بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   حى على الفلاح (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   هذا ديننا الاسلامى وهذا نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=478828)

محمد رافع 52 22-11-2012 11:13 AM

البحر المسجور


ذه صورةلجانب من أحد المحيطات ونرى كيف تتدفق الحمم
المنصهرة فتشعل ماء البحر، هذه الصورةالتقطت قرب القطب
المتجمد الشمالي، ولم يكن لأحد علم بهذا النوع من أنواع البحار
زمن نزول القرآن، ولكن الله تعالى حدثنا عن هذه الظاهرة
المخيفة والجميلة بل وأقسم بها، يقول تعالى
وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ *
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ *
مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (الطور: 1-8).
والتسجير في اللغة هو الإحماء تقول العرب سجر التنور أي
أحماه، وهذا التعبير دقيق ومناسب لما نراه حقيقة في الصور
اليوم من أن البحر يتم إحماؤه إلى آلاف الدرجات المئوية، فسبحان الله
-----------------


والسماء بناء


في البداية ظن العلماء أن الكون في معظمه فراغ، فأطلقوا عليه
اسم (فضاء)، وبقي هذا
المصطلح صحيحاً حتى وقت قريب، ولكن في أواخر القرن
العشرين، اكتشف العلماء شيئاً جديداً أسموه (البناء الكوني)،
حيث تبين لهم يقيناً أن الكون عبارة عن بناء محكم لا وجود
للفراغ فيه أبداً، فبدأوا باستخدام كلمة (بناء)، ولو تأملنا كتاب الله
تعالى وجدنا أنه استخدم هذه الكلمة قبل علماء الغرب بقرون
طويلة، يقول تعالى اللَّهُ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
(غافر: 64)

محمد رافع 52 22-11-2012 11:15 AM

مرج البحرين

http://www.ce4arab.com/vb7/pub11900/117544.jpg
نرى في هذه الصورة منطقة تفصل بين بحرين مالحين، هذه
المنطقة تسمى البرزخ المائي، وقد وجد
العلماء لها خصائص تختلف عن كلا البحرين على جانبيها،
ووجدوا أيضاً لكل بحر خصائصه التي تختلف عن خصائص
البحر الآخر.
وعلى الرغم من اختلاط ماء البحرين عبر هذه
المنطقة إلا أن كل بحر يحافظ على خصائصه ولا يطغى على
البحر الآخر.
هذه حقائق في علم المحيطات لم تُكتشف إلا منذ سنوات فقء
فسبحان الذي حدثنا عنها بدقة كاملة في قوله تعالى
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(الرحمن: 19-21)

محمد رافع 52 22-11-2012 03:06 PM


الأسرة في الإسلام


ثقافة الاعتدال في الاستهلاك (1)

جمع وإعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
بسم الله الرحمن الرحيم


حياتنا والاستهلاك (1)



ما أدق الخيوط والفواصل التي تفصل بين الشيء وضده، بين الإيجاب والسلب، في ميزان الله عز وجل.
وما أدق الفارق بين الشح والادخار، بين الكرم والتبذير، بين الاكتفاء والزهد، وبين الزهد والحرمان، وما أسرع ما تطيش كفة على حساب كفة أخرى عندما يفقد الإنسان أو يغفل عن دقة وزن الأمور بالقسط، على النحو الذي يبينه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه للناس كافة:( يا ابن آدم، إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى) ( رواه مسلم) .
تلك هي الخطوط العريضة التي تحدد نمط معيشة متوازنًا ومتكاملًا، تدفع بالإنسان أولًا إلى تأمين ما يسد احتياجاته الضرورية، واحتياجات من يعيل من أفراد أسرته؛ ليكون له بعدها ثواب بسط الفضل -الزائد عن الحاجة- إلى من هو بحاجة إليه في مجتمعه، فإمساك ما هو زائد عن الحاجة شر وعبء، يوصل صاحبه إلى الإصابة بعارض الاحتقان المزمن، ويمنع تكافله مع أفراد مجتمعه.
لكن مسلم اليوم عاجز في عصر الاستهلاك عن بذل ما هو زائد عن الحاجة؛ لأنه عاجز عن تحديد معيار الحاجة.
إن الوسطية والاعتدال هي أعظم تجليات الرسالة الخاتمة، وهي التي أكسبت المسلمين يومًا موقع الشهادة: ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة: 143].
ومنذ أن بدأنا نطفف ونخسر الميزان أصاب حياتنا ومعيشتنا الخلل، وفقدنا الاعتدال.
علينا أن نعترف بمرض خطير أصابنا: إنه مرض حمى الاستهلاك، وعلينا أيضًا أن نعرف ما هي أعراض هذا المرض.
العوارض المرضية:
العارض الأول: حمى التسوق.
مما يساعد ويدعم حمى التسوق: شبكة الاتصالات (الإنترنت)، والدعاية والإعلان.
حينما نقوم بزيارة لأحد المجمعات التسويقية الضخمة، نجد كل ما يغرينا ويدفعنا إلى التسوق، ألوان من التسلية والترفية، تنقلها لنا أجواؤها البراقة.
لقد بات كثير منا ينظر إلى تلك المجمعات التسويقية على أنها المكان الأمثل لالتقاء الأسرة، وفي الواقع فإن كل فرد يذهب بمعزل عن الآخر إلى المكان الذي يستهويه.
لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدرك يقينًا ما يمكن أن تحدثه التجارة أو اللهو من وقع على النفس، والله -عز وجل- يقول: ﴿ وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين [الجمعة: 11].
فإذا كان هوى النفس قد حمل الصحابة على ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم في مسجده؛ بحثًا عن اللهو أو التجارة! فكيف بمسلم اليوم وسيل رغباته إذا ما رأى تجارة مقترنة بلهو؟!
العارض الثاني: طفح الإفلاسات.
إن أكثر ما يدفع الناس إلى التسوق والاستهلاك هو "بطاقة الائتمان"، حيث سهولة استخدام تلك البطاقة من جهة، وسهولة الحصول عليها من جهة أخرى، قد جعلت الناس يقبلون على كثرة التسوق، وشراء المزيد من البضائع لغير حاجة.
إن وفرة وسهولة تلك البطاقات قد جعلت الناس ينسون أنهم يتعاملون مع مال حقيقي، وهذا ما يجعلهم يستغرقون بالتسوق إلى أن يصبحوا عاجزين تمامًا عن سداد ما عليهم من أقساط، فتزداد الديون تراكمًا، إلى أن يصلوا حد الإفلاس.
كثيرًا ما ننظر إلى جانب من المسألة دون آخر، لا شك أن بطاقات الائتمان باتت اليوم من مستلزمات العصر، فهي أكثر سهولة ويسرًا في التداول والتعامل المالي من الأوراق النقدية، كما تعين على حرية التنقل من مكان لآخر، دون خوف من سرقة أو عملية نشل.
المشكلة إذن ليست في الوسيلة، بل فيمن يستخدمها.
على الرغم من عدم انتشار ظاهرة استخدام البطاقات الائتمانية في بلادنا العربية، إلا أن شعوبنا باتت عاجزة عن رفع الديون عن كاهلها، طفح الديون بين أبناء الطبقة المتوسطة، والطبقة الفقيرة، بل حتى بين أبناء الطبقة الغنية، يعود إلى انتشار ثقافة الاستهلاك الوبائية.
العارض الثالث: انتفاخ التطلعات وتضخم الأطماع.
إن ما يمتلكه أبناء هذا الجيل أكثر مما كان يمتلكه أبناء الجيل السابق، وبالمقابل فأطماعهم وتطلعاتهم باتت أكثر.
فإذا نظرنا إلى مستوى المعيشة سابقًا كيف كان وكيف أصبح الآن؟
أصبح الكل يتطلع اليوم إلى منازل واسعة، كذلك إلى سيارات مزودة بوسائل الراحة والجمال، أيضًا تناول الأطعمة الغربية الدخيلة أمرًا اعتياديًا مألوفًا، ولهذا فإن الحاجة تزداد يومًا فيومًا إلى تجربة ما هو أجد.
المسلم مأمور بالتطلع، بل بـ (انتفاخ التطلعات والأطماع)، ولكن بموازين مختلفة، فإذا كان التطلع متوجهًا إلى الثراء المادي، أتى الأمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتحويل الوجهة والنظر إلى من يعيش ظروفًا مادية أدنى؛ ليستشعر الإنسان عظيم نعم الله عليه ويعمل على تأديته ( انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ) ( متفق علي)ه.
وإذا ما كان التطلع متوجهًا إلى الثراء النوعي، يدفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأمته إلى مزيد من التطلع؛ بل وإلى انتفاخ الأطماع بقوله: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) .
المرجع:
• "حمى الاستهلاك - رؤية نقدية في حوار مع الآخر"، لسحر العظم، بتصرف.

محمد رافع 52 22-11-2012 03:07 PM


ثقافة الاعتدال في الاستهلاك (2)

جمع وإعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
بسم الله الرحمن الرحيم


حياتنا والاستهلاك (2)



تكلمنا في المقال السابق عن عوارض مرض حمى الاستهلاك، والآن نكمل هذه العوارض.
العارض الرابع: احتقان مزمن.
ماذا نعني باحتقان مزمن؟
لقد أصبحنا محشورين في البيوت، في الشوارع، وفي أماكن العمل، بأكوام من الأشياء، وأشياؤنا تتطلب منا أن نعتني بها أولًا، نخزنها ثم نرميها، لنقوم من جديد بشراء بديل عنها ... إلخ.
وكلما حصلنا على شيء جديد، نضطر إلى شراء شيء آخر معه.
عندما نتكلم عن الأمس، نجد أمثلة بسيطة قد تكشف لنا كيف تغلغلت اليوم ثقافة الاستهلاك.
الأم في الماضي حينما يكون عندها فائض من الطعام، فإنها بمهارة تحوله إلى طبق آخر، وكذلك سرعان ما كان يتحول ثوب الشقيقة الكبرى ليلائم الصغرى، بإضافة لمسات أنيقة فيبدو زاهيًا جديدًا.
واليوم فإن الأم الفقيرة بل المعدمة لا تفكر بالقيام بمثل تلك الأشياء!
فكيف بالأم التي تعيش في منزلها محشورة بالأكوام المتراكمة من المقتنيات والأشياء؟!
لقد أبدع آباء اليوم تربية جيل أتقن فن التبذير والاستهلاك.
ألسنا نحن الآباء من نعزز النزعة الفردية، الأنانية، حب التملك والاستئثار عند أبنائنا، عندما نلبي على الفور طلباتهم ورغباتهم، التي تتنامى طردًا مع تنامي الأشياء من حولهم؟
فكيف نتوقع من صغارنا مستقبلًا أن يجيدوا -فضلًا عن أن يهتموا- الحديث حول المضامين الهامة والخطيرة، إذا ما تمت تنشئتهم في الحلية والمتاع والرفاهية والزينة؟!.
لقد لخص أعظم من أوتي البيان والعلم بالإنسان: سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وبسطر واحد فقط، كل ما جاء به العلماء في الغرب، عن أثر الأنماط الفكرية والثقافة المعاشة التي درج عليها الآباء في تشكيل قيم ومفاهيم الأبناء: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) رواه مسلم.
العارض الخامس: ضغط الإفراط (تحت وطأة الاستزادة).
نحن اليوم نعيش دوامة التقدم والازدهار، التقدم الاقتصادي يعني إنتاجًا أكثر، والإنتاج يتطلب إثارة رغبات استهلاكية أكثر، واستهلاك ما هو أكثر يستدعي ساعات عمل أطول، وكثافة ساعات العمل أدت إلى ضغط الوقت، وهذا أدى بدوره إلى مرض الإجهاد الحاد.
وأما ما تبقى لنا من وقت، فإننا نمضيه في مشاهدة التلفاز الذي أدى بدوره إلى انخفاض ساعات نومنا والإضرار بصحتنا.
هناك نعم أهدرت من أجل التنافس على متاع الدنيا الزائل، ولشد ما يلحق الغبن بالإنسان إذا ما أهدر، كما قال -صلى الله عليه وسلم-:( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ) متفق عليه.
وما أسعد من سخر صحته، ووقته وعمره في ولوج مضمار التقوى: التسابق على الطاعة، والخير والبر والإحسان إلى الناس؛ ليفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.
العارض السادس: تشنجات أسرية.
هنالك اليوم تنافر ما بين القيم المادية والقيم الأسرية.
إن التعارض القائم ما بين الرغبة بالنمو الاقتصادي السريع والتغيير الاقتصادي الجذري من جهة، وبين الحاجة من جهة أخرى إلى القيم الأسرية والاستقرار الاجتماعي، أمر شديد التناقض، ومن الممكن أن يبقى التعارض قائمًا ومستمرًا ما رفضنا وبعدائية النظر فيه.
إننا نحن الناس الذين نشكل المجتمع، نحن الآباء والأبناء الذين يرغبون أن يعيشوا أجواء العدل ضمن بيئة صحية جميلة.
وقد آن أوان التحليل وربط الأسباب بمسبباتها، لندرك كيف تم التحول عن الأخلاق والقيم الإيمانية إلى القيم المادية، وكيف كانت مخالفة سنن الله -عز وجل- في الأنفس السبب في الانهيار الأسري القائم اليوم.
لقد وقفت الأسرة في مجتمعاتنا على شفا جرف هار، منذ أن صدّعت المادية أسس البناء الأسري، أو بكلمة أكثر صحة أساس البناء الفكري والقيمي للمسلم، وكاد أن ينهار أهم معقل من معاقل الإسلام (الأسرة).
وقد آن الأوان أن نعيد تأسيس البنيان الأسري على تقوى من الله ورضوان؛ لتكون كما أرادها -عز وجل- آية من آياته، قال تعالى: ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [الروم: 21].
إن بناء شراكة زوجية يجد فيها كل شريك بالآخر الأنس والسكنى والسكينة والسكن الدائم، لا تقوم بوصفة سحرية، أو بخارقة من السماء، بل بعمل دؤوب، يسعى فيه كل من الشريكين وبموجب الميثاق الغليظ الذي عقداه أمام الله، على أداء الواجب قبل المطالبة بالحق.
بل يجب أن يتجاوزا الواجب إلى الرحمة، رحمة كل طرف منهما بالآخر؛ لتكون رابطة المودة والرحمة الوجه الملموس والمظهر المجلي لكلمة (حب)، حتى الحب يصنع صناعة، ويبنى يومًا فيومًا، وساعة ساعة بالإرادة.
المرجع:
• "حمى الاستهلاك - رؤية نقدية في حوار مع الآخر"، لسحر العظم، بتصرف.

محمد رافع 52 22-11-2012 03:08 PM

ثقافة الاعتدال في الاستهلاك (3)


جمع وإعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
بسم الله الرحمن الرحيم

حياتنا والاستهلاك (3)




العارض السابع: اتساع الحدقات لدى الأطفال.
إن أكثر الاتجاهات سخونة في عالم الإعلان التجاري والتسويقي اليوم هو ذاك الموجَه للأطفال، حيث لاحظت الشركات أن الأطفال وخاصة صغار السن أسرع إلى تبني نمط المعيشة الاستهلاكي.
أصبحنا لا نتقن التعبير عن حبنا لأبنائنا إلا بمقدار ما نتسوقه لهم من أشياء، ولا غرابة أن نجد الطفل يقول لأبوية عندما لا يلبيان طلبه: إنكم لا تحبونني، بل إن ما يسترعي الانتباه أن نجد الطفل يرمي بالشيء الذي ألح على اقتنائه وكأنه يوجه رسالة لأبويه: أنا لست بحاجة إلى ما في جيوبكم، بقدر حاجتي إلى تواجدكم، والتواصل معكم، والإحساس بحنانكم.
الطفل أشبه بالصفحة البيضاء وهو يرنو بفطرته إلى الحق، ولكن إذا ما كان الباطل أسرع وصولًا إليه من الحق، أملى في صحيفته ما يشاء.
بعض من منهجية التربية والتعامل السليم مع الطفل:
1. وفق ميزان الوسطية والاعتدال:
قال تعالى: ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر [القمر: 49]، الطفل بحاجة إلى أخذ كل شيء بقدر، القدر الذي يكفيه من الحب والحنان، والقدر الذي يكفيه من الحزم، ليحسن الانضباط بالنظم الأسرية القائمة على القواعد والأخلاق الإيمانية.
2. البدائل:
لا يمكن أن نصرف صغارنا عن نمط معيشة استهلاكي، إلا إذا أعددنا البديل الذي يحمل لعالمهم السعادة والتشويق، فالطفل ينزع بطبعه إلى المرح والاكتشاف، وهو بحاجة لشيء يشبع فضوله للمعرفة ويحقق له التسلية بآن معًا، ومن هنا يمكن للآباء إشباع احتياجات صغارهم بإعداد بدائل تحقق متعة المشاركة، والتواصل، والتسلية، والفائدة، مثل:
أ. ابتكار وصنع الألعاب، من أدوات وأشياء بسيطة يمكن أن توجد في أي منزل.
ب. المشاركة في قراءة القصص والاطلاع على الكتب، أو مشاهدة برامج عبر التلفاز أو الكمبيوتر، من شأنها أن تطور فيهم ملكة الربط والاستنتاج العقلي، وملكة الذوق؛ تذوق معنى الجمال في الأخلاق، وفي الفن والأدب عبر استحسان كل ما هو جميل وراقٍ.
ج. التواصل عبر المشاركة في ممارسة رياضة أو هواية ما، أو القيام برحلات ونزهات في أحضان الطبيعة تحقق لجميع أفراد الأسرة الحبور، أو القيام برحلات إلى المناطق الأثرية والأحياء العريقة، تؤصل في صغارنا الارتباط بالجذور والاعتزاز بالهوية، والانتماء وحب الوطن.
3. غرس مفهوم العمل والإحساس بالمسؤولية:
علينا كآباء أن نعلم صغارنا معنى أداء الواجب والالتزام بالعمل، بدءًا من ترتيب الطفل أغراضه وسريره، إلى مساعدة الأم في الشؤون المنزلية البسيطة.
إن قيامنا عن صغارنا بأداء ما يمكنهم فعله، قد جعل منهم كبارًا شبابًا متواكلًا وأنانيًا، يُحسن الأخذ دون العطاء.
العارض الثامن: قشعريرة ... جماعية.
إن مجتمعنا منذ أن أصيب بمرض الاستهلاك، بات يدور في حلقة مفرغة، أصبحنا أفرادًا نفضل الأشياء على الأشخاص؛ الأمر الذي أدى إلى عزلتنا عن الحياة الاجتماعية، ودفعنا إلى مزيدٍ من الاستهلاك، ومزيدٍ من التفكك والانعزال.
لقد أفاد علماء الصحة أن الأشخاص الذين يتمتعون بروابط الصداقة والألفة مع الجيرة، هم أقل احتياجًا من غيرهم للرعاية الصحية.
ما أسرع ما انتقل الوباء من الفرد إلى الجيرة والحي، ليشمل المجتمع العربي بطبقاته وأطيافه كافة، فتخدرت المشاعر، وتبلد الحس العام بعد أن أصاب فيروس ثقافة الاستهلاك العصب الحسي، فلم نعد نحرص كعهدنا سابقًا على بر الآباء والأبناء، وعلى صلة الأرحام والجيران، بل لم نعد نشعر بمصاب أبنائنا في فلسطين والعراق الذين تنزف جراحهم دمًا.
إن مشكلة الاستهلاك ليست في كثرة طعام وشراب ومقتنيات فحسب، بل هي مشكلة ثقافة أنماط جديدة من التفكير المرضي، مغايرة تمامًا لعقيدة المسلم المحددة لنمط حياته، تغلغلت في عمق القاعدة العريضة من المسلمين فأفسدتهم.
ليس الخوف من تبدل شكل مدننا: أسواقنا، أحيائنا، وبيوتنا، بل الخوف الحقيقي هو تبدل المعايير الأخلاقية والقيم الإيمانية التي بها تشكلت روابطنا وتوطدت علاقاتنا الأسرية والاجتماعية.
العارض التاسع: ندبات اجتماعية.
نعني بندبات اجتماعية أن الاحتفال اللا محدود بالثراء وبالأشياء التي يشتريها المال، قد خلق علامات على الوجه تنبي بـ: أنا ثري، أما أنت .. فلا، ومواقف وأوضاع صنفت الناس إلى صنفين: إما رابحون أو خاسرون، إما أمراء أو عالة.
وما أن أخذ وباء الاستهلاك المفرط في الانتشار بالعالم أجمع، حتى ازدادت الفجوة بين الغني والفقير عمقًا واتساعًا.
إن خمس سكان العالم أي ما يقارب مليار إنسان يعيشون في فقر مدقع، ويموتون ببطء من الجوع والمرض، بالإضافة إلى ملايين آخرين يتطلعون بيأس للحصول على مزيد من الأشياء.
الإسلام هو الذي أسس الاقتصاد القائم على عدالة التوزيع في الأرباح بموجب قانون إلهي (الزكاة)، وفيما سواها من حق في المال كالصدقات، ليضمن تفتيت الثروات وسيولة المال في قنوات المجتمع، منعًا لأن يكون حكرًا لدى فئة قليلة من الناس، كما بين الله -عز وجل-: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر: 7].
الاقتصاد الذي حدد الإسلام فيه آلية صرف أموال الزكاة وفق نظام الدوائر: دائرة الأسرة الصغيرة، ثم الأرحام، فالجوار والحي، ثم المجتمع المحلي، فالمجتمعات العربية والإسلامية، انتهاء بدائرة المجتمع العالمي.
إن الاقتصاد الذي جعل الله -عز وجل- فيه حق معلوم، من المال الذي يؤديه الغني طواعية بلا منة ولا فضل إلى الفقير، يسفر عن مجتمع متكافل متلاحم بأفراده وبطبقاته كافة كالبنيان المرصوص، لا مكان فيه لفجوات أو ندبات تنزف اليوم دمًا في ظل العولمة لاقتصاد قائم على فرط الاستهلاك.
إن الإستراتيجية الاقتصادية في الإسلام التي رسم إطارها الإله، لا تستهدف زيادة ترف الإنسان المادية، بل تعمل على زيادة رقيه الإنساني، وإشباع نزعته الفطرية إلى حياة كريمة يعيش في ظلها معاني:
1. العدل والإنصاف: في عدالة التوزيع في الأرباح.
2. السلام: في سلامة المجتمع وسلامة صدور أفراده من حقد، وغل وحسد وبطر، وكبر وشح وأنانية.
3. التوازن في معيشة قائمة على التوسط والاعتدال.
المرجع:
• حمى الاستهلاك - رؤية نقدية في حوار مع الآخر، لسحر العظم.

محمد رافع 52 22-11-2012 03:10 PM

ثقافة الاعتدال في الاستهلاك (4)


جمع وتلخيص: عفاف بنت يحيى آل حريد
بسم الله الرحمن الرحيم

حياتنا والاستهلاك (4)




العارض العاشر: الثراء والسعادة.
نحرص على حرياتنا الشخصية ونحن في أمس الحاجة إلى التواصل، إننا في عصر الفيض والوفرة، نفتقر بشدة إلى الغذاء الروحي.
نحن نفتش عن السعادة والرضا من خارجنا، بينما لا تنبع إلا من داخلنا.
إن الإحساس بالسعادة ينبع من خلال إنجاز أهداف جوهرية، مثل: توطيد الروابط الإنسانية القائمة على الحب المتبادل.
أما إنجاز الأهداف اللا جوهرية مثل: الثروة النقدية، الشهرة، والمظاهر، فإنها مجرد أهداف بديلة خارجية يحاول الناس من خلالها تعويض الخواء والفراغ الداخلي.
ولكن هذا لا يعني أن الأثرياء كافة هم أشخاص تعساء، فالسعادة والتعاسة مرتبطة بكيفية توظيف المال.
كلنا ينشد السعادة في الحياة، أيًّا كانت الأفكار والقناعات التي نحملها، وأي قيمة لثقافة فكر أو فلسفة أو مذهب أو دين، إذا ما كانت تحول دون مشاعر السعادة والرضا؟!
وما أكثر فرص السعادة التي سرقت منا في نمط الحياة الاستهلاكي الذي نعيشه؛ وما أكثر النعم التي كنا فيها فاكهين ولم ندرك قيمتها إلا بعد أن ولّت عنا.
الحياة لا تبنى بلا طموح وعمل، بقدر ما ترمز إلى أن السعادة ليست أن تملك أكثر، بل في أن تتمتع بما لديك أكثر، وألا تفوت في غمرة انشغالك في الحياة فرص سعادة حقيقية.
طريقة العلاج والاستشفاء من مرض الاستهلاك:
لقد أعطانا الله -عز وجل- من النعم ما لا يعد ولا يحصى، ولكنه أمرنا باستثمارها على أكمل وجه.
ما من شيء إلا ويمكنك استثماره: بيتك، ملابسك، جسدك، حواسك، قلمك، وأولها عقلك؛ لأن التفكر بآيات الله وآلائه أعظم عبادة.
نحن لا نستعمل أكثر من 1% من الطاقات والإمكانات التي أودعها فينا.
فلنبدأ إذن بتوسيع دائرة الطاقة وحدود استعمالنا لها، لتكون حياتنا وأفعالنا وبيوتنا مثالًا يحتذي للآخرين؛ فيتبعونا بدلًا من أن نكون تبعًا لتفاهمات الآخرين، نحن الأجدر بأن نُتبع لا أن نكون تبعًا، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تطابق عملنا مع ما ندعو إليه.
لا يكفي أن نقول الربا حرام، بل علينا أن نؤسس لعمل استثماري نظيف يحل محل الخبيث، ولا يكفي أن ننتقد الإعلام المزيف، بل علينا أن نخترق عالم الإعلام، علينا أن نتواجد في كل مكان، وأن نتصدر كل جانب من جوانب الحياة.
نحن نظن أننا نعيش عصر المعلومات، وأن هنالك ثورة معلوماتية، ولكن المعلومة الحقيقية والتي كانت بمتناول البشر وغابت عن حيز تفكيرنا، هي معرفة (من نحن) ... وكيف نعيش الحياة؟
إن تبديل الأفكار داخل عقولنا هو أعظم عمل يمكن للإنسان أن يقوم به، فالاقتصاد ذو الكفاءة والفاعلية العالية هو ذاك الذي يكفل للإنسان ادخار المال بدلًا من أنفاقه على أشياء تضطره لدفع مزيد من المال على صحته.
والتحول من الكم إلى النوع - المنتج الوافي - تجعل أصحاب الدخل المحدود أكثر المستفيدين.
لقد قام مجموعة من العلماء بوضع مقترحات مفيدة، لمساعدة الناس على فهم احتياجاتهم وأولوياتهم الضرورية، وانتقاء الأنسب من الأشياء والمنتجات التي تسوق.
وهم لا يهدفون بهذا الضغط على المستهلك، بل لجم اندفاعه ليبدأ بالتوقف والتفكير قبل الإقدام على تسوق واستهلاك ما اعتاده، فإثارة الوعي بأمور قليلة يمكن أن تحدث فروق كبيرة، سواء في نمط الحياة (المعاش)، أم من حيث التأثيرات السلبية على البيئة.
مثال ذلك: عندما نقلص من حجم استهلاكنا للحوم، ونستعيض عنها بالخضروات والفواكه؛ فإننا نخفف وبشكل جذري الصدمة على الأرض.
فاستهلاك اللحوم يتطلب مساحات شاسعة من الأراضي الرعوية تقدر بـ 20ضعفًا، زيادة عن المساحة التي نحتاجها لزراعة الحبوب والبقول؛ وتتطلب تربية الماشية وزراعة العلف كميات هائلة من المياه النقية، تخرج ملوثة بسبب الأسمدة الكيميائية التي تحتاجها الأعلاف، ونسبة تلوث المياه بسبب النفايات الحيوانية تزيد 17ضعفًا عمّا تسفر عنه زراعة الحبوب، ناهيك عمّا تسببه المخلفات الحيوانية من تلوث في الهواء.
إن الوعي بمعلومة كهذه لا بد سيخفف من حجم استهلاكنا للحوم، ويثير اهتمامنا بأطباق الخضار والفواكه الشهية، وسيجنبنا خطر الإصابة بالأمراض الهضمية والقلبية.
فالمستحيل اليوم ليس مستحيلًا غدًا، وكلما بذل الإنسان ما في وسعه، وسّع الله عليه دائرة وسعه.
ومن وسائل العلاج البساطة:
إن مفهوم البساطة أشمل من أن يكون مجرد تراجع عن كم الاستهلاك، بل تراجع عن الأفكار العقيمة، ومشاعر الضغط والضياع، برمي كل ما هو صناعي ومصنَّع، مقابل الحصول على كل ما هو حقيقي وأصيل.
إن البساطة ليست فقط في أسلوب تناول الأشياء، بل وفي بساطة ونقاوة الهدف، وصفاء الذهن الذي يقودنا إلى حياة أكثر رضا وترابطًا، بدلًا من البقاء في حيرة وتخبط.
وعندما نصحو من غفوتنا سوف يكون لدينا الوعي كيف نلبي احتياجاتنا دون الحاجة لأكياس مليئة بالأشياء الباهظة الثمن.
حقيقة قالها سيدنا عمر بن الخطاب: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، وإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله».
فالذل اليوم نتيجة اختلال الثقة بعظمة الموروث الفكري الديني الذي جاءت بها منظومة التوحيد في الإسلام.
الذل نتيجة التقليد الأعمى لتفاهمات كنا في غنى عنها، لو حصرنا تطلعنا إلى الآخر في علومه ومعارفه الإنسانية.
الذل في الوهن الذي أصابنا نتيجة الإدمان على حب الدنيا؛ فكرهنا الموت.
مؤشرات الأمل:
مؤشرات الأمل في وعي آباء وأمهات بدؤوا يلحظون خطر ثقافة تسرق أبناءهم؛ فعمدوا إلى جلسات نقاش يحاولون من خلالها إيجاد سبل وقايتهم.
مؤشرات الأمل في حرقة جيل من الكتّاب الشباب وأصحاب دور نشر تعمل على نهضة جديدة.
قاعدة الوسطية والاعتدال التي جاء بها الإسلام هي التي تعيد إلينا التوازن الفكري والنفسي والصحي والبيئي والمعيشي، قال تعالى: ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا [البقرة: 143].
المرجع:
• "حمى الاستهلاك - رؤية نقدية في حوار مع الآخر" لسحر العظم، بتصرف.

محمد رافع 52 22-11-2012 03:12 PM

كيف نصلح حال بيوتنا؟
جمع وإعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
حينما نطرح سؤالًا مثل هذا نجد أنه يشمل عدة اتجاهات مهمة، فالبيت هو اللبنة الأولى في المجتمع؛ إذا صلح البيت صلح المجتمع، وإذا فسد سيكون هناك خلل في المجتمع.
يقول الله -عز وجل-: ﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا .
(سورة النحل الآية 80).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "يذكر -تبارك وتعالى- تمام نعمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم، يأوون إليها ويستترون، وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع".
فالمؤمن مكلف من الله -عز وجل- بهداية أهله وإصلاح بيته، كما هو مكلف بهداية نفسه وإصلاح قلبه، نحن نعلم أن أول واجبات المسلم أن يوجه أهله إلى أداء الفرائض التي تصلهم بالله، وما أروع الحياة في ظلال بيت أهله كلهم يتجهون إلى الله، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم: 6).
ومن هنا نقول: إن الدوافع إلى إصلاح البيوت كثيرة، من أهمها:
أن في هذه الآية يأمر الله -عز وجل- عباده المؤمنين بأن يؤدوا واجبهم في بيوتهم، من التربية والتوجيه والتذكير؛ ليقوا أنفسهم وأهليهم النار.
أن رب البيت مسئول عن الرعية التي تحت يده، يقول -صلى الله عليه وسلم-: )إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته(.
ومن الدوافع أن البيت هو المكان لحفظ النفس، والسلامة من الشرور وكفها عن الناس، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: )طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته(، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: )خمس من فعل منهن كان ضامنا على الله: من عاد مريضًا، أو خرج غازيًا، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس(.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: )سلامة الرجل من الفتنة أن يلزم بيته(.

وهناك فائدة عظيمة لصلاح البيت، حيث إنه الملجأ عندما لا يستطيع أن يغير كثيرًا من المنكرات، وهو أيضًا ملجأ من كل عمل محرم، سواء في نفسه أو أهله.
وكذلك أن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم، ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات، وإلا ستضيع في المحرمات.
ومن أهم الدوافع على الإطلاق أن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لبناته، والبيوت أحياء، والأحياء مجتمع، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعًا قويًّا بأحكام الله، صامدًا في وجه أعداء الله، يشع الخير ولا ينفذ إليه شر.
وبصلاح البيوت يخرج لنا الداعية القدوة، وطالب العلم، والمجاهد الصادق، والزوجة الصالحة، والأم المربية، وبقية المصلحين.
وهذا الموضوع ذو أهمية عظيمة؛ يجب علينا كمصلحين أن نهتم به ونركز على أهم أسباب الإصلاح، ومن أقوى وأعظم الأسباب:
1. الزوجة الصالحة، حيث وجهنا ديننا الحنيف إلى حسن اختيار المرأة الصالحة، فهي خير معين على تكوين بيت صالح يسد ثغرًا من ثغور المسلمين، يقول الله -عز وجل-: ﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم [سورة النور الآية 32].
ينبغي على صاحب البيت انتقاء الزوجة الصالحة بالشروط الآتية:
1. " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجملها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه، ويقول أيضًا: )الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة( رواه مسلم.
2. تعليم أهل البيت الدين وما يتعلق بالبيوت من أحكام شرعية، قال البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: (باب تعليم الرجل أمته وأهله)، ثم ساق حديثه -صلى الله عليه وسلم-: )ثلاثة لهم أجران: ... ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران (.
قال ابن حجر -رحمه الله- في شرح الحديث: مطابقة الحديث للترجمة -أي عنوان الباب- في الأمة بالنص، وفي الأهل بالقياس، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء.

وفي غمرة مشاغل الرجل ووظيفته وارتباطاته قد يغفل عن تفريغ نفسه لتعليم أهله، فمن الحلول لهذا أن يخصص يومًا يجعله موعدًا عامًّا لأهل البيت، وحتى غيرهم من الأقرباء، لعقد مجلس علم في البيت، ويعلم الجميع بهذا الموعد، فينضبط حضورهم فيه، ويتشجعوا لإتيانه، ويصبح ملزمًا أمامهم وعند نفسه بالحضور، وإليك ما حصل منه -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن.
3. أن يكون البيت عامرًا بالذكر، حيث وردت أحاديث تدل على مكانة الذكر في حياتنا اليومية، ومن ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: )مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت (.
4. جعل البيت مكانًا للعبادة، وخاصة في حال الاستضعاف.
ضرورة وجود مكتبة في البيت، سواء المقروءة أو الصوتية، وليس بشرط أن تكون كبيرة؛ فالعبرة بالكتب الموجودة فيها.
5. حفظ أسرار البيوت:
وهذا يشمل أمورًا منها:
- عدم نشر أسرار الاستمتاع.
- عدم تسريب الخلافات الزوجية.
- عدم البوح بأي خصوصية يكون إظهارها ضرر بالبيت أو أحد أفراده.
فأما المسألة الأولى فدليل تحريمه قوله -صلى الله عليه وسلم-: )إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها( (رواه مسلم 4/157). ومعنى يفضي: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة كما في قوله تعالى: ﴿وقد أفضى بعضكم إلى بعض [سورة النساء الآية 21].
6. التخلق بخلق الرفق، فأمره عظيم وقد دل حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هذا: )إذا أراد الله -عز وجل- بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق( رواه الإمام أحمد في المسند، فالرفق نافع جدًّا بين الزوجين، ومع الأولاد، ويأتي بنتائج لا يأتي بها ال*** كما قال -صلى الله عليه وسلم-: )إن الله يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على ال***، وما لا يعطي على سواه( رواه مسلم.
7. مساعدة ومعاونة أهل البيت في عمل البيت، كثير من الرجال يأنفون من العمل البيتي، وبعضهم يعتقد أن مما ينقص من قدره ومنزلته أن يخوض مع أهل البيت في مهنتهم. فأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان )يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم ( رواه الإمام أحمد في المسند.
8. اختيار الجار ذو الصفات الحسنة، فالجار في عصرنا له مزيد من التأثير على جاره، بفعل تقارب المساكن، وتجمع الناس في البنايات والشقق، والمجمعات السكنية.
وقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أربع من السعادة، وذكر منها: الجار الصالح، وأخبر عن أربع من الشقاء وذكر منها: الجار السوء. رواه أبو نعيم في الحلية.
ولخطر هذا الأخير كان -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ منه في دعائه فيقول: )اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة -أي الذي يجاورك في مكان ثابت- فإن جار البادية يتحول ( رواه الحاكم.
مما ينور بيوتنا ويجعل فيها الخير والبركة ويبعدها عنها الشياطين ما يلي:
1ـ قراءة سورة البقرة، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن البيت الذي تقرأ فيه لا يدخله شيطان.
2ـ الإكثار من صلاة النافلة.
3ـ الإكثار من تلاوة القرآن وذكر الله تعالى عمومًا، وخصوصًا أذكار الصباح والمساء، ودخول المنزل والخروج منه، ونحوها.
4ـ الحرص على عدم وجود منكرات داخل البيت أو أشياء محرمة كمشاهدة الأفلام الخليعة، أو صور يحرم نظرها.
وإذا كان البيت عامرًا بذكر الله تعالى، خاليًا من المحرمات والمنكرات، مع اتصاف أهله بالاستقامة على أوامر الله تعالى، فستصلح كل أموره، ويكون مباركا على أهله ويعيشون في سعادة ووئام.

محمد رافع 52 22-11-2012 03:18 PM

دور الأسرة في إكساب القيم التربوية
إعداد: تهاني عبد الرحمن
الأسرة هي الخلية الأولى التي يفتح الطفل عينيه عليها، وتأثيرها عليه يلعب دورا كبيرا في توجيهه وتكوينه، وبالقدر الذي تقدمه الأسرة للطفل من مميزات تربوية بقدر ما يكون وينمو ويواجه المجتمع بمشكلاته العريضة.
فالأب والأم هما حجر الأساس فاستعداد الأبوين لبذل الجهد التربوي، وإضفاء القدر المناسب لتنمية الطفل له أبلغ الأثر في تشكيله وتنميته، فالوراثة والبيئة لهما أبلغ الأثر في تشكيل شخصيته، وتسير الوراثة إلى الخصائص والاستعدادات الفطرية للكائن البشري، والبيئة تسير إلى مجموعة العوامل الخارجية التي تؤثر في الكائن البشري منذ بداية تكوينه وهو جنين في بطن أمه إلى أن يولد ويترعرع ويشتد عوده إلى آخر حياته.
تستطيع الأسرة بما لها من رصيد ثقافي ضخم، وما تملكه من قيم تربوية أن تكسب الطفل وتوجهه لاكتساب التراث الثقافي والقيم التربوية التي يعايشها ومن أهمها الصدق والأمانة. ولكل أسرة طريقتها الخاصة في تحديد القواعد التربوية وتطبيقها، فبعض الأهل أقل تشددا من غيرهم الذين يحاولون إعادة تطبيق النظام الذي ورثوه عن أهلهم.
التربية ليست المقياس الذي يميز الأهل الجيدين عن الأهل السيئين، إنما هي سلسلة متتابعة من الأنظمة والقواعد والأصول تنتقل من جيل إلى جيل وتندرج في سياق التاريخ العائلي ولكل شخص تفسيرها بطريقته.
تشكل القيم الإيمانية والقيم الأخلاقية اللبنات الأساسية في حياة الأفراد والأسر، يقصد بالقيم الإيمانية أنها المبادئ والأحكام والأصول الثابتة التي تحكم عقيدة المسلم، وتمثل الدستور الذي يحكم علاقته بربه، ويعتبر الالتزام بها من دليل الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وبملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وبالقضاء خيره وشره، وهذه القيم من الثوابت التي لا تتغير مع تغير الزمان والمكان ويجب أن يربى الطفل عليها وتظل معه حتى الموت.
ويقصد بالقيم الأخلاقية السجية أو العادات الفطرية السوية الحسنة التي ترافق الإنسان في أعماله وتصرفاته وعلاقاته مع الناس، وتعتبر الأخلاق الإسلامية من الثوابت، وتنمى في ضوء القيم الإيمانية، وهى قرينتها في المجال التربوي، فالقيم الإيمانية الصادقة تقود إلى قيم أخلاقية حسنة.
فما هي السن المناسبة التي تغرس فيها القيم الصالحة والأخلاق الحميدة؟
إن السنوات الست الأولى من عمر الطفل هي الأمثل لغرس القيم الصالحة مثل الصدق والأمانة والاستقامة والرضا بقضاء الله وقدره،.... وغيرها الكثير من القيم.
ويجب المداومة على تأكيد هذه القيم والأخلاق والمفاهيم ولا نملّ من التأكيد المتكرر عليها، فيجب على الوالدين أن يجعلا من أنفسهما قدوة فيها، فالأخلاق لا تكتسب بالنصائح العابرة، بل بالتهذيب والتدريب المستمر وبكثير من الصبر والجهد والوقت.
أن نربي أولادنا يعني أن نوفر لهم الوقت اللازم، ونحفزهم فيما يتعلق بمستقبلهم، ونجعلهم يحبون الحياة مع تلقينهم الأخطار التي قد تعترض مسيرتهم من دون قطع سبيل التواصل معهم.
إن الله عز وجل فطر بني آدم على قيم موحدة مثل الشجاعة والكرم والصبر والبر والقوة والمال والتعاطف والتسامح وغيرها كلها قيم موحدة بين البشر ولها قيمة عالية جدا فمن النادر أن تجد من لا يهتم لها.
فكيف تكون عائلة أفضل قيما من عائلة أخرى؟ هناك أمران أساسيان:
الأول: إيمان الأسرة بمبادئ وقيم لا تؤمن بها أسر أخرى، فالأسرة المسلمة تؤمن بالله سبحانه وتعالى وباليوم الآخر، وتحمل في نفسها مشاعر العبودية والإذعان لله تعالى، ولها نظرة خاصة تجاه الطهارة والعورة والعلاقة بين ال***ين، وتجاه المأكولات والمشروبات، وهذا كله يؤثر في مسار حياتها.
ثانيا: سُلّم القيم ودرجة الاهتمام، وهذا هو الشيء الأساسي الذي يصنع الفرق بين كثير من الأفراد والأسر. إن الحب شرط أساسي في تربية الطفل المسلم، بل توصل بعض الباحثين في هذا المجال إلى أن أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة والالتزام بالقيم هي الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كل أفراد الأسرة، ومنبع هذا الحب هما الوالدان فحب الأطفال للوالدين هو رد فعل لحب الوالدين لهما، بل إن هذا الحب هو ما يعين الطفل على استيعاب القيم وهو يوفر المناخ الملائم للنمو الخلقي في النفس.
قيم الأسرة المسلمة مستمدة من عقيدتها وأحكام شريعتها:
فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أكد في أكثر من أمر، وأكثر من وصية ضرورةالعناية بالأولاد، ووجوب القيام بأمرهم، والاهتمام بتربيتهم.قال صلى الله عليه وسلم: )أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم (.
هذه بعض القيم التي يجب على الأسرة الانتباه إليها والاهتمام بها:
§ نية الخير، والحرص على نقاء سرائرنا. نية الخير تعني حبه، وتعني التطلع إليه، والطموح إلى تحقيقه، والتطلع إلى الخير يدل على خيرية المتطلع وكرمه ونبله، وإن ذلك يشكل شيئا أساسيا في حياة الأسرة المسلمة.
المسلم يعمل الخير، ويمضي في طريقه، فإذا لم تساعده الظروف، فإنه ينويه، ويسأل الله أن يهيئ له السبيل إليه، فيكون له أجر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: )فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة (.
إلى جانب ذلك لا بد من تطهر القلب من الرياء والحسد وسوء الظن، فيجب أن نجل العفو والصفح والمسامحة منهجا بالتعامل مع كل مسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: )لا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تناجشوا.....(.
§ التطوع، فهناك أحاديث كثيرة تشير إلى أشكال التطوع الذي يجب أن نغرسه في أبنائنا، مثل:
o إماطة الأذى عن الطريق.
o الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
o التبسم في وجوه من نقابلهم، والمبادرة بإلقاء السلام.
o التبكير إلى المسجد.
o صلة الرحم.
§ المروءة وسمو الذات، إن الأخلاق والأفعال التي ترفع الإنسان ليكون من أصحاب المروءة والسمو الشخصي كثيرة جدا، نذكر بعضها:
o ترك المرء التدخل في الأمور التي لا تعنيه، قال صلى الله عليه وسلم: )من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه(.
o قلة المزاح، وعدم الإسراف في مباسطة الناس.
o نظافة البدن وطيب الرائحة والعناية بالمظهر.
o التأدب بآداب الطعام مثل عدم الإسراف في الأكل، والأكل مما يليه... وغيرها.
§ الصدق في كلامنا: فالصدق من أعظم القيم، وهو أساس متين. قال عليه الصلاة والسلام: )عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا(.
فيجب على الأسرة أن يصدق الكبار أولا فيما يتحدثون، حتى يعرف الصغار فضيلة الصدق وخطورة الكذب.
§ النظام داخل الأسرة، إن اتفاق الأبوين على نظام معين داخل الأسرة مثل تناول الطعام، النوم والاستيقاظ، الدراسة، مشاهدة التلفزيون، ضروري لجميع الأسرة، فلو تأملنا الأسر المفككة لوجدنا أن عدم وعي الأبوين بأهمية النظام داخل الأسرة، بالإضافة إلى فقدان الأسرة للروح الجماعية، مما يؤدي إلى انتشار الفوضى.
§ من أهم القيم أيضا الارتقاء بلغتنا، البعد عن اللعن والسب والشتم، مخاطبة الأبناء بأحب الأسماء إليهم، عدم التشبيه بالحيوان، تجنب الغيبة والنميمة، هجر الكلام الفاحش والبذيء.......... وغيرها.
إن الصغار يكتسبون اللغة على فترة طويلة فيجب أن لا يملّ الأهل من توجيههم وإرشادهم وتصحيح أخطائهم.
تلك هي بعض القيم التي تغرسها الأسرة في أبنائهم منذ نعومة أظافرهم.
ولكن هل هناك معوقات حالت بين الأسرة وبين تحقيق الأهداف بما يحقق إكساب الطفل القيم التربوية؟؟
الحديث عن معوقات إكساب القيم التربوية في الجزء الثاني بإذن الله.
المراجع:
- (كيف تربي طفلك) أ.د محمد علي المرصفي.
- (110 نصائح لتربية طفل صالح) مجاهد مأمون ديرانية.
- (مسار الأسرة) أ.د عبد الكريم بكار.

محمد رافع 52 22-11-2012 03:21 PM

معوقات إكساب القيم التربوية للطفل
إعداد: تهاني عبد الرحمن
لا شك أن الإنسان يأخذ ويتعلم من أسرته وأبويه كل القيم والأخلاق الحميدة، ثم من زملائه وبيئته، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا[سورة النحل آية: 78]وقال -صلى الله عليه وسلم-: )كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه(.
والإسلام في دعوته إلى تحمل المسئوليات، حمل الآباء والأمهات مسئولية كبرى في تربية الأبناء، وإعدادهم الإعداد الكامل لحمل أعباء الحياة، وتهددهم بالعذاب الأكبر إذا فرطوا وقصروا، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [سورة التحريم آية: 6]، وقال عليه الصلاة والسلام في تحمل الأهل المسئولية: ).... والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها....(.
فالأم في تحمل المسئولية كالأب، بل مسئوليتها أهم وأخطر، باعتبار أنها ملازمة لأبنائها منذ الولادة وحتى يكبروا ويترعرعوا. فعندما يتخلى الوالدان أو أحدهما عن واجبه تجاه أبنائه في تنشئتهم وتربيتهم، فحتما سيؤدي إلى انحراف الأبناء وفساد خلقهم، فهذا يعتبر من أهم المعوقات في إكساب القيم التربوية للأبناء. والحديث في معوقات إكساب القيم طويل ولكن سنذكر بعضها والأكثر انتشارا بين الأسر وهي:
· تقصير الأم في الواجب التربوي نحو أولادها، لانشغالها مع معارفها وصديقاتها واستقبال ضيوفها، وخروجها من بيتها، فهي كما ذكرت أكثر مسئولية على أبنائها قال عليه الصلاة والسلام: )... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها....(.
· غياب الأب لفترات طويلة عن المنزل: فالحياة مليئة بالضغوط على رب الأسرة، وذلك لبذل الجهد لتغطية متطلبات الحياة الأمر الذي أدى إلى غياب الآباء عن المنزل لفترة طويلة. فإن العبء يزداد على الأم التي بطبعها كائن ضعيف رقيقة الإحساس والمشاعر، ولا تستطيع أن تواجه الكثير من مشكلات الأطفال وحدها، فيظهر الضعف والميوعة في الأبناء وهذا يترتب عليه نتائج وخيمة.
· الاعتماد على الخدم في تربية الأبناء في حال الخروج للعمل.فخدم المنازل يأتون من بيئات تختلف اختلافا كليا عن بيئتنا الإسلامية بعاداتها وتقاليدها وأحكامها الشرعية. ومما يزيد الأسف على أبناء هذه الأسرة إذا كانت الخادمة غير مسلمة لها دينها الذي تتبعه في أي وقت ومكان.
· بسبب غياب الأب وانشغال الأم فإن بعض الأسر يتركون دور التربية وإكساب القيم التربوية إلى المدرسة ليتعلموا منها كل شيء.
· وسائل الإعلام بشتى أنواعها، والقنوات الفضائية وما تقدمه من دروس مجانية في الغزو الفكري المدمر والجريمة بأنواعها.
· المشاكل الزوجية وعدم توافق الوالدين يؤثر في تلقين الأبناء القيم التربوية.
· التناقض والازدواجية عند الآباء والأمهات من قيمة إلى أخرى، كأن يتبع الأب أسلوب الكذب على أبنائه وهو ينهاهم عنه، فهذا يؤثر على تفكيرهم حيث يُحدث عندهم نوعا من الاختلاط والتشتت. فكيف لهذا الابن أن يميز بين الصحيح والخاطئ؟ لماذا حُرم من شيء في حين أبواه يفعلانه.
ولله دره من قال:

ليس اليتيم من انتهى أبواه




من الحياة وخلفاه ذليلا



إن اليتيـم هـو الـذي تلقـى له




أما تخلت أو أبا مشغولا





فلا شك أن الأبناء ينشئون نشأة اليتامى، ويعيشون عيشة المشردين، بل سيكونون سبب فساد، وأداة إجرام للأمة بأسرها.
فماذا ننتظر من أولاد آباؤهم وأمهاتهم على هذه الحال من الإهمال والتقصير؟!
فلا ننتظر منهم إلا الانحراف، لانشغال الأم عن تربية أبنائها، وإهمال الأب في تأديبه ومراقبته.
المراجع:
- (كيف تربي طفلك) أ.د محمد علي المرصفي.
- (استراتيجيات التربية الأسرية في الإسلام) لجنة البحوث والدراسات.
- (أولادنا من الطفولة إلى الشباب).

محمد رافع 52 23-11-2012 01:48 AM

دور العبادات والمعاملات في بناء الحضارة الإسلامية

عبير بنت حمد بن علي العباد




يسعى البعض جاهدًا في بناء الحضارة بمفهومها المتكامِل في حياته؛ حيث يَمزج بين العبادات والمعاملات، ويعدُّها خطًّا مُستقيمًا يسير عليه لتطبيقِ الشريعة الإسلامية وَفْقَ أسس صحيحة، وهذا الذي يُسهم في بنائها.

ومع ذلك لا نُعاني في عصرنا الحاضر ظاهرةَ قِلَّة التدين، بل نعاني عبثَ تطبيقه؛ حيث يعتقد بعضُ الناس أنَّ الصلاة والصوم هما فقط العبادة، وأنَّ مُعاملة الناس ومراعاتِهم وأداء حقوقهم بعيدًا تَمامًا عن تَطبيقها وَفْقَ ما جاء به الإسلام، فانعكست آثارُ ذلك على سلوكيات المجتمع الذي يُمثل حضارته، فأصبح من يُمثل حضارته في سلوكه قِلَّة نجدهم خلف ستار مسرح الحياة.

وذلك بسبب ظهور الفكر الارتجالي الذي ظهر دون أسس وطيدة في الشريعة الإسلامية، ونقص القناعة بأهمية الحضارة في بناء الحياة، وعدم إدراك أهمية الحضارة باعتبارها ترفًا زاخرًا، وأنَّ الحياةَ عبارةٌ عن إطار مُحدد ينصبُّ في داخلها العبادة فقط، وفك الارتباط والعلاقة الوطيدة بين الحضارة والعبادة، مع الاقتناع بأنَّ الحضارةَ لا تقوم إلاَّ بعيدة عن العبادة؛ لكي ينهض المجتمع حضاريًّا.

مما نتج عنه تراجع مؤشر النمو الحضاري في المجتمع الإسلامي، وأصابه الوهن، وغَرَق في مشكلات لا حصر لها، واخْتَلَّ توازُنُه في مجانسة بين العبادات والمعاملات، حتى استنزف المجتمع طاقاته باتجاهاتٍ معاكسة لنموِّه الحضاري، وأصبح عاجزًا عن رفع هامته، فدخل المجتمعُ في صراعٍ حضاري؛ نتيجةً لتفكُّك أجزائه التي هي عبارة عن خليطٍ من عِدَّة اتجاهات، كلّ منها له مفهوم حضاري مُخالف لغيرها أو موافق لفكرها وآرائها.

فمن تلك الاتجاهات التي تُفرِّق بين الدين والمعاملات، وأصبحت عائقًا في بناء الحضارة: أصحابُ الفكر الليبرالي، والعَلماني، وغيرهم؛ مِمَّا نتج عن اختلافِ وجهات النظر والأفكار صِراعٌ حضاري بين كِفَّةٍ تَخلَّت عن الحضارة، واعتقاد أنَّ العبادة تُعيشُه فقط على هامش الحياة.

وأخرى تَخلَّت عن العبادة، وأعجبت بالحضارة، واعتقدت أنَّ الدين هو أحد مُعَوِّقَات الحضارة، وهم متغافلون عن دور الدين، الذي يُسْهِم في رفع وتناغُم الحضارة.

ومن هنا نشأت مُشكلة التضارُب الحضاري؛ لذلك علينا أنْ نسلكَ طريقَ الوسطية، وأن نوازن بين العبادات والمعاملات؛ حتى نرتقيَ بفكرنا وحياتنا، ومن هنا نخلّد حضارتنا.


محمد رافع 52 23-11-2012 01:49 AM


سهولة الإسلام وشموله لأنواع العبادات

سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين



الحمد لله الذي جعل الآجال مقادير للأعمار، وجعل هذه الأعمار مواقيت للأعمال، وكتب الفلاح لمن شغلها بالأعمال الصالحات والخسارة لمن فرط فيها فأضاعها، وشغلها بالأعمال السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل المخلوقات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأزمان والأوقات وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعلموا أن عمل المؤمن لا ينتهي بانتهاء مواسم العبادة وإنما ينتهي بالموت؛ لأن العمر كله محل للطاعة، قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} فاعمروا أوقاتكم بطاعة الله وما يقربكم إليه، واعلموا أن الله تعالى قد سهل العبادة، ويسرها غاية التيسير، وجعل للخير أبواباً ليلجها من للخير يقصد ويسير، انظروا إلى الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد التوحيد تجدوها قليلة الكلفة كثيرة الأجر فهي خمس في الفعل وخمسون في الميزان مفرقة في أوقات مناسبة حتى لا يحصل الملل للكسلان، وإذا أقامها الإنسان في جماعة كانت الصلاة مع الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وهذه النوافل التابعة للمكتوبات اثنتا عشرة ركعة؛ أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر من صلاهن بنى الله له بيتا في الجنة، وهذه الأذكار خلف الصلوات المكتوبات من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسع وتسعون، وقال: تمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وهذا الوتر سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((إن الله وتر يحب الوتر وأقله ركعة واحدة، وأكثره إحدى عشرة ركعة وهو مؤكد لا ينبغي للإنسان تركه)) قال الإمام أحمد: من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادته، ووقت الوتر من صلاة العشاء الآخرة ولو في حال الجمع إلى طلوع الفجر، وإذا توضأ الإنسان فأسبغ الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وهذه الصدقات إذا كانت بنية خالصة ومن كسب طيب فإن الله يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها حتى يكون ما يعادل التمرة مثل الجبل العظيم، فالرجل ينفق على نفسه، وينفق على أهله، وينفق على ولده، وينفق على بهائمه يحتسب الأجر بذلك على الله، فيكون له أجر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة، فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها)) وقال لسعد بن أبي وقاص: ((واعلم أنك لن تنفقنفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك))، وقال: ((الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: كالصائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر))، والساعي على الأرملة والمساكين هو الذي يطلب الرزق لهم، ويكون في حاجتهم، فأولادك الصغار الذين لا يستطيعون القيام بأنفسهم هم عن المساكين، فالسعي عليهم كالجهاد في سبيل الله، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خلق الله ابن آدم على ستين وثلاث مئة مفصل من ذكر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، وعزل حجراً عن طريق المسلمين، أو عزل شوكة، أو عزل عظماً، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاث مئة أمسى من يومه، وقد زحزح نفسه عن النار، وقال: يصبح على كل سلامى يعني كل عضو من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما في الضحى)) وقال: ((ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة))، وقال: ((في بضع أحدكم، يعني إتيان أهله صدقة))، فأبواب الخير كثيرة جدا، فالكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ مَتَاعُ الْغُرُورِ}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.


محمد رافع 52 23-11-2012 01:50 AM

سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع

سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور والحمد لله الذي شرع لعباده ويسر ودعاهم لما تزكو به نفوسهم وتتطهر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكل شيء عنده بأجل مقدر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بشر وأنذر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما أشرق الضياء وأنور وسلم تسليماً.

أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:5،6] فإذا كان يوم القيامة تبرأ منهم وقال إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي وحينئذ ينادون بالويل والثبور يقولون لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.

أيها المسلمون: إن من عداوة الشيطان أن يصور لكم دينكم بأبشع صورة وأشدها تنفيراً عنه إنه يصور لكم دينكم بأنه حبس للحرية وتضييق على العبد ومنع من التقدم والرفاهية هكذا يصور الشيطان لنا ديننا حتى لا نقبل عليه ولا نتمسك به وإن العاقل إذا نظر إلى الدين بعلم وعدل وجده بريئاً من كل هذه الصفات وإنه على العكس من ذلك فهو دين الحرية الحقة المعتدلة ودين السعة والسهولة والتقدم والسعادة ولنستعرض قليلاً من تشريعات هذا الدين لنقيس عليها ما سواها.

فالدين أيها المسلمون مبني على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداًً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام. وهذه الأصول الخمسة كلها يسيرة سهلة وكلها تهذيب للأخلاق وإصلاح للقلوب وتقويم للأحوال فشهادة أن لا إله إلا الله تجريد القلب من التأله والعبادة لأحد من المخلوقين وانحصار العبودية لله رب العالمين الذي من عليك بالوجود والرزق فأنت بالنسبة إليه عبد وبالنسبة إلى من سواه حر وإن من الحمق بمكان أن تنطلق من عبودية الله التي هي الحق وتقيد نفسك بعبودية هواك أو عبودية دنياك أو عبودية فلان وفلان وشهادة أن محمداًً رسول الله تجريد المتابعة لأحد من المخلوقين سوى رسول رب العالمين الذي كلف بالرسالة إليك وكلفت باتباع رسالته فعنها يسأل بلاغاً وأنت تسأل عنها اتباعا: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} وما من شك في أن كل واحد من الناس سوف يسير في عمله على خطة مرسومة فإما أن تكون طريقة النبيين أو طريق الضالين فانظر أي الطريقين أهدى وأقوم. أما إقامة الصلاة فما أيسرها وأسهلها وما أنفعها للقلب والبدن والفرد والمجتمع فهي صلة بينك وبين ربك تقوم بين يديه خاشعاً خاضعاً متقرباً إليه بما شرعه لك سائلاً منه حاجات دنياك وأخراك تنمي دينك وتحط ذنوبك وتلحقك بالصالحين وتستعين بها على أمور دينك ودنياك وتنهاك عن الفحشاء والمنكر.

أما إيتاء الزكاة وهو القسط المعلوم الذي تؤديه عن مالك لمواساة إخوانك أو لصالح الإسلام فما أيسره وما أنفعه يتطهر به المزكي من الأخلاق الرذيلة ومن الذنوب المثقلة إن الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار وهو قسط ضئيل من مالك ربع العشر من الذهب والفضة والعروض من كل مائتين خمسة دراهم. أما صيام رمضان فشهر واحد في السنة تمتنع فيه في النهار عما تشتهيه نفسك من طعام وشراب ونكاح تقرباً إلى ربك وتقديماً لمرضاته على ما تشتهيه مع ما فيه من فوائد كثيرة معلومة. وأما حج البيت فمرة واحدة في العمر على المستطيع يتوجه إلى بيت الله وشعائره يعظم ربه عندها ويعبده ويسأله حوائج دينه ودنياه ولا تسأل المحب عن حبه لبيت حبيبه وأماكن قربه والتعبد له في تلك الأماكن العظيمة مع ما في الحج من المنافع الدينية والدنيوية.

ثم الإسلام أيها المسلمون مفخرة عظيمة لأهله لأنه يأمر بكل خلق فاضل وينهى عن كل خلق سافل يأمر بكل تقدم إلى ما فيه الخير، يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} - {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)). ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان)) فهل بعد هذا من دليل أو برهان على أن هذا الدين دين الحق واليسر والسهولة والتقدم فلا باطل ولا عسر ولا تأخر ولكن حق ويسر وتقدم للخير ورجوع عن الشر ومن شك في ذلك فلينظر لتاريخ ماضينا وأمجادنا في الإسلام فتحوا القلوب بالإيمان والعلم وفتحوا البلاد بالحق والعدل نسأل الله أن يبصرنا في ديننا ويرزقنا التمسك به والوفاة عليه أنه جواد كريم.




محمد رافع 52 23-11-2012 01:51 AM

سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع أيضاً

سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين



الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور والحمد لله الذي شرع لعباده فيسر ودعاهم لما تزكوا به أنفسهم وتتطهر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وكل شيء عنده بأجل مقدر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أبلغ من وعظ وأصدق من وعد وأنصح من بشر وأنذر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المحشر وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله تعالى واعلموا أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير فإذا كان يوم القيامة تبرأ منهم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.

ألا وإن من عداوة الشيطان أن يصور لكم دينكم أبشع تصوير يصوره لكم بأنه يحبس الحرية ويضيق على العبد ويكلفه بما لا يطيق ويمنعه من التقدم والانطلاق إلى غير ذلك مما يوسوس به لكم ولكن العاقل إذا تأمل أقل تأمل تبين له أن دين الإسلام هو دين اليسر والسهولة والتعقل والتقدم النافع والانطلاق إلى الخير.

أيها المسلمون: لقد بني الإسلام على خمسة أركان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً وكل هذه الأركان يسيرة سهلة على من يسرها الله عليه فهل من الصعب أن تشهد بلسانك معتقداً بقلبك بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله هل من حبس الحرية أن تكون عبداً لربك الذي خلقك ورزقك وأمدك بما تحتاجه وهيأك وأعدك لما يلزمك من شؤونك لا والله بل هذا هو الحرية وإنما حبس الحرية أن تكون عبدا لهواك أو للدرهم والدينار أو لفلان وفلان أم هل من حبس الحرية أن تكون متبعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كانت سنته أفضل سنة، سنة مبنية على القصد بلا غلو ولا تفريط فليس فيها تهور تكون نتيجته عكسية وليس فيها تماوت وتفريط تفوت به الأمور بل هي طريقة وسط لا وكس فيها ولا شطط وإن أي إنسان يتجرد من متابعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا بد أن يكون متبعاً لغيره ممن ضل عن الصراط المستقيم فماذا بعد الحق إلا الضلال. أيها الناس هل من الصعوبة أن تقوم قانتاً في كل يوم وليلة خمس مرات فقط بهذه الصلوات الخمس تتنعم بذكر ربك وتحيي قلبك بالصلة به وتسأل ما شئت من حاجات دنياك وآخرتك وأقرب ما تكون من ربك وأنت ساجد ومع ذلك فهذه الصلوات الخمس لا تستغرق إلا جزءا يسيراً من وقتك وهي مفرقة على الساعات في اليوم والليلة حتى لا تتعب بأدائها دفعة واحدة ولئلا تنقطع الصلة بينك وبين ربك مدة أكثر ثم هذه الصلوات لها من النتائج الطيبة للقلب والإيمان والثواب ما هو معلوم فالصلوات الخمس مكفرات لما بينهن من الذنوب ما اجتنبت الكبائر. والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي نور في القلب والوجه والقبر والقيامة. أيها الناس هل من الصعوبة أن يبذل الإنسان جزءاً من ماله الذي أنعم الله به عليه لمواساة إخوانه الفقراء والغارمين أو من أجل مصلحة المسلمين والإسلام فالزكاة أمر يسير من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين ديناراً نصف دينار فهل في ذلك من مشقة ألم يك في الأنظمة الجائرة أن يكون الإنسان مقيداً في ماله مشاركاً في كل جزء منه فاحمدوا الله على نعمة الإسلام واسألوه أن يثبتكم عليها ويحفظها لكم. أيها المسلمون هل من المشقة أن يصوم الإنسان شهراً واحداً من السنة تقرباً إلى الله وتقديراً لنعمته عليه بالغنى وتكميلاً لعبوديته بترك ما تشتهيه نفسه لما يرضي ربه ثم مع ذلك للصيام فوائد كثيرة معلومة أم هل من الصعوبة أن يؤدي العبد فريضة الحج مرة واحدة في العمر إن استطاع إلى ذلك سبيلاً فيتعبد لله تعالى بأداء المناسك وتعظيم الحرمات والشعائر ويحصل له الاجتماع بالمسلمين من كل قطر فيتعرف عليهم ويفيدهم ويفيدونه ثم من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

أيها المسلمون، الإسلام يأمركم بكل تقدم نافع قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} فأمرنا بالمشي في مناكب الأرض أي جهاتها ثم أمرنا بالأكل من رزقه ومعنى ذلك أن نسعى بطلب هذا الرزق إذ لا يمكن تحصيله إلا بأسبابه والناس يختلفون في سلوك ما يلائمهم من أسباب الرزق فمنهم من يحصله بالتجارة ومنهم من يحصله بالصناعة ومنهم من يحصله بالزراعة ومنهم من يحصله بالعمل إلى غير ذلك من أسباب الرزق ثم قال تعالى: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وهذا تحذير من الله لعباده أن يسلكوا في تحصيل رزقهم سبلاً حرمها الله عليهم فإنهم راجعون إليه ومحاسبهم عليها.


فالإسلام دين اليسر والسهولة والمصالح والانطلاق النافع لا صعوبة فيه ولا تهور ولا خمول ولا فوضى فنسأل الله تعالى الكريم المنان الواسع الفضل أن يمن علينا وعليكم بلزوم الإسلام والوفاة على الإيمان إنه جواد كريم.



محمد رافع 52 23-11-2012 01:52 AM

الأمن الديني للمجتمع المسلم 1





أمن المجتمع

أولاً: الأمن الديني



بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العالمينَ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أشْرَفِ الْمُرْسَلِيْنَ - صلَّى الله عليه وسلَّم.



انتهيْنا في المقال السابِق أنَّ الإسلام حفِظ لكلِّ فرْد أهمَّ خمس جوانب في حياته، وكما حقَّق الإسلام الأمنَ للفرْد في أهمِّ جوانب الحياة، فقدْ أوْلَى أهميةً أكبر لأمْن المجتمع.

لا أقصد القول بالفَصْل ما بيْن أمْن الفرد، وأمْن المجتمع.

كلاَّ! ولكن أردتُ فقط التذكير بأنَّ هناك جانبًا أمنيًّا أعظم مِن الجانب الذي تحدَّثْنا عنه سابقًا، وهو أمْن المجتمع، فهو وإنْ كان بطبيعته لا ينفكُّ عن أمْن كلِّ فرْد مِن أفراده، لكن هناك قضايا تهدِّد المجتمع مِن خلال أحد أفراده، نعم هي تؤثِّر في المجتمع بلا شك، وإنْ بطريقة غير مباشرة.

فثَمَّ جرائم أخرى تهدِّد المجتمع ككلٍّ بصور مباشرة.

وهي قضايا أمْن المجتمع ككل.
وهذا الأمْن يسمُّونه في العصر الحديث بـ(أمن الدولة/ أو بالأمن القومي).

وأمْن المجتمع ينقسِم لقسمين رئيسين: (أمْن دِيني/ أمن جنائي:
أولاً - الأمن الدِّيني:
وهو جهازُ الأمْن الذي يحارب الجرائمَ التي يرتكبها أصحابُها باسم الدِّين، ويظنُّون أنهم بهذه الجرائم البشِعة يخدمون الإسلام، ويتقرَّبون إلى الله، ويدخُلون الجَنَّة وينالون رِضاه!

وأول جماعة ضالَّة عرَفها الإسلام كانتْ تسفك الدماء، وتهتِك الأعراض، وتسلُب الأموال باسمِ الدِّين هي جماعة الخوارج.

وتاريخ نشأة هذه الجماعة الضالَّة مِن تاريخ الإسلام نفْسه؛ إذ ظهرتْ في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الحديث الصحيح عن أبي سعيدٍ - رضِي الله عنه - قال: بعَث عليٌّ - رضي الله عنه - إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذهيبة، فقسمها بيْن الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم المجاشعي، وعُيينة بن بدرٍ الفَزَاري، وزيد الطائي، ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامِري، ثم أحد بني كلاب، فغضبتْ قريشٌ والأنصار، قالوا: يُعطي صناديدَ أهلِ نجد ويدَعُنا! قال: ((إنَّما أتألَّفُهم)) فأقبل رجلٌ غائِر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية، محلوق، فقال: اتَّقِ الله يا محمَّد، فقال: ((مَن يُطِع الله إذا عصيتُ؟! أيأمَنُني اللهُ على أهل الأرْض فلا تأمنوني؟!)) فسأله رجل ***َه أحسبه خالد بن الوليد، فمنعه، فلمَّا ولَّى قال: ((إنَّ مِن ضِئْضِئ هذا - أو في عقِب هذا - قوم يَقرؤون القُرآنَ لا يُجاوز حناجرَهم، يَمرُقون من الدِّين مروقَ السهم مِن الرمية يقتُلون أهلَ الإسلام، ويَدَعون أهلَ الأوثان، لئن أنا أدركتُهم لأ***نهم قتْلَ عاد))؛ (حم/خ/م).

وفي حديثٍ آخر عن أبي سعيدٍ الخُدري، وأنس بن مالك، عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((سيكون في أُمّتي اختلافٌ وفُرقة، قوم يُحسنون القيلَ ويُسيئون الفعلَ، ويقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيَهم، يمرُقون من الدِّين مُروقَ السهم مِن الرميَّة، لا يرجعون حتى يرتدَّ على فوقه، هم شرُّ الخلْق والخليقة، طوبَى لمن قتَلهم و***وه يَدْعون إلى كتابِ الله وليسوا منه في شيء، مَن قاتلهم كان أوْلَى بالله منهم))، قالوا: يا رسولَ الله، ما سِيماهم؟ قال: ((التحليق))؛ [ص] (حم/د).

وقدْ ورَد في هذه الجماعة أحاديثُ كثيرةٌ ليس هذا موضعَ بسْطها الآن، ولكن الخلاصة: أنَّ هذه الجماعة كانتْ أوَّل مَن ارتكب الجريمةَ ويزعُم أنَّه يريد بها رِضا الله والجنة!

وهذه الجماعة وإنْ وُلِدَت في عهده - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكنَّها لم تظهرْ كجماعة ذات كيان إلاَّ في عهد الخليفة الراشِد عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - والذي شرَّفَه الله تعالى فيما شرَّفه بأمورٍ كثيرة كان مِن أهمها أنَّه قتَلَهم في جهادِه في سبيلِ الله تعالى، وثانيًا: شرَّفه الله تعالى بشهادته في سبيلِ الله على يدِ أحد مُجرميهم - انتقَم الله منه بما هو أهله - وهو ابن ملجم - ألْجَمه الله في النار.

وفي الحديث تظهَر مسألتان تجِب الإشارةُ إليهما:
المسألة الأولى:
أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَر بقتْلهم، وحضَّ عليه ووعَد به الجزاءَ الحسن والأجْر العظيم، مما يؤكِّد على ضرورةِ وجود الأمْن الدِّيني الذي يَحْفَظ به اللهُ على العباد دِينَهم ويحميهم مِن الجرائم المرتكَبة باسمِ الدِّينِ والدِّينُ منها براء.

المسألة الثانية:
إذا كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَر بقتْلهم، ووعَد عليه الجزاءَ الحَسَن والأجْر الجميل، فلماذا لم يفعلْ هو بنفسه ما أمَر به، لا سيَّما أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان قادرًا على وأِد البذْرة التي سيخرج منها بعدَ ذلك جماعةٌ كبيرة يذوق منها المسلمون العذابَ الأليم؟!

إنَّ امتناعَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن قتْل الأبِ الأوَّل للخوارج يبيِّن لنا نظريةً أمنيةً أخرى ضِمنَ المنهج الأمْني للإسلام، وهي نظرية (درء الفتن)، وسيأتي الحديثُ عنها لاحقًا - بإذن الله تعالى - في حديث مستقلٍّ ليس هذا أوانَه.

ولكن نستفيد مِن الحديث في الدرجة الأولى أنَّ أهمَّ جهاز أمْني في الدولة المسلِمة هو جهازُ الأمْن الدِّيني، والذي يكافح الجرائمَ المرتكَبة باسم الدِّين، وقداسة هذا النوع مِن الجهاد في سبيلِ الله الذي يحفظ الله به الأُمَّة مِن شرِّ هؤلاء الطُّغاة المجرمين.

وقدْ تكرَّر ظهور أمثال هؤلاء الضالِّين بقلَّة شديدة ونُدرة عظيمة في عهدِ الخلافة الراشِدة، وكان الخلفاء الراشدون يتصدَّون لمِثل هذا الإجرام بكلِّ حزْم وشدَّة.

ومِن ذلك ما فَعَله الصِّدِّيق - رضي الله عنه - ضدَّ فِرق الضلال التي عقبتْ وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث عقَد أحدَ عشرَ لواءً مِن جند الله الأبرار في ساعةٍ مِن نَهار ليقاتل بها الضالِّين مِن: (المرتدين / المتنبِّئين/ مانعي الزَّكاة)، وكانتْ من أعظم الملاحِم التي قام فيها المجاهِدون في سبيل الله بجهادِ الأعداء المنتسبين للأمَّة.

وهذه حروبٌ مبسوطة في كُتب السير، وليس هذا أيضًا موضعَ بسطها.

ولكن الخلاصة هي: وجوبُ جهاد الأمَّة للخارجين عليها بمفهوم دِيني ضالٍّ، كمَن منعوا الزكاة؛ زَعمًا منهم أنها تسقط عنهم بوفاةِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومِن هذا التطرُّفِ الدِّيني الذي نشأ في عهد الخلفاء الراشدين: ما فعله الفاروقُ عمرُ - رضي الله عنه - مع صَبيغ بن عسل، وملخَّص القصَّة أنَّ صَبيغًا كان متفيهقًا يتكلَّم في القرآن برأيه وهواه، فبلَغ ذلك عمرَ - رضي الله عنه - فبعث إليه وقدْ أعدَّ له عراجينَ النخل، فلمَّا دخَل عليه جلس.

فقال له عمر - رضي الله عنه -: مَن أنت؟
فقال: أنا عبد الله صَبيغ.

فقال عمر - رضي الله عنه -: وأنا عبدُ الله عمر، ثم أهْوَى إليه فجعَل يضربه بتلك العراجين، فما زال يَضرِبه حتى شجَّه فجَعل الدم يسيل على وجهِه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين! فقد واللهِ ذهَب الذي كنتُ أجِد في رأسي.

وفي رواية أنه قال: إنْ كنتَ تريد قتْلي فأجهِز عليَّ، وإن كنتَ تُريد شفائي فقد شَفيتني شفاك الله فأرْسلَه عمرُ.
وكتب إلى أهل البصرة ألاَّ يُجالسوه.

وفي رواية: فأمَر به عمرُ - رضي الله عنه - فضُرِب مائة، وجُعل في بيت، فإذا برِئ دعا به فضرَبه مائة أخرى، ثم حمله عل قتْب، وكتَب إلى أبي موسى: حرِّم على الناس مجالستَه، وأن يُحرَم عطاءَه ورِزقَه، واحملوه على قتْب، وأبلغوا به حيَّه. ثم ليقم خطيبٌ فيقُلْ: إنَّ صَبيغًا طلَب العِلم وأخطأه.
قال: فلو جاءَ ونحن مائة لتفرَّقْنا.

وكان صَبِيغ بالبصرة كأنَّه بعيرٌ أجْرَب، يجيء إلى الحلقة، ويجلس، وهم لا يعرفونه، فتُناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمر، فيقومون ويدَعونه، فلم يزلْ كذلك حتى أتى أبا موسى فحلَف له بالأَيمان المغلَّظة ما يجِد في نفسه ممَّا كان شيئًا، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتَب إليه: ما إخاله إلاَّ قدْ صدَق، فخلِّ بيْنه وبيْن مجالسته الناس.

فلم يزلْ وضيعًا في قومه بعدَ أنْ كان سيدًا فيهم؛ راجع: (سُنن الدارمي، والموطأ، والبزار، وغيرهم).

فكان الخلفاءُ الرَّاشِدون يقظِين لمِثل هذا التطرُّف الدِّيني الذي يُهدِّد عقائدَ الناس، وأمنَهم بمفهوم دِيني ضالّ.

وبَعْدَ غائر العينين وصَبِيغ وابن ملجم، نشأ العديدُ مِن الفرق الضالَّة التي ارتكبَتِ الجرائم باسمِ الإسلام، والإسلام منها بريء براءةَ الذئب مِن دمِ ابن يعقوب.

ومَن شاء فليرجع لكتاب "الملل والنحل" لابن حزم، وللشهرستاني، ليعلم كم كان ضلالُهم، وكم كان شرُّهم وخطرُهم على الأمَّة، وكم نحن محتاجون إلى مِثل هذا الجهاز الأمني لحماية عقائدِ الأمَّة من الضالِّين، وحمايتهم مِن الجرائم البشعة المرتكَبة باسمِ الدِّين.

فهؤلاء الضالُّون يجب أن يُعامَلوا كما تَعامَل معهم الخلفاءُ الراشدون، كلٌّ بحسب موقفه، ورحِم الله الشافعي إذ يقول: "حُكْمِي في أَهْلِ الكَلامِ، حُكْمُ عُمَرَ في صَبِيْغٍ"سير أعلام النبلاء".

التحريف العصري لأمْن الدولة:
وفي عصرِنا هذا قام العديدُ مِن الحكَّام المستبدِّين بإنشاء جهاز أمْن الدولة، ولكنَّهم لا يحاربون به التطرُّفَ الدِّيني، بل يحاربون به أهلَ السُّنَّة، والدعاةَ إلى الله، ويُنكِّلون بكلِّ مَن حاول التقويمَ لشيءٍ مِن اعوجاجهم.

فمن خالف هواهم ساموه سوءَ العذاب، وأليمَ العِقاب؛ إذ اختزلوا الدِّين والدولة كليهما في أشخاصِهم.

فجعلوا من مسألة بقائِهم في السلطة القضيةَ المقدَّسة، التي تستحقُّ أن ينفقوا عليها أموالَ الأمَّة جميعها، وأن يقتُلوا أبناء الأمَّة كلها!!

وأرجو مِن الله تعالى أنْ أكون موفقًا في توضيحِ أهمية الأمْن الدِّيني وعظيم خطرِه في النِّظام الأمني الإسلامي.

وآخِرُ دَعْوانَا أَنِ الحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.




محمد رافع 52 23-11-2012 01:54 AM

الأمن الجنائي للمجتمع المسلم 2


محمد فريد فرج فراج



أمن المجتمع


ثانيًا: الأمن الجنائي



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِيْنَ - صلَّى الله عليه وسلَّم.


تحدَّثْنا من قبلُ عن ضمان الإسلام لأمْن الفرد، ثم تحدَّثْنا عن ضمانِ الإسلام لأمْن المجتمع، وذكرنا أنَّه ينقسم لشقين: ((ديني/ جنائي))، وتناولْنا آنفًا الشقَّ الدِّيني، وهو أهمهما؛ بل هو أهمُّ أركان المنهج الأمْني في الإسلام طُرًّا.


وهنا نتحدَّث عن أمْن المجتمع بشقِّه الجنائي:
ونقصد بأمْن المجتمع: هو الجهاز الأمْني الذي يُكافِح الجريمةَ التي تُرتَكب في حقِّ المجتمع بأَسْره وتهدِّد سلامته، وليستْ خاصَّةً بأحد أفراده.


ويندرج تحتَ هذا اللون مِن الجرائم: (ال******/ السِّرِقة بالإكراه/ قطْع الطريق/ تجارة المخدِّرات/ الغش في موادِّ البناء/ غش السِّلع التي يسبِّب غشها كوارثَ عامَّة/ الغش في السِّلع الغذائية/....)، وقِس على هذا كلَّ جريمة تهدِّد أمْنَ وسلامةَ المجتمع ككل، وتجعل أفرادَه في حالة رُعْب وفزَع.


ولعِظمِ هذه الجرائم فقدْ شدَّد الإسلام عقوبتَها، بحيث جعلَها أعْلى عقوبةٍ في الإسلام كما يتَّضح في القرآن الكريم؛ ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 33 - 34].


وقد حدَثتْ واقعة بشِعة في عهدِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن جِنس هذا الإجرام، كما في الحديث عن أَنَسِ بنِ مالِكٍ: أنَّ ناسًا من عُرينةَ قدِموا على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينةَ فاجتووها، فقال لهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنْ شِئتُم أن تخرجوا إلى إبلِ الصَّدَقة فتشربوا مِن ألبانِها وأبوالِها))، ففَعلوا فصحُّوا، ثم مالوا على الرِّعاءِ ف***وهم وارتدُّوا عن الإسلام، وسمَّلوا أعينَ الرِّعاء، وساقوا ذودَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبَلغ ذلك النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبَعث في أثرِهم فأُتِي بهم فقطع أيديَهم وأرجلَهم، وسمَّل أعينَهم، وترَكهم في الحرَّةِ حتى ماتوا؛ (حم/خ/م).


وهنا وقفةٌ شديدةُ الأهمية؛ إذ لم تعرِفِ البشرية أرحمَ ولا أحنَّ مِن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكن لماذا تصرَّف النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهذا الحزْم والحسْم الشديدَيْنِ؟!


لقدْ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتألَّف قلوبَ الناس بكلِّ ما يملك مِن المال، حتى حَكَى عنه الصحابة - رضي الله عنهم - أنَّه كان يُطعِم ضيوفَه من الكفَّار ما لديه مِن الطعام وينام هو جائِع البطْن.


واشتهر عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيْن العرَب أنه يُعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر.


وهناك الكثيرون مِن الأعراب يعيشون على السلْب والنهب، ولا وظيفةَ لهم إلا القتْل وال******، ومِن قبل قام بعضُ هذه القبائل بتتبُّع بعض الصحابة وقاموا بقتْل بعضهم، وبيع الآخَرين لقريشٍ ف***وهم.


وبعدَ ذلك طلبتْ بعضُ القبائل مِن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مجموعةً من الصحابة ليعلِّموهم دِينَهم، فأعطاهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سبعين رجلاً مِن خيرة قُرَّاء وعلماء الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - فغَدَروا بهم، وقتَلوهم جميعًا، وتكرَّر هذا الغدرُ مِرارًا!!


حتى جاء هؤلاء الغادرون، وأظْهروا الإسلام، فأكْرَمهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجعَلهم يمكُثُون في المدينة يأكلون ويشربون بلا عملٍ ولا وظيفة، يخدمُهم الرعاةُ ابتغاءَ وجه الله، فما إنْ صحَّت جسومُهم حتى كافؤوا النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلمين، فارتدُّوا عن الإسلام، وقتَلوا الرعاة، وسمَّلوا عيونَهم، وقطعوا آذانَهم، ومثَّلوا بهم، واستاقوا الإبل!


وعليك أن تتصوَّر ما يَفعله خبرٌ كهذا إذا شاع بيْن مجموعةٍ مِن الأعراب الأجلاف الذين يعيشون على السَّلْب والنهب؟!


لو تُرِك الأمر هكذا؛ إذًا لأصبحتِ المدينة صيدًا سهلاً، فما على أيِّ مجرِم محترف إلا الرحلة إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم إظهار الإسلام والمكْث في المدينة لحين غِرَّة مِن أهلها في*** ويغتصِب ما يشاء، ثم يرجع آمنًا متسربلاً بسماحةِ الإسلام!!


ولتعيش المدينة بعدَ ذلك في رُعْب وهلَع وفزَع، لا يسلَم منه طفلٌ ولا امرأةٌ ولا شيخ!


فهذا الصِّنْف مِن الجرائم يجب أن يتصدَّى له المجتمعُ بكلِّ الحسْم والحزم الشديدَيْنِ اللَّذَين أمَر بهما ربُّنا في كتابه - سبحانه وتعالى؛ حفظًا على أمْن المجتمع وسلامته مِن عبَث العابثين، وكما فعَل - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع هؤلاء الغادرين.


وآخِرُ دَعْوانا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَميْنَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ ألاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.




محمد رافع 52 23-11-2012 01:56 AM


الأمن مسئوليتنا جميعا

أ. د. عبدالله بن محمد الطيار


الحمد لله الذي امتنَّ على خلقه بالأمن، فقال: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 4]، وأشهد ألا إله إلا الله حرَّم الظلم وتوعَّد الظالمين بأليم العقوبة، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله القائل: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه))، صلى الله عليه وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].


أيها المؤمنون:
الأمن مطلب لا تستقر الحياة دونه، وهو مسؤولية الناس جميعًا، ولا طعم للحياة بلا أمن، بل الحاجة إليه كالحاجة للطعام والشراب، فلا قوام للحياة دونه.


وفي هذه الليالي والأيام المباركة من هذا الشهر الكريم يأبَى أصحاب النفوس الحاقدة، والأفكار المنكوسة إلا تكدير الصفو على الآمنين، ومحاولة خرق سفينة المجتمع؛ لتحقيق ما يطمع له أعداء هذه البلاد من زعزعة الأمن، وبث الفرقة، وتسليط أدوات من هذا المجتمع عشعش الفكر الضال في عقولهم، فخدموا أعداء الدين من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

عباد الله:
إن مسؤوليتنا الشرعية والخلقية والوطنية تحتِّم علينا المساهمة كل على قدر استطاعته في الحفاظ على الأمن بمفهومه الشامل، وردع الظالمين، وفضح مَن تسوِّل له نفسه العبث بأمن البلاد أو الاعتداء على حُرمات العِباد، وينبغي ألا تأخذنا العواطف في التسامح والتساهل مع المجرمين أيًّا كان نوعهم، ومهما كانت مشاربهم.


عباد الله:
لقد كفلت شريعة الإسلام حقوق المسلمين وغيرهم؛ يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من آذى ذِمِّيًّا، فأنا خصمه يوم القيامة))، هذا في حق غير المسلمين من أهل الذمة، أما أهل الإيمان فالله - جل وعلا - حرم أذيتهم قولاً وفعلاً، وعظم أمرها ورتب العقوبات الصارمة عليها، وأنتم تقرؤون في كتاب الله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].


وإن ما حدث ليلة البارحة من محاولة الاعتداء على صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية من أشنع الظلم؛ إذ يجتمع في هذه الجريمة أنواعُ الظلم كلها.

لقد روعت هذه الفعلة النكراء الآمنين، وأقضت مضاجع المؤمنين، وكدرت ليلة الخاشعين العابدين، ومَن يدري لعلَّ الله حفظ سمو الأمير، وكفاه شر هذه الجريمة بدعوات الراكعين والساجدين الذين يدعون له ولغيره من ولاة الأمر، الذين يسهرون لتحقيق الأمن لهذه البلاد، ولكل مَن يقيم على ثراها.

أيها المؤمنون:
لقد أخذ الإرهاب أشكالاً متعددة وطرقًا ملتوية؛ لتحقيق مكاسب لأعداء الدين وأعداء المسلمين، وهذا الفكر الذي يخدم أعداءنا يجب أن نقف في وجهه بكل حزم وقوة، فبلادنا - ولله الحمد والمنة - تمدُّ ذراعيها لكل من يريد الخير، وتفتح صدرها لكل من يتعاون معها لخير البلاد والعباد، لكننا أيها الإخوة، محسودون على ما ننعم به من نعمة الدين والأمن والاجتماع، وحتى الثروة في بلادنا هناك من يطمع بها من أصحاب القلوب المريضة، فلنكن يدًا واحدة، ولنتعاون جميعًا على الخير، فكل منَّا حارس وكل منَّا على ثغره، وهو مسؤول عنها، فاجتهدوا - وفقكم الله - وضعوا أيديكم بأيدي ولاة أمركم، وكونوا سدًّا منيعًا أمام هؤلاء الأعداء، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 3 - 4].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي المؤمنين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أكرم الصائمين، وأصدق القائمين، صلى الله عليه وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون - بارك الله فيكم - أن الحياة مَيدان للصراع بين الحق والباطل، فللحق جنوده ورجاله، وللباطل أنصاره وأعوانه، ولكن سَرعان ما يزهق الباطل، وصدق الله إذ يقول: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].


عباد الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90].


﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة:201].


صلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأقم الصلاة.




محمد رافع 52 23-11-2012 01:57 AM

الأمن أهم مطالب الحياة

د. زيد بن محمد الرماني



يعتبر الأمن من أهم مطالب الحياة، بل لا تتحقق أهم مطالبها إلا بتوفره؛ حيث يعتبر ضرورة لكل جهد بشري، فردي أو جماعي؛ لتحقيق المصالح العامة للجميع.

والتاريخ الإنساني يدل على أن تحقيق الأمن للأفراد والجماعات الإنسانية، كان غاية بعيدة المنال، وفي فترات طويلة من التاريخ، وأن الأمن لم ينبسط على الناس في المعمورة إلا خلال فترات قليلة.


فالحرب والقتال بين البشر ظاهرة اجتماعية لم تختف حتى الآن، وكان تغير الدول والإمبراطوريَّات قديمًا، ونشأتها وضَعفها وانتهاؤها، مرتبطًا في الغالب بالحروب ونتائجها.

إن الأمن معنى شامل في حياة الإنسان، ولا يتوفر الأمن للإنسان بمجرد ضمان أَمْنِه على حياته فحسب، فهو كذلك يحتاج إلى الأمن على عقيدته التي يؤمن بها، وعلى هُويته الفكرية والثقافية، وعلى موارد حياته المادية.

يقول د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي في كتابه «الأمن في حياة الناس»: إن تكامل عناصر الأمن في مجتمع معين، هو البداية الحقيقية للمستقبل الأفضل، وتوفر عناصر الأمن الديني والاجتماعي والاقتصادي، والثقافي وبقاؤه في المجتمع - ضمان له لاستعادة أَمْنه الخارجي؛ حتى لو فقده بصفة مؤقتة.

ويقول - عزَّ وجلَّ -: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة : 125] ، ويقول – سبحانه -: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل : 112].

فالأمن على نفس الإنسان وعلى سلامة بدنه من العِلل، والأمن على الرزق - هو الأمن الشامل الذي أوجز الإحاطة به وتعريفه حديث رسوله الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا))؛ رواه البخاري - رحمه الله - في "الأدب المفرد".

إن الفطرة الإنسانية تقتضي الاجتماع، ومتى وجد جماعة من الناس، تعيّن أن تقوم فيهم سلطة حاكمة ترى مصالحهم، وتعمل من أجل بقائهم وتقدُّمهم، وتحجز بين أفرادهم حين تختلف المصالح.



فالمسلم يحتاج في إقامة دينه وأداء شعائره، والأمن على نفسه وعرضه وماله - إلى مجتمع آمن؛ حتى ولو كان يعيش في بلد ومجتمع غير مسلم.
فالأمن من أول مطالب الإنسان في حياته.

إذ يحتاج الفرد في حياته إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله.

لذا جعلت الشريعة السمحة الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها.

فأنزلت الحفاظ على الدين والنفس، والعقل والنسل، والعرض والمال - منزلة الضرورة التي لا تستقيم الحياة إلا بها، وجعلت حاجات الإنسان التي تُيسر حياته في مرتبة تالية (مرتبة الحاجات).
وأفسحت مجالاً تكتمل به حياة الإنسان فيما عدته من الكماليات والتحسينات.

فلا شك أن أمن الإنسان لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت له ضرورات الحياة هذا في أي مجتمع يعيش فيه.

إن الأمن الفردي؛ أي: أَمْن الإنسان على نفسه وماله وعرضه ضد أي اعتداء يقع عليه من غيره، مكفول عن طريق تطبيق الأحكام الشرعية التي تحمي الأنفس والأعراض والأموال.





محمد رافع 52 23-11-2012 01:59 AM



الأمن نعمة


الشيخ أحمد الفقيهي

عباد الله:
نِعَمُ الله على الناس تَتْرى، وآلاؤُه ومنافعه لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ما غابتْ نعمةٌ إلا ظهَر غيرُها، ولا فُقِدَتْ منةٌ إلا أنْعَم على الناس مثلَها، أو خيرًا منها.
أيها المسلمون:
نعمةٌ من نِعَم الله - تعالى - لا يهنأ العيشُ بدونها، ولا يقَرُّ قرارٌ عند فَقْدها، إنها النِّعْمَةُ التي يبحث عنها الكثيرُ، ويخطب ودَّها الصغيرُ والكبير.
هي نعمة لا أجَلّ منها ولا أعظم إلا نِعْمة الإسلام، أعرَفْتُم تِلْكم النعمة - يا عباد الله - إنَّها نعمة الأَمْن والأمان، والسلامة والاستقرار في الأوطان.
عباد الله:
نعمةُ الأمن امْتَنَّ الله بها على قريش، حين أعْرَضُوا عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال - سبحانه -: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}
[1]، وذَكَّرَهُم - سبحانه - بأحوال الذين فَقَدُوها مِنْ حَوْلِهم؛ فقال - عز مَن قائل سبحانه -: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[2]، ثم جَعَلَها - تعالى - لعِظَمِها داعيًا لهم إلى الإيمان؛ فقال - جلَّ ذِكْرُه -: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4].
أيها المسلمون:
وحين خاطَبَ المولى - سبحانه - صحابَةَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ذَكَّرَهُم بتفَضُّلِه عليهم بنعمة الأمان، وامْتَنَّ عليهم بنصره لهم وإيوائه: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[3].
أيها المسلمون:
إنَّ أول أمرٍ طلَبَهُ إبراهيم - عليه السلام - من ربِّه هو أن يجعلَ هذا البلَد آمنًا؛ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}
[4]، وفي آية أخرى قدَّم - عليه السلام - في ندائه لرَبِّه نعْمَةَ الأمن على نعْمة العَيْش والرِّزْق؛ فقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[5].
عباد الله:
إنَّ استقرار المجتمع المسلم الذي يهنأ فيه بالطعام والشراب، ويكون نهاره معاشًا، ونومه سباتًا، وليله لباسًا - لا يُمكن أن يتَحَقَّق إلا تحت ظِلِّ الأمن والأمان، فكم منَ البلاد حولنا عاقَبَهُمُ الله بِنَزْع الأمن والأمان من بلادهم؛ فعاش أهلُه في خوفٍ وذُعْرٍ، وفي قلَقٍ واضطراب، لا يَهْنَؤُون بطعام، ولا يَتَلَذَّذُون بشراب، ولا ينعمون بنَوْمٍ، الكل ينتظر حتْفَه بين لحظةٍ وأخرى! وقد قيل لحكيم: أين تجد السرور؟ قال: في الأمن، فإنِّي وجدتُ الخائف لا عيش له.
أيها المسلمون:
إن مكانة الأمن كبيرة، وكان نبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - إذا دَخَلَ شهرٌ جديد، ورأى هلاله، سأل الله أن يجعلَه شهر أمن وأمان، وقال: ((اللهُمَّ أهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تُحب وترضى))
[6].

وفي الحديث الآخر يُذَكِّر - صلى الله عليه وسلم - الناس بهذه النِّعمة؛ فيقول: ((مَنْ أصبح منكم آمناً في سِرْبه، معافًى في جسَده، عنده قُوت يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرها))
[7].
عباد الله:
إذا تفَيَّأ المجتمعُ ظلال الأمْنِ والأمان، وجَدَ لذَّة العبادة، وذاق طعْمَ الطاعة، فعمرت المساجد، وأُقيمَت الصلوات، وحُفِظَت الأعراض، وانْتَشَر الخيرُ.

وإذا ضعف الأمْنُ واختَلَّ، تبَدَّلَ الحال، ولَمْ يهنأ أحدٌ براحة بال، فتختل المعايِشُ، وتُهْجَر الديار، وتُفارَق الأوطان، فتُقْتَل أنفس بريئة، ويُيَتَّم أطفال، وتُرَمَّلُ نساء، ولن يدركَ ذلك إلا مَن ذاق وَيْلات الحروب، واصطلى بِنِيرانِها.
أيها المسلمون:
لقد أنْعَم الله على كثيرٍ من الأُمَم بنِعْمَة الأمن، لكنهم لما كَفَرُوا بنعمة الله، وأعْرَضُوا عن شرع الله؛ عاقَبَهُم الله، فبَدَّلَ أمنهم خوفًا، فلا تسلْ عما يحلُّ بهم بعد ذلك؛ يقول سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}
[8].
عباد الله:
إنَّ دوام النِّعَم وشُكْرها مقترنان؛ فكُفْرُ النِّعمة يعرضها للزوَال، وشُكرها يطيل أمَد البقاء، فالذنوبُ مُزِيلَةٌ للنِّعَم، وبها تحل النِّقَم؛ قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
[9].

ألا وإنَّ منَ الخطأ - عباد الله - قصر مفهوم الأمن على نطاق ضَيِّقٍ، يَتَمَثَّل في مُجَرَّد حماية المجتمع من السَّرِقة، أو النَّهْب، أو ال***، وما شابه ذلك؛ فمفهومُ الأمن أعَمُّ مِنْ ذلكم وأجَلُّ؛ حيث يشمَلُ التمَسُّك بعقيدة التوحيد، والبُعْد عن الشِّرْك وموالاة الأعداء، ومحارَبة مَن يسْعَون إلى تنْحِيَة شرْع الباري - جلَّ شأنُه - عن واقع الحياة، أو مُزاحمة شرْع الله بشَرْع غَيْرِه؛ {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}
[10].
أيها المسلمون:
إنَّ أمن العُقُول لا يقل أهمية عن أمْنِ الأرواح والأموال، فكما أنَّ للأرواح والأموال لصوصًا؛ فإنَّ للعقول لصوصًا كذلك، ولصوصُ العقول أشَدُّ خطرًا، وأنكى جُرحًا، من سائر اللصوص.

اللهُمَّ إنا نسألك الأمن والأمان، والسلامة والإسلام، يا ذا الجلال والإكرام.






الخطبة الثانية

عباد الله:
إنَّ الاختلال الأمْني المتَمَثِّل في كثْرة ال***، وإزهاق الأنْفُس البريئة، من غير برهان - لَهُوَ من علامات آخر الزمان المنذرة بِدُنُوِّ الساعة، التي لا يعلمها إلا الله؛ ففي الصحيحَيْن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يتقارَبُ الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتَن، ويكثر الهرْج))، قالوا: يا رسول الله، وما الهرْج؟ قال: ((القتْل، القتْل))
[11].

أيها المسلمون:
إنَّ حفظَ الأمن واستمراره في بلاد الحرمين آكَد من سائر البلدان، فعلى مكة نزَلَ الوحي، وبين لابتي طابة شعَّ النور في الآفاق، وفي بلاد الحرمَيْن بيتُ الله قائم، ومسجد رسوله - صلى الله عليه وسلم - عامر.

ولأجل الأمن - أيها المسلمون:
الذي تَنْعَمُ به بلاد الحرمَيْن ببركة دعاء إبراهيم - عليه السلام - في قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا}
[12]، لأجل هذا الأمن والأمان الذي تنعم به بلاد الحرمين شرَّق الأعداء، فراحوا يُدَبِّرُون الخطَط والمؤامَرات؛ للإفساد في الأرض، وترْويع الآمنين، ومَن كان في قلبِه إيمانٌ صحيحٌ فلا يُمكن أن يَتعاوَنَ على أهل الإسلام وبلاد الإسلام.

ألا فانهلوا - عباد الله:
من منبع الكتاب والسنة، من غير تحريف ولا تأويل لنُصُوصهما، واثبتوا في الكرْب عند ورثة الأنبياء، واستنيروا بآرائهم؛ فهي سدادٌ في الرأي، وتوفيق للصواب، ودَرْءٌ للفساد.
عباد الله:
صلُّوا على مَن أمركم اللهُ بالصلاة والسلام عليه.




ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] [القصص: 57].
[2] [العنكبوت: 67].
[3] [الأنفال: 26].
[4] [إبراهيم: 35].
[5] [البقرة: 126].
[6] أخرجه التِّرمذي.
[7] أخرجه التِّرمذي.
[8] [النحل: 112].
[9] [الأنفال: 53].
[10] [آل عمران: 83].
[11] أخرجه الشيخان.
[12] [البقرة: 126].





مستر مصطفى الناقه 23-11-2012 06:27 AM

بارك الله فيك

محمد رافع 52 23-11-2012 01:01 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستر مصطفى الناقه (المشاركة 4982713)
بارك الله فيك

جزاك الله خير

محمد رافع 52 24-11-2012 01:43 AM

السبيل إلى الأمن والرزق (1)



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].


أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله - تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: بعث اللهُ - تعالى - محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه القرآن هُدًى لِلنَّاس وبينات من الهدى والفرقان، فما من شيء ينفع الناس، ويحقق مصالحهم إلا دلت عليه شريعة الله - تعالى - وحذرتهم من كل ما يضرهم أو يسبب شقاءهم {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
شريعة كاملة شاملة، اختارها ربُّنا - جل جلاله - ورضيها، وأمر الناس بالأخذ بها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125].


شريعةٌ أنزلها وفرضها من يملك السموات والأرض، ويحي ويميت، ويقدر الأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة {وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النساء: 126].
شريعةٌ تحقق الأمن والطمأنينة في الدنيا والآخرة، فمن تمسك بها، ووقف عند حدودها؛ فله الأمنُ في الدنيا والآخرة، ولن يشقى أو يخاف، ولو اجتمع أهلُ الأرض كلهم على إخافته وشقاوته فلن يستطيعوا ذلك؛ لأن السعادة والشقاوة، والأمن والخوف، محلها القلب، ومن يملك القلوب إلا الله - تعالى - {أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء))[1].


وإذا أراد الله - تعالى - أمان شخص، وطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وراحة باله؛ فلن تستطيع أية قوة إخافته أو زعزعته، ومهما كان أسيرًا أو طريدًا أو معذبًا أو مشردًا، فإنه يعيش في نعيم ما دام الله - تعالى - قد ربط على قلبه، وثبَّت نفسه، على حد قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - لما سجن في القلعة: "ماذا يفعل بي أعدائي، إن جنتي في صدري، أنَّى ذهبت فهي معي"[2].
وتأمل يا عبد الله عجيب تدبير الله - عزَّ وجلَّ - وتأمينه لعباده المؤمنين في مواطن الخوف وملاقاة العدو، كما في غزوة "بَدْر" {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال: 11]، وفي غزوة "أُحُد" {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران: 154]، كان أحدهم من شدة نعاسه يسقط سيفُه من يده، ويُطأطأ رأسُه على راحلته[3].


عجيبٌ والله تدبير الله - تعالى - إنه تدبيرٌ على خلاف حسابات البشر وظنونهم، فالمعارك تحتاج إلى اليقظة والقوة. والنعاسُ عنوانُ الضعف والغفلة، التي تسبب الفشلَ والهزيمةَ، ولكن الله - تعالى - بقدرته يجعل النعاس مصدر قوةٍ؛ لأن فيه أمنًا للقلوب من الخوف، وراحة للأجساد من التعب، ولو كان ذلك النعاس على أرض المعركة، وفي أصعب الساعات؛ فسبحان الله العليم القدير!
في مقابل ذلك فإن الله - تعالى - إذا خذل عبدًا، وسلب منه الأمن والطمأنينة؛ فلن يأمن ولو تحصن بحصونِهِ، ولبس دروعه، وحرسه البشرُ كلُّهم؛ كما لم يأمن بنو النضير عندما حاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نقضوا العهد مع المسلمين، وحاولوا *** النبي - صلى الله عليه وسلم - فتحصَّنوا في حصونهم، وخزنوا مؤنهم، وأغلقوا عليهم أبوابهم، وحرسوا قلاعهم، ولا خوف عليهم من جوعٍ أو قلة أو نقصِ سلاحٍ أو قوةِ عدوٍّ أو كثرته؛ مما يحتم عليهم عسكريًّا الثبات والقتال، ولا سيما أن من يحاصرونهم هم أقل منهم سلاحًا وطعامًا، وقد لا يصمدون طويلاً في العراء والحصار، ولكن الله - تعالى - سلَّط على يهود بني النضير رعبًا اخترق حصونهم من دونِ اقتحام، واستقرَّ في قلوبهم بلا قتال؛ فنزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلاهم عن المدينة {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2].


إن تحقيق الأمن على مستوى الأفرادِ والدول والأمم صار في هذا العصر هاجسًا ينفقُ فيه البشرُ من الأموال أكثرَ ممَّا ينفقون على مآكلهم ومشاربهم ومراكبهم وعمرانهم وأي شيء آخر؛ إذ لا فائدة من أي شيء بلا أمن، ولا طعمَ لأي حلوٍ في حالة الخوف.
ولن يتحقق الأمنُ للبشر إلا بالإيمان بالله - تعالى - والتزام الإسلام شريعةً ومنهجًا، فمن حقق الإيمانَ فلن يخاف، ومن كفر بالله - تعالى - فلن يأمن، وكيف يأمنُ من أراد الله - تعالى - خوفه؟! وكيف يخافُ من أراد اللهُ - تعالى - أمْنَه؟! وهذا ما قاله الخليل - عليه السلام - حينما أخافه المشركون بأصنامهم وطواغيتهم قال: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 81-82]، ما كان أمنهم إلا لأن الله - تعالى - أراد أمنهم؛ بسبب إيمانهم وإخلاصهم.


وإذا تجمعت الحشود، وعظمت الخطوب، وتجبر الأقوياء، ودنت ساعةُ الخطر؛ لاذَ المؤمنونَ بحمى الله - تعالى - فأمَّنهم - سبحانه وتعالى - بإيمانهم ويقينهم، وربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وحفظهم من السوء والمكروه {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173-174].
إن العالمَ المعاصرَ قد أسس بنيانه على ما يكون سببًا في الذعر والخوف، واستبعد ما يحقق الأمن والسلام؛ فهو عالمٌ في أكثره - أفرادًا ودولاً وأممًا - مؤسسٌ على الإلحاد والمادية، بعيد عن الإيمان بالله - تعالى - ومعرفة أوامره ونواهيه، والتزام حدوده وحرماته، فأضحى أكثر أفراده يلهثون في الدنيا؛ لأنهم لا يرجون الآخرة، واستباحوا كلَّ محرم من ربا وغش ونهبٍ؛ لتأمين هذه الدنيا التي لا يرجون غيرها، وصار عالمهم بين اثنين لا ثالث لهما؛ إمَّا لصٌّ غني، يتاجر في المحرمات، ويأكل السحت والربا، ويلتهمُ بشركاته العملاقة صغار التجار حتى يفقر الناس، ويسيطر على الأسواق، وإمَّا فقير محترق قد مص الأول دمه، وسحق عظمه، وشرد أسرته، ورمى به على قارعة الطريق، بما حمَّله من أغلال الربا، وكبله باحتكار السلع، ثم يقومُ هذا الطاغية المستكبر بشراء الذمم بأمواله، وصياغة القوانين بجاهه وسلطانه، وتوجيه الإعلام للدعاية إلى أفكاره وآرائه؛ من أجل تنمية ماله، وجمع المزيد والمزيد حتى يضمن تربعه على عرش المال والأعمال!! ثم ماذا بعد ذلك؟ وهل أمِنَ مَن بلغ هذا العرش؟ كلا، إنه لم يحقق الأمن، ولن يأمن ما دام يفقدُ الإيمان.


أوَليسَ يدفعُ طائلَ الأموال للتأمين على حياته وعلى شركاته ومساكنه ومراكبه وكل شؤونه، فلو كان آمنًا ما احتاج إلى التأمين؛ ولكن الله - عزَّ وجلَّ - شاء أن يأتيه الخوفُ من مأمنه، فمأمنه ما جمعه من أموال يضمن بها رفاهيته في الدنيا التي لا يرجو غيرها؛ ولكن هذه الأموال التي جمعها صارت مصدر رعبٍ وخوف، لا يعرف كيف يحافظ عليها من الضياع، ولو ضاع بعضُها لربما ضاعت نفسه معها!!
ولأنه جمع ثرواته، وسن القوانين التي تخدمه بالطرق المحرمة؛ فإن ضحايا قوته وبطشه سينتقمون منه، والمنافسون له سيتطلعون إلى ما يملك، فاحتاج إلى أن يؤمن خوفه من الحاقدين عليه، والمنافسين له، ويؤمن على أمواله بدفع بعضها لضمان بقائها؛ فصار مصدرُ الأمن هو مصدر الخوف عند هؤلاء الملاحدة الماديين!! هكذا أصبح الحال عند أفرادهم وأممهم، والبلادُ الغربية ومن سار في فلكها المادي الإلحادي لا تعدو ذلك.


أمَّا المؤمنون الصادقون فإنهم موقنون بأن الرزاق هو الله - تعالى - وأن رزقه ينال بطاعته وتقواه، وأن الحافظ هو الله - تعالى - فلا يتعلقون بسواه {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطَّلاق: 2-3].
فنسأل الله - تعالى - أن يؤمِّن خوفنا، وأن يربط على قلوبنا، وأن يحسن خواتيمنا، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى وآله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - فمن حقَّق التقوى أمن في الدنيا والآخرة {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزُّمر: 61].


أيها المسلمون: لما كانت قيادةُ العالم بيد المسلمين كانت البشرية تنعم بالأمن والسلام، فلما تحوَّلت القيادة إلى غيرهم انتشر الذعرُ والخوفُ والظلمُ والبغيُ والعدوان؛ ذلك أن الإسلام من الاستسلام لله - تعالى - بالخضوع والطاعة، والانقياد لشرعه وأمره، ومن استسلم لله - تعالى - سلَّمه الله من الخوف، وسلَّم النَّاس مِن ظلمه وبغيه؛ لأنه يعمل فيهم بحكم الإسلام الذي هو مصدر الأمن والسلام. والإيمانُ من الأمان، فأصحابه آمنون في الدنيا والآخرة، ويأمنهم غيرهم؛ ولذا صح عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))[4].
وفي الحديث الآخر: ((المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم))[5]. فمن دخل في الإسلام دخل في دائرة الأمن والأمان؛ كما قال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله - تعالى - حرُم دمُه وماله، وحسابه على الله))[6].


ومن دخل من الكفار تحت حكم المسلمين بعقد أمانٍ أو ذمة نالته بركة الإسلام؛ فأمِنَ على نفسه وعرضه وماله وولده. وكل أمةٍ أو طائفة تحقق الإسلام والإيمانَ فإن الأمن سيتحقق لها لا محالة؛ وذلك بموجب قول الله - تعالى -: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [النور: 55].
كما أنَّ كُلَّ أمَّةٍ أو طائفةٍ تفقد الإيمان، ولا تلتزم الإسلام شرعة ومنهاجًا؛ فلن تأمن أبدًا مهما عمِلتْ منِ احترازات، ومهما ملكت من أسلحة وقوات؛ وذلك بموجب قول الله - تعالى -: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].


فيا ليت شعري من يهدي جمهور البشرية التائه، الهائم على وجهه يبحث عن الأمن والسلام، من يهديه إلى الإسلام؛ ليحظى بالأمن والسلام؟!
ماذا جرَّت سيادة المادّيّين على العالم، وإلى أين ستوصله؟ إنَّها جرَّت البشرية إلى مكامن الخوف، ومواطن الرعب.
ظلَّت القوتان الشرقية والغربية ردحًا من الزمن، تستبقان في ميادين التسلح، وتتنافسان في صنع الدمار؛ حتى صنعوا من أسلحة الدمار الشامل ما يدمرُ الأرض عشرات المرات، ثم صار ما صنعوا وبالاً عليهم وعلى البشرية، ومصدر رعبٍ وخوف في حفظه من أن يقع في يد من يستخدمه ولا يبالي، وكما أنفقوا المليارات على صنعه باتوا ينفقون أضعافها على حفظه وحراسته ونزعه.


ثُمَّ لما ملكوا القوة ما سخروها في خدمة البشرية، وبسط العدل فيما بينهم، والسعي في تحقيق الأمن والسلام لهم؛ بل عملوا على ابتزازهم واستغلالهم، ومصادرة حقوقهم، وتكريس الظلم بإعانة الظالم على ظلمه؛ كما فعلوا ذلك في فِلَسطين وفي الشيشان وكشمير والبوسنة وكوسوفا وتيمور الشرقية وغيرها من بلدان مسلمة وغير مسلمة، ما رأت الأمن والسلام في ظلّ سيادتهم وحضارتهم؛ لأنهم يدورون مع المصالح حيث تدور، وكم من حرب أشعلوها من أجل مصالحهم المادية أهلكت ألوفًا من البشر، وشردت ملايين! وكم من قرار صنعوه، وقانون وضعوه ليس فيه من العدل شيء إلا أنه يحقق مصالحهم، فكيف يأمن البشر في ظل سيادتهم؟! وإذا لم يأمن غيرهم بسبب ظلمهم وعسْفهم فلن يأمنوا، فيا ليتهم يعقلون!!


أسأل الله - تعالى - أن يحفظ المسلمين بحفظه، وأن يؤمِّنهم بتأمينه، وأن يربط على قلوبهم، ويثبت أقدامهم.
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ} [الصَّافات: 180-181].


[1] جاء ذلك من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عند مسلم في القدر باب تصريف الله - تعالى - القلوب كيف شاء (2654)، وأحمد (2/168)، وابن حبان (902)، ومن حديث النواس بن سمعان عند أحمد (4/82)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/525).
[2] "الوابل الصيب" لابن القيم (60).
[3] جاء ذلك في عدة أحاديث منها: حديث أبي طلحة - رضي الله عنه - قال: "كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أُحُد، حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه"؛ أخرجه البخاري في المغازي (4068).
[4] أخرجه البخاري في الإيمان باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (10)، ومسلم في الإيمان باب: بيان تفاضل الإسلام (40)، من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - وجاء أيضًا من حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم (40)، ومن حديث أبي موسى - رضي الله عنه - عند البخاري (11)، ومسلم (42). ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند الترمذي (2629)، والنسائي (8/104 ـ 105).
[5] أخرجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الترمذي في الإيمان باب (12) وقال: هذا حديث حسن صحيح (2629)، والنسائي في الإيمان باب صفة المؤمن (8/104 ـ 105)، والحاكم وصححه وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي (1/10)، وصححه ابن حبان (180).
[6] أخرجه مسلم في الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله... (23)، وأحمد (6/395)، من حديث أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق عن أبيه رضي الله عنه.



محمد رافع 52 24-11-2012 01:46 AM

السبيل إلى الأمن والرزق (2)

الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل



الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].


أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله – تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: بعد ما خلق الله آدم - عليه السَّلام – وأسجد له ملائكته {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف: 11]؛ استكبارًا على الله – تعالى - واحتقارًا لمن خُلِق من طين أن يسجدَ له من خُلق من نار؛ جرى التكليف على آدم وذريته، وسُلط الشيطان وجنده على إغوائهم، وصدهم عن سبيل الله تعالى؛ فمن أطاع الله – تعالى - دخل الجنة برحمته سبحانه، ومن سلك طريق إبليس وعصى الله - تعالى - استحق النَّار {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].



لقد جعل الله – تعالى - الدنيا ميدانًا لهذا الابتلاء، وجعل الآخرة جزاءً عليه، فمن خاف الله – تعالى - فأطاعه، وعمِل بشريعته كان له الأمن الكامل، والرزق الدائم، والنعيم المقيم في الآخرة {إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 45-46] ، وفي الآية الأخرى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ} [الدخان: 55]، آمنين من فقدانها، وآمنين من الموت، وآمنين من كل ما يُخاف منه، نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا منهم.
لقد جمع الله – تعالى - لهم بين الأمن والرزق، الأمن التام الشامل، والرزق المتتابع الذي لا ينقطع {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخرف: 71].



إن قِوامَ حياةِ البشر، ومنتهى سعادتهم وفرحهم، وغاية مطلوبهم ومرادهم، يرتكز على الأمن والرزق، وإن منتهى تعاستهم وشقائهم يكمن في انعدامِ الأمن، وقلة الرزق؛ ولذا جاءت الآيات القرآنية تكرِّسُ هذا المفهوم في قلوب المكلفين، وتغرسه في أفهامهم، وتدلهم على الطريق التي يحصلون بها على الأمن والرزق الأبدي، الذي لا يعتريه خوف ولا وجل ولا قلة ولا ذلة، وهي طريق الله - تعالى - التي بينتها الرسل، وأنزلت بها الكتب، وابتلي من أجلها المكلَّفون: توحيد الله – تعالى - وعبادته؛ فمن حقَّق ذلك من المكلفين توفتهم الملائكة طيبين {يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] ، {لَا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103]، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصِّلت: 30].



كما جاءت الآيات القرآنية تحذرهم من سلوك طريق الخوف والجوع، وهي الطريق التي يدعوهم إليها الشيطان، وتبين لهم أن من سلكها فلن يأمن مهما عمل، وسيُخلد في الجوع والخوف والحزن والعذاب {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التغابن: 10]، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزُّخرف: 77].
وكما أن النعيم في الجنة يرتكز على الأمن والرزق، والعذاب في الآخرة يكون بالخوف والحزن والحرمان· فإنَّ حياة البشر في الدنيا لا تستقيم إلا بتوافر الأمن والرزق، وبفقد أحدهما يفقد الآخر، وبفقدهما تستحيل حياة الناس شقاءً وعذابًا نسأل الله العافية؛ ولذلك فإن من حكمة الله – تعالى - ورحمته بالبشر لما أهبط آدم - عليه السلام - إلى الأرض أن جعل فيها من مقومات الأمن والرزق ما يُمَكِّـنُه وذريته من العيش فيها {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف: 24]، والأرض لا تكون مستقرًّا لبني آدم إلا بتوافر الأمن؛ لأن من نتائج الخوف: الاضطراب وعدم الاستقرار، والمتاع ما يتمتع الناس به من رزق الله تعالى، ولو لم تكن الأرض آمنة - إلا من عدوان الناس بعضهم على بعض، وإخافة بعضهم بعضًا - لاستحال عيشهم فيها، ولو كانت خالية من الأرزاق لهلكوا.



ولأهمية هاتين النعمتين - الأمن والرزق - نبَّه الأنبياء - عليهم السلام - أقوامهم عليها، وبيَّنوا عظيم منَّةِ الله – تعالى - عليهم بها؛ فهذا صالح - عليه السَّلام - يقول لقومه: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} [الشعراء: 146-148].
ودعا إبراهيم - عليه السلام - ربه أن يؤمّن بيته الحرام، ويجبي إليه الأرزاق فقال - عليه السلام -: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ} [البقرة: 126]. وفي الآية الأخرى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] .



ويوم أن ألهم الله – تعالى - الخليل - عليه السلام - أن يدعو بهذه الدعوات المباركة لم تكن مكة آهلةً بالسكان؛ بل كانت واديًا مهجورًا؛ فأراد الله – تعالى - بحكمته أن تعمر ويُعمر فيها بيته، وأن تصير مهْيع الحضارات، ومهوى أفئدة الناس، وذلك لا يكون إلا بحلول الأمن فيها، وتدفق الرزق والخيرات عليها، فالبشر يستوطنون ويعمرون حيث يوجد الأمن والأرزاق.
فاستجاب الله – تعالى - دعوة الخليل - عليه السلام - وجعل البيت مثابةً للناس وأمنًا، يثوب الناس إليه من كل مكان آمنين، بما قدره – سبحانه - فيه من أسباب الأمن والرزق، وبما توارثه سكانه من تعظيم للبيت عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام[1].



وحتى بعد شركهم وانحرافهم عن الحنيفية، بقي فيهم تعظيم البيت على مرّ العصور، وتتابع الأجيال، من عهد إبراهيم - عليه السلام - إلى بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا دخلوا البيت وضعوا السلاح، وكفّوا عن الثأر، حتّى إنّ الرّجل ليرى قاتل أبيه فلا يمسّه بِسوءٍ تعظيمًا للبيت الحرام.
إن ما نعمت به مكة من أمن وأرزاق منذ دعوة إبراهيم - عليه السلام - إلى يومنا هذا ما كان إلا بقدر من الله – تعالى - واختيارًا لهذه البقعة المباركة، التي ما كانت صالحة للعيش قبل ذلك، ثم جاءت شرائع الأنبياء - عليهم السلام - لتؤكد على أمنها، وتحث الناس على قصدها لعبادة الله – تعالى - فيها، فحصل الأمن والعمران، وتدفقت عليها الخيرات في وقت كان مَن حولهم لا يأمنون ولا يشبعون {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67].



ولما رفض المشركون دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من تعليلاتهم في رفضها أنهم إن تركوا إرث الآباء والأجداد اجتمعت العرب على حربهم؛ ففقدوا الأمن والرزق، {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57] كان جواب الله – تعالى - عليهم: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57].
قال ابن زيد: "كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها بعضًا، فأمنت قريش من ذلك لمكانة الحرم، وقرأ {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57]"[2].



وقال ابن جزي: "وكان غيرهم من الناس تؤخذ أموالهم وأنفسهم"[3].
ولما فتحت مكة، ودانتْ بالإسلام؛ أمنت وأمن أهلها بما شرع الله – تعالى - من الشرائع والحدود، والواجبات والحرمات؛ فكانتْ بلدًا آمنًا مطمئنًّا، تجبى إليها الأرزاق من كل مكان، ما دام أهلها قائمين بأمر الله – سبحانه - مستمسكين بشريعته.
وكانت هذه الشريعة المباركة التي أنزلت في البلد الأمين محققةً لما يحتاجه البشر من الأمن والرزق في الدنيا والآخرة؛ ولذا كانت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - عامَّةً إلى الناس كلهم، منذ إرساله إلى قيام الساعة؛ ليعبدوا الله – تعالى - ولا يشركوا به شيئًا، فإن هم حققوا هذه العبودية حقق الله – تعالى - لهم الأمن والرزق في الدنيا والآخرة.



وبقدر انتقاصهم من عبوديـة ربّهم، وتفلتهم مـن شريعـته يـحل علـيهم ما يوازيه من الخوف والقلة، ويرفع عنهم مـن الرزق والأمن بقدر تفريطهم وعصيانهم، فالمشركون لا أمن لهم ولا رزق في الآخرة، وفي الدّنيا لا يكتمل لهم الأمن والرزق من كل وجه؛ بل يعتريه من النقص والخلل ما ينغّصه عليهم، ولا تكمل به لذتهم.
والعصاة من المؤمنين قد يُعاقبون في الدنيا على عصيانهم برفع الأمن والرزق عنهم، وحلول الخوف والحرمان عليهم. وقد يؤخر الله – تعالى - عقوبتهم لتكون في الآخرة، فيصيبهم فيها من الحرمان والخوف ما يكفر سيئاتهم، ثم مآلهم إلى الجنة برحمة الله تعالى.



والطائعون لهم الأمن والرزق في الدنيا والآخرة، وإذا أصابهم في الدنيا ما ظاهره القلة والخوف فإن الله – تعالى - يربط على قلوبهم، ويزيدهم يقينًا به؛ فلا يخافون في مواضع الخوف، ويكون ما أصابهم من نقص الأمن والرزق ابتلاءً تكفر به سيئاتهم، وترفع درجاتهم؛ ليكون لهم الأمن الكامل، والرزق التام، والنعيم المقيم في جنات عدن، جعلنا الله – تعالى - بكرمه من الآمنين في الدنيا والآخرة، ووقانا وبلادنا وبلاد المسلمين الفتن والخوف والجوع، إنه سميع مجيب.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيها كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.



أما بعد: فاتقوا الله – تعالى - وأطيعوه، واحذروا عذابه فلا تعصوه؛ فإنه – سبحانه - عزيز ذو انتقام {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. أيها الناس: هاجس الأمن والرزق هاجس لازَمَ البشرَ طوال تاريخهم؛ إذ لا يقوم لهم عيش إلا بأمْنٍ ينعمون به، ونِعَمٍ يرتعون فيها، وفي عصرنا هذا نجد أن جُلَّ موارد الأرض، وأرزاق الناس إنما تنفق لتحقيق هذين المطلبين؛ فأكثر خزائن الأمم، وميزانياتِ الدول تنفق على السلاح؛ لاستخدامه في الحماية، ورد العدوان، وردع الأعداء؛ ليتحقق الأمن. وليس خافيًا على أحد ما يُنفق على الاقتصاد والصناعة والتجارة من أموال طائلة؛ حتى صاروا يستغلون النفايات ويصنعونها من جديد، وليست نفايات البيوت والمصانع فحسب؛ بل حتى نفايات الإنسان والحيوان؛ وذلك بقصد الاستفادة من كل شيء لتوفير الأرزاق، وتحقيق الرفاهية.



وعلى الرغم من ذلك كله فإن البشرية في مجملها تجد الخوف، وتحس بالجوع، ومن كان عنده قدر من الرزق والأمن فهو يعاني خوفًا آخر، وهو خوف فقده مع كثرة الحروب والقلاقل، وتقلبات الدول، واضطرابات الاقتصاد، فالحرمان من الأمن والرزق، أو الخوفُ من فقدانهما صار سمة من سمات هذا العصر المتقدم! وسبب ذلك أن البشرية باتت تحكم على الصعيد العالمي بما يخالف منهج الله تعالى، وصار يقرر مصيرها من لا يقيم للشرائع الربانية أي وزن. وسيطر على عقول الناس العيشُ للدنيا، والاستمتاع بها بلا ضوابط دينية، ولا قيود أخلاقية، إلا عند المؤمنين المتمسكين بدينهم، وهم يُحارَبون من أمم الأرض على تمسكهم هذا.



ولأن كثيرًا من المسلمين وقعوا فيما وقع فيه غيرهم من حب الدنيا والتعلق بها؛ فإن هاجسَ الأمن والرزق صار مصدر رعب وقلق يقض مضاجعهم، فراح أكثرهم يستجلبون الأمن والرزق بالطرق المحرمة، والكسب الخبيث، والركون إلى الذين ظلموا ليؤمنوهم، في بُعْدٍ تام عمن بيده ملكوت كل شيء، وهو من يهب الأمن والرزق جلَّ في علاه!!
إن الأمة التي تريد تحقيق الأمن، وبسط الرزق، وكثرة الخيرات، وانعدام المشكلات عليها أن تتقي الله - عزَّ وجلَّ - وأن تأخذ بأحكام شريعته في كل شيء؛ ليتحقق لها ذلك.



وإن من أعظم مما يسبب زوال الأمن، وقلة الرزق: كفر النعم، وكثرة العصيان، وقلة الاستغفار، وضعف التوبة والأوبة إلى الله – تعالى -: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
لاحظوا قوله – تعالى -: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} ، الأنعم جمع قلة، أي: كفرت بأنعمٍ قليلة فعذبها الله – تعالى - بسلب الأمن، ورفع الرزق، وحلول الخوف والجوع مكانهما، والمقصود: التنبيه بالأدنى على الأعلى، أي: أن كفران النعم القليلة لما كان موجبًا للعذاب؛ فكفران النعم الكثيرة أولى بإيجاب العذاب[4]. وكم في المسلمين من كفران للنعم، وعصيان للمنعِم في هذا العصر؟! نسأل الله العافية والسلامة، ونسأله أن لا يؤاخذنا بذنوبنا، ولا بما فعل السفهاء منا.



وعبَّر – سبحانه - عن عظيم ما أصابهم بالذوق واللباس {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ} [النحل: 112]، لإحاطة ما غشيهم من الجوع والخوف، وملازمته إياهم، أراد – سبحانه - إفادة أن ذلك متمكن منهم، ومستقرٌّ في بلادهم استقرار الطعام في البطن؛ إذ يُذاق في اللسان والحلق، ويُحس في الجوفِ والأمعاء، فاستُعير له لفظ الإذاقة تلميحًا، وجمعًا بين الطعام واللباس، والمعنى: أن الجوع والخوف محيطان بأهل القرية في سائر أحوالهم، وملازمان لهم، وقد بلغا منهم مبلغًا أليمًا[5].



ألا فاتقوا الله ربكم، واشكروه على نعمه، فلن يحقق عبدٌ الأمنَ الشامل الكامل، الذي لا ينغصه خوف بوجه من الوجوه في نفسه وأسرته وماله، إلا بإقامة شريعة الله – تعالى - في نفسه وبيته وماله، ولن تحقق أمة من الأمم الأمن الشامل بين رعاياها؛ حتى تقوم فيهم بشريعة الله – تعالى - في عَلاقاتهم مع أنفسهم ومع إخوانهم، ومع غيرهم من مسلمين وغير مسلمين. وبغير ذلك ستكون المحن والفتن، والقلاقل والاضطرابات، التي ينتج عنها اختلال الأمن، وانتشار الخوف، وقلة الأرزاق، وكثرة الجوع. نسأل الله أن يحفظنا وإخواننا المسلمين في كل مكان من ذلك {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ} [الأعراف: 96-99].
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله كما أمركم بذلك ربكم.

[1]انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1/709).
[2] "جامع البيان" (30/309)، و"الجامع لأحكام القرآن" (20/209)، و"فتح القدير" للشوكاني (5/498).
[3] "التسهيل لعلوم التنزل" (4/433).
[4] انظر: "التفسير الكبير" للرازي (20/102).
[5] انظر: "التحرير والتنوير" (14/307).




مستر مصطفى الناقه 24-11-2012 07:09 AM

جزاكم الله خيراً

محمد رافع 52 24-11-2012 12:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستر مصطفى الناقه (المشاركة 4984393)
جزاكم الله خيراً

بارك الله فيكم

محمد رافع 52 24-11-2012 12:59 PM

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الأمن والسلام




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمدُ لله الذي بعث الأنبياء بلِواء الأمن، فنصبوه في الأرض بالإسلام، والصلاةُ والسلامُ على من كمَّل الإسلامَ بكلمة الأمن، فشاع في الأرض السلامُ، وعلى آله وصحبه الذين انتشروا في أنحاء العالم بمشعل الأمن والسلام، ومن حمله إلى نهاية الأيام.

أمَّا بعد:
فالسلامُ اسم من أسماء الله، وما صدر عنه إلاَّ وفيه الأمن والسلام، فلا يكون بعْثُه - تعالى - الأنبياءَ والرُّسُلَ بدعوة دين الإسلام إلاَّ لإقامة الأمن والسلام، وأكمل الإسلام بيد محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبيِّ الأمن والسلام، فأقام الأمن والسلام بتبليغ الإسلام إلى البشر كافَّة، وحصل الأمن العالمي والسلام الأخروي، كيف لا، و"الإسلام" (بمعنى السلام) اسمُ دينه، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]، ورحمة للعالمين لقبُه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وإقامةُ الأمن غرضُه، وغايته إدخال الناس إلى دار السلام في الآخرة.

وإنَّما الأمنُ احتيج إليه عندما غشيت الدنيا سحابُ الخوف والاضطراب من كلِّ الجوانب، وهذا هو تصوير الأيام الجاهليَّة بعينها في سنة ٥٧٠م، كما صوَّرها الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164] [الجمعة: 2]، فكان العالم في تلك الفترة غريقًا في ظلام الوثنيَّة، والجهالة، والخُرافات، والبربريَّة، وال*** والقتال والإرهاب والانتهاب، وفي تلك البرهة المظلمة بُعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمشاعل الأمن والسلام، فخبت نارُ كلِّ ظلم وبربريَّةٍ في اللحظة نفسها، وضاءَ العالَمُ كلُّه بِنُوره وضوئِه.

فالآثارُ تُخبر بالأمن والسلام منذ ولادته، وشهد التاريخُ بشعره بالعدل والمساواة في حجر أمِّه، الذي بمنزلة الأصل لإقامة الأمن والسلام، وإنه أسْهَم في إقامة الأمن والسلام في المجتمع حين بلغ أشُدَّه، ورفض بكلمة الأمن النِّزاعَ المفضي إلى نارِ حربٍ عظيمة قُبَيْلَ البعثة حين تنازعوا في الحجر الأسود، ثُمَّ قام بالأمن والسلام بعدها بتعاليمه النبويَّة، وأعماله المحكمة بعد أن كوَّن من أفراد المجتمع إنسانًا حقيقيًّا، فهو أساسٌ لعمل التجديد، وهديهم إلى الأمن بتدابيره العبقرية وببرامجه السياسيَّة، فلإسهاماته في قسم الأمن مزايا في تاريخ العالمَ، ويَجدر ذكرُها الفَيْنَةَ، ففي هذه المقالة أبيِّن - إن شاء الله - دَوْرَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الأمن والسلام.

فقسَّمت إسهاماته في عدة مراحل: (١) إقامة الأمن والسلام بتعاليمه النبوية، (٢) وبأعماله المحكمة قبل البعثة، (٣) وبعد البعثة.

ألقي أوَّلاً ضوءًا على الموضوع:
فمعنى الأمن في اللغة: هو ضدُّ الخوف ونقيضه، والأصلُ أن يُسْتَعْمَلَ في سُكُون القلب[1].
وفي الاصطلاح: الأمن عدم توقُّع مكروه في الزمان الآتي[2].

أما المعاصرون فقد فصَّلوا في معنى الأمن، ومن تلك المعاني: أنَّ الأمن هو شعور المجتمع وأفراده بالطُّمأنينة، والعيش بحياة طيبة، من خلال إجراءات كافية يمكن أن تزال عنهم الأخطار، أيًّا كان شكلها وحجمها، حال ظهورها، ومن خلال اتِّخاذ تدابير واقية[3].

ومعنى السلام لغةً: المسالمة، والمصالحة، والمهادنة[4]، وقال أبو عمر: والسَّلْم بالفتح الصُّلْحُ، والسِّلْمُ بالكسر الإسلام.[5]

واصطلاحًا: السلامُ تجرُّدُ النفْسِ عن المحنة في الدارين.[6]

أهمية الأمن والسلام:
للأمن أهميةٌ عُظْمى في حياة الفرد والمجتمع والأمَّة، فهو المرتكز والأساس لكلِّ عوامل البناء والتنمية، وتحقيق النهضة الشَّاملة في جميع المجالات، ولهذا ذكره الله - تعالى - إلى جانب الغذاء، فقال ممتنًّا على أهل مكَّة: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4]، بل قدَّمه على الغذاء، فقال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢].

وأشار النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى أهمية الأمن بأنَّ المسلم متى ظفر به، فقد ظفر بالدنيا كلِّها، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من أصبح منكم آمنًا في سِربه، معافًى في جسده، عندَهُ قُوتُ يومِه، فكأنَّما حيزت له الدنيا)).

ويُعَدُّ الأمنُ مقصدًا من مقاصد الشريعة، فقد حصر العلماء المقاصد الضرورية في حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وصَرَّح الماوردي بأنَّ صلاح الدنيا وانتظام أمرها بستة أشياء، منها: أمنٌ عام تطمئن إليه النفوس، وتنتشر فيه الهمم، ويَسْكُن فيه البريء، ويأنس به الضعيف[7]، فبانت منه أيضًا أهميَّة الأمن والسلام.

إسهامُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في إقامة الأمن والسلام:
إقامة الأمن والسلام بتعاليمه النبويَّة وإرشاداته القيِّمة:
إن لُوحظت عدةُ أشياء في مجالات الحياة الدنيوية، فلا شك أن يحصل الأمن العالمي والأخروي هنا، فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عرفها، واهْتمَّ بها اهتمامًا بالغًا بِعَمَله، وعَلَّمهَا الناسَ كافَّةً، وهي فيما يأتي:
1- التعلُّق بالله سبب مركزي للأمن في الدارين، وهو أن توحِّد اللهَ ولا تُشرك به شيئًا، فإذا قام الأمنُ من الله - لأنَّ بين الأمن والإيمان علاقةً قويةً - فإنَّ المجتمع إذا آمن أمن، وإذا أمن نَما؛ فيعيشُ أفرادُه مع الأمن حياةً طيبةً؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، وقال في موضع آخر: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

2- الأمن في حسن التعامل مع الناس، وهو أن تُطعمَ الجائع، وتَسقي العاطشَ، وتکسو العُراةَ، وبه يحصل رضا الرب، فتعيش في الأمن والسلام؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدکم حتى يُحب لأخيه - أو قال: لجاره - ما يحب لنفسه))[8]، وألاَّ تُسيء إلى أحد بلسانك وبيدك؛ حيث قال: ((المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده))[9].

3- الأمنُ بين المسلمين وغيرهم؛ لهذا الغرض أمر الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بدعوة غير المسلمين إلى الموافقة على النِّظام في قوله - تعالى -: ﴿ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ [آل عمران: 64]، فإذا أعرضوا عنه أمر بالعمل بقوله - تعالى -: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، وسدَّ بابَ الخوف والفتنة والهيبة كُلِّيةً بقوله - تعالى -: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 108].

4- السلام بين المسلمين: تلا لإقامة السلام بين المؤمنين قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدُکم حتى يُحِبَّ لأخيه - أو قال: لجاره - ما يحب لنفسه))[10].

5- الأمن بين ذوي الأرحام، فعيَّن له طرقًا متعددةً، وبَيَّن الحقوق مفصِّلاً، وأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.

6- وإضافة إلى ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لغرض إقامة الأمن بين الحيوانات: ((الخلقُ عيالُ الله، فأحب الخلق إليه من أحسن إلى عياله))[11].

إنَّه نظر إلى هذه الأشياء وغيرها لإقامة الأمن والسلام في الدَّارين، وعلَّمها أصحابَه، وبلَّغها إلى أمَّته جميعًا.

حتى إنَّه - صلى الله عليه وسلم - حمل الأسلحة بيديه لإقامة الأمن الأبدي، واضطر إلى قتالهم کإجراء العملية في الجراح، وإلاَّ لفَسَدُوا في الأرض، کما قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251].

إقامة الأمن والسلام بأعماله المحكمة:
شرعت هذه السلسلة منذ أن تحمله أمُّه في رحمها، وتنتهي إلى أن تقوم القيامة، كما نصوِّرها في الذيل:
1- محمد مخبر الأمن والسلام منذ ولادته: منذ ولادته ظهرت آثارٌ تُنبئ بأنَّه سيکون صاحبَ الکمال، هناك مقولة مشهورة[12]: "Childhood shows the man As morning shows the day".

منها الواقعة الآتية التي تدُل على أنه سيقيم الأمن والسلام على مستوى العالم، وهي أن آمنة لم تحس شيئًا من الثقل والوحم کسائر النساء حين حملته في رحمها؛ تقول آمنة: "ما شعرت بأني حملتُ به، ولا وجدتُ له ثقلاً، ولا وحمًا کما تجد النساء"[13].

2- مثال العدل في الرضاعة: العدل لا بُدَّ منه؛ إذ إنه ضروري لإقامة الأمن، وقد وجدنا فيه هذه الصفة في حجر أمِّه من الرضاعة، بأنَّه كان يشرب اللبن من الثدي اليماني، وكان اليسار لأخيه الرضاعي، فذات مرَّة عرضت له حليمة ثديًا كان يشرب منه أخوه الرضاعي، فامتنع أن يشرب منه.

فوجَّهه بعضُ العلماء: أنه ما كان لمن يقيم الأمن العالمي أن يضيِّع حقَّ أخيه بشرب اللبن فقط، كما ذكر في حاشية ابن هشام أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان لا يُقبل إلاّ على ثديٍ واحدٍ، وكانت تعرض عليه الثدي الآخر، فيأباه كأنه قد شعر - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنَّ معه شريكًا في لبنها، وكان مفطورًا على العدل، مجبولاً على المشاركة والفضل[14].

ودوره - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد البلوغ فيما يأتي:
إنَّه التزم ببرامج موافقة للحال والمقام لإقامة الأمن والسلام على مستوى الأرض، فنذکرها في الذيل مفصّلاً:
1- المشاركة في تأسيس "حلف الفضول": إنَّه کان حزينًا ومفكرًا في أنه کيف تُحْفَظ الإنسانية من هذا الخوف والاضطراب الدائم، وفي هذه البُرهة حدثت "واقعة الفضول"، فأحسَّ زعماؤهم بصلح بال المجتمع، وأقاموا لجنةً يُصْلَح بها بالُ المجتمع، ويحصل الأمنُ في كل مكان حتى الطريق، وتحفظ بها دماء المسافرين وأموالهم، وتسمَّى بـ"حلف الفضول"، وكان رسولنا الأمين قد أسهم في وضع أساسها، كما قال بنفسه - صلى الله عليه وسلم - عنه: ((لقد شهدتُ في دار عبدالله بن جدعان حلفًا ما أحب أنَّ لي به حمر النعم ولو أُدْعَى به في الإسلام لأجبتُ))[15].

واتَّفق أركانُ الحلف على البنود التالية:
1- نجهد لإبعاد الاضطراب من المجتمع بقدر القوة.
2- نتأكد بحفظ دماء المسافرين وأموالهم.
3- لا نألو جهدًا في نصرة اليتامى والضعفاء.
4- نقيم علاقةَ الصداقة بين القبائل.
5- نحفظ الناس من الظلم والظالمين.

وغيرها من الفقرات التي تأكدت بحفظ حقوق أفراد المجتمع، كما قيل عن أهداف هذا الخلف:
6- إنّه للدفاع عن المظلومين.
7- رفض كلّ صُور الظلم.
8- منع أكل الحقوق بالباطل.
9- كما أنه حكم عدل في فضِّ النِّزاعات والمشكلات التي تحدث بين القبائل والعائلات، وهو الذي ما أُسِّس إلا لنصرة المظلوم، ونشر العدل بين الناس[16].

وفي عصرنا يعاهد أرکان لجنة knighthood order (فارس النظام) على مثل هذه البنود التي أسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في وضع أساسها لقيام الأمن والسلام قبل ألف وأربعمائة عام[17].

10- الصدُّ عن الحرب الناشئة بکلمة الأمن:
- العرب قوم كانوا يحاربون لأمر تافهٍ؛ كسقي الغنم، وسباق الخيل مثلاً، فوقعت حادثة من أمثال هذه الحوادث حين بلغ - صلى الله عليه وسلم - خمسةً وثلاثين عامًا من عُمره، والتفصيل بأنَّهم أرادوا تجديدَ بناء الکعبة، فاخْتلفوا في تنصيبِ الحجر الأسود وإن شاركوا في البناء على السواء، أخيرًا قضى مربِّيهم (أبو أمية بن المغيرة المخزومي) بعد أربعة أيام بأن يَحْكم بيننا رجل يدخل غدًا بباب المسجد أوَّلاً، ويكون حُکمُه حُکمُ الإطاعة والقبول، فاتَّفق الجميع على هذه المشاورة الثمينة، فرأوا اليوم الثاني محمَّدًا نبيَّنا الأمين سبق إلى الدخول من ذلك الباب، وهم يقولون بأعلى صوتهم: هذا الأمين رضيناه، فما حَکَمَ النبيُّ في ذلك الحين مثالٌ نادرٌ في إقامة الأمن والسلام.

وبيانُه ما رُوِيَ بأنَّه - صلى الله عليه وسلم - طلب رداءً، فوضع الحجر وسطه، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه، وهذا حل حكيم من رجل حكيم تراضت قريش بحكمه.

ولقد راح المفكرون والعلماء يعلقون على هذا الحادث بتعليقات مليئة بالتقدير والإعجاب لهذه الشُّعلة العبقرية، التي تحاول في حرص شديد دائم تَحقيقَ الأمن والسلم بين الناس، ومن نجاح محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - تفهُّمُ الموقفِ بسرعة عظيمة، والتوسُّل بهذه الحيلة البريئة، وإرضاء زعماء قريش جميعًا[18].

هذا كلُّه قبل البعثة، وبعدها توسَّعت هذه السلسلة المذكورة في السطور الآتية؛ لأنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - رتَّبها بعدها مجتمعين؛ لذا أظن أن نبيِّن حقيقةً وسَّع بها الأمن والسلام.

تكوين أفراد المجتمع حقيقة إقامة الأمن والسلام:
من المعلوم أنَّه لا يُمکن أن يرى المرءُ وجهَ الفلاح لعمل التجديد في الدُّنيا لو سعى فردًا، بل ينبغي له أن يَجتهد ويسعى مجتمعًا، هذه الضابطة جاريةٌ ومقبولةٌ عند الناس، فمن فرَّقوا بين الإفراد والاجتماع وقعوا في الخداع، ولو كانوا أولي بأسٍ شديدٍ، والحقيقة أنه لا يتصور أحدٌ من دون الآخر، وتظهر قوة الأفراد إذا كانوا مجتمعين، مع أنه لا ينكر أيضًا أن القوم السخفاء عديمي القيمة لا يفلحون أبدًا، فبقي الكلام على أنَّ بناءَ المجتمع موقوفٌ على بناء الأفراد، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فَهِم هذه الحقيقة، فنظر إلى أفراد المجتمع قبل أن يُلقي يده في ظرف المجتمع.

البرنامج الأصلي خلال هذا العمل:
فجَدَّ وبَذَلَ جُهدَه أوَّلاً في تكوين أفراد المجتمع إنسانًا حقيقيًّا الذي توقف عليه إقامة المجتمع الإنساني المثالي، وإن ننظر إلى بنوده وفقراته التي جَدَّد بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المجتمع، فنجد ثُلُثَه برامجَ أساسية، وهي:
1- التوحيد 2- الرسالة 3- الإيمان بالرُّجوع إلى الله والمسؤولية عن هذه الدار الفانية، فتقدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهؤلاء الناس المذکورين، وبلغ أقصى المنازل في عشر سنوات فحسب، حتى لم يُسمع بمثله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في التاريخ، ولم تقع عليه عَيْنُ السماء، ولم تطلع عليه الشمس، فلا يَجيء أحدٌ بمثله في مجالات الحياة كلِّها، لا سِيَّما في إقامة الأمن العالمي، فمن إسهاماته بعد البعثة:
1- ميثاقُ المدينة خطوة أخرى لإقامة الأمن والسلام، مما أخذ لإقامة الأمن والسلام على مستوى الأرض ميثاقُ المدينة الذي يَجدُر ذكرُه، فمن بعض المواثيق في الذيل:
كانت تعيش أفراد مختلفة نَسَبًا ومِلَّةً ومذهبًا، وکان قوم اليهود أقوى بالنظر إلى غيرهم، وهم يعيشون في الحصن منفردين، فأَخْذُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الميثاقَ منهم ومن الأقوام المختلفة في المدينة - يَشهدُ بذکائه - صلى الله عليه وسلم - لکي يحصل الاتفاق ال***ي، ولو کانوا مختلفي الأديان والنَّسَب[19]، يُسمَّى هذا بـ"ميثاق المدينة"، ويعرف في العالم بـ"charter of madina"، وكان فيه سبعة وأربعون أو اثنان وخمسون بندًا، منها:
1- الاجتماع على خلافِ الظلم والظالم، 2- النصر للضعفاء، 3- ال*** والقتال حرام کحرمة الزنا، 4- النُّصرة للمظلومين، 5- التزام كلِّ سكَّان المدينة من المسلمين واليهود بالمعايشة السلمية فيما بينهما، وعدم اعتداء أيِّ فريق منهما على الآخر، 6- الدفاع المشترك عن المدينة ضدَّ أيِّ اعتداء خارجي على المدينة، 7- وإنَّ بينهم النَّصْر على مَن حارب أهلَ هذه الصَّحيفة، 8- وإنه لا تُجَار قريش ولا مَن نَصَرها.

وغيرها من البنود التي تقيم الأمن والسلام فقط في المجتمع، وثمة نص واضح وصريح في الوثيقة يتعلق بالأمن، كان بين بنودها العامة: "من خرج آمِن، ومن قعد بالمدينة آمن، إلا من ظلم وأثم، وأن الله جارٌ لمن برَّ واتقى، ومحمد رسول الله".

وبتفعيل هذه الشُّروط في العهد النبوي، تَحَقَّق الأمنُ لجميع المسلمين وغير المسلمين، في خروجهم وبقائهم من غير ظلم ولا إثم[20].

ولتوسيع منطقة الأمن والسلام عاهد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبائل أخرى في المستقبل بمثل هذه المعاهدة[21].

2- سحر مصالحة الحديبية في إقامة الأمن والسلام:
وإنَّما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل وجاهد بالسيف لإقامة الأمن والسلام وإقلاع الظُّلم من المجتمع، ودلَّ عليه عمله - صلى الله عليه وسلم - بأنَّه مهما عرضت له معركة، ينتطر لمصالحة، فإن يأتوا بالصُّلح يقدّمه على المعركة بهم، وإلاَّ اضْطُرَّ إلى الجهاد، مصالحة الحديبية نظيره اللامع، التي تسمى غزوة الأمن.

وکان فيه بنود تخالف مصالِحَ المسلمين، لکن قبلها - صلى الله عليه وسلم - بغرض الأمن فقط؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن في الأمن فتحًا؛ لذا سمَّى الله - تعالى - هذه المصالحة الأمنيَّة بـ "فتح مبين"؛ قال - جلَّ وعلا -: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1].

3- حامل لواء الأمن في فتح مكَّة:
حصل الفتح الأصلي بفتح مكَّة، وغلب الحقُّ والأمن وهُزِم الباطل والخوف، ففي ذلك اليوم لم يبادلهم ظلمًا بظلم، ولا إرهابًا بإرهاب، بل أحسن إلى الأعداء، وعفا عنهم، واسْتَغْفَر لهم من قصورهم وتعدِّياتهم، فأمر جنوده قبل أن يدخلوا مكّة بـ:
1- ألاَّ ت***وا من ألقى أسلحته، 2- ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، 3- ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، 4- ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، 5- ولا تتعرضوا إلى من أراد الفرار[22]؛ لذا منحه الله - تعالى - هذا الفتح العظيم بلا *** وقتال، بل في حالة الأمن.

وذلك اليوم کان الناس خائفين حين تمّ النصر والفتح، عندما اجتمعوا إليه قرب الكعبة ينتظرون حكمه فيهم، فأعلن العفو العام، وذکَّرهم بأنه بعث لإقامة الأمن بالعفو والصفح، فقال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما تظنون أنِّي فاعل بكم؟))، فقالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))[23]، وأعاد قول يوسف - عليه السَّلام -: ((لا تثريب عليکم اليوم))[24].

فعلى الإجمال: إنَّ هذا الفتح فتح لأهل مكة بابَ الأمان واسعًا، ومِنْ هذا الباب دخل الناس في دين الله أفواجًا.

قال المؤرِّخ غيبن عن فتح مكة:
in the long long history of the world there is no instance of magnanimity and forgiveness which can approach those of Muhammad (s.) when all his enemies lay at his feet and he forgave them one and all. -

2- کلمة الأمن في حجة الوداع، فأعلن نظام قيام الأمن العالمي بعد سنتين من فتح مكة، فقال خطيبًا في حجة الوداع: ((إنَّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألاَ كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإنَّ أولَ دم أضع من دمائنا دمُ ابن ربيعة بن الحارث - وكان مسترضعًا في بني سعد ف***ته هُذَيْل - وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله))[25].

وذلك اليوم ترك لسائر الناس أمرين للهداية إلى الأمن في الدنيا وإلى دار السلام في الآخرة، وهما القرآن والحديث.

3- محمد في الکتب السماوية وعند الحکماء مقيمٌ للأمن والسلام:
جاء في الإنجيل: سيجيء رسول من الله إلى الناس كافَّة، يدعوهم إلى أن يعبدوا الله وحده سبحانه، آنذاك يسجد الناس لربِّهم، فيعيشون في الأمن والسلام[26].

شهادة بحيرة: إنه قال حين رآه - صلى الله عليه وسلم -: هذا سيِّد العالمين! هذا رسول ربُّ العالمين! هذا يبعثه الله رحمة للعالمين[27].

قال جان ليك: لا يستطيع أحدٌ أن يبيِّن عنه، كما يحدّث الله عنه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].[28]

أخيرًا أقول: إنَّ عالَمَ اليوم كلَّه مضطرب لشريحةٍ من الأمن، وهائم لنيل قبضة من السلام، لكن زعماءه عاجزون عن دركه ونيله، فمن الناس من أسَّس أُسُسًا مُحكمةً متنوِّعةً، وأقام لجنةً مختلفةً لإقامة الأمن، حتَّى إنَّ زعماء العالم الثالث التزموا أن يمنحوا الجوائز في قسم الأمن من الأقسام الستَّة الأخرى، لكنَّهم لم يروا وجه الأمن إلى الآن، ولا شكَّ إنْ لم يُعَدِّلوا بَرامِجَ لَجنتهم ولم يُصَحِّحوا نيَّتهم، فإلى القيامة لن ينالوا قليلاً من الأمن، ولن يصلوا إلى إحدى جوانبه مع صرف أموالهم وبذل جهودهم.

نعم، رَسَمَ لهؤلاء الزُّعماء طريقًا إنْ يسلكوا فيه يفوزوا في نتيجتهم ويصلوا إلى منزلهم مع أنهم كافرون؛ لأنه - عزَّ وجلَّ - أطلق في وصفه - صلى الله عليه وسلم - فقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].

والطريق هي أسوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].

هذا بلاغٌ من العبد الضَّعيف إلى العالم كلِّه القوي، فالاقتصار على سطور مذكورة فحسْب بضعفي، نعم! إنها تسوق العالم إلى لمحة فكريّة بعون الله، فلا يستغنون عنه - صلى الله عليه وسلم - بل يمكن أن يستفيدوا في المجالات الدنيويَّة كلِّها حتى في قسم الاقتصاد، والسياسة، والرابطة العالمية، وغيرها من الأقسام الأخرى، وقصارى القول: إنَّ ما ينشأ إلى الأيَّام الموعودة من مجالات الحياة الدنيويَّة إلا وهو أسوة فيها للنَّاس كافَّة؛ لأنَّ مع القرآن تبقى هذه الآية: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] إلى القيامة.

أسأل الله التوفيق على العمل بما يحبُّ ويرضى، وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.



[1] لسان العرب لابن منظور (13/21)، القاموس المحيط للفيروز آبادي (1/1518)، المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص(90)
[2] التعريفات للجرجاني ص (55)،المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص (90).
[3] أثر تعليم القرآن الكريم في حفظ الأمن، د. عبدالقادر الخطيب، ص6.
[4] نضرة النعيم، 2273.
[5] نضرة النعيم، 2273.
[6] التعريفات، 159.
[7] أثر تعليم القرآن الكريم في حفظ الأمن، د. عبدالقادر الخطيب،ص 7-8.
[8] المسلم، ج1 ص49.
[9] البخاري، ج1 ص13، المسلم، ج1 ص 48.
[10] المسلم، ج1 ص49.
[11] شعب الإيمان، ج6 ص43.
[12] http://www.fanfiction.net/s/6613706/1/Morning_Shows_the_Day.
[13] السيرة الحلبية، ج1 ص 75.
[14] حاشية ابن هشام (1/188), http://www.islamprophet.ws/ref/224
[15] الرحيق المختوم، 44.
[16] نبي الرحمة، 5, 120.
[17] رحمة للعالمين، 120.
[18] الأخلاق النبوية في الصراعات السياسية والعسكرية، 13.
[19] رحمة للعالمين،120.
[20] الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، 17.
[21] الرحيق المختوم، 145.
[22] رحمة للعالمين، ج1ص378.
[23] الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، 18.
[24] زاد المعاد، ج3ص408.
[25] رحمة للعالمين.
[26] The Gospel of Barnabas:- 82 : 16 - 18.
[27] وسيرة ابن حبان، 58، محمد بن يوسف الصالحي، سبل الهدى والرشاد 2/140.
[28] Jean Lake "the Arabs, p. 43.
.

محمد رافع 52 24-11-2012 01:16 PM

خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم


مراد باخريصة


شهر ربيع الأول؛ هذا الشهر الذي ولد فيه سيد الخلق وأكمل البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ الرحمة المهداة والنعمة المسداة، خليل الرحمن وصفوة الأنام، أعظم الناس أمانة وأصدقهم حديثاً وأسخى الناس نفساً وأطيب الناس ريحاً وأجودهم يداً وأعظمهم صبراً وأكثرهم عفواً ومغفرةً ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾.

إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهداية ومن الشقاء إلى السعادة ومن الذلة إلى العزة ومن الظلم والظلمات والجهل والشتات إلى العدل والنور والكرامات.

لم يعرف التاريخ رجلاً أسدى منه ولا أتقى منه ولا أخشى منه ولا أعظم منه ولا أجل منه صلى الله عليه وسلم ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾.

إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مدحه ربه بمدح العبودية وبعثه لإصلاح البشرية وهداية الإنسانية ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ أعطى الدعوة ماله وكيانه ودمه ودموعه وليله ونهاره حتى أقام لا إله إلا الله نشهد شهادة جازمة أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه.

عباد الله:
إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وإن الطريق الوحيد الذي ضمن الله لأهله النجاح وكتب لأهله الفلاح هي طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل الجماعات وكل التكتلات وكل الأحزاب والحزبيات وكل الخطوط والطرقات في ظلال وضياع ومتاهات إلا طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾.

كل الطرق مسدودة وكل الأبواب مغلقة وكل الخطوط مفصولة غير موصولة إلا الخط الذي مشى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مشى عليه أصحابه من بعده ثم مشى عليه التابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين يقول النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعين في النار قيل يا رسول الله من هم قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وقال: " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال: "هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه" ثم قرأ: ﴿ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلي ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.

إن بين أيدينا كنزاً لا ينفد ومنهلاً عذباً لا ينضب كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين نحن من العمل بهما والمطالبة بتطبيقهما والانقياد لهما والامتثال لأمرهما والاستجابة لنهيهما يقول الله جل جلاله في كتابه العظيم ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ ويقول سبحانه وتعالى ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ﴾ يقول النبي صلى الله عليه وسلم (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).

إن المأمن الأمين والحصن الحصين هو في التمسك بكتاب الله وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاقتداء به مخرج من كل فتنة ونجاة من كل محنة تمسكوا بهديه تمسكاً صادقاً واعرضوا أعمالكم وأقوالكم وأفعالكم ومعاملاتكم وجميع شئون حياتكم على منهجه وطريقته تعيشوا سعداء وتموتوا أوفياء.

عباد الله:
إن الواجب علينا تعظيم الوحيين الشريفين تعظيماً يمنعنا من مخالفتهما أو الالتفات إلى شيء من الأنظمة أو المناهج غيرهما أو السكوت على من يجترئ عليهما أو يستهزئ بشيء مما جاء فيهما ومن سب الله أو سب رسول الله أو استهزئ بشيء من دين الله أو تلاعب بالنصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية فلنقف ضده وقفة الغيور على ملته المحامي عن شريعته وعقيدته ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾.

إن مجتمعنا اليوم تتجاذبه موجات وحملات وبدع وضلالات ومحاولات وتدخلات وفتن عاتيات لا مخرج منها إلا بالتمسك الشديد بوحي الله الذي أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).

إن علينا في زحمة الأحداث وتسارع المتغيرات وفي خضم التداعيات وكثرة النوازل والمستجدات وتنوع الأطروحات والتحليلات أن نلتفت إلى الرؤية الشرعية التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم بيضاء نقية وأن ندقق النظر في فقه السنن الكونية وأن نقرأ الأحوال التاريخية والحضارية فقد زلت أقدام وظلت أفهام وأخطأت أقلام واحتار كثير من المفكرين والمثقفين وأرباب الإعلام لأنهم لم ينطلقوا من المنطلق الذي انطلق منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.


الخطبة الثانية

عباد الله:
إننا في هذه الأيام العصيبة نعيش وسط زوابع يموج بعضها في بعض وفي ثنايا نوازل تتلاطم كموج بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل له نوراً فماله من نور.

ولأجل هذا كان لزاماً علينا أن نحذر من الحملة المسعورة الشعواء التي يديرها أعداؤنا علينا من خلال تشكيكنا بسمو رسالتنا والطعن في عقيدتنا وإقناعنا بتغيير ديننا ومنهجنا ونزع عقيدة الولاء والبراء من قلوبنا ومن استجاب لهم في شيء من ذلك فقد وقع في خيانة عظمى وجنون لا عقل معه وجرم ما بعده جرم يستحق صاحبه قول الله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ روى الإمام أحمد في مسنده وحسنه الألباني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض الكتب قال فغضب وقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية والذي نفسي بيده لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي).

فالحمد لله الذي أنعم علينا فجعلنا من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ومن خير أمة أخرجت للناس والحمد لله الذي منحنا هذه الشريعة المحمدية الغراء التي تنير لنا الطريق في السراء والضراء فيجب علينا أن نشكر الله على هذه النعم العظيمة بالتمسك الصادق بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما المعجزة الباقية والعصمة الواقية والحجة البالغة ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾.

عباد الله:
إننا لن ندرك غايتنا إلا بهداية الله ولن نحقق أهدافنا إلا بمعونة الله ولن نخرج من البلايا والرزايا إلا بإعزاز دين الله وتحكيم شريعة الله والغيرة على محارم الله يجب علينا جميعاً أن نتحلى بالصدق في الانتماء لديننا وعقيدتنا ونصرة منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم.

أما أن ندعي محبته ونحن نصادم سنته ونخاصم شريعته ولا نُحكم منهجه ولا نلتزم هديه ولا نحب محبوباته ولا نبغض مبغوضاته فهذا هو الحب الكاذب ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾.

ليس من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن نبتدع في دينه أو نزيد في شريعته أو نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم وليس من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن نتشبه باليهود والنصارى في هديهم وتقاليدهم ونترك التشبه به صلى الله عليه وسلم في هديه وسننه وليس من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن نتسول الشرق والغرب ونجرب مناهج أهل الشرق والغرب ومنهجه صلى الله عليه وسلم بين أيدينا.


محمد رافع 52 24-11-2012 11:51 PM

التآلف والتعايش السلمي – المواطنة.


بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة الكرام، مع موضوع جديد من موضوعات فقه السيرة النبوية، التنظيمات الإدارية التي نظمها النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت القاعدة الصلبة للدولة الإسلامية.
التركيبة الاجتماعية لسكان المدينة عند وصول النبي صلى الله عليه وسلم:
كانت المدينة عشية وصول رسول الله صل الله عليه وسلم تشكل مزيجا إنسانيا متنوعاً من حيث الدين والعقيدة، ومن حيث الانتماء القبلي والعشائري، ومن حيث نمط المعيشة، ففيهم المهاجرون، وفيهم الأوس والخزرج، والوثنيون من الأوس والخزرج، واليهود من الأوس والخزرج، وقبائل اليهود الثلاثة بنو قينقاع، و بنو النظير و بنو قريضة، والأعراب الذين يساكنون أهل يثرب، والموالي والعبيد، والأحلاف، وكانت موارد رزقهم متنوعة بين العمل في التجارة والزراعة والصناعة، والرعي والصيد والاحتطاب، وكان توزعهم السكني قائما على هيئة قرى، أو آطام، أو حصون تحيط بها البساتين والأراضي المزروعة، يدخلون حصونهم بعد حلول الظلام، ويحرسون منازلهم خوف الغزو والغارة، وتبلغ عدد تجمعاتهم السكنية 59، ولكل عشيرة منهم زعامة تقوم على رعاية شؤونها، وضمان عيشها وأمنها، ولم تندمل بعد جراحات الأوس والخزرج التي خلفتها بينهم حرب بعاث، ويمكن وصف الحالة العامة في المدينة بأنها قائمة على تحكم النظام العشائري، وأعراف القبائل السائدة مع شيوع الجهل والأمية لدى معظم سكان يثرب، بينما كان أهل الكتاب أهل علم ودين، لكنهم يمارسون الربا واستغلال التجارة، ويعملون على إثارة النزاعات بين الأوس والخزرج ليتمكنوا من ضمان سيادتهم، ومصالحهم، وسلامتهم.
النموذج السياسي في الإطار الإسلامي في المدينة:
1. دستور شامل لجميع ساكني المدينة من المسلمين وغير المسلمين:
ولا شك في أن النموذج النبوي الذي بدأ النبي تطبيقه في المدينة يتوزع في مسارين متوافقين، أولهما يتعلق بالمسلمين الذين آمنوا بالله ورسوله، وانقادوا لشرع الله يعملون به ويطبقونه، وثانيهما يتعلق بالتآلف والتعايش السلمي بين المسلمين ومَن لم يعتنق الإسلام من الوثنيين من الأوس والخزرج وأهل الكتاب.
وأعظم مهمة أنفذها النبي صلى الله عليه وسلم إقامة نظام عام، ودستور شامل لجميع ساكني المدينة بين المسلمين وبين سواهم من سكان المدينة.
2. تنظيم يتوافق مع أعلى درجات المواطنة:
أيها الإخوة، يظن الطرف الآخر أن المسلمين فيهم سذاجة، فيهم تخلف، سوف ترون الشيء الذي لا يصدق، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم نظم هذا المجتمع تنظيماً يتوافق مع أعلى درجات المواطنة، ومع أعلى درجات الحقوق والواجبات.
فلذلك التنظيم حضارة، والتنظيم دين، والتنظيم رقي، والله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون وفق النظام الرائع، والإنسان خليفة الله في الأرض، وينبغي أن يقيم النظام الرائع في مجتمعه، وهذا دليل التفوق في الحياة.
3. حدّد المسؤولية الفردية:
التخلف في الدين يساوي الفوضى، التخلف في الدين يساوي التسيب.
مثلاً: النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
مَنْ تَطَبّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبّ فَهُوَ ضَامِن
[أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر]
فهو مسؤول، وسيحاسب، وكان عليه الصلاة والسلام يؤكد أن كل إنسان مسؤول عما أنيط به من عمل،
وقد قال الله عز وجل:
(فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
[سورة الحجر]
وأي مجتمع لا يحاسب أفراده عن أخطائهم فهو مجتمع سائر في طريق الهلاك ، فلا بد مِن محاسبة دقيقة، ومفاهيم موحدة.
4. الإسلام دين التعايش:
شيء آخر، سوف ترون بعد قليل كيف أن التعايش بين الأطراف، والشرائح والأطياف، والانتماءات جزء من الدين، ما بال هؤلاء الجهلاء يرفضون الآخر، الآخر مقبول في المجتمع الإسلامي، بمعاهدة دقيقة جداً، فيها المهاجرون، والأوس والخزرج والوثنيون من الأوس والخزرج، واليهود من الأوس والخزرج، القبائل اليهودية، بنو النظير وبنو القينقاع، كيف جمعت هذه الوثيقة هذه الأطراف المتنوعة، والمتباعدة؟
إنّ مفهوم المواطنة أصيل في الدين، ومفهوم قبول الآخر أصيل في الدين، مفهوم التعايش بين الفئات المتعددة أصيل في الدين، وهذه النغمة التي نسمعها من حين إلى آخر أن المسلم لا يقبل الآخر هذه افتراء من أعداء الدين، سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم، النبي المرسل، خاتم الأنبياء والمرسلين، حبيب رب العالمين، بحياته، وبوجوده، وبتوجيهه، وبتنظيمه أجرى معاهدة ضمت قريشاً، وبني عوف، وبني الحارث من الخزرج، وبني ساعدة، وبني جشم، وبنو النجار، وبني عمرو بن عوف، وبني النبيت، وبني الأوس، هؤلاء طوائف واتجاهات، وألوان، وشرائح، وأطياف، وكلهم ضمتهم معاهدة فيها توضيح شديد للحقوق والواجبات، ما لنا وما علينا، فما بال المسلمين اليوم لا يقبلون الطرف الآخر؟ هذا من الدين.
تحليل بنود معاهدة النبي في المدينة: دراسة واستخلاص:
التحليل الأول: مفهوم الأُمّة الواحدة:
أيها الإخوة، بنود الاتفاقية طويلة جداً، قبل أن نأخذ بعض بنودها أعطيكم عنها دراسة، البند الأول في هذه الدراسة، أن هذه الاتفاقية، وأن تلك المعاهدة جعلت جميع القاطنين في يثرب من مهاجرين، ويثربيّن، ومَن تبعهم، وجاهد معهم أمة واحدة، وفي ذلك بعْد آني لمن يقطن يثرب، وبعدٌ مستقبلي لمعنى الأمة حيث تضمن هؤلاء جميعاً، ومن يلحق بهم، ويجاهد معهم.
إن أول مفهوم للأمة ظهر في المدينة، أما في مكة فقال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)
[سورة النساء الآية: 77]
منع النبي الرد على كل استفزاز، بل على كل تحرش، بل على كل جريمة، لأنه بمكة أراد أن يبني الإيمان، ولأن في كل بيت عنصرا مسلما، وعنصرا مشركا، فإذا قاوم في مكة نشبت حرب أهلية، وهذا مما كان عليه الصلاة والسلام يحرص على الابتعاد عنه، لذلك ورد في قوله تعالى:
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ)
[سورة الأنعام الآية: 65]
هذه الصواعق، وحديثاً الصواريخ.
(أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)
[سورة الأنعام الآية: 65]
هذه الزلازل وحديثاً الألغام.
(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)
[سورة الأنعام الآية: 65]
هذه الحرب الأهلية،
(وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)
إذاً: كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس بعداً عن الحرب الأهلية، ففي مكة جاء التوجيه القرآني:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)
[سورة النساء الآية: 77]
إذاً: لا بد من مرحلة إعدادية يُعد فيه المؤمن إعداداً إيمانياً قوياً، بل يعد المؤمن نفسه إعداداً إيمانياً قوياً، لكن بعد حين لا بد من كيان إسلامي، لا بد من شخصية إسلامية لا بد من كلمة إسلامية، لا بد من موقف إسلامي، لا بد من رد إسلامي، لا بد من تحليل إسلامي، لا بد من حركة إسلامية، هذا كان في المدينة، النبي عليه الصلاة والسلام أقام أسس الدولة الإسلامية في المدينة، قبِل الواقع، واحتواه، واستوعبه، وفهِم الخصوصيات والمتغيّرات، هو وأصحابه بند، وهناك بنود كثيرة، طوائف، وقبائل، وعشائر، وأديان اليهود، الوثنيون، المسلمون.
إذاً أول خصيصة لهذه الوثيقة أنها جعلت جميع القاطنين في يثرب من مهاجرين ويثربين، ومن تبعهم، ومن جاهد معهم، أمة واحدة، وفي ذلك بعد آني لمن يقطن بيثرب وبعد مستقبلي لمعنى الأمة التي تضمن هؤلاء جميعاً، ومن يلحق يهم ويجاهد معهم.
التحليل الثاني: الاعتراف بخصوصيات القبائل والعشائر والطوائف:
التحليل الثاني لهذه الوثيقة: اعترفت هذه الوثيقة، وتلك المعاهدة بالحال الخاص لكل فئة من السكان، كل فئة لها خصوصياتها، بل كل فئة لها تركيبها، هذا الاعتراف بخصوصية كل مجتمع ذكاء وحنكة وحكمة.
الآن مشكلتنا مع الطرف الآخر أنه لا يعترف بخصوصيات الشعوب، يريد العولمة، يريد أن يطبق نظامه، وقيمه، و*****ته وانحلاله الخلقي على جميع الشعوب بالقوة، وما هذه الحروب التي ترونها إلا صورة من صور هذا القهر، يريد الطرف الآخر أن يعمم ثقافته على كل الشعوب، الطرف الآخر يتجاهل قيمها، مبادئها، ثقافتها، دينها.
إنّ من سمات آخر الزمان ظهور الأعور الدجال، ومع الاحتفاظ بالمعنى الأصولي لهذا المصطلح هناك نموذج معاصر هو أعور، أعور يرى ثقافته، ولا يقبل ثقافة الآخرين، يرى مصالحه، ولا يعترف بمصالح الآخرين، يرى كرامته، ويجرح كرامة الآخرين، يرى ثقافته ويقدسها، ولا يقبل ثقافة الآخرين، يرى مصالحه، ويتجاهل مصالح الآخرين، هذا هو الأعور، الصفة الثانية أنه دجال، يكذب، تهدم البلاد، تنهب الثروات، يقهر البشر، تثار الفتن الطائفية تحت اسم الحرية والديمقراطية، الأعور الدجال وصفُ جامعٌ مانع لإنسان آخر الزمان القوي.
ذكرت لكم من قبل أيها الإخوة كيف أن الله سبحانه وتعالى وصف قوم عاد
(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ)
[سورة الفجر]
لم يقل: طغت في بلدها، طغت في البلاد، في جميع البلاد.
(فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ)
[سورة الفجر]
أسلحتهم الفتاكة تقصف، وأفلامهم تفسد، طغيان وفساد، مع غطرسة لا تحتمل.
(مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)
[سورة فصلت الآية: 15]
مع تفوق مذهل في العماران.
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)
[سورة الشعراء]
تفوق عسكري:
(وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)
[سورة الشعراء]
تفوق علمي:
(وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)
[سورة العنكبوت]
غطرسة لا تحتمل:
(مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)
ماذا فعلوا أيضاً؟ فعلوا أنهم:
(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ)
[سورة الفجر]
وما أهلك الله قوماً إلا ذكر أنه أهلك من هو أشد منهم قوة، إلا عاداً حينما أهلكها فقال:
(اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)
[سورة فصلت الآية: 51]
ما مصيرها؟ مصير هؤلاء القوم الطغاة الجبارين أن الله أهلكهم:
(بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)
[سورة الحاقة]
هذا الشرح فيه إشارة قرآنية إلى أن قوم عاد قوم طاغون كنموذج، ولهم أمثال في كل عصر، والدليل قوله تعالى:
(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى)
[سورة النجم]
ما معنى عاداً الأولى؟ أي أن هناك عاداً ثانية.
(وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى)
[سورة النجم]
إذاً أيها الإخوة، الشيء الدقيق أن وثيقة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن الاتفاقية والعهد الذي بين المسلمين، وبين بقية الأطراف، فيها اعتراف بخصوصيات كل فئة اعتراف بزعامتها، اعتراف بمشكلاتها، اعتراف بأعرافها، بتقاليدها، وبعقائدها الدينية هذا المفهوم الحضاري، أنت مسلم لك عقيدتك، ولك عبادتك، ولك منهجك، ولك قيمك، ولك أهدافك، لكن إذا وجدت في بلد فيه أناس من غير دينك ينبغي أن تسالمهم، وأن تتقاسم معه الغنائم، وأن تعرف خصوصياتهم، وأن تعرف مشاعرهم، وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.

محمد رافع 52 24-11-2012 11:54 PM

التحليل الثالث: التعاون العام بين المسلمين:
يتعاون المؤمنون في معاونة الذين تعرضوا لوضع مالي شديد من افتقار، أو كثرة عيال، ولعل ذلك يشبه صندوق تكافل لجميع الأهالي، وخاصة في الفدية، فهؤلاء الفقراء قنابل موقوتة، فإن لم تنتبه إلى حاجتهم، وإلى مشكلتهم وإلى مأساتهم، وإلى فقرهم، وتجاهلتهم، كان هناك خلل في المجتمع يسهم في انهياره،
وقد قال سيدنا علي:

كاد الفقر أن يكون كفراً
ويقول عليه الصلاة والسلام:
إنما تنصرون بضعفائكم
[أخرجه أحمد و مسلم وابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء]
الضعفاء هم الذين إذا نصرناهم تتماسك طبقات المجتمع، فهذا الضعيف إن كان فقيراً فينبغي أن تطعمه، وإن كان مريضاً فينبغي أن تعالجه، وإن كان مشرداً فينبغي أن تؤويه، وإن كان جاهلاً فينبغي أن تعلمه، وإن كان مظلوماً فينبغي أن تنصفه، إذا نصرت الضعيف تماسك المجتمع، وأصبح سداً منيعاً لا يمكن اختراقه.
التحليل الرابع: منع حدوث تجاوزات في روابط الولاء:
منع حدوث تجاوزات في روابط الولاء للحفاظ على الثقة والتعاون بين الجميع، فلا تجاوزات، وكل إنسان ينبغي أن يلزم حده، وأن يقف عنده، وهناك قوانين تنتظم جميع الفئات، لذلك:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ. وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ. وأيْمُ الله، لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
[متفق عليه]
ما لم يقم في المجتمع قواعد صارمة يلتزم بها جميع فئاته فلن ينهض المجتمع.
امرأة سرقت فكان الحكم قطع يدها، وهي من بني مخزوم، فجاء حِبُّ رسول الله أسامة بن زيد يشفع لها، فغضب النبي أشد الغضب، وقال: وبحك يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله؟

إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ. وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ. وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
أن يأتي إنسان من أعلى أرومة من قريش من وجهاء قريش، وفي ساعة غضب دون أن يشعر وجه كلمة قاسية لسيدنا بلال، فقال لك: يا ابن السوداء، فقال عليه الصلاة والسلام وقد غضب غضباً لا يوصف، قال له:
إِنّكَ امْرُوء فِيكَ جَاهِلِية
فما كان من أبي ذر إلا أن وضع رأسه على الأرض وشدد على بلال أن يطأ رأسه بقدمه.
وكان عمر يخرج إلى ظاهر المدينة ليستقبل بلالاً، هذا هو الإسلام.
إذاً: هذه الوثيقة، وتلك المعاهدة، منعت التجاوزات في روابط الولاء في للحفاظ على الثقة والتعاون بين الجميع.

التحليل الخامس: التعاون على مقاومة أي معتد أو آثم، أو ظالم أو مفسد:
الآن هذه الوثيقة تؤكد أن الجميع متعاونون في مقاومة أي معتد أو آثم، أو ظالم أو مفسد، ولو كان ولد أحدهم، وفي ذلك سيادة الدستور والقانون، فتحققوا من خلال العدالة والمساواة، وعندها يتحقق الأمن والسلامة للجميع.
جميع المواطنين تحكمهم قوانين واحدة، جميع المتعاهدين سواء مكانة صغيرهم، مثل مكانة كبيرهم في الحقوق والواجبات، وكلهم يد واحدة، وذو اعتبار واحد هذا مجتمع المسلمين، هذا مجتمع حضاري.
هذا مجتمع، جميع الناس سواء في الحقوق والواجبات، هم يد واحدة على من عاداهم، يجير أدناهم يجير مستجيرهم، ولليهود وهم أعداء تقليديون مثل ما لغيرهم في هذا العهد، ولليهود دينهم، و للمسلمون دينهم، وللمسلمون دينهم، فما من مشكلة أبداً، لهم دينهم، هذا هو التعايش، وهذه هي المواطنة، هذا هو الفهم العميق لخصائص الحياة الدنيا، مجتمعات فسيفسائية كمجتمعاتنا، أنت مسلم يجب أن تقيم أمر الله، وأن تقبل الآخر دون أن تضحي بدينك، دون أن تفسد دينك أقم أمر الله ودع الطرف الآخر يعيش على تطوره، وعلى مبادئه وعلى قيمه.

التحليل السادس: معاهدة الدفاع المشترك:
والمؤمنون وغير المؤمنين سواء ينصر بعضهم بعضاً، في ميثاق، في معاهدة دفاع مشترك بالمصطلح الحديث، لا يحل لأحد ممن عاهد، ووافق على هذه الوثيقة، وقبل هذه الاتفاقية أي يحدث حدثاً، أو يؤوي محدثاً، وإذا فعل ذلك وقع عليه الله ولعنته، وحرمانه من الحقوق العامة.
هذا هو التشريع، هذا هو الالتزام، لكن لهذا المجتمع رأس، مرجعية واحدة قرار نافذ، الله عز وجل أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يشاور أصحابه،
قال الله تعالى:

(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
[سورة آل عمران الآية: 159]
لكن:
(فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)
[سورة آل عمران الآية: 159]
التحليل السابع: المخلّ بالمعاهدة لا ذمة له ولا ميثاق:
ومن بنود هذه الاتفاقية: من أخل بعده من اليهود فإنه ظالم لنفسه وأهله، وليس له على أهل هذا العهد ذمة ولا ميثاق، يتحمل كل فريق مشارك في هذا العهد نصيبه في الحرب، والسلم، والنفقة، وعليهم التعاون والمشاركة، وبينهم النصح، والبر، من دون إثم.
من أبلغ ما في هذه المعاهدة، وتلك الاتفاقية أنه لا يتحمل أحد وزر غيره لقوله تعالى:

(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
[سورة الأنعام الآية: 164]
من أشد المنكرات في المجتمع البعيد عن الله قضية الثأر، يُ*** إنسان من قبيلة، كان جميع أفراد القبيلة التي منها القاتل معرّضين لل***، بلا سبب، هذا الثأر وصمة عار بحق الأمة، علاج الثأر أنه
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
هذا العهد لا يلغي التزامات السابقة، له على المعاهدين، ولا يعفي ظالماً أو آثماً من جزاءه أو معاقبته، وليس هذا العهد للحرب فقط، بل هو للسلم أيضاً، وجعل هذا العهد المدينة المنورة بلداً حراماً.
أيها الإخوة، هذه بعض بنود هذا العهد الذي أبرمه النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة حينما وصل إليها، وصدقوا أيها الإخوة، والله لا أبالغ إنه من أرقى الاتفاقيات الحضارية التي يشار إليها بالبنان.


محمد رافع 52 24-11-2012 11:56 PM

من بنود المعاهدة
هذا المجتمع النبوي الذي حكمه النبي، هذا المجتمع المتنوع، بين الدين الإسلامي، وبين دين أهل الكتاب، وبين الوثنية، وبين العشائرية، هذا المجتمع كيف ألف النبي بينهم، وكيف وضع لهم نظاماً يغطيهم جميعاً.
هؤلاء من قريش، ومن بني عوف، ومن بني الحارث، ومن بني ساعدة، وبني جشم، ومن بني النجار، ومن بني عمر بن عوف، ومن بني الأوس، على ماذا اتفق النبي معهم ؟ ما النظام الذي جمعهم، ما المعاهدة التي غطتهم، ما القواسم المشتركة فيما بينهم، إليكم بعض تفصيلات هذه المعاهدة ، والتي نحن في أمسّ الحاجة إليها.

البند الأول: نصرة الضعيف:
المؤمنون لا يتركون مفرحاً ؛ أي مغلوباً، أو فقيراً إلا ويعطوه بالمعروف، أول بند نصرة الضعيف،
قال بعض العلماء:

الدنيا تصلح بالعدل، ولا تصلح بالظلم
نصرة الضعيف،
يقول عليه الصلاة والسلام:

فَإِنّمَا َتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم
[رواه النسائي عن مصعب بن سعد عن أبيه]
المجتمع الذي لا ينصر الضعيف مجتمع مخترق، وإذا اُخترق المجتمع قوي عليه أعداءه، وما من أمة تريد أن تكون محصنة إلا وتسعى لنصرة الضعيف، والنبي عليه الصلاة والسلام يبين أن أحد أسباب النصر أن نعطي الضعفاء حقهم.
البند الثاني: ألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه:
البند الثاني: وألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، المولى تابع للمؤمن، لا خيانة.
مثلاً: أنت صاحب محل تجاري، ولك جار عنده موظف، فتكلمت مع الموظف، وقلت له: كم يعطيك سيدك؟ قال لك: خمسة آلاف، قلت له: أنا أعطيك سبعة، تعال إلي، أنت اتفقت مع موظف عند أخ لك، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

ليس منا من خبب امرأة على زوجها ؛ أو عبدا على سيده
[أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ]
أيّ اتفاق بين رجل ولو على الهاتف، اطلبِي الطلاق منه أنا أتزوجك، لك بيت خاص، أو خبب عبداً على سيده، الآن موظف على صاحب المحل، هذا اسمه تخبيب، وقد لعنه الله عز وجل.
البند الثاني من بنود هذه المعاهد: وألا يحالف مؤمن مولا مؤمن دونه، هذه الأساليب الملتوية، هذا الخداع، المكر، الخبث، ليس هذا من نصيب المؤمن.

البند الثالث: المؤمنون أيديهم جميعاً على من بغى عليهم:
وأن المؤمنين المتقين أيديهم جميعاً على من بغى عليهم، ليس معقولاً أن تعتدي دولة على شعب أعزل في فلسطين، وأن دولاً إسلامية أخرى تناصرها، وتقيم فيما بينها علاقات دبلوماسية، وتطبع العلاقات فيما بينها، هذا مخالف لمنهج المؤمنين.
وأن المؤمنين المتقين أيديهم على من بغى منهم، وأن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم، هذه نقطة دقيقة جداً، لو أن الأمة الإسلامية مليار وخمسمئة مليون سِلْمها واحدة، وحربها واحدة ، وينطق باسمها إنسان واحد، وأن الأمة الإسلامية بأكملها تحارب أو تسالم، وأن الأمة الإسلامية بأكملها موقفها واحد من جهة واحدة، أما هذا فله صلح، وهذا معاهدة، وهذا تطبيع علاقات، هذا زيارات، هذا عداء، هذا حرب، أحد أسباب ضعف المسلمين أن كلمتهم ليست واحدة.

(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
[سورة الأنفال الآية: 46]
بينما تتفنن إسرائيل بإبادة شعب بأكمله إبادة، وبتدمير بلد بأكمله لبنان، ودول أخرى تقيم فيما بينها علاقات، وزيارات، ومعاهدات، وتناصح، وتعاون، وتآزر، أهؤلاء مسلمون ؟! انظر إلى هذا العهد، وأن أيديهم جميعاً على من بغى منهم، ولو كان ولد أحدهم.
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)
[سورة الحجرات الآية: 9]
نشبت حرب بين العراق وإيران امتدت ثماني سنوات، وذهب ضحيتها مليون إنسان، ومرة وأنا أذكر هذا للتاريخ، كان هناك مؤتمر للدول الصناعية في عاصمة بريطانيا، وتلاسن زعيم غربي مع رئيسة وزراء بريطانيا، فهددها الزعيم الغربي بماذا ؟ بإيقاف الحرب بين العرق وإيران، هددها، معنى إيقاف الحرب توقف بيع الأسلحة، يعيشون على مآسينا، يعيشون على اقتتالنا، يعيشون على خلافاتنا، يعيشون على العداوة فيما بيننا.
لما اجتاحت العراق الكويت من الذي تدخل ؟ العالم الغربي، من كان ينبغي أن يتدخل ؟ المسلمون، بسبب قوله تعالى:

(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
[سورة الحجرات الآية: 9]
أنتم أيها المؤمنون عليكم فعل ذلك.
حيوانان اقتتلا على قطعة جبن كبيرة، احتكما إلى ثعلب، فالثعلب ادعى أنه قاض نزيه، جاء بميزان فوضع في كفة ثلثي القطعة، وفي كفة الثلث، فرجحت هذه فأكل من هذه نصفها، فرجحت هذه فأكل نصفها، رجحت هذه أكل نصفها، بعد حين لم يبقَ شيء.
وهذا الذي حصل، تنازعنا فيما بيننا فجاءوا، ونهبوا ثرواتنا، أخذوا النفط، وأجبرونا على شراء أسلحة فوق طاقتنا، ففي أول حرب انتقل إلى الغرب أكثر من 700 مليار، والحرب الثانية كذلك، أكبر كتلة نقدية كنا نملكها توجهت إلى الغرب، كان الدينار بثلاثة دولارات، الآن 1500 دينار بدولار واحد، انهيار اقتصادي، أين الثروات ؟ انتقلت،

(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا)
أؤكد على هذا الدرس بأنه خطير، لأن منهج النبي هكذا.
البند الرابع: ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم:
وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، هذا المجتمع على تنوعه، وعلى شرائحه، وعلى أطيافه، وعلى طوائفه مجتمع واحد، هذا مفهوم التعايش، هذا مفهوم المواطنة، هذا مفهوم المجتمع السلمي هذا مفهوم قبول الآخر، هذا توجي النبي، هل هناك أعلم منه، هذا توجيه سيد الخلق وحبيب الحق.
البند الخامس: أهلُ الذمة لهم الأمن والأمان في بلاد الإسلام:
وأنه من تبعنا من يهود فإن لهم النصر، والأسوة غير ظالمي ولا متناصراً عليهم.
بصراحة زار إنسان بلدنا، معه جواز سفر عليه تأشيرة، تأشيرة دخول إلى سورية، ما معنى هذا الكلام ؟ هو في عهدنا، في ذمتنا، هناك علاقات دبلوماسية، وتأشيرة، هذه التأشيرة ماذا تعني ؟ أن هذا المواطن الذي بيننا وبين دولته علاقات واتفاقيات، وتبادل سفراء، حينما دخل بلادنا بتأشيرة على جوازه مِن قِبَلنا هو إذاً في ذمتنا، ماذا نستنبط ؟ أن خطف الأجانب لا يجوز.

البند السادس: المؤمنون المتقين على أحسن هدًى وأقومه:
وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدًى وأقومه، أنا أعيش مع إنسان غير مؤمن بعلاقات محدودة، له وعليه، ولي وعلي، ليس معنى هذا أنه على حق ؟ لا.
أنت موظف بدائرة، المدير العام، ولتكن مدرسة، ليس كما ينبغي، أما أنا فواجبي أن آتي في الوقت المناسب، وأن ألقي درساً ممتازاً، وأن أعامل الطلاب معاملة جيدة، وأن أحترم هذا المدير، لا يمنع أن تكون أنت على هدى، وهو ليس كما تتمنى أنت، هذا لا يمنع أن تتعامل معه، أنا أسميها علاقات عمل، علاقات العمل لا شيء فيها إطلاقاً، المؤمن منفتح، إيجابي، بناء، وليس مهدماً.

البند السابع: لا يحل لمقرٍّ بالوثيقة إيواء محدث ونصرِه:
وأنه لا يحل لمؤمن أقر في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، كإنسان خرج على جمع المؤمنين ممنوع أن تؤويه، أو أن تنصره، وأن من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله، وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
إنسان يغش المسلمين، لا تدافع عنه، إنسان أتى ببضاعة ليست صالحة للاستعمال البشري، والدوائر الرسمية منعت دخولها، ممنوع عليك أن تتوسط له بإدخالها، هذه البضاعة تؤذي الناس، ليست معدة للاستعمال البشري، معدة علف للحيوانات، هذا إنسان بغى على المسلمين، تدافع عنه ؟ تتوسط له ؟.
وأنه لا يحل لمؤمن أقر في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، وأن من نصره أو آواه عليه لعنة الله، وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.

البند الثامن: مرد الاختلاف والتنازع إلى الله ورسوله:
الآن: وأنكم مهما اختلفتم في شيء فإن مرده إلى الله ورسوله، عند التنازع عندنا منهج الله، وسنة رسول الله، وهذا شيء رائع، حينما أرجع إلى تشريع سماوي الله فوق الجميع لذلك:
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
[سورة النساء الآية: 59]
البند التاسع: لا يأثم امرؤ بحليفه:
وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه، الحليف ليس سبباً لعقاب أحد، أنا حينما أحالف جهة تحت ضوء الشمس جهاراً نهاراً علناً، أنا لا أحاسب على ذلك.
البند العاشر: النصر للمظلوم لا للظالم:
وأن النصر للمظلوم، لا للظالم، وأن الجار كالنفس، غير مضار وآثم، الجار يعامل كما يعامل المؤمن نفسه، لأنه ألصق الناس به، إلا أن يكون معتدياً أو آثماً.
وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث، أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله أتقى على ما في هذه الصحيفة وأبره.

البند الحادي عشر: دفع المعتدي عن المدينة:
وأن بين هؤلاء جميعاً بين هذه الطوائف، والشرائح، والأطياف، والألوان والمذاهب، والقبائل، والعشائر، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، بالتعبير المعاصر اتفاقية دفاع مشترك، لأن الإنسان هو الإنسان، في كل زمان ومكان، فلو كان بيننا وبين جميع المؤمنين والمسلمين معاهدات دفاع مشترك نافذة لا حبر على ورق، فأيّ دولة تفكر أن تعتدي على بعض الدول، تعدّ للمليون، لأنها سوف تواجه مليارًا و500 مليون، لكن يمكن أن تُهدم غزة بأكملها، أن تُهدم كل بيوتها، أن تُضرب محطات التوليد فتبقى بلا كهرباء، وأن تُجرف بساتين الزيتون، وأن تُردم الآبار، وأن تُمنع الحركة، وأن يقام جدار فصل، والمليار ونصف يتفرجون، أليس كذلك ؟ هذه المعاهدة.
وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه، فإنهم يصالحونه، ويلبسونه، دُعوا جميعاً إلى صلح نصالح، دُعوا جميعاً إلى حرب نحارب أرأيت إلى هذه القوة ؟ والمنعة ؟.

البند الثاني عشر: الظالم يعاقَب:
وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، الظالم يعاقب، والآثم يعاقب والظالم والآثم ليس بإمكانه أن يحتج بهذا الكلام، ولا تلك المعاهدة.
البند الثالث عشر: ساكن المدينة آمن فيها وآمن عند الرجوع إليها :
وأنه من خرج فهو آمن، ومن قعد في المدينة فهو آمن، إذا خرج يرجع، إن خرج فهو آمن، وإن قعد فهو آمن، إلا من ظلم أو آثم، وأن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله.
أيها الإخوة الكرام، هذه بعض فقرات هذه المعاهدة التي احتوت قبائل شتى وأديان شتى، وعشائر شتى، وأطياف شتى، وألوان شتى، من بدو، إلى موالٍ، إلى مهاجرين، إلى أنصار، إلى أوس وخزرج مسلمين، وإلى أوس وخزرج وثنيين، وإلى أوس وخزرج يهود، كل هؤلاء انتظمتهم هذه الاتفاقية، هذا من تخطيط النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من حكمته، وهذا من منهج الله عز وجل.

استنباط عملي من بنود المعاهدة
ونحن أيها الإخوة، ينبغي أن نرجع إلى أصول هذا الدين، ينبغي أن نرجع إلى أصوله، أي نهر، اذهب إلى ينبوعه ترى ماءاً صافياً، عذباً، ذلالاً، اذهب إلى مصبه ترى ماءاً آثناً أسود اللون، وكذلك الدين ارجعوا إلى أصول الدين، إلى ينابيع الدين، إلى الكتاب والسنة.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:

تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنة رسوله
[أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة]
والحمد الله رب العالمين

محمد رافع 52 25-11-2012 12:04 AM

بناء المجتمع المؤمن

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة، هذا المجتمع المدني الجديد فيه أشخاص، الواحد كألف، الآن اتجه هذا المجتمع إلى بناء القوة، كان يتمتع بقوة الإيمان، الآن يبحث عن حق القوة.
وأهم ما فعله النبي في المدينة:
أولاً: إقامة مجتمع مختلف عن نظام القبائل:
أيها الإخوة، بدأت مهمة التربية الفردية للمجتمع الجديد، مع قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، حيث بدأت عملية إقامة مجتمع مختلف عن نظام القبائل العربية.
مجتمع المسلمين الذي أسس في المدينة مجتمع القيم الأخلاقية، مجتمع المثل العليا، مجتمع الإنسان، الذي تسود حياته المبادئ والقيم، مجتمع رسالة السماء، رسالة السماء الآن متمثلة في المظاهر الإسلامية،
يقول عليه الصلاة والسلام:
إنما بعثت معلما
[أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو]
بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
[أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة]
كل واحد يحاسب نفسه، إن لم تكن متميزاً في أخلاقك، بضبط لسانك، بضبط جوارحك، إن لم تكن متميزاً في إنفاقك، بعباداتك، فلا: تقل أنا مسلم، ولا تقل: أنا مؤمن، في هذا المجتمع أيها الإخوة فيه محافظة على كل الفضائل والمكارم، التي عرفتها المجتمعات الإنسانية السابقة، فيه السعي لإتمامها وإكمالها، في هذا المجتمع فيها استبعاد لمفاسد الأخلاق للظلم والعدوان، وللاستغلال والجهل والعبودية لغير الله، فيه إقصاء لرواسب الماضي وانحرافات الناس الخلقية، والاجتماعية، والنفسية.
ثانياً: تحول الطاقة المبعثرة للأفراد إلى بناء متكامل:
الشيء الدقيق أن هذا المجتمع الإيماني في المدينة، هذا المجتمع تحولت فيه الطاقة المبعثرة للأفراد إلى بناء متكامل يسمو بها جميعاً، ويحقق لها العلم والتقدم، والوحدة الإنسانية، وتوجهها رسالات السماء، وفق المثل العليا الإنسانية،
لذلك أيها الإخوة، يقول الله عز وجل:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ)
[سورة الأحزاب الآية: 21]
ثالثاً: إصلاح العلاقات بين الأفراد:
أيها الإخوة، البناء الفردي أساس البناء الاجتماعي، بناء الفرد أساس بناء الأسرة، أساس الأسرة أساس بناء المجتمع، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام اعتنى بالفرد المسلم، لذلك أول شيء فعله النبي عليه الصلاة والسلام إصلاح العلاقات بين الأفراد، الآن استمعوا ما يقول الله عز وجل:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)
[سورة الأنفال]
أقول لكم هذه الكلمة: لن نكون أقوياء إذا كانت العلاقات فيما بيننا فاسدة، تجد في الأسرة الواحدة الشرخ، الابن مع أمه، والبنت مع أبيها، وخصام دائم، في الشركة الواحدة محوران، ومجتمع واحد فيه اتجاهات، لذلك النقطة الأولى:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)
يقول عليه الصلاة والسلام:
إِيّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَهَا الْحَالِقَةُ، لا أقول: حالقة الشعر ولكن أقول: حالقة الدين
ينتهي الدين بفساد ذات البين، إذاً النبي عليه الصلاة والسلام أول شيء أصلح ذات البين، أصلح ما بين المسلمين، لما نزل النبي عليه الصلاة والسلام على بني عمرو بن عوف، وقد كان بين الأوس والجزرج ما كان من العداوة، الأنصار أوس وخزرج، بينهم عداوة لا يعلمها إلا الله، أول عمل فعله النبي أنه أزال العداوة بين الأوس والخزرج، لأن المجتمع المنشق على نفسه ينتهي، احفظوا هذه القاعدة، إذا كان في بيتك انشقاق انتهى البيت، صار الوقت كله للصراع الداخلي، ليس هناك إنجاز، ولا الطالب يتفوق، ولا الفتاة تتفوق، ولا الأب مرتاح، ولا الزوجة مرتاحة، فحيثما حل الشقاق حل التخلف،
لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
إِيّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ
فحينما رأى بين الأوس والخزرج من العداوة الشيء الكثير، وكانت الخزرج تخاف أن تدخل دار الأوس، الخزرجي يخاف أن يدخل دار أوسي، وكانت الأوس تخاف أن تدخل دار الخزرج، لذلك عليه الصلاة والسلام أول عمل قام به أنه ألف بين الأوس والخزرج.
الآن كدرس عملي:
كل واحد له أسرة لو كان فيها خلاف بين اثنين، بين أخوين، بين عمين، بين خالين، وجمع الأسرتين، وفق بينهما، وصار الصلح، تماسكت الأسرة، في كل مكان خلافات، نحن نريد من هذه السيرة أن تكون درسا عمليا لنا، أن نقتبس منها الدروس والعبر، ألا ندع خلافاً بين الأوس والخزرج، لذلك سمى القرآن الكريم الخلاف بين المؤمنين كفراً، كيف؟
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ)
[سورة آل عمران الآية: 101]
لأنه جاءت موجة كراهية بين الأوس والخزرج، فنزل قوله تعالى:
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ)
معنى ذلك أن الله سمى الخلاف بين المؤمنين كفراً، لذلك من مقتضيات الإيمان أن أُزيل كل خلاف في ما بين المؤمنين، أن أُجري صلاحاً بين كل المتخاصمين، هذه من دروس السيرة، أن لا يبنى مجتمع قوي يستأهل النصر إلا على أفراد مؤمنين، موحدين، زكوا أنفسهم، وطلبوا العلم، ودعوا إلى الله وصبروا على قضائه وقدره.
إذاً الدرس الأول: إزالة الخلافات الفردية، هذا من أولى مهمات النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة، كإسقاط لهذه الحقيقة على مجتمعنا يجب أن تعاهد نفسك، أن توفق بين كل متخاصمين، وأن تزيل خلافاً بين كل شخصين، على مستوى أسرة، على مستوى عائلة، على مستوى حي، على مستوى أصدقاء، جيران، حرفة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار
[أخرجه الترمذي عن ابن عباس]
عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد
[أخرجه أحمد، والترمذي والحاكم، عن عمر]
فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية
[رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ عن أبي الدرداء]
أنا تعقيبي على أن النبي عليه الصلاة والسلام أصلح ذات البين، لأنه لن تقوم لنا قائمة وبيننا خلافات شديدة تفرق وحدتنا، وتمزق جمعنا، ولنقتدِ برسول الله، ولو على مستوى بسيط.
إذاً أول مرحلة فعلها النبي عليه الصلاة والسلام إصلاح ذات البين، بين قبيلتين كبيرتين في المدينة المنورة، الأوس والخزرج، ونحن لا نستطيع أن نواجه عدواً قوياً معه العالم كله إلا بمجتمع إسلامي متماسك، إذاً ينبغي علينا بادئ ذي بدء أن نصلح ذات البين، بين أطياف المجتمع، وشرائح المجتمع، وعناصر المجتمع، هذا الذي فعله النبي بادئ ذي بدء.
الآن يعبرون عن هذا الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة تحت عنوان إسلامي: إصلاح ذات البين يعبرون عنه بالمصطلح الحديث بالمصالحة الوطنية، هذا لا بد منه كي نواجه عدواً متغطرساً، قوياً جباراً، بطاشاً لا يرحم طفلاً، ولا امرأة، ولا يبقي على منشأة، وهذا ما ترونه وتسمعونه.
رابعاً: المساواة بين الناس:
وعدم التمييز بين أفراد وجماعات، كيف؟ لا بد من المساواة بين الناس.
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
[سورة الحجرات الآية: 13]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كلكم بنو آدم وآدم من تراب
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ورواه الترمذي ابن عمر]
الناس سواسية كأسنان المشط
[أخرجه الديلمي عن سهل بن سعد]
ما لم يعتمد في المجتمع مقاييس كمقياس العلم والعمل فقط، يرجح الإنسان في بمجتمع المسلمين بعلمه أولاً، وبعمله ثانياً، أما قضايا النسب، وقضايا القوة، والوسامة والذكاء، والغنى هذه قيم ينبغي ألا تعتمد في مجتمع يريد أن يكون قوياً.
يروى أن بعض التابعين وهو الأحنف بن القيس كان قصير القامة، أسمر اللون أحنف الرجل، في عرج، مائل الذقن، ناتئ الوجنتين، غائر العينين، لم يكن شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيما غضب، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه.
أو شيء فعله النبي لإنشاء مجتمع قوي إصلاح ذات البين.
الشيء الثاني أرسى المساواة بين أفراد المؤمنين، من دون استثناء، ونعبر عن هذا الإرساء بأنه يوم خرج النبي عليه الصلاة والسلام من قباء باتجاه المدينة وقف الأنصار داراً بعد دار، عشيرةً بعد عشيرة، يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم
فكان يقول لهم:
دعوها، فإنها مأمورة
أيّ ناقته، لو نزل بأيّ مكان، بأيّ بيت، بأيّ عشيرة، بأيّ قوم ميزهم بلا مرجح، وجعل الطرف الآخر أصغر من هؤلاء الذين نزل عندهم.
حينما تخص ابناً ولا تخص أخاه فقد ميزت الأول على الثاني، أما القرعة فما فيها تمييز، حاول أن تكون عادلاً بين أولادك، وإذا اقتضى الأمر أن تختار واحدا منهم فليكن بالقرعة.
ما عاشر النبي واحد إلا وهو يظن أنه أقرب الناس إليه، كل واحد ممن التقى مع النبي صلى الله عليه وسلم يظن أنه أقرب الناس إليه، أما مجتمع إنسان من الدرجة الأولى ، وإنسان من الدرجة الثانية، إنسان من الدرجة الثالثة، والرابعة، والخامسة، الذي ما يعانيه العالم اليوم ما يسميه العنصرية، فما العنصرية؟.
أنا أرى أن البشر يمكن أن يصنفوا تصنيفين، لا ثالث لهما، تصنيف إنساني وتصنيف عنصري، من هو العنصري؟ هو الذي يرى نفسه متميزاً على من حوله، يحق له ما لا يحق لهم، وهو معفى مما يجب عليهم، ينبغي أن يأكل وحده، وأن يسكن وحده، وأن يستمتع بالحياة وحده، وأن يشتري من الأشياء الثمينة ما يحلو له وحده، وأن يبني مجده على أنقض الآخرين، وأن يبني غناه على فقرهم، وأن يبني حياته على موتهم، وأن يبني أمنه على موتهم، وأن يبني عزه على ذلهم، هذا عنصري.
الذي نعانيه من الغرب العنصرية، يعاملون شعوبهم معاملة تفوق حد الخيال، ويعاملون بقية الشعوب معاملة تترفع عنها الوحوش، يستخدمون أسلحة الدمار الشامل لإفناء البشر، وإبقاء الحجر، لذلك لا يمكن أن تنهض أمة بأناس من طبقتين: قوي وضعيف، لا بد من أن يكون الناس سواسية كأسنان المشط.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى
[رواه الطبراني عن ابي سعد]
وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
[مُتَّفَقٌ عَلَيه]
هذا مجتمع العدل والسواسية، بهذا نقوى على أعدائنا، بهذا نواجههم، بهذا نقف صفاً واحداً، بهذا لا نخترق من قبلهم.
دعوها، فإنها مأمورة
حتى بركت عند المربد، وفي ذلك احترام للجميع وإصرار على عدم التمييز بينهم، وإذا كان نزوله في دار أبي أيوب الأنصاري فليس في ذلك إحراج أو تمييز، لأن داره أقرب دار لمبرك الناقة، سواسية، إصلاح ذات البين، ثم مجتمع المساواة.
أضرب لكم بعض الأمثلة: عندك في المحل التجاري شاب يعمل عندك، ابنك تريده طبيباً، تضعه في أغلى المدارس، تجلب له أمهر الأساتذة، أما هذا الذي عندك في المحل يرجوك أن يغادر المحل قبل ساعة، ليلتحق بمدرسة ليلية، لينال كفاءة، هو يتيم، فلا تسمح له، أنت عنصري، ولو صليت وصمت.
حينما تعامل الناس بطريقة فيها استعلاء، وفيها فوقية، وفيها غطرسة، حينما تريد لأولادك ما لا تسمح به لأولاد الآخرين فأنت عنصري، قد يكون المسلم في هذا الزمان عنصريا، لن يرضى الله عنا إلا إذا كنا إنسانيين.
هل من حرفة أقل في الأرض من أن تكنس؟ امرأة تقمّ المسجد، توفيت أصحاب النبي الكريم ظنوا أنها أقلّ من أن يخبروا بموتها رسول الله، فلما تفقدها قالوا: ماتت يا رسول الله، قال: هلا أعلمتموني؟ وقام إلى قبرها وصلى عليها صلاة الجنازة استثناءاً من أحكام صلاة الجنازة هي في قبرها صلى عليها.
الذي نراه في العالم من توحش، وهمجية، و*** أبرياء، وتهديم منشاءات، هذه العنصرية بعينها.
إخواننا الكرام، العنصرية ليست وجهة نظر، إنما هي جريمة، عندك بنت في البيت من احدى الدول الفقيرة تعمل كخادمة، لا تسمح لها أن تتصل بأهلها إطلاقاً، أنت عنصري، ولو ذهبت إلى المسجد، كما أنك تشتاق إلى أهلك هي تشتاق إلى أهلها، حينما تكلفها فوق طاقتها، حينما لا تعينها على مهمتها، حينما تسهرها إلى ما بعد منتصف الليل، من أجل أن تلبي حاجاتك حينما لا تعاملها كابنتك، أنت عنصري، عنصري ولو كنت مسلماً.
كنت مرة في محل تجاري، صاحب المحل يُحمّل أحد موظفي المحل الصغار أثواباً على ظهره، أول ثوب الثاني، الثالث، الرابع، قال له: لا أستطيع، قال له: أنت شاب حمل ابنه ثوباً واحداً فقال: يا بني احذر ظهرك، خاف عليه، هذا عنصري، ولو أنك تصلي وتصوم ـ دققوا ـ لا يمكن أن ننتصر على أعدائنا إذا كنا عنصريين، لأنهم عنصريون، فإذا كنا نحن عنصريين لا ننتصر، يجب أن نكون ربانين إنسانين.
لما فتح الفرنجة القدس ***وا 70 ألفاً، فلما فتح صلاح الدين القدس لم يرق قطرة دم واحدة، إنساني، مقيد بالشرع، يخاف من الله.
أيها الإخوة، العنصري إنسان يرى نفسه متميزاً على الآخرين، يحق له ما لا يحق لهم، عشرة آلاف أسير، و30 عضو مجلس شعب في فلسطين اعتقلوا، و8 وزراء، وشعب لبنان بأكمله لا يساوي جنديين أُسرا، ما اسم هذا؟ عشرة آلاف أسير، و8 وزراء، و30 عضو مجلس برلمان، وشعب لبنان بأكمله، لا يساوون جنديين أُسرا؟! هذه عنصرية، الإنسان إما أن يكون متصلاً بالله فهو إنساني، وإما أن يكون منقطعاً عنه فهو عنصري.
بعض الخادمات ينتحرن أحياناً من قسوة المرأة في البيت، تلقي بنفسها من الطابق الرابع فتموت، لا تحتمل قسوتها، الضرب، والإيلام، عنصرية، ولو صلّت وصامت، وسوف يعاقبها الله عقاباً شديداً.
المؤمن إنساني، يعامل الناس كما يجب أن يعاملوه، يرحم الغريب والقريب، يرحم الآخرين كما يرحم أولاده.
نزوة صغيرة في ساعة غضب، والصحابة ليسوا معصومين،
قال بعض الصحابة لبلال:
يا ابن السوداء
بلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فقال لهذا الصحابي الجليل القرشي:
إنك امرؤ فيك جاهلية
[أبو داود عن أبي ذر]
فلم يرضَ هذا الصحابي بعد أن سمع هذا من رسول الله إلا أن وضع رأسه على الأرض، وأمر بلالاً أن يضع قدمه فوق رأسه، هذا هو الإسلام.
أنت مدير مؤسسة، عندك حاجب، إن لم تعامل هذا الحاجب كما تعامل أكبر موظف فلست مؤمنا، الإنسان عند الله مكرم.
لذلك أنا أقول دائماً: المرض الأول في العالم الآن، كيف عندنا أمراض في الجسم كالورم الخبيث، أمراض عضالة، العالم كله الخمس قارات يعاني مرضا عضالا، ما هذا المرض؟ العنصرية، من هو العنصري؟ هو الذي يرى نفه فوق البشر، يرى أن البشر في خدمته، وأن لحياته قيمة، وليس لحياتهم قيمة، وأن وقته ثمين، وليس وقتهم ثميناً وأنه معفى مما يجب على غيره، وأنه يحق له ما لا يحق لغيره، وأنه يبني مجده على أنقاض الآخرين، ويبني غناه على فقرهم، ويبني حياته على موتهم، ويبني أمنه على خوفهم، ويبني عزه على ذلهم.
إذاً المساواة بين الناس بند إسلامي.

محمد رافع 52 25-11-2012 12:07 AM

خامساً: راعى النبي صلى الله عليه وسلم الظروف الاجتماعية:
راعى النبي صلى الله عليه وسلم الظروف الاجتماعية، لكل أسرة حينما استقبلوا المهاجرين، فالمهاجرون الشباب الذين لم يتزوجوا نزلوا على سعد بن خثيمة، وكان عزباً، لا زوجة له، وسميت داره باسم دار الأعزاب، ونزل المهاجرون مع زوجاتهم وأولادهم على الأنصار أصحاب الأهل والسعة في المسكن والرزق.
أيها الإخوة، الآن النبي عليه الصلاة والسلام يبني المجتمع، صلاح الدين الأيوبي كيف انتصر على الفرنجة؟ بين بدء أخذه بالأسباب وانتصاره خمسون عاما، أنشأ مجتمعا مسلما، بدأ بالتعليم، علم منهج الله عز وجل، حمل الناس على طاعة الله، ألغى كل المنكرات.
فلذلك أيها الإخوة، النبي عليه الصلاة والسلام أنشأ مجتمعاً ما فيه خلافات، مجتمعاً تحكمه قيم واحدة.

لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
هذا المجتمع هو الذي صار قوياً وحقق النصر على أعتا قوة في الجزيرة العربية.
سادساً: جمع الشمل:
الآن هناك شيء اسمه جمع الشمل، بلاد كثيرة إسلامية لا تقبل موظفاً من بلد آخر إلا وحده من دون زوجته، سنة بأكملها هو يعاني بُعده عن زوجته، وهي تعاني بُعدها عن زوجها، فإذا كان هو أو هي ضعيف الإيمان أخطأ، وأخطأت، ووقعت الفاحشة، لبُعده عن زوجته.
بينما النبي عليه الصلاة والسلام حينما بنى مجتمع المدينة جمع شمل الأسر، ماذا فعل؟ أرسل النبي عليه الصلاة والسلام وهو في بيت أبي أيوب زيد بن حارثة، وأبا رافعة إلى مكة، وأعطاهما 500 درهم وبعيرين ليأتيا بمن بقي في مكة منهم عائشة بنت أبي بكر، وأختها أسماء زوجة الزبير وهي حامل، فولدت عبد الله بن الزبير في قباء، لشدة متاعب الهجرة، ثم قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، فكان عبد الله بن الزبير أول مولود ولد في الإسلام في المدينة.

سابعاً: المؤاخاة:
الشيء الأكبر من أسس هذا المجتمع المؤاخاة،
لأن الله عز وجل يقول:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
[سورة الحجرات الآية: 10]
وما لم يكن انتماءك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ
[رواه الترمذي عن أبي هريرة]
المسلم في أي مكان، وفي أي زمان أخو المسلم.
والإسلام أيها الإخوة خاصة، والدين عامة حاجة الإنسان إليه كحاجته للهواء، والهواء لا يستطيع أحد أن يحتكره، الماء يحتكر، الأرض تحتكر، المحل يحتكر، أما الهواء فلا يحتكر، لذلك حاجة الإنسان إلى الدين كحاجته إلى الهواء، والهواء لا يحتكر، لا يمكن أن يحتكره قوم، ولا بلد، ولا إقليم، ولا طائفة، ولا مذهب، الدين كالهواء.
فلذلك كل من يتوهم أن وحده على حق، وما سواه على باطل من دون دليل، من استقصاء فهو واهم، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام بدأ ببناء المجتمع الإسلامي عن طريق المؤاخاة، فما لم تشعر بأخوتك لهذا المؤمن، وما لم تشعر أن هذا المؤمن أقرب الناس إليك، وأحب الناس إليك، ما لم يكن انتماءك للمؤمنين فلست كامل الإيمان.
أما حينما نرى أن المؤمنين بعضهم يتهم بعضاً، بعضهم ينتقص من بعض ، بعضهم يشتم بعضاً، بعضهم يقاتل بعضاً، هذه وصمة عار بحق المسلمين،

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً، نِصفهم من المهاجرين، ونِصفهم الآخر من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، يتوارثون بعد الموت، دون ذوي الأرحام، إلى حين غزوة بدر، في رمضان من السنة الثانية للهجرة،
فلما أنزل الله عز وجل قوله:

(وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)
[سورة الأحزاب الآية: 6]
رُد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوّة، ففي بداية الإسلام كان هناك أسر بعض الأبناء فيها مسلم، وبعض الأبناء مشرك، لذلك شاءت حكمة الله أن يكون التوارث بين الإخوة المؤمنين، ولكن بعد حين:
(وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)
رُد التوارث إلى الرحم دون عقد الإخوة.
وكانت المؤاخاة في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة، أي بعد الهجرة بخمسة أشهر.

محمد رافع 52 25-11-2012 12:12 AM

1. من أغراض المواخاة:
أ‌. ذهاب وحشة الغربة:
إذاً: ورد في بعض كتب السيرة أن الغرض من المؤاخاة ذهاب وحشة الغربة وصدقوا أيها الإخوة، أننا في غربة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَيَرْجِعُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي
[الترمذي عن عمرو بن عوف بن زيد]
ما لم تشعر بالغربة ففي إيمانك خلل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المسلم في آخر الزمان غريب، القابض على دينه كالقابض على الجمر أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أن منهم؟ قالوا: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون
[ورد في الأثر]
فما لم تشعر بالغربة ففي الإيمان خلل.
إذاً: الغرض من المؤاخاة ذاهب وحشة الغربة، ولا سيما بعد مفارقة الأهل والعشيرة.

ب‌. شد أزر المؤمنين بعضهم ببعض:
ومن أغراض المؤاخاة شد أزر المؤمنين بعضهم ببعض، فلما أعز الله الإسلام، وجمع الشمل، وذهبت الوحشة، بطل التوارث، ورجع كل إنسان إلى نسبه ولذي رحمه.
في أيام الضيق، في أيام الشدة، في أيام الفتن، في أيام الطرقات مليئة بالنساء الكاسيات العاريات، في زمن الفضائيات، في زمن الانترنيت، في زمن ال*****ة، ما من إنسان تألفه، وتأنس به، ويأنس بك، كالأخ في الله،
لذلك ورد في بعض الآثار القدسية:

حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، المتحابون فيّ، على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء



[رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت]
وقد علمنا عليه الصلاة والسلام أنك إذا أحببت أخاً في الله أعلمه أنك تحبه،
قل له: إني أحبك في الله، ينبغي أن يقول لك: أحبك الله كما أحببتني،
والحب أحد أركان الحياة النفسية، الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، فإذا أحببت أخاً في الله كان هذا الأخ لك معيناً، ورفيقاً، وناصحاً، ومحباً.

ت‌. حاجة الأنصار إلى التفقه في الدين:
الآن للمؤاخاة أهداف أبعد، وأشمل من مجرد التوارث للأسباب التالية: حاجة الأنصار إلى التفقه في الدين.
أحياناً أنت آخيت أخًا حديث عهد بالمسجد، وأنت لك في المسجد سنوات طويلة، تلقيت علماً غزيراً، عندك فضل علم، فإذا آخيت إنسانا مبتدئا، أعطيته من علمك، تدارست معه القرآن، تحاورت معه في الفقه، علمته ما في بعض السيرة، بينت له الأمور التي تعلمتها.
إذاً المؤاخاة لها هدف آخر،
لذلك قال الله تعالى:

(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ)
[سورة سبأ الآية: 46]
إذا جلست مع أخيك فتحاور حول هذا الدين، حول هذا النبي الكريم، حول سنته حول عظمة الإسلام.
مرة حضر أمام النبي عليه الصلاة والسلام رجل تكلم فألحن، أخطأ، فقال:

أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل
النبي عليه الصلاة والسلام علم أصحابه سنوات طويلة، الآن جاء إلى المدينة والأنصار لا يعلمون شيئاً، يحبون النبي عليه الصلاة والسلام، لكن علمهم قليل، بهذه المؤاخاة جعل السابقين بالعلم يمنحون إخوانهم الأنصار العلم الذي تعلموه من رسول الله.
إذاً أحد أسباب المؤاخاة، وهذا من بناء الرسول عليه الصلاة والسلام حاجة الأنصار إلى التفقه في الدين.

ث‌. القدوة الصالحة:
شيء آخر، الدين يؤخذ بالقدوة الصالحة، القدوة الصالحة حقيقة مع البرهان عليها، والإسلام لا يعيش إلا بالمثل، الإسلام لا ينمو وهو في الكتب، ينمو بمسلم تراه عينك ،
لذلك كما أن الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي،
ونحن الآن في أمسِّ الحاجة إلى مسلم يمشي على قدمين، ينبغي أن ترى أمانته، وأن ترى صدقه، وأن ترى عفافه، وأن ترى محبته، وأن ترى إنصافه، وأن ترى غناه عما سوى الله.
إذاً الحاجة إلى التفقه في الدين، والدين يؤخذ بالقدوة الصالحة، وقد مضى العهد المكي، وما فيه من قرآن منزل وجهاد دعوي، وصبر على الأذى، وهجرة وصحبة، وتربية نبوية، لا يحمله يوم الهجرة إلى هؤلاء المهاجرين إلا إخوانهم الأنصار، وليس من الممكن أن يعاود رسول الله صلى الله عليه وسلم لينقل إليهم أفراد وجماعات تلك العلوم التي عاشوها.
أيها الإخوة، لكن من الضروري أن يتم توزيع المهاجرين على عشائر الأنصار يعيشون معهم حياتهم بكل تفاصيلها، ليتمكنوا من صناعة القدوة الحسنة، والوحدة التربوية النبوية بين الجميع، ولا يمكن تحقيق ذلك بغير العيش المشترك الذي يتجاوز المصاعب التي تفرضها مشكلات السكن والعمل والصحبة، فبالمؤاخاة أصبح المهاجر أخاً لا يبعده عن أخيه الأنصاري العادات والتقاليد الاجتماعية، والدراسية وغيرها.
إذاً كما أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه المهاجرين بالأنصار أصحابه الجدد، ينبغي أن القوي يؤاخي الضعيف، والغني يؤاخي الفقير.

ج‌. تحقيق التكامل، والتكافل، والتعاون الاجتماعي:
تحقيق التكامل، والتكافل، والتعاون الاجتماعي في جميع الأحوال والمجالات، فالفرائض الإسلامية من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج نقوم بها جميعاً، والذي يشكل بمجموعه غاية المؤاخاة، الصلاة واحدة، والملك والخفير يصليان جنياً إلى جنب في المسجد، في الحج الخفير يطوف، والملك يطوف، والخفير يسعى، والملك يسعى، في مناسب الحج لا فرق بين أمير وخفير، ولا بين قوي ولا ضعيف، ولا بين غني وفقير.
لذلك العبادات كالصلاة، والصوم، والحج، مطبق على الجميع، من دون استثناء، ليس هناك مسعى خاص للكبراء، بالسلك الدبلوماسي، ولا طواف خاص لعلية القوم، مناسك الحج والعمرة، والصيام، والصلاة واحدة لدى الجميع.
لذلك…. أن يكون كل واحد من المؤمنين عوناً وسنداً للآخر، فمن للمهاجرين غير الأنصار، يسكنون إليهم، ويشاركونهم حياتهم، ومأكلهم، ومشربهم، وآلامهم وأفراحهم، وجهادهم، والذود عن حياضهم، ومن للأنصار غير المهاجرين يعلمونه الدين، ويفقهونهم فيه، ويقرئونهم القرآن؟ أرأيت إلى هذه المصالح المتكاملة، أروع التكامل المضاربة.
لو فرضنا إنسانا معه مال، وهو متقدم في السن، ولا يحسن استثماره، لو أن شاباً مهندساً زراعياً مثلاً، طاقة كبيرة جداً، طاقة كبيرة ومثقفة، لكن ما معه مال، فعملوا مشروعاً، الأرباح مناصفة، هذا بماله، وهذا بجهده، المؤاخاة لها معنى واسع جداً، حتى شركات التجارة مؤاخاة، واحد بماله وواحد بجهده.
لذلك أيها الإخوة، من حكم المؤاخاة تكامل الأنصار والمهاجرين، أما صور هذه المؤاخاة فتبين السمو الذي بلغه الأنصار والسمو الذي بلغه المهاجرون، نذكر منها:

محمد رافع 52 25-11-2012 12:18 AM

2. صور من الأخوة الصادقة بين الصحابة:
أ‌. بين سعد بن الريع وعبد الرحمن بن عوف:
تميل النفس الإنسانية المهذبة المزكاة إلى المحبة الصادقة، والتضحية والإيثار، فكيف وقد عظم الإسلام مكانة المتحابين بالله، وعلى هذا الشعور الديني تقدم الأنصاري سعد بن الربيع إلى أخيه في الله عبد الرحمن بن عوف، فقال، الآن عندنا أنصاري، اسمه سعد بن الربيع، ومهاجر اسمه عبد الرحمن بن عوف،
قال:

إني أكثر الأنصار مالاً، أقسم لك مالي نصفين
عندي بستانان خذ أحدهما، عندي بيتان خذ أحدهما، عندي دكانان خذ أحدهما،
قال عبد الرحمن بن عوف:

بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق
ما هؤلاء الأصحاب الذين رباهم النبي عليه الصلاة والسلام؟ الأنصار أسخياء، والمهاجرون أعفّة.
الآن الغني الغنى الفاحش إذا استطاع أن يعالج في مستشفى مجاناً من حق الفقير لا يقصر، الأنصاري بذل نصف ماله، والمهاجر تعفف عن المال، بارك الله لك في مالك ولكني دلني على السوق.
دلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل أقط وسمن، ثم تابع الغدو الأقط لبن مجفف، وسمن، أرباحه كانت غذاء،
تابع الغدو إلى السوق، ثم جاء يوماً وبه أثر صفرة، و الصفرة طيب لونه أصفر،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

ما الأمر؟
قال له:
يا رسول الله تزوجت
دخل للسوق، وباع واشترى، وجمع مالا، وتزوج.
إخواننا الكرام، ما فتح أحد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

مَنْ دَخَلَ عَلَى غَنِيٍّ فَتَضَعْضَعَ لَهُ ذَهَبَ ثُلْثَا دِيِنِه
[رواه الطبراني، ورواه أبو الشيخ عن أبي الدرداء]
الشيء الذي يلفت النظر أنه كما أن الأنصاري سخي المهاجر عفيف، ما قبل أن يأخذ شيئاً، عرض عليه بيتاً، ودكاناً، وبستاناً،
قال له:

بارك الله لك بمالك دلني على السوق، تاجر وربح الإقط والسمن، ثم تاجر فتزوج
فلما رآه النبي عليه أثر صفرة قال له:
ما الأمر؟
قال:
تزوجت يا رسول الله
قال:
كم سقت إليها؟
ما المهر؟
قال:

نواة من ذهب
يعني بحجم نواة ذهباً، أو وزن نواة من الذهب،
قال النبي صلى الله عليه وسلم:

أَوْلِم ولو بشاة
لذلك من السنة أن يكون في حفل عقد القران وليمة وطعام.
ب‌. مشاركة الأنصار مع المهاجرين في أشجار النخيل:
الأنصار مثل آخر من أمثلة المؤاخاة:
قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم

اقسم بيننا وبينهم النخل
الأنصار اقترحوا أن يكون نخل المدينة مشاركة مع إخوانهم المهاجرين،
قالوا: لا، قال: تكفوننا المئونة، وتشاركوننا في التمر
الأنصاري عرض أن يتملك المهاجر نصف أشجار النخيل، قال: لا، نحن نعتني بهذه الأشجار بجهدنا، أعطونا بعض الثمار، ولتبق الأشجار لكم، أرأيتم إلى هذه العفة؟! هذه مضاربة، وهذه أفضل شركة في الإسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام، هو بجهده والسيدة خديجة بمالها، ولعل أمانته، وعفته كانت سبب زواجه منها.
قالوا: تكفوننا المئونة، وتشاركوننا في التمر، قالوا: سمعنا وأطعنا
وهذا يشبه شركات المضاربة اليوم، العامل بعمله، والمالك بماله،
وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة أخوين، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال، نزل أبو بكر الصديق في المدينة على خارجة بن يزيد، ابن أبي زهير، وتزوج ابنته حبيبة، ولم يزل في بني حارث ابن الخزرج بالصلح حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وخارجة بن زيد أخوين.
أنا أتمنى أن تترجم هذه الحقائق إلى سلوك عندكم، إلى مؤاخاة، تعلمنا شيئا جديدا، الذي معه مال، ولم يحسن استثماره ليؤاخ إنساناً خبيراً ليس معه مال، الغني يؤاخي الفقير، والقوي يؤاخي الضعيف، وصاحب الحرفة يؤاخي إنسانا لا يتقن هذه الحرفة، وبهذا تتكامل حياة المسلمين.

3. ملاحظات حول عقد الإخاء:
أ‌. عدد المهاجرين والأنصار الذين آخى بينهم الرسول عليه الصلاة والسلام:
إن عقد المؤاخاة اشتمل على 45 رجلاً من المهاجرين، و45 من الأنصار، تصور 90 رجلا، والمسلمون اليوم مليار و500 مليون.
قال الله تعالى في القرآن الكريم:

(مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)
[سورة إبراهيم]
أنت قد لا تعلم الخير الكثير الذي ينتج عن دعوتك إلى الله، قد لا تعلم، وأنت ضعيف، لكن الله عز وجل يمكن أن يجري على يديك من الأعمال الصالحة ما لم يوصف.
للتقريب: أحد الإخوة الكرام عنده بنت في البيت فاعتنى بها، اعتنى بدينها، بصلاتها بإيمانها، بأخلاقها، حتى زوجها من شاب مؤمن، هذه الأسرة أنجبت أولاداً نشؤوا في طاعة الله، نشؤوا في بيت مسلم، من يدريك أيها الأخ أن هذا الذي توجه إلى الله، وتزوج امرأة صالحة، وأنجب أولاداً صالحين أن هذا يوم القيامة يرى من نسله مليون إنسان مؤمن، وكل أعمالهم في صحيفته؟ والدليل:
قال الله تعالى في القرآن الكريم:

(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)
[سورة الطور]
45 رجلا نتج عنهم مجتمع من مليار و500 مليون، هذا الذي وصل بالإسلام إلى الصين، كل من أسلم في هذا البلد في صحيفته، والذي وصل بالإسلام إلى الغرب وشمالي إفريقيا.
لذلك كل ما عملت عملاً كهذا العمل في صحيفتك، هذا على موضوع أن الـ45 بـ 45 أصبحوا مليار و500 مليون.
ثم ينبغي أن نعلم أنه لن تقتصر المؤاخاة على مهاجرين قريش وعلى عقد المؤاخاة في دار أنس فقط، إنما ستستمر .

ب‌. من كمال المؤاخاة أن لا تكون بين متماثلين :
من كمال المؤاخاة لا أن تكون بين متماثلين، أن تكون بين إنسان له أسبقية، إنسان حديث، فالذي له أسبقية يعلم المبتدئ، وقد تكون بين غني وفقير، فالغني يرعى الفقير، وبين قوي وضعيف، وبين صحيح ومريض، وبين متزوج وشاب على طريق الزواج، يعطيه خبراته، افعل، لا تفعل، إياك أن تقول هذه الكلمة، عامل أهل زوجتك هكذا.
فلذلك المؤاخاة ليست مجرد لقاء اثنين، بل التعاون بين اثنين، فإذا كان هناك تفاوت بينهما كان هذا التعاون مثمرا، هكذا تخطيط النبي عليه الصلاة والسلام.
كان عليه الصلاة والسلام إذا أسلم رجل يقول لأصحابه:

خذوا أخاكم، فقد أسلم، فعلموه الإسلام
ت‌. المؤاخاة في الإسلام مدرسة تربوية:
أيها الإخوة، المؤاخاة في الإسلام مدرسة تربوية، وعهد دائم يلتزم به المسلم مدى الزمن، وتفقد بعضهم بعضاً، وما من شيء أحب إلى الإنسان من أخ في الله، الأخ في الله غالٍ جداً، الأخ في الله نوع متميز، يأخذ بيدك، وتأخذ بيده، ينصحك وتنصحه، يعاونك وتعاونه، يقرضك وتقرضه، يخدمك وتخدمه، من هنا قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه:
والشهداءحقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، المتحابون فيّ، على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون



[أخرجه أحمد، والطبراني، والحاكم، عن عبادة بن الصامت]
ث‌. حاجة المسلمين اليوم إلى الحب في الله:
ونحن أيها الإخوة، كمسلمين بحاجة إلى المحبة، مع مضي الأزمان قسا القلب، صار فينا خصومات، ومهاترات، وتراشق تهم، وعلاقات غير طيبة،
لذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم:

(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
[سورة الأنفال الآية: 46]
نحن بحاجة إلى أن نحب.
أيها الإخوة، ماذا أقول لكم؟:
صحابيان صليا العشاء معاً في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وخرجا معاً إلى البيت، عند افتراقهما تعانقا، التقيا في الفجر، سبع ساعات، أربع ساعات، خمس ساعات، فتعانقا، وقال الأول للآخر: واشوقاه يا أخي، ما هذه المحبة؟! البارحة الساعة العاشرة كنت معه، صباحاً الساعة الثالثة والنصف تقول له: وا شوقاه يا أخي؟! هذا الإسلام، هذا الحب، الإسلام محبة، الإسلام تواضع، الإسلام تضحية، الإسلام إيثار، حتى يحبا الله.
فلذلك الذي لا يشعر بحاجة ماسة إلى أن يُحِب، أو إلى أن يُحَب ليس من بني البشر، الحب يشبه وردة طبيعية فواحة الرائحة، جميلة الألوان، والإسلام من دون حب وردة بلاستيك، لا طعم لها، إذا ألغي الحب من الدين الدين تصحر، وصار معلومات وأدلة، وأفكارا، الإنسان بعد هذا يمل منها، الأفكار نفسها، أما إذا كان هناك حب فهناك طاقة.
والله أيها الإخوة، أحياناً يجلس مؤمن مع أخ عشر ساعات لا يشعرون بالوقت، والله الذي لا إله إلا هو مرة سافرت إلى بلد في الشمال لي أخوة كُثر فيه، والله الذي لا إله هو بدأت الحديث الساعة الخامسة مساء، أول مرة نظرت إلى الساعة، فإذا هي الساعة الواحدة ليلاً، ما شعرت بالوقت، لوجود المحبة، والمودة، والتناصح، والإقبال، نحن حياتنا متصحرة، حسد، غيرة، ليس هناك هذا الحب بيننا، هذا من أسباب ضعفنا.
يجب أن تدافع عن أخيك، يجب أن تخبره من حين لآخر: أين أنت؟ اشتقنا لك، نحن قلقون عليك، الصحة طيبة إن شاء الله، تنعشه بهذا الاتصال.

4. إسقاط مبدأ المؤاخاة على مجتمع المسلمين اليوم:
ألسنا نحن بحاجة إلى هذه المؤاخاة؟ لست وحدك في الحياة، أنت للكل، والكل لك، لست وحدك في الحياة، الحياة بالأخوة الإيمانية لا تبدو قاسية، والحياة مع الأخوة الإيمانية تبدو مسعدة، وما من إنسان أغلى على المؤمن من أخ له في الله، تنصحه وينصحك، تعينه ويعينك، تتفقده ويتفقدك، تعاونه في معضلات حياته ويعاونك.
أ‌. الصورة الأولى للمؤاخاة اليوم:
إذاً: لو أنّ كل واحد منا اتخذ أحد الإخوة أخاً له، وصافحه، وقال: أنا فلان، وأنت أخي في الله، هذا هاتفي، وهذا عنواني، وهنا بيتي، وأنشدك الله إن كنت مضطراً لشيء فأنا في خدمتك، وأعاهدك أنني إذا اضطررت إلى مساعدة سوف أطلب منك، فهذا جيد جداً، وإذا آخى اثنين، أو آخى ثلاثة فهو أفضل، وإذا آخى خمسة وتفقدهم، ما الذي يحصل أيها الإخوة؟
لذلك لو أن واحد منا آخى أخاً، وتعاهدا على أن يتناصحا، تعاهدا على أن يتفقد كل منهما الآخر، والأخ الثاني أفضل، والثالث أفضل، والرابع أفضل، لو أنك آخيت خمسة أشخاص لكانت الحياة جنة.

ب‌. الصورة الثانية للمؤاخاة اليوم:
المشروع الثاني: ما الذي يمنع إذا كنتم خمسة في حي واحد، أو في حرفة واحدة، أو في قاسم مشترك واحد، أو في قرابة واحدة، أحياناً القرابة تجمع، أحياناً السكن يجمع، أحياناً الحرفة تجمع، إما قرابة، أو زمالة، أو صداقة، أو جواراً، ما الذي يمنع أن نجلس كل أسبوعين، أو كل أسبوع، أو كل ثلاثة أسابيع، أو كل أربعة أسابيع، نجلس ساعة من الزمن نتحاور، نتداول، واحد منا استقى موعظة تأثر بها، فذكرها لإخوته، واحد منا حضر خطبة، تفاعل معها، فذكر مضمونها لإخوانه، قرأنا صفحة من كتاب الله، تدارسنا هذا الكتاب.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ
[رواه مسلم]
مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ إِلاَّ قامُوا عَنْ مثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً
[رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة]
الحديث في الدنيا متعب، بينما الحديث عن الله مسعد.
لذلك أيها الإخوة، لو أردنا أن نترجم إلى سلوك عملي أن كل واحد يؤاخي أخاً في الله، طبعاً لا بد من تبادل العناوين تبادل الهواتف، تبادل فكرة سريعة عن الأخ، ماذا يعمل؟ ويفضل أن يكون أقرب الناس إليه سكنا، أو إلى عملك، أو إلى قرابتك، هذا تنفيذ لمؤاخاة النبي عليه الصلاة والسلام، واحفظ هذه الكلمة: الكل لواحد، والواحد للكل، ولست وحدك في الحياة.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إن المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه
[رواه الترمذي عن أبي هريرة]
كُلّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ عرْضُهُ ومَالُهُ وَدَمُهُ
[رواه الترمذي عن أبي هريرة]
5. التطبيق العملي للمؤاخاة:
أنا أريد لهذا الدرس أن يترجم إلى واقع، كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، ينبغي أن يأخذ الواحد منكم أخاً لله، خذ اسمه، وهاتفه، وعنوانه، وعمله، الدرس الثاني أن تطمئن عليه بشكل دائم، كم تكلفك هذه؟ لا شيء، أحياناً يأتي إنسان إلى الدرس متأخر جداً، يدرك مع الشيخ صلاة العشاء، ما سمع ولا كلمة، يقول لك: والله انتعشت بهذه الصلاة، هذا معنى: الجماعة رحمة، والفرقة عذاب.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد
[أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم في المستدرك عن عمر]
وإنما يأكل الذئب القاصية
[أخرجه أحمد، وأبو داود والنسائي، وابن حبان، والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء]
اتخذ لك أخاً في الله، هذه نصيحتي تطبيقاً لهذا الدرس، كيف آخى النبي الكريم بين المهاجرين والأنصار، أنت اختر أخا، تستطيع أن تعاونه، أو يعاونك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ مودة، ابتسامة، وجه طلق، مصافحة، دعوة، ضيافة، بذل، هدية، هذا كله مودة، الهدية مودة، والدعوة مودة، والنصيحة مودة، والمعاونة مودة.
آخِ أخاً لك في الله، اسأل عن صحته، عاونه، أقول لكم كلمة ثانية: أنا أعتقد أنك لا تُشد إلى الدين بسبب أفكار الدين، أفكاره رائعة، أفكاره عميقة، أفكاره متألقة، أفكاره دقيقة، أفكاره متناسبة، متسقة، أعطاك فكرة عن الكون والحياة والإنسان، لكن الذي شدك إلى الدين مجتمع المؤمنين بصفائهم، بصدقهم، بتواضعهم بخدمتهم، لذلك الجماعة رحمة، والفرقة عذاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يد الله مع الجماعة
[أخرجه الترمذي عن ابن عباس]
عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد
وإنما يأكل الذئب القاصية

هذا الحديث أيها الإخوة أصل في العلاقات بين المؤمنين.
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ

محمد رافع 52 25-11-2012 12:21 AM

الإسلام دين اجتماعي :
إخواننا الكرام، الإسلامي اجتماعي، الصلاة صلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد بـ27 ضعفاً، الصيام جماعي، الحج جماعي، ديننا دين جماعي، والجماعة رحمة.
هناك أمثلة أيها الإخوة أمثلة كثير جداً، بعض الأمثلة:
إنسان تزوج، ودخله محدود، وبحاجة إلى ألف حاجة، أصدقاءه وإخوانه في الله اجتمعوا وقرروا، وجمعوا مبالغ من المال جيدة، وأمّنوا له كل حاجاته الثانوية، يلزمه مروحة، يلزمه برادا، يلزمه غسالة، يلزمه غازا، كلما تزوج واحد منهم الكل يعاون بعضهم، هذا مجتمع التعاون، هذا مجتمع المؤمنين.
فيا أيها الإخوة، لست وحدك في الحياة، حينما تنضوي مع مؤمنين صادقين الكل لك، وأنت للكل.
تشريعات الإسلام جميعاً قائمة على بناء المجتمع الموحد المتماسك الصالح في بناء الأسرة، وحقوق كمل من الزوج والزوجة والأولاد وغير ذلك.
الذي أتمناه عليكم أن ننطلق إلى تنفيذ هذه المؤاخاة، عندك أخ بالله، اثنان أحسن، ثلاثة أحسن، أربعة أحسن، كلما كان المؤمنون أكثر ولاءً، وتضحية، ومؤاثرة، وخدمة كانوا أقرب إلى الله عز وجل.

لا عصبية ولاقبلية ولا طائفية في الإسلام:
الإسلام أيها الإخوة بحد ذاته لا يقوم على الأسس والقواعد العصبية، والقبلية، والعشائرية، والعرقية، اسمعوا مني هذا الكلام:
لا يضاف على كلمة مسلم ولا كلمة، أية إضافة على كلمة مسلم هذا يتجه نحو التعصب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية
[أخرجه أبو داود عن جبير بن مطعم]
بعد كلمة مسلم لا يضاف ولا كلمة، لذلك الإسلام لا يقوم على أسس عصبية ولا قبلية، ولا عشائرية، ولا عرقية، لما كنا مسلمين في شتى بقاع الأرض كنا أمة واحدة، فلما قلنا: نحن عرب، قال الأتراك: ونحن أتراك، وقال الأكراد: ونحن أكراد، نطالب حكماً خاصاً، الإسلام أممي، كل من آمن بما نؤمن، وطبق ما نطبق، هو منا، ونحن منه ، له ما لنا، وعليه ما علينا.
وقد تستغربون إن ألقيت على مسامعكم أسماء علماء كبار جداً ليسوا عرباً، الإمام البخاري ليس عربياً، صلاح الدين الأيوبي ليس عربياً، ألا نفتخر به؟ الشيء الصحيح أن يكون الإسلام أممياً، لا يمنع أن تكون أنت عربيا، لا يمنع أنك منتسب لهذه الأمة، لكن من دون تعصب، من دون أن تزدري الآخرين، أو من دون أن يزدرك أحد، لذلك لا بد من وضع أسس المجتمع الجديد بعيداً عن المؤثرات والمورثات الجاهلية، وليكون هذا المجتمع الجديد مثالاً صالحاً يحتذيه المسلمون على مر العصور.
والحمد الله رب العالمين

محمد رافع 52 25-11-2012 12:25 AM

فتنة الأوس والخزرج وأنواع الاختلاف

الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة الأكارم، مع موضوع جديد من موضوعات فقه السيرة النبوية، وقد بينت لكم سابقاً كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل من مكة إلى المدينة، انتقل من قوة الحق، قوة الوحي، قوة الاستقامة، قوة الإخلاص، قوة التضحية والفداء، لكن أصحابه كانوا يُعذبون أمامه، انتقل إلى المدينة ليضيف إلى قوة الحق حق القوة، لذلك بنى مجتمعاً قوياً، أساس هذا البناء المساواة، أساس هذا البناء إزالة فساد ذات البين، أساس هذا البناء التكافل، أساس هذا البناء على الإخاء والمحبة.
ولكن حصلت نكسة طارئة عابرة في العلاقات بين الأوس والخزرج، وكيف أن الله وصف الخلافات بين المؤمنين بأنها كفر.
نكسة طارئة بين الأوس والخزرج:
ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة، أن يهودياً غاظه ما رأى من ألفة المسلمين، غاظه ما رأى من صلاح بينهم، بعد الذي كان بينهم من عداوة وبغضاء في الجاهلية.
لذلك أمر شاباً على شاكلته أن يجلس مع الأوس والخزرج، وأن يذكرهم بيوم بُعاث، يوم اقتتالهم، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوه فيه من أشعار، فتفاخر القوم نزوة جاهلية، ثم تنازعوا، الأوس والخزرج، ثم تواثب رجلان من الحيين، وتقاولا، فقال أحدهما: إن شئتم رددناها الآن جذعة، أي حامية، وغضب الفريقان، وكادت تقع الفتنة، بلغ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم غاضباً فيمن معه من المهاجرين، حتى جاءهم فقال:
يا معشر المسلمين، اللهَ الله، أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم؟ أبعد أن هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم دعوى الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدو لهم، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين
لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخصومة بالكفر، ثم إن الله جل جلاله أنزل بهذه الحادثة قرآناً فقال دققوا بكلام الله:
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ)
[سورة آل عمران]

محمد رافع 52 25-11-2012 12:31 AM

الخلاف كفر عمليٌّ:
بماذا وصف القرآن الكريم الخلاف بين المسلمين؟ بالكفر، هذا سماه علماء العقيدة: كفر دون كفر، هناك كفر يخرجك من الملة، من ملة الإسلام، وهناك كفر دونه فالخصومات بين المسلمين نوع من الكفر، لأن هذه الخصومات تضعفهم، تشتتهم، تمزقهم تجعل بأسهم بينهم، تعقيباً على هذا الموضوع الله عز وجل يقول:
(غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ)
[سورة الروم]
الله عز وجل نصر الروم، وهم أهل كتاب على الفرس وهم عباد النار، لذلك أثبت الله جل جلاله للصحابة الكرام وهم نخبة الخلق، أثبت لهم فرحهم بهذا النصر، وقد قال الله عز وجل:
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ)
فالقواسم المشتركة بين المسلمين وبين أهل الكتاب موجودة، لكن هناك تناقضات في العقيدة كبيرة جداً، بينما القواسم المشتركة بين أطياف المسلمين أكثر بكثير، فالأولى أن نفرح بنصر الله، ولا أن نهمس في آذان بعضنا بعضاً أن هذا النصر ليس لنا، هو لكل المسلمين، إذا كان أصحاب النبي رضوان الله عليهم فرحوا بنص القرآن الكريم بانتصار أهل الكتاب على ما بيننا وبينهم من اختلاف، لأنهم انتصروا على عباد النار.
أيها الإخوة، ورد في أسباب النزول أن هذه الآيات نزلت في تلك الحادثة التي كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصف الله جل جلاله النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
[سورة التوبة]
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم حرص على وحدة أمته من بعده، لأن الأعداء وضعونا جميعاً في سلة واحدة، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد، مشكلتهم كما قال بعض زعمائهم: مشكلة حياة أو موت، ونحن مشكلتنا أيضاً مشكلة حياة أو موت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْض
كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ

[رواه مسلم عن أبي هريرة]
أيها الإخوة، نتابع البينة السليمة الاجتماعية التي بناها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أؤكد لكم أن المجتمع المتماسك لا يخرق، فلذلك مجتمع المؤمنين ينبغي أن يكون متماسكاً.
أيها الإخوة، أول شيء بالبناء الاجتماعي المؤاخاة، فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين والأنصار، نحن عندنا مظاهر إسلامية صارخة، مساجد كبيرة جداً ، مؤتمرات إسلامية، مكتبات زاخرة بالكتب الإسلامية، محاضرات، دروس، لكن الحب الذي كان بين أصحاب النبي رضوان الله عليهم ليس موجوداً الآن.
أيها الإخوة، القضية النفسية الحب بين المؤمنين يجعلهم متماسكين،
قال تعالى:

(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
[سورة الأنفال الآية: 46]
الله عز وجل يبين ما ينبغي أن نكون عليه فيقول:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)
[سورة الحجرات الآية: 13]
لا لتقاتلوا،
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
[سورة الحجرات]
هذه الآية منهج، هذه الآية أحد معالم طريق النصر، المؤاخاة بين المؤمنين.
وفي آية ثانية يقول الله عز وجل:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
[سورة الحجرات الآية: 10]
صدقوا أيها الإخوة، ما لم تشعروا بانتمائكم إلى مجموع المؤمنين فلستم مؤمنين، لأن الله عز وجل يقول:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
الاختلاف المذموم والاختلاف الطبيعي:
1. الاختلاف الطبيعي لنقص المعلومات:
هناك اختلاف طبيعي، اختلاف نقص المعلومات، نحن في 29 فرضاً من رمضان، وسمعنا صوت يا ترى مدفع العيد، أم تفجير تم في الجبل لصخرة عاتية، نقص المعلومات يدفعنا إلى أن نختلف، هذا اختلاف طبيعي، لا شيء فيه، لكن بعد حين فتحنا المذياع، فإذا الخبر أنه غداً عيد الفطر السعيد، مثلاً، هذا اختلاف طبيعي، أساسه نقص المعلومات، كان الناس أمة واحدة فاختلفوا اختلاف نقص معلومات، فبعث الله النبيين ووضحوا،
لذلك قال تعالى:

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
[سورة البقرة]
2. الاختلاف المذموم: الاختلاف بعد العلم:
هذا الاختلاف قذر، اختلاف نقص المعلومات طبيعي، لا يمدح ولا يذم، شيء طبيعي جداً، لكن الاختلاف بعد العلم اختلاف هوى، واختلاف مصالح، واختلاف نفوس، واختلاف كبر.
قال الله تعالى:

(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)
[سورة آل عمران]
حسداً بينهم، اختلاف الحسد احضر أي درس علم في العالم الإسلامي تسمع فيه: قال الله عز وجل، وقال عليه الصلاة والسلام، قرآن واحد، ونبي واحد، وسنة واحد، وإله واحد، والمسلمون اليوم فرق، وطوائف، وأحزاب، وشيع، وبأسهم بينهم، ويتقاتلون أحياناً.
ما اسم الخلاف الثاني؟ خلاف البغي، هذا الخلاف القذر.

3. الاختلاف الممدوح: اختلاف التنافس:
وعندنا اختلاف محمود: اختلاف التنافس، هناك من يرى أن أعظم شيء أن تؤلف كتاباً، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تؤلف قلباً، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تبني مسجداً، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تطعم فقيراً، فالمؤمنون يختلفون في اجتهاداتهم، لكن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، لك أن تنشئ مسجداً، ولك أن تلقي درساً، ولك أن تعتلي منبراً، ولك أن تؤلف كتاباً، ولك أن تنشئ ميتماً، ولك أن تنشئ مستوصفاً، ولك أن توفق بين الناس، وأن ترأب صدعهم، وأن تجمع شملهم، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، وكل الطرق سالكة.
إذاً: عندنا اختلاف طبيعي، لا يحمد ولا يذم، اختلاف نقص المعلومات، وعندنا اختلاف البغي، والحسد، والكبر، والاستعلاء، والمصالح، والحظوظ، هذا اختلاف قذر، وعندنا اختلاف تنافس.
قال الله تعالى:

(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)
[سورة المطففين]
هذا اختلاف محمود، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أقام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، هذه المؤاخاة هي وسام شرف معلق على صدورهم.
والحمد الله رب العالمين

محمد رافع 52 26-11-2012 03:18 PM

الإسلام والتوافق بين المادية والروحانية
د عبد الله علوان

صوت الفضيلة :
من خصائص التشريع الإسلامي أنه يلائم بين المادة والروح ، يوفق بين الدنيا والآخرة ويربط بين العبادة والحياة ..
بل ينظر إلى الحياةعلى أنها وحدة متكاملة توظف الإنسان على أن يؤدي حق ربه ، وحق نفسه ، وحق غيره بكلدقة وأمانة وتساوٍ وتنسيق ؛ وبهذا يتسنى للإنسان أن يمارس الحياة الاجتماعيةالعملية بكل طاقاته وأشواقه على أسس من مباىء الإسلام توافق الفطرة ، وتتلاءم معواقعية الحياة .
فالإسلام بتشريعه المتكامل لا يقر الحرمان ، ولا الترهبن ، ولاالعزلة الاجتماعية ، وفي الوقت نفسه لا يقر الإنسان في أن ينهمك بكليته في الحياةالمادية ، وينسى ربه والدار الآخرة ؛ بل يهيب به أن يتوازن مع هذا وذاك ، وأن يعطيحق الله ، وحق نفسه ، وحق الناس .. دون أن يغلب حقاً على حق ، ودون أن يتساهل فيواجب على حساب واجب آخر .
والقرآن الكريم قد قرر هذا التوازن بين المادة والروح، وبين العبادة والحياة في كثير من آياته التي تلامس المشاعر والوجدان قبل أن تخاطبعقل الإنسان .
ففي تذكيره بأداء حق الله في العبادة في غمرة الانهماك في الأعمال الدنيوية ، والمزاولات التجارية يقول في سورة النور :
{رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوبوالأبصار} .
وفي تذكيره بأداء حق النفس والعيال في التكسب ، وابتغاء الرزق فيغمرة المناجاة الربانية ، والنفحات المسجدية ، يقول في سورة الجمعة :
{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ..} .
ومن الأصول التي وضعهاالقرآن الكريم في هذا التوافق :
ابتغاء الدار الآخرة مع الأخذ بحظوظ الدنيا : قال تعالى في سورة القصص :
{وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا..} .
الاستنكار على من يحرم على نفسه الزينة المباحة ، والطيبات منالرزق : قال تعالى في سورة الأعراف :
{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ،والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة..} .
وما ذاك إلا ليوازن الإنسان بين الدين والدنيا ، والعبادة والحياة .
ولوتأملنا مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحقيق التوافق ، ومعالجة ظاهرةالعزلة والانطوائية والتخلي عن الدنيا ؛ لازددنا يقيناً أن هذه المواقف ، وهذهالمعالجة قائمة على إدراك فطرة الإنسان ، ورامية إلى تلبية أشواقه وميوله ، حتى لايتجاوز أي فرد من أفراد المجتمع حدود فطرته ، ولا يسلك سبيلاً منحرفاً يصطدم معأشواقه ؛ بل يسير على مقتضى المنهج القويم السوي الذي رسمه الإسلام سيراً طبيعياًمتوازناً معتدلاً سوياً بلا عوج ولا شذوذ ولا التواء .
وإليكم بعض هذه المواقف :
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه : (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهمتقالوا (أي وجدوها قليلة ) ، فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفرله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟!!..
قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً !!
وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر !!
وقال آخر : أعتزل النساء فلا أتزوجأبداً !!
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني" ) .
ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاةوالسلام أنكر على عبد الله بن عمرو بن العاص حينما علم أنه قد تخلى عن الدنيا ،وعزم على نفسه أن لا ينام ، وأن لا يفطر ، وأن لا يأكل اللحم ، وأن لا يؤدي إلىأهله حقها ، فقال له عليه الصلاة والسلام ناصحاً وموجهاً ومرشداً : " إن لك في رسول الله أسوة حسنة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام ويصلي ، ويصوم ويفطر ،ويأكل اللحم ، ويؤدي إلى أهله حقوقهن . يا عبد الله بن عمرو : إن لله عليك حقاً ،وإن لنفسك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه" .
من هذه المواقف التي وقفها النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه تعطينا دليلاً قاطعاً ،وحجة بينة على أن هذا الإسلام العظيم هو دين الفطرة ، والتوازن ، والوسطيةوالاعتدال ؛ يضع الأسس الكفيلة ، والمبادىء الواقعية في بناء الشخصية الإنسانية واكتمالها وتوازنها لتنهض برسالتها ، ومهمتها في الحياة على أكمل وجه .
هذا شرع الله فأروني ماذا شرع الذين من دونه ، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون

محمد رافع 52 26-11-2012 03:19 PM

الاسلام والتوافق النفسى


يحقق منهج الاسلام أركان الصحة النفسية في بناء شخصية المسلم بتنمية هذه الصفات الأساسية :

1- قوة الصلة بالله

2- الثبات والتوازن الانفعالي

3- الصبر عند الشدائد

4- المرونة في مواجهة الواقع

5- التفاؤل وعدم اليأس

6- توافق المسلم مع نفسه

7- توافق المسلم مع الآخرين

******

1- قوة الصلة بالله:

وهي أمر أساسي في بناء المسلم في المراحل الاولى من عمره حتى تكون حياته خالية من القلق والاضطرابات النفسية .. وتتم تقوية الصلة بالله بتنفيذ ماجاء في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عباس :

"يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ , وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " رواه الترمذي
وقال: حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي زيادة "احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ ، تَعَرَّفْ إلى اللّه في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً"

*******

2- الثبات والتوازن الانفعالي :

الايمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان ويقي المسلم من عوامل القلق والخوف والاضطراب ...

قال تعالى :

" يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ "

"فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ "

"هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ"

*******

3- الصبر عند الشدائد :

يربي الاسلام في المؤمن روح الصبر عند البلاء عندما يتذكر قوله تعالى :

"وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ"

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :

"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"

*******

4- المرونة في مواجهة الواقع :

وهي من أهم مايحصن الانسان من القلق او الاضطراب حين يتدبر قوله تعالى:

"وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"

*******

5- التفاؤل وعدم اليأس :

فالمؤمن متفائل دائما لا يتطرق اليأس الى نفسه فقد قال تعالى :

"وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون"

ويطمئن الله المؤمنين بأنه دائماً معهم , اذا سألوه فإنه قريب منهم ويجيبهم اذا دعوه :

"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"

وهذه قمة الأمن النفسي للانسان .

*******

6- توافق المسلم مع نفسه :

حيث انفرد الاسلام بأن جعل سن التكليف هو سن البلوغ للمسلم وهذه السن تأتي في الغالب مبكرة عن سن الرشد الاجتماعي الذي تقرره النظم الوضعية وبذلك يبدأ المسلم حياته العملية وهو يحمل رصيداً مناسباً من الأسس النفسية السليمة التي تمكنه من التحكم والسيطرة على نزعاته وغرائزه وتمنحه درجة عالية من الرضا عن نفسه بفضل الايمان والتربية الدينية الصحيحة التي توقظ ضميره وتقوي صلته بالله .

*******

7- توافق المسلم مع الآخرين :

الحياة بين المسلمين حياة تعاون على البر والتقوى ,

والتسامح هو الطريق الذي يزيد المودة بينهم ويبعد البغضاء ,

وكظم الغيظ والعفو عن الناس دليل على تقوى الله وقوة التوازن النفسي :

"وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم"

منقول

محمد رافع 52 26-11-2012 03:30 PM

تعد مسألة المحافظة على أمن المجتمع وسلامته إحدى المسائل الأساسية والمهمة التي أولاها الإسلام عناية خاصة ومميزة، ذلك لأن الله عز وجل أراد لعباده أن تكون حياتهم آمنة مستقرة، والأمن المجتمعي يعني: أن يكون الفضاء العام للمجتمع متسمًا بالاستقرار والهدوء، مع وجود القانون الذي يعطي كل ذي حق حقه، ويعني أيضًا اختفاء كل العوامل والأسباب التي تؤدي إلى غياب الطمأنينة والسكينة عن نفوس جميع أفراد المجتمع ومختلف شرائحه.

الإسلام والأمن المجتمعي

أ.د. أمان عبدالمؤمن قحيف
الأمن المجتمعي خاصية تتصف بها المجتمعات المتحضرة والأمم المتقدمة، فأنت لا تجد أمة متخلفة علميًّا وتكنولوجيًّا تنعم بتوافر الأمن والهدوء لأفراد مجتمعاتها، تمامًا مثلما يعز عليك أن تجد أمة نجحت في ارتياد آفاق التحضر والرقي وتعاني في الوقت نفسه من غياب الأمن المجتمعي الذي يحقق السكينة لكل أفرادها، وتعد المجتمعات الأوروبية والأميركية المتقدمة وبعض المجتمعات الأفريقية المتخلفة علميًّا أوضح الأمثلة على ذلك.
ولما كانت العبادة السليمة لا تتحقق، شأنها شأن عمارة الأرض، إلا في ظل جو من الأمن المجتمعي فقد حرص الإسلام الحنيف أشد الحرص على أن يتوفر للناس أمنهم، ويتوفر لهم الجو المناسب الذي يضمن فيه الإنسان صيانة ماله وعرضه وولده من التلف أو التعرض للمخاطر.
ويتبين للمدقق في تعاليم الإسلام الحنيف وتشريعاته أنها تصب في النهاية في مصلحة أن يعيش الناس في جو من السكينة والاطمئنان النفسي والروحي، فالله تعالى عندما حرم الزنا- مثلا- أراد من ذلك ألا يحدث أي نوع من التطاول أو الاعتداء على أعراض الناس، لأن ذلك يؤدي إلى اندلاع الخلافات والمشاحنات بينهم، ويؤدي أيضًا إلى ضياع الأنساب وانتشار الأمراض المستعصية- كالإيدز- مثلًا، ذلك المرض الذي انتشر في الحضارات التي لا تعيش حياتها وفقا للتعاليم والتشريعات الدينية التي تحض على فضائل الأعمال وتؤكد القيم الأخلاقية السامية.
هكذا يتأكد لدينا أن تحريم الإسلام للفاحشة يعد هو الآخر طريقًا نحو تمهيد الفضاء المجتمعي للأمة كي تعيش في حالة من الأمن والاستقرار والتوافق بين مكونات المجتمع التي تشكل بنيته العامة.
من هذا المنطلق يتبين لنا أن الإسلام كان حريصًا على أمن المجتمع واستقراره عندما حرم الزنا، ويقاس على ذلك تحريمه للكذب، والغيبة، والنميمة، و*** النفس بغير الحق، والخداع، وسب الآخرين أو لعنهم، أو التطاول عليهم...إلخ من الأمور والمسائل التي حرمتها الشريعة الإسلامية، بهذا يكون التشريع قد جاء ليؤكد في الكثير من المواضع على حرص الإسلام الحنيف على توفير الأمن المجتمعي للناس جميعًا، الأمر الذي يفيد أن من يتطاول على الناس، أو يتسبب في ترويعهم، أو قض مضاجعهم، أو الإساءة إليهم بالقول أو الفعل، أو من يتسبب في إرهابهم وتخويفهم، كل من يفعل هذا أو يقدم عليه تتعارض سلوكاته تلك من حيث المعنى والمضمون مع ما أمرت به الشريعة وأقره الدين الحنيف.
إن الشريعة الإسلامية التي جعلت تبسم الإنسان في وجه أخيه صدقة لا يمكن أن توافق أو تبيح بحال من الأحوال لإنسان أن يتسبب في إرهاب الناس أو تخويفهم أو ترويعهم أيا ما كان هؤلاء الناس، وأيًا ما كانت مذاهبهم ومللهم وعقائدهم، لأن الله عز وجل أرسل نبيه ص رحمة للعالمين جميعًا سواء من آمن منهم به أو من لم يؤمن به، قال تعالى في محكم التنزيل: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107)، ومعلوم أن النبي ص هو المثل والقدوة والأسوة الحسنة للمسلمين، كل المسلمين، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا} (الأحزاب: 21)، من هنا كان على المؤمن أن يكون داعية خير ورسول سلام أينما كان وحيثما كان، لا فرق في ذلك بين وجوده في دار الإجابة أو في دار الدعوة، فالمؤمن لا يخيف الآخرين، ولا يرعبهم، ولا يقض مضجعهم، ولا يقلق أمنهم العام.
ولقد أراد الإسلام الحنيف من الناس أن يتعاملوا برباطة جأش وقوة إرادة مع الملمات التي قد تتعرض لها الأمم والشعوب في مراحل حياتها وتطورات تاريخها، فلا يجب الجزع، أو الهلع، أو الخوف، أو الانهيار النفسي عند حدوث طارئ ما، بما يؤثر سلبًا على حالة المجموع، ويؤدي إلى شيوع وإشاعة الرعب بين الناس، إذ يجب من الناحية الشرعية مواجهة الأمور بحزم وعزم ورباطة جأش، وهنا يشير الإسلام إلى ضرورة الاستفادة ممن يمتلك القدرة على توجيه الأمور نحو الوجهة الصحيحة والسليمة، بمعنى أنه لابد من أن يوسد الأمر إلى أهله، حتى يتمكن المجموع من النجاة من الملمات التي قد تصيب الناس على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، قال تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا} (النساء: 83).
والإسلام الذي جعل من قواعده الأساسية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينهى عن ترويع الناس، كل الناس، ذلك لأننا إذا قسمنا الأمور إلى «منكر ومعروف» فإن المرء لا يتردد للحظة واحدة في أن يضع مسألة ترويع الناس وتخويفهم ضمن المنكر الذي جاء الإسلام الحنيف لينهى كل الناس عن إتيانه أو الإقدام عليه، بل إن ديننا الحنيف جعل خيرية هذه الأمة تكمن في أمور عدة من أوائلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأكثر من ذلك أنه ذهب إلى أن شرط تحقق خيرية هذه الأمة يكمن في كونها تمارس الدعوة إلى الخير وتنهى عن المنكر والشرور، بعد إيمانها بالله تبارك وتعالى، قال عز وجل في هذا المعنى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110).
ونظرًا لتأكيد الأسلام على أهمية الأمن المجتمعي للحياة البشرية فقد جعله الله تبارك وتعالى بمنزلة إحدى المكافآت الكبرى التي يتحصل عليها المؤمنون جزاء إيمانهم بربهم والتزامهم بالمنهج السماوي في حياتهم الخاصة والعامة، أو في عباداتهم ومعاملاتهم، فالله تبارك وتعالى عندما يستخلف المؤمنين في الأرض، ويمكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم ويبدل الخوف في حياتهم أمنا، ويجعلهم يعيشون في طمأنينة وأمان، فإن ذلك كله يأتي كنتيجة لكونهم من أهل الإيمان والطاعة الخالصة الذين لا يرتدون إلى الكفر والفسوق، قال تعالى في محكم كتابة الكريم: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } (النور: 55).
من ثم فإن من يعكر صفو المجتمع بتهديد الأمن فيه يعد فاعلًا للمنكر لا محالة، وهو منفلت من تعاليم الإسلام الشرعية التي حرصت على المحافظة على حياة الناس وأموالهم وأنفسهم، ومعلوم أن تلك الأمور من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية الغراء.
ولقد اشتملت سيرة رسول الله ص على العديد من المواقف التي تؤكد حرصه ص قبل البعثة وبعدها، على أن يكون الأمن المجتمعي متحققًا في أهله وقومه إلى أبعد مدى ممكن، فالثابت من كتب السير أن الناس هرعوا في صباح يوم من الأيام على سماع أصوات وجلبة حول مكة مما حرك مخاوفهم وأزعج نفوسهم، فهرعوا الى خارج مكة يتساءلون: ما الخطب؟ واذا بهم يرون رسول الله ص قد سبقهم الى استكشاف الأمر، وعاد ليطمئنهم جميعا بأنه لا شيء يدعو للخوف ولا للهلع أو التوتر، وهذا الأمر يكشف من جهة عن شجاعته وشهامته ص ويكشف في نفس الوقت عن حرصه على ان يكون مجتمعه الذي يعيش فيه ويحيا بين جنباته آمنا مستقرًّا طوال الوقت، أما بعد بعثته فقد كان ص من أحرص الناس على إشاعة الطمأنينة في النفوس وتكريس الأمن في المجتمع، لدرجة أنه ص لم يكن يحب أو يقبل أن يحدث أي نوع من أنواع التوتر في العلاقات بين الذوات الإنسانية المفردة من بني قومه، فضلاً عن حرصه على المجتمع ككل متكامل.
ولقد حرص الرسول ص على شيوع الأمن بين الأفراد والأسر داخل بنية المجتمع الواحد حتى في أبسط الأمور، لذلك كان يأمر المسلمين بأن من أعد مرقًا فعليه أن يكثر منه ليعطي جيرانه من هذا المرق، وأكثر من توصيتهم بالجيران خيرًا، ونقل لهم أن جبريل \ مازال يوصيه بالجار حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشرع سيعطي للجار حقًا أو جزءًا من الميراث.
كل هذه مسائل كانت تهدف ضمن ما تهدف إليه إلى تحقيق درجة عالية من التآخي، والتواصل، والتعاون، والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد، تلك الأمور التي تصب في النهاية في تكريس الأمن والأمان للذوات الإنسانية المقررة، بل للمجتمع بشكل عام.
إن حرص الإسلام على استتباب الأمن يرجع إلى أمور عدة نذكر منها ما يلي:
أولًا: إن من مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على حياة الناس وأموالهم، ومعلوم أن استتباب الأمن يحافظ على الحياة والأموال، لأن افتقاد المجتمع للأمن يؤدي بالتالي إلى تعرض جميع الأنفس والممتلكات للتهلكة، والنهب، والتدمير، بهذا يأتي الحرص على الأمن المجتمعي في صدارة ما يأمر به الإسلام وما تهدف إليه مختلف القوانين الأخرى.
ثانيًا: إن الشريعة الإسلامية حريصة كل الحرص على تقليم أظافر أولئك الأفراد الذين يعيثون في الأرض فسادًا، حتى وإن ادعوا أنهم من أصحاب القلوب الطيبة والأفئدة النقية، ومعلوم أن انتشار الفساد في أي مجتمع من المجتمعات يؤدي بالضرورة إلى افتقاده للأمن، الأمر الذي يتيح لهؤلاء الأفراد الخارجين على الدين والقانون أن ينشطوا في الإفساد في الأرض، وهذا على خلاف مراد الله تبارك وتعالى في الكون، لذلك توعد الله عز وجل هذا الصنف من الناس بجهنم وبئس المصير، قال تعالى في هذا المعنى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} (البقرة: 204-206).
ثالثًا: المحافظة على إيجاد جو عام يناسب ممارسة العبادة والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، لأن كلا من العبادة والدعوة في حاجة ماسة وضرورة إلى أجواء هادئة ومستقرة، يكون من شأنها اتاحة الفرصة للدعاة إلى الله أن يمارسوا عملهم في سكينة وروية، ويسهم في مساعدتهم في الأخذ بيد الأمة نحو الالتزام بالمبادئ الدينية والقيم الأخلاقية، الأمر الذي يهيئ المجتمع كله لتلقي جزاء الله تعالى وثوابه والفوز بالسعادة لكل فرد من أفراده، لأنه إذا مارست مجموعة معينة من الناس بعض الأفعال السلبية والخاطئة فإن الأمور قد تعود بالضرر على مختلف أفراد المجتمع وجميع أبنائه، وصدق الله العظيم القائل: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} (الأنفال: 25)، فالفتن أو السلوكات الشاذة تجلب على المجتمع كله ما لا يرضاه من المسائل والأمور، على النحو الذي يحذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي جاء فيه: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا» (رواه البخاري).
رابعًا: المحافظة على إيجاد جو عام مناسب للعمل والانتاج وعمارة الأرض، فالله تبارك وتعالى كلف الإنسان بالسعي في الأرض وإعمارها لكي يأكل منها حلالًا طيبًا، قال عز وجل: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} (الملك: 15).. وغني عن البيان أن الإشارة إلى المشي في مناكب الأرض يفيد معنى الاجتهاد في الأخذ بأسباب طلب الرزق الحلال، تلك الأمور التي لا تتحقق إلا في ظل جو عام يتسم بالأمن والطمأنينة والهدوء.
ويجب أن ندرك جميعًا أن تحقيق الأمن المجتمعي ليس مسؤولية الدول والحكومات وحدها، بل هو قضية يجب أن تسهم فيها كل قطاعات الشعوب من أفراد ومؤسسات المجتمع المدني، بجانب الهيئات والمؤسسات الحكومية، ومختلف القوى والفعاليات التي يتشكل منها البناء العام للأمة والمجتمع.

محمد رافع 52 01-12-2012 11:23 AM



السماحة



فيصل بن عبدالرحمن الشدي

لك ربي الحمدأولا وآخرا ،لك ربي الحمدباطناوظاهرا،لك ربنا المحامد كلها تترى ،لك ربنا المحامد كلها سرا وجهرا،وأشهدأن لاإله إلا الله وحده لاشريك له العلي قدرا وقهرا ،وأشهدأن محمدا عبده ورسوله العلي ذكرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أزكى الأمة طهرا وسلم تسليما كثيرا.
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون) أما بعد ،
فحقا إنها لباب الإسلام وزينة الأنام ، صدقا إنها ذروة سنام الأخلاق ،وأشهر علامات الوفاق..كم فتحت به قلوب ، وكم رفعت أصحابها عند علام الغيوب .
ألا ماأحب صاحبها عند الناس ، بل وأعظم منه عند رب الناس.
بل أقولها ولا آلو ،وإن جفى الناس أو غالوا إنها وربي أفضل الإيمان وأزكاه، وأقربه وأصفاه ،وأميزه وأعلاه،وأوضحه وأجلاه ،صاحبها بالجنان كريم مثواه ، وعن النار حرام محياه.
قلت ماقلت فيها استيحاءاً من نصوص السنة ،التي رفعت شأنها وساقت فيها الفضائل والمنّة.
إنها السماحة بأجمل حلتها،إنها السماحة بأبهى صورتها،وهي ملتكم ،ونهجكم وشِرعتُكم ، وبها بعث إليكم نبيكم وحبيبكم يارب صل وسلم عليه.أما قال صلى الله عليه وسلم(بعثت إليكم بالحنيفية السمحة).
عباد الله :إن السماحة في الإسلام أكبر من مفهوم (الإنسانية) الذي رفعته مؤسسات وجمعيات جاهلية معاصرة، وخدعت به شعوباً وقبائل، إن السماحة في الإسلام ليست شعاراً براقاً يرفع في وقت دون وقت، بل هي خلق سام يتسع ويتسع حتى يتجاوز الإنسان، إلى الحيوان والنبات، قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله كتب الإحسان على كل شئ فإذا ***تم فأحسنوا ال***ة وإذا ***تم فأحسنوا الذِّبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته )) صحيح مسلم .
السماحة هي طيب في النفس عن كرم وسخاء، وهي انشراح في الصدر عن تقى ونقاء، وهي لين في الجانب عن سهولة ويسر، وهي بشاشة في الوجه عن طلاقة وبشر، هي ذلة على المؤمنين دون ضعف ومهانة، وهي صدق في التعامل دون غبن وخيانة، هي تيسير في الدعوة إلى الله دون مجاملة ومداهنة، وهي انقياد لدين الله دون تشدد ورهبنة.
بها تصفو القلوب، ويسود الوئام، ويسعد الأنام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خير الناس ذو القلب المحموم واللسان الصادق، قيل : ما القلب المحموم؟ قال : هو التقي النقي الذي لا إثم ولا بغي ولا حسد، قيل : فمن على أثره؟ قال : الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قيل : فمن على أثره قال : المؤمن في خلق حسن)) صحيح الجامع .
عباد الله، إن هذه الغـلـظـة التي نراها في تعامـل بعضنا ليست من ديننا في شئ، وإن هــذا الجفاء الذي نجده بين المسلمين هو أمر طارئ ومظهر يجب أن يختفي، إن المؤمن الحقيقي سمح مألوف، قال صلى الله عليه وسلم : (( المؤمن يألف ويُؤلف، ولا خير فيمن لا يَألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس)) صحيح الجامع ، بل إن السماحة هي من أفضل الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : (( أفضل الإيمان الصبر والسماحة)) صحيح الجامع.


ولقد كثرت أبواب السماحة ومسالكها في ديننا حثاً لنا على ثمثلها، ومنها:
أولاً : في البيع والشراء والقضاء:
قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله تعالى يحب سمح البيع، سمح الشراء سمح القضاء)) رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع.
ثانياً : السماحة في الدَّيْنِ والاقتضاء:
قال صلى الله عليه وسلم : (( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى)) رواه البخاري. وكم نحن بحاجة إلى السماحة في طلب الدَّيْنِ وإنظار المعسرين، والتجاوز عن المعوزين، حتى تدركنا رحمة الله برحمة خلقه.
ثالثاً : السماحة في قضاء حوائج الناس:
لابدَّ أن نلين لإخواننا، ونسعى لقضاء حوائجهم في تواضع وسماحة، عن أنس t فيما رواه البخاري تعليقاً قال : ((إن كانت الأَمَة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت فيمضي معها حتى يقضي حاجتها )).
رابعاً :: السماحة في تحمل الأذى:
إن الفظاظة ليست من ديننا قال تعالى : } ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك{ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( المؤمنون هينون لينون …)) السلسلة الصحيحة ، فحري بنا أن نتحمل جهل الجاهل، وفورة الغاضب، وحري بنا أن يغلب علينا خلق العفوِ والصفحِ والسماحة واللينِ .
عباد الله، ما أحوجنا إلى الخلق الجليل في زمن بلغ فيه البغض غايته، ورفع فيه الحسد رايته، ما أحوجنا إلى السهولة واليسر، والسماحة والتجاوز، حتى نعيش في هذه الدنيا بهناء، ونكون يوم القيامة سعداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من كان سهلاً ليناً هيناً حرمه الله على النار)) صحيح الجامع ، وقال : ((ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً، على كل لين قريب سهل)).
عباد الله، إن خلق السماحة ولين الجانب، ليس خلقاً يمكن أن يدعيه كل أحد، إن الادعاء سهل لكن الحقائق تكذب ذلك أو تصدقه:
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها --- بينات أصحابهـــا أدعياء


يظهر خلق السماحة عند التعامل بالدرهم والدينار، عندما تشحن النفوس بحب الدنيا وطلب المزيد، عن أبي صفوان سويد بن قيس قال جلبت أنا ومَحْرمة العبدي براً من هجر، فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم للوزان فسامه منا بسراويل، وعندي وزان يزين بالأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان : زنْ وأرجح)) رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع. فكان صلى الله عليه وسلم يعطي زيادة في ثمن السلعة تسامحاً منه وكرماً، لأن الدنيا لا تساوي عنده شيئاً .
وأما في القضاء، فقد كان صلى الله عليه وسلم نموذجاً فريداً، فعن أبي هريرة ، أن رجلاً تقاضى صلى الله عليه وسلم فاغلظ له، فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به، فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً، واشتروا له بعيراً فأعطوه إياه، قالوا لا نجد إلا أفضل من سنه، قال اشتروا فأعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء)) رواه مسلم .
بهذه الأخلاق كان الرجل لا يكاد يعامل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويسلم إن كان كافراً، أو يزيد إيمانه إن كان مسلماً، إننا يجب أن نكون دعاة بتعاملنا قبل أقوالنا، يجب أن نكون رحماء بإخواننا حتى تسود المودة، وينتشر الإخاء، لأن غياب التسامح يمزق شملنا، ويفرق جمعنا، كان قيس بن عبادة من الأجواد المعروفين فمرض يوماً فاستبطأ إخوانه في عيادته، فسأل عنهم فقيل له : إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي من كان عليه لقيس مال فهو منه في حل، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده وزاره .
معاشر الفضلاء، إننا يجب أن نسل سخائم البغض من قلوبنا، وننقيها من كل شائبة حسد أو حقد، ونعمرها بالرضا والتجاوز والسماحة، يقول ابن القيم رحمه الله عن شيخه ابن تيمية : (( ما رأيت أحداً أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- وكان بعض أصحابه الأكابر يقول عنه وددت أني لأصحابي مثلهُ لأعدائه وخصومه، ما رأيته يوماً يدعو على أحد منهم قط، بل كان يدعو لهم، وقد جئت يوماً مبشراً له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال : إني لكم مكانَ أبيكم ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه)).
عباد الله، هكذا فلتكن الأخلاق، هكذا فليكن الصفح، وهكذا فلتكن السماحة، أين هذه السماحة العالية من الجهامة الظاهرة على وجوه بعض الموظفين والعاملين، وهذا الصلفُ البين في تعامل بعض أصحاب رؤوس الأموال والقادرين، وهذه الشدة التي تنفر منها الطباع في الأقوال والأفعال، فهي ليست من ديننا في شيء، وليست من أخلاق المؤمنين في شيء .
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
عباد الله أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه….. أما بعد ،
عباد الله، إن السماحة لا تعني الخور والضعف، ولا المهانة والاستكانة كما يظن بعض الناس، كلا، بل هي خلق عال ينبئ عن صفاء في القلوب، ووثوق بالنفس، وصدق في التعامل، ولقد خلط الناس في مفهوم السماحة وظن بعضهم أن هناك أموراً تنافيها وهي من لبابها، بل هي مفاتحُ بابها ومن ذلك :
أولاً : الغضب عنـدما تنتهك حرمات الله .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط، إلا أن تنتهك حرمةُ الله فينتقمُ لله)) رواه البخاري.
هذا فليكن التوازن، سهولةٌ ويسر ولين، إلا فيما حرم الله، إن بعض الناس اليوم يرى السهولة والسماحة أن يُتَنازَل له فيما حرم الله في خدمة تقدم له، وإذا ما أبى المطلوب منه وقال هذا حرام أو هذا بهتان وزور، قال أنت متشدد والدين يسر، وهذا خلط يجب أن يُقلع من العقول.
ثانياً : طلب الحق.
طالب الحق له أن يطلب حقه حتى يحصل عليه وهذا ليس مضاداً للسماحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أغـلظ له في طلب حقه : (( دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً)) رواه البخاري.
ثالثاً : البراء من أعداء الله.
يخلط بعض الناس بين الولاء والسماحة، ويظن أنهما شئ واحد، والحق أن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب وغيرهم شيء، واتخاذهم أولياء شيء آخر، إنه لا مانع من السماحة معهم في البيع والشراء والتعامل، بل إنه يجب أن نعرض ديننا في صورة أخلاق رائعة حقيقة لاوهمية، لانغش، لانخلف، بل نحسن ونعين المحتاج، نكسو العاري، نطعم الجائع، ندعو، نبين، أما أن نواليهم فلا والولاية هي النصرة والمحبة، إن الولاء لا يكون إلا لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين، لأن الكفار بعضهم أولياء بعض، فيجب أن لا يكون لهم في قلوبنا محبةٌ ولا نصرة، فهـم أعداؤنا مادمنا على ملتنا :( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ).
إنه مطلوب منا أن ندعوهم ونخلصهم وننقذهم من النار، كما كان يفعل نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، فهذا هو اليهودي زيد بن سعنة يعلن إسلامه بسبب موقف الوفاء والحلم المحمدي العظيم إنه موقف أخلاق أسلم بسببه الرجل،

محمد رافع 52 01-12-2012 11:29 AM

مظاهر اليسر و السماحة في الاسلام والاستفادة منها

يقول الاستاذ الدكتور وهبة بن مصطفى الزحيلي فى كتابه (وسطية الإسلام وسماحته) : ومظاهر اليسر والسماحة وآلياته كثيرة في أصول الشريعة ، لا بد من ملاحظتها والانطلاق منها في الدعوة الخيرة الشاملة إلى الإسلام ، وأهمها ما يأتي:
1- الاستفادة من الجسور المشتركة بين الأديان:
الجسور المشتركة بين الإسلام وما سبقه من الأديان كثيرة وغنية ، يمكن الانطلاق منها في شرعنا والتحاكم إليها للتوصل إلى ما يبرز سماحة الإسلام وسموه في الدعوة إلى وحدة الصف ، والوقوف أمام التيارات الإلحادية أو العلمانية أو المادية أو غيرها من نزعات الفلسفة الوضعية ، فيكون الخطاب الديني لهؤلاء أقوى وأنفذ وأحكم .
فالأديان الثلاثة " الإسلام واليهودية والمسيحية " تؤمن بالذات الإلهية ، وبرسالة الرسل الكرام ، وبالكتب السماوية ، وبالملائكة الأطهار ، وباليوم الآخر يوم الثواب والحساب .
والوصايا الأخلاقية العشر مقررة في هذه الأديان: لا تزن ، ولا تسرق ، لا ت*** نفسا ، لا تكذب . . . إلخ . ومنهج الحرام والحلال في الأحكام واحد ، للدلالة على وجود النظام الديني القائم على تحقيق وإشاعة نزعة الخير والمصلحة ، ومقاومة نزعة الشر والمفسدة .


والرسالة القرآنية الخاتمة تصرح بمهمة تصديق القرآن الكريم لما سبقه في آيات كثيرة منها: { الم }{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم }{ نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل }{ من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام } [ آل عمران: 1 - 4 ] .
ولكن تظل للقرآن الهيمنة على ما تقدمه من الشرائع ، لمصلحة البشرية جمعاء ، في تشريع الأفضل والأحكم والأخلد ، ولتصحيح ما وقع فيه أتباع الديانتين السابقتين من أخطاء وانحرافات وتأويلات وتحريفات ، فقال الله تعالى: { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } [ المائدة: 48 ] .


والأديان في أصولها الصحيحة ودعوتها إلى الإيمان الحق والعدل والخير واحدة ، والاختلاف إنما هو في الفروع والجزئيات مراعاة لتقدم العقل البشري وتطور الإنسانية ، بشرط وحدة الاعتقاد ، وصحة الإيمان ، وما أحكم وأدق هذا الإخبار والتعبير القرآني وهو قول الله (: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب } [ الشورى: 13 ] .
وتنحصر علاقة المسلمين بغيرهم في ضوء هذا المفهوم في شطرين:
الأول : الإقرار والتصديق بكل ما صح نزوله على الأنبياء والرسل السابقين من الصحف والكتب الإلهية .
الثاني : تصحيح ما وقعت فيه الكتب الحالية المتداولة من انحراف عن وحدة الهدي الإلهي في العقيدة والنظام التشريعي .
2- كون التكاليف بقدر الاستطاعة:


من أبرز خصائص الإسلام: قلة تكاليفه في العبادات وغيرها ، فدائرة المباح فيه أوسع بكثير من دائرة الحرام ، ومنها جعل التكليف بحسب الوسع والطاقة ، أو القدرة والاستطاعة لينسجم الإنسان مع التكاليف الإلهية بيسر وسهولة ، ويبادر إلى أدائها وتطبيقها بصفة دائمة دون مشقة ولا إحراج ، وأساس ذلك قول الله سبحانه: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } [ البقرة: 286 ] .
وكذلك ما نجده في السنة النبوية من وصايا وتوجيهات تزجر الناس عن المغالاة في العبادة ، والامتناع من الطيبات ، منها: « يا أيها الناس ، خذوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل » (1) ، « إن هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى » (2) أي إن المنقطع عن الرفقة لا يقطع المسافة ، ويهلك دابته التي أرهقها .
« هلك المتنطعون » (3) أي المتعمقون المتشددون في غير موضع الشدة . كل هذا يرشدنا إلى أن الإسلام يلتزم في تشريعه مبدأ الاقتصاد في الطاعات والاعتدال في القربات .
_________
(1) أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها .
(2) أخرجه البزار عن جابر رضي الله عنه ، وهو ضعيف بهذا اللفظ ، واللفظ الصحيح ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه: « إن هذا الدين متين ، فأوغلوا فيه برفق» .
(3) أخرجه أحمد في مسنده ، ومسلم وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه .


3- نبذ التعصب الديني والمذهبي:
اقتضت حكمة الله جل جلاله أن يوجد الاختلاف بين الناس في الملل والنحل والمذاهب والاعتقادات والأديان لمعرفة الحق من الباطل ، ولإقرار الحرية وترك الاختيار والإرادة للإنسان ، ولإظهار مدى جهاد أو مجاهدة الإنسان نفسه ، وإبراز دوره في التمييز ، وإعمال عقله وفكره وقناعته في اعتقاده وتفضيله الدين الحق ، وإيثاره الرأي السديد والصائب . قال الله تعالى: { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }{ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } [ يونس: 99 - 100 ] .
وهذا دليل واضح على ضرورة التسامح في التعامل والنظرة السامية إلى واقع الناس ، وترك الاعتراض عليهم إلا في حدود الدعوة الهادئة والمنطقية إلى الله - تعالى - وقرآنه عن بينة ورشد وقناعة .


وهو دليل أيضا على ترك التعصب الديني الكريه ، والترفع عن الأحقاد ، لأن الإنسان لا يصح له أن يتجاوز السنن الإلهية ، وعليه أن يرضى بما رضي الله تعالى ، فليس للداعية التسرع بتكفير الآخرين ، لأنه سلوك منفر ومبعد ، كما ليس لأي مسلم إيذاء مشاعر الآخرين أو الاستعلاء عليهم ، أو احتقارهم أو محاولة الاعتداء عليهم أو التنكيل بهم ، حتى مع أشد الناس كفرا وهم المشركون الوثنيون ، لقوله تعالى: { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } [ الأنعام: 108 ] أي إن سب الآلهة الباطلة أمام أتباعها مدعاة لسب الإله الحق ، فيمنع ذلك سدا للذرائع .
4- منع الإكراه في الدين:
الحرية الاعتقادية متروكة لكل إنسان في شرعة القرآن ، لا بمعنى إقرار الضالين والكافرين على كفرهم ، وإنما بمعنى ترك كل محاولات الإكراه أو الإجبار على تغيير المعتقد أو الدين أو المذهب ، لأن ذلك لا ينفع ولا يفيد شيئا ، فإنه سرعان ما يزول ظرف الإكراه يعود الإنسان إلى ما كان عليه ، ولأن توفير سبل الهداية وأسباب الانشراح للإسلام بيد الله تعالى .


وهذا ما قرره القرآن الكريم صراحة في قوله تعالى: { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } [ البقرة: 256 ] والآية محكمة باقية على مفهومها ، وتقرر شرعا دائما كما صرح بذلك أغلب المفسرين (1)
ويؤكد ذلك آية أخرى في معناها: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } . . . [ الكهف: 29 ] وليس هذا بمعنى التخيير ، وإنما هو تهديد ولوم بعد ظهور الأدلة الواضحة والقاطعة على أحقية الإسلام بالاتباع ، ومع ذلك فإن المصلحة في هذا التهديد إنما هي للإنسان ، ولكن دون مصادمة حريته .
هذا . . ولم يثبت في تاريخ الإسلام أن المسلمين مارسوا الإكراه على الدين مع غير المسلمين ، كما صرح أرنولد في كتابه " الدعوة إلى الإسلام " .
5- مقاومة كل أنواع التطرف والغلو في البلاد التي لا عدوان فيها على المسلمين:
_________
(1) تفسير الطبري 3 / 10 ، البحر المحيط لأبي حيان 2 / 281 ، تفسير القرطبي 3 / 280 ، أحكام القرآن لابن العربي 1 / 233 .


تبين مما تقدم أن الإسلام والانتصار لقضاياه والدفاع عن مبادئه ومحاولة نشر عقيدته ، والترويج لنظامه وشرائعه ، لا يكون على الإطلاق بارتكاب السلوك الإجرامي والإفساد والتخريب والتدمير ، أو الانطلاق من معايير التشدد والغلو والتطرف الغريبة عن روح الإسلام ومنهجه في الدعوة ، والمجافية للأصول الحضارية والمدنية ، لأن هذا السلوك الشائن لا يحقق أي هدف ، وإنما يزرع الرعب والخوف بين الآمنين ، ويلحق الضرر والأذى بالمصلحة العامة العليا للأمة ، وتكون الخسارة محققة للجميع .
فلقد أدركنا في هذا البحث حرص الإسلام على السماحة والاعتدال والاتزان ، والقصد في الاعتقاد والأفعال والطاعات .


وحبذا لو توافرت الضمانات المناسبة لممارسة الحوار والبيان والمشورة من الدول التي تبتلى بهذه التصرفات الشاذة ، لاجتثاث جذور هذه المشكلات الإرهابية الخطيرة ، والعودة إلى مسيرة الجماعة ، وهذا هو دور العلماء والمرشدين لا السياسيين الذين يعتمدون على سياسة البطش والقمع فقط ، دون إفساح المجال لسماع مطالب هؤلاء المتطرفين ، وقد نجحت " مصر" بفضل جهود علمائها في التخلص من ظاهرة " التكفير والهجرة " من طريق الإقناع وبيان أحكام الشريعة وإيراد آيات القرآن والوصايا النبوية في هذا الشأن .
ولا ننسى أن ما تمارسه المقاومة الوطنية في فلسطين والعراق وكشمير وكوسوفو والبوسنة والهرسك والشيشان ونحوها لا يعد في شرع الله ودينه تطرفا ولا إرهابا ، وإنما هو ممارسة لحق مشروع بالدفاع عن الوطن الإسلامي والعربي ، بل واجب لدحر العدوان والاستعمار والاستكبار الغربي والشرقي والصهيوني ، فهو في الواقع إرهاب من الدولة المعتدية ، ورد الفعل عليه لا يسمى إرهابا .


وهذا يعني ضرورة التفرقة بين الإرهاب الذي هو كل اعتداء بغير حق لدوافع سياسية ، وبين المقاومة التي هي نمط من الجهاد والدفاع بالقدر الممكن ، لأن طرد الغاصب واجب شرعي ، أما سلوك المسلم أو المنتمي للإسلام الذي يضر ببلده ووطنه ففعله خيانة وجريمة .



محمد رافع 52 01-12-2012 11:32 AM

دعوة الإسلام للحوار

لم ينتشر الإسلام ونظامه في المشارق والمغارب إلا بفضل الحوار الهادف الذي يعني قبول التكافؤ بين مختلف الشعوب والأمم .
فبالحوار والإقناع وإعطاء التصور الصحيح للإسلام ، ومحاولة نقاش الآخرين واحترامهم ، تحقق انتصار الإسلام ، وتم قبول دعوته السامية القائمة على البساطة والاعتقاد الصحيح ، والتزام حقوق الإنسان ، ولا سيما العمل بمقتضى العدالة والمساواة والحرية والإخاء الإنساني والمرونة .
ومنهج الإسلام هو اتباع طريقة الحوار التام أو السوي الذي يقصد به الكشف عن الحقيقة المجردة ، وتحقيق المصادقة بين المتحاورين .
ولا فرق بين الحوار المحلي في داخل الدولة مع بعض المتطرفين ، أو الحوار الخارجي أو الدولي بين المسلمين وغيرهم من الشعوب والأمم من أتباع المذاهب والأديان الأخرى ، لتحقيق رسالة الاستخلاف في الأرض ، وتحقيق النجاح في نشر الدعوة الإسلامية ، فالإسلام كله دعوة دائمة للحوار مع أهل الأديان الأخرى ، وهو أيضا دعوة خالصة لحوار الحضارات لبيان زيف الحضارة المادية وانطلاقها من الماديات فقط ، وإثبات صحة منهج الحضارة الإسلامية القائمة على مراعاة الماديات والروحانيات معا .


والحوار أجدى على الإسلام والمسلمين من التقاطع والتدابر والانعزال ، أو العزلة أو الانغلاق والعنصرية فهو يحقق المصلحة الإسلامية ، بنشر الدعوة بطريق هادئ ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية مع المشركين ، ولأن الحوار دليل على الثقة بالنفس والمبدأ ، ولأن الإسلام كما عرفنا دين التسامح والتوازن والاعتدال ، ولا يقر ما يسمى بالإرهاب الفكري والحربي إلا للضرورة لقمع عدوان المعتدين ، واستخلاص الحقوق المغتصبة من الظلمة الغاصبين .
كما أن الإسلام في تكوين عقيدته وغرس الإيمان في النفس الإنسانية يعتمد على العقل والحكمة ، والعلم وموازينه ، وتبادل الآراء المفيدة لإظهار الحقيقة ، وإيثار المصلحة ، وتوفير مناخ السعادة ، والابتعاد عن الهرطقة والسفسطة والجدل العقيم .
ولا يغمط الإسلام ثقافة الآخرين ومعارفهم وتجاربهم ، لكنه يصحح المعوج منها أو الضار ، ويوجه الناس للخير دون إجبار .
ولا ينكر في الإسلام تفاوت المدارك والثقافات والنزعات ، فيكون الإسلام الذي هو رحمة شاملة للعالمين طريق إنقاذ ونجاة ، وإرساء لمعالم الحكمة والاعتدال ، بالحوار المفيد والنقاش الهادئ .
ولدينا دعوتان قرآنيتان للحوار :


الأولى : فيما بين المسلمين أنفسهم وفيما بينهم وبين غيرهم ، في قول الله تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } [ النحل: 125 ] .
الثانية : أسلوب الحوار مع أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) بصفة خاصة:
وذلك في الآية الكريمة: { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } [ العنكبوت: 46 ] .
وعلى العكس من ذلك فإن غير المسلمين هم أعداء الحوار البناء ، كما ورد في آيات قرآنية كثيرة ، منها: { ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق } [ الكهف: 56 ] ومنها: { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } [ الحج: 8 ] .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

(وسطية الإسلام وسماحته – الدكتور وهبة ابن مصطفى الزحيلى)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد رافع 52 01-12-2012 12:06 PM


نسيــــــم الجنـــــــــة 01-12-2012 03:19 PM



بــارك الله فيك أستاذنا
وجعل ما تقدمه لنا فى ميزان حسناتك

محمد رافع 52 01-12-2012 11:56 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نسيــــــم الجنـــــــــة (المشاركة 4995840)

بــارك الله فيك أستاذنا

وجعل ما تقدمه لنا فى ميزان حسناتك

جزاكم الله خيراً ورضى عنكِ وعن والديكِ

محمد رافع 52 02-12-2012 12:16 AM

أخلاق المسلم

الإيثار
انطلق حذيفة العدوي في معركة اليرموك يبحث عن ابن عم له، ومعه شربة ماء. وبعد أن وجده جريحًا قال له: أسقيك؟ فأشار إليه بالموافقة. وقبل أن يسقيه سمعا رجلا يقول: آه، فأشار ابن عم حذيفة إليه؛ ليذهب بشربة الماء إلى الرجل الذي يتألم، فذهب إليه حذيفة، فوجده هشام بن العاص.
ولما أراد أن يسقيه سمعا رجلا آخر يقول: آه، فأشار هشام لينطلق إليه حذيفة بالماء، فذهب إليه حذيفة فوجده قد مات، فرجع بالماء إلى هشام فوجده قد مات، فرجع إلى ابن عمه فوجده قد مات. فقد فضَّل كلُّ واحد منهم أخاه على نفسه، وآثره بشربة ماء.
***
جاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعطته بردة هدية، فلبسها صلى الله عليه وسلم، وكان محتاجًا إليها، ورآه أحد أصحابه، فطلبها منه، وقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه.. اكْسُنِيها. فخلعها النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاها إياه. فقال الصحابة للرجل: ما أحسنتَ، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألتَه وعلمتَ أنه لا يرد أحدًا. فقال الرجل: إني والله ما سألتُه لألبسها، إنما سألتُه لتكون كفني. [البخاري]. واحتفظ الرجل بثوب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان كفنه.
جاء رجل جائع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، وطلب منه طعامًا، فأرسل صلى الله عليه وسلم ليبحث عن طعام في بيته، فلم يجد إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يُضيِّف هذا الليلة رحمه الله)، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله.
وأخذ الضيفَ إلى بيته، ثم قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني، فلم يكن عندها إلا طعام قليل يكفي أولادها الصغار، فأمرها أن تشغل أولادها عن الطعام وتنومهم، وعندما يدخل الضيف تطفئ السراج(المصباح)، وتقدم كل ما عندها من طعام للضيف، ووضع الأنصاري الطعام للضيف، وجلس معه في الظلام حتى يشعره أنه يأكل معه، وأكل الضيف حتى شبع، وبات الرجل وزوجته وأولادهما جائعين.
وفي الصباح، ذهب الرجلُ وضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للرجل: (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة) [مسلم]. ونزل فيه قول
الله -تعالى-: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]. والخصاصة: شدة الحاجة.
***
اجتمع عند أبي الحسن الأنطاكي أكثر من ثلاثين رجلا، ومعهم أرغفة قليلة لا تكفيهم، فقطعوا الأرغفة قطعًا صغيرة وأطفئوا المصباح، وجلسوا للأكل، فلما رفعت السفرة، فإذا الأرغفة كما هي لم ينقص منها شيء؛ لأن كل واحد منهم آثر أخاه بالطعام وفضله على نفسه، فلم يأكلوا جميعًا.
***
ما هو الإيثار؟
الإيثار هو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه. قال الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [متفق عليه].
وتقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولو شئنا لشبعنا، ولكننا كنا نؤثر على أنفسنا.
فضل الإيثار:
أثنى الله على أهل الإيثار، وجعلهم من المفلحين، فقال تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9].
الأثرة:
الأثرة هي حب النفس، وتفضيلها على الآخرين، فهي عكس الإيثار، وهي صفة ذميمة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فما أقبح أن يتصف الإنسان بالأنانية وحب النفس، وما أجمل أن يتصف بالإيثار وحب الآخرين.



محمد رافع 52 02-12-2012 12:17 AM


الحلم
أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي، واستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يذهب ليدعو قبيلته (دوْسًا) إلى الإسلام، فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنهم لم يستجيبوا للطفيل؛ فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن دوسًا قد عصت وأبت؛ فادع الله عليهم، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ورفع يديه، فقال الناس: هلكوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيدعو عليهم، ودعاؤه مستجاب. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم اهدِ دوسًا وائتِ بهم) [متفق عليه]. ثم رجع الطفيل إلى قبيلته فدعاهم مرة ثانية إلى الإسلام، فأسلموا جميعًا. وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حليمًا يدعو للناس ولا يدعو عليهم.
***
ذات ليلة، خرج الخليفة عمر بن عبد العزيز ليتفقد أحوال رعيته، وكان في صحبته شرطي، فدخلا مسجدًا، وكان المسجد مظلمًا، فتعثر عمر برَجُلٍ نائم، فرفع الرجل رأسه وقال له: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. وأراد الشرطي أن يضرب الرجل، فقال له عمر: لا تفعل، إنما سألني: أمجنون أنت؟ فقلت له: لا.
فقد سبق حلم الخليفة غضبه، فتقبل ببساطة أن يصفه رجل من عامة الناس بالجنون، ولم يدفعه سلطانه وقوته إلى البطش به.
***
كان الصحابي الجليل الأحنف بن قيس، شديد الحلم حتى صار يضرب به المثل في ذلك الخلق، فيقال: أحلم من الأحنف. ويحكى أن رجلا شتمه، فلم يردَّ عليه ومشى في طريقه، ومشى الرجل وراءه، وهو يزيد في شتمه، فلما اقترب الأحنف من الحي الذي يعيش فيه، وقف وقال للرجل: إن كان قد بقي في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك أحد من الحي فيؤذيك.
ويحكى أن قومًا بعثوا إليه رجلا ليشتمه، فصمت الأحنف ولم يتكلم، واستمر الرجل في شتمه حتى جاء موعد الغداء، فقال له الأحنف: يا هذا إن غداءنا قد حضر، فقم معي إن شئتَ. فاستحيا الرجل ومشى.
***
ما هو الحلم؟
الحلم هو ضبط النفس، وكظم الغيظ، والبعد عن الغضب، ومقابلة السيئة بالحسنة. وهو لا يعني أن يرضي الإنسان بالذل أو يقبل الهوان، وإنما هو الترفع عن شتم الناس، وتنزيه النفس عن سبهم وعيبهم.
حلم الله:
الحلم صفة من صفات الله -تعالى- فالله -سبحانه- هو الحليم، يرى معصية العاصين ومخالفتهم لأوامره فيمهلهم، ولا يسارع بالانتقام منهم. قال تعالى: {واعلموا أن الله غفور حليم} [البقرة: 235].
حلم الأنبياء:
الحلم خلق من أخلاق الأنبياء، قال تعالى عن إبراهيم: {إن إبراهيم لأواه حليم} [التوبة: 114]، وقال عن إسماعيل: {فبشرناه بغلام حليم} [الصافات: 101].
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أحلم الناس، فلا يضيق صدره بما يصدر عن بعض المسلمين من أخطاء، وكان يعلم أصحابه ضبط النفس وكظم الغيظ.
فضائل الحلم:
* الحلم صفة يحبها الله -عز وجل-، قال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) [مسلم].
* الحلم وسيلة للفوز برضا الله وجنته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله -عز وجل- على رءوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء) [أبو داود والترمذي].
* الحلم دليل على قوة إرادة صاحبه، وتحكمه في انفعالاته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصُّرْعَة (مغالبة الناس وضربهمإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) [مسلم].
* الحلم وسيلة لكسب الخصوم والتغلب على شياطينهم وتحويلهم إلى أصدقاء، قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. وقد قيل: إذا سكتَّ عن الجاهل فقد أوسعتَه جوابًا، وأوجعتَه عقابًا.
* الحلم وسيلة لنيل محبة الناس واحترامهم، فقد قيل: أول ما يُعوَّض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره.
* الحلم يُجنِّب صاحبه الوقوع في الأخطاء، ولا يعطي الفرصة للشيطان لكي يسيطر عليه.
الغضب:
الغضب هو إنفاذ الغيظ وعدم السيطرة على النفس، وهو خلق ذميم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أوصني. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب). فأعاد الرجل السؤال وردده مرارًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب) [البخاري].
والغضب نوعان: غضب محمود، وغضب مذموم.
الغضب المحمود: هو الذي يحدث بسبب انتهاك حرمة من حرمات الله، ويكون هدفه الدفاع عن العرض أو النفس أو المال أو لرد حق اغتصبه ظالم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو القدوة والأسوة الحسنة- لا يغضب أبدًا إلا أن يُنْتَهك من حرمات الله شيء.
الغضب المذموم: وهو الذي يكون لغير الله، أو يكون سببه شيئًا هينًا، فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على نفسه، وقد ينتهي أمره إلى ما لا يحمد عقباه، ومن الغضب المذموم أن يغضب المرء في موقف كان يستطيع أن يقابل الإساءة بالحلم وضبط النفس.
ومن مواقف الغضب التي كان يمكن أن تقابل بالحلم وضبط النفس ما يُحْكَى أن رجلا آذى أبا بكر الصديق بكلام في أثناء جلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم، فصمت أبو بكر، ثم شتمه الرجل مرة ثانية فسكت أبو بكر، ولما شتمه -للمرة الثالثة- رد عليه أبو بكر. فقام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس، فأدركه
أبو بكر وقال له: أغضبتَ على يا رسول الله؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن ملكًا من السماء نزل يرد عنه، ويدافع عنه، فلما رد هو انصرف الملك وقعد الشيطان. ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ليجلس في مجلس فيه الشيطان.
علاج الغضب: بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم عدة وسائل
لعلاج الغضب، منها:
* السكوت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت) [أحمد]. وقال الشاعر:
إذا نطـق السفيـه فـلا تُجِبْـــه
فخيــر مـن إجـابـتـه السـكـوتُ
فـإن جاوبتــَه سَرَّيـتَ عـنـه
وإن خلَّـيْـتَـهُ كَـــمَـــدًا يمـوتُ
* الجلوس على الأرض: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن الغضب جمرة (أي: مثل النار الملتهبة) في قلب ابن آدم. أما رأيتم إلى حُمْرَة عينيه وانتفاخ أوداجه (ما أحاط بالحلق من العروق)؟! فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض) [الترمذي وأحمد].
* تغيير الوضع الذي عليه: قال الله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع (ينام على جنبه أو يتكئ)) [أبوداود وأحمد].
* الوضوء بالماء أو الاغتسال: قال الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تُطْفَأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) [أبو داود].
* تدريب النفس على الحلم: وهو أهم وسائل العلاج، وقد أمر الله به، فقال سبحانه: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]، ووصف به عباده فقال: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63]، وقال: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} [الشوري: 37]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب) [البخاري والترمذي]. فليجعل المسلم الحلم خلقًا لازمًا له على الدوام.


محمد رافع 52 02-12-2012 12:54 AM


قضايا إسلامية
الشريعة الإسلامية
جاء القرآن الكريم ليبين للناس جميعًا أن الإسلام هو الدين المقبول عند
الله -عز وجل-، والإسلام معناه الاستسلام لله رب العالمين بطاعته، وتنفيذ أوامره، وعدم معصيته، والإسلام ليس دينًا قاصرًا على بعض العبادات التي يؤديها الإنسان، بل يشمل جميع نواحي الحياة، فهو دين شامل كامل جاء ليُقَوِّمَ حياةَ الناس، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويعرفهم طريق الله، فجاءت العبادات لتطهير القلوب وربطها بالله، وجاءت الأخلاق لتزكية النفوس، وجاءت أوامر الله كلها تحث الإنسان على فعل الخيرات، والبعد عن المنكرات وفق أسس وقواعد ربانية شرعها الله -عز وجل- والإنسان مأمور بأن يجعل حياته كلها تسير وفق هذه القواعد إن كان يريد السعادة والطهر والعفاف والسكينة له وللمجتمع الذي يعيش فيه.
أساس الإسلام
والقرآن الكريم يبيِّن لنا الأساس الذي يقوم عليه الإسلام، هذا الأساس مكون من جزأين يجب تحقيقهما، وهما:
1ـ العقيدة:
فالعقيدة هي جوهر الإسلام وأصله الذي يقوم عليه، والشريعة مبنية على العقيدة الصالحة الخالصة النقية لله رب العالمين، ومن طبق شرائع الله -عز وجل- وأضاع العقيدة فهو كالسائر بغير هدى. وقد عبر الله -عز وجل- عن العقيدة في القرآن بالإيمان وعن الشريعة بالعمل الصالح فقال: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون} [الأنبياء: 94].
وورد لفظ الشريعة في القرآن الكريم مرة واحدة. قال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها} [الجاثية: 18].
وقد جعل الله لكل نبي من أنبيائه شريعة ومنهاجًا، قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} [المائدة: 48].
2 ـ الشريعة:
والشريعة هي كل ما شرع الله -عز وجل- من نظم وأحكام تنظم حياة الإنسان، والإنسان مأمور بأن يأخذ بشريعة الله -عز وجل- في حياته كلها، والمسلم يطبق شريعة الله وأوامره دون جدال، بل يذعن لأمره، فقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا} [الأحزاب: 36]. وقال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} [النور: 51].
أهداف الشريعة:
وقد أنزل الله شريعته لحفظ وحماية عدد من الضروريات التي لا تقوم الحياة إلا بها، وهذه الضروريات هي:
1-حفظ الدين:
فلا يليق لمسلم أن يتخذ له دينًا غير دين الله، أو أن يخضع لغير سلطانه، أو أن ينفذ غير أوامره، أو أن يهتدي بغير هدي النبي (، قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} [التوبة: 33].
2-حفظ العقل:
جعل الإسلام الحفاظ على العقل من أهم مقاصده الشرعية، فالعقل هو مناط التكليف، وقد وضع الإسلام وسائل وتشريعات للحفاظ على عقل الإنسان، من أهمها تحريم ما يسكر ويخمر العقل، فيجعله لا قيمة له، لأنه يقف عن التفكير آنذاك فقد قال النبي (: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) [مسلم]. وقد رفع الإسلام عن النائم والمجنون ومن في حكمهما التكاليف، وذلك لغياب مناط التكليف، وهو العقل.
3-حفظ المال:
أعطى الإسلام الناس الحرية في التملك مادام هذا التملك يأتي من طريق الحلال، وقدر الإسلام مدى التعب الذي يبذله الإنسان للحصول على المال، ومن هنا حرم على الإنسان أن يأخذ من مال أخيه شيئًا، بل شرع حد السرقة وقطع اليد فيما زاد عن ربع دينار؛ حفاظًا على أموال الناس.
4-حفظ النفس:
نهى الله -عز وجل- عن *** النفس وإزهاقها بغير حق، فقال تعالى: {ولا ت***وا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} [النساء: 29].
ولما جاء الإسلام نهى عن وأد البنات -***هم أحياء- وحذر من ذلك، قال تعالى: {وإذا الموءودة سئلت. بأي ذنب ***ت} [التكوير: 8-9]. ونهى كذلك عن *** المسلم لأخيه المسلم، وجعل ذلك من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب؛ قال تعالى: {ومن ي*** مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا} [النساء: 93].
والشريعة السمحة تبين لنا أن الإنسان إذا أشرف على الهلاك ولم يجد ما يأكله إلا ميتة فعليه أن يأكلها، وإن هلك ولم يأكلها كان من الآثمين؛ لأنه لم يحافظ على حياته. والله -عز وجل- يخفف على الإنسان في كثير من الأمور لحفظ حياته، فقد أباح الله -عز وجل- للمسافر والمريض أن يفطرا خوفًا من المشقة والهلاك.
وهكذا تعمل الشريعة على حفظ النفس بكل الوسائل، وشتى الطرق المحكمة. قال تعالى: {ولا ت***وا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن *** مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في ال*** إنه كان منصورًا} [الإسراء: 33].
5- حفظ العرض والنسل والأنساب:
حثت الشريعة الإسلامية على الزواج، وشجعت المسلمين عليه حتى لا تختلط الأنساب ولا تشيع الفاحشة بينهم، فالزواج هو الطريق الطبيعي لحفظ النسل والعرض والنسب، لذلك فمن ترك الزواج واتجه إلى الزنى أو غيره من العادات السيئة فقد أنذرته الشريعة بأشد العقاب في الدنيا والآخرة.


محمد رافع 52 02-12-2012 01:29 AM

إسلامية المعرفة
لابد من إصلاح مناهج الفكر، وبناء الرؤية الأصيلة الواضحة لمختلف مراحله. وما من فرع من فروع العلم إلا ويمكن ضبطه بالمنظور القرآني المرن الشامل، الذي يتسع للمسألة العلمية في مختلف أركانها (الأهداف- المناهج- الحقائق- التطبيق).
فمع اتجاه المعرفة نحو القوة والتسلط والأنانية، وتحويل المنجزات العلمية إلى سلاح يوجَّه إلى صدر الإنسان وليس لصالحه، أمام كل هذا تأتي أهمية (إسلامية المعرفة) وهي تعني التمسك بالمنظور القرآني للكون والحياة والأخذ بالإطار الذي وضعه الإسلام لضبط الحركة العلمية.
محاور إسلامية المعرفة:
وتقوم إسلامية المعرفة على المحاور الآتية:
(1) ممارسة النشاط المعرفي (الكشف- التجميع- التركيب- النشر) من زاوية التصور الإسلامي.
(2) احتواء كل الأنشطة والعلوم الإنسانية نظريًّا وتطبيقيًّا، وتشكيلها في إطار الأسس الإسلامية.
(3) أن تواكب قدرة العقل والفكر والمنهج الإسلامي حاجة الأمة والتحديات التي تواجهها.
ضروريات الحاجة لإسلامية المعرفة:
الحاجة لإسلامية المعرفة تنبع من عدة ضروريات:
أولاً: الضرورة العقيدية:
وتتمثل في الإسلام لله رب العالمين، والخضوع لإرادته وأوامره، ونواهيه في كل أمور الحياة. وتحقيق إسلامية المعرفة في مجال العقيدة يكون عن طريق:
1- إعانة المسلمين في العالم على مزيد من فهم الإسلام فهمًا صحيحًا، فتزداد قناعاتهم بحق هذا الدين في قيادة البشرية.
2- تمكين المسلمين في العالم من الإلمام بالقوة المادية وتطوير حياتهم المدنية بما يحقق لهم مكانة مناسبة في هذا العالم، ويمكنهم من مواجهة تحديات أعدائهم الذين يريدون لهم دوام التخلف والفقر.
ثانيًا: الضرورة الإنسانية:
وهي العمل على تكوين الإنسان المؤمن الواعي، الذي يتصدى لصور المعرفة الضالة.
ثالثًا: الضرورة الحضارية:
أي حماية مسلمي اليوم والغد من الذوبان في حضارة غيرهم، والهدف من (الإسلامية) في مجال الحضارة هو أن تستعيد هذه الأمة دورها وتقوم بإعادة بناء العالم عن طريق المعرفة المستمدة من هدي الله سبحانه وتعالى.
رابعًا: الضرورة العلمية:
فإذا كان النشاط العلمي بصورته المادية قد قام على الرغبة في الكسب والطموح الشخصي والاكتشاف والتفوق، فإن تحقيق (الإسلامية) تدفع النشاط العلمي للازدهار والتألق للكشف عن الحقائق، والسنن في هذا الكون وبيان مصادر القوة والطاقات التي أشار إليها كتاب الله، والذي دعا المسلمين إلى إخراجها للناس لتحقق لهم الخير الوفير.

وتزداد أهمية دور المسلم في الأخذ بأسباب العلم وفقًا للمنهج الإسلامي في عصر الاتصالات والفضاء والكومبيوتر، فيجب أن يكون للمسلمين دور بارز في النهضة العلمية الحضارية، لتحقيق الخلافة في الأرض، ولمواجهة تحديات العصر، على أن يكون سعيهم على أساس من كتاب الله وسنة رسوله (.
وهذا هو الفرق بين العالم المسلم وبين غيره من العلماء الذين لا يريدون سوى المال والمكانة، فيسخرون علمهم لتدمير البشرية بدلاً من العمل على تيسير سبل الحياة والعمل على إسعاد البشرية جمعاء.
مبادئ تحقيق إسلامية المعرفة:
وأمام تعدد هذه المجالات تتعدد المبادئ التي يتم تحقيق هذه (الإسلامية) على أساسها، ومن هذه المبادئ:
(1) الإيمان بوحدانية الله سبحانه وانعكاس هذا الإيمان على مختلف جوانب الفكر والعمل.
(2) الإيمان بأن الإنسان خليفة الله في الأرض، وأن الله سخر له كل ما في الكون.
(3) الإيمان بشمولية الإسلام وقدرته على سياسة الدنيا بكل مجالاتها.
(4) الإيمان بعموم الحقائق الإسلامية في الزمان والمكان والإنسان.
(5) الإيمان بتوافق الوحي مع العقل.
(6) توعية المسلمين بدينهم ودورهم في الحياة.
(7) توحيد مفاهيم ومناهج الفكر الإسلامي.
(8) الإحاطة بالتراث الإسلامي ممثلا في القرآن والسنة وآثار الصحابة والتابعين، وجهود علماء الأمة ومفكريها ومصلحيها.
(9) الوقوف على آخر ما وصلت إليه المعرفة المعاصرة.
(10) تجديد الأولويات الأساسية للبحث العلمي.
(11) تكوين الكوادر (المجموعات) العلمية وتوفير الإمكانات الفنية والبشرية والمادية اللازمة.
(12) الاهتمام بدور العلم والمكتبات وترجمة العلوم التي سبقتنا إلى اللغة العربية.
(13) تشجيع اللغة العربية في دور العلم والاهتمام بها؛ لأنها أداة الفكر العربي والإسلامي حتى تصبح لغة العلم.
(14) تربية كوادر علمية تجيد أكثر من لغة أجنبية لكي تكون عناصر فعالة لنقل الحضارات الغربية المتقدمة.
(15) زيادة فعالية الأفراد في هذا المجال عن طريق استشعار نية خدمة الإسلام والأمة في عملية التعليم وإجراء البحوث العلمية.
(16) توفير الإمكانات اللازمة لإجراء البحوث العلمية والتجارب، ومكافأة العلماء في كل جوانب العلم عن طريق الجوائز ورفع مستوياتهم المادية.
(17) تشجيع نوابغ النشء عن طريق الإنفاق عليهم ووضع خطط طويلة المدى لجعلهم علماء المستقبل.

محمد رافع 52 02-12-2012 01:30 AM


المساواة بين الرجل والمرأة
قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: 228].
المساواة بين الرجل والمرأة في أخذ الحقوق وأداء الواجبات، قيمة سامية، وغاية نبيلة، يسعى إليها الجميع، ذكرًا أو أنثى، إلا أنها أصبحت سلاحًا ذا حدين، يستخدمه أعداء المرأة في الداخل والخارج حيث جعلوا منها أداة لخدمة أهدافهم غير النبيلة، فتعالت صيحاتهم مطالبة بـ:
1- تحرير المرأة من كل القيود الدينية والاجتماعية، وإطلاق حريتها لتفعل ما تشاء، متى تشاء، وكيفما تشاء! وما لهذا خلقت المرأة، وما هذا دورها في المجتمع!
2- تعليم المرأة على قدم المساواة مع الرجل، في أي مجال ترغب فيه أو تهفو إليه نفسها، دون نظر إلى ما ينفعها بوصفها امرأة، لها رسالة خاصة في الحياة، ولها مهمة عظيمة يجب أن تعد لها.
3- أن تعمل المرأة مثل ما يعمل الرجل، تحت أي ظرف وفي أي مجال، دون النظر
-أيضا- لما يتناسب مع طبيعتها الأنثوية وتكوينها الجسمي والنفسي.
4- مساواة المرأة للرجل في الحقوق المالية، فطالبوا بأن يتساوى نصيبها في الميراث بنصيب الرجل، مع ما في ذلك من مخالفة صريحة لشرع الله، ودون نظر إلى تبعات الرجل المالية من نفقة وغيرها، مما يتناسب مع زيادة نصيبه في الإرث.
والأصل أن ننظر في الإرث بما قسم الله وقضى، لأنه -سبحانه- هو المشرع له، العالم بحكمته -سبحانه- فيما قضى وقدر، دون ظلم لأحد، ولم ينظر القائلون بالتسوية في ميراث الأخوة من أم، فميراث الذكر مثل ميراث الأنثى، وربما زاد نصيب المرأة أحيانًا عن نصيب الرجل.
هذه أمثلة من دعاواهم، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ؛ لأنهم لم يدركوا معني المساواة التي يطالبون بها، وما تجره آراؤهم على المرأة من ويلات هي في غِنًى عنها، كما لم يدركوا ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق وامتيازات، فجهلوا أو تجاهلوا وضع المرأة قبل الإسلام في مختلف المذاهب والحضارات، وما آل إليه وضعها في ظلال الإسلام.
وضع المرأة في اليونان:
فإذا ألقينا نظرة على بلاد اليونان القديمة، نجد أنه بالرغم من الثقافة والعلوم، فإن وضع المرأة لم يكن أكثر من كونها خادمة، وعلى أحسن تقدير: مديرة للبيت، بل إن اليونانيين -أصحاب تاج الفلسفة- كانوا يسكنون زوجاتهم في حجرات تقل فيها النوافذ، مع حرمانهن من الخروج إلى السوق أو غيره..
ورغم نظرية أفلاطون الفلسفية المتعلقة بواجبات المرأة العسكرية والسياسية، فإن النساء ظللن معزولات عن الحياة العامة؛ بحكم العرف والقانون اليوناني.
لقد كان المبدأ السائد في التصور اليوناني: (أن قيد المرأة لا ينبغي أن يُنْزَع) ولذلك علت الأصوات بعد انهيار الحضارة اليونانية تطالب بالتحرر من الجسد ونجاسة المرأة التي كانت سببًا في الفساد، وأُمْطرَتِ المرأة اليونانية بوابل من اللعنات والتهم الشنيعة.
وضع المرأة في الهند:
وفي الهند، كان يحكم على المرأة بالإحراق حية مع تابوت زوجها المتوفى.
وضع المرأة في اليهودية:
أما في اليهودية؛ فكان اليهود يقرون أن المرأة خطر، وشر يفوق شر الثعابين، وكانوا ينظرون للمرأة نظرة إذلال وتحقير، وكانوا يعدّون البنات في منزلة الخادمات، وكانت هناك بعض التقاليد التي تحرم زواج البنت ؛ لتظل في خدمة أسرتها، مع حق وليها في بيعها بيع الإماء.
وضع المرأة عند بعض المذاهب المسيحية:
والمرأة عند بعض المذاهب المسيحية؛ هي جسد خال من الروح، ولا استثناء لامرأة إلا مريم العذراء.
وضع المرأة في الجاهلية العربية:
وفي الجاهلية العربية كانت المرأة جزءًا من الثروة، فكانت تعد ميراثًا لابن الموروث.
وكانت النظرة الجاهلية للبنات تقوم على التشاؤم، ولذلك ظهرت عادتهم الرذيلة في وأد البنات، أي ***هن وهُنَّ على قيد الحياة.
وضع المرأة في الإسلام:
وأمام هذا التاريخ المظلم جاء الإسلام ووضع المرأة في مكانها الطبيعي، وأعاد إليها حقوقها ومكانتها التي سُلِبَتْ منها، تحت ظلام الجهل وفساد العادات والتقاليد.
فأكد الإسلام على وحدة الأصل والنشأة بين الذكر والأنثى، فقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1].
ورفض الإسلام موقف المشركين وتبلد مشاعرهم، وعدم تفهمهم لدور المرأة في الحياة، وكونها أصيلة في نظام الحياة أصالة الذكر، بل هي المستقر له، فهي أشد أصالة لبقاء الأسرة، ولذلك نظر إليها الإسلام على أنها هدية من الله، وقدم القرآن ذكرها على الذكور، قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى: 49-50].
لقد وضع الإسلام المرأة على بساط الاحترام والتكريم والمودة، بما يهيئ المجتمع نفسيًّا ليستقبل كل وليدة بصدر مطمئن ونفس راضية واثقة في عون الله، قال تعالى: {ولا ت***وا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31].
كما كرم الإسلام المرأة وهي في مرحلة الشباب، فمنحها أهلية التعبير عن إرادتها في أخص شؤون حياتها، وهو تكوين بيتها واختيار زوجها، قال (: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: (أن تسكت) [مسلم].
وجعل الإسلام للمرأة كيانًا متفردًا، ومنحها العديد من الحقوق كحرية التملك على قدم المساواة مع الرجل، قال تعالى : {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا}
[النساء: 7].
واحترم الإسلام هذه الملكية وعززها بمنح المرأة حرية التصرف فيها، قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء: 4].
وساوى القرآن بينها وبين الرجل أمام القانون في الحقوق والواجبات؛ كحق إبرام العقود وتحمل الالتزامات، وحق الدفاع عن حقوقها أمام القضاء. فقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228].
افتراءات وردود:
وأما ما يقال عن أن بعض أحكام الإسلام فيها مساس بالمرأة كالميراث ؛ حيث يكون نصيبها نصف نصيب الرجل، وكالشهادة؛ فشهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، وكالطلاق، وتعدد الزوجات، فهذه الأمور هي في جوهرها تكريم للمرأة، وصون لمكانتها، فالفرق في هذه الأمور جاء حفاظًا على كرامة المرأة، واحترامًا لطبيعة تكوينها:
- فأما عن الميراث وكونه نصف ميراث الرجل في بعض الحالات، فقد قابل الإسلام هذا الأمر بما يعادله في حق الرجل، فقد ألزم الشرع الكريم الرجل بالإنفاق على المرأة، في كل طور من أطوار حياتها، فالبنت في مسؤولية أبيها أو أخيها أو من يقوم مقامهما، والزوجة نفقتها على زوجها، ولا نفقة عليها، وقد قرر الله -تعالى- ذلك بقوله: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34]. وفي بعض الحالات قد يفوق ميراث المرأة ميراث الرجل بحسب القرابة، فليس الأمر دائمًا أن يكون ميراثها نصف ميراث الرجل.
- وأما بالنسبة للشهادة؛ فقد راعى الشارع الكريم في ذلك الخصائص النفسية للمرأة، فالمرأة عاطفية بحكم تكوينها النفسي، وقد تغلب عاطفتها؛ ولذا قال تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282].
كما أن المرأة بطبيعة حركتها الاجتماعية لا تشاهد ما يشاهده الرجل، ولا تشترك فيما يكسبها الخبرة وما يؤهلها لعدم الخديعة ببعض المظاهر الكاذبة، وقد يوقعها ذلك في المحظور من حيث لا تشعر، ومع ذلك فقد أعطى الشرع الحنيف للمرأة حق الشهادة فيما تختص هي بممارسته، كالشهادة في الإطلاع على المولود عند الولادة ونحو ذلك؛ وذلك لأن الشهادة تتفاوت بحسب موضوعاتها، وقد تقبل شهادة المرأة منفردة، كما قدم شهادة المرأة فيما يخص أمور النساء كالولادة وغيرها.
- وأما عن الطلاق؛ فعاطفة المرأة غلابة، وغضبها قريب، ولذا أعطى الله للرجل سلطة التطليق المباشر لما يميزه من تريث وتحكيم للعقل قبل العاطفة، ولما يستشعره من عواقب الأمور، وفي الوقت نفسه لم يحرم الإسلام المرأة من طلب الطلاق، إذا وقع عليها من الضرر مالا تحتمله، أو ضاقت سبل العيش بينها وبين زوجها، وأصبح من المستحيل استمرار الحياة، وفي كلتا الحالتين يأخذ كل من الزوج والزوجة حقه.
- وبالنسبة لتعدد الزوجات؛ فهو علاج لكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل العاقر التي لا تنجب ويرغب زوجها في الولد ولا يريد فراقها، وكذلك زيادة عدد النساء عن الرجال في بعض الظروف مثل الحروب.
كما أن المرأة هي وعاء النسل ومحضنه، ولا يعقل أن تطلب حق تعدد الأزواج لتختلط الأنساب وتضيع الأعراض، ومقابل ذلك شرط الإسلام العدالة عند التعدد والقسمة العادلة بين الزوجات.
شقائق الرجال:
لقد جاء في الحديث الشريف، أن النبي ( قال: (إنما النساء شقائق الرجال) [أبو داود والترمذي]، فالرجل والمرأة سواء أمام الله، ورُبَّ امرأة تقية أكرم عند الله من الرجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]، فالجنة ليست وقفًا على الرجال دون النساء.
ولقد ضرب القرآن الكريم المثل في الصلاح بالمرأة، فقال تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 11- 12].
لقد جاء الإسلام بقيم ومبادئ ترفع من مكانة المرأة وتصون لها كرامتها، ولكن ظهر الخطر وصوبت السهام ضد الإسلام والمسلمين، فهل تنتصر المسلمة لدينها وتصد كيد الطامعين؟! قال تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32].



جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:17 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.