبلة الفتى الصغير على مدينة هيروشيما اليابانية رفض فى السادس من أغسطس، فتهدم ما يقرب من نصف المدينة، وبلغ عدد الضحايا 70 ألفًا. وتمكن السوفيت من تفجير قنبلتهم الأولى فى أغسطس 1949م، وفى 1952م فجرت بريطانيا أول قنبلة لها، وفى 13 فبراير 1960م قامت فرنسا بتفجير أول قنابلها الذرية.
وهكذا لم ينته عام 1960م إلا وكان النادى الذرى يضم فى عضويته بريطانيا وفرنسا، وبعد ذلك انضمت لعضوية النادى الصين والهند وغيرهما، وارتبط بالخبرة الأليمة النووية ثلاث حوادث نووية كبيرة، كان لها تأثيرها الإشعاعى على شتى مظاهر الحياة لمسافات طويلة وهذه الحوادث هى:
1- حادث مفاعل ثري مايل آيلاند بالولايات المتحدة 28/3/1979م.
2- حادث مفاعل ويند سكيل فى المملكة المتحدة 8/10/1979م.
3- حادث مفاعل تشرنوبيل فى الاتحاد السوفيتى 26/4/1986م.
وترتب على هذه الحوادث والتجارب آثار تدميرية هائلة، وبعدها تزايدت المخاوف من الطاقة النووية حتى فى المجالات السلمية.
أخطار الطاقة النووية:
ومن صور الأخطار التي تنجم عن استخدام الطاقة النووية:
نشوب الحرائق الهائلة فى الغابات والبرارى وآبار البترول والغاز وخزانات الوقود والمناطق الصناعية والحضرية، وهنا سترتفع كميات ضخمة من الدخان إلى طبقات الجو العليا، فتحجب أشعة الشمس عن الأرض، وتحد من سقوط المطر، ومع حجب أشعة الشمس ستنخفض درجة الحرارة تدريجيًّا. وكذلك يحدث عند الاستخدام السيئ للطاقة النووية سقوط المواد المشعة فوق مساحات شاسعة، ونضوب طبقة الأوزون التي تحمى الأرض من الأشعة الضارة، وكذلك تركز الغازات السامة الناتجة عن الحرائق فى طبقات الجو السفلى قريبًا من الأرض مما يؤدى إلى انتشار العديد من الأمراض والأوبئة.
ويجب أن نعرف أن الطاقة النووية ما هي إلا وسيلة من الوسائل التي وهبها الله للإنسان لخدمته ورفاهيته.
فإن استغلت الوسيلة بصورة غير صحيحة من بعض الجهلاء فهذا لا ينفى إمكانية حسن استغلالها، وإذا كانت مساوئ الطاقة النووية كثيرة، فإن ذلك لا يعني عدم إمكانية استغلالها بصورة محدودة عندما تفرض الضرورة عليها هذا الاستخدام. فإن الطاقة النووية فتح هائل فى مجال القوى المحركة، ولابد أن يوضع لها من الضوابط ما يجعلها لرفاهية الإنسان لا لشقاء الأبدان والأكوان.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:07 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.