بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أخبار و سياسة (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=79)
-   -   تحليلات سياسية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=455672)

aymaan noor 18-10-2012 01:07 AM

الربيع يستدعى أسئلة المصير العربى
 
الربيع يستدعى أسئلة المصير العربى
فهمي هويدي
شهدت القاهرة خلال الأيام القليلة الماضية اجتماعا غير مألوف لمجموعة من المثقفين العرب لمناقشة سبل الخروج من أزمة الأمة العربية وكيفية لملمة عقدها الذى انفرط


(1)
لولا الربيع العربى ما قدموا إلى مصر التى لم تكن ترحب بهم فى عصر الانكفاء، وبعضهم ظل يرد على عقبيه ولا يسمح له بالخروج من مطار القاهرة. ولولا «الربيع» لما مدوا ابصارهم إلى محيط الأمة متجاوزين حدود أقطارهم التى ظل خطاب تلك المرحلة يلح على أنها أولا وأخيرا، وما كان لهم أيضا ان يشدوا الرحال إلى القاهرة إلا بعدما تسلَّموا الرسالة التى دوت فى الآفاق فى العام الماضى، معلنة ان الشعوب العربية إذا كان وعيها قد غيب وتشوه إلا أنها لم تمت، وأن حلمها المؤجل لا يزال بعيدا حقا، لكنه ما عاد مستحيلا. خصوصا أن الذى وقع وقلب المعادلة رأسا على عقب كان يعد من المستحيلات عند كثيرين.

فى فضاء قاعة اجتماعاتهم ظلت الأسئلة الموجعة تتردد طوال الوقت. لماذا فشلت خطوات التكامل العربى، فمجلس الوحدة الاقتصادية تشكل عام 1957 (قبل نحو 65 عاما) وتزامن مع تأسيس السوق الأوروبية المشتركة، وما زلنا نقف عند نقطة الصفر فى حين أنهم وسعوا من نطاق السوق وأقاموا فوقه الاتحاد الأوروبى. ويستحى المرء أن يقول إن اتفاقية الدفاع العربى المشتركة وقعت فى عام 1950، بعد حرب فلسطين مباشرة، ولم يتم تفعيلها إلا بعد مضى ستين عاما، حين غزت العراق الكويت فى سنة 1990، الأسوأ من ذلك ان الاتفاقية لم تر النور إلا فى ظل الضوء الأمريكى الأخضر، ثم لم نر لها أثرا بعد ذلك. حتى سقطت من الذاكرة سواء حين اجتاحت إسرائيل لبنان فى عام 1982 وحين احتلت الولايات المتحدة العراق فى سنة 2003، الأنكى من ذلك والأتعس أن الدول العربية التى وقعت فيما بينها الاتفاقية المذكورة أصبحت تعيش تحت مظلة الحماية الأمريكية، حتى ذكر تقرير عرض على مجموعة المثقفين العرب ان الولايات المتحدة أقامت قواعد عسكرية أمريكية على أراضٍ أكثر من ثلث الأقطار العربية.

(2)
فى اليوم الذى بدأت فيه مشاورات المثقفين العرب (الثلاثاء 2/10) كانت جماعة الحراك الجنوبى فى اليمن قد دعت إلى اجتماع فى عدن للمطالبة بانفصال الجنوب وانسحابه من الوحدة التى تمت مع الشمال فى سنة 1990 يومذاك أيضا كانت دول الاتحاد المغاربى الخمس (تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا) قد انتهت من ترتيب القمة الناجحة مع الدول الأوروبية الخمس المقابلة لها (إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ومالطة والبرتغال) ــ وهو ما يعرف بقمة 5+5. وقد أصدر رؤساء الدول العشر فى أعقاب مؤتمرهم الذى عقد فى مالطة بما أكد على «التراث الهائل المشترك من الثقافة والحضارة والتاريخ وتطلعات شعوب المنطقة لشراكة لتحقيق الديمقراطية والاستقرار والأمن والازدهار».

أصابتنى العبارة حين وقعت عليها بالغيظ والحسد. وكان تعليقى الوحيد عليها ان ما بيننا فى العالم العربى (روابط الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا) أوسع وأمتن مما بين الدول المغاربية الخمس وبين نظيراتها الأوروبيات التى تقابلها على الشاطئ الآخر من البحر المتوسط.

مشاهد الانفراط والانقراض التى يعانى منها العالم العربى كانت أيضا حاضرة فى وعى الجميع. لم تكن بعيدة عن الأذهان، من فاجعة انفصال جنوب السودان عن شماله، إلى التشققات التى أصابت العراق حتى أصبح شماله مهيأ للانفصال لصالح الأكراد، إلى التداعيات المؤرقة التى يمكن أن تترتب على سقوط النظام السورى واحتمالات تقسيم البلد بين السنة والشيعة والأكراد، وهو ما ستكون له أصداء أخرى فى لبنان والعراق والأردن على الأقل، ذلك إذا مرت التحرشات العسكرية بين سوريا وتركيا بسلام. وكذلك التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضد إيران. ومعلوم أن ****** إسرائيل لفلسطين من الإشارات المبكرة لضمور العالم العربى التى يعد احتلال الجولان من تجلياتها أيضا.

كما كان مشهد انفراط العالم العربى وتشرذمه مائلا أمام الجميع، فإن فصل الخيبات الوحدوية أو التكاملية العربية لم يكن بعيدا عن الاذهان (الوحدة السورية المصرية نموذجا) و(التكامل بين مصر والسودان نموذج آخر)، بحيث لم يبق للعرب من التجارب الوحدوية سوى حالات ثلاث هى: دولة الإمارات العربية ــ بمجلس التعاون الخليجى ــ الاتحاد المغاربى. وهى لا تمثل تكاملا حقيقيا، ولكنها تختلف فى درجة هشاشتها.

(3)
هل قدر العالم العربى أن يعيش مشتتا ومتنابذا؟ ولماذا نجحت محاولات التكامل فى أوروبا وآسيا ولم تحدث فى العالم العربى؟ كان رأيى ولا يزال ان العالم العربى له خصوصيات تميزه عن أى منطقة أخرى فى العالم، وهذه الخصوصيات أسهمت بشكل كبير فى استهدافه والعمل على إبقائه ممزقا، لأن اجتماعه أو تكامله يهدد مصالح ويقلب استراتيجيات أطراف أخرى ذات مصلحة، على الصعيدين الدولى والإقليمى. ذلك أن موقعه الاستراتيجى بين الشرق والغرب وكونه يمثل بوابة لأفريقيا، يجعله مطمعا للدول الكبرى المهيمنة. وهى ذات الدول التى تطلعت لاختراقه واحتلاله منذ القرن الثامن عشر، ثم سعت إلى اقتسامه وإعادة رسم خرائطه من خلال اتفاقية «سايكس بيكو» التى عقدت فى أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وإذا كان الموقع الاستراتيجى يشكل مطمعا مبكرا، فإن ظهور النفط فى المنطقة العربية شكل عنصر جذب آخر دفع الدول الغربية إلى محاولة تثبيت هيمنتها عليها واعتبارها ضمن مصالحها الحيوية التى تتشبث بفكرة الحفاظ عليها والدفاع عنها.

وإذا كان النفط قد ظهر فى العالم العربى فى ثلاثينيات القرن الماضى، فإن تأسيس دولة إسرائيل و******ها لفلسطين فى الأربعينيات بتوافق غربى بالدرجة الأولى، أضفى وضعا استثنائيا لخصوصية العالم العربى، لا مثيل له فى أى مكان آخر بالعالم. ذلك أنه لكى تبقى إسرائيل وتستمر كان لابد من إضعاف وتطويع العالم العربى الذى رفضت شعوبه جريمة ال****** وحاربت لأجل صدها وايقافها منذ اللحظات الأولى. ولأن إضعاف العالم العربى ومصر فى المقدمة منها، يصب فى المصلحة المباشرة لقوى الهيمنة الدولية وإسرائيل، فقد كان منطقيا ومفهوما ان تقف تلك الدول فى صف معارضة أى تكامل عربى على مستوى، سياسى واقتصادى أو ثقافى، لهذا السبب أعربت الدول الغربية عن عدم رضاها عن الوحدة المصرية السورية، ولم يهدأ لها بال إلا حين تم الانفصال. ولهذا السبب تواجد الخبراء الإسرائيليون إلى جانب الملكيين الذين حاربوا الجيش المصرى الذى ذهب تأييدا للثورة فى اليمن، كما تواجدوا مع الجنوبيين فى السودان. ووقفوا إلى جوارهم حتى انفصلوا عن حكومة الخرطوم، وهناك أكثر من دراسة إسرائيلية تحدثت عن جهود «الموساد» لتأليب الأقليات العرقية والدينية فى العالم العربى (الأكراد مثلا) لتفكيكه وإضعافه.

(4)

هذا التحليل يظل منقوصا إذا لم نتحدث عن أزمة الداخل فى العالم العربى ذلك انه حين يعقد منذ تأسيس الجامعة العربية فى عام 1945 خمس وثلاثون مؤتمرا للقمة لبحث كافة هموم الأمة العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، ثم يصبح حالنا على النحو الذى تعرفه، فمعنى ذلك انه لا توجد إرادة عربية حقيقية للتغيير أو التقدم. يعزز ذلك أن لدينا كمًّا من المجالس والاتفاقيات والمعاهدات يغطى كل صور التكامل العربى المنشود، فى السياسة والأمن والثقافة والتجارة والعمالة والسياحة والإدارة والطاقة الذرية... إلخ، حين يحدث ذلك أيضا فهو يعنى أن أزمة الأمة العربية هى أزمة إرادة أيضا. بكلام آخر فإنه إذا كانت العوامل الخارجية تشكل عائقا ضد التكامل المنشود فإن عجز سلطة القرار العربى يشكل عائقا آخر لا يقل خطورة.

عند هذه النقطة لا مفر من التوقف عند دور الاستبداد فى إعاقة النهوض بالأمة العربية، الأمر الذى أدى إلى إضعاف المجتمعات العربية وتشويهها، وإصابتها بلعنة «فساد العمران» التى تحدث عنها ابن خلدون فى مقدمته، هذا للتشخيص دفع أحد الفلاسفة الذين اشتركوا فى حوارات القاهرة الأخيرة إلى القول بأن التجربة أثبتت فشل جامعة الحكومات العربية. وأن رياح الربيع التى هبت على العالم العربى تهيئ فرصة مواتية لتأسيس ما أسماه جامعة الشعوب العربية. ورغم أن الفكرة لم تطرح للمناقشة التفصيلية، إلا أنها كانت بمثابة دعوة لإحياء دور الشعوب فى تقرير المصير العربى، بعد أن ظل ذلك الدور حكرا على حكومات لم تمثلها يوما ما.

إذا وسعنا دائرة النظر فى مشكلات الداخل فسوف نلاحظ أن غياب الديمقراطية يمثل سببا جوهريا لها، ولكننا سنجد أن الخلافات المحتدمة بين المثقفين، خصوصا الذين يمثلون التيارين العلمانى والإسلامى، تمثل عائقا آخر لا يهدد التقدم ويهدد الاستقرار فحسب، ولكنه أيضا يصرف الانتباه عن قضايا المصير التى تشكل تحديدا وجوديا للطرفين.

(5)
فى تقديمه لمذكرات جمعية «أم القرى» التى ضمنها خلاصة حوارات مؤتمر نهضة الأمة الذى انعقد فى مكة المكرمة سنة 1316هجرية ــ 1898 ميلادية كتب عبدالرحمن الكواكبى يقول:
«لما كان عهدنا هذا عهدا عمّ فيه الخلل والضعف كافة المسلمين. وكان من سنن الله فى خلقه أن جعل لكل شىء سببا، فلابد لهذا الخلل الطارئ والضعف النازل من أسباب ظاهرية غير سر القدر الخفى عن البحر. (لاجل ذلك) دعت الحمية بعض أفاضل العلماء والسراه والكتاب السياسيين للبحث عن أسباب ذلك، والتنقيب عن أفضل الوسائل للنهضة الإسلامية».

هذا الكلام ينطبق على حوارات لقاء المثقفين العرب الذى انعقد فى القاهرة، والذى كان الدافع إليه هو ذاته ما دفع الكواكبى قبل 114 عاما إلى تحرى أسباب الضعف والخلل الذى أصاب الأمة الإسلامية، وإن تشابهت فى الدوافع وفى الكتمان الذى أحاط بالحوارات، وفى الحرص على تمثيل شعوب الأمة، إلا أنهما اختلفتا فى كون حوارات الكواكبى تحدثت عن أحوال الأمة الإسلامية أما ما شهدته القاهرة كان موضوعه أزمة الأمة العربية. وفى حين ان الكواكبى دعا المجتمعين إلى إجراء حواراتهم «بصورة خفية فى دار بأطراف مكة، استؤجرت باسم بواب داغستانى روسى، لتكون مصونة من التعرض»، فإن الاجتماعات التى عقدت بالقاهرة تمت فى قاعة بأحد الفنادق، بعيدا عن أعين وسائل الإعلام وآذانها. وتمت العملية كلها بترتيب من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لمغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (اسكوا) التى ترأسها الدكتورة ريما خلفا مساعدة الأمين العام، وتتخذ من بيروت مقرا لها.

ثمة فرق آخر بين ما عرضه الكواكبى وهذا الذى قدمته، يتمثل فى ان شيخنا الكبير عرض خلاصة ما تحدث به ممثلو العالم الإسلامى، فى حين أن ما كتبته هو من وحى المناقشات التى أجراها المثقفون الذين جاءوا إلى القاهرة من أطراف العالم العربى. والذى تحدث به هؤلاء وهؤلاء، يظل من قبيل أجراس التنبيه التى تتردد فى فضاء الأمة، وتنتظر من يستجيب إليها.

aymaan noor 18-10-2012 01:12 AM

اليهودي الجيد: سياسات الهوية في التراث المؤسساتي الأمريكي اليهودي
 
اليهودي الجيد: سياسات الهوية في التراث المؤسساتي الأمريكي اليهودي
http://arabic.jadaliyya.com/content_.../3/goodjes.jpg
Samantha Brotman
من هو اليهودي "الجيد" في التراث الأمريكي المعاصر؟ ما هي العلاقة بين الصهيونية وبين الهوية اليهودية؟ كيف يتعامل اليهود المعادون للصهيونية، أو يقاومون، سوء استخدام إيمانهم في الفكر الصهيوني؟ وهل يمكن للإجابات عن هذه الأسئلة أن تحقق تطوراً في قضية العدالة في إسرائيل وفلسطين؟

يبدو أن الصهاينة يكسبون معركة السيطرة على سياسة الهوية اليهودية في الولايات المتحدة. وكنتيجة لهذا، فإن النقاش العام حول ما الذي يصنع يهودياً "جيداً" أو "سيئاً" يجبر بعض التقدميين من اليهود المعادين للصهيونية، وبضمنهم أنا، على أن نعبر عن معارضتنا للسياسة الإسرائيلية كموقف نابع من فهمنا للديانة اليهودية. بالنسبة للبعض، يشكل النص المقدس والإيمان الأسس لمعارضتهم لإسرائيل، وإنه لمن المهم فعلاً أن نناقش إسرائيل بمصطلحات دينية. وحسب تعبير الناشط الإسرائيلي الولادة، جلعاد أتزمون، " إذا كانت إسرائيل تعرّف نفسها كدولة يهودية، وتتزين دباباتها وطائراتها بالرموز اليهودية، فإنه من حقنا أن نسأل: من هم اليهود؟ ما هي اليهودية؟ وما هو التهوّد؟"1 لهذا السبب فإن النقاش حول إسرائيل وعلاقتها باليهودية والقانون اليهودي يُعد نقاشاً مهماً. ولكن، بالنسبة للكثير من اليهود الأمريكيين فإن توظيف الخطاب الخاص بالأخلاق اليهودية هو ببساطة وسيلة للدفاع عن هويتنا في مواجهة خطاب مستمر يروج لفكرة أن الصهيونية هي الحل للمعاناة اليهودية. إن الرد على هذا الضغط يمكن أن يشتت التفكير عن مواجهة نقاط أكثر قوة تحتاج لأن نثبتها وتتعلق بالتاريخ، والعدالة الاجتماعية، والقانون الدولي. وحين نهمل هذه النقاط في نقاشنا ضمن المجتمع اليهودي فإننا نجد أنفسنا أمام ثقافة يهودية مؤسساتية يهيمن عليها في الغالب الفكر الصهيوني وانعدام التسامح تجاه أي معارضة لإسرائيل. إن العمل خارج الطرح المتعارف عليه هو عمل على هامش الحياة اليهودية العامة، وإذا أردنا أن نغير الوضع الحالي، فإنه يجب على القادة اليهود الدينيين والاجتماعيين في نهاية المطاف أن يكونوا مرتاحين لانتقاد إسرائيل بدون تعريض مكانتهم داخل التراث اليهودي المؤسساتي للخطر. يحتاج كل ما سبق إلى إعادة دراسة مؤلمة للهوية اليهودية.

إن الروايات المهيمنة حول النزاع العربي-الاسرائيلي تحاول أن تختزل تاريخاً معقداً إلى قصة بدائية عن الكراهية بين العرب واليهود. إن النسخ المبسطة من التاريخ تدمج مصطلحي اليهودية والصهيونية، مقرنة الهوية اليهودية بدعم الدولة اليهودية. مع ذلك، فإن أي قراءة متعمقة للتاريخ تكشف لنا أن التقسيم إلى "عرب" و"يهود" هو شيء معقد ومركب في حد ذاته،2 وأن المجتمعات اليهودية المختلفة في أنحاء العالم تعيش منذ زمن طويل مقسمة بناء على اعتبارات لغوية، ووطنية، وطبقية، وأيديولوجية. وبشكل مشابه فقد كانت الحركة الصهيونية دوماً عامل تقسيم بين المجموعات اليهودية وفي داخلها. إن دولة إسرائيل لم تولد من رحم رغبة يهودية مجهولة في بناء أمة واحدة، إنما كانت نتيجة حشد معقد من الحقائق السياسية والاجتماعية، والتي روجت في النهاية للمطامح الصهيونية السياسية رغم المعارضة اليهودية الواسعة النطاق، بل العداء لفكرة الوطن القومي.

صهيون يفرّق

في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، برز التيار الصهيوني في أوروبا الغربية ضد التيار اليهودي العلماني العام الذي كان يدعو للقيم الليبرالية ويروج للتجارب التاريخية في نزع الصفة الوطنية واستيعاب الجميع. لهذا، فقد تخوف الكثير من اليهود عندما واجهوا الصهيونية في بدايات القرن العشرين من أن هذه الحركة قد تحبط كل ما أنجزوه من تقدم في مجتمعاتهم المختلفة.3 لقد كان لدى الكثيرين في المجتمعات اليهودية المحافظة مخاوفهم الخاصة على اختلاف أسبابهم. بالموازاة مع رفضهم للاستيعاب العلماني للجميع، رفض هؤلاء اليهود فكرة الدولة محتجين أن دولة يهودية مستقلة قبل ظهور المسيح المخلص يخالف القانون اليهودي. هذه الحركة لا تزال موجودة ( نيتوري كارتا Neturei Karta على سبيل المثال)، وهي معروفة اليوم بفضل صور الرجال اليهود الملتحين الذين يتظاهرون ضد اسرائيل في العديد من مدن العالم.

لم يقتصر التشكيك في الحركة الصهيونية على اليهود الأوربيين، فقد أثرت ظروف عديدة بقوة على ردود أفعال اليهود تجاه الصهيونية. كتبت أبيجال جاكوبسون عن "الصهاينة القدامى"، أو المجتمع اليهودي الأصلي في فلسطين، وتصف المناقشات ضمنه في الوقت الذي بدأ فيه المهاجرون اليهود الأوروبيون بالاستيطان في فلسطين حين هددت الحرب العالمية الأولى بتغيير المشهد السياسي لهم. بالنسبة لليهود العثمانيين، لم تكن اليهودية مسألة استيعاب، أو ديانة، أو هوية وطنية لليهود، بل كانت مسألة ولاء للامبراطورية العثمانية، ومناقشة لوضعهم في مجتمع يواجه حقائق زمن الحرب. ومن المثير أن إثبات الولاء للامبراطورية بالنسبة لليهود العثمانيين وُجد أحياناً بشكل متزامن مع الصهيونية. رغم أن اليهود العثمانيين الصهاينة، كما توضح جاكوبسون Jacobson، واليهود العثمانيين بشكل عام، كانوا أكثر ميلاً تجاه التعايش المشترك بين اليهود والمسيحيين والمسلمين من نظرائهم الأشكناز.4 لقد قمت باستعراض هذا التاريخ هنا حتى أوضح نقطة مهمة: إن الطرق التي استقبل بها اليهود الصهيونية كانت تتأثر دوماً بما يحيط بهم من بيئات سياسية واجتماعية متغيرة. بالنسبة لأنصار الصهيونية، فإن الفوز بتأييد نظرائهم المتدينين كان أمراً معقداً نتيجة الرؤى المختلفة للصهيونية التي تبنتها المجموعات اليهودية المتعددة حول العالم.

كراهية النفس اليهودية

حاول الصهاينة في مسعاهم لكسب تأييد اليهود في مختلف الظروف السياسية والاجتماعية، أن يخاطبوا ما اعتبروه الهموم اليهودية العالمية المشتركة. لهذا، فإنه ليس من المفاجئ أن المفهوم النفسي والاجتماعي لكراهية النفس اليهودية بدأ يتكون في أوروبا بالتزامن مع تأسيس الأيديولوجيا الصهيونية. طرح اليهود من أنصار مفهوم كراهية النفس "أن الاستيعاب كان عاملا مخرباً لليهود، وهو الذي أنتج كراهية النفس، وأن الحل بالنسبة لليهود هو التأكيد على هويتهم اليهودية بشكل أساس من خلال مشروعهم الوطني."5 إن هذا المسار، الذي يساوي بين رفض الصهيونية وكراهية النفس، يبقى جزءاً من الواقع المعاصر الذي يحيط بالصهيونية والهوية اليهودية (أنظر منشور الجمعية الأمريكية اليهودية). إن القلق الحقيقي الذي ينتجه هذا التوجه يُضاف إلى قلق أكبر فيما يخص معاداة السامية والوجود اليهودي. هذا القلق هو جزء أساسي من السبب في كون الصهيونية جزءاً ثابتاً من "الهوية اليهودية" التي تسعى الكثير من المنظمات اليهودية إلى دعمها والحفاظ عليها.

تراث المؤسسات اليهودية الأمريكية

غني عن القول إن الحركة اليهودية المضادة للصهيونية في أوائل القرن العشرين قد فشلت، ولكن "الكثير من بقاياها لا يزال صداها يتردد في التوترات التي تلحق بالمهجر الإسرائيلي.6 وبينما اختلف وجه اليهودي المعادي للصهيونية فإن الرد الصهيوني يبقى هذا الموضوع الذي لا ينتهي عن "اليهودي الجيد." يقولون إن معنى أن تصبح "يهودياً جيداً،" هو أن تؤمن اليهود يمتلكون تاريخاً فريداً من المعاناة وأن إسرائيل أنشئت كخلاص من هذه المعاناة. إن الاعتقاد هو أن العلم الإسرائيلي، الذي تتوسطه نجمة داود، ينتمي للكنيس، وللمؤسسات اليهودية الاجتماعية، ولقمصان المخيمات الصيفية. إن الكثير من التفاصيل الدقيقة في التاريخ الصهيوني قد فُقدت، حيث أن الكثير من الشباب الأمريكي اليهودي قد فهموا تأسيس دولة إسرائيل على أنه ذروة تاريخهم الديني. هذه الآراء يتم تجسيدها وتدعيمها في الكنيس، وجماعات الشباب اليهودي، والمنظمات الاجتماعية، والتراث الشعبي في عموم الولايات المتحدة.

تمتلك واحدة من أبرز منظمات الشباب اليهودي، وهي منظمة بني برث B’Nai Brith Youth Organization (BBYO)، مهمة إلهام الشباب "أن يعيشوا الحياة اليهودية وهم يخلقون تغييرا في هذا العالم". هذا هو وجه بني برث، وربما هو السبب في التحاق الشباب اليهودي بالمنظمة. ولكن الجزء الآخر من مهمة بني برث هو تمكين "المراهقين من استكشاف مساحات القيادة، والخدمة، والتفاعل المجتمعي، والتثقيف فيما يخص إسرائيل والقيم اليهودية."2 إحدى المهام الرئيسة لبنات بني برث- القسم النسائي لبني برث، الذي كنت عضوة وقائدة له في المدرسة الثانوية- هو "أن نساعد المراهقين اليهود على تطوير التزامهم لدولة إسرائيل و كلال إسرائيل (كل إسرائيل)."3 هذه الجوانب من مهمة بني برث وبرنامجها ليست واضحة تماما للمراهقة التي تريد أن تختلط اجتماعيا مع رفيقاتها، أو لوالديها الذين يتلهفون على تسهيل تعرف أبنائهم بيهود آخرين. إن الجوانب الخاصة بإسرائيل في جماعات الشباب اليهودي مثل بني برث دقيقة ومؤثرة في نفس الوقت.

على سبيل المثال، فإن الأغنية الدولية لبني برث تُغنى في أغلب اللقاءات والمؤتمرات من قبل أعضاء بنات في بني برث. وكلمات الأغنية هي كما يلي:

نحن نتعهد لك يا بني برث بحبنا، وبشبابنا، وبولائنا

نغني لك بأصوات فرحة، وتصل أصواتنا إلى السماء

من صهيون جاء الأبيض والأزرق

ليعطي هذه الألوان، داكنة وصادقة

وتجتمع بناتنا حولها لترفع رايتنا عالياً

عادة ما تغني البنات اللواتي نفذ صبرهن هذه الأغنية، فهن مستعجلات على إنهاء عملهن المؤسساتي والالتقاء بالشباب الجدد. ورغم ذلك، فالرسالة واضحة: حتى تكون شاباً يهودياً يجب أن تكون موالياً لإسرائيل. الفخر، والحب الأخوي، والهوية اليهودية، والصهيونية، تُجمع سوية لتُقدم وبلا تمييز لمراهقة يهودية قد لا يشجعها أحد على أن تسال أسئلة حيوية عن هويتها وعن الصهيونية.

وبالتأكيد فإن بني برث ليست هي المنظمة الشبابية الوحيدة في الولايات المتحدة، رغم أنها نموذج واضح (لاحظ البرامج المماثلة في كل من هيلل Hillel، NFTY، ويهودا الصغير Young Juda). هناك منظمات أقل تسييساً، بل إن بعضها ليست صهيونية بشكل صريح (مثل الصوت اليهودي للسلام Jewish Voice for Peace). ولكن تبقى حقيقة أن التراث اليهودي المؤسساتي المهيمن- في المراكز الاجتماعية، والمخيمات الصيفية، وجماعات الشباب، والكنيس التي تحدد مسار الحوار فيما يخص العلاقة بين اليهود وإسرائيل- هو تراث صهيوني. هناك جدل يحيط بموضوع ما إذا كان الشباب اليهودي الأميركي يصبح يوماً بعد آخر أقل أو أكثر ارتباطاً بإسرائيل، ولكن هناك مؤشرات ضعيفة على أن التراث المؤسساتي يتغير. أن تكون ناقداً لإسرائيل يجعل من الصعب عليك أن تكون عضواً، ناهيك عن أن تكون قائداً، في هذا التراث وتجربتي الشخصية شاهد على هذا الكلام.

لقد خصصت جزءاً كبيراً من حياتي للمجتمع اليهودي كقائدة في منظمات مثل بني برث BBYO، وهلل Hillel. لقد استفدت كثيراً من انخراطي في الحياة العامة اليهودية. ولكني كبالغة بدأت أطرح أسئلة حساسة لقادة المجتمع اليهودي حول السياسة والتاريخ في الشرق الأوسط. كنت آمل أن تساعدني أجوبتهم في التعامل مع ما كنت أطلع عليه آنذاك عن المعاناة الفلسطينية مع العالم اليهودي الذي كنت قد بدأت أعرفه. عوضاً عن هذا، فقد جعلتني أسئلتي هدفاً للشكوك، ولم أعد أشعر بنفس الراحة والفخر في موقعي ضمن المجتمع اليهودي. وفي أوقات متعددة، بدا لي مغرياً أن أعيد تأكيد هويتي اليهودية عن طريق إرجاع معارضتي لإسرائيل إلى المبادئ اليهودية. بعملي هذا لم أكن أساعد نفسي على أن أعود مرة أخرى إلى الحياة اليهودية العامة. بالمقابل، فقد حاولت أن أضيف صوتي إلى الشجارالخاص بحركة التضامن الفلسطينية الكبرى. هذه الحركة المتنوعة تقودها مجموعة من الأشخاص المتحمسين والمخلصين في كل أنحاء العالم، ولكنها قويت أكثر بفلسطينيي المهجر. في غضون ذلك، فإن المؤسسات اليهودية الأميركية السياسية والاجتماعية الرئيسة لا يزال يقودها يهود، وهم إما صهاينة أو أشخاص غير راغبين في الحديث ضد الصهيونية. وبهذا، يستمر أسلوب الحديث بطريقة "نحن" و"هم".

إن احتمالية تأثير اليهود غير الصهاينة أو المعادين للصهيونية على التراث المؤسساتي اليهودي لا تزال قائمة وحقيقية، ولكن بشرط ألا يستمر اليهود في تخوفهم من أن تتعرض هويتهم للمساءلة بسبب آرائهم السياسية. إن التدريب على نقد إسرائيل إنطلاقاً من الأخلاق اليهودية ليس هو الطريق الوحيد لحماية صفة الفرد في كونه "يهودياً جيداً". إن إبراز التاريخ الغني للمعارضة اليهودية للصهيونية في بريطانيا، والامبراطورية العثمانية، والولايات المتحدة هو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه. في السابق، كان التراث المؤسساتي اليهودي يضم بين صفوفه، بل وكان يمثل أيضاً عن طريق منظمات ترى أن المشروع الصهيوني خطر على العالم اليهودي.7 وكون أن هذه المنظمات قد تراجعت بفعل زيادة عدد المنظمات الصهيونية وتزايد سرعة نشاط الحشد الصهيوني لا يعني أننا يجب أن ننسى التاريخ، أو أن هذا التاريخ قد مات في زماننا الحاضر. إن استحضار هذه الصورة الكاملة للتاريخ اليهودي في الذهن قد يجعل اليهود المنتقدين لإسرائيل يشعرون بثقة أكبر في طرح نقدهم. أن تكون "يهودياً جيداً" سوف لن يعني أنك تقف مع إسرائيل، ولكنك تقف مع العدالة الاجتماعية، حتى مع الفلسطينيين بشكل خاص. هذا هو بالطبع ما يعنيه أن تكون "يهودياً جيداً" بالفعل.

أ/رضا عطيه 18-10-2012 01:46 AM

جزاكم الله خير

صفاء عزمى 18-10-2012 04:18 AM

اطئمنوا الثورات جاية لان نظم ملكية حرامية وفسقة اولهم السعودي

محمد محمود بدر 18-10-2012 01:03 PM

جزاك الله خيرا

أ/رضا عطيه 18-10-2012 01:19 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء عزمى (المشاركة 4917725)
اطئمنوا الثورات جاية لان نظم ملكية حرامية وفسقة اولهم السعودي

هذا السعودى

فمارأيك فى الإيرانى واللبنانى وخاصة فى جنوبه ؟!!!!!!!!!!
شكرا

aymaan noor 19-10-2012 02:18 PM

المال السياسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
 
المال السياسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...9a826ae3_L.jpg
عمرو عبد العاطي
باحث متخصص في الشئون الأمريكية
تتميز الانتخابات الأمريكية بأنها الانتخابات الأكثر تكلفة في العالم؛ حيث يستخدم المتنافسون في الانتخابات الرئاسية أو في انتخابات الكونجرس بمجلسيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) مبالغ طائلة من الأموال لتمويل حملاتهم الانتخابية. تدوم هذه الحملات لأشهر عدة يسعى المرشحون خلالها لتقديم أنفسهم ووجهات نظرهم للناخب الأمريكي من جهة، واستخدام الحملات الإعلانية لإضعاف مركز منافسهم من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يرتب أن يلعب المال وممولو الحملات الانتخابية دورًا مؤثرًا في الانتخابات الأمريكية، مما يؤثر بشكل واضح على أجندة المرشحين.

وينظم القانونُ الأمريكي منذ عقود طويلة تمويلَ الانتخابات الأمريكية، وكيفية مراقبة إنفاق أموال التبرعات الانتخابية؛ إلا أن تغيرًا هامًّا قد طرأ على ذلك بصدور حكم قضائي فتح آفاقًا جديدةً للإنفاق السياسي من جانب الشركات الكبرى والاتحادات والمنظمات التي لا تبغي الربح بدون قيود، وعدم خضوعها للقوانين المنظمة لتمويل الانتخابات. وهو ما عظم من دور ما يعرف في الأوساط الأمريكية، الصحفية والإعلامية، بـsuper political action committee ، أو «سوبر باكس» super PACsفي الانتخابات الرئاسية هذا العام؛ حيث تسمح لها الأحكام القضائية الصادرة مؤخرًا بجمع مبالغ غير محددة من الأموال من المانحين، مما سيجعل الانتخابات الرئاسية لعام 2012 الأكثر كلفة في تاريخ الانتخابات الأمريكية.

بداية ظهور السوبر باكس (Super (PACs

ظلت لجانُ العمل السياسي (PACs) (وهي منظمات تنشأ لتجميع تبرعات الأفراد والمؤسسات التابعة لجماعات مصالح أمريكية معينة، وتوجيه هذه التبرعات لمساندة المرشحين الداعمين لها)؛ جزءًا من النظام السياسي الأمريكي لزمن طويل، وهي تخضع لقيود قانونية على حجم المبلغ الذي يمكن للمواطنين الأفراد واللجان التبرع به للمرشح الذي يفضلونه، وقد ظهرت هذه اللجان بالأساس للحد من سطوة المال على الانتخابات والسياسة الأمريكية، وذلك عن طريق توثيق التبرعات المالية للمرشحين السياسيين، وتحريم بعض أنواع التبرعات، وخاصة تبرعات الشركات الكبرى المالية المباشرة للمرشحين السياسيين، وكذلك تشجيع المرشحين السياسيين على التقليل من تكاليف حملاتهم الانتخابية. فعلى تلك اللجان تسجيل أنفسها قبل العمل لدى هيئة الانتخابات الفيدرالية Federal election commissionالمخولة للإشراف عليها، وتنفيذ قوانين تمويل الحملات الانتخابية.

وقد زاد عدد لجان العمل السياسي، وتعاظم دورها بصورة متزايدة خلال السنوات الأخيرة؛ فقد ارتفع عددها من 608 لجان في عام 1976 إلى ما يقرب من 4600 لجنة عمل سياسي في عام 2006. ويسمح قانون تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية لهذه اللجان بجمع تبرعات فردية لا تزيد عن 5000 دولار من الشخص الواحد ليؤكد دعما لمرشح ما أو تأييدا لقضية معينة.

جاء قرار المحكمة العليا الصادر في يناير من عام 2010 في قضية «المواطنون المتحّدون ضد اللجنة الفدرالية للانتخابات ،» ليؤكد على أن «الشركات الكبرى لها نفس حقوق الأشخاص الطبيعيين .» وبأنه لا يحق للحكومة تحديد المبالغ التي تستطيع هذه الشركات إنفاقها لدعم أو انتقاد المرشحين السياسيين. وفي مارس 2010 قضت محكمة استئناف فيدرالية أن بإمكان لجان العمل السياسي قبول الهبات غير المحدودة طالما أنها لا تُنسّق مع حملة انتخابية أو حزب سياسي ولا تكون موجهة منهما. وأدى الحكمان القضائيان إلى ظهور ما بدأ يعرف داخل الأوساط الأمريكية ب «سوبر باكس» التي يُسمح لها بجمع مبالغ غير محدودة من الأموال من المانحين.

ومع أن هذه المنظمات لا يحق لها أن تمنح الأموال مباشرة للحملات الفردية أو التنسيق مع المرشحين أو مع الأحزاب السياسية؛ فإن باستطاعتها استخدام ما تشاء من الأموال التي
تتمكن من جمعها للترويج لمن تؤيده من المرشحين ولمهاجمة خصومه السياسيين. وقد تكونت Super Pacsموالية لكل من الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» الساعي إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية، ومنافسه الجمهوري «ميت رومني» حيث تنافسا على جمع وإنفاق أكبر قدرٍ من الأموال.هذا وقد بدأ استخدامُ «المال السياسي » على نطاق واسع في الانتخابات الرئاسية لعام 2004 ؛ حيث أنفقت منظمات وكيانات تابعة للحزب الديمقراطي أكثر من 200 مليون دولار لانتخاب السيناتور «جون كيري» رئيسًا للولايات المتحدة في مواجهة منافسه الجمهوري «جورج دبليو بوش ».

وفي عام 2010 أنفقت مجموعة من المنظمات الممولة من قبل التيارات اليمينية المحافظة نحو 300 مليون دولار لمساعدة المرشحين الجمهوريين للسيطرة على مجلس النواب، والفوز بمقاعد إضافية في مجلس الشيوخ. وقد نجحوا في ذلك. ولكن الجديدَ هذا العام أن تلك المنظمات واللجان تعمل بصورة قانونية بعد قرار المحكمة العليا الأمريكية، وقد شهد هذا العام تزايد أعدادها، وتعاظم دورها وتأثيرها في مجريات الحملات الانتخابية للمرشحين من الحزب الجمهوري المتنافسين للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للمنافسة على منصب الرئيس في السادس من نوفمبر المقبل.

مصادر أموال السوبر باكس وأوجه إنفاقها:

يتعاظم دور السوبر باكس مع ارتفاع تكلفة الحملات الانتخابية للمرشحين لمنصب الرئيس؛ حيث يحتاج المرشح الرئاسي لأموال طائلة لتغطية احتياجات حملته الانتخابية من توظيف هيئة موظفين بحملته ومكاتب وتنظيم رحلات إلى الولايات المختلفة، وأحيانا خارج الولايات المتحدة، وإجراء الأبحاث، والإعلان من خلال وسائل الإعلام المختلفة: الصحف والراديو والتلفزيون وشبكة الإنترنت، وتنظيم العديد من أنشطة الظهور في الأماكن العامة وجمع التبرعات. ويواجه المرشحون لمنصب الرئيس مهمة صعبة تشتمل على تنظيم حملات الانتخابات التمهيدية في كل ولاية على حدة، ثم تنظيم حملات انتخاب عامة في سائر أنحاء البلاد، إذا ما تم ترشيحهم من قبل أحزابهم.

يعتمد العديدُ من مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية على دعم لجان العمل السياسي؛ في ظل رفضهم قبولَ أموال حكومية لتمويل حملاتهم؛ حيث إن الحد المفروض على الإنفاق في مقابل هذا الدعم يعتبر منخفضًا جدًّا، وعلى الرغم من أن السوبر باكس قانونا ممنوعة من التنسيق مع المرشحين إلا أن القائمين على إدارتها يرتبطون بعلاقات قوية بالمرشح الذي تدعمه تلك اللجان. فالمجموعة التي دعمت «ريك بيري» الذي دخل سباق التنافس على الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري ساهم في تأسيسها «ميك تومي» الرئيس السابق لمكتبه عندما كان حاكم ولاية تكساس. والمجموعة التي دعمت «نيوت جينجريتش» «WinningOur Future» كان يعمل بها «ريك تايلر» مساعد «جينجريتش» لفترة طويلة. ويعمل «تشارلي اسبايس» أمين صندوق المجموعة التي تدعم المرشح الجمهوري «ميت ورمني» وقد عمل أيضاً في الحملة الانتخابية الرئاسية لـ«رومني » عام 2008 .

يُعد المرشحُ الجمهوري «ميت رومني» هو أكثر مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية دعمًا من قبل السوبر باكس نظرًا لتاريخه كرجل أعمال، وإلى اختياره منافسه السابق «بول راين» لينافس معه على بطاقة الحزب الجمهوري كنائب للرئيس، ويرتبط «راين» بعلاقات قومية بالتجمعات الاقتصادية المحافظة، فض عن خبرته المالية وصداقته بطبقة رجال الأعمال الأمريكية. وحسب العديد من التقارير وهيئة الانتخابات الفيدرالية فإن دعم السوبر باكس للمرشح الجمهوري «رومني» زادت بمليون دولار خلال شهر يوليو من العام الجاري. وتسعى إحدى لجان السوبر باكس «استعادة مستقبلنا» التي يديرها أحد مساعدي «رومني» إلى زيادة أموالها من التجمعات الاقتصادية والأشخاص الأغنياء لدعم «رومني». وتساهم التجمعات الاقتصادية والشركات ب 3.1 ملايين دولار في الشهر، بينما الأفراد ب 4.3 ملايين دولار.

لا تقدم السوبر باكس أموالها للمرشحين الذين تدعهم بصورة مباشرة، ولكنها تستخدمها إما في تقديم الدعم غير المباشر للمرشح أو مهاجمة الخصوم في الانتخابات الرئاسية أو الكونجرس بمجلسيه طالما لا تنسق بصورة مباشرة مع الحملات الانتخابية أو الأحزاب السياسية.

وفي هذا السياق؛ يُشير تقرير بصحيفة «لوس أنجلوس تايمز » أن 80 لجنة من السوبر باكس أنفقت حتى الثاني والعشرين من أغسطس 2012 ما يقرب من 194.4 مليون دولار، وأن 74 % منها تستخدم في إعلانات تهاجم مرشحا معينا. فعلى سبيل المثال، أنفقت إحدى لجان السوبر باكس الداعمة لرومني ما يقرب من 18 مليون دولار على إعلانات تهاجم منافسه الديمقراطي «أوباما ».

ومن ناحية أخرى؛ فقد أنفقت لجان السوبر باكس التي تدعم «رومني » ما يزيد على 40 مليون دولار لاستهداف منافسيه على الترشح للرئاسة من الحزب الجمهوري. وكان هذا الدعمُ جليًّا في الانتخابات التمهيدية بولاية أيوا؛ حيث إن كثير من الإعلانات التلفزيونية والدعاية الإعلامية للمرشح الجمهوري «رومني» قامت بها الجماعات المؤيدة له بعيدا عن أموال حملته الخاصة. فقد أنفقت حملة «رومني 28.7 » ألف دولار على الحملات التلفزيونية في ولاية أيوا، وفي المقابل أنفقت السوبر باكس التي تدعم «رومني 780 » ألف دولار على الإعلانات التلفزيونية في أيوا.

مؤيدو ومعارضو السوبر باكس

انقسمت الأوساط الأمريكية بين مؤيد ومعارض لعمل السوبر باكس ودورها في الانتخابات الأمريكية. فجماعات «احتلوا وول ستريت» التي تنشط في الولايات المتحدة الأمريكية تعارض إعطاء الشركات الكبرى نفس حقوق الأشخاص الطبيعيين مع استثنائهم من السقف الموضوع على التبرعات الانتخابية. في حين يرد آخرون على تلك الاعتراضات بأن الدعم المالي لمرشح أو قضية من اختيارهم هي شكل من أشكال حرية التعبير التي ينص عليها الدستور الأمريكي بتعديلاته.

تذهب جملة من الاعتراضات إلى أن قرار المحكمة العليا خلال عام 2010 أدى إلى نقض العديد من الأحكام في تشريعات إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، مثل قانون ماكين – فانجولد، والتي كانت تهدف إلى الحد من الإنفاق على الحملات الانتخابية، وإضفاء الشفافية حول مصادر التمويل السياسي، وبالتالي سمح بأن يكون للمال دور كبير في الانتخابات الأمريكية.

ويرى الكثيرون أن المبالغ الطائلة من المال السياسي، والتي تأتي أساسًا من دوائر المال والأعمال، يثير تساؤلات كبيرة حول نفوذ هذه الدوائر على السياسات العامة، ويجعل أجندة المرشحين بعيدة كل البعد عن احتياجات الناخب الأمريكي العادي. وذلك يضر، في التحليل الأخير، بالديمقراطية الأمريكية، ويجعلها ديمقراطية تعبر عن مطالب ورغبات الأغنياء فقط.

aymaan noor 19-10-2012 02:23 PM

جزاكم الله خيرا و بارك الله فيكم

aymaan noor 20-10-2012 09:08 PM

أبعاد وتداعيات موجة الاحتجاجات الفئوية في مصر
 
أبعاد وتداعيات موجة الاحتجاجات الفئوية في مصر
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...c0b75bb2_L.jpg
محمد عبد الله يونس
ارتبط تصاعد وتيرة الحراك الاجتماعي في دول الإقليم بموجة عاتية من الاحتجاجات الفئوية لا تستهدف إسقاط النظم الحاكمة بقدر ما تمثل ثورة على مؤسسات الدولة مع احتدام التناقضات بين المطالب المجتمعية المتصاعدة والقدرات الاستيعابية المحدودة لتلك المؤسسات، في خضم أزمات تخصيص الموارد، وتوزيع المنافع الاجتماعية، واستنزاف الموازنة العامة

، وفي هذا الصدد لم يكن الحراك الاجتماعي مقصورًا على دول الربيع العربي؛ إذ شمل دولا عديدة، لا سيما الكويت والمغرب مع ارتفاع معدلات التضخم، والأردن والضفة الغربية عقب رفع أسعار الوقود، بيد أن موجةً جديدةً من الاحتجاج الاجتماعي قد تفجرت في مصر في الآونة الأخيرة، بما يثير تساؤلات متعددة حول خصائصها وأسبابها كبادرة لظاهرة إقليمية صاعدة، وإلى أي مدى يمكن للنظام الحاكم احتواؤها.

خصائص موجة الاحتجاجات الفئوية

تتشابه موجة الحراك الشعبي الأخيرة مع مقدمات الثورات العربية؛ إلا أن تركيزها ينصب على مطالب اجتماعية واقتصادية كنتاج لعقود من اختلال التوازن الاجتماعي، وانسداد الأفق، والتهميش، بما أدى إلى فوران مجتمعي في ظل سياق سياسي مواتٍ عقب زوال القيود السلطوية، وفي هذا الإطار تمثلت الخصائص العامة لموجة الاحتجاجات الفئوية فيما يلي:

1- اتساع النطاق: حيث شهدت مختلف القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة في الآونة الأخيرة احتجاجات فئوية بدرجات متفاوتة، بداية من اعتصام المضيفين الجويين في مطار القاهرة، وتعطيل حركة الملاحة الجوية في 7 سبتمبر الجاري، مرورًا بإضراب موظفي الجامعات المصرية في 15 سبتمبر، بالتوازي مع إضراب واسع النطاق في هيئة النقل العام في العاصمة، وإضراب أوسع نطاقًا للمعلمين في المدارس الحكومية، واعتصام بعضهم أمام مبنى مجلس الوزراء، وانتهاء بإضراب سائقي الأجرة، وموظفي وزارة الآثار في 17 سبتمبر، واعتصام طلاب وأساتذة جامعة النيل احتجاجًا على نزع ملكيتها.

2- سرعة الانتشار: يأتي السكون المرحلي في الاحتجاجات الفئوية متبوعًا بانفجارها بصورة أكثر حدة؛ حيث رصد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في إحصائية صادرة في 20 سبتمبر تصاعد عدد الاحتجاجات خلال الفترة المنقضية من شهر سبتمبر إلى 300 نشاط احتجاجي في أعلى معدل منذ بداية العام الحالي، وامتدت الاحتجاجات إلى قطاعات سيادية مثل احتجاج ضباط الصف بالقوات المسلحة، وقطعهم الطريق الدائري في 12 سبتمبر، واعتصام مجندي سجن قنا، واحتجاج العاملين بهيئة الطاقة الذرية بمفاعل أنشاص والعاملين بالمصانع الحربية في 16 سبتمبر الجاري.

3- التركز في القطاع الحكومي والحضر: تركزت غالبية الاحتجاجات الفئوية في القطاعين الحكومي والأهلي في النصف الأول من شهر سبتمبر نتيجة اتساع نطاق المطالب الاقتصادية والاجتماعية مع امتداد الاحتجاجات إلى قطاعات جديدة مثل طلاب الجامعات الخاصة الرافضين لرفع المصروفات وملاك سيارات الأجرة المعترضين على دفع مخالفات المرور.

وعلى مستوى التوزيع الجغرافي فإن محافظة القاهرة ومحيطها الجغرافي شهدت العدد الأكبر من الأنشطة الاحتجاجية، تليها المحافظات الحضرية؛ غير أن ذلك لم يمنع امتداد آثارها وبصورة متفاوتة في الكثافة والحدة إلى محافظات أخرى.
4- تصاعد احتمالات ال***: انعكس الاحتقان الاجتماعي وإحباط ثورة التوقعات الثورية في تصاعد وتيرة ال*** الذي يتخلل الاحتجاجات الفئوية، فإحصاءات وزارة الداخلية الصادرة في 21 سبتمبر الجاري أكدت تصاعد أعمال ال*** الاحتجاجي خلال 48 يوما مضت إلى 80 حالة قطع طرق، و60 حالة تعطيل سكك حديدية، والقبض على 642 من مثيري الشغب الاحتجاجي، واتضحت مؤشرات ال*** في تهديد المعتصمين بإحراق شركة بتروجيت، واقتحام وزارة الزراعة من جانب العمال المؤقتين، وإغلاق بعض الجامعات من قبل المعتصمين والاشتباك مع الأمن.

أسباب تصاعد الاحتجاجات الفئوية

ترتبط الموجة الاحتجاجية المتصاعدة في مصر بمطالب ثابتة من مختلف القطاعات تتمثل في تعديل جداول الأجور والعوائد المالية، وتثبيت العمالة المؤقتة، وتعيين بعض الكوادر، وتطهير المؤسسات من قيادات النظام السابق، بيد أن الأسباب الرئيسية الدافعة للاحتجاجات تمثلت فيما يلي:

1- تردي أداء الاقتصاد: تؤكد مختلف المؤشرات الاقتصادية أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة عصيبة في الفترة الأخيرة؛ حيث ارتفع عجز الميزان التجاري بنسبة 47.9% خلال العام الجاري، وتراجع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.2%، مع تصاعد معدلات البطالة بنسبة 13%، ومعدلات التضخم بنسبة 9%، وارتفاع عجز الموازنة العامة إلى 170 مليار جنيه بنسبة 25% بما أدى إلى تراجع قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته منذ 7 سنوات.

2- إعادة الهيكلة الاقتصادية: أدى اتجاه الحكومة المصرية لاقتراض 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لطرح برنامج لإعادة الهيكلة الاقتصادية، وتقليص الإنفاق الحكومي، بما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في الأسعار، وخاصة أسعار الوقود والسلع الغذائية بنسب تتراوح بين 15% و45% و120%، وارتبط ذلك بأزمات نقص في مختلف السلع الحيوية في ظل تأخر وفاء الرئيس مرسي بتعهدات برنامجه الانتخابي في أول مائة يوم بالرئاسة، لا سيما القضاء على أزمات المرور والطاقة وارتفاع الأسعار.

3- استغلال السياق السياسي: ارتبط امتداد المرحلة الانتقالية وعدم حسم معادلات السلطة بإقرار الدستور، وتأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية بإدراك المواطنين لوجود فرصة سياسية مرتبطة بإعادة صياغة العقد الاجتماعي الحاكم لعلاقة الدولة بالمجتمع وسقوط القيود السلطوية والاستجابة الحكومية للاحتجاجات الفئوية على مدار المرحلة الانتقالية، بما شجع قطاعات أخرى في الانخراط بالحراك الشعبي حتى لا تتعرض للتهميش أو الغبن الاجتماعي في ظل ثورة الآمال والتوقعات كأحد خصائص حالة اليوتوبية الثورية المسيطرة على المجتمع.

4- الاستقطاب السياسي: انعكس احتدام التناقضات السياسية بين التيارات المدنية المعارضة ونظيرتها الإسلامية قبيل الانتخابات التشريعية في دعم أنشطة الاحتجاج الاجتماعي، والتنديد باستخدام القوة في التصدي لها، فاحتجاجات الموظفين في بعض الجامعات ارتبطت بتحفيز الاشتراكيين الثوريين والحزب الشيوعي، كما شارك الحزب الاشتراكي المصري في تنظيم احتجاجات الفلاحين بالنوبارية، واعترضت مختلف الأحزاب المدنية على فض اعتصام جامعة النيل بالقوة، وفي السياق ذاته فإن الحراك النقابي يُعد أحد محفزات تصاعد الاحتجاجات الفئوية، فالنقابة المستقلة للمعلمين تقود تنظيم الإضرابات المتوالية، وعلى النهج ذاته تقوم جمعية "أطباء بلا حقوق" بتنسيق الإضرابات الجزئية للضغط على الحكومة لتعديل هياكل الأجور.

مستويات تأثير الاحتجاجات الفئوية

أدى تصاعد وتيرة الاحتجاجات الفئوية إلى استنزاف موارد مؤسسات الدولة وعجزها عن أداء وظائفها، فاعتصام المضيفين الجويين بمطار القاهرة ترتب عليه خسائر تقدر بحوالي 50 مليون جنيه، فضلا عن أن الاستجابة الحكومية المتتالية لمطالب رفع الأجور أدت إلى تصاعد الإنفاق الحكومي إلى 533 مليار جنيه مع ارتفاع الرواتب في الموازنة إلى 136 مليار جنيه بنسبة 25% بما ترتب عليه ارتفاع عجز الموازنة، وتراجع قيمة الجنيه المصري، وتأزم أوضاع الاقتصاد.

وإدراكًا لخطورة الاحتجاجات الفئوية وتقويضها ركائز مؤسسات الدولة، تغير نهج الحكومة في التعامل معها، وهو ما بدت مؤشراته في استخدام القوة لفض خمسة اعتصامات يوم 17 سبتمبر، أهمها اعتصام سائقي النقل العام في المظلات، وطلاب جامعة النيل والمعلمين أمام مقر رئاسة الوزراء، بينما تمثلت الآلية الثانية في تجاهل الاحتجاجات الفئوية، ورفض الاستجابة لها، وهو ما بدا في رفض وزير المالية تحمل أي زيادة جديدة في رواتب المعلمين؛ إلا أن التسويات المؤقتة الآنية لا تزال النهج المسيطر على أداء الحكومة، وخاصة الوعود بدراسة المطالب، والتفاوض بشأنها.

وإجمالا تحكم سيناريوهات عديدة مآلات الاحتجاجات الفئوية في مصر. أولها يتمثل في الاستمرار في نهج الاستجابة الجزئية والحلول المؤقتة بما سيؤدي إلى مزيدٍ من العجز المالي، وتفجر مزيد من الاحتجاجات. وثانيها يتمثل في تجاهل الاحتجاجات بما سيؤدي إلى تحولها نحو ال***، وربما موجة ثورية جديدة. ويتمثل السيناريو الثالث في استخدام ال***، وعودة القيود السلطوية، بما سيحقق استقرارا هشًّا يُنذر بتفجر جديد للأوضاع. أما السيناريو الرابع والأمثل فيتمثل في حشد قطاعات المجتمع خلف برنامج تنموي واضح يتضمن تسوية كاملة للمطالب المجتمعية، ومد قنوات فعالة لاستقبال مطالب المحتجين، والتعامل معها بكفاءة.

darch_99 21-10-2012 12:39 AM

شكرا
 
السيد المحترم / ايمن نور

هذا المقال اتفق في كثير منه وقد اختلف في بعضة لكن من اكثر ما لفت انتباهي هذة الجملة

اقتباس:

وثانيها يتمثل في تجاهل الاحتجاجات بما سيؤدي إلى تحولها نحو ال***، وربما موجة ثورية
قد يكون الكلام والنتائج منطقي ووارد لكن الذي كتب هذا المقال يحلل ويدلنا فقط علي ما قد يحدث ولم يتقدم بحل تلك الاشكاليات واليوم وانا في طريقي الي بيتي خطرت علي بالي افكار وقلت فيلا نفسي لماذا لا تنفذ وما المانع لو نفذت ستريح القاهرة من 50 % من مشاكلها المرورية
انني دائما ابحث عن الحل , لا ابحث عن تحليل وطرح الاشكاليات فقط خاصة التي تؤدي بنا الي ثورة اخري .

والشكر الجزيل لحضرتك

أ/رضا عطيه 21-10-2012 03:50 AM

إنها ليست إحتجاجات

ولكنها احتياجات

فلايحتج فى هذا الزمن إلا المرفه

أما البسطاء فالحاجة هى التى تدفعهم للمذلة وطلب المعونه من حكامه
ويكتب له النوم على رصيف مجلس الوزراء بقميصه الأبيض ليعود لأولاده بلا جديد سوى تحول القميص الأبيض إلى رصاصى !!!!!!!!!!!!!!
حسبنا الله ونعم الوكيل
ما أشبه اليوم بالبارحه
ويسيئون إلى قادة ثورة يوليو والتى أنجزت للشعب البسيط قبل أن تنجز لقادتها
بينما نحن الأن فى فرح بلدى - المقاعد فيها للكبار - والجلوس على الأرض ويا أسفاااااه لأصحاب الأرض


جزاكم الله خيرا

aymaan noor 21-10-2012 09:40 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4922973)
السيد المحترم / ايمن نور

هذا المقال اتفق في كثير منه وقد اختلف في بعضة لكن من اكثر ما لفت انتباهي هذة الجملة

اقتباس:

وثانيها يتمثل في تجاهل الاحتجاجات بما سيؤدي إلى تحولها نحو ال***، وربما موجة ثورية
قد يكون الكلام والنتائج منطقي ووارد لكن الذي كتب هذا المقال يحلل ويدلنا فقط علي ما قد يحدث ولم يتقدم بحل تلك الاشكاليات واليوم وانا في طريقي الي بيتي خطرت علي بالي افكار وقلت فيلا نفسي لماذا لا تنفذ وما المانع لو نفذت ستريح القاهرة من 50 % من مشاكلها المرورية
انني دائما ابحث عن الحل , لا ابحث عن تحليل وطرح الاشكاليات فقط خاصة التي تؤدي بنا الي ثورة اخري .

والشكر الجزيل لحضرتك


جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 21-10-2012 09:46 AM

لماذا تخشى بغداد سقوط النظام في دمشق؟
 
لماذا تخشى بغداد سقوط النظام في دمشق؟
حميد الكفائي
هناك قلق شديد في العراق منذ بدء الأزمة في سورية من احتمالات سقوط النظام السوري، وهو ليس محصوراً في الأوساط الرسمية فحسب بل حتى في الأوساط الشعبية. والمخاوف العراقية حقيقية وليست أوهاماً كما يتصورها البعض لأن لها ما يبررها. فإن كانت المجموعات الإرهابية المعادية للعراق انطلقت من سورية العلمانية التي يحكمها «العلوي» بشار الأسد خلال 2003-2010،

و***ت آلاف الأبرياء مدنيين وعسكريين، سنّة وشيعة وأكراداً ومسيحيين وتركماناً، وخرّبت المدن والمؤسسات والكنائس والجوامع والمصانع والشوارع، ولم يسلم منها حتى سوق الطيور في بغداد، فلماذا لا تستمر هذه الجماعات وتزداد شراسة في ظل حكم ديني متشدد قد يمدها بالعون المادي والمعنوي واللوجستي ويشاركها العداء لحكومة «الروافض» في بغداد؟

هذا التساؤل العراقي الكبير لم يجد له أحد جواباً يجعل العراقيين يغيّرون موقفهم، المتفرج في أحسنه وربما المساند للنظام السوري أو الراغب في بقائه والخائف من تبعات سقوطه. وقد يقول قائل إن الموقف العراقي المتأرجح هو بسبب تأثر العراق بالموقف الإيراني. إلا أنه، وعلى رغم أن هذا الرأي لا يخلو من وجاهة، باعتبار أن العراق يريد أن يتعاون مع جارته الشرقية لدعم الاستقرار في العراق أولاً والمنطقة ككل، فالحقيقة أن العراقيين خائفون جداً على مستقبل بلدهم وأمنه واستقراره ووحدته الوطنية من البديل السوري المقبل، وكل ما فعله بشار بهم من تسهيل لعبور المسلحين وتسليحهم وتنسيق نشاطاتهم، يمكن نسيانه أو تناسيه إن فكروا بما يمكن أن يفعله نظام سنّي متشدد يعلنها «حرباً لا هوادة فيها على الروافض». وعلى رغم أن هذا السيناريو مستبعد، لأن أي نظام جديد في سورية سيسعى في سنواته الأولى للتصالح مع البلدان المجاورة، إلا أنه سيكون من دون شك مفككاً وضعيفاً، ما يشجع الجماعات المسلحة التي تعادي النظام العراقي على استغلال هذا الضعف للانطلاق منه نحو العراق.

ثمّ إن العراق لا يرغب في الاصطدام بروسيا والصين اللتين تؤيدان بقاء النظام السوري لأسباب استراتيجية تتعلق بمصالحهما في الشرق الأوسط وبخشيتهما من الهيمنة الغربية على المنطقة، باعتبار أن الغربيين بدأوا يتعاونون مع الأحزاب الإسلامية ولا يمانعون في صعودها إلى السلطة إذ رأوا أن هذا هو الخيار الأفضل لهم، لأن هذه الأحزاب تتمتع بشعبية تمكِّنها من تمثيل بلدانها تمثيلاً أفضل وتجعل قراراتها ذات ثقل أكبر، كما إنهم يعلمون أن المستقبل للعقلانية وإرساء علاقات اقتصادية تدعم الاستقرار وتزيد تعاون الدول الناشئة مع الدول الغربية المتفوقة اقتصادياً وتقنياً. وقد رأينا أن العراق اضطر إلى التعاون مع روسيا عسكرياً لسهولة وسرعة الحصول على المعدّات العسكرية حتى المعقدة منها، كالطائرات والدبابات المتطورة. أما اقتناء السلاح الأميركي فيستغرق سنين طوالاً بعد إبرام الاتفاق مع الأميركيين، لأن هناك موافقات أخرى، أميركية ودولية، يجب أن تحصل عليها الإدارة وتعهدات يجب أن تقدمها الحكومة العراقية بعدم استخدامه ضد هذه الدولة أو تلك، إضافة إلى أن صناعته تستغرق وقتاً أطول إذ تصنعه شركات خاصة، على خلاف السلاح الروسي الذي تصنِّعه الدولة.

وهناك من يفسر الموقف العراقي بأنه انحياز طائفي إلى النظام السوري، وعلى رغم أن هذا الرأي لا يخلو من وجاهة، فالحقيقة أن مواقف الدول، كل الدول، باستثناء تلك التي تدار بعقليات منغلقة، تُتخذ على أساس المصالح دون غيرها وقد تساهم المشتركات الدينية والقومية والثقافية، خصوصاً عند الطبقات الحاكمة، في تقريب بعض الدول إلى بعضها، لكن ذلك لن يكون فوق المصالح أو قبلها. وإن نظرنا إلى سورية ما قبل 2011، لرأينا أن علاقتها بالعراق كانت متوترة على رغم العلاقات الطائفية المزعومة. فسورية بشار الأسد حاولت قصارى جهدها إضعاف «حكم الشيعة» بين 2003 و2010 ولم تكترث للقرب الطائفي. ثمّ إن العلويين غير الشيعة ولا يمكن اعتبارهم جزءاً من الشيعة على رغم أن جذورهم شيعية كما جذور طوائف أخرى.

الغائب عن السياسة العراقية الحالية تجاه النظام السوري أن الأخير لن يستطيع الصمود طويلاً بعد تلقيه ضربات موجعة من القوى المعارضة، وهو آيل إلى السقوط حتى وإن تمكن من البقاء لعام آخر أو أكثر. وعدم وجود سياسة عراقية واضحة للتعامل مع سورية ما بعد الأسد ليس في مصلحة العراق. صحيح أن العراق عَرَضَ أن يجمع الحكومة والمعارضة معاً في مؤتمر في بغداد، لكن المزيد من الانفتاح على قوى المعارضة السورية مطلوب من أجل تعميق التفاهم حول المشتركات بدلاً من أن تبقى قوى المعارضة معادية للعراق وتعتبره مسانداً للنظام السوري، وهو الذي عانى منه في السابق. يجب أن تعلم الطبقة السياسية العراقية أن جزءاً مهماً وكبيراً من الشعب السوري يرفض النظام الحالي كلياً ويريد تغييراً كالذي حصل في العراق وتونس ومصر وليبيا واليمن. إنهم يريدون نهاية لحكم ديكتاتوري بُني على أساس الحزب القائد وتوريث الرئاسة من الأب إلى الابن في تجربة هي الأولى من نوعها في العالم العربي. النظام السوري الحالي دام ما يقارب الخمسين عاماً، بينما تجاوز حكم عائلة الأسد 42 عاماً، لكنه لم يحقق أياً من الأهداف التي سعى رسمياً من أجلها، فلا حرر فلسطين أو الجولان ولا حقق الوحدة العربية ولا الاشتراكية، وهو بالتأكيد لم يحقق الحرية. من حق الشعب السوري أن يطمح في نظام أفضل منه، نظام ديموقراطي عصري يمثل الشعب بكل تنوعاته وبعدالة تعكسها صناديق الاقتراع. وفي الوقت نفسه، فإن بعض قوى المعارضة السورية بحاجة إلى أن تتخلى عن تشددها الديني والمذهبي وتتبنى بجد سياسات معتدلة تتقبل الآخر وتحترم خياراته وآراءه. فالعالم لم يعد يقبل بقوى متشددة تسعى لفرض رؤاها وعقائدها على الآخرين بالقوة. ولم تعد القوة الذاتية، بكل أشكالها، المسلحة أو الجماهيرية، وحدها كافية لانتصار أي طرف سياسي على آخر، بل هناك حاجة لقبول وطني ودولي بالقوى السياسية والأفكار التي تعتزم إدارة البلد وفقها. فإن كانت إقصائية ومتشددة، فإنها لن تسود حتى وإن تمتعت بشعبية كبيرة لأن العالم سيقف ضدها ويطيح أصحابها في نهاية المطاف.

لا حل إذاً سوى الديموقراطية والوسطية والتعايش مع الآخر المختلف.

aymaan noor 21-10-2012 09:50 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بركان الغضب2 (المشاركة 4923086)
إنها ليست إحتجاجات

ولكنها احتياجات

فلايحتج فى هذا الزمن إلا المرفه

أما البسطاء فالحاجة هى التى تدفعهم للمذلة وطلب المعونه من حكامه
ويكتب له النوم على رصيف مجلس الوزراء بقميصه الأبيض ليعود لأولاده بلا جديد سوى تحول القميص الأبيض إلى رصاصى !!!!!!!!!!!!!!
حسبنا الله ونعم الوكيل
ما أشبه اليوم بالبارحه
ويسيئون إلى قادة ثورة يوليو والتى أنجزت للشعب البسيط قبل أن تنجز لقادتها
بينما نحن الأن فى فرح بلدى - المقاعد فيها للكبار - والجلوس على الأرض ويا أسفاااااه لأصحاب الأرض


جزاكم الله خيرا

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 21-10-2012 11:14 PM

حل جماعة الإخوان ..ضرورة وطنية
 
حل جماعة الإخوان ..ضرورة وطنية
خالد الحروب
أكاديمي فلسطيني
فترض المرحلة الحالية والقادمة في الكثير من البلدان العربية، إن لم يكن كلها، حل «الإخوان المسلمين» بشكلها الذي عُرفت به على مدار العقود الماضية وانتقالها إلى حزب سياسي واضح الملامح (وليس إنشاء حزب تابع لها مع الإبقاء عليها كما هي في اكثر من حالة). ودفعاً لأي التباس ليس المقصود هنا الدعوة إلى التخلص من الإسلاميين، لا بشكل مباشر أو مبطن

، لأن في هذا نزعة إقصائية غير ديموقراطية أولاً، ولأنه غير ممكن عملياً حتى لو أراد خصومهم القيام بذلك. بل المقصود هو تغيير شكل اندماج الإسلاميين في التسيس الوطني، وانخراطهم فيه، والاندراج في الآليات والوسائل السياسية المتوافرة الآن في الحقبة الديموقراطية، والتخلي عن الآليات والوسائل التي تبناها الإسلاميون في حقبة ما قبل الديموقراطية. هناك ثلاث ضرورات تبرر وتستدعي الدعوة إلى حل جماعة الإخوان المسلمين وتحولهم إلى أحزاب سياسية وطنية في بلدانهم تشتغل ضمن السيادة الوطنية، وتخضع لما تخضع له بقية الأحزاب السياسية: الأولى ضرورة وطنية، والثانية ضرورة إقليمية ودولية، والثالثة ضرورة تنظيمية. هذه السطور تتناول جوانب الضرورة الوطنية التي تتطلب في حقبة الربيع العربي وما بعدها تخلي الإخوان المسلمين عن الصيغة الغائمة التي وسمت شكل حراكهم السياسي والثقافي خلال العقود الماضية، وفي مقالين لاحقين سوف يتم تناول جوانب الضرورتين الأخريين.

في مرحلة الديموقراطية والانتخابات، أو حيث تتيح الظروف القيام بذلك أو جزء منه (كما في مصر وتونس وليبيا والمغرب والأردن واليمن والجزائر والسودان وموريتانيا) يمثل الحزب السياسي الآلية الأساسية والوحدة المركزية للعمل السياسي، وهو الترجمة العملية والسياسية لأية أيديولوجيا تطرح نفسها على المجتمع كمنقذ ومخلص له من مشكلاته. الحزب السياسي هو الذي يعرض على الجمهور برنامجه السياسي والذي على أساسه يطمح لأن يقود المجتمع والبلاد، ومن خلاله يستطيع الجمهور أن يحكم على الأيديولوجيا أو البرنامج السياسي الذي يتبناه الحزب. بقية الآليات والجمعيات وأشكال المجتمع المدني تعمل على تعزيز الحياة الديموقراطية والحد من تغول السلطة، والتأثير في الأحزاب، وتأييد قضايا محددة، وسوى ذلك، لكنها ليس هي الآليات التي يتم توسلها للوصول إلى السلطة. في المرحلة الحالية، عربياً، يشكل الإخوان المسلمون حزباً يشارك في العمل السياسي ثم يختبئون خلفه، ويتركون مسافة «آمنة» بينهم وبينه ليتبرأوا من أخطائه، ويتبنوا نجاحاته في الآن ذاته. هذا يعني التهرب من المحاسبة والمسؤولية عن الأخطاء التي هي سمة العمل السياسي والتعلم منها (بل التخلي عنها وعدم الإقرار بالمسؤولية)، وبالتالي محاولة البقاء في مربع «التطهر السياسي» وهو ما يعكس توتراً داخلياً وعدم حسم في الخيارات. لكن الأهم من ذلك، من زاوية «الضرورة الوطنية»، هو استمرار تلك المنطقة الغامضة والرمادية بين الحزب والجماعة حيث تضيع المسؤوليات ويصعب تطبيق المحاسبة ومعرفة نسبة الأخطاء إلى فاعليها ضمن سيرورة البناء الوطني.

المشكلة في الإبقاء على الشكل التقليدي لـ «جماعة الإخوان المسلمين» في وضع سياسي ديموقراطي مفتوح يسمح للإخوان المسلمين بالتحول إلى حزب سياسي يبقي على الشكوك العميقة إزاء النيات الحقيقية للجماعة. المسوغ الوحيد الذي قد يمنح شرعية لبقاء «الجماعة» بعد إنشاء «حزب» لها هو أن تتحول وظائفها كلياً إلى أشكال أخرى لا علاقة لها بالسياسة، أي أن تصبح جمعية من جمعيات المجتمع المدني، تؤيد الحزب الذي أنشأته وتخضع له، لا أن يخضع لها. طالما ظلت علاقة الحزب بالجماعة (مثل حزب العدالة والتنمية في مصر، أو جبهة العمل الإسلامي في الأردن) علاقة تبعية، علاقة الابن بالأب، فإن تقدم ونجاح العملية السياسية على المستوى الوطني بشكل عام يظل بطيئاً ومحفوفاً بالشكوك. ومن اهم الجوانب المقلقة إن لم نقل الخطيرة في علاقة الحزب بالجماعة وانعكاسات ذلك على الواقع الوطني والعلاقة مع بقية الطيف السياسي يتمثل في السلطة الروحية والسياسية للمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، أو المراقب العام للجماعة في كل بلد يكون لها فيه حزب، أو لرئيس الحركة (كما في تونس مثلاً، حيث سلطة الغنوشي مقابل سلطة الحكومة التي تسيطر عليها «النهضة»). ففي كل هذه الحالات ثمة ازدواجية في قيادة «التيار الإسلامي» المشارك في العملية السياسية بحيث لا تطمئن الأحزاب الأخرى إلى مدى عمق التوافقات التي تصل إليها مع الحزب الرسمي، بخاصة مع حرص الجماعة والحزب على الإبقاء على «مسافة آمنة» بين الإثنين. أحد جوانب خطورة فكرة «المرشد العام» أو «الأب الروحي»، كما هي حالة محمد بديع في مصر، أو راشد الغنوشي في تونس، أو حسن الترابي في السودان، تكمن في توفيرها بيئة ينزلق فيها التسيس الإسلامي نحو النموذج الإيراني الذي يرقّي «آية الله» إلى رتبة عظمى فوق الجميع وإلى مرتبة تكون محصنة أو شبه محصنة ضد النقد السياسي بسبب اختلاطها واحتمائها بالديني بشكل أولي ونهائي.

الإبقاء على «جماعة الإخوان المسلمين» في خلفية «الحزب» الذي يمثلها يكبل هذا الحزب ويكبح إبداعاته، والأهم على مستوى «الضرورة الوطنية» يحرم الأوطان والاجتماع السياسي فيها من ترسيخ وتكريس التوافقات والتنازلات التي تستقر عليها الأطراف والأحزاب ومن ضمن ذلك التنازلات البراغماتية التي يقدمها «الحزب الإسلامي» نفسه نتيجة احتكاكه بالواقع الوطني وبالمشكلات على الأرض. تظل «الجماعة» في هذه الحالة تشكل «خط رجعة» للحزب وهذا لا يساعد مرة أخرى على تأسيس البنى الديموقراطية والبناء عليها، لأن الشكوك تظل عميقة، والتنازلات المقدمة من الإسلاميين يمكن التراجع عنها، أو حتى سحبها من قبل الجماعة الأم. وما لا يقل عن ذلك سوءاً هو إنتاج خطابين إسلامويين في السياسة متوازيين، واحد ينطق به الحزب، وآخر تنطق به الجماعة. ولأن خطاب الحزب يكون اكثر تسيساً وبراغماتية بخاصة إن وصل إلى الحكم فإن ذلك سوف يُرى من قبل الجماعة على انه تقديم تنازلات تدمر صورة «الجماعة» مما يضطرها لتبني خطاب متشدد بهدف تعويض خسارات الخطاب المعتدل للحزب. والشواهد على هذه المسألة اكثر من أن تُحصى، وتكفي الإشارة هنا إلى موقف المرشد العام في مصر من إسرائيل، وموقف الدولة المصرية التي يقودها حزب الإخوان من اتفاقيات كامب ديفيد والعلاقة مع إسرائيل. وهذا كله ناتج من تمسك الجماعة بالاشتغال بالسياسة التي هي وظيفة الحزب، وتمسكها في أن تظل فوق الحزب. معنى ذلك، وعلى مستوى «الضرورة الوطنية»، أن الخيوط التي تبقى تشد الحزب، حزب الجماعة، إلى جماعته الأم عبر السيطرة والتبعية والتردد إزاء اتخاذ مواقف ريادية أو توافقية على المستوى الوطني، تشل كتلة الوسط الوطني وتعيق من تشكلها، وهو التشكل الذي ربما يمثل الركيزة وحجر الأساس لأي تسيس وطني عميق وناجح ويؤسس لديموقراطيات راسخة.

على الإسلاميين في كل البلدان التي يمارسون فيها حرية تشكيل الأحزاب والمشاركة في الانتخابات بل والفوز فيها أن يملكوا الجرأة لإنهاء الازدواجية السياسية التي يمارسونها في أوطانهم، ويعملوا إما على حل الجماعة الأم التي تقف خلف الحزب الذي يشكلونه، أو الواجهة السياسية التي يختبئون خلفها. وهذا يدمجهم بشكل تام في النسيج السياسي الوطني، ويطمئن الأطراف إزاء نواياهم، فضلاً عن انه يطورهم ويعمق من تجربتهم، ويجعلهم يواجهون الواقع بشكل مباشر ويُنهي سيكولوجيا الهروب إلى الخلف، إلى دفء الأيديولوجيا والشعارات، عندما يواجهون معضلات بالغة الصعوبة، وحيث تبقى الفكرة المدمرة التي تقول «إننا نمر في مرحلة ظرفية» هي المسيطرة على التفكير السياسي الإسلاموي، وتدمر معها كل جسور الثقة مع الآخرين الذين من حقهم أن يظلوا يتساءلون عن «المرحلة النهائية» التي تستولي على العقل السياسي الإسلاموي. الحزب السياسي، حزب الإخوان المسلمين، هو الذي سوف يكشف للإسلاميين وعبر غنى وربما عبقرية السياسة أن العالم والمجتمعات والبلدان تمر من مرحلة ظرفية إلى مرحلة ظرفية أخرى، وأنه ليس هناك «مرحلة نهائية» إلا في عقول الطوباويين، وأن كل ما هو مطلوب هو إدارة هذه المراحل الظرفية بأكبر قدر من النجاح، أي خدمة الناس، وبأقل قدر ممكن من الخسائر.

aymaan noor 21-10-2012 11:53 PM

الثورات العربية من الانتفاضة إلى الديمقراطية
 
الدروس العشر
الثورات العربية من الانتفاضة إلى الديمقراطية


جان بيير فيليو
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...1cb33cb1_L.jpg
عرض: محمد مسعد العربي - باحث بمكتبة الإسكندرية.

أثارت انتفاضات الربيع العربي الرغبة لدى الكثيرين من الأكاديميين الغربيين في إعادة اكتشاف السياسة والمجتمع في المنطقة العربية؛ إذ إن هذه الثورات قد مثلت تحديًا لدى الأكاديميات الغربية، وفيما يتعلق بمسلماتها حول دراسة المجتمعات العربية.

ومن بين الأعمال المبكرة التي حاولت استكشاف هذه الظاهرة كتاب الأكاديمي الفرنسي جان بيير فيليو "الثورة العربية: عشرة دروس مستفادة من الانتفاضة الديمقراطية".

انتهى فيليو من هذا العمل الهام في إبريل 2011، أي بعد أشهر معدودة من بدء شرارة الربيع العربي بالانتفاضة في تونس ديسمبر 2010 وهروب بن علي (يناير 2011)، ثم بوصولها إلى مصر واندلاع انتفاضة يناير وسقوط حسني مبارك (فبراير من العام ذاته) ثم انتقال شرارة الثورة إلى اليمن وليبيا والبحرين وسوريا على التوالي، ونشوب اضطرابات في الأردن وغيرها من البلدان العربية.

وربما تكون الأحكام التي خرج بها الكتاب تمثل حكمًا متسرعًا على ظاهرة لا تزال تتشكل، غير أن فيليو أفاد كثيرًا من خبرته في دراسة المنطقة العربية؛ حيث يعمل أستاذًا لدراسات الشرق الأوسط في جامعة باريس، وجامعة كولومبيا الأمريكية، وله العديد من الكتب والمقالات حول المنطقة. فقد جاء الكتاب ليمزج بين الدراسة الأكاديمية والحس الصحفي، والتوصيات السياسية.

يحاول فيليو في كتابه أن يعيد ترتيب قواعد فهم المنطقة العربية، باستخلاصه لدروس يقدم بها إطارًا نظريًّا لتفسير الظاهرة الجديدة في العالم وهي الثورة العربية التي طغى مسمى "الربيع العربي" عليها.

وترتكز هذه الدروس التي تشكل فصول الكتاب العشر رصدًا للتحولات التي ألمت بالمجتمع والسياسة في العالم العربي، وخاصة في الفترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث شكل عالم ما بعد الثانئية القطبية، وتبلور العولمة، والهجرة، والانفجار المعلوماتي، وكذلك الحرب على الإرهاب، وغيرها من العوامل التي ساهمت في صناعة هذه التحولات.

ويرى فيليو أن الثورة العربية تمثل ختامًا لفترة تاريخية بدأت بأحداث 11/9 وتركت علامات سيئة على العالم العربي، وبالتالي يستند فيليو في رصده هذا إلى فرض أساسي وهو اعتبار أن العالم العربي جزء من النظام العالمي، ولا يشكل استثناء في مسار التحول الديمقراطي.


نقد الاستثنائية العربية


بنقد "الاستثنائية العربية Arab Exceptioalism" والتي روجت لها كثيرًا الأكاديميات ومراكز صنع القرار الغربية، ومفادها أن الثقافة العربية تعد استثناءً في التحول نحو الديمقراطية لأمور تتعلق بثقافة العرب ودينهم وطبيعة تكوينهم الفكري. ويقول فيليو: "خلال العقود الماضية، دائمًا ما أشير إلى العرب باعتبارهم حالة فريدة فيما يتعلق بالنقاش العالمي حول الديمقراطية، هذه المعاملة الخاصة للعرب لم تكن تشريفًا لهم؛ بل باعتبارهم شيئًا خارج المألوف، ضائعًا يهيم بين المحيط الأطلنطي والخليج حيث يفترض أن يكون هؤلاء العرب جزءا من جماعة أكبر هي الأمة".

وكثير من الأعمال حاولت أن تفسر لماذا ترزح البلدان العربية دون غيرها من دول العالم تحت حكم الدكتاتوريات، يؤكد فيليو في أول فصلين أو درسين يستمدهما من الثورة العربية أن الثقافة العربية أو الدين الإسلامي لا يعدان سندًا في تفسير هذا، كما تستند الرؤية الاستشراقية في تفسيرها للحكم الدكتاتوري في العالم العربي. ويؤكد أن الانتفاضات "الديمقراطية" تثبت أن العرب لا يشكلون استثناءً، فهم كغيرهم يريدون الحرية، والديمقراطية، والعيش الكريم.

ويرى أن "الثورة" تتحقق بهذا المعنى رغم أنها لم تكتمل على الأرض، فالانتفاضات التي اندلعت حتى وقت الانتهاء من الكتاب كان بعضها في حالة مخاض، بينما اكتفت في مصر وتونس بخلع رأس الدولة دونما الاتجاه إلى إحداث تحولات عميقة في بنية الدولة والمجتمع. ويرى أن نشوب هذه "الثورة" يعد دليلا قاطعًا على عدم قدرة المسلمات الأكاديمية على التنبؤ بما تمور به المنطقة من تحولات.

شكَّل نقد الاستثنائية العربية محور الفصل أو الدرس الأول، فيما أكد في الفصل الثاني أن فهم المسلمين -ومنهم العرب- لا يمكن فقط بإدراكنا أنهم مسلمون، فهناك اختلافات شاسعة داخل هذا الكيان المصمت الذي يراه الغرب واحدًا، ويقول إنه ربما من النتائج السيئة التي عززتها أحداث سبتمبر هو حالة تنميط الآخر، خاصة المسلم؛ حيث تمت المطابقة بينه وبين الجهادي الإسلامي. وينكر هذا التنميط الكثير من الحقائق والعوامل التي ساهمت في تشكيل الشعوب التي تصادف وكانت مسلمة، كما أنها تجعل شن الحرب على الجهاديين أولوية عاجلة بدلا من المساهمة في الإصلاح الاقتصادي والسياسي لهذه الشعوب.

يبرهن فيليو على أن الشعوب العربية والإسلامية قد مرت بتحولات وانتقالات كبرى عبر تاريخها منذ عهد الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى حتى وقتنا الحالي، فقد كان حلم تقرير المصير، ثم التوحد القومي، والتحرر الوطني، ثم تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أحلامًا تقود هذه الشعوب في نضالها. كما يبرهن على أن حالة الثورة ليست واحدة، فنحن إزاء كيانات متميزة حتى في انتفاضاتها فقد كانت انتفاضات سلمية إلى حد بعيد في تونس ومصر وإن شابها قليل من سفك الدماء، على العكس الذي شهدته ليبيا وسوريا والبحرين.

يعود فيليو ليقول إنه إذا كان هناك استثناء عربي، فإنما يتمثل في "الشباب العربي"، وهو وقود هذه الثورة، وهو يرسم صورة ديمغرافية للعالم العربي، فيقول يجب أن نتذكر أن متوسط العمر في العالم العربي هو 22 (مقارنة ببقية العالم 28)، وأن 60% من السكان هم تحت سن 25، وأن معدل البطالة بين الشباب العرب يتراوح بين 20-40% أي ضعف المعدل العالمي، ويجب أن تتوفر بحلول عام 2025م 50 مليون فرصة عمل لتستوعب طاقات الشباب في سوق العمل.

وربما كانت البطالة وتردي الأحوال المعيشية هي الشرارة التي أطلقت شرارة الثورة بإحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه. فيلاحظ فيليو هنا أن هذا كان أبعد ما يكون عن صورة الانتحاري الإسلامي النمطية؛ بل كان أقرب إلى مثال الشاب التشيكي جان بلوش الذي أحرق نفسه أمام الدبابات الروسية في ربيع براغ 1968. غير أن المطالبة بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية سرعان ما اشتبكت بالمطالبة بالحرية والديمقراطية السياسية.

ويدعو فيليو صانعي السياسات في الغرب إلى معرفة هذه الحقائق. وهذا هو الدرس الثالث حيث "الغضب هو قوة الشباب"، يقول فيليو بلهجة بلاغية إن غضب وقوة الشباب العربي هو وقود المستقبل، وإن حركات الشباب هي بمثابة ردة الفعل القصوى التي يقوم بها أكثر الأجيال تعرضًا للخطر دفاعًا عن مستقبلها في مواجهة قمع تطلعاته، وخصخصة دولته، وتجريف مستقبله.


جيل عربي جديد معولم وديمقراطي


ارتبطت بالحالة الشبابية للثورة العربية، كونها ارتبطت بانفجار الفضاء الإعلامي؛ حيث ارتبط وعي الشباب العرب بالإعلام المنفتح عبر القنوات الفضائية والميديا الاجتماعية "تويتر وفيس بوك والجزيرة" والذي ربطهم أكثر بالعالم وما يجري فيه، وارتفع بسقف تطلعاتهم مقارنة بآبائهم، ودفعهم إلى التحرر من السلطة الأبوية المتجسدة في نظم سياسية ديكتاتورية مغلقة، وهنا لعبت الشبكات الاجتماعية والقنوات الفضائية دورًا أكبر في تحريك الشباب العربي، وأثبتت دورها في الحركة السياسية، وإحداث التحول الاجتماعي. وهذا هو الدرس الرابع.

من أهم ما يميز تصميم الشبكة أنها بلا مركز، ومن هنا جاء الارتباط بين تأثير الشبكة العنكبوتية والشبكات الاجتماعية على طبيعة الثورة العربية، فهي ثورة بلا قيادة بامتياز، فقد بدأت شرارة الثورة في تونس بلا قيادة وبطريقة عفوية، واستمرت هكذا حتى مع انتقالها إلى بقية الأقطار "بلا قيادة مركزية وغرف عمليات".

ويرى فيليو أن انعدام القيادة هذا ربما كان شرط استمرارية هذه الثورات، وليس مجرد اختيار سياسي، وخاصة مع عدم اصطباغها بلونٍ أيديولوجي معين، وفي هذا يقع الدرس الخامس، أن بإمكان الحركات التي لا تملك قيادة أن تنتصر.


الديمقراطية والإسلام


هذه الحالة الثورية السائلة قد تستمر، غير أنها يجب أن تتحول إلى "ديمقراطية" لئلا تفضي إلى فوضى عارمة تسهل الانقلاب على الثورة، وهذا هو الدرس السادس أن بديل الحكم الديمقراطي المستقر الفوضى العارمة. وهنا يأتي دور الحديث عن القوى السياسية في المنطقة العربية، وعلى رأسها الإسلاميون.

يقول فيليو إن الانتفاضات العربية كانت مجردة من الشعارات الدينية، وقد اتضح للثوار أنه ليس للدين والأيديولوجية القدرة على حشد الجماهير بقدر ما فعل المناداة بالإصلاح السياسي، والقضاء على الفساد، والتشغيل على أساس الوطنية. ويرى أن عدم هيمنة الخطاب الإسلامي على الثورة ربما يعود إلى تصاعد معدلات الفردانية في التدين، والتي عززت من الحس الخلقي الفرداني، في الوقت الذي لم تعد هناك قوة للحشد الكلي، ولكن يبقى أن القوى الإسلامية عليها أن تضطلع بمسؤوليتها، وأن تقتنص الفرصة التاريخية بمشاركة غيرها من القوى السياسية العلمانية في التأسيس لحكم ديمقراطي مستقر، فالدرس السابع هو أن على "الإسلاميين أن يختاروا".

وربما كان من أهم ما أشارت إليه "الثورة العربية" هو أنها أظهرت بديلا للتغيير بعيدًا عن الأتوقراطيات الحاكمة، وتنظيم القاعدة، والذي برهنت حركة الشباب على إفلاسه الفكري، وأنها لم تكن إلا انحرافًا بعيدًا كل البعد عن حقائق العالم العربي.

وبالتالي يرى في الدرس الثامن أن النضال السلمي للشباب سيجعل الإسلام الجهادي شيئًا عفا عليه الزمن. وبين كل هذه التحولات تبقى القضية الفلسطينية عاملًا هامًّا في دفع عملية التحول الديمقراطي ككل في المنطقة، وستؤدي التسوية الشاملة إلى إسقاط ذرائع تأجيل الديمقراطية لدى كثير من الأنظمة العربية، فالدرس التاسع هو أن فلسطين هي "تعويذة" كثير من التحولات.

وأخيرًا يأتي الدرس العاشر الذي يستخلصه فيليو، وهو أن الثورة العربية لن تخلق "أثر الدومينو" يتجاوز كونها انتفاضات قد أظهرت وجود مجال عام عربي يسعى إلى مزيد من الحريات والفرص الاقتصادية واحترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية. غير أن هذا يقع في حدود كولونيالية أثبتت على مر الأيام مرونتها، وأنها لن ترسم مرة أخرى نتيجة لهذه الروح الديمقراطية التي تجتاح المنطقة، وربما ستبقى الدول البترولية خاصة العربية السعودية بعيدة عما يحدث حولها.

تعد القراءة التي قدمها جان بيير فيليو في كتابه قراءة جيدة ومحكمة في الإطار النظري الذي شكلته لفهم أبعاد الثورة العربية، غير أن هناك أوجه قصور فيها، لعل أهمها أنها لم تهتم ضمن الدروس التي حاولت استخلاصها بالدور الخارجي والغربي تحديدًا في ترسيخ الديمقراطية العربية الناشئة، وربما كان هذا أهم ما يميز الدكتاتوريات العربية عن نظيراتها في شرق أوروبا؛ حيث كانت تجد دعمًا غربيًّا على عكس دعم الغرب للتحول الديمقراطي في شرق أوروبا قبيل وبعيد سقوط الاتحاد السوفييتي، أما الحكام العرب فقد كانوا يمارسون حكمهم بدعم غربي كامل، وهو ما يضع عبئًا على الحكومات الغربية يتمثل في ضرورة دعمها للديمقراطيات الناشئة، وهو ما لا يستفيض بشأنه فيليو فيما عدا بعض الإشارات اللاذعة التي وجهها إلى دور واشنطن السلبي في المنطقة.

ومن ناحية أخرى فإن الإطار الذي استخلصه إنما يعتمد على قراءة الأحداث بشكل مفصل في مصر وتونس، وهما حالتان متشابهتان وربما كان سيضيف لإطاره ويعدله لو تريث ليرى ما آلت إليه الأمور في بقية الانتفاضات التي كانت في منتصف أو في بداية طريقها عند الانتهاء من الكتاب في اليمن والبحرين وسورية وليبيا.

aymaan noor 22-10-2012 10:52 AM

ميليشيات الإخوان الإلكترونية: تحميل الأيديولوجيا على الفيسبوك
 
ميليشيات الإخوان الإلكترونية: تحميل الأيديولوجيا على الفيسبوك
Linda Herrera and Mark Lotfy

أثناء مرحلة الإعادة للانتخابات الرئاسية في يونيو 2012 كانت هناك "ميمة" تدور على الفيس بوك تحتوي على صورة لحسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين في 1928 وكان نصها "على فكرة أنا مش إخوان وبختلف معاهم في مواقف كتير ولكن بحترمهم" التوقيع تحت المقولة كان منسوباً لحسن البنا، هذه الميمة إن أردت أن تترجمها في كلمة واحدة فهي تبغي أن تقول إننا قد كشفناكم أو بالعامية "فقسناكم" فهي ميمة تقطع بحقيقة أن الإخوان المسلمين قد تنكروا وقاموا بإختراق وسائط التواصل الاجتماعي (الإنترنت ). وحتى إن كنا لا نملك الأدلة لأن هذا الإختراق يخلو من أي شفافية ولم يتم دراسته بشكل مفهوم أو مرتب، فميمات مثل هذه (انظر الشكل السابق) تنبه المواطنين في الواقع الإفتراضي أن عليهم الحذر وهم يتحركون على الانترنت.

لقد أصبح الفيس بوك من أهم مواقع الصراع الأيديولوجي التي يرغب الإخوان من خلالها السيطرة على العقول وفرملة الروح الديموقراطية السائرة في مصر. حيث ترغب الجماعة في تضييق مساحات الجدال وإسكات أصوات المخالفين وهي لتحصل على ذلك تتحرك كما يقول المفكر الجنوب أفريقي" بانتو ستيفي بيكو" الناشط الحقوقي ضد التمييز العنصري إن "السلاح الأقوى أو السلاح الأكثر فعالية في يد المستبد هو عقل الذين يستبد بهم."

منذ البداية، من ثماني عقود مضت والإخوان المسلمون وضعوا في أولوياتهم العمل داخل المؤسسات التي تتعامل أيديولوجياً وثقافياً مع الأطفال والشباب، فحسن البنا في النهاية كان معلماً في مدرسة وبالتالي فهو يعلم جيدا إن "من إمتلك الشباب إمتلك الدولة".

الإخوان قد كثفوا جهودهم في إتساق في مجالات التعليم والإعلام والتي يسميها عالم الإجتماع الفرنسي لويس آلثوسر "أجهزة الدولة الأيديولوجية"، وحتى في أكثر الفترات التي كانت فيها الجماعة مضطهدة ومحظورة احتفظت الجماعة بتواجدها داخل المدارس المصرية ومعاهد الدروس الخصوصية والمجموعات الخاصة لتدريب المدرسين داخل وخارج كليات التربية واتحادات الطلبة في الجامعات والنوادي الصيفية الرياضية والتجمعات الرياضية بعد اليوم الدراسي ، وكلها كانت مفاتيح لتخصيب الأرض أمام الإخوان لتكون صالحة لنمو الجماعة ونشر الأيديولوجية الإخوانية.

منذ بداية التسعينات والانفتاح الجديد الناتج عن تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إستطاع الإخوان الدخول الى عالم الفضائيات التلفزيوني وحصلوا على مكانة متميزة واستطاعوا السيطرة على قناة متميزة "الجزيرة" ، وكما وضحت أحد التقارير الخاصة بالصحفي والمعلق السياسي سلطان القاسمي "إن العلاقة الغرامية بين قناة الجزيرة العربية والإخوان المسلمين كانت واضحة منذ إنشاء القناة" ، كانت قناة الجزيرة العربية منذ إنشاءها الناطق بأسم الجماعة والمهلل لها.

مع صعود الإنترنت وإنتشاره في عام 2000، كان للإخوان مشاركة فورية في هذا التاريخ من خلال الموقعين العربي والانجليزي "الإخوان ويب". حينما أعلن الرئيس محمد مرسي حكومته في أغسطس 2012 كانت هناك مفاجأة صغيرة تنتظرنا وهي أن الوزارات التي تتعامل مع الشباب والتعليم والإعلام أي وزارات التعليم والشباب والإتصالات والإعلام جميعها أصبحت في يد الاخوان المسلمين بعيداً عن الوعود الكثيرة بحكومة الانقاذ والتوافق. الغريب أن وزير التعليم إبراهيم غنيم لم يندرج في التقارير الإعلامية ضمن الوزارات الإخوانية برغم أن تاريخه القصير يثبت بوضوح أنه تم إنتخابه ممثلاً لجماعة الإخوان وإنه ذو ولاء كامل لهم ومساعدة الإخوان له أثناء الإنتخابات الرئاسية لجامعة السويس.

إن جهود الإخوان لإختراق الإنترنت خاصةً الفيس بوك إزدادت جزئياً بعد الإزدياد السريع في عدد المشاركين فهناك 11 ونصف مليون عضو في الفيس بوك في مصر، مليونين منهم إشتركوا في الستة أشهر الأخيرة فقط، مع ملاحظة أن أعمار المشاركين في الفيس بوك تتراوح بين 13 إلى 34 سنة. وبعيداً عن إزدياد المشاركين فإن الفيس بوك يعد ترمومتراً للمعارضة السياسية منذ أن كان له دور الريادة في 25 يناير وفي الأشهر التالية لبداية الثورة، حيث ظهرت المساحة التي كان يتجادل فيها النشطاء ويتناقشون حول الثورة التونسية وإمكانية إحداث ذلك في مصر والتي تفاهموا فيها حول قرارهم تجاه الإستفتاء في 11 مارس حيث إتخذت جمهورية الفيس بوك الثورية موقفاً مختلفاً عما حدث خارجها، وخرجت جميع إستفتاءات الفيس بوك بأكثر من 70% بالتصويت بـ"لا" برغم أن التصويت ب"لا" لم يحقق رسمياً أكثر من 22.7% و هذا ليس بغير مؤثر كما يعتقد البعض.

وبعد فترة ليست بقصيرة أصبح الفيس بوك مرادفاً لـ"صوت الثورة" وكان من الشائع وقتها أن يسأل سائق التاكسي أحد الشباب "هو الفيس بوك بيقول إيه النهاردة ؟" ، وأحيانا بأسلوب آخر يسأل أحد المتقدمين سناً في المقاهي مجموعة من الشباب "هو انتوا اتفقتوا على إيه على الفيس بوك في موضوع اـ.... ؟" وهذا جعل الناس في الشارع تقول بعد الإستفتاء "جاءت النتيجة بنعم لكن الثورة كانت ترغب في قول لا". هنا بدأت جماعة الإخوان تتعامل مع الفيس بوك بحذر كفضاء مستقل، فكما كثفت الجماعة جهودها للسيطرة على ميدان التحرير كثفت أيضاً جهودها لتتحكم في أي جدل يدور على الفيس بوك.

إن تواجد الإخوان على الإنترنت غامض ويصعب رصده بدقة حيث أن معظم النشاط الإلكتروني هو نشاط تمويهي يخلو من الشفافية.

يبدو أن الجماعة تستخدم خمسة درجات أو أساليب للتعامل الإلكتروني

أولاً: التواجد الرسمي مثل الصفحة أو الجروب الرسمي لحزب الحرية والعدالة أو الصفحات التي تعلن من عنوانها الإنتماء المباشر للجماعة أو أفكارها. ثانياً: الصفحات التي تظهر في البداية مستقلة ثم يظهر ولائها للإخوان المسلمين شيئاً فشيئاً في تصاعد موسيقي إلى أن تصل للولاء الكامل لتكون الصفحة في نهاية المطاف صفحة إخوانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ونعطي مثال لذلك وهي شبكة رصد وهي شبكة إخبارية تقترب اليوم من مليوني Like حيث حينما أُنشأت صفحة رصد في 25 يناير 2011 في بداية الثورة المصرية كان منشئو الصفحة (Admins) مجهولون عن عمد وكانت الصفحة تظهر كوحدة ذات إنتماءات مستقلة، وفي سلوك إحترافي بدأت الصفحة تكشف هويتها تدريجياً إلى أن أصبحت الصفحة إحدى الصفحات المنتمية للإخوان المسلمين في كل شيء ما عدا الاسم، والمثير أن شبكة رصد كانت تنمو ككيان إقليمي له فروع في ليبيا وسوريا وتركيا وفلسطين. ثالثاً: الصفحات المتعاطفة مع الإخوان والتي يقوم فيها الأدمن ببوستات وتعليقات داعمة للإخوان المسلمين، ولكنها دائماً تنكر أي إنتماء للجماعة. رابعاً :صفحات مستترة ذات إنتماء كامن، هي التي تظهر غير مهتمة بالسياسة أصلاً ولكن عند اللحظات الهامة أو الحرجة مثل الانتخابات أو المظاهرات الحاشدة أو الأحداث السياسية الفارقة تظهر فجأة داعمة للإخوان بشكل كامل. خامساً: الميليشيات الإلكترونية المجندة، وهي تستخدم بروفايلات (profiles) حقيقية وزائفة تتحرك عبر صفحات وجروبات تتداخل في الحوارات الدائرة على الفيس بوك لتوجه الأراء في إتجاه الإخوان المسلمين، على سبيل المثال بروفايل "مصري مصري" وبروفايل "هند عربية"

في الفترة ما قبل الإنتخابات الرئاسية في مرحلة الإعادة بين مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي والوزير السابق في نظام مبارك أحمد شفيق كانت صفحات الفيس بوك مشتعلة بالجدل السياسي، وكان الكثير من متخذي الموقف المؤيد لمحمد مرسي يظهرون كما لو كانوا ينقلون الأسطر من نص معد لهم مسبقاً. الجمل المتشابهة كانت تظهر بكثافة عالية جداً من المنتمين إلى جميع المجالات من المعروف أنهم ذوي اهتمامات سياسية بل ومن الغير مهتمين بالسياسة، وكان من أشهر العبارات المنتشرة على الفيس بوك "أنا مش إخوان بس بحترمهم" "أنا بكره الإخوان المسلمين ولكن بدعم محمد مرسي عشان أخلص من شفيق" "أنا عارف إنهم يسعون لمصالحهم الخاصة بس مننساش إنهم كانوا معانا في ميدان التحرير" "ماتخليش كراهيتك للإخوان تعميك" "الإخوان أنانيين بس مش فاسدين" وهكذا... ، والغريب إنه على مستوى الصحافة اليومية لم يشير أحد أو يسلط الضوء على الميليشيات الإلكترونية ماعدا الصحفي والكاتب محمد سلماوي.

أحد الأعضاء السابقين للإخوان المسلمين والذي لازال على علاقة مقربة للجماعة أوضح أن "الحملة الإلكترونية لمحمد مرسي كانت شديدة القوة على الفيس بوك وتويتر، أستطيع أن أجزم أن كل صفحة كبرت أو صغرت على الفيس بوك كان يتم إختراقها من الإخوان المسلمين" وهو يؤكد أن قادة الاخوان يقومون بتوزيع ملفات من الاسئلة والإجابات لشباب الإخوان المشتركين على الإنترنت تحت عنوان "شبهات وردود" هذه النصوص تغذي الأعضاء بالنقاط التي يجب التحدث عنها وكيفية مواجهة الإنتقادات لتكون هذه النصوص على شكل قوالب كلامية ليقوم أعضاء الإخوان بحفظها في عقولهم أو نقلها لاستخدامها وقت الحاجة، والملفت للنظر إنه حينما تخرج أحد نقاط النقد خارج القوالب التي قام الأعضاء بإستلامها وبالتالي نموذج الإجابة الإخواني يتعثر إستخدامه، تسعى حينها الميليشيات الإلكترونية بكل السبل إلى دفع الطرف الآخر المنتقد أو المجادل إلى إطار النص النموذج لكي يستطيعوا إستخدامه، وإن فشلوا في ذلك فلا يجدوا إلا الأساليب المعتادة مثل الدعاء للطرف الآخر بأن يهديه الله سبحانه وتعالى الى الحق.

على سبيل المثال إنه على أحد الصفحات الداعمة للثورة والمنتقدة للإخوان المسلمين "حلمت بالميدان قبل أن يسكنه الملايين" أظهرت كيف تعمل الميليشيات الإخوانية الإلكترونية أو"لجان النسخ واللصق".

في أحد البوستات (posts) التي كانت تناقش سلبيات الرئاسة الإخوانية (محمد مرسي) وقرارتها الغير متفقة مع أهداف الثورة، هناك شخصان علقوا تعليق متطابق ونرى في النموذج التالي تامر فؤاد وأشرف عبيد يستخدمون نفس القالب النصي بلا أي تعديل ولو طفيف، يقولون "بإختصار شديد لكل من يفكر في ثورة ضد الإخوان ... الإنتخابات مكنش فيها تزوير وأغلبية الشعب إختارت مرسي ... إديله فرصة نشوف حيعمل ايه ... إنتوا سكتوا 30 سنة ... إصبروا عليه سنة واحدة وإتكلموا بعدها ... على فكرة والله أنا مش إخوان بس بقول كلمة حق.

وهذه أمثلة لما يفعله شباب الإخوان وهم يرصون الإجابات التي نقلوها من القوالب المعدة مسبقاً أو من قاعدة البيانات حيث ترى تلك القوالب في جميع أنحاء الفيس بوك والتويتر.

http://arabic.jadaliyya.com/content_...g%20points.jpg
النقاط المتكلمة - من صفحة "حلمت بالميدان قبل أن يسكنه الملايين"]
وهكذا لا يفوت الإخوان المسلمين فرصة لإحتكار الشباب وإيقاعهم تحت سيطرتهم وسيادتهم في إطار تلك الألعاب الميكافيللية المتجلية في نشاطهم على الإنترنت، فبالتالي بعد صعود الإخوان كقوة مهيمنة على مصر فنحن نحتاج إلى بعض الفحص والتدقيق في سلوكهم و أسلوبيتهم على الإنترنت .

نعرض هنا إحدى عشرة آلية أو خاصية سلوكية تستطيع أن تتعرف من خلالها على الميليشيات الإلكترونية الإخوانية على الفيس بوك. نلقي الضوء على كيفية عمل المكائد أو الألعاب الأيديولوجية الإلكترونية على الإنترنت ونعتبر هذا ركيزة أساسية للإحاطة به ومواجهته لمن يرغب في ذلك.

• الإستيلاء على لغة الثورة ( و تغيير تعريف المصطلحات لحساب الجماعة ):

في التراث الشعبي مثل شهير" الزن عالودان أمر من السحر" ، يقول العالم الأمريكي "جورج لاكوف" الباحث في علوم الإدراك واللغويات أن التكرار اللغوي له قوة تغيير العقول في بحثه عن صعود اليمين المحافظ في الولايات المتحدة الامريكية، حيث أظهر أن كلمة "الحرية" حينما يكرر المحافظون استخدامها بكثرة بغير معناها التقدمي المعروف يكون القصد تحريف المفهوم في العقل الجمعي، بنفس الطريقة يسعى الإخوان المسلمون للإستيلاء على لغة الثورة فالكلمات التي لها دلالة قوية مثل الديموقراطية – النظام القديم أو حتى كلمة ثورة نفسها تم الإستيلاء عليها من الإخوان، فتقوم الميليشيات الإلكترونية للجماعة ليس فقط بتجريد هذه الكلمات من أي دلالة تقدمية أو تحررية بل تختزلها إلى مفاهيم تستوجب الدعم المستميت لمشروع الإخوان بلا أي نقد أو تساؤل.

فنأخذ على سبيل المثال مفهوم "الديموقراطية"، بعد فوز الإخوان في الإنتخابات البرلمانية والرئاسية عملت الجماعة بإستماتة على إختزال مفهوم الديموقراطية في صندوق الإنتخابات، فلقد إنتصرت الديموقراطية في يوم الإنتخابات وعلينا أن نعطي إختيار الديموقراطية فرصة كاملة دون أن نقف في طريقه، وفي الواقع هم يعنون أنه على المواطنين الإلتزام بالصمت التام وأن يمتنعوا عن أي رد فعل وعلى قاطني الشارع السياسي أن يوقفوا الحراك حتى يوم الدورة القادمة في الإنتخابات بعد أربعة سنوات وخلال الأربع سنوات من حق الإخوان أن يتحركوا بالدولة في أي إتجاه يبغونه أياً كان.

بين يدي المليشيات الإلكترونية الإخوانية مفهوم "الثورة" لم يعد يتعلق بالكرامة أو الحرية أو العدالة الاجتماعية بل أصبح يعني تغيير الأفراد المسؤولين من النظام القديم في الدولة بآخرين من الإخوان، وحتى كلمة "فلول" نفسها التي تشير إصطلاحياً إلى الباقين من النظام القديم تم تجريدها من معناها الأصلي وإستبدالها بتعريف جديد، فكلمة فلول تطلق على أي شخص ينتقد الإخوان المسلمين .

ونرى هنا أحد الصفحات المعادية للفلول "اتنين فلول وواحد طعمية".الصفحة تم إنشاؤها في يوليو 2011 وهي تعيد تعريف كلمة فلول بعيداً عن تعريفها الأصلي وتعلن بوضوح أن الفلول هم كل من يعادي الاخوان. بالإستيلاء على المعجم السياسي وإعادة صياغة التعريفات بحسب هوى الإخوان المسلمين، تستطيع الجماعة إرباك الشباب والناس عامةً والتلاعب في أطرهم المعرفية وإشغال عقولهم بما يتناسب مع مصلحة الجماعة. وقد تعددت الصفحات بل البروفايلات بعنوان "قوتنا في وحدتنا" الذي أصبح شعار حملة مرسي في الإنتخابات وهو الشعار الذي أطلقه محمد البرادعي بعد الثورة داعياً الجميع للإلتفاف حول مصلحة المواطنين في سلوك يتخطى الأيدولوجيات مستشهداً بحال التيارات السياسية في التحرير ولكن الشعار بعد الإستيلاء عليه إختلف معناه إلي قوتنا في وحدتنا وإلتفافنا حول الإخوان في الإنتخابات ليحصلوا على السلطة أو إلتفافنا حولهم بعدها ليبقوا في السلطة، وعلى التيارات السياسية جميعاً أن تذوب داخل مشروع الجماعة.

2- الإنكار والتنكر :

من صفحة الميدان هو الحل:

(هو أنا لازم أقول إنى مش إخوانى كل شوية ولا الصفحة تبع الإخوان
أنا بشرب سجاير والله علبتين فى اليوم كمان
ومش بصلي فى الجامع تقريباً غير الجمعة بس
وبلبس جينز :)
ارحمونا بقى !!!!!!!!!!!!!!!!)


إن كان لك خبرة شخصية في التعامل مع الإخوان المسلمين فمن المعتاد من أعضاء الجماعة أنهم بالإضافة لإنكارهم الإنتماء للجماعة، يتنكرون لها بتأكيدهم على أنهم يشربون السجائر أو أنهم لا يصلون سوى يوم الجمعة أو أنهم يصاحبون الفتيات أو يشربون الخمر أو يستمعون للموسيقى، هذا السلوك مرتبط بفكرة التقية التي تعني حرفياً الحفظ أو الإخفاء وهي مدرسة إسلامية ظهرت أولاً عند الشيعة، والتقية هنا هي أن يخفي الفرد إنتماءاته وقناعاته وآراءه وإستراتجياته، وهم يستخدمونها هنا لكي يجعلوا أي دعم يقدمونه أو مواجهة للإنتقادات يستميتون فيها والهجوم تظهر كما لو كانت تخرج من شخصية محايدة كي تكون أكثر تأثيراً وإقناعاً.
صفحة الفيس بوك "الميدان هو الحل" تقدم نفسها كصفحة مدنية مستقلة لمجموعة من الشباب، تنشر أحياناً صور لممثلات وأخبارهم ولا مانع من أن تقوم بإنتقادات ضعيفة لشخصيات من الإخوان ولكنها في الأوقات الحرجة قبل الإنتخابات مثلاً نجد أدمن الصفحة يضع كل طاقته لدفع المشاركين في الصفحة لدعم مرشح الإخوان بل وبعدها لدعم قرارات مرسي المصيرية.

هل كانت الصفحة إخوانية منذ البداية ولكنها تنتظر إلى أن يصل عدد الأعضاء إلى عدد كبير وذو جدوى وعندها تُستخدم الصفحة لدعم الإخوان وقت اللزوم؟ ، لا يمكن القطع بذلك ولكن سلوك الأدمن يثير الشكوك في إستقلالية الصفحة وفي الصفحات الشبيهة التي تتحول إلى أدوات إخواني عن جدارة في اللحظات الفارقة.

• الإحتفاء الإجلالي المصطنع بحرية الصحافة ( أو صناعة دراما الواهب الأعلى للحرية ):

عند عودة محمد مرسي في 16 يوليو 2012 من أثيوبيا عاد في موقف بطولي إلى القاهرة، في أثناء رحلة عودته مر الرئيس مرسي على السودان وأعلن أن توقفه كان بغرض التفاوض حول عودة الصحفية المصرية شيماء عادل، وعادت الصحفية الشابة بالفعل مع الرئيس مرسي على طائرته الخاصة، قامت وقتها الوكالة الإخبارية الإخوانية على الفيس بوك "شبكة رصد" بتقرير يصف كيف مرسي يحترم الصحافة ومن يحترم الصحافة هو بالتأكيد يحترم المواطنين، وأنه بإنقاذه شيماء يفتح مرسي تاريخاً جديداً في عهد الصحافة المصرية.

http://arabic.jadaliyya.com/content_...ages/Morsi.jpg
[مرسي يعود منتصرا مع شيماء - من شبكة رصد]

وأستطاع ان يضع مرسي نفسه في دور واهب الحرية للصحافة حينما يتدخل بقراراته الرئاسية العلوية للإفراج عن الصحفين المحبوسين في قضايا حرية الرأي وهو الموقف الذي حدث في القضية الشهيرة ضد إسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة الدستور، أُتهم عفيفي بإهانة الرئيس والقضية لازالت قائمة ولكن عفيفي أفرج عنه بقرار جمهوري من واهب الحرية.

هذا النوع من التحركات من الرئيس مرسي يستطيع أن يمتص غضب المنتقدين ويأخذ الأضواء بعيداً عن أي إنتهاك لإستقلال وحرية الاعلام برغم أنه في الفترة نفسها تناثرت ملفات القضايا بعنوان "تهمة إهانة الرئيس" مثل قضية توفيق عكاشة وعبد الحليم قنديل المحرر في جريدة "صوت الأمة".

4- التسخيف من المعارضة :

الإخوان المسلمين مثل أي فصيل سياسي سلطوي يتعامل مع منافسيه بالتسخيف منهم وإخفاس حقهم، فكان جزء من عمل مليشيات الإخوان هو أن ينشروا ميمات معادية لبعض رموز الثورة أو القادة الذين لا ينتمون للجماعة ويعدوا خصوم لها مثل محمد البرادعي وحمدين صباحي وأحياناً مع إعلاميين مثل إبراهيم عسيى، هذه الميمات لا تحتوي على أي حوار حقيقي أو جدل سياسي جاد حول المواقف السياسية وكل الغرض منها هو التقليل من شأن هذه الشخصية العامة وإظهارها كشخصية حمقاء وغير رشيدة، ومن خلال التكرار المبالغ فيه لهذه الميمة يأمل الإخوان أن تتحقق الرسالة الخفية المرجوة وهي ألا تؤخذ هذه الشخصية بشكل جدي بعد ذلك، نأخذ على سبيل المثال صفحة إخوانية تحمل عنوان "حمدين صباحي واحد خمنا" المرشح الرئاسي الناصري الذي كاد أن يصير رئيساً لمصر في الإنتخابات الأخيرة، الصفحة الإخوانية تستخدم عنوان يسخر من شعار حملة حمدين وهو "حمدين صباحي واحد مننا"



من خلال الخلفية المستخدمة والبالونات الملونة بالإضافة لصورة حمدين التي يبتسم فيها وهو مغمض العينين، فالرسالة المرغوب توصيلها هي أن صباحي مثل طفل أحمق وغير رشيد، لهذا هو لا يصلح أن يؤخذ بجدية ليكون رجل دولة، نلاحظ أن الإخوان هذا هو أسلوبهم الرئيسي في الهجوم بإستخدام التسخيف والتكرار فقط ليس أكثر، حيث أنهم يفتقدوا أسلحة هامة في الهجوم وهي النقد المنطقي من جهة أو روح الدعابة من جهة أخرى وهذا لأن الجماعة في طبيعتها جماعة أصولية لا يعتمد تشكيل عقلية الفرد بداخلها على تنمية العقل النقدي الذي يواجه خصومه بالنقد الممنهج والجدل الممنهج الثري، الشخصية العقلانية الناقدة لا تصلح ان تكون عضواً في كيان الإخواني لأنها لن تكون مطيعة ومنساقة لأوامر القادة بل ستكون معطلة ومجادلة و ستؤثر علي تحرك الكيان بكفاءة، أما عن روح الدعابة فهي تحتاج إلى مساحة شاسعة من الحرية والإبداع ومساحات يخوض فيها الأصولي بحذر لأنه لم يعتدها، فالضحك عند الأصولي له حدود والنكات لها رقابة وضوابط، وفي حالتنا الإخوانية هذه ما أبوخ الإفيهات إن تحولت إلى قوالب محفوظة عليها رقابة و قيود ينحصر دور المليشيات الالكترونية فيها على النسخ واللصق.

5- صناعة البطل/ المجاهد/ الخليفة :

الأسلوب العكسي لتشويه المعارضة وتصويرها كشخصيات لا تستحق المنافسة وغير جديرة بالإهتمام هو أن تُظهر من هم في صفك كأبطال ومجاهدين وقديسين، كل بطل يحتاج إلى عدو يحتاج إلى قوى الشر التي سيقف أمامها مظهراً شجاعته وبسالته الفائقة، لا يهم إذا كان من سيقوم بدور الوغد هو بالحقيقة يستحق العداوة أم لا، ولا يهم إذا كان ما يدور بين البطل والوغد هو صراع أم صفقة، كل ما يهم هو إقناع الجماهير بأمجاد البطل.

صفحة "المنوفية على الفيس بوك: لشباب المنوفية فقط"


هي صفحة تعلن عن نفسها كصفحة للشباب المستقل فقط، ولكنها في الواقع تظهر كصفحة مؤيدة لمرسي والإخوان بقوة، حيث نشرت الصفحة بورتريه لمرسي مع أشعار تمجد أعماله البطولية وذلك أثناء بداية توليه الرئاسة حينما أراد أن يعيد البرلمان بقرار جمهوري، وقد صورته الصفحة كقرار يمثل ضربة قاصمة للعسكر، وذلك من خلال قصيدة من المديح مكتوبة خصيصاً لهذا الحدث.

مرسي يُمجد على أنه القائد السياسي، البطل الهمام الذي يتخلص من العسكر موحد عناصر الأمة بكل أطيافها وفي الحقيقة إننا لم نرى يوماً صراع حقيقي بين العسكر والإخوان، بل كانوا منذ اللحظات الأولى أصدقاء وداعمين لبعضهم البعض منذ حديث طنطاوي مع شباب الإخوان في التحرير حتى مقابلة عمر سليمان حتى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، لم يتعرض الإخوان من العسكر لأي إنتهاك أو إعتداء طوال عام ونصف برغم تعرض كل الفصائل لذلك، ولكن حينما يشعرفريق الإخوان والعسكر بالضعف يضطر الإخوان لتصنع ضرب العسكر كما يفعل المصريين في مشاجرات الشوارع، فحينما يكون أحد الأفراد ممن في صفوفك في "العركة" مصدر لضعفك أو حينما تشعر أنكم تكادوا أن تُهزموا تنقلب على زميلك في تمثيلية تروق للطرف الآخر في أغلب الأحيان وتجعله يتوقف عن مهاجمتك وأحياناً يمدح تصرفك.

وفي صفحات أخرى يُقدم مرسي مثل خليفة، فهو الرئيس التقي الورع ذو صلة لا تنقطع بالله سبحانه وتعالى، ومن أشهر الفيديوهات التي أستخدمتها تلك الصفحات هو فيديو بعنوان "الرئيس محمد مرسي يبكي في الحرم" وهو فيديو يظهر المشاعر الدينية المتأججة للرئيس مرسي أثناء أداءه للعمرة خلال رحلته للمملكة العربية السعودية، وتلك الصورة المقدسة للرئيس مرسي يسعى الإخوان المسلمون بدون شك لترسيخها في العقل الجمعي شيئاً فشيئاً ، وحينما تقبل الجماهير المصرية الرئيس مرسي كأيقونة دينية تكون الأيديولوجية الإخوانية تم تحميلها بشكل كامل والسيطرة على الدولة ستكون محكمة لا تحتاج إلى تأمين .

6- قطع الطريق أمام النقد وتشويهه :

المليشيات الإلكترونية تقطع الطريق أمام أي نقد مستقبلي بإستخدام أدوات حرفية مثل "تخيل أن - ياريت يحصل– ماذا لو" ، وهم يدعون أنهم يتخيلون سيناريوهات مستقبلية يكون الهدف من إختلاقها تمهيد الرأي العام للقرارات والأفعال التي ستصدر بالفعل مستقبلاً من الجماعة (مرسي) وتشويه أي رد فعل مضاد أو نقد سيواجه القرارت المستقبلية.

نأخذ على سبيل المثال صفحة "امسك فلول" التي يزيد عدد اللايكات فيها عن 334 ألف لايك

حينما تم إنشاءها ظهرت كحملة شبابية مستقلة ضد رجال النظام القديم، لكن منذ أن دعمت مرسي في إنتخابات الإعادة خرجت هويتها الحقيقية إلى السطح وصارت داعمة للجماعة على طول الخط، ولاشك لدينا الآن أنها إحدى صفحات الاخوان المسلمين.

أدمن الصفحة نشر هذا الكارتون الفلولي والذي من المفترض ان يكون توصيفاً ساخراً للصوص مبارك من النظام القديم وهم يُعاقبون على جرائمهم، ولكن النص الملحق بالكارتون كان له تفسير بديل للصورة نستطيع أن نقول أنه تفسير إخواني متميز.


الخطاب الإخواني هنا صخب وواضح جداً وشديد اللذاعة، المتحدث هنا يسعى لضرب وسد الطريق على أي نقد مستقبلي يمنع الجماعة من الحصول على السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية، أي أن الجماعة نفسها تعمل على تعطيل النقد المستقبلي وتحضير الأرضية لبناء دكتاتورية الحزب الواحد.

هناك شيئاً آخر نلاحظه في هذا البوست، فلقد وضع المتحدث هنا "أبو العز الحريري" أحد أهم الأعضاء المؤسسين لحزب التحالف الشعبي في نفس الكفة خلسة مع الشرطة التي ***ت الثوار في 28 يناير، بل سعى أن يقنع القارئ خلسة أن ضرب الإخوان لأبو العز الحريري يحمل القيم الثورية ذاتها التي يحملها ضرب الثوار للشرطة ونضالهم ضدها في 28 يناير، وأن أبو العز الحريري أحد المعارضين المعروفين لنظام مبارك هو مثله مثل رجال الأمن ***ة الثوار الذين كانوا يعذبون الثوار في السجون وأقسام الشرطة، وهذا بالطبع لأن أبو العز الحريري أحد معارضي الإخوان.

7- اللعب بكارت الإسلاموفوبيا :

صفحة "جروب الصور الطريفة والغريبة"

ظهرت في الأصل كصفحة مستقلة للتسلية تعرض الصور الغريبة مثل قرد يلبس نظارة – أطفال يقومون بتصرفات ملفتة – صور كارتونية مضحكة، هذا الجو المسلي جذب 97 ألف لايك، ولكن الصفحة بدأت تنشر رسائل سياسية ودينية أحياناً، تدعم تكوين حكومة إسلامية أحياناً، تتغزل في خطابات مرسي أحياناً، وحينما قام زائري الصفحة بالتشكك في قدرة الإخوان على قيادة الدولة إلى حالة مدنية دستورية سليمة بدأ الأدمن يتهم المشاركين في الصفحة بالإسلاموفوبيا.

الحقيقة أن تهمة الإسلاموفوبيا من الغريب أن يستخدمها الإخوان في غير موقعها بهذا الشكل ولا يتم تفنيد الإتهام، حيث أن الإسلاموفوبيا تتعلق بخوف غير المسلمين من المسلمين كنتيجة للفزع الذي أنتشر بعد قيام بعض المسلمين بعمليات إرهابية ونسب أفعالهم الإجرامية للأسف إلى الإسلام، مما أدى لظهور عند بعض غير المسلمين خاصةً في الغرب فوبيا من التعامل مع المسلمين خاصةً عند هؤلاء الذين لم تتح لهم الفرصة أن يتعرفوا على الإسلام طوال حياتهم.

بالتالي فالذي يتهم الآخرين بالإسلاموفوبيا في مصر فكما لو كان يتهم المسلمين بالخوف من الإسلام والمسلمين أو ربما يتهم الأقباط المصريين بالخوف من الإسلام والمسلمين، وهذا كله يتنافى مع المنطق، فكيف لمسلم أن يخشى الإسلام والمسلمين أو كيف لقبطي عاش مع المسلمين ألف وربعمائة عام أن يخاف هو الآخر، ولكن هذا يتفق مع منطق واحد هو أن المتحدث أي الإخواني يعتقد إنه مسلم والآخرون ليسوا كذلك بل ويعتقد أن القبطي يخشى الإسلام لأنه يظن واهماً إنه كإخواني يُدخل الإسلام الى مصر. ولا عجب أن في أحد تصريحات صفوت حجازي أنه قد أشار لفرحته العارمة بتعيين أول مذيعة محجبة في التليفزيون المصري ودخول الإسلام مصر.

8- جذب الأنظار بعيداً عن الأحداث الجارية إلى مواقع أخرى لا تتوفر عنها المعلومات الكافية:

في 28 يونيو 2012 بعد إعلان نتيجة الرئاسة وفوز مرسي بأربعة أيام بدأت مجموعات على الفيس بوك حملات توعية مكثفة عن إضطهاد المسلمين في "بورما"، حركة 6 أبريل وضعت على عاتقها حمل هذه القضية بل وبدأت تنظم المظاهرات أمام سفارة بورما في 28 يونيو، وأُستخدمت صفحة "مباشر 6 أبريل" (156,883 لايك) للتوعية عن إضطهاد المسلمين هناك.



[*** المسلمين على يد رهبان بورما

ولكن لماذا بورما ولماذا في هذا التوقيت؟

نستطيع فقط أن نخمن أن هناك ثلاث أسباب رئيسية تدفع المليشيات الإخوانية الإلكترونية لتحويل تركيز وإنتباه المجموعات الثورية إلى قضية بورما.

أولاً: بورما تجذب إنتباه الشباب المسيس بعيداً عن القضايا الوطنية من إصلاح التعليم والإصلاح الاقتصادي والقضايا العمالية والعمل على بناء أحزاب سياسية جديدة قادرة على المشاركة والمعارضة السياسية بقوة وتجعل الشباب يركز في قضية خارجية فهمها متعثر تتسم بنقص المعلومات والحقائق الملفقة.

فننظر مثلاً إلى هذه الصورة التي إنتشرت بشكل شاسع على الإنترنت في مصر والسعودية في يونيو 2012 بعنواين تراجيدية حول الرهبان في بورما و***هم للمسلمين، تكتشف بقليل من البحث أن تلك الصورة ليست لضحايا مسلمين مقتولين على يد الرهبان بل هي صورة نُشرت في أبريل 2010 على موقع "أهل التبت" الذي يصور رهبان التبت وهم يدفنون ضحايا زلزال الصين في 2010.

ثانياً :إن قضية إضطهاد المسلمين في بورما تنشط فكرة الهوية السياسية الإسلامية التي يرغب الإخوان أن يتوحد حولها الشباب في المنطقة كبديل للثورة والحرية.

ثالثاً: إن قضية بورما تصلح كبديل جيد للقضية الفلسطينية التي إستخدمها الإخوان المسلمون لسنوات طويلة للسيطرة على الشباب وتحريكهم دون أي صدام حقيقي مع النظام المصري، والآن حينما حصل الإخوان المسلمون على السلطة والقوة فإستخدام قضية فلسطين سيحول بينهم وبين ترسيخ العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، وبالتالي فإن بورما تصلح كوسيلة مؤقتة لدعوات الغضب والوحدة الإسلامية كما أنها تخدم رغبة أمريكا في تكوين معسكر إسلامي مناهض وكاره للمعسكر الشرقي للصين وايران.

9- أنسنة السياسي :

عبر التاريخ والناس الذين خلف الناس الذين هم في السلطة يسعون دائما لدفع أفراد المجتمع للتركيز على الصفات الإنسانية للقادة السياسين بدلاً من مواصفاتهم وسلوكهم السياسيين. الإخوان كأفراد في الجماعة هم في النهاية أشخاص مخلصين وطنيين أتقياء (يعرفوا ربنا) وكل ما يريدوه هو الخير لهذا الوطن، وإن أخطأ الإخوان المسلمون فهذا لأن كل إنسان في العالم له أخطاءه لا أكثر، فنحن بشر وتلك الأخطاء بالتأكيد لن تكون بسبب إستغلال النفوذ أو سياسيات غير نزيهة أو أغراض بعيدة. هذه الإستراتيجية لإظهار الصفات الإنسانية والمستضعفة للقادة السياسين تخلط السياسي بالإنساني وتشخصن السياسة وتخويها من مضمونها.

فلنأخذ البوست التالي في صفحة "آخر أخبار ميدان التحرير" التي نشرت كلمات محمد سعد أبوالعزم تحت عنوان "حب مصر وكراهية الإخوان المسلمين"

(نعم ... من حقك أن تعارض الإخوان، وتنتقد أداء نوابهم وقيادتهم، فمن قال إنهم لا يخطئون؟ من قال إن كل ما إتخذه الإخوان من قرارات كان صحيحاً؟ هم بدون شك تجمع بشرى يجتهد فيصيب ويخطئ، ولكن المؤكد أنهم فصيل وطني له رؤيته فى إصلاح البلاد؛ التى قد يختلف البعض معها، وقد سجلت تحفظاتي عدة مرات على بعض تلك القرارات)

تلاعب آخر على المشاعر الإنسانية كان يحدث على الفيس بوك والإنترنت عامةً وهو الذي كان يركز على أن متطلبات المرحلة أكثر من أن يحتملها محمد مرسي كإنسان، فهو يضطر ألا ينام من أجل مصر، وهو ما ترتب عليه بالتالي إننا علينا أن نقلل من متطلباتنا حتى نخفف من عليه الضغوط ، وأن نكون مقدرين لما يفعله وليس ناقدين لمن لا ينام.

وهذه أحد البوستات الشبيهة في صفحة "شباب وفتيات مصر في السعودية"

حينما كانت تستجدي عطف الناس وتكتب

"أنا بتمنى أعرف هو الرئيس مرسي امتى بيبقى عنده وقت ينام"

10- أن تشيع عن نقطة ضعفك أنها نقطة قوتك :

صفحة "إحنا آسفين لأننا منظمين"


تظهر كيف يتباهى الإخوان المسلمون بما يعتبرونه أحد أهم فضائلهم، فالصفحة تقدم الشكل التنظيمي للإخوان على أنه كنز الجماعة، والإخوان المسلمون هو تنظيم غير شفاف وغير ديموقراطي لا يمكن بأي شكل مقارنته بالنظام الديموقراطي العادل الذي تحلم به مصر الثورة، فشباب الإخوان ينفذون الأوامر الموجهة لهم من صناع القرار وهم مجلس شورى الإخوان، لا يحق لهم أن يسألوا وإن سألوا فعليهم أن يسألوا الأسئلة المجهزة مسبقاً في قوالب الشبهات والردود، والأعضاء يعلون في المراتب داخل الجماعة بحسب ولائهم للقادة داخل هذا البناء فالكفاءة هنا معادلة للولاء للقائد وهو ما يتنافى تماماً مع القيم الإجتماعية والسياسية الجديدة التي تطرحها الثورة.

والحقيقة أن الهيكل التنظيمي وأسلوب الإدارة والتنظيم داخل الإخوان هي أكبر نقطة ضعف لديهم، فكيف لتنظيم ديكتاتوري أن يؤسس الديموقراطية في مصر، ولكن أستطاع الإخوان أن ينشروا ميمة أن أسلوبهم التنظيمي ميزة ونقطة قوة يكاد الجميع أن يصدقها برغم عجز الإخوان عن تكوين حزب سياسي أصلاً ذو قرار منفصل عن مجلس شورى الجماعة.

وحتى اليوم يجتمع الرئيس بمجلس شورى الإخوان ويتحدث المرشد العام الذي لم يحصل رسمياً على أي منصب سياسي داخل الدولة أو داخل حزب الحرية والعدالة عن خططه لمستقبل مصر، ويقوم شباب الإخوان بتأمين المباراة بدلاً من الشرطة وكأنه جهاز أمني موازي للجهاز الأمني الرسمي. ولازال الكثيرون يصدقون أن فضيلة الإخوان أنهم منظمون.

11- شيطنة الانترنت :
سيظل الإنترنت لا يمكن السيطرة عليه أو توقع ما سينتج عنه بغض النظر عن الجهود المستميتة للإخوان، فيضطر الإخوان أحياناً للعب على المخاوف الدينية لإثناء الشباب عن الفيس بوك وتويتر. أحد أشهر المتحدثين بأسم الإخوان في الإعلام وهو صفوت حجازي قارن الفيس بوك وتويتر ب"اللات والعزى" آلهة الوثنين في مكة في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام حيث أكد في نهاية حديثه التليفزيوني في يوليو 2012 ان الإنترنت هو مسيلمة الكذاب.

والحقيقة أن هذا الوصف فيه مفارقة لأنه يصلح لوصف أساليب المليشيات الإلكترونية الإخوانية للسيطرة الأيديولوجية. ومن جهة أخرى فالمليشيات الإلكترونية بلغة أقل حدة كانت تثني الشباب من إهدار طاقتهم على الفيس بوك وتويتر، ولا ننسى إنتقادتهم المستمرة والقوية لمحمد البرادعي وتويتاته التي تنتشر عبر وكالات الأنباء والجرائد والمواقع الإلكترونية بل يتناقلها عدد لا يحصى من حسابات الفيس بوك و الذي ينتقيها البرادعي بذكاء ولا يكثر منها، وبالتأكيد أن هذا الإنتقاد الإخواني لمحمد البرادعي ونشاطه على تويتر ليس هدفه أن يدفع البرادعي بأن يقوم بأعمال أكثر اتصالاً بالشارع بل هدفه إثناءه عن أن يكون شخصية فعالة على التويتر والإنترنت وربما انسحابه من التويتر يفتح لهم مساحات أرحب.

فإن الإنترنت يكون فعالاً حينما يكون جهاز يستطيع الإخوان من خلاله تحميل أيديولوجياتهم ويكون شيطاناً حينما يعجزوا عن ذلك. لذا فلا عجب أن الإخوان يحلمون بفيس بوك يسمونه إسلامي أو بلفظ أوضح فيس بوك إخواني يقوموا بإنشاءه بدعم من الخليج يحركون من خلاله الشباب في المنطقة و يروجون له بأفكار براقة عن الأخلاق و القيم الدينية.

الأيديولوجية لم يتم تحميلها بشكل كامل ... هل تريد إلغاء الأمر؟

للأفضل أو للأسوء...للنفع أو للضرر سيستمر الفيس بوك في كونه منبر حرج، مساحة يدور فيها الجدل الحاد والتشاور المتروي حول مستقبل بديل قابل للتحقق، ملايين من المستقلين سواء مواطنين إلكترونين أو نشطاء إلكترونين يتشاركون في هذا الفضاء مع جماعة تبحث عن القوة لها مليشيات إلكترونية تحركها بالأمر تسعى لتحميل أيديولوجياتها وأن تشكل على هواها اللغة السياسية والعمليات العقلية داخل عقول المستخدمين.

الجماعة ذات البناء القمعي تقدم نفسها كجماعة تحررية، فإن الجماعة التي تعتمد على التخفي والتلاعب تقدم نفسها كجماعة تحرص على الشفافية والديموقراطية. أقرت العديد من السياسات المريبة للنظام القديم في محاولاتها للإصلاح.

تُحدثنا عن مشروع إبداعي خلاق وت*** الشخصية والإبداع الفردي في شبابها، فيتحول شبابها ليس في الفيس بوك فقط بل في الواقع إلي بروفايلات خاوية من الخصائص والمعلومات (info)، يملؤها القادة بالقوالب حسب الحاجة. فأكثر ما يحزنني حين يدخل أحد الشباب الإخواني بأحد القوالب التي تلقى أوامر نشرها ويكون داخل القالب أنه يعمل في كذا أو لديه خبرة في كذا أوتربى في كذا، وهذا القالب يتنقله الآلاف من المفترض أنهم أفراد مختلفين، فقد أُبطلت شخصيتهم لصالح القادة لم يُبطل عقلهم النقدي وإبداعهم فقط. وعدت بالكثير ولم تقدم سوى الخطاب، ولكن حينما يصبح خطاب ما ممتداً ومنتشراً بغزارة يصبح انتقاده شديد الصعوبة. على المواطنين العادين في الفضاء الإلكتروني الرافضون لتحميل الأيديولوجية أن يعملوا بشكل فردي أو جمعي لمقاومة هذا التحميل وألا ينخدعوا بالبروفايلات الكاذبة والقوالب الموجهة المعدة مسبقاً. وفي الحقيقة هناك الكثير من المستخدمين لديهم وعي كامل بكثير مما ذكرنا لتكتيكات وربما أكثر وعليهم أن يستمروا في فك شفرات تكتيكات الخطاب التي تستجد على الساحة الإلكترونية أول بأول، عليهم أن يرفضوا أي تضييق على المساحات المادية والإفتراضية في الفضاء الإلكتروني التي كانت يوماً ما مجالاً للروح السقراطية الجمعية التي تشارك فيها الجميع بالأسئلة الأساسية الهامة، الوطنية والسياسية والإنسانية لأن إنطفاء تلك الروح التي بدأت بها الثورة يقطع الطريق أمام تحقيق أهدافها.

إن الطليعة الإلكترونية تستخدم فضاءات الإنترنت بأساليب إبداعية مرحة منفتحة سياسياً وتوعوياً، تكشف الحقائق للجماهير في وجه السلطة وتحرك الإبداع في العقول. هناك صفحات كثيرة مثل صفحة "كارلوس لاتوف" أو "الحملة القومية ضد السرسجية" أو "أنا إخوان أنا مقطف بودان" وصفحات أخرى، كل هذه الصفحات لم تعد كافية الآن للتعامل مع التسونامي الاخواني على الفيس بوك وعلى المجتمع ككل.

الذين لازالوا مستمرون في النضال من أجل الديموقراطية والكرامة والعيش ... الذين لايزالوا يدافعون عن أهداف الثورة، يحتاجون إلى فهم أكثر فهماً وتدقيقاً لتحركات وتكتيكات الإخوان الأيديولوجية، فقط من خلال الإقتراب من الإنترنت والإعلام الرسمي والغير رسمي بأعين مفتوحة واعية ومحللة، وعليهم أن يكتبوا بأيديهم السيناريو المستقبلي الخاص بهم نحو حريتهم وحريات ذويهم. عليهم اليوم أن يبدعوا نموذجهم الخاص للوطن بدلاً من أن يعيشوا كمواطنين محملين بقوالب مكتوبة في عقولهم تقودهم نحو مصالح جماعة بعينها.



أ/محمد ابراهيم 22-10-2012 11:07 AM

اخى العزيز استاذ ايمن
ان كان الاخوان قد عملوا كل ما تم كتابته
فهو ذكاء فوق الوصف يحسب لهم ولا يحسب عليهم
يدل على تنظيمهم بطريقه غير عادية
كنت فى الفترة الماضية متأرجحاً هل انتخبهم مرة اخرى ام لا ؟
ولكن بعد هذا المقال ولشدة الذكاء والتنظيم
قررت ان شاء الله انتخبهم فى الانتخابات القادمة
لانى لا اعتقد انه سيكون هناك ذكاء وقدرة تنظيميه اكثر من ذلك
شكراً لك اخى الحبيب

محمد محمود بدر 22-10-2012 11:25 AM

ماشاء الله موضوع فى قمة الروعة واعمق واجمل وصف وتحليل قرأته منذ زمن بعيد عن الوضع الراهن وتحليل نفسى واجتماعى فوق العادة
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
والله يكون فى عونك فى اللى هاتسمعه من الاخوان

aymaan noor 22-10-2012 11:28 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ/محمد ابراهيم (المشاركة 4925788)
اخى العزيز استاذ ايمن
ان كان الاخوان قد عملوا كل ما تم كتابته
فهو ذكاء فوق الوصف يحسب لهم ولا يحسب عليهم
يدل على تنظيمهم بطريقه غير عادية
كنت فى الفترة الماضية متأرجحاً هل انتخبهم مرة اخرى ام لا ؟
ولكن بعد هذا المقال ولشدة الذكاء والتنظيم
قررت ان شاء الله انتخبهم فى الانتخابات القادمة
لانى لا اعتقد انه سيكون هناك ذكاء وقدرة تنظيميه اكثر من ذلك
شكراً لك اخى الحبيب

جزيل شكرى و تقديرى لحضرتك أستاذى الفاضل محمد ابراهيم
بالفعل هو ذكاء كبير و يدل على قدرة فائقة على التنظيم و ادارة الدعاية الانتخابية و هو مايشهد به الجميع للأخوان
أما عن انتخابهم مرة أخرى ، فهذه هى الديموقراطية الحقيقية أن ينتخب كل شخص من يراه الأصلح
فشر هذه المقالات ليس الهدف منه التأييد أو الهجوم و لكن المعرفة و التحليل ليختار بعد ذلك كل شخص مايتوافق مع فكره و رؤيته للأمور


جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 22-10-2012 11:30 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محمود بدر (المشاركة 4925804)
ماشاء الله موضوع فى قمة الروعة واعمق واجمل وصف وتحليل قرأته منذ زمن بعيد عن الوضع الراهن وتحليل نفسى واجتماعى فوق العادة
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
والله يكون فى عونك فى اللى هاتسمعه من الاخوان

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 22-10-2012 12:32 PM

تساؤلات لا بد منها: الجزء الثاني
 
تساؤلات لا بد منها: الجزء الثاني
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/appa2.jpg

لا يكفي فتح بروتوكول باريس، بل حان الوقت لطي صفحته

ما تم التعبير عنه مؤخرا من احتجاج شعبي وسياسي تجاه الأوضاع المعيشية المتردية، نجح أيضا على صعيد الشارع الفلسطيني، ولأول مرة، في إبراز الصِلة بين تلك الأوضاع والهيمنة الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني من خلال آليات "بروتوكول العلاقات الاقتصادية"، الموقعة بين إسرائيل و م.ت.ف. في باريس عام 1994. ولم تغفل الشعارات التي رفعت والتحليل والتعقيب المكثف منذ ذاك الحين بأن بروتوكول باريس كان الملحق الأول لاتفاقيات أوسلو، وأن استمرار سريانها مرتبط بنتائج الجدل الدائر حول مستقبل الأطر المؤسسية والأمنية والسياسية لأوسلو، بل حول نظام الحكم الذاتي نفسه. وقد يُنظر إلى جميع هذه الاتفاقيات على أنها رزمة واحدة متكاملة ومكملة لبعضها، غير قابلة للتجزئة. وانعكس ذلك بوضوح في سياسات السلطة الفلسطينية منذ 2007 على الأقل، حيث كان العنوان العريض للمرحلة السابقة "الوفاء بالالتزامات الموقعة" وإظهار حسن النوايا والجاهزية المؤسسية، على أمل التجاوب بالمثل من طرف "القوة القائمة بالاحتلال."

وبينما توصل الرأي العام الفلسطيني أخيرًا إلى أن بروتوكول باريس يبدو "أصل البلى" الاقتصادي (مع الاستدراك بأن أوسلو هي "الورطة الكبرى")، فإن التجربة التنفيذية التاريخية والأخيرة لها دلت على أن البروتوكول يحد بشكل شبه مطلق قدرة الساسة الاقتصاديين الفلسطينيين على منع حدوث المزيد من التدهور الاقتصادي، ناهيك عن أنها تقوض وتلجم أيّة احتمالات تنمية (وليست فقط احتمالات النمو) فعلية. وهذا الاستنتاج الشعبي يأتي ليؤكد ما يردده عدد من الخبراء والمؤسسات الفلسطينية والدولية منذ سنوات، مما يجعل من المنطقي التساؤل الذي انتهيت بطرحه في مقال سابق (رابط للمقال الأول) أي إذا كان من الممكن التخلص (أو الخروج) من بروتوكول باريس دون تفكيك أوسلو وألياتها ومؤسساتها.. فهل من بدائل سياساتية اقتصادية خارج اطار باريس يمكن جديا وفي الواقع السياسي الراهن الاحتماء بها واعتمادها بغية معالجة التحديات الاقتصادية الآنية والمستقبلية، دون الإطاحة باتفاقية أوسلو أو التبريء من التزاماتها المتشابكة؟

قبل محاولة الإجابة، لا بد من استذكار بعض أهم ملامح بروتوكول باريس التي تقيد حتمًا احتمالات التنمية والاستقلال والسيادة الفلسطينية، حتى بين دولتي إسرائيل وفلسطين العتيدة، ثم أن أوضح لماذا لا تجدي محاولة إصلاح البروتوكول اليوم، بعد كل ما تعرض له من تآكل وانتهاك وتجاهل من قبل إسرائيل حتى الوصول إلى مرحلة، وكما جاء في قصة الأطفال الغربية حول البيضة المكسورة ،"لن يستطع كل رجال وكل خيول الملك إعادة تركيب هامبتي دمبتي ثانية".

***

عندما قررت م.ت.ف. قبول ترتيبات أوسلو للحكم الذاتي الانتقالي السياسية والمدنية والأمنية، كان عليها إبرام اتفاقية مناسبة لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين كيان الحكم الذاتي والقوة القائمة بالاحتلال. بالرغم من كل ما يحتوي البروتوكول من أوجه قصور في تصميمه وشروطه، بما في ذلك الادعاء في مقدمته أنه يهدف لوضع الأسس الصلبة لاقتصاد فلسطيني مزدهر في الضفة الغربية وغزة، التي تشكل وحدة جغرافية اقتصادية واحدة، لا ينفع اليوم مواصلة هذا الجدل الذي لم يتوقف بين الخبراء والسياسيين منذ ما يزيد عن 15 سنة، ونكتفي بالقول أنه إذا كان البروتوكول الخيار الوحيد لتنظيم العلاقات الاقتصادية لإدارة شؤون سلطة فلسطينية ناشئة، فان تلك المرحلة انتهت منذ حين، ويعيش الشعب الفلسطيني اليوم ظروف سياسية وميدانية مختلفة تمامًا، بل تحديات وجدانية ليست اقل ضاغطة من تلك التي أجبرت قبل 20 سنة الدخول في عملية سلام ولّدت أوسلو.

يتمحور بروتوكول باريس حول عدة مجالات للعلاقات الاقتصادية ربطت مصير الاقتصاد الفلسطيني بمتطلبات الاقتصاد الإسرائيلي الأكبر والأقوى. وأهم قنوات هذا "الارتهان" وأضراره الموثقة للاقتصاد الفلسطيني، الأمس واليوم وغدًا، هي:

1. اعتماد النظام التجاري الإسرائيلي (مع بعض الاستثنائيات) من تعرفة جمركية وضرائب غير مباشرة ومواصفات، الذي قد يخدم مسار إنماء الاقتصاد الإسرائيلي المصنّع والمتقدم علميًا والمنفتح تجاريًا وماليًا على أسواق العالم، لكنه غير ملائم لعملية بناء قاعدة إنتاجية متينة أو لحماية المصالح الحيوية لشعب يكافح لتحرير أرضه المحتلة، حيث ينطوي على انفتاح تجاري مبكر ومفرط يؤدي إلى طمس احتمالات بناء "صناعات وليدة" ويدمر الزراعة التقليدية ويزيد من التبعية لإسرائيل ومساره الاقتصادي ؛

2. شروط انسياب التدفقات التجارية بين مناطق السلطة الفلسطينية وإسرائيل وسائر الأسواق الأخرى، والتي تقيدت بالموانئ والمخلصين ووسائل النقل الإسرائيلية والتكاليف الإضافية المترتبة على ذلك، وبالرغم من كل التطور المحقق في القدرة المؤسسية والفنية المكتسبة لدى الجمارك الفلسطينية وقطاع الشحن والتخليص الفلسطيني، في إدارة التدفقات التجارية الحدودية بكفاءة عالية، فإنها ما زالت أسيرة ل"عنق الزجاجة" الإسرائيلية ولا وجود لهم لا على الحدود الدولية ولا داخل الموانئ، بينما لم يعد احد يتحدث عن ميناء غزة البحري (أو مطارها الدولي) المنصوص حرفيًا علي إنشائه في أولى اتفاقيات أوسلو، إعلان المبادئ لعام 1993 ؛

3. تسيير التبادل التجاري الزراعي بين الطرفين على أسس "التنافس الحر"، والذي تحول فعلا إلى عملية إغراق للسوق المحلية بالمنتجات الزراعية الإسرائيلية المشبعة بالإعانات العامة ودعم للأسعار وشبكات للتسويق، مما يقوض تماما فرص التنمية الزراعية والمجتمعات الريفية؛

4. شروط دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، والتي تحددت سقفها دائمًا بحسب مقتضيات الأمن واحتياجات سوق العمل الإسرائيلي دون مراعاة احتياجات السوق الفلسطيني، مع أن تأمين فرص عمل في إسرائيل اعتبرت من اهم مبررات قبول صيغة "الاتحاد الجمركي" ومن أهم "المكاسب" من تنفيذ البروتوكول حتى عام 2000؛

5. اعتماد العملة الإسرائيلية للتداول والتقييد بالسياسة النقدية والاقتصادية الكلية الإسرائيلية في فصل من بروتوكول باريس لا يذكر عادة عند مناقشة سلبياته المذكورة أعلاه. وكان هناك مبرر في 1994، و ما زال، للتعامل مع هذا الموضوع بمزيد من الحذر وحس رفيع من المسؤولية المهنية والوطنية. لكن نظرًا لما يسببه هذا الارتهان النقدي من تشوه في عدد من المؤشرات الاقتصادية الكلية (نسب الفائدة والتضخم وأسعار صرف العملة والأجور والقوة الشرائية عامة)، وعلى ضوء أهمية اعتماد سياسة نقدية مستقلة (أو ذاتية) لإرساء قواعد حقيقية لاقتصاد يتمتع بحيز من السياسات والسيادة، فان استثناء هذا الموضوع من الحوار الاقتصادي الحالي غير معقول، خاصة وأن السلطة استنفذت جميع "الأسلحة" الضريبية والتجارية المتبقية في "جعبة" بروتوكول باريس لمواجهة الأزمة.

وعندما قرر الرئيس أبو مازن، في أعقاب خطابه أمام الأمم المتحدة في 2011، ان يتم فحص قيود بروتوكول باريس والبدائل المتاحة، كان ربما يرى ماذا ستواجه هذه الاتفاقية من نقد وإلقاء اللوم اذا لم تتحسن الظروف السياسية والاقتصادية. وها نحن بعد عام من ذلك، وتم تجديد القرار ب"فتح" باريس دون تحديد ما هي الملفات التي ستفتح ولأي هدف تماما. وفي نفس الوقت أعلن رئيس الوزراء سلام فياض عن عدد من الاتفاقات (لم يكشف عن جميع تفاصيلها أو نصوصها كما جرت العادة في الماضي) لتحسين آليات التعاون الجمركي ولتسهيل انسياب التجارة بين الضفة الغربية وإسرائيل. كما كتب في هذه الصفحات مؤخرا كبار المفاوضين في باريس (وأوسلو)، السيد احمد قريع، بأنه إذا كان هناك خلل في الأداء الفلسطيني في موضوع البروتوكول، فإن ذلك لا يتعلق بتصميمه بقدر ما هو نتيجة الضعف في التنفيذ الفني والمؤسسي والتفاوضي الفلسطيني، وبالتالي على الجانب الفلسطيني اليوم أن يحسن الاستفادة القصوى منه.

ومع أهمية ما تشير لها هذه التطورات، من استدراك لصناع القرار لخطورة الوضع الحالي والإلحاح في إتمام تعديلات كانت من بين المطالب الاقتصادية الفلسطينية منذ أكثر من عقد من الزمن، فإن المشكلة الكبرى اليوم أنه يبدو أن القرار الاقتصادي يتجه نحو إصلاح البروتوكول، بغية المزيد من التشابك مع اقتصاد القوة القائمة بالاحتلال.

يبدو أن الرهان هو أن إسرائيل قد تقبل اليوم تنفيذ ما رفضته قبل 2000، عندما كانت م.ت.ف. في وضع اقتصادي وسياسي وتفاوضي اقوى ولم تكن إسرائيل قد أحكمت بعد قبضتها الاستعمارية وطوقها حول مناطق نفوذ السلطة الفلسطينية. وهذا في لحظة تُرفع شعارات، ليس لتجديد سريان باريس أو إطالة أمد السيطرة الاقتصادية الإسرائيلية، بل مناهضة للاتفاقية ومطالبة بفك الارتهان لاقتصاد إسرائيل، ناهيك عن تجاهل رأي غالبية الخبراء، الذي يؤكد على ضرورة التخلص من الاتحاد الجمركي والاتحاد النقدي اذا كان سيقام يوم ما اقتصاد فلسطيني "قابل للحياة" لدولة فلسطينية مستقلة.

***

مع ان بروتوكول باريس موقّع عليه من قبل طرفين، فإن السلطات الإسرائيلية تعاملت معه وعدلت من إجراءات تنفيذه دائما حسب متطلباتها الأمنية ومزاجها السياسي، وأبدا ليس حسب نصوصه أو حتى روحه. بمعنى آخر، لم يكن يومًا البروتوكول المرجعية الأساسية أو الضرورية لترشيد القرار الاقتصادي الاسرائيلي بشأن الأراضي المحتلة، بل كانت مخططات توسع المستوطنات والطرق وشبكات الطاقة والجدران الفاصلة والحواجز والمعابر وكل بنية الاستعمار هي المرجعية والدليل التي لا ترى إسرائيل سواها. من جانب آخر مع مرور السنين والانخفاض المتواصل في سقف التوقعات والمطالبات الفلسطينية، فإن البروتوكول أصبح المرجعية الاقتصادية الفلسطينية الوحيدة، التي لا يرى صانع القرار الفلسطيني سواها، وكأنه منقوش في الصخر أو أنه لا توجد نماذج اقتصادية بديلة في العالم، سوى تلك الصيغة البائتة والمتقادمة والمجحفة بحق الشعب الفلسطيني ومقدراته وقدراته الكامنة.

ومع مواصلة الجدل حول مستقبل باريس وأوسلو (بل مدريد نفسه وعملية السلام برمتها)، سيكون من المفيد دراسة جميع الإمكانيات من النواحي القانونية والوظيفية والسياسية، ليس لتعديل أو تصحيح بروتوكول باريس أو للتنفيذ "الأمين" له، إنما باتجاه الخروج تدريجيا ومنطقيا من اعتباره المرجعية الوحيدة. وذلك حيث يمكن بالتراضي مع إسرائيل ودون تفاوض، أو بالسعي السياسي والديبلوماسي والميداني تحقيق كل ما هو ضروري لتأمين الأمن الاقتصادي للمواطن ولحماية الاقتصاد الممزق من الحرب من المزيد من التدهور، بغض النظر عن نصوص باريس.

ومن خلال برنامج سياساتي يضع نصب عينيه المحاور الأساسية للارتهان الاقتصادي ("نقاط الوجع") والحلول البديلة لمعالجتها (اليوم وليس بعد الاستقلال)، يصبح من الممكن تصوّر علاقة اقتصادية مختلفة مع الاقتصاد الإسرائيلي يبتعد عن قيود بروتوكول باريس. من المؤكد انه كما يعكس البرتوكول الاطار الاقتصادي الوحيد المسموح احتلالياً الاسترشاد به فلسطينياً، فان أوسلو (أم باريس) يبقى الاطار الوحيد المسموح لإدارة مناطق الحكم الذاتي في الضفة الغربية. ومَن كان يطالب منذ زمن بتفكيك أوسلو أو اصبح اليوم ينادي بذلك، على حق بالادعاء بان أوسلو يقتضى باريس وأنه ليس هناك ما يبرر باريس اقتصادياً سوى أوسلو. لكن ذلك لا يفرض بالضرورة أنه لا حياة لأوسلو دون باريس.

من هذا المنطلق اذًا، ومع الاعتراف بأهمية معالجة جذرية للازمة الاقتصادية، وضرورة تغيير الاطار التنظيمي الاقتصادي الحاكم (الذي بحد ذاته يكون بمثابة تغيير سياسي)، وصعوبة (بل خطورة) التخلص من أوسلو (أو باريس) بين ليلة وضحاها، وانطلاقا ايضاً من عدم قدسية أية اتفاقات تهدد "الأمن الاقتصادي القومي"، يصبح من الواجب فتح الطريق أمام حوار وطني عاجل وشامل للتدارس في السياسات التجارية والضريبية والنقدية المناسبة لمواجهة تحديات اليوم، وأن يطوى ملف باريس هذه المرة، لكي تعمل العقول الحرة وقادة الرأي الشابة والمخضرمة على رسم احتياجات وأولويات وآليات مرحلة صمود قد تطول، وبانتظار هبوب رياح أي تغيير سياسي أو اختراق ديبلوماسي قد تخلط الأوراق كلها، وتجعل كل هذا الجدل نافل وغير ضروري!

في الحلقة القادمة والأخيرة: ما هو متوفر كبدائل عن اطار باريس، وكيف يتحقق وعلى ارض الواقع باقل خسارة؟

aymaan noor 22-10-2012 12:35 PM

تساؤلات لا بد منها: الجزء الثالث
 
تساؤلات لا بد منها: الجزء الثالث


اذا كان الابتعاد عن الاتحاد الجمركي منطقياً، هل توجد بدائل فعلية له؟
هنالك عدة أسباب تجعلني غير واثق من توفر الاستعداد أو المقدرة السياسية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية للتعامل اليوم مع بروتوكول باريس حسب ما تقتضي المصلحة التنموية الفلسطينية الاستراتيجية، وهي ذات الأسباب التي ستدفع أصحاب القرار الاقتصادي الفلسطيني على الأرجح للعمل على تعبئة الجهود لإجراء إصلاحات اقتصادية وتجارية داخل اطار باريس، وليس خارجه. وفي نفس السياق، يجب ألا نستغرب اذا ولدت مثل هذه الجهود "الترميمية" للبروتوكول بعيدا عن المس ب"أم الاتفاقيات" أوسلو، حشداً بل تزاحماً بين اطراف عديدة قد تجد مصلحتها في إدامة الإطار الاقتصادي الحاكم، أو لديها قناعة اقتصادية بضرورة وحتمية الحفاظ على الاتحاد الجمركي مع إسرائيل. وعلى ضوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية والمخاطر المحدقة باطار أوسلو ومؤسساته، فانه من المؤكد ان ورش العمل ودراسات الخبراء والمعاهد والمانحين والمشاورات بين المسؤولين الاقتصاديين سوف تنطلق مجددا، في سعي لبعث الحياة، بل الأيمان، في اطار بروتوكول باريس وإطلاق "عملية إصلاح" له، قد تمهد لمرحلة "انتقالية" جديدة، شبيها بتلك السنوات ال3 التي مضت من "جهود بناء الدولة".

وبالرغم من المطالبة الشعبية المناهضة لآثار بروتوكول باريس، وللإجماع العلمي الواسع بان الاتحاد الجمركي لا يشكل افضل الصيغ للعلاقة التجارية الحالية والمستقبلية، بل هو الأسواء في جميع الأحوال، فان الإمعان في الترويج لإمكانية "تطوير" باريس أو تنفيذه بأمانة ("كما هو منصوص عليه") وليس حسب المزاج الأمني أو الاقتصادي الإسرائيلي، لا يبشر على بجاهزية السلطة الفلسطينية للبحث جديا بأية بدائل عما هو قائم و"موقع عليه"، ليس اليوم ولا غدا، وحتى ولو أحضرت لها مائة رأي ومبرر اقتصادي مغاير.

ومع ان م.ت.ف. طالبت إسرائيل في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 باستبدال الاتحاد جمركي ب"منطقة تجارة حرة"، وأيدها في ذلك خبراء البنك الدولي الذين اكدوا في دراسة نشرت عام 2002 "ان البروتوكول بعباراته الغامضة، يشكل عقداً غير مكتمل وغير قابل للتطبيق، تم تنفيذه لصالح إسرائيل". لكن هذا لم يعد اليوم هو الموقف الفلسطيني الرسمي، حيث أكد رئيس الوزراء سلام فياض للمفوض التجاري الأميركي في 2010، انه يفضل شخصيا الانتقال نحو نظام تجاري اكثر متحرر من ذلك المتضمن في باريس ودون منح أفضليات تجارية لأي طرف، لكنه ليس "متحمسا لتغيير ما هو قائم"، وبإمكانه "التعايش مع البروتوكول". ومع انه لا يتم تنفيذه كما يجب، فان من الممكن حسب رأيه إجراء تحسينات لبعض جوانبه حيث انه إطار "أفضل بكثير مما يدعيه البعض".

ويبرز هنا التخوف من الدخول في منطق التفاؤل المطلق لشخصية فولتير الشهيرة، ذلك الفيلسوف "بانغلوس" الذي كان يصر على انه "في عالمنا هذا، وهو الأفضل بين كل العوالم، فان كل شيء على افضل حال". وقد يستسلم لهذا المنطق كل من صانع القرار الاقتصادي الذي لا يرى الاقتصاد سوى من منظار باريس وأوسلو، والجمهور الفلسطيني الأوسع الذي يراوده في آن واحد التذمر من الوضع المعيشي والقلق تجاه أي تغيير في الوضع القائم. لكن اذا اصبح "إنقاذ باريس" هو العنوان الفعلي للفترة القادمة، رافضا بذلك التعلم من دروس العقدين الماضيين وتفادياً المواجهة مع تحديات اليوم وغدا الاساسية، سينطوي مثل هذا التوجه على تجاهل بقية حكاية "بانغلوس"، الذي واجهه تلميذه "كانديد" بالإجابة "اذا كان عالمنا الأفضل بين كل العوالم، فكيف هي فعلا تلك العوالم؟" وهذا هو محور ما سأجيب عليه في هذا المقال لدى دراسة البدائل الممكنة "لعالم" باريس الاقتصادي.

***

من المتعارف عليه في علم الاقتصاد وفي التجارب التنموية المختلفة من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، هنالك اربع نماذج للعلاقات التجارية بين الدول يتم الانتقال من واحدة للثانية في مراحل متعاقبة من الاندماج الاقتصادي المتزايد.

المعاملة التجارية غير التمييزية: أو ما يعرف أيضا بمعاملة الدولة الأكثر رعاية، وهي صيغة العلاقة التجارية القائمة فعلاً بين معظم دول العالم، في أولى مراحل علاقاتها التجارية المتبادلة، واعتماد هذه المعاملة هو الشرط الأساسي لقبول انضمام أية دولة أو منطقة جمركية منفصلة لمنظمة التجارة العالمية؛

منطقة التجارة الحرة: لتحقيق المزيد من الفوائد المحتملة من الاندماج التجاري والاقتصادي، يمكن تحرير جميع التدفقات التجارية السلعية والخدمية بين دولتين (مجاورتين عادة) أو اكثر وإعفائها من التعريفة الجمركية والرسوم، مع حق كل طرف بالاحتفاظ بترتيبات تجارية وجمركية مختلفة مع دول أخرى. ومن الأمثلة الناجحة نسبيا لهذه الصيغة "منطقة التجارة الحرة لشمال أمريكا – نافتا" بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك؛

الاتحاد الجمركي: وهو نموذج اكثر متقدم للاندماج، ينطوي ليس على تحرير كامل للتجارة بين مجموعة من الدول المشاركة فحسب، بل على اعتماد تعرفة جمركية موحدة تجاه كافة الدول الأخرى، و"الاتحاد الأوروبي" اصبح المثال الأكثر تقدما لمثل هذه الصيغة، بالإضافة "للاتحاد الجمركي لجنوب افريقيا" كمثال لاتحاد جمركي بين اقتصاد كبير ومتقدم وأخرى اقل نمواً.

الاتحاد الاقتصادي: و في ارقى شكل من الاندماج الاقتصادي فان مثل هذا الاتحاد - الجمركي والنقدي والضرائبي - بين اقتصاديات مماثلة أو متقاربة، يكون بمثابة تسليم سيادة الدول الاقتصادية إلى هيئة جماعية عليا تراعي مصالح جميع الأعضاء ضمن نفس المعايير السياسية الاقتصادية الكلية. و"منطقة اليورو" (المتأزمة اليوم) هي مثال على محاولة لم تنجح حتى الآن في إكمال جميع عناصر الوحدة الاقتصادية اللازمة للحفاظ على الاتحاد الاقتصادي، وخاصة الضريبية والمالية، مما يهدد بتفكيك الاتحاد النقدي اذا لم تنجح الدول الأعضاء بإنجاز المزيد من التوحيد لسياساتهم المختلفة، بما يراعي مصالح جميع أعضائها الكبار والصغار.

وإذا كان بروتوكول باريس يوصف عادة بانه "شبه اتحاد جمركي" (غير مكتمل بسبب تصميمه المنحاز للمصالح الاحتلالية وتضمنه استثناءات مختلفة)، فان العلاقة الاقتصادية الفلسطينية الفعلية مع إسرائيل أشبه ب"اتحاد اقتصادي" (غير مكتمل أيضا). وعلى ارض الواقع ليس هناك بين البحر والنهر سوى نظام اقتصادي واحد، أي النظام التجاري والضرائبي والنقدي والكلي الإسرائيلي. وضمن هذا الواقع القانوني والظرف الميداني الراهن، فان بروتوكول باريس لا يعتبر عقداً بين طرفين بقدر ما هو وثيقة ترشيدية إسرائيلية لبعض الاستثناءات عن أنظمة الاتحاد الاقتصادي التجارية والضريبية، والمسموح اعتمادها لدى سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية إذا رغبت بذلك. والجدير بالملاحظة أيضا أن قرار المم المتحدة 181 لتقسيم فلسطين عام 1947 نص في ملحقه الأول على إقامة اتحاد اقتصادي بين الدولتين اليهودية والعربية. ومع انه لم يتم تنفيذ بنود القرار الرئيسية في إقامة دولتين، إلا انه نُفذ ملحقه الاقتصادي على نحو مشوه، بعيدا عن هدفه الأصلي بتحقيق التقارب والاندماج الاقتصادي، حيث لم يولد هذا "الاتحاد" سوى التباعد والانفصال في مسارات النمو العربية واليهودية، وذلك هو النتاج الحقيقي ل 6 عقود من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.

***

هكذا يبدو (لي على الأقل) مشروعاً التساؤل لماذا يتجه الرأي السياسي و"العلمي" اليوم نحو إعادة اختراع أو إحياء نموذجاً للعلاقة التجارية مع القوة القائمة بالاحتلال لم يكن يوماً هو الخيار الاقتصادي الفلسطيني أو الإطار المناسب لتقوية اقتصاد تحت الاحتلال؟ بينما هنالك نماذج بديلة بإمكانها إتاحة فرص أكثر جدوى للعلاقة التجارية ليس مع إسرائيل فحسب، بل مع سائر الشركاء التجارية. وهنا ايضاً نلاحظ تكرار نفس الخطاء المنهجي في عملية صياغة السياسة الاقتصادية الفلسطينية الذي تكرس في الماضي، حيث كان السؤال المطروح يتمحور دائما حول ما هي أفضل الصيغ للعلاقة التجارية مع إسرائيل، بينما السؤال الجوهري الوحيد (والمغفل دائما) يجب ان يكون شكل النظام الاقتصادي والتجاري المطلوب لفلسطين مع العالم اجمع، وبالتالي ما هي انسب صيغة للعلاقة مع إسرائيل؟

وبينما قد يبقى الخيار الوحيد المسموح اليوم ضمن أوسلو هو الإبقاء على الاتحاد الجمركي المعلن (رغم تشوهه عدم تكافئه)، فانه حان الوقت للاعتراف علنا بان كيانيه الاقتصاد الفلسطيني أصبحت أسيرة لاتحاد اقتصادي اضطراري يملي شروطه محافظ بنك إسرائيل المركزي ووزران المالية والتجارة والدفاع الإسرائيلية، و تنحصر دور السلطة الفلسطينية في إدارة مناطق نفوذها المحدودة دون أية كلمة لها في رسم السياسات المالية والنقدية والتجارية الكلية التي تحد بشكل مطلق من قدرة "صانع القرار" الفلسطيني من صنع أي قرار فعلي.

على ضوء هذا كله، فان الخيارات ليست بالضرورة محدودة لدرجة جعل خيار البقاء على الاتحاد الجمركي هو الوحيد أو "أفضل العوالم" وطالما تفكر السلطة بفتح الملف الاقتصادي مع إسرائيل، يمكن وضع عدة خيارات أخرى على الطاولة والتي خضعت جميعها إلى الدراسة المقارنة من قبل جهات عديدة منذ سنوات:


خيار الانفصال التجاري والنقدي الشامل عن إسرائيل من خلال اعتماد المعاملة التجارية غير التمييزية والعمل على بلورة المفهوم القانوني والمؤسسي لمنطقة جمركية منفصلة والتعريفة الفلسطينية التنموية والتواجد/السيطرة على الحدود التجارية الدولية؛

خيار تحويل الاتحاد الجمركي إلى منطقة تجارة حرة بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل، تشمل ربما 30% من الواردات الفلسطينية السلعية الحالية، ونسبة أعلى من الصادرات السلعية والخدمية (خاصة في حال تضمن ذلك صادرات الأيدي العاملة الفلسطينية)، مع إمكانية تطوير التجارة مع الدول الأخرى بعيدا عن النظام الجمركي الإسرائيلي وحسب المقتضيات التنموية الإستراتيجية؛

وأخيرا وليس آخرا، هناك خيار تحسين شروط الاتحاد الاقتصادي الفعلي المهيمن (وغير المعلن)، حيث يمكن للسلطة الفلسطينية ولمبررات اقتصادية، ان لم تكن أيضا سياسية، دراسة خيار تحميل السلطة القائمة بالاحتلال بالامتثال لواجباتها القانونية في رعاية مصالح الشعب الفلسطيني في جميع قراراتها وسياساتها النقدية والتجارية والضريبية، خاصة وان عبء تنفيذها تقع على عاتق السلطة الفلسطينية وآثارها الاجتماعية البعيدة تؤثر مباشرة على معيشة ما يزيد عن 4 مليون فلسطيني.

هكذا، عندما نتوقف لحظة للتفكير قليلاً قبل التسليم لمنطق "بانغلوس" الراضي على ما هو قائم كونه افضل من أي بديل آخر، نرى ان العوالم الاقتصادية الأخرى ليست بالضرورة سيئة "كما يدعيه البعض"، بل ربما هي فعلا افضل من العالم الوحيد الذي عرفناه منذ 20، بل منذ 60 سنة.

أشرف عبد الشافى 22-10-2012 12:54 PM

مقال يصلح ان يكون كتاب قرأت بعضه ومللت من قراة الباقى وهذا لامرين اولا خير الكلام ماقل ودل وذلك للوصول الى ماتريده من عرض فكرتك والاطاله دليل على العجز لانه امل للاقناع ثانيا ماتعرضه عن فصيل وصل الى الحكم بالشرعيه يجب اعطائه الفرصه كامله وليس التشويش عليه حتى لايحقق هدفه وهذه هى الديمقراطيه والمعارضه يجب ان تكون بنائه وليس تشويه الاخريين فمصر تحتاجنا جميعا مؤيد محترم ومعارض اكثر احتراما والا سيظل معارض مش كده ولا ايه

Mr.Ahmed EL-hady 22-10-2012 02:51 PM

موضوع جميل جدا

جزاك الله خيرا

لكن حسن التنظيم لا يدل علي حسن السلوك او حسن النوايا كما قال الاخ العزيز محمد ابراهيم

هم منظمون وليس بالضروره في صالح البلد.....هم تنظيم منغلق علي نفسه في قمة التنظيم ولكن تنظيمهم لحساب انفسهم ومصالحهم فقط....لم نري اي كفاءه حتي الان منهم علي الساحه ولم يفيدو البلد في اي شئ حتي الان!!

كل ما نسمعه الدكتور فلان والمهندس علان..... اين الافكار العبقريه الاخوانيه التي سمعنا عنها ايام الانتخابات؟

تنظيمهم لأنفسهم فقط.

وشكرا مره تانيه يا مستر أيمن علي الموضوع الرائع

aymaan noor 22-10-2012 08:14 PM

الإخوان و«الرأسمالية المتوضئة»
 
الإخوان و«الرأسمالية المتوضئة» (1)
عمار علي حسن
الأحد 21-10-2012 08:03

فارق كبير بين النص الإسلامى والممارسة الحياتية، بين الإسلام والمسلمين، وبالتبعية بين ما تخطه جماعة الإخوان على الورق من تعاليم ووصايا وأفكار وتصورات وبين السلوك العملى الذى يتماهى مع التقاليد السائدة تارة، والبحث عن المنفعة أو المصلحة طوراً، علاوة على الظروف الحياتية التى تضغط على أعصاب قيادات «الجماعة» وتجعلهم يذهبون فى أحيان كثيرة صوب دروب بعيدة عما يحملونه فى رؤوسهم من تصور عن «مجتمع مثالى» يقوم على العقيدة الصافية والأخلاق الحميدة، وينزع إلى إقامة المشروع الذى بشَّر به مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا، والذى يخرج عنه الإخوان حالياً بشكل فاضح وواضح.

هذا الفصام انعكس على الرؤية الاقتصادية للجماعة بعدما أوصلت أحد قادتها إلى سُدة الرئاسة فى مصر، وكذلك على العلاقات البينية أو البنية الداخلية للإخوان، التى تعانى من تفاوت طبقى، تذكيه حالة التريف التى تعززت فى العقود الأخيرة وغيرت إلى حد ما من تركيبة جماعة لم تفارقها سماتها «المدينية» لسنوات طويلة، فى المنشأ والمسار.

وتتم إحالة كل هذا إلى سند دينى وسط تأويل مفرط للنص أو اتكاء على الظروف التى تجعل «الضرورات تبيح المحظورات»، والتى قادت فى الحقيقة إلى تركز «ثروة الإخوان» التى جمعوها من تبرعات أعضائهم العاملين وهبات الموسرين فى الخليج وأرباح مشروعاتهم فى مناطق مختلفة من العالم فى أيدى قلة، وظفتها فى شراء الولاءات وتوجيه دفة الجماعة لتبتعد بمرور الوقت عن طريق حسن البنا وتنزلق إلى طريق سيد قطب، رغم أن قادة الجماعة الأقدمين تبرأوا منه، وقالوا إنه لا يمثل جماعتهم أبداً.

نعم نادى سيد قطب بتوفير حد الكفاية وكتب من أجل هذا كتابه الأثير «العدالة الاجتماعية فى الإسلام»، لكن ذلك كان فى مرحلته الثانية التى لم يلبث أن فارقها وتنصل مما ألفه خلالها تماماً، ورغم أنه كتب «معركة الإسلام والرأسمالية» فإن قضيته لم تكن مواجهة الرأسمالية الاستعمارية المتوحشة برؤية تنزع إلى الانتصار للطبقات الفقيرة بقدر ما كانت تواجه رأسمالية الغرب برأسمالية تتكئ على النصوص الإسلامية، إما بتأويل مغرض للقرآن الكريم أو بانتقاء لأحاديث نبوية أو التقاط لمواقف من سير الأقدمين.

أما حسن البنا، ورغم تأكيده على الملكية الخاصة، فإن رؤيته الاقتصادية انطوت على ثلاثة مطالب أساسية، تبدو مصر فى حاجة ماسة إليها فى الوقت الراهن، وهى: استقلال النقد واعتماده على رصيد ثابت من موارد الأمة ومخزونها لا من البنوك الدولية، وحماية الجمهور من عسف الشركات المحتكرة وإلزامها حدودها، بما يؤدى إلى الحصول على كل منفعة ممكنة للناس، وتنظيم الضرائب الاجتماعية على أساس النظام التصاعدى بحسب المال لا بحسب الربح، وأولها الزكاة، ومحاربة الكنز وحبس الأموال عن التداول، والاستعانة بها فى المشروعات الاقتصادية وكذلك الخيرية، وأخيراً تحسين حال الموظفين الصغار برفع مرتباتهم وعلاواتهم وتقليل مرتبات الموظفين الكبار.

كان البنا فى هذه الأيام يقود مجموعة من صغار الموظفين والحرفيين، الذين كوّنوا النواة الأولى لجماعة الإخوان، ولذا كان ملتفتاً إلى رقة حالهم، وراغباً فى تحسين أحوالهم. لكن بمرور الزمن راحت الجماعة تجذب قطاعات من «البرجوازية الصغيرة» وتتمسك بشروط صارمة لمن ينضم إليها، منها ضرورة أن يكون له عمل يتكسب منه، ثم انفتح باب واسع لتراكم رأسمالى جاد، من التبرعات والهبات والاستثمارات، وباتت الجماعة مصدراً لخلق طبقة من رجال الأعمال، منحتهم الجماعة فرصة لتدوير أموالها فى تكتم بعيداً عن ملاحقة ومطاردة الأنظمة الحاكمة التى كانت تستهدف الإخوان. (نكمل غداً إن شاء الله تعالى)

aymaan noor 22-10-2012 08:16 PM

الإخوان و«الرأسمالية المتوضئة» (2)
عمار علي حسن
الإثنين 22-10-2012 07:30

انتهت دراسة استقصائية معمقة أعدها باحثون فى مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية تحت إشراف الخبير الاقتصادى الكبير عبدالخالق فاروق، إلى خلاصات غاية فى العمق حول سمات «الرأسمالية الإخوانية»، منها أن بعض الإخوان يمتلكون «إمبراطوريات مالية صغيرة» لا يقل رأس مال الواحدة منها عن خمسمائة مليون جنيه، إلى جانب إمبراطوريات أكبر فى الخارج يبلغ رأسمالها مليارات الدولارات. وينكر الإخوان هذا بالطبع، ويسربون أحياناً أرقاماً متواضعة عن حجم ثروات بعض رجال أعمالهم فى مصر مثل خيرت الشاطر وحسن مالك.

وأغلب هذه القدرات الرأسمالية الإخوانية غير تنموية، لأنها تقوم بالأساس على التجارة التى يقول كبار رأسماليى الإخوان دوماً الحديث المنسوب إلى الرسول الكريم «تسعة أعشار الرزق فى التجارة» من دون مراعاة السياق الذى قيل فيه هذا القول، حيث لم يكن هناك مورد رزق أمام عرب شبه الجزيرة سوى البيع والشراء فى موسم الحج، وليس بالطبع الزراعة والصناعة. وفى هذا عدم إمعان للنظر أو التدبر فى القرآن الكريم الذى يقدم نموذجاً للنبى يوسف، عليه السلام، الذى أنقذ مصر من المجاعة بزراعة القمح، وليس باستيراده من الخارج كما يجرى الآن.

وينصرف جزء كبير أيضاً من هذه الأنشطة إلى التوزيع والخدمات، وليس بالقطع إلى استصلاح الأرض وفلاحتها، وتشييد المصانع، وتعزيز اقتصاديات المعرفة. وقد كان الإخوان فى مصر معذورين فى توجههم هذا قبل ثورة يناير، نظراً لأوضاعهم الأمنية التى لم تمكنهم من إظهار قدرتهم الرأسمالية فى أنشطة اقتصادية كبيرة وراسخة وظاهرة، لكن لا يبدو، حتى الآن، ما يدل على أنهم سيغيرون هذا التوجه، ويجلبون رءوس أموالهم المستقرة فى الخارج ويستثمرونها فى الداخل.

ومن هذه السمات أيضاً أن بعض رجال أعمال الإخوان شركاء لبعض نظرائهم ممن ينتمون إلى نظام حسنى مبارك. وهذه الشراكة قامت فى الغالب الأعم على «محلل» أو «شريك وسيط» من خارج مصر، لا سيما من بلدان دول مجلس التعاون الخليجى. ويسعى رجال أعمال الإخوان حالياً إلى اختراق مؤسسات الدولة بسرعة هائلة، فمن بينهم اثنان فى التشكيل الوزارى، وبعضهم يحيط برئيس الدولة ويداوم فى قصر الرئاسة أو يقع من بين المستشاريين السريين للرئيس، وبعضهم مستشارون لوزراء، وهو النهج ذاته الذى سلكه نظام مبارك.

وحول رجال الأعمال الكبار فى جماعة الإخوان هناك طبقة تالية من التجار الصغار، الذين أفادهم الممسكون بأموال «الجماعة» من خلال إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة لهم، على هيئة متاجر ومطاعم وورش، فى سبيل تدوير رأس المال، الذى يفقد قيمته أو قوته الشرائية بمرور الوقت نظراً لارتفاع معدل التضخم، وكذلك جلب المنفعة لقطاعات أعرض من «الجماعة»، التى تحولت بمرور الوقت إلى كيان اجتماعى له قوام خاص، عليه أن يواجه التضييق عليه بتصريف أموره داخلياً، جنباً إلى جنب مع امتلاك الأموال التى تخدم الأدوات والآليات التى تنتهجها «الجماعة» فى سعيها الدائم والدائب نحو التمكن من المجتمع والدولة. (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

aymaan noor 22-10-2012 11:45 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف عبد الشافى (المشاركة 4926389)
مقال يصلح ان يكون كتاب قرأت بعضه ومللت من قراة الباقى وهذا لامرين اولا خير الكلام ماقل ودل وذلك للوصول الى ماتريده من عرض فكرتك والاطاله دليل على العجز لانه امل للاقناع ثانيا ماتعرضه عن فصيل وصل الى الحكم بالشرعيه يجب اعطائه الفرصه كامله وليس التشويش عليه حتى لايحقق هدفه وهذه هى الديمقراطيه والمعارضه يجب ان تكون بنائه وليس تشويه الاخريين فمصر تحتاجنا جميعا مؤيد محترم ومعارض اكثر احتراما والا سيظل معارض مش كده ولا ايه

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mr.ahmed el-hady (المشاركة 4926561)
موضوع جميل جدا

جزاك الله خيرا

لكن حسن التنظيم لا يدل علي حسن السلوك او حسن النوايا كما قال الاخ العزيز محمد ابراهيم

هم منظمون وليس بالضروره في صالح البلد.....هم تنظيم منغلق علي نفسه في قمة التنظيم ولكن تنظيمهم لحساب انفسهم ومصالحهم فقط....لم نري اي كفاءه حتي الان منهم علي الساحه ولم يفيدو البلد في اي شئ حتي الان!!

كل ما نسمعه الدكتور فلان والمهندس علان..... اين الافكار العبقريه الاخوانيه التي سمعنا عنها ايام الانتخابات؟

تنظيمهم لأنفسهم فقط.

وشكرا مره تانيه يا مستر أيمن علي الموضوع الرائع

جزاكم الله خيرا و بارك الله فيكم

aymaan noor 22-10-2012 11:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف عبد الشافى (المشاركة 4926389)
مقال يصلح ان يكون كتاب قرأت بعضه ومللت من قراة الباقى وهذا لامرين اولا خير الكلام ماقل ودل وذلك للوصول الى ماتريده من عرض فكرتك والاطاله دليل على العجز لانه امل للاقناع ثانيا ماتعرضه عن فصيل وصل الى الحكم بالشرعيه يجب اعطائه الفرصه كامله وليس التشويش عليه حتى لايحقق هدفه وهذه هى الديمقراطيه والمعارضه يجب ان تكون بنائه وليس تشويه الاخريين فمصر تحتاجنا جميعا مؤيد محترم ومعارض اكثر احتراما والا سيظل معارض مش كده ولا ايه

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mr.ahmed el-hady (المشاركة 4926561)
موضوع جميل جدا

جزاك الله خيرا

لكن حسن التنظيم لا يدل علي حسن السلوك او حسن النوايا كما قال الاخ العزيز محمد ابراهيم

هم منظمون وليس بالضروره في صالح البلد.....هم تنظيم منغلق علي نفسه في قمة التنظيم ولكن تنظيمهم لحساب انفسهم ومصالحهم فقط....لم نري اي كفاءه حتي الان منهم علي الساحه ولم يفيدو البلد في اي شئ حتي الان!!

كل ما نسمعه الدكتور فلان والمهندس علان..... اين الافكار العبقريه الاخوانيه التي سمعنا عنها ايام الانتخابات؟

تنظيمهم لأنفسهم فقط.

وشكرا مره تانيه يا مستر أيمن علي الموضوع الرائع

جزاكم الله خيرا و بارك الله فيكم

aymaan noor 22-10-2012 11:55 PM

التغيير قادم إلى دول الخليج... عاجلاً أم آجلاً
 
التغيير قادم إلى دول الخليج... عاجلاً أم آجلاً
http://arabic.jadaliyya.com/content_...es_english.PNG
عمر الشهابي
مدير مركز الخليج لسياسات التنمية
يظن الكثيرون أن أنظمة دول الخليج العربية في منأى عن التغيرات التي طالت ومازالت تطال الدول العربية الأخرى. يرتكز هذا الظن في الأساس على العائدات النفطية الهائلة المتوافرة لديها، والدعم الأمني والسياسي الغربي لها، وتحكّمها المطلق في كل الأجهزة العسكرية والأمنية المحلية.

هذا بالإضافة إلى عدد مواطنيها القليل نسبياً، والركود النسبي في مستوى النشاط السياسي في بعض أقطاره (باستثناء البحرين والكويت وعمان). وإن دلت الاحتجاجات التي وصلت إلى ضفاف دول الخليج على شيء، فهي تبين مقدرة الأنظمة على السيطرة على زمام الأمور والقدرة التكيفية الهائلة لديها عند مواجهة أية تحركات محلية مهما بلغ حجمها.

صحيح أن لدى دول الخليج خصوصيات قد تجعلها حالات فريدة على المستوى العالمي، لكن يخطئ من يظن أنها في معزل عن التغيير. بل هذه الخصوصيات إن لم يتم التطرق إليها جذرياً وسريعاً، قد تجعل التغيير يأخذ منحنى حاداً ومتفجراً من الصعب التنبؤ به أو بمداه وتبعاته، لكن التطورات على أرض الواقع تنذر بأن التغيير قادم لا محالة.

تم تناول خصوصيات حالة دول مجلس التعاون بإسهاب من قبل أطراف عدة مسبقاً، وهي ليست بالطرح الجديد على الساحة. هذا على رغم أن الدخل والبذخ الذي تراكم في الطفرة النفطية الأخيرة قد خلق عند البعض وهماً زائفاً بأن هذه الخصوصيات قد تم تخطيها أو أنها لم تعد مهمة. لقد لخص الباحث على الكواري بشكل أنيق ومسهب هذه الخصوصيات عندما سمّاها بـ «أوجه الخلل المزمنة الأربعة» التي تواجه دول المنطقة. أولها الخلل السياسي، الذي يكمن في الاستئثار شبه المطلق من قبل النخبة الحاكمة بالقرار السياسي والحكم.

ثانيها هو الخلل الاقتصادي، حيث تتواصل الاعتمادية شبه المطلقة على العائدات من النفط كمرتكز اقتصاديات المنطقة. ثالث أوجه الخلل المزمنة هو الخلل السكاني، المتمثل في الاعتماد المكثف على الوافدين للإنتاج ولتحريك اقتصاد المنطقة، حتى وصل الحال إلى أن شكل الوافدون غالبية السكان في أربع من دول المجلس الست. وأخيراً هناك الخلل الأمني المستفحل، وهو الاتكالية الحادة على القوى الغربية لتزويد الحماية والدعم السياسي والأمني والعسكري لدول المنطقة.

تترابط أوجه الخلل المزمنة الأربعة وتغذي بعضها البعض في تفاعل وجدلية مستمرة، فالعوائد الهائلة من النفط هي السبب الرئيسي لاهتمام الغرب بالمنطقة. النفط أيضاً هو المورد الرئيسي الذي منح متخذي القرار الاستقلالية المادية محلياً، والتي خلصتها من الاعتماد على شعوبها اقتصادياً، وسمحت بترسيخ دولة ريعية يتكون غالبية سوق العمل فيها من الوافدين. كل هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى تكون ما سماه الباحث الإماراتي محمد عبيد غباش بـ «سلطة أكثر من مطلقة، مجتمع أقل من عاجز».

يشكل «كوكتيل» أوجه الخلل المزمنة هذه خلطة فريدة عالمياً في حدتها وترابطها. هذه «الخصوصية» أدت بالكثيرين إلى تحليلها كنقاط قوة للأنظمة السياسية، ساعدت في ترسيخ دعائم حكمها واستمراريتها وقدرتها البقائية.

فالاستئثار شبه المطلق بالسلطة والدعم الغربي والموارد المادية الجبارة وضعف المواطنين (والوافدين) من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية يجعل إمكانية التغيير شبه معدومة.

ما بودي طرحه في هذه السلسلة من المقالات هو التالي: ربما كانت أوجه الخلل المزمنة مصدر استقرار في دول وأنظمة الخليج على مدى العقود القليلة الماضية، إلا أنها ستكون مصدر اضطرابات وتغيرات حادة في المستقبل وليس ببعيد جداً. فتسميتها بأوجه خلل مزمنة لا يأتي من فراغ، فهذه التسمية لا تعني فقط أن الشعوب هي من تحس بتبعات أوجه الخلل المزمنة بينما الأنظمة محصنة منها، بل هي أوجه خلل مزمنة تحديداً لأنها تجذّرت في مجتمعات المنطقة، وإن استمرت في التراكم فهي تنذر بتغيرات جذرية وحادة ستشمل بتبعاتها كل مكونات المجتمع. وهدفنا في هذه السلسلة من المقالات هي تسليط الضوء على هذه العوامل الجذرية التي انغرست في مجتمعات دول المجلس التعاون والتبعات المتوقعة منها.

ما بينته التطورات على مدى السنوات القليلة الماضية هو تقلص قدرة الأنظمة الحاكمة في التحكم والسيطرة على مجريات الأمور في نطاقها الأوسع، وخصوصاً أن أعمدة أوجه الخلل المزمنة قد تم إرساؤها بشكل معمق، بحيث أصبح من الصعب جداً التطرق إليها من دون مجهود جبار، وحيث باتت الحلول الترقيعية والتدريجية عقيمة. فالاعتمادية شبه المطلقة على العوائد المتدفقة من النفط ترسخت بشكل جذري في مجتمعات الخليج، وكذلك الاعتمادية على الوافدين لتحريك الاقتصاد، والمنطق نفسه ينطبق على بقية أوجه الخلل المزمنة. هذه العوامل لا يمكن مواجهتها إلا ببرنامج إصلاح جذري لمجتمعات واقتصاديات الخليج، وحالياً لا توجد مؤشرات على حصول ذلك.

من الصعب جداً التنبؤ بكيف ومتى سيكون هذا التغيير وأي شكل سيأخذ، فحدّة أوجه الخلل المزمنة في دول المجلس تجعل «الكوكتيل» قوياً ومركباً ومن الصعب التكهن بطريقة تفاعله. ولكن استمرار أوجه الخلل المزمنة على حالها بلا تغيير يبدو أمراً مستبعداً. فالتغيرات والتضادات على أرض الواقع نادراً ما تسير في خطوط مستقيمة مرسومة، حيث تتفجر بطرق وأشكال مفاجئة غير معدة مسبقاً.

احتمال كبير أن التغيير الجذري سيحل بالخليج عند انحسار أهمية النفط عالمياً، وبناءً على أن عمر النفط في دول الخليج مازال يمتد لنصف قرن على الأقل، (فالدرب لسه طويل). قد يكون الأمر كذلك، ولكن التفاعلات المتراكمة على أرض الواقع تنذر بأن التغيير قد يأتي قبل ذلك بكثير، وغير معلوم أي منحنى سيأخذ لأنه حتى الكلام في هذه الأمور يعتبر حالياً من الممنوعات والمحرمات السياسية. تبعات هذه الأمور مصيرية لكل أبناء المنطقة، ولا يمكن تركها على بركة تقدير متخذي القرار فقط. لذلك أصبح من الملِحّ والواجب على أبناء المنطقة مناقشة الواقع والنظر إلى المستقبل بتحليل منهجي صريح من دون أية مجاملات. وهذه السلسلة من المقالات هي محاولة لفتح النقاش في هذا الإطار.

aymaan noor 23-10-2012 12:02 AM

محكمة جنايات القاهرة وقضية موقعة الجمل
 
محكمة جنايات القاهرة وقضية موقعة الجمل
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/haniSC.jpg
Hani Sayed

ملاحظة حول قرار محكمة جنايات القاهرة في قضية "موقعة الجمل"

حكمت محكمة جنايات القاهرة ببراءة 24 متهماً في قضية "موقعة الجمل". "موقعة الجمل" (2-3 فبراير 2011) تشير إلى الهجوم على متظاهري التحرير من قبل أشخاص مستخدمين من قبل النظام السابق بلباس مدني، والذي أدى إلى مصرع 14 متظاهراً. استخدم المهاجمون جمالاً و أحصنة في محاولة لدهس المتظاهرين، بالإضافة إلى كوكتيل المولوتوف واحياناً بعض الأسلحة النارية. المتهمون ال24 كلهم من أقطاب النظام السابق. تلعب "موقعة الجمل" في مصر بعد ثورة 25 يناير دوراً محورياً في الخيال السياسي الجمعي و خاصة في تمثيل أي فعل جماهيري وتحديد علاقتنا به . فهي في الواقع أول ظهور إعلامي في التحرير لما يسمى البلطجية كفاعل سياسي سيدخل بعد الثورة أكثر من مرّة على الساحة العامة ( رمزياً و بالمعنى الحرفي) دائماً من اجل تخويف أو اسكات بعض النشطاء نهائياً، تمييع المشهد السياسي للمراقب الوطني والدولي، و بشكل عام كأسلوب من أساليب الاستبداد في ترهيب و قمع حراك ثوري جماهيري. و منذ موقعة الجمل أصبح "البلطجي" المقابل السياسي والأخلاقي لثوار التحرير. الخطاب السياسي السائد الذي يدور حول حراك الجماهير يفترض التمييز بين "البلطجي" و "الثائر" كبنية أساسية تحدد موقفنا الأخلاقي والسياسي من أي حراك شعبي. لم يكن استخدام بلطجية كأدوات للقمع في "موقعة الجمل" أسلوباً جديداً على النظام البائد. و كذلك فإن وصف المتظاهرين بأنهم بلطجية كان دائما موجود في خطاب الاستبداد. و لكن موقعة الجمل أعطت البلطجية في المخيلة السياسية للمصريين نقطة علام تاريخية. في "موقعة الجمل" تحول البلطجي من فئة موجودة فقط كأسطورة من أساطير الاستبداد إلى أشخاص حقيقيين يمكن ملاحظة أفعالهم و نتائجها على التلفزيون بنقل حي و مباشر. "موقعة الجمل" هي التي سمحت في الواقع لتهمة البلطجية أن تستمر إلى ما بعد الثورة و سقوط مبارك الشخص دون نظامه.

لن أدخل أكثر من ذلك في بنية الخطاب السياسي بعد 25 يناير حول تمثيل حراك الجماهير في الشارع، سوى لإعادة التأكيد على مركزية التمييز بين "البلطجية" و "ثوار التحرير" وعلى الأهمية الرمزية لموقعة الجمل في ترسيخ هذا التمييز. بالنسبة للكثيرين كان هذا التمييز مقبولاً بعد الثورة لأنه في الواقع يعتمد على منظومة قيمية أفرزتها الثورة والتي تبدأ من رفض النظام القديم وسياساته وممارساته. التمييز بين "البلطجي" و "الثائر" كان له مضمونه القيمي بالنسبة للثوار والمراقب المنحاز والذي سهل تداوله وانتشاره بعد الثورة لأننا أيضاً كنا نفترض أن "البلطجية" هم أدوات نظام مبارك. وأصبح التمييز بين البلطجي والثائر أحد ساحات الصراع السياسي الرمزي مع السلطة ليس فقط على المستوى الوطني بل أيضا في صراعات سياسية محلية في المعمل والجامعة. و من هنا فعندما تحكم محكمة جنايات القاهرة ببراءة ال24 متهماً من أقطاب النظام القديم وعدم مسؤوليتهم عن ال*** والشروع بال*** لمتظاهري التحرير، ثوار 25 يناير الحقيقيين، في "موقعة الجمل"، فان أثر ذلك سيتجاوز بشكل نوعي موضوع حق الشهيد وتحقيق العدالة بمحاسبة المجرم. حكم محكمة جنايات القاهرة في قضية "موقعة الجمل" سيسبب شرخاً بنيوياً في الخطاب السياسي و كيفية تمثيل الفعل الجماهيري فيه. الشعور بخيبة الأمل، الشعور بفقدان الأمل، الغضب، الشعور بالظلم المجحف المستوطن في صلب المجتمع، و حتى الشعور بعدم التوازن وفقدان نقاط علام في منظومة قيمنا السياسية كلها محتملة واستجابة إنسانية لل*** الرمزي الذي يمثله هذا القرار. بشكل أبسط الحكم ببراءة ال 24 متهم من الممكن أن يمغمغ التمييز بين "البلطجي" و "الثائر": كيف نصف ما حصل في مظاهرات 12 أكتوبر و ما هو الخط الفاصل بين البلطجي و الثائر و من يتحكم في هذا التصنيف؟ الغموض في منظومة القيم التي تسمح لنا أن نميز بين الثوري والفاشي، بين "الفلول" و سياسي له وجهة نظر مختلفة، سيبعد السياسة عن فئات كثيرة من المجتمع و يحد من قدرة النخب السياسية الفاعلة على تعبئة فئات من الشعب غير منظمة في حركات سياسية أو حزبية لأي عمل سياسي.

السؤال الذي لا بد طرحه في هذه الظروف من دون تأخير هو كيف وصلنا الى هنا؟ من السهل جداً ان ندخل في متاهة فساد القضاء، و ارتباطه بفلول النظام البائد. من السهل أيضا حتى أن ندخل في تفسيرات نحاول فيها وبكل جد و مثابرة أن نثبت أن قرار محكمة الجنايات هو تعبير عن الإرادة السياسية لــ "الدولة العميقة"، وأن نستغل هذه اللحظة الأليمة لكي نجدد العزم على إحداث تغيير جذري في مؤسسات الحكم، و على أن نواجه الدولة العميقة بثورة عميقة. و في ذات الوقت من الصعب على أي منا أن يؤكد أو ينفي هذه التفسيرات فهي بالفعل غير مستبعدة. و من الصعب أيضاً أن نختلف مع أي فعل سياسي من اجل تغيير جذري في مؤسسات المجتمع والحكم.

ولكنني كقانوني لم أجد قرار محكمة جنايات القاهرة في هذه القضية مفاجئاً أو حتى مخيباً للآمال . ما زلت أُقيّم هذا الحكم سياسياً كصفعة في وجه كل من وقف أمام الطغيان لعقود طويلة، و أخلاقياً على انه ازدراء معلل بلغة القانون لحقوق الشهداء و أحزان عائلاتهم. لم أجد الحكم مفاجئاً ومخيبا للآمال لأنني كقانوني منحاز سياسياً لليسار لا أرى من القانون إلا حدوده و ما يمكن توقعه بأحسن الظروف من محاكم الجنايات عندما تنظر في قضايا من نوع قضية "موقعة الجمل". بمعنى أن النتيجة، من منظور قانوني يساري، ستكون مخيبة للآمال و مدانة سياسياً و مرفوضة أخلاقياً حتى لو كان حكم محكمة الجنايات الإدانة لرموز النظام السابق. و من نفس المنظور فان استجابة السلطة التنفيذية لمصر بعد الثورة بإقالة النائب العام هي عرض لنفس المرض و مخيبة للآمال لأننا لا بد أن نتوقع من سلطة منتخبة بعد ثورة أكثر من ذلك بكثير.

القوانين الجزائية الوضعية، منذ الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، تفترض أن المسؤولية الجنائية 1) فردية؛ و 2) موضوعها أفعال مادية موصوفة مسبقاً بالتحديد في قوانين العقوبات. قضية "موقعةالجمل" و كذلك القضايا الجنائية المتعلقة بمجزرة ماسبيرو، *** المتظاهرين في ثورة 25 يناير و كذلك قضايا الفساد ضد رموز النظام السابق، والقضاياالجنائية المتعلقة بمجزرة بور سعيد، لها طبيعة خاصة من ناحيتن. أولها إزدواجية الموضوع، فهي من جهة إجراءات قضائية تنتهي بتحديد مسؤولية أفراد عن أفعال مادية محددة. و هي من جهة أخرى إطار رمزي لمحاسبة طبقة سياسية كاملة عن جرائم من المستحيل حصرها أو حتى تصنيفها. ثانيها هو علاقة الكناية بين الموضوعين. والكناية بلاغة هي تعبير ينصرف فيه قصد قائله ليس إلى المعنى الحرفي لكلماته بل إلى معنى آخر ملازم ومسكوت عنه. أي أنه في سياق حديثنا هذا، جوهر القيمة الرمزية لهذه القضايا ليس المسؤولية الفردية عن أفعال مادية محددة، بل مدى قدرة هذه القضايا على أن تكون كناية مقبولة سياسياً لمحاسبة طبقة سياسية كاملة على عقود من القهر والاستبداد. في مثل هذه القضايا سيكون أي حكم قانوني قاصر ومخيب للآمال في أحسن الظروف. مسؤولية الفرد عن أعمال محددة لايمكن أن تختصر مسؤولية نظام عن عقود من الطغيان. ليس للغة القانون والمخيلة القضائية أي أدوات معرفية أو مفردات كافية تسمح لهما بأن ينتجان أحكاماً قادرة على أن تربط مسؤولية فرد عن أفعال مادية محددة والمسؤولية السياسية لنظام و رجاله. بل على العكس من ذلك فقد كانت مباشرة مثل هذه القضايا الجنائية، في أغلب الأحيان، محاولة لنخب سياسية انتقالية للهروب من استحقاقات العدالة والمسؤولية السياسية والأسئلة الصعبة التي لا بد لكل منّا ان يواجهها، إلى المسؤولية القانونية حيث يمكن التعايش مع وهم أننا نستطيع أن نتحكم بمسار الأمور بعد أن نفتح ”صندوق باندورا“.

التناقضات التي تفرزها هذه الإشكالية أكبر بكثير من أن يمكن تجاوزها بإجراءات تجميلية. القضاء الجنائي يفترض كشرط لعدالة المحاكمة أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته. والثقة العامة بعدالة المحاكمة لا بد أن تعني من ضمن ما تعنيه قبولنا أن أحد النتائج المحتملة للمحاكمة هو براءة المتهم. و هذا ما هو غير محقق في مصر بعد الثورة. لا بد لمسؤولية أقطاب نظام مبارك المباشرة عن انتهاكات دمرت حياة مئات الأولوف من المصريين أن تكون نقطة البداية في أي من هذه المحاكمات و ليست إحدى استنتاجاتها المحتملة. فإذا لم يكن كذلك فكأن الثورة لم تكن. و بالتالي فإن الإصرار على التعامل مع النظام البائد عن طريق المسائلة الجنائية يفترض ضمنا أننا نطلب من القضاء أن يكون غير عادلاً و أن تكون المحاكمة شكلية وأن تكون الضمانات الإجرائية التي تكفل للمتهم عدالة الإجراءات في نهاية الأمر مسرحية. هذه الصورية هي أسلوب النظام البائد في التعامل مع حكم القانون و ليس، كما هو سائد في المجال العام اليوم، تطبيق فعلي لشعارات سيادة القانون.

هذا لا يعني أن المساءلة الجنائية لمن اقترف جرائم بحق متظاهر أو معتقل أمر هامشي. بل على العكس من ذلك تماماً. المشكلة هي عندما نصور المسائلة الجنائية على أنها معادلة للمسائلة الشعبية السياسية وتحقيق للعدالة. السياسة في مصر بعد الثورة لا يمكن أن تتعامل مع العدالة على أنها علاقة بين جلاد و ضحيته. كل مصري طرف في هذه العلاقة. و ليس من المقبول أن يتعامل السياسيون في مصر مع مسألة العدالة كموضوع تقني على هامش السياسة يمكن حله بتبديل مناصب بينما تسير الآلة السياسية قدما بمشاريع اقتصادية وانتخابات و دستور. العدالة في مصر بعد الثورة، بل في جميع ثورات ما يسمى بالربيع العربي، هي المسألة التي يجب أن تبدأ منها كل السياسة.

aymaan noor 23-10-2012 11:57 AM

الربيع العربي: الصحة والرعاية في المرحلة الانتقالية
 
الربيع العربي: الصحة والرعاية في المرحلة الانتقالية
Adam Coutts, Sharif Ismail, and Mark Dempsey
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/khayma.jpg
أدّت الانتفاضات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخرًا إلى بروز عدد من التغيرات السياسية التي طالت جميع بلدان المنطقة تقريبًا وزرعت التفاؤل والأمل بإحداث إصلاح إجتماعي وإقتصادي مهمّ في هذه البلدان. وفي حين تمّ التركيز في شكل خاص على التداعيات الأمنية والاقتصادية لهذه التغيرات، كان لهذه التحوّلات آثار كبيرة على صحة ورفاه السكان إلى جانب تأثيرها على نظم الحماية الإجتماعية. يُعاني عدد كبير من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نقاط ضعف كبيرة وقصيرة الأمدّ من حيث الصحة بسبب الانتفاضات. وتتضمّن نقاط الضعف أولًا عدد ال***ى والجرحى الذين وقعوا خلال الانتفاضات والذي سجّل نسبة كبيرة – أقله في سوريا- والذي لا يزال يشهد ارتفاعًا. كما تفاقمت مشكلة تهجير السكان لا سيّما في البلدان المجاورة لسوريا. وفي هذا السياق، تفيد التقارير إلى نزوح ما يزيد عن 500 ألف شخص من سوريا يعانون من تداعيات التهجير مثل الاضطرابات الناتجة عن إجهاد ما بعد الصدمة لا سيّما لدى الأطفال. ويشكّل الضرر اللاحق بنظم الصحة العامة أحد أكبر المخاطر القصيرة الأمدّ. على الرغم من استبعاد تدهور هذه النظم في البلدان التي لا تزال مستقرة، من المرجّح أن تتدهور هذه النظم في ليبيا وسوريا، كما تظهر الدلائل المتاحة الخاصة بتداعيات تدهور هذا النوع من الخدمات على صحّة السكان في العراق نتائج غير مطمئنة.

لا تزال البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُعاني من نقاط ضعف مختلفة طويلة الأمدّ في مجال الصحة وكان عدد كبير من نقاط الضعف هذه ظاهرًا قبل بدء الانتفاضات ولكنّها تبلورت وأصبحت جليّة بعد اندلاعها. تشهد المنطقة انتشارًا واسع النطاق لمستويات البطالة المرتفعة لا سيّما في صفوف الشباب. وقد ازدادت مستويات البطالة ارتفاعًا بسبب الوضع الغير المتكافئ للمرأة التي تعاني من ارتفاع معدّلات الأميّة وتراجع مستويات مشاركتها السياسية والاقتصادية على الرغم من أنّ المرأة لعبت دورًا رياديًا في قيادة الانتفاضات. ولسوء الحظّ، لا يتمتّع عدد كبير من هذه البلدان بالقدرة الوافية للإستجابة إلى هذه الأزمة بسبب الإهمال الطويل الأمدّ لنظم الرعاية التي من شأنها أن تحمي السكان من تداعيات التقلّب الاقتصادي المدمّر الناجم عن عملية الانتقال السياسي. إلى جانب هذه التحديات، تعاني هذه البلدان من إرث ال*** الحالي المتجذّر تاريخيًا والذي لا يزال عدد ضحاياه غير واضح.

من جهة أخرى، بلغ إجمالي النفقات على الرعاية الصحية في عدد من بلدان المنطقة مستوى إجمالي النفقات الصحية في البلدان ذات الدخل المرتفع ولكن مع اختلاف في العائدات على الإستثمار في الصحة. وقد أدّى هذا الواقع إلى حجب برامج الإصلاح المحدودة وغياب الاستثمار الحكومي المستدام في الصحة والعناية الصحية. عامةً، تُظهر بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مستويات منخفضة في الإنفاق الحكومي على الصحة إلى جانب تراجع معدلات التغطية الصحية، كما اعتادت هذه البلدان على الإنفاق من الأموال الخاصة. وفي هذا السياق، من المعروف أنّ قدرة الصحّة العامة في عدد كبير من بلدان المنطقة ضعيفة. ويعزى سبب هذا الضعف جزئيًا إلى النقص المزمن في الاستثمار: فبين العام 1990 و2006 إستثمرت الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما بين 1.7 في المائة (بيانات صندوق النقد الدولي) و2.8 في المائة (بيانات منظمة الصحة العالمية) من إجمالي الناتج المحلي في الصحة ما أدّى إلى عزل هذه المنطقة عن باقي بلدان العالم بسبب انخفاض الإنفاق على الصحة على الرغم من أنها دول ذات دخل متوسّط مرتفع.


تمّ تأسيس وتطوير نظم الصحة والرعاية الضعيفة هذه طوال السنين العشرين الماضية عندما كانت بلدان المنطقة تشهد انتقالًا سريعاً إلى إقتصادات السوق. وكان ذلك الانتقال مبنياً على تخفيضات غير دقيقة في الإنفاق الإجتماعي العام إلى جانب التخصيص الغير المصحوب بآليات الحماية الإجتماعية. وتمّ التركيز على التقدّم التكنولوجي في الرعاية الصحية عوضًا عن الوقاية في الصحة العامة والإصلاح على مستوى الحوكمة وإدماج الصحة كجانب أساسي من جوانب الأمن الإنساني.


تواجه الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات كبيرة من حيث الاستجابة في الشكل الملائم إلى نقاط الضعف المذكورة في زمن التغيير المستمر. ستؤدّي عملية إعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق الحكومي لمصلحة الصحة العامة إلى فرض تخفيضات على الإنفاق في مجالات أخرى بما فيها قطاع الدفاع. ونظراً إلى أنّ ستّ دول من بين البلدان العشرة الأكثر إنفاقاً على الترسانة العسكرية هي دول عربية (بالنسبة المئوية من إجمالي الناتج المحلي)، سيكون هذا التغيير في الإنفاق التحدّي الأكثر صعوبة – والأكثر ضرورة- بين جميع التحديات. وتبيّن نتائج الأبحاث التي طالت عمليات الانتقال الإجتماعي والسياسي في بلدان أخرى من العالم (بما فيها أوروبا الشرقية منذ العام 1989) أنّه من الضروري أن تولي الحكومات العربية الأولوية إلى المجالات التالية:


1- ضمان استثمار الموارد الملائمة لتنمية نظام الصحة العامة على الرغم من بروز عدد كبير من أولويات الإنفاق الأخرى.
2- الحؤول دون فرض تغيير إجتماعي إقتصادي لمصلحة الإصلاح الجذري.
3- التعامل مع المصالح الراسخة التي قد تختار القيام بعمليات إنتقالية لتحقيق إصلاحات الليبيرالية الجديدة في قطاع تطغى عليه صفة خدمة الخير العام.
4- تعزيز الشفافية والرقابة من خلال اعتماد نظم مراقبة متينة.

يعقد المكتب الإقليمي لشرق المتوسّط التابع لمنظمة الصحة العالمية جلسةً الشهر القادم في القاهرة بشأن "تعزيز النظم الصحية: التحديات والأولويات والخيارات للعمل في المستقبل". وستتمّ مناقشة معظم التحديات والوقائع المذكورة في هذا البحث إلى جانب اقتراح عدد من التوصيات في مجال الإصلاح مع التركيز على المشكلة الأساسية وهي أنّ " انخفاض الإنفاق الحكومي على الصحة ليس ناجمًا عن قيود المالية العامة وحسب بل هو ناتجٌ أيضًا عن عدم إعطاء الأولوية الكافية للصحة". وبالتالي، تدعو الحاجة إلى تغيير هذه المقاربة بالتحديد في أقرب وقت ممكن.


وأخيراً، يكمن السؤال الأساسي في معرفة ما إذا كانت حكومات الربيع العربي الجديدة قادرة على معالجة هذه المخاطر الطويلة الأمد التي تهدّد استقرار البلدان من خلال خدمة مصالح الشعوب التي ضحت أحياناً بحياتها أو ما إذا اختارت أن تسعى في نهاية المطاف إلى خدمة المصالح المترسّخة في سبيل تحقيق أرباح مالية شخصية. وبالتالي، ستحدّد المقاربة التي تعتمدها تلك الحكومات آفاق ومستقبل الصحة والرعاية في المنطقة للعقود القادمة.

aymaan noor 24-10-2012 12:30 AM

فلسطين وكالة من غير بواب!
 
نتنياهو: فلسطين وكالة من غير بواب!
نبيل عمرو

هذا العنوان هو قول متداول في مصر، يقال أكثر من مليون مرة في الساعة الواحدة، مثلا حين يتجرأ طفل ويختلس حبة مانجو من عربة أو حانوت، وحين يسطو متنفذ على أملاك عامة، بدءا من الاعتداء على متر أرض من الأراضي الحكومية، وليس انتهاء عند اقتباس عشرات المليارات من حقوق الآخرين.
هِيّ وكالة من غير بواب؟!

عندنا في فلسطين لا يستخدم هذا القول كثيرا، لأن هنالك شعورا جمعيا بأن الإسرائيليين يتعاملون مع البلد كله كوكالة من غير بواب، وأن طريقة عمل الطبقة السياسية فيها كرست ذلك، ولكل جمهورية من جمهوريات فلسطين معادلة.
جمهورية الضفة غير المستقلة وغير المستقرة، يتعامل الإسرائيليون معها من خلال استباحة أرضها، وحقوق أهلها، حتى إن نتنياهو بصدد دعوة كل إسرائيلي للاستيطان في أي مكان في الضفة، وذلك بعد أن تم تصنيف الاستيطان فنيا بين مستوطنات عشوائية يجري تفصيل قانون لها، ومستوطنات سياسية يمكن التفاوض عليها بغية إبقائها، ومستوطنات يراد لها أن تتجمع كي تتكرس كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ومستوطنات يحظر مجرد الحديث عنها أي تلك المقامة على أراضي القدس وبيت لحم، ومستوطنات لا يصح التخلي عنها لمكانتها الاقتصادية، وأخرى لأنها واقعة على حوض المياه الرئيسي، وأخرى لأنها ورد ذكرها في التوراة، وأخرى وعد باراك بإقامتها على رؤوس الجبال لحماية مطار بن غوريون!! وهكذا.
وحين أعلن نتنياهو أنه بصدد إقرار قانون يجيز الاستيطان في أي مكان في الضفة الغربية، قال خصومه الانتخابيون إنه يقوم بمجرد حملة انتخابية للحصول على أصوات المستوطنين الذين يعدون بمئات الألوف في الضفة والقدس، وكان يمكن تصديق أن الأمر مجرد دعاية انتخابية لو أن الحكومة الحالية في إسرائيل تتحدث عن الاستيطان أكثر مما تفعل. أما معارضوه فهم في الأساس مع الاستيطان، إلا أنهم يحذرون المبالغة في تبنيه وإعلانه، ليس هذا فحسب، فقد استفاق الفلسطينيون ذات صباح على واقعتين لهما دلالات مباشرة؛ الأولى حين زُرعت عند الحاجز المسمى بحاجز بيت أيل والذي لا يعبره إلا حملة بطاقات الـvip، شجرة زيتون رومية للإيحاء بأن الاحتلال باق إلى الأبد، وقد يجدون للزيتون شجرة عائلة تظهر أن أحد اليهود الأوائل هو من زرعها في هذا المكان.
وعلى مقربة من الشجرة استبدلت يافطة مكتب التنسيق والارتباط التي تجسد بقايا أوسلو بيافطة كُتب عليها «الإدارة المدنية لمنطقة يهودا والسامرة»، أي الإدارة التي تجسد الاحتلال، وتعامله المباشر مع الفلسطينيين كسلطة عليا تقدم لهم الخدمات، قافزة من فوق سطح السلطة التي استحدثت وزارة لهذا الغرض.
المأساة.. أن كثيرين من أقطاب السلطة لا يعرفون بذلك، والذين يعرفون يتظاهرون بأنهم لا يعرفون.
هذا في جمهورية الضفة، أما جمهورية غزة فالتعامل معها وصل إلى حد وضع جدول يبين كم سعرا حراريا يحتاج المواطن الغزي كي يبقى على قيد الحياة، فتتولى إسرائيل السماح بدخول هذه السعرات على هيئة شاحنات محدودة الحمولة والعدد، تعبر حاجز كارني أو كرم أبو سالم، وإذا ما أحب الغزيون الاستزادة فأمامهم الأنفاق، فما يدخل عبرها هو الترف الزائد عن اللزوم الذي يؤدي إلى استفحال البدانة!
نعم إنها وكالة من غير بواب، يدخل إليها الإسرائيليون ويبقون أو يخرجون دون اعتراض، وكل هذا مؤجل البت فيه فلسطينيا إلى ما بعد الذهاب إلى الأمم المتحدة والعودة منها.
وحين يسقط من التداول شرط وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات، ويحل محله اعتراف العالم بدولة غير عضو في الأمم المتحدة، سوف يجلد الإسرائيليون الفلسطينيين بسوط صنعوه بأيديهم. سيضاعفون الاستيطان، ولن يلومهم أحد، ثم يعاقبون الفلسطينيين على مجرد الذهاب للأمم المتحدة.
هذا هو الوضع الآن، وإلى أن نصل إلى اليوم الأخير من الحملات الانتخابية في إسرائيل سنسمع أكثر مما نسمع ونرى الآن، وليس لنا في هذا الأمر إلا الله الذي هو للجميع، والأمم المتحدة التي تحولت إلى حائط بكاء لا يشفع ولا ينفع.

محمد محمود بدر 24-10-2012 12:34 AM

لك الله يا فلسطين فالعروبة والقومية وناصر ماتوا
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على الموضوع

aymaan noor 24-10-2012 12:37 AM

تركيا والسيناريو الروسي - أردوغان يحكم سيطرته علي السلطة
 
تركيا والسيناريو الروسي - أردوغان يحكم سيطرته علي السلطة
محمد عبد القادر خليل
باحث في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام
http://democracy.ahram.org.eg/Media/...95_resized.jpg
كشف المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في أواخر سبتمبر 2012، ما يتمتع به زعيم الحزب رجب طيب أردوغان من طموح سياسي سواء على الصعيد الشخصي أو الحزبي أو الوطني، فبين حضور أكثر من 20 ألف شخص، وأكثر من 120 ضيف أجنبي استطاع أردوغان تنصيب نفسه سلطانا عثمانيا لفترة أخرى كرئيس لحزب استطاع أن يجدد دماءه بتصعيد عدد من قياداته الشابة، وأن يؤكد في ذات الوقت أن مرحلة الانتقال من رئاسة الوزراء إلى رئاسة الدولة والإقامة في قصر جاناكيا قد أشرفت، وذلك في ظل الاتجاه لإقرار دستور جديد تتحول بمقتضاه تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

وقد استطاع "الباشبكان" أردوغان البالغ من العمر ثمانية وخمسون عاما خلال خطبته التي امتدت لساعتين وجاءت في ضاحية "بلجت" بالعاصمة أنقرة أن يصوغ معالم ثلاث خطوط تتقاطع لتشكل معا طموح الرجل لشخصه وحزبه ودولته، حتى عام 2023، والذي يمثل الذكرى الأولى لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، والتي يأمل أن يكون رئيسها حين تحل هذه الذكرى.

الطموح الشخصي

تعد السمة الرئيسية للحركات الأساسية والأحزاب السياسية الرئيسية في تركيا أنها تعرف بقياداتها وزعاماتها. هذه قاعدة أساسية أوضحتها حركة صعود وهبوط الأحزاب السياسية التركية تاريخيا، كما أنها حقيقة عكستها تجربة حزب العدالة والتنمية نفسه، والذي تأسس في 14 أغسطس عام 2001 ووصل إلى الحكم في العام التالي مباشرة (3 نوفمبر 2002)، بسبب عدد من العناصر الأساسية أهمها كاريزمية ومهارات زعيمه، الذي قال خلال مؤتمر حزبه أنه لن يذهب إلى منزل عائلته الريفي الصغير في مدينة ريزا المطلة على البحر الأسود للانزواء والجلوس على مقعد هزاز في استراحة محارب متقاعد، وإنما يتطلع للاستمرار في العمل السياسي وفي المنصب الذي يختاره له حزبه.

وعلى الرغم من أن أردوغان لم يحدد صراحة موقفه من ترشحه لمنصب الرئاسة إلا أن كافة المحيطين به يجمعون على أن تحول تركيا إلى النظام الرئاسي سيعني انتقال أردوغان إلى القصر الرئاسي ليجلس مكان صديقه عبد الله جول، غير أنه سيمسك حينها بصلاحيات واسعة تمكنه من حكم تركيا حتى عام 2025، حيث من المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في نهايات عام 2014، ويحق للرئيس بمقتضى التعديلات الدستورية التي أجريت على الدستور التركي أن يبقى في الحكم لفترتين متتاليتين، وذلك بعد أن أضحى ينتخب مباشرة من قبل المواطنين وليس من قبل أعضاء الجمعية الوطنية التركية.

وقد أعلن أردوغان أثناء المؤتمر الذي عقد في أواخر سبتمبر 2012، أن حزبه رغم امتلاكه الأغلبية البرلمانية إلا أنه دعا العديد من أحزاب المعارضة لتقديم رؤاها السياسية حيال الدستور الجديد للبلاد، مشيرا إلى أن هذا الدستور سيدعم مسيرة التحول الديمقراطي في تركيا وسيقوم على الحرية وسيسمح بالتنوع. ويهدف أردوغان من الدستور الجديد التغلب على العقبة القانونية التي تحول دون قدرته على الاستمرار في الحكم، حيث تمنعه القوانين المحلية من الترشح لولاية أخرى كرئيس للوزراء في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في عام 2015.

كما يهدف أردوغان من الدستور الجديد إنهاء مرحلة حظر الأحزاب السياسية في تركيا، وتكليل نجاحات زعامة الحزب في إحداث قطيعة سياسية مع مراحل الانقلابات العسكرية، بما يضمن للحزب وقيادته دوام السيطرة على الحياة السياسية التي يتطلع لأن تتسم بدورها بقدر أكبر من الاستقرار المضمون والمصان بمقتضى نصوص الدستور الجديد.

الطموح الحزبي

يرتبط بطموح أردوغان الشخصي في أن يصبح رئيسا للجمهورية أن تستمر سيطرته على حزب العدالة والتنمية دون منازع، لذلك فقد استطاع أن يضمن رئاسة الحزب للمرة الثالثة وأن يحصد مع قائمته للمكتب التنفيذي التي اختارها بمفرده وتتألف من خمسين شخصية، على نحو 1421 صوت من أصل 1424. إذ اعتبرت ثلاثة أصوات لاغية، وهو ما يعني أنه فاز بنسبة 99.99 في المائة من سباق لم ينافسه فيه أحد.

وقد فوض المؤتمر أردوغان بصلاحيات اختيار مسئولين جدد لقيادة الحزب في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث لا تسمح اللائحة الداخلية للحزب بتولي أعضاء الحزب مناصب أو الترشح للبرلمان أكثر من ثلاث دورات وبإجمالي خمسة عشرة سنة، بما يعني أن هناك تعديل حكومي مرتقب، كما أن قائمة الحزب لخوض الانتخابات البلدية في 2013، والبرلمانية في 2015 ستشهد تغيرات كبرى، لذلك فقد رفع المؤتمر الرابع للحزب شعار "إعطاء فرصة للقيادات الشابة داخل الحزب".

ويسعى أردوغان من وراء إلى ذلك تجديد دماء الحزب الحاكم عبر عمليات الإحلال والتبديل على مستوى القيادات، على نحو من شأنه أن يجنبه مآلات الأحزاب التركية التي سرعان ما اختفت من الساحة السياسية بسبب غياب أو تغيب قياداتها أو ترهل هياكلها أو شيخوخة نخبتها عمريا أو فكريا.

يأتي ذلك في ظل الرغبة في استمرار البقاء في الحكم، وذلك بعد أن نجح حزب العدالة في السيطرة على السلطة منفردا لثلاث دورات برلمانية متتالية، بل وازدادت شعبيته بعد كل انتخابات، حيث فاز الحزب بنسبة 34 في المائة في انتخابات 3 نوفمبر 2002 وبنسبة 42 في المائة في انتخابات مارس 2004 وبنسبة 40 في المائة في انتخابات 22 يوليو 2007. كما أجرى الحزب تعديلات دستورية نجح في إقرارها في 21 أكتوبر 2007 ثم في يوليو 2010.

وقد حقق أردوغان ذلك من خلال ضمان التماسك الداخلي لحزبه، وذلك على الرغم من أنه يضم كافة ألوان الطيف السياسي، من حيث العلمانيين والمتدينين، والمحافظين والليبراليين، والمحجبات والسافرات. وهذه المقومات حاول أردوغان توظيفها لتحقيق غايتين أساسيتين:

أولاها، أن يتحول حزب العدالة والتنمية من حزب قائم على شخصية الزعيم إلى مؤسسة تستطيع البقاء والنجاح، وذلك من خلال سياسات عديدة منها "عمليات التكتل والاندماج" التي يسعى إليها أردوغان بهدف ضم الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية تحت قيادة حزب العدالة والتنمية.

وثانيتها، يتمثل في أن يضمن قدرة الحزب على الفوز بالاستحقاقات الانتخابية الثلاث التي سيواجهها خلال السنوات الثلاث القادمة (انتخابات بلدية ورئاسية وبرلمانية)، وهى الاستحقاقات التي من شأنه أن تحدد مآل طموح أردوغان في الوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية التركية.

الطموح الوطني

أوضح أردوغان في المؤتمر الذي عقد تحت شعار "شعب عظيم يمتلك قدرة عزيمة.. هدفنا عام 2023"، أن تركيا شهدت خلال فترة حكم الحزب عدد من الإنجازات الكبرى والمشروعات الاستثمارية العملاقة التي تم تدشينها خلال السنوات الماضية، والتي أهلت تركيا لأن تجني ثمار الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، على نحو جعلها تطمح لأن تغدو إحدى القوى الاقتصادية العالمية خلال السنوات العشر المقبلة، وذلك بعد أن أصبحت تركيا القوة الاقتصادية السادسة عشر على مستوى العالم والسادسة على مستوى الدول الأوروبية، كما يستهدف الحزب أن تغدو تركيا القوى الاقتصادية العاشرة عالميا بحلول عام 2023. وذلك بعد أن حقق طفرات اقتصادية مهمة تمثلت في ارتفاع الدخل القومي التركي خلال عشر سنوات من 230 مليار دولار إلى 774 مليار دولار. ووصول نسبة النمو الاقتصادي إلى 8.5 في المائة بدلا من 5.3 في المائة. وزيادة الدخل القومي للفرد سنويا من 3500 دولار إلى 11 ألف دولار.

كما ارتفعت قيمة الصادرات التركية من 36 مليار إلى 135 مليار ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 144 مليار دولار بنهاية عام 2012. وانخفضت نسبة البطالة بالتوازي مع ذلك من 9.8 في المائة بدلا من 10.2 في المائة. وارتفع عدد السياح من 13 مليون سائح إلى 31.5 مليون سائح سنويا، بإيرادات تقدر بـ23 مليار دولار. هذا فيما ارتفع إجمالي الاحتياطي الأجنبي من 27 مليار إلى 110 مليار دولار، وانخفض حجم الدين التركي من 23.5 مليار دولار إلى زهاء 1.3 مليار دولار، ومن المقرر أن يتم تصفيته بالكامل في أبريل 2013، بل وتتجه الحكومة التركية إلى إقراض صندوق النقد الدولي بمبلغ خمسة مليار دولار.

وبالتوازي مع ذلك فقد شهدت تركيا مشروعات بنية تحتية ضخمة على مستوى الطرق والأبنية التعليمية والجامعات والمستشفيات، فضلا عن إعادة صوغ البنية التشريعية الخاصة بالاقتصاد والتجارة والصناعة، بما أفضي إلى وصول حجم الاستثمار الأجنبي في تركيا لنحو 283 مليار دولار.

هذه التطورات في مجملها وضعت تركيا في مقدمة الدول الناهضة والقادرة على المنافسة دوليا وإقليميا، دون أن يكون ذلك على حساب قوة الدولة الناعمةSoft Power ، حيث شهدت تركيا خلال السنوات العشر الخالية نهضة كبرى في الفنون والآداب والسينما والدراما، التي باتت عنوانا لحضورها القوى على مستوى المنطقة العربية.

وقد دفع ذلك أردوغان لأن يتحرك على الساحة الإقليمية بثبات وفاعلية، على نحو جعل من مؤتمر الحزب منصة إقليمية وذلك بعد حضور عدد من القيادات منهم الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس إقليم شمال العراق مسعود برزاني ورئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، الذي وصف أردوغان بـ"زعيم الأمة الإسلامية"، بما جعل المؤتمر وفق بعض أحزاب المعارضة التركية يشبه اجتماعات قادة الإخوان المسلمين.

وقد حاول أردوغان أن يضفي الطابع الإقليمي على المؤتمر الذي حضره عدد من رموز الإخوان في سوريا، وذلك حينما أكد على ثوابت تركيا حيال العديد من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها الموقف من الثورة السورية، حيث طالب كل من إيران والصين وروسيا بتغير مقاربتهم حيال الثورة السورية مشيرا إلى أن التاريخ لن يسامح من وقفوا إلى جانب الأنظمة الوحشية. كما أكد أردوغان أن تركيا ستعمل على دعم القضية الفلسطينية في مواجهة السياسات الإسرائيلية، التي ترفضها تركيا، على نحو يدفعها إلى عدم تطبيع العلاقات معها إلا بعد الاعتذار ودفع التعويضات لضحايا قافلة الحرية وإنهاء الحصار الاقتصادي على غزة.

وقد استغل أردوغان وجود عدد من زعماء الأحزاب والجماعات الإسلامية العربية في المؤتمر ليؤكد أن تركيا أصبحت نموذج لدول العالم الإسلامي، وذلك بعد أن وصف قادة حزب العدالة أنفسهم بأنهم "ديمقراطيين محافظين" يعنيهم ضمان كافة الحقوق الأساسية لكافة المواطنين، مضيفا أن هذا الموقف تجاوز حدود تركيا وأصبح نموذجا يقتضى في العديد من البلدان الإسلامية.

استنتاجات وملاحظات

يمكن القول إن أردوغان استطاع أن يحقق نجاحات كبرى وأن يبقى في الحكم لمدة عشر سنوات، وهو إنجاز لم يتحقق منذ نصف قرن، كما أنه بات يسعى لأن يبقى حزبه في الحكم لأكثر من عقد آخر من الزمان، من أجل أن يبلغ مرحلة التأسيس الثاني للجمهورية التركية المعاصرة، ومع ذلك فإن مؤتمر الحزب قد كشف عن عدد من الملاحظات الأساسية:

أولاً: على الصعيد المحلي:

- شهد مؤتمر الحزب مقاطعة من أغلب أحزاب المعارضة، التي رأت أن حزب العدالة بقيادة أردوغان يتحول إلى الصيغة الديكتاتورية وليس الديمقراطية، في ظل رغبته في تحويل البلاد إلى النظام الرئاسي للتحايل على القوانين والقيود التي تحول دون بقاءه في السلطة أكثر من ثلاث دورات.

- اعتبرت العديد من الاتجاهات أن عدم إعلان أردوغان عن خليفته والقائد الجديد للحزب، يعني أن عبد الله جول قد أصبح بالفعل الرئيس القادم للحزب، إلا أن إعلان أسمه ينتظر عملية التسليم والتسلم للسلطة على الطريقة الروسية، والهدف من ذلك حسب بعض الاتجاهات المعارضة يتمثل في عدم الرغبة في خلق دافع للتظاهر من قبل المعارضة مبكرا وقبل إقرار الدستور الجديد.

- أثبت المؤتمر أن حزب العدالة لم يستطع حتى الآن تجاوز آفة الأحزاب التركية من حيث تمركزها حول قيادة تاريخية، حيث أنه من المرجح أن يظل أردوغان حتى بعض ترك رئاسة الحزب الزعيم الفعلي له، وذلك في ظل سيطرته الكاملة على عملية صنع القرار داخل الحزب.

ثانياً: على الصعيد الإقليمي:

- ركز مؤتمر الحزب الحاكم في تركيا بالأساس على العلاقات مع دول العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، ولم يتم التطرق بحديث حقيقي حيال موضوع العضوية الأوروبية، بما يعني أن الحزب لا يرى أن الأوضاع التي يمر بها الاتحاد الأوروبي تمنح تركيا دافعا للإلحاح لنيل العضوية الأوروبية.يؤكد ذلك أن حزب العدالة والتنمية يرى أن مستقبل تركيا يرتبط بقيادة منطقة الشرق الأوسط وليس بالانخراط في تفاعلات مع بعض القوى العالمية والدولية التي يمكن التنسيق معها إزاء كل ما يخص مصالح تركيا من دون اندماج كامل قد يعزل تركيا عن منطقة حيوية مصالحها معها باتت أعمق وأكثر تشعبا.

- رسخ المؤتمر القطيعة بين الحكومة العراقية والقيادة التركية، وذلك بعدما رفض الرئيس العراقي نوري المالكي تلبية دعوة رئيس الوزراء التركي لحضور المؤتمر، وذلك بسبب السياسات التركية حيال إقليم شمال العراق، لاسيما بعد زيارة وزير الخارجية التركية مدينة كركوك من دون تنسيق مسبق مع الحكومة الاتحادية. هذا بالإضافة إلى تباين المواقف حيال الثورة السورية، فضلاً عن أن حضور نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي والمحكوم عليه بالإعدام غيابيا من قبل القضاء العراقي، قد أفضى إلى توتر علاقات تركيا مع العديد من القوي السياسية العراقية، التي اعتبرت أن تركيا باتت تتدخل في الشئون الداخلية لبغداد دون أن تراعي القواعد السياسية والدبلوماسية إزاء إحدى دول الجوار.

- أوضح المؤتمر عمق الخلافات التركية مع إيران، حيث أنه لا مسئول إيراني حضر المؤتمر الذي شهد هجوما تركيا كبيرا على السياسات الإيرانية فيما يخص موقفها من الثورة السورية، وهو الأمر الذي ينذر بتصاعد التوتر بين تركيا وكل من العراق وسوريا وإيران، لاسيما في ظل ما تشهده الحدود التركية - السورية من تصاعد للتحركات العسكرية وتزايد لعمليات القصف الصاروخي المتبادل على جانبي الحدود التركية - السورية.

وفي الإجمال يمكن القول إن أردوغان قد يكون الرئيس القادم لتركيا، وأنه قد يتبادل المواقع مع رئيس الجمهورية الحالي عبد الله جول في تكرار لسيناريو فلاديمير بتويتن - دميتري ميدفيديف. بيد أن تحقق ذلك سيظل مرتبط في التحليل الأخير بتزايد احتمالات تصاعد المواجهات الداخلية مع أحزاب المعارضة، التي باتت ترى أن الحزب الحاكم بات يتبع في سياساته الداخلية إستراتيجية "تكميم الأفواه"، وذلك بعد التضييق المستمر على حرية الصحافة، ويتبنى سياسات خارجية تعتمد إستراتيجية "خلق الأعداء"، وذلك بعدما شهدت علاقات تركيا مع أغلب الدولة المجاورة لها حالة من التوتر والعداء. ‬

aymaan noor 24-10-2012 12:44 AM

السلفية التقليدية والسلفية الجهادية
 
في هذه الدراسة المقارنة سندافع عن فرضية أساسية وهي أنه بين السلفية التقليدية والسلفية والجهادية لا يجب البحث عن فرق لاهوتي بين المجموعتين، فإذا استثنينا قضيتي نصرة الجهاد العالمي والانخراط فيه والموقف من أهل الذمة، فإن كلا الاتجاهين يتشابهان في أولوية الإصلاح العقدي، ومنه ذم البدع وتربية الناس على العبادة الصحيحة.

أولا: أوجه التشابه بين السلفية التقليدية والسلفية الجهادية :

فمن بين أوجه التشابه الكثيرة بين السلفية التقليدية والسلفية الجهادية السمات التالية:

1ـ الاعتناء بمسألة التوحيد:

إن التيمة الأساسية في إيديولوجيا الحركات السلفية سواء كانت تقليدية أو جهادية هي التوحيد، ويعني إفراد الله بالعبادة دون سواه، فالمجتمع انعكاس، أو ينبغي أن يكون انعكاسا لهذا التوحيد الإلهي، فإذا كان التوحيد صفة أساسية للذات الإلهية، فإنه في المجتمع تحتاج إلى تحقق وبناء، وترجمة التوحيد على مستوى المجتمع لا يتم إلا عن طريق تحقيق مجموعة من مشاريع الوحدة: منها وحدة العقيدة، ووحدة الشعائر...

أن الحقل الدلالي الذي يفتح عليه مفهوم التوحيد لا يقف عند هذا الموقف الأصولي في الاعتقاد والذي مضمونه:" الاعتقاد بالله كما وصف به نفسه من غير تعطيل أو تـأويل"، وإنما يمتد ليشمل ضوابط للممارسة الدينية، فإذا كان الإسلام يقيم العقيدة على مقولة التوحيد، فإن السلوك والممارسة ينضبطان بهذا المبدأ انضباطا مطلقا لا مجال فيه لإشراك غير الله في العبادة بأي طريقة سواء كانت صلاة أو تقربا أو دعاء.

إن انتقال الكلام عن التوحيد من مجال المعتقدات إلى مجال الممارسة، جعلت السلفيين ليسوا فقط أصحاب رؤية عقدية بالمعنى الحصري للكلمة، وإنما أصحاب مواقف وردود على واقع الممارسة التعبدية في المجتمع، وهذا ما يجعل من السلفية نوعا من البروتستانتية الإسلامية بتأكيدها على انه لا حكم لغير الله، ورفض لكل تهاون في مسألة الوحدانية وما يرتبط بها من أخلاقيات.

و من خلال مفهوم التوحيد يصبح الإيمان عند السلفية وحدة كمية قابلة للقياس،بحيث يمكن في كل وقت وحين اختبار سلوكيات المؤِمن وممارساته التعبدية والنظر فيما إذا كانت موافقة ومجسدة لمبدأ التوحيد،وفي ذلك مسافة كبيرة من المفهوم الصوفي للإيمان الذي يفسر بمنطق عاطفي روحاني وليس باعتباره مكونا فيزيائيا يعتمد على المعطيات الحسية.

2ـ تصلب الخطاب:

هناك مبدءان يشكلان منبع هذا التصلب: الأول ، رفض الشرك والإصرار على التوحيد الذي يجب أن يخضع له كل سلوك بشري، بحيث يشكل مبدأ التوحيد الخلفية التي تقاس عليها شرعية كل التصرفات والمواقف والأفعال والمقولات حتى ولو لم تكن بالضرورة دينية. فأي نوع من التفكير والفعل لا ينطلق من التوحيد هو نوع من عبادة الذات. وبذلك تضع السلفية المسلم أمام طريقين لا ثالث لهما فإما أن يكون سلفيا أو لا يكون مسلما بإطلاق. والثانى ؤية الصارمة جدا والملتزمة بحرفية القرآن وفق التقليد الحنبلي ، والذي يجعل كل شيء يعود إلى منطوق القرآن والسنة.

وبهذا تكون السلفية محاولة نشطة لتكوين أورثوذوكسية واحدة لكافة السكان، نوع من الإصرار على تأسيس مذهب فقهي متجانس مع العقيدة، وثورة على التقاليد الدينية الكلاسيكية واعتماد الإسلام النصوصى الذي يحيل على القران والسنة كمناط كل تفكير وسلوك.

يؤدي الانطلاق من هذين المبدأين إلى اتصاف السلفية بطابع عام، يجعلها نمطا فكريا أحادي الطبيعة، مجموعة من المقولات القاطعة والحاسمة المكتفية بذاتها التي لا حاجة لها إلى منبه خارجي يوقظ وعي الذات السلفية، بل بمجرد الارتداد إلى تعاليم السلف.

ولهذا التصلب انعكاسات هامة، إذ أنه سمة تستغرق مختلف الأنشطة السلفية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن مظاهر ذلك أن معظم دروس الطائفة موجه نحو التحذير من البدع والطوائف المتبنية لها بشكل ينتج عنه هجوم شرس على مجموعة من صيغ الإسلام:

- الإسلام الشعبي متمثلا في ما ترسب في المجتمع المغربي من عادات دينية، مثل الاحتفال بعيد المولد النبوي وزيارة المقابر ومظاهر الاحتفال الصوفية وتقديس الأولياء، وغيرها من المظاهر التى ينافى إسلام السلف حسب المذهب السلفي.

- الإسلام الحركي متمثلا في الحركات الإسلامية، لما قامت علية من "انحرافات عقدية ومخالفات لمنهج الدعوة القائم على أولوية مهمة الإصلاح العقائدي والتربوي وهامشية الإصلاح السياسي مقارنة مع هذه المهمة العبادية".

-الإسلام العالم "الذي يسلك منهج التوفيق في كل الأمور الدينية بما فيها العقائدية والعبادية بشكل أضاع معه رسالة الدعوة".

- الإسلام الرسمي لتعصبه لمذهبية واحدة دون سائر المذاهب.

3ـ الآباء المؤسسون:

يشترك السلفيون أيضا في القول بضرورة الأخذ عن السلف الصالح المشهود له بالخيرية، و ذلك باستعمال ما كان من كلامهم الذي هو الفهم الصحيح للكتاب والسنة، وهكذا فالطريق إلى الوصول على المعنى الصحيح هو الرجوع إلى ما كان عليه الأولون والأخذ بفهومهم للنص الديني.

ويتنج عن المكانة التي يحتلها السلف الصالح عند السلفيين الإصرار على واجب التعامل معهم كناقلين لمعرفة مقدسة، وفي نفس الوقت فإن السلف هي الجماعة المنتجة للآليات التي يجب التعامل بها مع تلك المعرفة، فلا وجود لآية من كتاب الله أو حديث نبوى فاتت الصحابة والتابعين أو تركوها بدون تفسير واضح.

فبإحالتها على السلف، لا تقصد الإيديولوجيا السلفية مجرد الارتداد على أسماء يحتفظ لها التاريخ بمكانة اعتبارية، بل تريد السلفية تأكيد تساميها وتفوقها على ما يخالفها من أفكار عبر التاريخ الإسلامى.

كما يطعن السلفيون في ما يشكل سلفا بالنسبة لاتجاهات الفكر الديني الأخرى ومن أبرزها ما ينعتونه "بالمدرسة العقلية" التي تمثل لديهم خطا فكريا متواصلا امتد من الغزالي وتجسد عند الأفغاني ومحمد عبده، ووجد ترجمته في خطاب الحركات الإسلامية المعاصرة، واصفين سلف وخلف هذه المدرسة بالحمق والطيش لما نشأت عليه من عقائد فاسدة، وما مارسته من توفيقية فكرية كان هدفها التصالح مع الغرب.

وتتجسد المكانة التي يتبوؤها السلف في المساحة التي تحتلها مقولاتهم في المتن السلفي بحيث تستغرق هذه الأخيرة مقولات هؤلاء معظم مساحات الكتب الحديثة الصادرة عن السلفيين قدمائهم ومعاصريهم، فما أن يقدم المؤلف لموضوعه حتى يبدأ في استعراض أقوال السلف ممن أفاضوا في المسألة محل البحث، فيكون المؤلف عبارة عن تجميع مقولات كثيرة يراد لها أن تقوم مقام الحجة بالنسبة للمؤلف، بحيث لا يظهر دور هذا الأخير إلا بعد صفحات متعددة من الإحالات ليسجل فضل هؤلاء وعبقريتهم التي لم تترك له مجالا للإضافة أو التحسين، وإنما مجرد المحاججة بأقوالهم على ما يخالفها من تفسيرات.

4 ـ النصوصية:

تشترك السلفيات على اختلاف أنواعها باتسام خطابها بالنصوصية: يكمن اعتبار السلفية نمطا من الفكر يقتصر على استخدام المصطلح الإسلامي الأصلي، ويتخذ من قيم الإسلام ومبادئه المعيار الوحيد في النظر والحكم، ومن النص النقلي مرجعه النهائي في التدليل والإثبات، دون ان يستوحي عناصر فكرية مستقلة من خارج الأصولية الإسلامية للاستعانة في تبريره الفكري ودفاعه العقدي.

يضخم السلفيون من دور النص، ويتجاهلون دور العامل الإنساني الذي يقوم بتفسير النص، ويرون أن النص ينظم معظم جوانب الحياة، ومن يحدد معناه هو قراءة من الصحابة ، أما الآخرون ، فتنحصر وظيفتهم في تلقي النص وتطبيقه. ففى النموذج السلفي، لا علاقة لذاتيات الطرف المفسر غير الصحابي بفهم الأحكام الإلهية أو تنفيذها ، فهذه الأحكام موجودة بالكامل وبوضوح في حرفية فهم السلف للنص، وبالتالي لا دور للتأملات الأخلاقية والجمالية الخاصة بالطرف المفسر ولا دور لتجاربه، بل لا حاجة إليها أصلا.

إن تركيز السلفية على النصوص يجعل منها إسلاما أورثوذوكسيا مستغرقا في دقائق الشريعة وإذعان لسلطان مستمد من الشريعة وحدها. والنتيجة، عدم قدرة الخطاب السلفي على تطوير خطاب منظر للعقيدة حيث يخلو من مفاهيم ونظريات المقعدة هذا المبحث، لصالح مجموع مواقف عقائدية متصلبة لا تبني ذاتها و لا تبرر وجودها إلا من خلال احتكار الفهم الصحيح للنصوص، و التميز بذلك عن الاتجاهات العقائدية الأخرى.

ونظرا لهذه النصوصية، يرفض الخطاب السلفي استخدام السببية الاجتماعية كعنصر في التحليل، بحيث ينظر إلى المجتمع على أنه ككيان توحده العقيدة وليس كجسم تربطه مصالح اجتماعية وعلاقات إنسانية ، وإذا صادف أن أشير إلى بعض مظاهر الحركية المجتمعية في سياق الحديث، فإنها تفعل ذلك في معرض التبرير أو التنديد بدون أدنى تحليل للأسباب و الدوافع.

5 ـ الشكلانية:

تظهر شكلانية الخطاب على مستوى السلوكيات التعبيرية للخطاب السلفي وهو ما يتبين من خلال طرق السلفيين إدارة الدروس اليومية في أسلوبهم في الحوار والمجادلة والحجاج.

ففي الدروس اليومية تعضد الشكلانية بواسطة التكرار الطقوسي للمواضيع وشرحها شروحات مستفيضة، فهناك كلمات محورية يدور حولها جميع الدروس، كما أن نفس المواضيع تكون حاضرة باستمرار داخل كل الدروس الملقاة، ويهدف هذا التكرار إلى توحيد الدلالة عند المستمعين، أي انها مواضيع منغلقة سيميائيا على نفسها بشكل يجعل النمطية تتسرب إلى الدروس، بحيث لا تقدم للمتلقي المستقل الحافز لمعاودة الحضور إليها.

وإذا كانت الخصائص السابقة هي سمة لكل الخطابات الأيديولوجية، فإنها تبلغ أقصى درجاتها عند السلفيين، بحيث يؤدي السرد المتكرر والمتواصل للوثوقيات والبديهيات الدينية إلى إبعاد المتلقي عن كل محاولة للنقد أو إصدار أحكام خارج محددات الإيديولوجيا

يختلف أسلوب الحجاج الذي يستخدمه السلفيون في مواجهة المتناظرين معهم، وذلك حسب مستوى المعارف العقائدية المتوفرة لدى هؤلاء، هكذا تتراوح الإستراتيجية الحجاجية السلفية بين نوعين، النقد الشديد في حالة التمكن العقائدي، أو المشاركة النقاشية في حال الإيمان العقائدي المتردد أو غير الواعي. ففي الحالة الأولى، توصي منهجية الدعوة بالتوقف عند مرحلة عرض الأدلة المضادة les contre arguments) ) وغيرها من المضادات الدفاعية، دون الدخول في جدل قد يؤثر في الداعية السلفي نفسه في حالة التمكن العقائدي للمتجادل معه. أما في الحالة الثانية، فيكون المجهود الدعوي أكثر انبناء لأنه لا يتوقف عند مستوى هدم المرتكزات العقائدية السابقة، بل يروم إلى إعادة بناء مذهبية جديدة. فعلى الداعية السلفي أن لا يترك المتلقي إلا وقد تمت أعلن هدايته، أو عندما يضمن انخراطه اللغوي(adhésion verbale) على الأقل .

وقد بنى السلفيون المغاربة منهجهم في الجدل بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بما يوفق الظرفية الجديدة، فقد أوصى المغراوي أتباعه بمنهج دعوي جديد يقتصر على الإخبار بالسنة فإن قبلت منهم فهو ذاك وإلا سكتوا، على عكس رموز السلفية الجهادية الذين روجوا أنفسهم إعلاميا بعد تلك الأحداث.

6- الموقف من الطقوس العبادية:

هنا يستعمل السلفيون مفهوم البدعة لتعني المحدثات التي لا أصل لها في القرآن وسلوك الصحابة.

يوظف السلفيون مفهوم البدعة كثيرا عند حديثهم عن وسائل الدعوة، وخصوصا عندما يريدون تمييز منهجيتهم الدعوية عن تلك السائدة لدى الحركات الإسلامية، فإذا كان الكثير من الفاعلين في هذه الحركات يرون أن هذه الوسائل اجتهادية، بما يعني حرية الداعي في اختيار ما يراه مناسبا من الوسائل التي تحقق الصلاح و الهداية للمدعوين، يقول السلفيون أن وسائل الدعوة مبنية كلها على التوقيف ، ذلك أن حال الأمة الإسلامية لا يصلح عندهم إلا بما صلح بها الأولون وأصلحوا، فالطريق إلى إصلاح الناس هو السبيل الذي درج عليه النبي ودرج عليه صحابته. وهذه السبل هي على سبيل التحديد: الخطب المشروعة كخطبة الجمعة والعيدين، والحلقات العلمية، والإفتاء، والجهاد في سبيل الله، والنصيحة لائمة المسلمين وعامتهم. أما غيرها من الوسائل التي تستعملها الحركات الدعوية الأخرى فهي بدعية، كالسماع المجرد ، وتلحين القصائد، والتغني بها ، والتمثيل والمسرحيات، وغيرها مما اعتاد عليه الإسلاميون عند إقامتهم أنشطتهم الدعوية. والخلاصة أنه لا يجوز بحال اتخاذ وسائل دعوية غير شرعية لا دليل عليها في السنة ولا سوابق لها عند الصحابة.

7- طرق التلقين:

من خلال تتبع نشاط الحركات السلفية باختلاف أنواعها، يتبين اعتمادها على ميكانيزم التلقين كوسيلة للانتشار والتعبئة، لكن المعطيات توضح بجلاء اختلافا في مستويات الانفتاح والانغلاق الذي يواكب هذه العملية ، فداخل جمعية محددة ونظرا للتركيز على المذهبية واعتبارها مركز العملية التعليمية، تتم عملية التلقين في فضاء تواصلي مغلق، حصري، ودائري، في حين يسود داخل جمعيات أخرى قدر من التسامح وحرية وإن كان ذلك لا يتعدى حدود المذهبية بل يبقى داخل أسوارها.

وعلى كل حال، و بالرغم من اختلاف طرق بث المضمون الديني في كلا النوعين من السلفية، فإنهما يتفقان على أن الهدف النهائي هو تلقين الإيديولوجيا السلفية بحيث يمكن اعتبار المعرفة والعقيدة شيئا واحدا على أساس أنهما يحملان رؤية أحادية في تفسير العالم وإعطاء معنى موحدا للعالم والأشياء..

يعتبر التماهي من بين اللآليات السيكولوجية التي تستعين بها الحركات السلفية في عملية التلقين الإيديولوجي، ولا يتحقق هذا التماهي عند المجموعات السلفية بمجرد الأداء الجماعي والموحد للطقوس الدينية، بل بسلوكيات أخرى منها ما ليس منحدرا من التعاليم الدينية بالضرورة، ففي البداية، يستعمل السلفيون المقابلات الرمزية التي تعوض الأسماء الحقيقية للأتباع ( أبو حفص- أبو سهل...)في علامة على تفضيل الانتماء على الطائفة على الانتماءات الاجتماعية الأخرى، كما يعد الالتزام بالسمتhabitus) ) السلفي شرطا أساسيا لقبول الفرد في التنظيم، فمن القواعد المهمة التي يجب أن يظهرها الدعاة، الحرص على التمسك بالسنة ظاهرا وباطنا، في علاقاتهم الخاصة والعامة على السواء، يجب أن يكونوا صورة يتحرك من خلالها القرآن. ففي التصور السلفي لا تملي العقيدة السلوك التعبدي المثالي فحسب، وإنما آداب الحياة بما فيها تفاصيل الأكل واللباس والهيئة (الرائحة الطيبة والتجمل الموافق للسنة..) فكل ذلك عوامل مساعدة في الدعوة،مما يمكن معه اعتبار السلفية ذات نزعة تدينية استعراضية.

ومما يقوي التماهي بين أعضاء الجماعة، ما تخضع الحياة الجماعية في مقرات الحركات السلفية من قواعد صارمة تنسحب على جميع نواحي الحياة، فهناك شكليات تنسحب على تفاصيل الحياة اليومية بشكل يجعل الأتباع مراقبين باستمرار، و بشكل يبعد التابع الجديد رمزيا على الأقل، عن وسطه القديم ويقربه من محيطه الجديد داخل الجماعة السلفية.

وبقدر ما يولد التماهي مصدرا للاعتبار الذاتي وشعورا بالاعتزاز من خلال الانتماء إلى جماعة سلفية، بقدر ما يولد ذلك نوعا من الكبرياء والتعالي وقدرا من التعصب لمعايير الجماعة وتقاليدها. والنتيجة: تحقيق التمايز عن العالم الخارجي وتوجيه العدوانية الرمزيه تجاهه من طرف التنظيمات السلفية التقليدية والمادية من طرف السلفية الجهادية ، وبشكل عام تبقى الجماعة السلفية ايا كان نوعها بالنسبة للمنتمين إليها المصدر الوحيد لكل قيمة واعتبار.

ثانيا: أوجه الاختلاف بين السلفية التقليدية والجهادية:

كما أن الاشتراك في الانتماء إلى مذهبية دينية واحدة يحدث تماسكا أخلاقيا واجتماعيا كبيرا، فإن الاختلاف الذي يحدث في فهم أحد عناصر هذه المذهبية يحدث تباينا بين الأطراف المتبنية لهذه المذهبية حيث تشحن المذهبية بمساهمات جديدة أقل أو أكثر تصلبا ، هذا إذا لم تصبح، تحت ضغط الأحداث، متسمة بقوة البراغماتية.أو بالمزيد من الراديكالية السياسية.

1-السلفية والسياسة:

فإذا كانت جميع السمات السابقة مشتركة عند كل الحركات السلفية، فإن ما يفرق بينها هو الشرط الموضوعي المتمثل في الموقف من السلطة السياسية تحديدا، ويكاد هذا الشرط يشكل المفصل المميز بين بقاء الخطاب عند حدود ال*** الرمزي أو تلك التي تجاوز ذلك نحو تبني ال*** المادي. لكن يجب الانتباه إلى ذلك حتى ولو لم يكن هناك *** مادي عند المسماة تقليدية أو معتدلة، حتى ولو لم تكن الحلول التي يتبناها هذا التيار ثورية بالمعنى المادي، إلا انها كذلك من الناحية الرمزية، فالشعور بابتعاد المجتمع عن الدين الصحيح يؤدي إلى تفاديه للعيش على شكل طوائف منعزلة من حيث وجودها الرمزي.

في مقابل تضخم البعد السياسي في خطاب السلفية الجهادية فى المقابل نجد خطاب السلفية التقليدية يزدرى السياسة ويبعدها من اهتماماته، لكنه إذا كان من المستحيل، الحديث عن خطاب سياسي لدى الاتجاهات السلفية التقليدية، فإن الامتثالية السياسيةConformisme politique) ) تشكل مبدأ ناظما لفعلها السياسي، إذ تختصر السلفية فعلها السياسي في هذا المبدأ، وتبعد من خلاله كل حديث مفصل عن السياسة بكل ما يتفرع عنه من قضايا.

على المستوى النظري، تظهر هذه الامتثالية في منع الاشتغال على الإشكاليات السياسية بحيث تعتبر السلفية التقليدية أن من ترف العلم صياغة نظريات سياسية ثم التحدث في شأنها وصياغة احتمالات بصددها مثل: لمن الحق في إزالة الحاكم غير الخاضع لحكم الشريعة؟ فالخوض في ذلك يجانب منهج السلف الصالح الذين لا يتحدثون في القضايا إلا عند وقوعها, وهذا هو أسلوب الدعوة الذي يجب أن يتبع، وليس التنظير وبناء الأحكام على تصورات خيالية.

ومن المبادئ المؤسسة للامتثالية عند السلفية التقليدية الشعار القائل "لا نكران ولا هجران ولا خروج". والمعنى، أن التمرد والخروج على ولي الأمر فيه مفاسد كثيرة ولا خير فيه للأمة الإسلامية..مهما بلغ ظلمهم وجورهم.

من الواضح إذن، أن جزءاً من الحورارت السلفية المعاصرة تكتفي بترديد الإيديولوجيا التقليدية التي روجها العلماء القدامى، عندما قالوا بوجوب الطاعة الكاملة وعدم شرعية الإعلان عن الجهاد على السلطان وجر الأمة إلى الفتنة وخدمة العدو، ليبقى مجال التحرك السياسي الوحيد المتوفر هو النصيحة، من خلال المشورة مع إبدائها بمراعاة للضوابط الشرعية، بعيدا عن لغة الإلزام أو التشهير، فالبلاغ يقيم الحجة ويبرئ الأمة.

إن إنكار العمل السياسي مقابل العمل الذي يعتبر عند السلفيين شرعيا ومنطقيا في آن واحد: نبدأ بالعقيدة ثم بالعبادة ثم بالسلوك تصحيحا وتربية، أما التحرك السياسي قبل تحقيق التصفية و التربية، فلن تكون له سوى نتائج سيئة.

2ــ الموقف من الجهاد:

يؤدي ازدراء الجهاد من لدن السلفية التقليدية إلى الإشتغال بالنشاطات خيرية ويتحملون نفقات الأطفال في المدارس القرآنية ويجمعون العاطلين في المساجد للصلاة، ويعملون على إعادة تنظيم وجودهم بتقليد المثال النبوي حرفيا، فهم يبعدون هؤلاء عن الجنوح والسلوكيات الاحتجاجية كما يبعدونهم عن السلفية الجهادية.

لقد جرت الامتثالية المطلقة للتيارات السلفية التقليدية للسلطة على نفسها هجوما من أقطاب السلفية الجهادية بحيث ينعتونهم بالمهادنين والمعطلين بفريضة الجهاد حتى أن بعضهم يصرون على تسمية اتجاههم الدعوي باسم أهل السنة والجماعة تمييزا للخط السلفي التقليدي.

لكنه عند الحركات الجهادية ، لا يعبر الجهاد سوى عن عمل فردي بمعنى انه غير مؤطر أيديولوجية محددة يصبح معها عملا جماعيا مؤسساتيا، فبالرغم مما يعطيه من الجهاديون من أهمية وأولوية للجهاد، فإنه يبقى واجبا شخصيا (فرض عين) على كل فرد وفي كل وقت، في حين أن التقليد الجماعي ومنه التقليد السلفي التقليدي يعتبره واجبا جماعيا (فرض كفاية)، أي أنه ينحصر ضمن حدود جغرافية زمنية، ويتوجب على كل جماعة تتعرض لتهديد عدواني، وعليه فإن السلفية الجهادية تتصور ال*** الذى يمارس باسم الإسلام، أنه عبادة فرد لا تعبر مطلقا عن إرادة الجماعة.

وبما انه جهاد فردي، فإنه لا يعتمد على أي خطة استراتيجية ولا يرسم أي أهداف سياسية، والدليل أنه لم يرسم أية خطة لما بعد 11سبتمبر 2001 . فعلى عكس *** الإسلاميين الكلاسيكيين الذي يبقى دوما قابلا للمفاوضة، بعكس ال*** السلفي الذي لا يسعى إلى تطبيق برنامج محدد ولا يرتجي نتيجة ملموسة، بل يختار أتباعه الموت لما يحمله من معان ورموز. لذلك فالتفاوض معهم مستحيل.

3ــ التنظيم:

يعبر الخط السلفي التقليدي عن نفسه عبر عدة جمعيات تحمل أسماء متعددة مثل جمعية الدعوة وجمعية الإمام مالك جمعية الحافظ بن عبد البر، ولكن بعض شيوخ السلفية الجهادية يرفضون تأسيس الجمعيات ويعتبرون ذلك طريقة بدعية في ممارسة الدعوة ويتجهون نحو ممارسة النشاط في خلايا صغيرة ( الميلودي زكرياء)، أو إلى ممارسة الدعوة عبر الانخراط في المنظمات الأهلية كالوداديات السكنية (أبو حفص)، في حين دفع رفض السلطة الترخيص لجمعية أهل السنة والجماعة بفاس بالفيزازي إلى الحراك في جمعية الدعوة إلى الله التي يوجد مقرها بنفس المدينة.

بالرغم من إغلاق العديد من دور القرآن ومنع كثير من الجمعيات الدينية من ممارسة نشاطها عقب الأحداث، فقد تمكن العمل السلفي التقليدي من مواصلة التعبير عن نفسه، و يبدو أن السلفية التقليدية قد وضعت في حسابها ما قد يعرفه المجال الديني من تقلبات، واحتمال تغير هذه السياسة الرسمية وبالتالي تغير موقف السلطات إزاءها. لذلك، فإن إغلاق دور القرآن التابعة رسميا لجمعية الدعوة، لم ينجم عنه اجتثاث فروعها المتمثلة في دور القرآن التابعة لجمعيات مستقلة اسميا، ولكنها تابعة للخط السلفي التقليدي. ، وبهذا الشكل يتخذ تنظيم جمعية الدعوة وضعية نسق فرعي sous système) ) داخل المجتمع، مما يجعلها قادرة على مواجهة متطلبات المراحل القادمة واحتمالات تصادمها مع المصالح المتغيرة هذا عكس السلفية الجهادية التي اجتثث فروعا واعتقل زعماؤها بسرعة بعد أحداث 16 مايو.

ومن خلال المظاهر التنظيمية التي نجحنا في رصدها تبين أن نتيجة عامة وهي أن تنظيم الطوائف الدينية هو في حد ذاته عامل محدد لما للحركة من إمكانات التطور وانتداب الأتباع. بحيث أن تلك الهيكلة التي تطبع تنظيمات السلفية التقليدية يسعفها في تقوية مستوى الاستقطاب والحفاظ على المستقطبين على صفوفها في حين أن عدم تحقق السلفية الجهادية تنظيميا لا يسعفها في ذلك، إذ أن كل ما تحصل عليه من المستقطبين هو الإقرار اللفظي بالانتماء دون أن يتجسد ذلك بالانخراط في تنظيم معين.

كما ان انعدام تنظيم محدد وجلي في صفوف التيارات الجهادية منعنا من دراسة مسألة القيادة في حين أن وجود هذا التنظيم عند التيارات التقليدية مكن من ذلك فقد انتهينا من خلال دراسة هذا الجانب، إلى وجود نوعين من القيادة: قيادة مركزية اوتوقراطية تغيب فيها تراتبيات السلطة، ثم القيادة الاندماجية التي تقوم على نظام الاعتماد المتبادل، تكون القيادة فيه تعاونية يعمل فيها القائد كخادم للجماعة، فالكل يشارك كأقران في صنع القرارات. كما يتحمل الكل المسؤولية الناجمة عن تلك القرارات.

4- سوق الاستقطبات:

من خلال عينة قام بها الباحث فى دراسة له تبين أن سن الأتباع المنتمين إلى الجمعيات السلفية التقليدية والسلفية الجهادية متقارب جدا، بحيث يتراوح سن الأفراد ما بين 17 و28 سنة.

ومن ناحية المستوى التعليمي، يتضح أن أغلب أتباع السلفية سواء كانت تقليدية أو جهادية قد تلقوا تربية دينية، من أهم مظاهرها إما ارتياد المدارس الدينية العتيقة أو مؤسسات دور القرآن.

بالنسبة لمستويات أفراد العينة من التعليم العصري فكثيرا ما يلاقي السلفيون التقليديون والجهاديون صعوبة في تتمة مسارهم الدراسي مع ملاحظة أن ارتياد دور القرآن وغيرها من المعاهد السلفية كان عند البعض حلا لأزمة عاشوها مع التعليم النظامي ممثلا في الرسوب المتكرر.

إن المعطيات التي توفرت بوساطة البحث الميداني توضح أن أغلب الحساسيات السلفية ليس لها سوى حظ يسير من التربية المؤسساتية، فأتباعها إما عاطلون عن العمل أو شباب يافعون فقراء أو أرباب أسر حائرون يواجهون أبناء فقدوا سلطتهم التقليدية عليهم، ويعبرون عن احتجاجهم بتعاطي الكحول والمخدرات والانحراف قبل أن يتحولوا بفعل الدعاية السلفية إلى مبشرين ووعاظ هدفهم إرجاع البقية إلى جادة الدين.

إذن، ليس الاستقطاب من داخل القاعدة الاجتماعية خاصا بالسلفية الجهادية وحدها ، لكنه أمر ملازم للحركات السلفية التقليدية ذاتها، بحيث إن ولوج العديد من الأشخاص إلى جمعية الدعوة يجد تفسيره في نجاحها في إخراج البعض منهم من الإدمان كان يفسد أخلاقهم، إلى وضعية أرقى تمكنهم من انتزاع اعتراف اجتماعي جديد، الشيء الذي كون انطباعا بجدوى وفعالية هذه الجمعيات ، و أعطاها نوعا من المصداقية لدى الرأي العام، زاد منه ما قامت به من ربط بين عمل الوعظ والإرشاد وحركة إدماج الشباب في مقاولات اقتصادية صغيرة، مما وفر لبعض أتباعها مداخيل مالية.

ظهر من البحث أيضا أن بعض الجمعيات التقليدية الأكثر اشتغالا بتعليم العلم الشرعي مثل جمعية الحافظ ابن عبد البر التي تقوم بإعادة تأهيل أتباعها وتوفر لهم إمكانية استئناف مشوارهم الدراسي ذلك أنها تؤهل هؤلاء لاجتياز باكالوريا التعليم الأصيل، بحيث يمكن اعتبار المعهد جسرا يعبر منه طلبة المدارس العتيقة إلى الكليات النظامية.

تكمن محفزات الانتماء لهذا النوع من الجمعيات إذن في أنها تمكن الطالب من "استدراك" ما فات أتباعها وإعادة إدماجهم في مستويات متقدمة وقريبة من مستوى السنة الأخيرة من الباكالوريا، بحيث يمكن لأتباع الجمعية الترشح لهذا المستوى بعد سنوات قليلة من الدراسة في المعاهد السلفية التقليدية.

من الناحية الاقتصادية، بين التصنيف السوسيومهني لأفراد العينة أن العاطلين والممارسين لمهن هامشية وموسمية يأتون في مقدمة أتباع الحركات السلفية، فهم ينتمون في العادة إلى مدن الصفيح أو المدن الهامشية ، فغالبيتهم باعة متجولون و مستخدمون وعمال ثم ممارسون لمهن صغيرة كالبقالة وبيع الخضر .. وهكذا دواليك حتى نصل إلى الخياط، والإسكافي، وبائع ماء الإعشاب، وبائع السمك، وسائق سيارة الأجرة، والميكانيكي، والكهربائي..إنها مهن يومية لا تتيح لأصحابها انخراطا قويا في العالم، وبالتالي فهي مجال مهم للنشاط التعبوي للحركات السلفية، التي يمكن اعتبارها حركة تمارس التعبئة على مستوى القاعدة المجتمعية.(un mouvement de masse)

يتعلق الأمر إذن بشعور بدونية اقتصادية واضحة، لكنه وإذا ما كانت الحركات الجهادية تواجه هذه الدونية الاقتصادية بتعبئة أتباعها بالدعوة إلى نصرة الجهاد أو إلى القيام به، فإن الحركات السلفية التقليدية تواجهه بالوعظ الديني، وبذلك فهي تقوم، في واقع الأمر، بإخفاء الأسباب الحقيقية التي رجحت الإقبال عليها، إنها تقوم بمكافحة الفقر بالمعاني الجمعية التي تتشكل من خلال العيش داخلها ، فليس من مصلحة الحركة أن يعي أتباعها طبيعة الحرمان الذي كان في مصدر انتمائهم لها، لأنها ستضطر عندئذ إلى وضح حلول عقلانية ودنيوية للتغلب على الحرمان مما سيقضي عليها كحركة دينية، فالحل الديني الذي يتمثل في حالتنا بخطاب الوعظ هو في الحقيقة تعويض عن الشعور بالدونية الاقتصادية أكثر منه مجهودا للتغلب عليها. ومن ناحية أخرى قادت دراسة الصلاة العائلية والقرابية للمناضلين السلفيين الجهاديين إلى استنتاج تمايز في طرق التعبئة بين السلفية التقليدية والجهادية. ففيما يتعلق بحركة الجهاد السلفي، فإن للعائلة والصداقة دورا كبيرا في مواصلة تعبئة المجندين، حيث يتم الالتحاق بالحركات الجهادية عبر ثلاث مراحل: مرحلة الانخراط الاجتماعي في الجهاد بدافع الصداقة أو القرابة ، ثم الترسيخ التدريجي للقناعات وللعقيدة حتى قبول إيديولوجية الجهاد السلفي، فالدخول الرسمي في الجهاد الذي يبدأ من خلال العثور على قناة تقود إليه، أما الأوضاع المزرية النسبية والاستعداد الديني القبلي والانجذاب الإيديولوجي فتبقى من العوامل الضرورية، ولكنها ليست كافية من أجل إقناع الفرد باتخاذ قرار الاندماج في الجهاد.

aymaan noor 24-10-2012 07:25 PM

نمط جديد للعلاقات بين واشنطن والإخوان في دول الثورات العربية
 
نمط جديد للعلاقات بين واشنطن والإخوان في دول الثورات العربية
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...25533741_L.jpg
عفراء أحمد البابطين
باحثة في الشئون السياسية - دولة الكويت

رغم اندلاع ثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا واليمن، ونجاحها في إسقاط أنظمتها، لا تزال هذه الدول تمر بمرحلة ممزوجة بالفوضى وعدم وضوح شكل وأسلوب ومنهج أنظمة الحكم الجديدة. فوصول جماعات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في بعض هذه الدول، وتنامي نفوذها السياسي في دول أخرى؛ بدأ يطرح تساؤلات عدة حول كيفية إدارة تلك الجماعات لدولها، وحول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الأكثر تأثيرًا في المنطقة، وهذه الجماعات.

وتشيرُ عدة وقائع سياسية إلى أن هناك قبولًا أمريكيًّا لجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، على خلاف ما كان سائدًا منذ عقود من الزمن؛ حيث كانت الجماعة تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها الديكتاتوريات القائمة آنذاك في الدول العربية، ومن الجهة المقابلة، كانت الولايات المتحدة تخشى هذه الجماعة وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، وتعتقد أنها غير قادرة على تبني قواعد الديمقراطية والالتزام بها؛ حيث لم تر فيها "حليفا إستراتيجيا" يحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.

إن هذا التحول السريع في العلاقات بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن ليحدث لولا التغيرات السياسية الأخيرة في المنطقة، فلطالما كانت واشنطن مترددة في دعم مشاريع دعم الديمقراطية في العالم العربي خوفا من تصاعد الوزن السياسي لجماعات الإسلام السياسي في ظل ضعف التيارات الليبرالية في المنطقة، ولكن بعد أن تغير المشهد السياسي نتيجة الثورات العربية وإسقاط معظم النظم السلطوية الحاكمة؛ تغيرت رؤية واشنطن لهذه الجماعات.

وفي هذا الإطار؛ تحاول هذه الورقة تحليل أبعاد ودوافع هذا التحول في العلاقة بين الولايات المتحدة وجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الجماعة الأكثر تأثيرًا في المشهد السياسي العربي؛ حيث تحولت العلاقات بين الجانبين من انعدام الثقة المتبادلة، إلى ما يشبه "الشراكة" بينهما. كما تحلل الورقة العوائق والإشكاليات التي يمكن أن تكتنف هذه العلاقة الجديدة خلال الفترة المقبلة، وكيف ستتم إدارتها.

دوافع التحول في العلاقة:

لقد تراجعت مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالميًّا، وهو أمر يمكن تَلَمُّسُهُ من خلال إخفاقها في المجالين الاقتصادي والعسكري؛ حيث تراجعت قوة الولايات المتحدة أمام الصين وروسيا بصورة كبيرة مقارنة بفترات سابقة، وتُعتبر أزمتا إيران وكوريا الشمالية والصراع في سوريا مثالا واضحا على ذلك؛ حيث لم تستطع الولايات المتحدة أن تفرض هيمنتها ولا قوتها المعتادة على الصين أو روسيا لحل هاتين الأزمتين، وخاضت حروبًا ودخلت في تصفيات سياسية وأمنية كبيرة للحد من ظاهرة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ومن ذلك حربها ضد حكم طالبان في أفغانستان؛ حيث لا يزال الوضع مرتبكًا وضبابيًّا هناك دون تحقيق نجاح يذكر. كما فشلت الولايات المتحدة في حربها على العراق؛ حيث أخفقت في تحويل العراق إلى "نموذج" للديمقراطية في الوطن العربي. لذا فإن الفشل في حل تلك القضايا أرهق الإدارة الأمريكية، ووضعها في حرج كبير، ناهيك عن أنها في الفترة الأخيرة لم تستطع أن تضع حلولا لإنهاء الصراع في سوريا.

ويمكن القولُ، إن رغبة الولايات المتحدة في تجاوز هذا الوضع، وتحقيق اصطفافات سياسية تضمن أمنها الإستراتيجي، ومصالحها في المنطقة؛ لم يُبقِ أمامها من خيارٍ بعد قيام ثورات الربيع العربي إلا مساعدة الشعوب العربية في تحقيق الديمقراطية والحرية وضمان الشفافية ومكافحة الفساد لكي تنشأ من خلالها بيئة مستقرة تخدم مصالحها. وبالتالي، وجدت الولايات المتحدة نفسها "مضطرة" للتقرب من جماعة الإخوان المسلمين، كإحدى قوى الإسلام السياسي، والتي حققت انتصارًا شعبيًّا في أغلب دول الثورات العربية.

وهذا التقاربُ الاضطراري قد يحل محل النمط القديم الذي ميز السياسات الأمريكية؛ حيث كانت تصنف تيارات الإسلام السياسي عامة، على أنها جماعات وأحزاب وحركات متطرفة وإرهابية غير قادرة على دعم الديمقراطية. وبذلك فإن الولايات المتحدة تنتهج مسعى جديدًا يهدف إلى دعم هذه الجماعات التي أصبحت واقعًا سياسياً؛ حيث أصبحت هي من يحكم، ويرعى مصالح شعوبها عبر القانون والدستور الذي من المفترض أن يحمي حقوقَ الإنسان، ويدعم حرية الفكر والتعبير، ويضمن حماية الأقليات، ويدعم حقوقَ المرأة.

البحث عن شراكة "حقيقية"؟

منذ اندلاع ثورات "الربيع العربي"، احتفت الولايات المتحدة بتونس كونها أول دولة تصنع "الربيع العربي الديمقراطي"، ففي خطاب الرئيس باراك أوباما لتونس أشار إلى أن "قصة تقرير المصير بدأت مع الشاب التونسي محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه وأدى الى اندلاع ثورة حتى غادر الديكتاتور". وتحليل خطاب الإدارة الأمريكية تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي"؛ توضح التحول السريع والتقبل المسبق لنتائج الثورات العربية، سواء كانت حكومات إسلامية أم غيرها؛ حيث قدمت الولايات المتحدة كل ما تحتاجه مصر وتونس من دعم معنوي ودبلوماسي، سواء على مستوى خطابات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون.

فبعد ثورة الياسمين التونسية؛ انتقد الكثير من المحللين السياسيين عدمَ قدرة الحكومات التونسية -وخاصة حكومة محمد الغنوشي وقائد السبسي- على تسويق الثورة التونسية في واشنطن، على نحو يوفر ما تحتاجه تونس من دعم اقتصادي، وفي هذا الخصوص، يرى رضوان المصمودي أن الحكومتين التونسيتين بعد الثورة "أضاعتا كثيرا من الفرص للحصول على الدعم الاقتصادي الكافي لإنجاح الانتقال الديمقراطي، فالدعم السياسي الأمريكي لتونس موجود، وساهم في حماية الثورة من كثير من أعدائها في الداخل والخارج، ولكن الدعم الاقتصادي بالخصوص ما زال دون المطلوب، وأن الشراكة بين البلدين لم تبلغ المستوى المأمول". وبالتالي، تحتاج تونس إلى الدعم الاقتصادي الأمريكي بقدر حاجتها للدعم السياسي والدبلوماسي.

أما في حالة مصر؛ فبعد أن كان الرئيس السابق حسني مبارك من أقوى حلفاء واشنطن الإستراتيجيين في المنطقة، نظرا لما لمصر من مكانة وقوة ووزن في منطقة الشرق الأوسط؛ لم تختلف الرؤية الأمريكية حول الثورة المصرية وحق الشعب المصري في الانتفاض وتغيير النظام عن حالة تونس وليبيا واليمن آنذاك. ومتابعة التطورات اللاحقة، تكشف عن مدى التقارب والقبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بدءًا من حصول حزب الحرية والعدالة على 45% من مقاعد مجلس الشعب المصري، حتى وصول الرئيس محمد مرسي إلى سدة الحكم في مصر. ويبدو أن الجانب الأمريكي يراهن على قدرة الإخوان المسلمين على تبني مبادئ الديمقراطية، والحفاظ عليها، والالتزام بها، كونها أصبحت مطلبًا شعبيًّا يجعل من الصعب أن تحيد عنه جماعة الإخوان، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي".

وهذا الوضع يفرز إشكالية جديدة في شكل وطبيعة علاقة واشنطن مع دول الثورات العربية، فالحكومات العربية الجديدة تسعى لتوطيد العلاقات مع واشنطن بشرط عدم الاصطفاف وراء القرار السياسي الأمريكي كما كان يحدث في السابق، فعندما ثارت الشعوب العربية على أنظمتها، لم تكن الشئون الخارجية لدولها -وتحديدًا في حالتي تونس ومصر- منفصلة عن الشئون الداخلية. حيث إن نظرية "التابع والمتبوع" ونظرية "الولاء المطلق" للولايات المتحدة، وكسب لقب الحليف أو الصديق الإستراتيجي، لم تعد من اهتمامات هذه الشعوب في الوقت الراهن، حيث تريد هذه الشعوب من الولايات المتحدة شراكات اقتصادية وتكنولوجية وعلمية حقيقية، على أسس تقوي من اقتصاد دولها، وتحول دون اعتمادها على المعونات والمساعدات المالية.

أربعة معوقات متصورة:

من الضروري القول إن الولايات المتحدة لم تخرج عن المألوف في تصريحاتها تجاه الثورات العربية، فطالما كانت واشنطن طرفا أساسيا في محادثات السلام في الشرق الأوسط، وفي التأثير في عملية التغيير السياسي في المنطقة العربية، ولها من العلاقات والمصالح في دول الشرق الأوسط ما يجعلها قوة مهمة لا يمكن إغفالها. لكن الواقع السياسي الجديد يؤكد أنه إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة باستمرار علاقاتها "الجيدة" مع الدول العربية، فلا بد لها من تغيير إستراتيجياتها احترامًا لرغبة الشعوب العربية، وتأكيدًا منها على حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة.

ولكن هذا لا يعني أن تغير واشنطن إستراتيجياتها تجاه المنطقة بما يضر مصالحها، وينشئ بيئة جديدة تضر بها، سواء من خلال الإرهاب أو أي صورة أخرى. فهناك أولويات محددة في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وأية انحرافات في سياسات جماعة الإخوان المسلمين على نحو يضر بالمصالح الأمريكية سيشكل عوائق وكوابح يمكن أن تسبب ارتباكًا في تلك العلاقة الجديدة. ويمكن أن نوجز تلك الأولويات الأمريكية تجاه المنطقة في أربع قضايا رئيسية.

تتمثل القضية الأولى، في أمن إسرائيل، والذي يُعتبر قضية جوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. فالولايات المتحدة لا يمكن أن تطور علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين بدون ضمانات فعلية لحماية أمن إسرائيل، ويعد الهجوم الذي وقع مؤخرا في سيناء، وأودى بحياة 16 من قوات حرس الحدود المصرية؛ أول اختبار حقيقي لجماعة الإخوان في هذه القضية، ورغم أهمية قرارات الرئيس مرسي التي اتخذها بعد هذه العملية، والخاصة بإحالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان للتقاعد؛ إلا أن ما يهم واشنطن هو أن يلتزم بالمعاهدات الدولية، وخصوصًا معاهدة السلام مع إسرائيل، وأن يقف في وجه الجماعات الإرهابية؛ حيث لا يمكن أن تتوطد العلاقات بين الجانبين دون تأمين فعليٍّ للحدود والمعابر بين غزة والحدود المصرية، والتي تعتبر الضامن لأمن إسرائيل.

وتتعلق القضية الثانية بالعلاقات مع إيران؛ حيث إن شكل وطبيعة علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع إيران ستؤثر على شكل وطبيعة علاقتها مع واشنطن، وتتطلب البراجماتية من الطرفين أن يستوعب كل طرف مصالحه في المنطقة، فبلا شك، لا تريد واشنطن أن تكون لإيران مساندة عربية، كما أنها لا تريد أن يكون لإيران قوى ونفوذ في الدول العربية، كما أن عزل إيران على المستوى الدولي يشكل إحدى أولويات واشنطن في المنطقة. وبالتالي، فإن اتجاه الجماعة للتقارب أو التحالف سياسيًّا مع إيران، سيكون عائقا لاستمرار حالة القبول الأمريكي لها.

وتنصرف القضية الثالثة إلى مدى قدرة جماعة الإخوان المسلمين على تطبيق وتنفيذ مبادئ الديمقراطية في دولها، فوصول جماعة الإخوان إلى الحكم -من ناحية- يفرض عليها استيعاب كافة شرائح المجتمع، وتقبل الرأي الآخر، وتوسيع قاعدة الحقوق والحريات، وإذا ما فشل الإخوان في تحقيق ذلك، سيكون من الصعب عليها الحفاظ على استمرار الدعم الشعبي لها، وبالتالي فإن الإخفاق في ذلك سيكون عائقًا كبيرًا أمام الولايات المتحدة؛ حيث أصبح تعزيز فرص الحكم الديمقراطي يشكل اليوم نقطة الالتقاء بين الجانب الأمريكي وجماعات الإسلام السياسي، فالسياسة الأمريكية كانت ولا تزال تبني ائتلافاتها وعلاقاتها وتحقق مصالحها من باب المزاوجة بين المصالح والقيم والقوة. ومن ناحية أخرى، لا تستطيع جماعة الإخوان أن تحيد عن مطالب الشعوب العربية في الكرامة والإنسانية، وحكم القانون، والحد من السلطات المطلقة للرئيس.

وتتعلق القضية الرابعة بعلاقة الإخوان المسلمين بجماعات الإسلام السياسي الأخرى، فرغم إطلاق واشنطن "الحرب العالمية على الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي تمخض عنها إسقاط حكم طالبان في أفغانستان، وإضعاف تنظيم القاعدة؛ إلا أن الإدارة الأمريكية لديها منظور متكامل حول كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية المتشددة.

وقد بدأ العديدُ من المحللين السياسيين بعد ثورات الربيع العربي ووصول الإخوان المسلمين للحكم، في طرح تساؤل في غاية الأهمية: هل يمكن أن تكون مصر وتونس دولتين حاضنتين للجماعات الإسلامية المتشددة؟، وقد أجاب راشد الغنوشي عن ذلك مدللا: "إن الثورة المصرية والتونسية السلمية فتحت طريقًا ثالثًا للتغيير في العالم، بعيدًا عن ال*** والانقلابات المسلحة، في وقت نؤكد فيه أن الجماعات الإسلامية المتشددة التي نشأت في القاهرة لن تعود، وأنها نشأت بسبب القمع الذي من الطبيعي أن يكفر الشخص بجلاده، بعدما تعرضوا لل***** والجلد في السجون، كما أن هذه الثورة لن تصنع فرعونًا جديدًا لمصر طالما استمر الشعب في ثورته السلمية، وكذلك في ظل عصر فضاء وإعلام مفتوح يرصد ويتابع خطوات وتحركات الرئيس".

ويمكن القول، إن العلاقة الأمريكية الجديدة مع جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تعمل في ظل تطبيقات فعلية للحد من انتشار واتساع نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة، فإذا كانت جماعة الإخوان قد حققت انتصاراتٍ شعبيةً أوصلتها إلى مراحل متقدمة جدًّا في الحكم؛ فإنه أصبح مُلِحًّا أن تقنع واشنطن بأن الإسلام كفكر ومنهج حياة لا يتعارض في صميمه ومضمونه مع التجربة الديمقراطية التعددية، ويرفض ال*** والتشدد في الدين.

لكن معطيات الواقع تفرض احتمال أن يصطدم الإخوان المسلمين يوما بالولايات المتحدة بشأن حركة المقاومة الإسلامية حماس، فحركة حماس التي تتوافق فكريا مع جماعة الإخوان المسلمين، قد تكون بمثابة "الشوكة" في العلاقة بين الجانبين؛ حيث تطالب الولايات المتحدة حماس بالاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاح المقاومة، وإثبات "حسن السير والسلوك" في إدارة العلاقات الدولية، ويبقى التساؤل مرتبطا بمدى قدرة جماعة الإخوان في مصر وتونس على مواجهة الولايات المتحدة، وتثبيت حق حركة حماس في المقاومة، واستخدام السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما هو الحال مع حزب الله اللبناني، وغيره من الحركات والفصائل والتنظيمات التي تدعو إلى مقاومة إسرائيل علنًا وتتبنى العمليات العسكرية ضدها.

خاتمة:

إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند تحليل القبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، أن هذه العلاقة يمكن أن تتحول إلى شراكة فعلية حقيقية مبنية على احترام وجهات النظر، وقواسم اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مشتركة، تحقق التنمية الإنسانية العربية أولا، وتعزز من أمن واستقرار المنطقة ثانيًا.

ولا يعني هذا القبول الأمريكي تغيرا راديكاليا في توجهات واشنطن، وخصوصا فيما يتعلق بتعزيز الحريات والكرامة الإنسانية، والمطلوب من الحكومات العربية الجديدة أن تقوم بتعزيز حرية التعبير، وتطبيق العدالة والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة، واحترام المرأة، وسيادة القانون، والتداول السلمي للسلطة، فهذا بدون شك سيدفع إلى بناء أرضية مشتركة بين الطرفين يتم فيها تجاوز كل الإشكاليات الأيديولوجية والفكرية بينهما.

ومن جهة أخرى؛ يجب أن تتحمل الحكومات العربية الجديدة مسئولياتها، وأن تبتعد عن الأزمات التي يمكن أن تخلق جوا من التصادم مع واشنطن، في بيئة لم تحقق حتى الآن الاستقرار المأمول والاقتصاد المريح لشعوبها. فالمهادنة والتروي والدبلوماسية الحكيمة يمكن أن تصب في صالح تلك الشعوب، وتحقق إنجازات كبيرة على المديين المتوسط والبعيد.

وأخيرًا ومن باب الواقعية السياسية، فإن الاستقلالية في القرار وفي عمل وإدارة حكومات دول الثورات قد يعطي زخما داخليا، ولكن على مستوى العلاقات الدولية فهناك تشابك كبير في المصالح العالمية، وإذا ما أرادت جماعات الإسلام السياسي أن تشارك في العمل الدولي وتكون شراكات حقيقية مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية، فعليها أن تستوعب جيدا مصالحها ومصالح تلك القوى، وأن توجد قواسم مشتركة معها، وأن تعمل من أجل تقليل حدة الاختلافات الأيديولوجية، كما عليها أن تسعى لتحقيق علاقات سياسية ودبلوماسية دائمة، بحيث تطور ثوابت وركائز للعلاقات مع هذه القوى، لتضمن استمرار المخرجات الجيدة من تلك الشراكة للأجيال القادمة.

aymaan noor 25-10-2012 08:41 PM

تداعيات التصعيد بين الحكومة الكويتية والمعارضة الإسلامية
 
[CENTER]
تداعيات التصعيد بين الحكومة الكويتية والمعارضة الإسلامية

http://www.rcssmideast.org/media/k2/...2718257f_L.jpg
أشرف عبدالعزيز عبدالقادر
احث في الشئون الخليجية
جاء الخطاب الأخير الذي ألقاه أمير دولة الكويت (الجمعة 19 أكتوبر 2012) ووجه فيه نحو تعديل آلية التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة التي سوف تجرى في الأول من ديسمبر 2012( ليكون لكل ناخب صوت واحد فقط بدلا من أربعة أصوات)، ليزيد من وتيرة التصعيد ويرفع من سقف المواجهة مع المعارضة التي يهيمن عليها التيار الإسلامي بشقيه السلفي والإخواني

، حيث اعتبرتها المعارضة تكتيك جديد لجأت إليها الحكومة للتقليل من فرصها في الانتخابات البرلمانية القادمة، خاصة بعد أن رفضت المحكمة الدستورية الكويتية الطعن الحكومي بشأن إدخال تعديلات على نظام الدوائر الانتخابية المعمول بها حاليا، وإبقاء المحكمة عليه (نظام الخمس دوائر).

هذه التطورات تثير عدة تساؤلات رئيسية، يحاول المقال التطرق إليها، منها: ما هي الأبعاد الرئيسية للتصعيد الجاري بين الحكومة الكويتية والمعارضة التي يسيطر عليها التيار الإسلامي؟، وما هي تداعياته على المشهد السياسي الكويتي قبيل الانتخابات البرلمانية القادمة؟

أولاً: الصعود السياسي للمعارضة الإسلامية وآليات تعامل الحكومة الكويتية معه:

لم تكن الكويت استثناءً من "المزاج العام" الذي خيم على المنطقة العربية، في أعقاب ما عُرف بـ "ثورات الربيع العربي"، والذي صب بوضوح في مصلحة الإسلاميين بتياراتهم المختلفة، وهذا ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير الماضي 2012، وحصد فيها التيار الإسلامي على 27 مقعدا، ليشكل مع بعض النواب الآخرين كتلة أغلبية معارضة سيطرت على 34 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 50 مقعدا.

ومثلما حدث في دول عربية أخرى، بعد أن نجح التيار الإسلامي في تشكيل كتلة الأغلبية المعارضة في برلمان 2012 المبطل، اتجه إلى الانفراد بتحديد أولويات الأجندة التشريعية دون التشاور مع الكتل السياسية الأخرى، كما اتجه إلى العمل على أسلمة القوانين، على نحو ما عكسه إصرار التيار السلفي على تعديل المادة الثانية والمادة 79 من الدستور، بما يفرض على البرلمان عدم سن أي تشريع، إلا إذا كان "موافقا للشريعة الإسلامية"، وكذلك وما أثير بشأن "قانون الحشمة" الذي لم يخرج إلى النور، وغيرها من القضايا في الاتجاه ذاته.

هذا بالإضافة، إلى استخدام أداة الاستجواب بشكل مكثف في مواجهة عدد من أعضاء الحكومة بما في ذلك رئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك، مما خلق نوع من التأزيم غير المسبوق في العلاقة بين الحكومة والبرلمان، لاسيما في ظل امتلاك المعارضة الإسلامية الأغلبية اللازمة لتمرير تلك الاستجوابات.

هذه الأجواء خلقت لدى الحكومة الكويتية إدراكا بخطورة سيطرة هذه الأغلبية الإسلامية المعارضة على البرلمان، فاتجهت إلى التعامل مع هذا "الخطر" وفق آليتين:

 الآلية الأولى: استغلال بعض الثغرات الإجرائية القانونية التي وقعت قبيل إجراء انتخابات فبراير 2012، والدفع بها لدى المحكمة الدستورية الكويتية التي حكمت بالفعل ببطلان إجراء هذه الانتخابات وبالتالي بطلان مجلس 2012، والحكم بعودة مجلس 2009 الذي يشكل فيه التيار الإسلامي أقلية ويسيطر عليه أغلبية موالية للحكومة، وهو ما تم بالفعل..

 الآلية الثانية: التقدم بطعن لدى المحكمة الدستورية العليا من أجل إعادة النظر في نظام الدوائر الانتخابية المعمول به (نظام الخمس دوائر) والمطالبة بتغييره أو إدخال تعديلات عليه.
ولكن هاتين الأليتين ثبت حدود فاعليتهما، خاصة بعد رفض الطعن الذي تقدمت به الحكومة الكويتية إلى المحكمة الدستورية بشأن إعادة النظر في نظام الدوائر الانتخابية في الكويت، واضطرار أمير الكويت إلى حل مجلس الأمة لعام 2009 بعد أن باءت جميع محاولات الحكومة لعقد جلسة واحدة لهذا المجلس بالفشل، نتيجة اتفاق نواب كتلة الأغلبية على عدم حضورها.

ثانياً: أزمة تعديل آلية التصويت في الانتخابات

يبدو أن الحكومة الكويتية تنظر إلى المواجهة الحالية مع المعارضة على أنها معركة "مصيرية" أو "معركة بقاء ووجود"، وقررت بذل كل ما يمكن فعله من أجل عدم تكرار مشهد انتخابات 2012 مرة أخرى، ولكن الملاحظة العامة على سلوك الحكومة هنا، هي حرصها على الأبعاد القانونية والدستورية لجميع تصرفاتها، بدءً من الدفع نحو الإبطال القانوني لمجلس 2012 اعتماداً على بعض الثغرات القانونية في تنفيذ مرسوم حل المجلس السابق له (مجلس 2009)، مروراً بالمحاولة لتعديل نظام الدوائر الانتخابية المعمول به حالياً عبر المحكمة الدستورية، وصولاً إلى تعديل آلية التصويت في الانتخابات، وفق نص المادة 71 من الدستور والتي تجيز للأمير إصدار مراسيم بقوانين أثناء حل مجلس الأمة لمعالجة أي سلبيات قد تستوجبها الضرورة.

ورغم أن أمير الكويت برر في خطابه الأخير تعديل آلية التصويت في الانتخابات القادمة، بالرغبة في "تلافي سلبيات نظام التصويت الحالي الذي أدى إلى نتائج تجافي العدالة والتمثيل الصحيح لأطياف المجتمع الكويتي في البرلمان، وإبراز التحالفات المصلحية البعيدة عن مصلحة الوطن، بالإضافة إلى الإقصاء الدائم للعديد من الشرائح الاجتماعية عن التمثيل البرلماني، الأمر الذي انعكس سلبا على أداء مجلس الأمة، وتسبب في انحرافه في أداء مهامه ومسؤولياته"، إلا أنه يمكن القول أن التحرك الحكومي في هذا السياق ربما يكون مدفوعا بعدد آخر من الاعتبارات، منها:

 تقييم الحكومة الكويتية الخاص وإدراكها للسوابق غير المعهودة –على مدار تاريخ الكويت السياسي- في أداء وسلوك المعارضة الإسلامية وتحديدا منذ سيطرتها على البرلمان في فبراير 2012، ورفع لهجة التصعيد عبر التصريحات التي باتت تطول شخص الأمير ذاته والذي ظل محصناً من النقد لعقود طويلة ربما ترجع إلى بداية تأسيس دولة الكويت.

 أخذها على محمل الجد التحذيرات التي صدرت من مسئولين إماراتيين بشأن وجود مخطط لدى جماعة الإخوان المسلمين في منطقة الخليج للسيطرة على الحكم، وأن البداية ستكون من دولة الكويت، وربما دعم من ذلك المطلب الذي طرحته بعض القوى السياسية الكويتية مؤخراً وفي مقدمتها الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الكويت، بشأن "الإمارة الدستورية"، التي تتشكل فيها الحكومة من الأغلبية في البرلمان، ويكون رئيسها من خارج الأسرة الحاكمة.

 إدراكها لوجود دعم خليجي لتحركاتها ضد أي محاولات لتغيير نظام الحكم في الكويت، وحالة التدخل الخليجي في البحرين تعد سابقة مهمة في هذا الشأن.

 رهانها على كسب تأييد شعبي لتحركاتها تجاه المعارضة الإسلامية تحديداً، اعتماداً على السلبيات التي شابت أداء التيار الإسلامي خلال الفترة القصيرة التي قضاها في مجلس 2012 (أربعة أشهر)، لاسيما ما يتعلق بتبنيه عدة قضايا توحي برغبته في تحويل الكويت إلى دولة دينية، وتجاهل الأولويات والشعارات التي رفعها خلال الحملات الانتخابية ودغدغ بها مشاعر الناخبين كإقرار قانون مكافحة الفساد، والمضي قدماً في خطط التنمية المعطلة منذ فترة طويلة. لذلك لم يكن غريبا أن يصدر بالتزامن مع مرسوم تعديل آلية التصويت في الانتخابات، مرسوم آخر يستهدف مكافحة الفساد.
المعارضة من جانبها اعتبرت نفسها المستهدف الرئيسي من وراء هذا التعديل، الذي اعتبرته محاولة من الحكومة للتحكم في مخرجات العملية الانتخابية، واتخذت ردود فعلها الأولية مظهرين رئيسيين:

الأول: الاتجاه نحو مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، وقد تكون المقاطعة القادمة هي الأكبر من نوعها طوال الحياة البرلمانية، في مشهد يعيد إلى الأذهان مقاطعة الكويتيين لانتخابات المجلس الوطني عام 1990

الثاني: النزول إلى الشارع وحشد الجماهير، وتعتبر المظاهرات التي دعت إليها المعارضة بالتنظيم والتنسيق مع بعض التجمعات الشبابية يوم الأحد 21 أكتوبر 2012 (مسيرة كرامة وطن) مؤشر أولي لذلك، حيث شارك في تلك التظاهرات عشرات الآلاف (قدرتها بعض المصادر بمائة ألف متظاهر)، وشهدت مصادمات عنيفة مع قوات الأمن أدت إلى إصابة عدد من المتظاهرين واعتقال عدد آخر منهم، كما تم إعلان حالة الاستنفار العام في صفوف الجيش والحرس الوطني.

ويمكن القول أن المعارضة تراهن في هذا النوع من التحرك على عدد من الاعتبارات، يتمثل أبرزها في:

 أن "المزاج الثوري العام" في المجتمع الكويتي ما يزال قائماً، تعبر عنه التظاهرات المختلفة التي نظمتها كتلة الأغلبية المعارضة بالتنسيق مع بعض الحركات والتجمعات الشبابية حتى قبل خطاب الأمير الأخير، ويدعم هذا "المزاج" عدم صدور أحكام نهائية قاطعة بشأن قضية الإيداعات المليونية المتهم فيها عدد من نواب مجلس 2009 بالحصول على مبالغ مالية كبيرة لقاء مواقف مساندة للحكومة في البرلمان وقرار النيابة مؤخراً بحفظ التحقيقات فيها، وهي القضية التي اكتسبت زخماً شعبياً كبيراً وكان لها دور كبير في الأغلبية التي حصل عليها التيار الإسلامي في برلمان 2012.

 التنظيم الجيد الذي يميز تحركات التيار الإسلامي وقدرته على جذب مستويات عالية من الحشد والتأييد الشعبي، في مواجهة ضعف وهشاشة التيار الليبرالي الذي يفتقد إلى قاعدة شعبية نتيجة تحالفاته الدائمة مع الحكومات الكويتية المتعاقبة ودعم مواقفها في البرلمان.

 الرهان على اتساع نطاق المعارضة للحكومة بعد الخطاب الأخير
لأمير الكويت، لتشمل قوى سياسية أخرى كانت اقرب لتأييد الحكومة في بعض مواقفها.

ثالثا: الإخوان المسلمون في الكويت ومطلب الإمارة الدستورية

بُعد آخر مهم من أبعاد التصعيد والمواجهة بين التيار الإسلامي والحكومة الكويتية يتعلق بمطلب الإمارة الدستورية الذي تم الحديث عنه بشكل مكثف منذ شهر يوليو الماضي أي بعد حوالي شهر من قرار المحكمة الدستورية الكويتية بحل مجلس 2012.

هذا المطلب تدعمه بشكل أساسي الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) الممثلة لإخوان الكويت، وبعض نواب المعارضة المحسوبين عليها أو المتحالفين معها، وقامت الحركة بمحاولات لدعم هذا المطلب وحشد أكبر تأييد ممكن له، من خلال تشكيل ما سمي بـ "الجبهة الوطنية لحماية الدستور" التي أعلن عن تأسيسها في التاسع من شهر سبتمبر الماضي 2012 بمشاركة عدد من الكتل السياسية المتحالفة مع حركة حدس. ووضعت الجبهة ضمن أهدافها الثمانية الملزمة للمشاركين فيها والراغبين في الانضمام إليها، هدف " استكمال التطور الديمقراطي نحو نظام برلماني كامل" وهو الوجه الآخر لمطلب الإمارة الدستورية.

ولكن ما تواجهه حركة حدس من تحديات في هذا الشأن، يكمن بالأساس في عدم تحول هذا المطلب إلى "مطلب شعبي"، فضلاً عن عدم وجود توافق فيما بين الكتل السياسية بشأنه، حيث ترفضه الكتل السياسية الممثلة للتيار الليبرالي التي لم تشارك في الجبهة الوطنية لحماية الدستور، كما يعد التيار السلفي من أهم التيارات القوية التي ترفضه، حيث يعتبر أن اختيار شخص رئيس الوزراء هو صلاحية مطلقة لأمير البلاد لا يجوز التدخل فيه، وهو ما يبرر رفض التيار السلفي المشاركة في الجبهة الوطنية لحماية الدستور أيضاً.

لذلك، يمكن القول أن هذا المطلب يحمل نوع من المواجهة المؤجلة، لافتقاده التأييد الشعبي والسياسي حتى الآن، ولكن التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية الكويتية قد تدفع جماعة الإخوان إلى التصعيد السياسي حول هذا المطلب، والعمل على تحويله إلى مطلب سياسي وشعبي، باعتباره أحد آليات الضغط والتصعيد في مواجهة التحرك الحكومي نحو تعديل آلية التصويت في الانتخابات البرلمانية.

خاتمة:

في ضوء ما سبق، يمكن القول أن المرحلة الحالية في الكويت، تشهد نوع من "المواجهة المفتوحة" على كل الاحتمالات بين كل من الحكومة والقيادة السياسية من جهة، والمعارضة التي يسيطر عليها التيار الإسلامي من جهة أخرى. هذه المواجهة لها بعدين رئيسيين، أحدهما يعكس المواجهة الحالية ويتعلق بأزمة تعديل آلية التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة، والآخر يحمل نوع من المواجهة المؤجلة يتعلق بمطلب الإمارة الدستورية، الذي تدعمه بشكل أساسي جماعة الإخوان المسلمين في الكويت. وسيكون لهذين البعدين، تداعيات مباشرة على مجمل المشهد السياسي في الكويت، لاسيما بعد أن أصبح الشارع لاعب أساسي في مجمل التفاعلات الدائرة في هذا المشهد

aymaan noor 26-10-2012 10:59 AM

روسيا و«المساومة الكبرى» في سوريا
 
روسيا و«المساومة الكبرى» في سوريا
هاني شادي
كاتب وصحافي مصري مقيم في موسكو
يرجع الموقف الروسي المتحفظ والحذر من الربيع العربي إلى أسباب وأبعاد عدة، منها ما يتعلق بالجيوسياسة في منطقة الشرق الأوسط ومحاولة التنافس مع الولايات المتحدة والغرب، ومنها ما يتعلق بالداخل الروسي وطبيعة النظام السياسي في روسيا. ويتشابك الخارج والداخل في الموقف الروسي من الثورات العربية، في معادلة روسية برغماتية تختلط فيها بقوة المصالح والهواجس. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي دعت روسيا وما زالت إلى بناء عالم متعدد الأقطاب في محاولة للحفاظ على مصالحها بسبب اقتراب حلف الناتو من حدودها، ومرابطة طائرات هذا الحلف في دول البلطيق على مقربة من العاصمة الروسية، والتهديدات التي تراها محتملة على أمنها من جراء الدرع الصاروخية. سارعت القيادة الروسية مع وصول بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 إلى ترتيب أوراقها على الساحة الدولية والشرق الأوسط . فكان أكثر زعيم روسي في عدد زيارته إلى البلدان العربية أثناء ولايته الرئاسية الثانية (2004 ـ 2008 ) حيث زار مصر والجزائر والمغرب والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والأردن وليبيا والأراضي الفلسطينية. وأكمل ميدفيديف هذه الزيارات بزيارة سوريا في العام 2010 إلى جانب بعض الدول العربية الأخرى من بينها مصر والجزائر.
وكان الهدف من وراء هذه الزيارات فتح الطريق أمام الشركات الروسية العاملة في مجال الطاقة ومشاريع البنية الأساسية للعمل في هذه البلدان وبيع الأسلحة الروسية لها. وبالفعل تمكنت القيادة الروسية من زيادة حجم التبادل التجاري مع البلدان العربية من أقل من ملياري دولار في عهد الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين في تسعينيات القرن الماضي إلى حوالي 8 مليارات دولار في 2010. ومع أن المبلغ المذكور لا يعد كبيراً مقارنة بحجم التبادل التجاري لروسيا مع دولة مثل تركيا الذي يتجاوز الأربعين مليار دولار، إلا أن موسكو شعرت بالخطر عندما اندلع الربيع العربي.
في مقاله الذي نشرته صحيفة «موسكوفسكييه نوفوستي» الروسية في عددها الصادر 27 فبراير الماضي تحت عنوان «روسيا والعالم المتغير»، يفصح بوتين بوضوح عن هواجسه من تأثير الربيع العربي على المصالح الاقتصادية الروسية في البلدان العربية. فيقول «إن الشركات الروسية تفقد مواقع عملت من أجلها خلال عشرات السنين في أسواق البلدان التي اجتازت «الربيع العربي» ويتم تجريدها من عقود مربحة كبيرة في هذه الأسواق، مثلما حصل في العراق في وقت سابق، وتحتل هذه المواقع شركات الدول التي كانت لها اليد الطولى في تغيير أنظمة الحكم.. وقد يخطر على بال المرء أن الأحداث المأساوية لا يقف وراءها الحرص على حماية حقوق الإنسان بقدر ما تقف وراءها رغبة أحد ما في إعادة اقتسام الأسواق.. على أي حال فإننا لا يمكن أن ننظر نظرة هادئة إلى هذا، ونعتزم العمل مع السلطات الجديدة في البلدان العربية على استعادة مواقعنا الاقتصادية في وقت سريع». إلى هنا ينتهي الاقتباس من مقال بوتين الذي يعكس بوضوح أن الموقف الروسي من الثورات العربية يتعلق في ما يتعلق بأسواق فقدتها أو قد تفقدها روسيا بسبب هذه الثورات، وأنها تسعى حالياً للبحث عن طرق لاستعادة هذه الأسواق، بما في ذلك التعامل مع الحركات الإسلامية الصاعدة في المنطقة والتي عبر بوتين مراراً وتكراراً عن خشيته منها على شمال القوقاز. وربما يفسر هذا جزئياً تشدد روسيا تجاه الثورة السورية، فالأمر يبدو وكأنه يتعلق بحصول موسكو على ضمانات كافية للبقاء في السوق السورية وغيرها من البلدان العربية.
في هذا السياق دأبت روسيا على تعداد خسائرها بسبب الربيع العربي عبر وسائل إعلامها. ففي مقال نُشر في صحيفة «نيزافيسمايا» الروسية ذائعة الصيت يكتب ايغور ناؤموف «إن تغيير وخلع الانظمة الحاكمة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يحمل ضرراً كبيراً للاقتصاد الروسي.. ومن ثم ستتحمل ميزانية الدولة الروسية خسائر بمليارات الدولارات». ويفسر كاتب المقال موقف موسكو من الأزمة السورية بحجم استثمارات الشركات الروسية في الاقتصاد السوري التي يقدرها بـ20 مليار دولار في مشاريع البنية الأساسية والطاقة والسياحة. ويضيف إلى هذه الخسائر بعض العقود العسكرية المحتملة التي تم بحثها مع النظام السوري بمبلغ 4 مليارات دولار، بجانب شطب روسيا لأربعة مليارات دولار أخرى من ديون سوريا كانت مستحقة للاتحاد السوفياتي. ويختتم الكاتب الروسي مقاله هذا بالتحذير من أن ما حصل مع روسيا في العراق في 2003 وخسرت موسكو بموجبه أكثر من 30 مليار دولار (حسب تقديراته) يتكرر اليوم معها في ليبيا وسوريا وبعض البلدان العربية الأخرى بسبب الثورات العربية. ويضيف بعض المراقبين الروس، إلى أسباب تشدد روسيا في موقفها من الثورة السورية، وجود قاعدة عسكرية بحرية روسية في طرطوس. ولكن هذه «القاعدة» في حقيقة الأمر هي مجرد مركز لصيانة السفن وتزويد الأسطول العسكري الروسي بالوقود عند مروره عبر البحر المتوسط. وفي السنوات الماضية كثر الحديث عن تحويل هذا المركز إلى قاعدة عسكرية فعلية للأسطول العسكري البحري الروسي، ولكن لم تُتخذ خطوات عملية في هذا الموضوع حتى يومنا الحاضر.
ويمكن القول ومن دون مبالغات كبيرة إن الربيع العربي أثر بدرجة ما على الداخل الروسي . ففي آذار/ مارس 2011 أوضح استطلاع للرأي أن 49 % من الروس الذين شاركوا في الاستطلاع عبروا عن استعدادهم للخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد السلطات الرسمية بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية في روسيا. وبالفعل بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي والتي شابها التزوير، انطلقت احتجاجات شعبية لم يسبق لها مثيل في موسكو ومدن روسية أخرى منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. وطالبت هذه الاحتجاجات بإجراء انتخابات نزيهة وتنحي بوتين عن السلطة وعدم عودته إلى الكرملين. ولكنه عاد إلى عرش الكرملين مرة أخرى عبر انتخابات رئاسية في الرابع من آذار/ مارس الماضي، تقول عنها المعارضة الشعبية إنها كانت مزورة أيضاً. وبالرغم من تراجع حدة الاحتجاجات الشعبية، إلا أن مخاوف موسكو من تأثير الربيع العربي عليها ما زال قائماً.
إن طبيعة النظام السياسي الذي تشكل في روسيا مع صعود فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 تعتبر، في رأينا، عاملاً هاماً في تفسير الموقف الروسي المتحفظ من الربيع العربي. فهذا النظام يعتمد ما يسمى «الديموقراطية الموجهة» التي تسمح بتداول السلطة العليا في البلاد داخل النخبة الحاكمة الضيقة. ومثال اختيار بوتين لميدفيديف ليخلفه في رئاسة روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 لدليل واضح على ذلك. كما أن عودة بوتين من جديد للكرملين تعكس بوضوح هذا الأمر الذي بدأ الكثير من الروس يشعرون بالتململ منه.
بجانب ذلك يخشى الكرملين أن يؤثر صعود الاسلاميين في بلدان الربيع العربي على منطقة القوقاز الروسي وعلى المسلمين الروس عموما الذين تقدر أعدادهم اليوم بأكثر من 20 مليون مسلم. ويسود اعتقاد لدى الكرملين بأن الصعود الاسلامي في البلدان العربية قد يُنعش النزعة الانفصالية في القوقاز الروسي من جديد حيث حذر بوتين مراراً من هذا الأمر منذ بداية الربيع العربي. إن الخوف من انتقال «عدوى» الربيع العربي إلى روسيا عامة أو إلى القوقاز خاصة دفعت ببعض المحللين الروس للحديث عن «تحالف أميركي ـ إسلامي سني» ضد روسيا، وهو ما يلقى رواجاً في بعض الدوائر الرسمية والإعلامية الروسية.
بعد عودته إلى الكرملين من جديد لولاية رئاسية ثالثة، لمدة ست سنوات قادمة قد تطول حتى عام 2024 يتردد السؤال: هل سيتخلى بوتين عن بشار الأسد ونظامه؟ يقول بوتين في مقاله المنشور بتاريخ 27/2/2012 «لا يجوز لأحد أن يحاول تنفيذ السيناريو الليبي في سوريا.. ويجب أن يبذل المجتمع الدولي جهوده في سبيل تحقيق المصالحة بين السوريين». وكانت موسكو قد سارعت إلى دعم خطة كوفي أنان ذات النقاط الست، وشاركت بفاعلية في اجتماع مجموعة العمل المتعلقة بسوريا في جنيف في الثلاثين من يونيو الماضي. ورداً على تفسير وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لمقررات لقاء جنيف بشأن ضرورة تنحي الأسد، يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «عندما يقول المسؤولون الغربيون انه لا يمكن فعل اي شيء في ما يخص الحوار السياسي ما دام الرئيس بشار الأسد في السلطة، فهذا يعني دعوة للراديكاليين في المعارضة السورية الى مواصلة العمل المسلح ومواصلة استفزاز النظام ليرد بالسلاح». ويعلن لافروف من دون مواربة أن موسكو لن تؤيد اتخاذ إجراءات ضد النظام السوري في مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع. ولكن هذا لا يمنع لافروف نفسه (في إطار البرغماتية) من التصريح أكثر من مرة بأن بلاده لا تدافع عن بشار الأسد أو تتمسك به وإنما تدافع عن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي يحفظ سيادة الدول.
إن روسيا تدرك جيداً العجز الحالي للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى عن القيام بعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد، ولذلك نعتقد أنها ستواصل سياستها البرغماتية في انتظار إجراء «مساومة كبرى» مع الغرب تحافظ من خلالها على مصالحها الحالية والمحتملة في أي ترتيبات جديدة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط في إطار ما تدعو إليه مع الصين من ضرورة بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب بغض النظر عن سقوط آلاف الضحايا.

محمد محمود بدر 26-10-2012 12:38 PM

رحم الله سوريا واعانها على الظالم بشار

darch_99 26-10-2012 03:21 PM

شكرا
 
السيد / ايمن نور جزاك الله خيرا مقال معبر عن الواقع ورائع حقا وخلاصة هذا المقال الرائع
1- روسيا تتخوف من قرب ووجود ونفوذ السياسة الامريكية والعسكرية في هذة المنطقة
2- التأثير الاقتصادي السلبي علي روسيا وخسائرها بسبب الربيع العربي

من هذين المنطلقين يمكن بكل بساطة انهاء هذة المجازر في سوريا في اقرب مما نتخيل عبر
تمئنة روسيا بشكل حقيقي ان دول الربيع العربي لن تكون منطلقا للنفوذ الغربي والامريكي

2- تمئنه روسيا من دول الربيع العربي وخاصة سوريا الان بأنه في حال انتهاء حكم بشار لن تتاثر المصالح الروسية بل يمكن ان تزيد المصالح الاقتصادية معها وبشكل افضل في حقبة ما بعد بشار

وارجو ان تصل هذه الكلمات القليله الي صانع القرار في الجيش السوري الحر ومؤسساته السياسية لان هذة الكلمات قد تكون مربص الفرص والبداية الحقيقة للتخلص من هذا النظام الجزار الذي يشكل راسه بشار فقطع هذة الرأس بوعي هذة الكلمات جيدا ثم الدخول في مفاوضات الطمانه لروسيا وبال وعقد الصفقات بسرية تامة والتي أقلها عدم دعم نظام بشار والتخلي عنه وهم اي الجيش الحر كفيلون بالباقي وهذة الصفقة تتضمن الضغط علي نظام الملالي في ايران بالتخلي ايضا عن هذا ىالجزار وتركه يواجه مصيره
كل ذلك مقابل ان الابقاء علي المصالح الروسية ودعم تنميتها مستقبلا بعد رحيل الجزار بشار

وجزاك الله خيرا اخي ايمن


aymaan noor 27-10-2012 12:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محمود بدر (المشاركة 4933609)
رحم الله سوريا واعانها على الظالم بشار

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4933806)
السيد / ايمن نور جزاك الله خيرا مقال معبر عن الواقع ورائع حقا وخلاصة هذا المقال الرائع
1- روسيا تتخوف من قرب ووجود ونفوذ السياسة الامريكية والعسكرية في هذة المنطقة
2- التأثير الاقتصادي السلبي علي روسيا وخسائرها بسبب الربيع العربي

من هذين المنطلقين يمكن بكل بساطة انهاء هذة المجازر في سوريا في اقرب مما نتخيل عبر
تمئنة روسيا بشكل حقيقي ان دول الربيع العربي لن تكون منطلقا للنفوذ الغربي والامريكي

2- تمئنه روسيا من دول الربيع العربي وخاصة سوريا الان بأنه في حال انتهاء حكم بشار لن تتاثر المصالح الروسية بل يمكن ان تزيد المصالح الاقتصادية معها وبشكل افضل في حقبة ما بعد بشار

وارجو ان تصل هذه الكلمات القليله الي صانع القرار في الجيش السوري الحر ومؤسساته السياسية لان هذة الكلمات قد تكون مربص الفرص والبداية الحقيقة للتخلص من هذا النظام الجزار الذي يشكل راسه بشار فقطع هذة الرأس بوعي هذة الكلمات جيدا ثم الدخول في مفاوضات الطمانه لروسيا وبال وعقد الصفقات بسرية تامة والتي أقلها عدم دعم نظام بشار والتخلي عنه وهم اي الجيش الحر كفيلون بالباقي وهذة الصفقة تتضمن الضغط علي نظام الملالي في ايران بالتخلي ايضا عن هذا ىالجزار وتركه يواجه مصيره
كل ذلك مقابل ان الابقاء علي المصالح الروسية ودعم تنميتها مستقبلا بعد رحيل الجزار بشار

وجزاك الله خيرا اخي ايمن


جزاكم الله خيرا و بارك الله فيكم

aymaan noor 28-10-2012 11:54 PM

رؤية أوباما ورومني لقضايا الشرق الأوسط
 
رؤية أوباما ورومني لقضايا الشرق الأوسط
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...3c93d358_L.jpg
ستيف كليمونز
تعددت الكتابات والدراسات التي تستشرف آفاق السياسات التي قد تنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتزايد الاهتمام في ظل تأثير التطورات والتغيرات التي تشهدها المنطقة على المصالح الأمريكية.

ومن تلك الدراسات الاستشرافية المهمة دراسة "ستيف كليمونز" التي أصدرها معهد "تشاتام هاوس" في أكتوبر الجاري تحت عنوان "السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بعد انتخابات 2012". وتركّز دراسة كليمونز (وهو صحفي بقسم الشئون الخارجية بمجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، وأحد مؤسسي الفريق الخاص بالشرق الأوسط في مؤسسة "أمريكا الجديدة" البحثية الأمريكية المتخصصة في التحليلات السياسية الداخلية) على التحدي الذي سيشكله الشرق الأوسط لصناع القرار الأمريكيين في الإدارة الأمريكية الجديدة، وعلى الطريقة التي سيتعامل بها الرئيس المقبل مع قضايا المنطقة التي ستتقدم أجندة السياسة الخارجية للإدارة خلال السنوات الأربع القادمة.

فترة أوباما الثانية

يستهلُّ الباحثُ دراسته بالإشارة إلى أنه عندما تولى باراك أوباما منصبه الرئاسي في يناير 2009؛ كانت الولايات المتحدة بالفعل في حالة حرب مدتها ثماني سنوات في الشرق الأوسط. فقد كان مستوى التواجد العسكري الأمريكي كبيرًا في العراق وأفغانستان؛ حيث تحركت القوات الأمريكية لتضييق الخناق على عناصر تنظيم القاعدة.

وعلى الرغم من أن الخُطَب التي ألقاها أوباما عند توليه رئاسة الولايات المتحدة حظيت بثناء العالم، ولا سيما العالم العربي؛ رأى البعض فيما بعد أن الرئيس الأمريكي فشل في جعل تطلعاته ملموسة النتائج. ورغم ما تحظى به القضية الفلسطينية - الإسرائيلية من أهمية؛ لم تتحرك إدارة أوباما تحركًا حقيقيًّا نحو مسار السلام، كما أنه لم يكن ثمة تقدم أمريكي ملحوظ في ردع إيران عن تطوير برنامجها النووي، حسبما يرى الباحث.

ويُذكر أن أوباما رفض التدخل العسكري في البلدان العربية الأخرى المضطربة على غرار الحالة الليبية، فهو -على حد اعتقاد الكاتب- مقتنع تمامًا في قرارة نفسه بأن وضع كل بلد يختلف عن الآخر، وأن لكل أزمة حلا خاصًّا بها.

ويرجّح كليمونز أن تفتقر فترة ولاية أوباما الثانية إلى التماسك والرؤية الاستراتيجية التي تحدَّث عنها عند توليه منصبه. ورغم عدم وضوح نوايا أوباما بشأن التعامل مع القضية الإسرائيلية – الفلسطينية؛ فإن الباحث لا يستبعد أن يسعى الرئيس الأمريكي -حال فوزه في الانتخابات- إلى تشجيع الإسرائيليين والفلسطينيين على الجلوس على طاولة المفاوضات.

ويتوقع أن يتعامل أوباما بحذر مع الصراع السوري وحالة الإخفاق والاضطرابات التي تمر بها اليمن، ومصر، وتونس. كما يُرجِّح أن تعمل الولايات المتحدة في عهد أوباما على زيادة عدد الشركاء الدوليين الحريصين على تهدئة اضطرابات الشرق الأوسط، وأن تقلِّص جهودها المبذولة لكسب القلوب والعقول في المنطقة لحين استعادة الدول المتداعية توازنها.

ويرى الباحثُ أن م*** السفير الأمريكي "كريستوفر ستيفنز" في ليبيا، وأحداث الشغب التي شهدتها البلدان ذات الأغلبية المسلمة من جرّاء ظهور فيلم مسيء للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ ستجعل أوباما يخطو بعناية شديدة في منطقة الشرق الأوسط. ويتوقع أن تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مع مصر والأردن ولبنان واليمن وبلدان أخرى في المنطقة لمساعدتهم في تعزيز اقتصاداتهم، ومحاولة توفير فرص عمل من خلال زيادة الاستثمارات.

ومن المرجح أن يهتم أوباما في فترة رئاسته الثانية بالملف الإيراني، نظرًا لأن برنامج طهران النووي يهدد بتقويض مساعي الرئيس الأمريكي الرامية إلى مقاومة انتشار أسلحة الدمار الشامل، على حد قول كليمونز الذي يلفت إلى أن الولايات المتحدة ستحرص في عهد أوباما على توطيد علاقتها مع المملكة العربية السعودية التي تقف ندًّا للجمهورية الإسلامية.

ولا يستبعد الباحثُ أن تتواصل إدارة أوباما مع قادة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حركة الإسلام السياسي المتنامية؛ فمن المرجح أن يحرص الرئيس الأمريكي على توطيد علاقته بالرئيس المصري محمد مرسي لتشجيعه على الانخراط في النظام الدولي.

وأخيرًا، يتوقع الباحث أن يُولي أوباما في فترة ولايته الثانية اهتمامًا أكبر بآسيا باعتبارها محركًا استثنائيًّا للنمو؛ فاقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ تمثّل نحو نصف تجارة العالم ونصف إنتاج العالم من السلع والبضائع والخدمات.

رئاسة رومني والتغير في السياسات الأمريكية

يشير الباحث إلى أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية "ميت رومني" ينتمي لحزب يتبنى التحالفات الطويلة، والاستثمارات القوية في الجيش، وتحديد أولويات الأمن القومي. وعلى حد وصف كليمونز، يتخذ رومني موقفًا أكثر تشددًا ضد الأعداء والمنافسين.

ويُذكر أن المرشح الجمهوري تحدث مرارًا وتكرارًا عن أن أمن إسرائيل وتعزيز مصالحها في الشرق الأوسط سيكون بمثابة انطلاقة لاستراتيجيته المتعلقة بالأمن القومي في المنطقة، فضلا عن كشفه عن ميله الشديد نحو تفضيل المصالح الإسرائيلية على تلك العربية. وعلى هذا الأساس، يمكن أن تختلف الاستراتيجية الإقليمية في عهد رومني عن تلك الخاصة بالرؤساء السابقين.

وقد قال المرشح الجمهوري في وقت سابق من هذا العام إنه لا يرى فرصة حقيقية لدفع عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين إلى الأمام، ومن شأن هذا النهج -من وجهة نظر الباحث- أن يغيّر طريقة التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن المرشح الجمهوري سيعتبر إيران النووية عدوًّا للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وستكون تلك المسألة محور اهتمامه وفقًا للدراسة.

وعلى الرغم من أن ملامح السياسة الخارجية التي سيشكّلها رومني ما زالت مجهولة إلى حد ما؛ فإن كليمونز يتوقع أن يكون رومني مؤمنًا في قرارة نفسه بأن اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط سينخفض انخفاضًا حادًّا في الوقت الذي تحدث فيه طفرة في الإنتاج الأمريكي. ومن شأن هذا التحول الذي سيجعل من الولايات المتحدة "قوة عظمى محتملة للطاقة العالمية" بدلا من كونها مستوردًا صافيًا للنفط والغاز أن يقلل من شأن المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط، على حد اعتقاد كليمونز.

ويبدو أن رومني سيفضل وضع استراتيجية تحفظ أمن إسرائيل، وتوطّد العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، كما أن من المحتمل أن يعمل المرشح الجمهوري على بناء قيادة عسكرية واقتصادية لإسرائيل تمكِّنها من مواجهة منافسيها في الشرق الأوسط، فضلا عن إمكانية تخليه عن فكرة إقامة دولة فلسطينية. هذا وقد يتخذ رومني -على حد قول الباحث- موقفًا صارمًا ضد إيران، ويواصل فرض عقوبات قاسية عليها.

ولا يستبعد الباحث أن يحافظ رومني في فترة رئاسته على الاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار، والقدرات العسكرية الأخرى التي من شأنها ردع الإرهاب وشبكات تنظيم القاعدة.

تأثير سياسات الإدارة الجديدة على المنطقة

يرى الباحث أن المجتمع الدولي قد يضطر إلى إعادة تقويم التحالفات والعلاقات الأمريكية في عهد رومني، لا سيما أنه يُضخّم من حجم التهديدات مثل تلك التي تشكّلها إيران، ويدافع عن حلفاء مثل إسرائيل. وقد تتحرك مشاعر معادية ضد الولايات المتحدة في عهد أوباما إذا خفّض الالتزامات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، وصبّ كل تركيزه على النمو الآسيوي.

ومن المرجح أن يثير دعم رومني لإسرائيل عسكريًّا حفيظةَ الدول المجاورة مثل مصر والأردن، الملتزمتيْن بمعاهدة السلام مع إسرائيل، حسبما يرى الباحث الذي يلفت أيضًا إلى أن هذا الدعم من شأنه أن يثير سخط الأحزاب السياسية الإسلامية.

ويعجز كليمونز عن توقُّع رد فعل رومني في هذه الحالة، لا سيما إذا ساهمت الاضطرابات في تجنيد الإرهابيين، وتعزيز أنشطتهم. بيد أنه لا يستبعد أن يدعو المرشح الجمهوري إلى تعزيز الإنفاق على الميزانية الدفاعية الأمريكية، وإلى استخدام القوة لمحاربة الإرهابيين، والدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

ومن المرجح أيضًا أن تكون الولايات المتحدة أقل انخراطًا في الشرق الأوسط في عهد أوباما. أما في عهد رومني، فستتخذ الولايات المتحدة على الأرجح موقفًا أكثر حزمًا ضد المنطقة، وفقًا لما يراه الباحث.

وقد تضعف الشراكة بين بلدان الشرق الأوسط والولايات المتحدة إذا ما خفّضت اعتمادها على نفط وغاز المنطقة. وفي الوقت نفسه، قد تقرر الصين وروسيا تعزيز دوريهما الإقليميين لتحِلّان محل الولايات المتحدة لدى دول المنطقة. ومن ثم يرى كليمونز أن الشرق الأوسط سيجد إما معاملة ليّنة وتعاونا في عهد أوباما، أو معاملة جافة وعدوانية في عهد رومني.

aymaan noor 29-10-2012 07:47 PM

نظرة داخل البيت السلفي
 
نظرة داخل البيت السلفي
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/salfi.jpg
Oct 28 2012
إسلام محمد عبد البارى
معلوم أن المحن تٌوحد ضد الخطر المشترك أما وقت الرخاء فيظهر فيه الخلاف بين المصالح أو الأيدلوجيات أو الأولويات وحتى على مستوى التيار الواحد أو الأحزاب الكبرى التي تتأسس في ظروف استثنائية عقب الثورات أو الاحتلال تجد الاجتماع بسبب الظرف الاستثنائي ومع مرور الوقت يحدث انفصال بين الأجنحة المختلفة التي سرعان ما تنفك عن أحزاب أصغر كما حدث مع الوفد في أواخر العشرينيات من القرن الماضي حين انفصل عنه حزبا الهيئة السعدية والأحرار الدستوريون.

لذا لا يعد ما يحدث داخل حزب النور من معركة ساخنة بين جبهتين تكاد أن تشطره نصفين مفاجأة حيث يعبر عن تطور طبيعي في الحركة السياسية السلفية وانعكاس لحركة اجتماعية متباينة ولكن ربما يقابله البعض باستغراب نتيجة لوقوعه فريسة لإطار التنميط stereotyping حيث يتحدث من خلاله صورته الذهنية عن السلفيين والتي يغلب عليها التسطيح بغض النظر عن مدى دقة هذه الصورة وارتباطها بالواقع فهم مجرد ألآت لا تفكر وتأتمر فقط بأوامر المشايخ أو هم ناس يمثلون الطهر السياسي لا يمكن أن تصدر منهم مخالفات أو يحدث بينهم شجار سواء كانت هذه النظرة بصدق أو لكي يستغل ذلك في الدعاية المضادة وتصويرهم في صورة أنهم من خدعوا الناس بالدين رغم أن السلفيين ليسوا بدعاً من القوم بل يسري عليهم ما يسري على غيرهم في الحياة السياسية.

يعاني المحللون السياسيون غالباً أثناء البحث في الشأن السلفي نتيجة نقص المعلومات عن التيار السلفي ككل بخلاف نظيرتها جماعة الأخوان المسلمين التي صنفت العديد من المؤلفات عن تاريخها وأدبياتها سواء بأيدي أبنائها أو من يعارضوها وحتى الجماعات الجهادية التي حظيت بقدر لا بأس به من التغطية الإعلامية نتيجة لنشاطها ضد الحكومات السياسية المختلفة.

لذا يقع هؤلاء الخبراء إما في خطأ دراسة الجماعة في قوالب جاهزة خاصة بدراسة الإخوان أو المجموعات الجهادية و بالتالي لا تناسب السلفيين. لن نفهم أبعاد الأزمة قبل النظر لظروف نشأة التيار السلفي في مصر وحركتهم السياسية قبل الثورة .

ترجع نشأة التيار السلفي في مصر إلى عهد بعيد حيث واكب ظهور الحركة الوهابية في الجزيرة حركة سلفية في مصر وظهرت أسماء سلفية كبيرة في هذا الوقت كرشيد رضا ومحب الدين الخطيب بل إن ظروف نشأة الإخوان تدل أنها نشأت كجماعة وسط بين تيار سلفي ممثل في جماعة أنصار السنة وبين الجماعات الصوفية التي كانت تسيطر على جزء كبير من المشهد الديني في مصر وقتها.

هذا التيار السلفي منذ تواجده على الساحة قد نشأ كتيار قام على فكرة تعظيم الدليل ولا يوجد إمام أو قائد تُتبنى أقواله في جميع المسائل إلا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يعبر عنه في أدبياتهم بالقول المأثور"كل يُؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم " فلا قدسية للأشخاص ولا يوجد من تٌلغي قرارك لقراره مما أوجد مشكلة في مسألة الالتزام الحزبي بخلاف جماعة منظمة مثل الإخوان ينبني أمرهم على مسألة الطاعة والبيعة.

هذه صورة مقبولة جدا في الدين ولكن في السياسة فنجاح أي تيار في السياسة مهما كان صغر حجمه يتوقف على مدى نجاحه في تحقيق هذا الالتزام الحزبي وأن يتحول لكتلة ضاغطة مؤثرة حيث أن تحركه ككيان واحد يجعل الجميع يحسب له حساباً ويستطيع أن يدافع عن مصالحه وفكره.

وكل هذا يتطلب من الفرد طبعاً تعظيم قيمة الجندية والالتزام بالقرار الجماعي على حساب القرار الفردي وبالطبع لا يعني ذلك إلغاء الأفراد ولكن لأن القرار يتم بعد مشاورات وتأن فإن مسؤوليته جماعية ويتم الدفاع عنه بمجرد اتخاذه من قبل جميع أفراد الكتلة حتى الذين عارضوه وهو ما افتقده غالباً التيار السلفي.

فقد اختلف التيار السلفي في توجهاته السياسية بين من يرى الحكام هم ولاة أمر شرعيين تجب طاعتهم ولا يجوز الخروج عليهم ومن يرى عقم المشاركة السياسية من الأساس لأن الأنبياء إنما بٌعثوا ليؤسسوا دعوة لا دولة وأن الجماعات والأحزاب هي سبب تفرق الأمة ومن تبنى العمل الجماعي كسبيل للتمكين ومن يسمى بالسلفية الجهادية بالإضافة لدعاة الفضائيات الذين يشتركون في المنهج ولا ينتمون تنظيمياً لأي فريق مما سبق مما أوجد فرقاً في ديناميكية العمل الجماعي والتنظيم والهيكلة بل حتى المحاولات التي قام بها البعض قديماً لتوحيدهم اصطدمت بعقبتين وهما الضغوط الأمنية ورفض الكثير الانضواء تحت راية عمل جماعي موحد بدعوى عدم الحزبية.

الجزء السلفي الذي تبنى العمل الجماعي أسس ما يسمى المدرسة السلفية في بداية السبعينات التي تحولت فيما بعد لاسم الدعوة السلفية والتي نشأت في الإسكندرية قبل أن تنتشر في باقي أرجاء مصر. الدعوة السلفية رغم تبنيها خيار المقاطعة السياسية إبان فترة النظام السابق لقناعتها بأن ما يحدث إنما هو محض تمثيلية لتجميل وجه النظام وأن سبيل التغيير هو إصلاح المجتمع من قاعدته فاهتموا بالعمل الدعوي والاجتماعي على حساب العمل السياسي واختاروا التوسع الأفقي وسط الجماهير وهو ما ظهر من انتشار متبعي مبادئهم في مختلف الأنحاء

لذا لم يظهر لهم نشاط في الانتخابات قبل الثورة حتى خلط البعض بينهم وبين من يحرمون السياسة ويرون عدم الخروج على الحكام إلا أنهم اعتادوا ممارسة السياسة عن طريق مقالات ومؤتمرات يوضحون فيها وجهة نظرهم في مختلف القضايا كقضية تحكيم الشرع ومؤتمرات السكان وحرب العراق ولبنان وغزة وغيرها.

لذا كانت المعاملة الأمنية للدعوة تتجه نحو التعرض للملاحقة الأمنية المستمرة والتضييق في مجالات العمل الدعوي بعيداً عن الإعلام للتحجيم داخل الإسكندرية ووضع سقف للعمل محدد من قبل جهات الأمن مع بخلاف الأخوان التي كانت مواجهتهم الأمنية موسمية ترتبط بالانتخابات. مع حدوث الثورة اختارت الدعوة عدم المشاركة ككيان في أحداث 25 يناير حماية للثورة من الإبادة إذا ظهرت بصورة دينية مع مشاركة الأفراد بصورة فردية واكتفت بأداء الدور تجيده من خلال حماية الجبهة الداخلية عبر اللجان الشعبية والأسواق.

بعد الثورة انصبت جهود الدعوة في اتجاهين الأول: هو إعادة ترتيب البيت من الداخل حيث تم تشكيل الجماعة بطريقة مؤسسية لها مجلس إدارة ومجلس أمناء وآخر للشورى ووضع لائحة للعمل ونظام لترقي الكوادر مع إشهار ذلك في العلن وتحولت الدعوة لجمعية خيرية مشهرة تحت اسم جمعية الدعاة بعد تعنت وزارة التضامن في إشهارها باسم الدعوة السلفية وكان ذلك الإشهار تحسباً لوجود دولة القانون عما قريب حيث يتم التضييق على أي عمل خارج عن مظلة القانون. الثاني: هو إحداث حالة من التقارب مع السلفيين الآخرين الذين لا ينتمون للدعوة مع الاحتفاظ بالدعوة السلفية كمركز للعمل السلفي دون الاندماج في كيانات أخرى.

على الجانب السياسي ونتيجة لحالة السيولة السياسية عقب الثورة ومع ظهور خطاب علماني قوي داخل وسائل الإعلام وظهور تخوفات على هوية البلد الإسلامية في ظل تصريحات مقلقة للسلفيين عن تغيير المادة الثانية من قبل مسؤولين رسميين مثل د.يحيي الجمل وبلوغ الاستقطاب داخل المجتمع أقصى حالاته لاسيما فترة الاستفتاء على التعديلات الدستورية ظهرت إشكالية هل يتم تشكيل حزب للسلفيين أم يتم الاكتفاء بأن يكون السلفيون لوبي ضاغط داخل المجتمع وحدث نوع من استطلاع الرأي على مختلف المستويات لاتخاذ هذا القرار.

استقر الأمر على تشكيل الحزب بسبب عدم الثقة في قدرة الأخوان على تمثيل وجهة النظر السلفية نظراً للخلافات الفكرية بينهما وأيضاً عدم رغبة السلفيين في اختزال المشروع الإسلامي في فصيل واحد لو تم ضربه انهار المشروع بالكلية أضف إلى ذلك تحولهم إلى عامل ضغط على الأخوان لعدم تقديم تنازلات في قضية الهوية أمام ضغوط العلمانيين مع وضع في الاعتبار أنه مازالت نظرة السلفيين للأمر أن الأصل هي الدعوة وهي طريق التغيير والتمكين وليس السياسة وبالتالي لا يمكن إلغاء الدعوة لصالح الحزب بل الحزب مجرد درع واقٍ لحماية الدعوة وإضفاء صبغة أكثر إسلامية على المجتمع من خلال التشريعات. رغم أن عبء إنشاء الحزب وقع بالكلية على الدعوة وكوادرها إلا أن الفترة الأولى من تشكيل الحزب شهدت صيغة أن حزب النور إنما هو حزب مقرب من الدعوة وليس ذراعاً سياسياً لها حسب تصريحات قياديين مثل المتحدث الرسمي للدعوة وبالتالي ضم الكثير من السلفيين ممن لا ينتمون للدعوة حتى في الهيئة العليا.

ظهر أول صدام بين الطرف المحسوب على الدعوة والطرف المضاد لها داخل الحزب على خلفية التصريحات التي تخرج من الحزب ويتم انتقادها علانية من الدعوة مثل تصريحات د.محمد يسري سلامة حينما كان يشغل منصب المتحدث الرسمي عن أدب نجيب محفوظ وعلى الجانب الآخر تصريحات الدعوة في قضايا تثير جدلاً مثل تغطية التماثيل بالشمع ويرى أفراد الحزب أنهم يتحملوا عبء الدفاع عنها بدون داعٍ وأن الأفضل لمشايخ الدعوة أن يلتزموا الصمت فيها خاصة أن مواقف الدعوة السياسية المعلنة كانت في غالبيتها تنطلق من منطق الفتوى والحلال والحرام وليس من منطق العمل السياسي وما يتطلبه من موائمات ومرونة واختيارات بين تفضيلات متعددة في حين ترى الدعوة أنها لابد لها من الجهر برأيها في كل قضية لأنهم دعاة بالأساس يبينون للناس ما يرونه حقاً وبالتالي غاية ما يمكن حدوثه لعدم حدوث تعارض أن يبين حزب النور الحكم الشرعي كاملاً ثم يبين أن لا يستطيع تطبيقه في الوقت الحالي لمحاذير معينة خصوصاً وأن الجميع متفق على أن التنازل لا يمكن إلا من خلال فتوى شرعية.

عندما خشيت الدعوة من انفلات التوجهات داخل الحزب أرادت ضبط الأمور داخل الحزب وهو ما عده الطرف الآخر محاولة الهيمنة على الحزب وإن كان ذلك عبارة عن تحصيل حاصل حيث أنه رغم آلية القرار منفصلة في الحزب عن الدعوة إلا أن غالبية أعضاء الحزب هم أبناء الدعوة وبالتالي هم المتحكمون في مفاصله لذا تسيطر رؤية الدعوة على الحزب.

الاتهام بمحاولة السيطرة على الحزب تهمة اختص بها الشيخ ياسر برهامي والدائرة المقربة حوله دوناً عن باقي مشايخ الدعوة وهي تهمة قديمة يتهمه بها دائماً خصومه من السلفيين بأنه المسيطر أيضاً على الدعوة وهي تهمة بالأساس راجعة للسمات الشخصية للشيخ وطبيعة دروسه التي دائماً ما تتناول القضايا الفكرية والأشخاص والجماعات المناوئة للفكر السلفي بالنقد مما أكسبه عداوات عديدة على أصعدة مختلفة أضف إلى ذلك قربه من الشباب نتيجة لأنه في الفترة منذ عام 1994 يتحمل معظم العبء الإداري لإدارة أنشطة الدعوة السلفية في مصر كلها بحيث أن جميع المجموعات التي تقوم بالأعمال ترتبط به شخصياً مما أوجد بطانة كبيرة متعصبة له.

لاشك أن العمل في الدعوة يقوم بشكل مؤسسي إلا إن الواقع يؤكد أن شبكة علاقات الشيخ ياسر الممتدة مع العاملين والقوى الأخرى دون عن باقي أعضاء مجلس إدارة الدعوة أدى لوجود تأثير كبير له على معطيات أي قرار يتم اتخاذه في الدعوة مما أكسبه سمعة بأنه الرجل القوي داخل الدعوة ومن يتحكم بالأمور خلف الستار داخل الحزب وهو وصف يفتقد الدقة وبشدة.

نفس هذه التهمة –سيطرة الشيخ ياسر- كانت لها آثار على قضية أخرى سببت مشكلة كبيرة لحزب النور ألا وهي موقف الدعوة والحزب من تأييد المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل حيث سيطر هاجس لدى الكثير –ربما روج له أيضا بعض مناصري الشيخ حازم – أن الخلاف شخصي بينه وبين الشيخ ياسر لرفضه الانصياع لسيطرة الشيخ ياسر أثناء أحداث محمد محمود الشهيرة مما فتح أضعف كثيراً موقف الحزب وفقد الكثير من مؤيديه وكان هذا أيضاً سبباً لزيادة الشقاق بين طرفي الأزمة داخل الحزب ولا يعني هذا أن الدعوة لم تكن ترغب في ترشيح الشيخ حازم إلا أن القرار النهائي لم يكن في يد مجلس الإدارة بل ما تسفر عنه نتيجة التصويت في مجلس شورى الدعوة.

هذه الأزمة بالذات أظهرت خطأ ما يتحدث البعض عنه من أن الأزمة بوصفها صراع بين السياسيين و المشايخ داخل الحركة السلفية وهو وصف تعوزه الدقة والعمق في تشخيص طرفي الخلاف وأسبابه وسياقاته حيث كانت خيارات المشايخ سياسية بحتة حيث رأوا أن الشيخ حازم ليس هو الخيار الأنسب سياسياً فيما كانت خيارات الجمهور تميل للمرشح الذي يجيد خطابهم دينياً فقط.

ولأن جمهور حزب النور الذي لا يقتصر على سلفي الإسكندرية فقط يختلف عن جمهور الدعوة السلفية من ناحية ارتباطه بالمشايخ فهم لا يحملون لهم نفس القدر من التبجيل لذا حاز مشايخ الدعوة على قدر عالي من السخط بسبب اعتقاد مؤيدي التيار الإصلاحي أنهم وإن كانوا فقهاء إلا أن تقديراتهم السياسية سيئة وأيد ذلك تحفظ هذا الجمهور على موقف المشايخ السياسي من الثورة منذ البداية.

لعل فقدان الثقة في القيادة هو أسوأ ما يصيب الجماعات تكوينية الاختيار هي التي تكون فيها الرابطة التي تجمع الأفراد بالقادة هي مسألة الثقة بالقيادة ولأن الجماعات الدعوية هي من هذا القبيل حيث تكون الثقة هنا هي في التزام القائد بمبادئه وهذا ما افتقده قطاع كبير من جمهور النور الذي فقد الثقة في قيادته.

رغم أن خيارات المشايخ كانت هي الأوفق سياسياً إلا إن الحزب دفع ثمنها من شعبيته وتجلت أزمة السلفيين في الرئاسة في عدم قدرة القيادة على إقناع الأتباع بالمرشح في ظل حالة من تشتت التيار السلفي في مصر بعد أزمة أبو إسماعيل مما أدى لعزوف الكثيرين عن الانتخابات ورغبة البعض في ترشيح محمد مرسي مرشح الأخوان مقابل د.أبو الفتوح الذي تسانده الدعوة وحزب النور.

بالطبع لا أحد يستطيع أن يعفي الخطاب الإعلامي للحزب والدعوة من المشاركة في تحمل جزء من هذا الخطأ حيث يوجد ما يشبه أن يكون عجزاً متكرراً عن استباق الأزمات فلا تخرج التصريحات إلا بعد حدوث الأزمات فمثلا كان من الممكن تلافي قدر كبير من الشقاق الذي حدث من ظن الكثير أن الحزب والدعوة يأخذان موقفاً معادياً من الشيخ حازم صلاح أو أنهم يؤيدون خيرت الشاطر إذا تم التصريح للجميع منذ البداية بآلية الاختيار وأن كليهما سيخضع لفرص متساوية في التصويت الحر المباشر داخل مجلس الشورى العام للدعوة والحزب.

إذن هناك فريق منذ البداية ضد سيطرة المشايخ أتبع ذلك أزمة ثقة في المشايخ عقب انتخابات الرئاسة من قبل قطاع كبير من الأتباع فهل يتوقع إلا انفجار أزمة كبيرة عند أول بادرة خلاف وهي مسألة الانتخابات الداخلية للحزب التي بدأ الخلاف على موعدها وعلى أن من تم دعوته لحضورها هم أتباع الدعوة فقط رغم أن الدعوة كانت مفتوحة وتم إعادة الانتخابات للمتخلفين ومع ذلك لم يستطع تيار الإصلاح حشد أنصاره أن هذه الأزمة تم تصعيدها بشكل غير متوقع من قبل هذه الجبهة بسبب إحساسهم بضعف حجم مؤيديهم فاختاروا خيار شمشون بهدم المعبد على رؤوس الجميع وليكن شعار المرحلة علي وعلى أعدائي.

الخلاف الإداري حول اللائحة أو هل رئيس الحزب يتعامل بصيغة انفرادية أم لا؟ ما هو إلا ستار لخلاف منهجي بالأساس وإلا فإن الجبهة تعلم يقيناً أن حزب النور بدون الدعوة السلفية لن يعدو أن يكون رقماً على الهامش مثل الأحزاب الصغيرة كالأصالة حتى أن الجبهة التي تزعم أنها تريد الانفصال عن الدعوة حين اختارت من يحكم بينها وبين المؤيدين للدعوة اختارت مجلس أمناء الدعوة كحكم بين الطرفين! الانتخابات ليست قطعاً هي السبب الرئيس فيما حدث من انشقاق ولكنها رأس جبل الجليد الذي تكون عبر شهور في حزب النور وسنوات في التيار السلفي ككل بدلاً من أن تستغل في الدعاية الإيجابية للحزب كأول حزب يقوم بعمل امتحانات تثقيفية لأعضائه كشرط لترقيهم فيما يعد سابقة في الحياة السياسية.

خسائر السلفيين لاشك أنها فادحة من هذه الخلافات مثل عدم قدرة السلفيين على إدراك قيمة أن يتحولوا إلى كتلة مؤثرة ضاغطة ففي الوقت الذي يثني فيه السلفيون على غيرهم أياً كان الغير سواء أخوان أو حتى ألتراس بسبب تجمعهم وعدم تفرقهم تجد الكثير منهم يرفض رفضاً باتاً الانتظام في عمل جماعي منظم وتجد البعض لم يدرك مدى إنخفاض وزن السلفيين وتأثير قدرتهم التفاوضية نتيجة تفرقهم وهو ما يلقي بالظلال على القضية الأخطر وهي هل سيأبه أحد لمطالب السلفيين حول الدستور؟ وهل سيخشون من قدرتهم على حشد الجماهير لمنع أي مواد تغير هوية البلد أو تجمد قضية تحكيم الشريعة على سبيل المثال؟كذلك لا أحد يدري ما أثر ذلك على منافستهم في الانتخابات القادمة عما قريب.

أيضاً مازال حزب النور يعاني من القصور في الأداء الإعلامي حيث لا توجد قنوات اتصال بينه وبين القواعد إلا عن طريق المساجد مما جعل قادته لا يستطيعون حشد أتباعهم حول رؤيتهم وخسارتهم مزيد من الأتباع لمصلحة الأحزاب الإسلامية الجديدة وأصبحت نتيجته المتوقعة رهناً بمدى قدرته على مواجهة ضغوط الفصائل الإسلامية الأكثر تشدداًً وراديكالية على يمين الجسم السلفي الرئيسي وخاصة إذا ما فشلت السلفية السياسية وممثلها الحالي حزب النور في تحقيق نجاحات ملموسة من المنظور السلفي مثل ضمان هوية الدولة في الدستور الجديد.

الفشل في تحقيق ما سبق لن تؤدي فقط إلى زيادة الوزن النسبي للقوى الإسلامية المتشددة على حساب النور ولكنها قد تؤدي أيضا إلى يأس جماهير السلفية من العمل السياسي و انصرافهم عن السياسة والتفرغ للدعوة مرة أخرى في ضوء ما يرونه من ”عدم جاهزية الواقع المصري لحكم الشريعة الإسلامية“ وهو اتجاه قد بدأت بوادره في الظهور مؤخراً عند البعض منهم. لعل في هذه الخلافات دروسًا لأولئك الرموز التي هدمت أو أضعفت كيانها بنفسها لعلها تفيق قبل وقوع كوارث عما قريب.

darch_99 29-10-2012 08:20 PM

شكرا
 
شكرا لك سيدي الفاضل
مقال واصف جامع للحالة هو كاتب المقال كان قاعد معانا ولا ايه

aymaan noor 30-10-2012 03:21 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4939909)
شكرا لك سيدي الفاضل
مقال واصف جامع للحالة هو كاتب المقال كان قاعد معانا ولا ايه

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 30-10-2012 02:40 PM

سياسة الاستئثار واقتلاع الجذور
 
سياسة الاستئثار وا***اع الجذور
عمر الشهابي
Oct 27 2012
http://arabic.jadaliyya.com/content_...3/forrosie.jpg
مركز الملك عبدالله المالي، الرياض، المملكة العربية السعودية. من أرشيف روزي بشير.

استهوتني قصة المشاريع العقارية الضخمة والمدن الجديدة التي سيطرت على النشاط الاقتصادي في دول الخليج العربية، لأنها تجسد في طياتها كل أوجه الخلل المزمنة التي تواجهها المنطقة. فيتجسد الخلل السياسي والاستئثار بالسلطة في الفساد الذي استشرى في صفقات الأراضي وعمليات ردم البحر (الدفان) الذي تطلبته هذه المشاريع، بالإضافة إلى انعدام دور غالبية المواطنين في التخطيط والموافقة على هذه المشاريع.

أما الخلل الاقتصادي المتجذر في المنطقة؛ فيبرز في الكميات الهائلة من الأموال التي أتت أساساً من الريع النفطي لتنصب في هذه المشاريع (حوالي 1.2 تريليون دولار)، والتي هي بدورها أيضاً نوعٌ آخر من الريع «العقاري». هذا بالإضافة إلى التركيبة المتشعبة من الشركات الاستثمارية والمطوِّرين العقاريين والبنوك التي تشكلت حول هذه المشاريع.

في المقابل؛ يتجلى الخلل السكاني المزمن في هذه المدن الجديدة الموجهة في الأساس لشعبٍ جديد ليسكن فيها، حيث تغيّرت رؤية ومعاملة متخذي القرار؛ إلى ظاهرة تدفق الوافدين من النّظر إليها كظاهرة عرضيّة لابد منها، هدفها سد متطلبات الإنتاج، إلى تبني استقطاب الوافدين كهدف أساسي ينبغي تبنيه لزيادة الطلب الاقتصادي عليه في دول المجلس.

تبين هذه المدن الجديدة بشكل جلي أن أوجه الخلل المزمنة في المحاور السياسية والاقتصادية والسكانية مترابطة وتغذي بعضها بعضاً في جدلية مستمرة، حيث لا يُمكن فصل هذه المحاور عن بعضها بعضاً والنظر إليها منفردة. وهذا التشعب المتعمق بين العوامل السياسية والاقتصادية والسكانية الحادة ينذر بخلطةٍ متفجرةٍ من الصعب التنبؤ بتبعاتها، بل إنه من شبه المستحيل على صنّاع القرار أن يتحكّموا في مسارها في خطط مرسومة مسبقاً.

طبيعة هذه المشاريع العقارية تشير إلى مسارين: إما أن تنجح هذه المشاريع العقارية، وبذلك تتحول الى مدن جديدة ضخمة يقطنها الملايين من السكان الجدد. في المقابل، قد تفشل المشاريع العقارية فشلاً ذريعاً، وتتحول إلى مبانٍ خاويةٍ ينبذها الناس، وتكون في نهاية الأمر مشاريع فيل بيضاء white elephants وعملية نصب كبرى مصيرها أن تكون مدن أشباح.

كلا الخيارين لايزال مطروحاً، ومن الممكن أن يحدث الاثنان على مر الزمن. فكثير من هذه المشاريع قد تم إيقافها في خضم الأزمة المالية العالمية. في المقابل؛ فإن الكثير من هذه المدن الجديدة؛ قد تم بناؤها فعليّاً وأصبحت مأهولة، كمنطقة المارينا في دبي وأمواج في البحرين. والقول بأن رؤوس الأموال والمتنفذين بها ستقف مكتوفة الأيدي وسترضى بأن تبقى هذه المشاريع شاغرةً؛ يعبر عن فهم ضيق لمنطق رؤوس الأموال وتحركاتها. وكما رأينا، فقد سمحت البحرين لملاك العقار الدولي بالتصويت في الانتخابات البلدية للعام 2010، كما مدّدت الإمارات مدة الإقامة المرتبطة بشراء العقار من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات في العام 2011. كما تدل تصريحات المسئولين عن هذه المشاريع على أنهم يتطلعون إلى إعادة المشاريع التي تم إيقافها متى ما سنحت الفرصة، هذا بالإضافة إلى نية لبناء مشاريع عقارية ضخمة جديدة.

النقطة الرئيسية هنا؛ هي أنه من المستحيل أن يتواصل الخلل السكاني في التراكم من دون أن تكون له تبعات جذرية مصيرية على المنطقة في المستقبل غير البعيد. بعض هذه التبعات تمت مناقشتها بإسهاب، بما فيها ازدياد أعداد الوافدين في سوق العمل، وتهميش دور المواطنين إنتاجيّاً وعدديّاً، بالإضافة إلى تشوّه الهوية العربية في المنطقة وازدياد حدة التعصب xenophobia بين صفوف بعض المواطنين. في المقابل؛ ستتواصل حالات الاضطهاد التي يتعرّض لها الكثير من العمالة الوافدة وتدني حقوقهم على المستوى الاقتصادي والسياسي، والتي بإمكاننا تلخيص هذه الإفرازات في حالة شديدة من «الاغتراب» التي يعيشها المواطنون والوافدون معاً.

أما بالنسبة إلى ظاهرة المشاريع العقارية؛ فلها معطياتٌ تختلف كمّاً ونوعاً عن ظاهرة توافد العمالة الأجنبية. ولعل الخاصية الأهم؛ هي بروز ظاهرة «المجتمع المغلق» أو ما يمكن تسميته «بالمدينة داخل المدينة». حيث يتم خلق مجتمع من «الكانتونات» المنفصلة، تعيش كل مجموعة منها في منأى تام عن باقي الأطراف، لا يربطها ببعضها أي انتماء قومي أو ثقافي أو سياسي، ولا يكون هدفها الجامع سوى النمو الاقتصادي وتحريك رؤوس الأموال تحت إطار اللغة الانجليزية الحاضنة. هنا تصبح المدينة مفهوماً بالإمكان بناؤه وتجديده وإعادة تركيبه بشكل سريع بناءً على أهواء متخذي القرار والخبراء المنفذين للمشروع. والحالة الأساسية التي تميّزها؛ هي التغير المستمر في ملامح وعمران وحتى سكان المدينة، فلا البيوت ولا النخل ولا حتى البحر في مأمن من الهدم والا***اع والدفن. كل هذا قد يحصل في سنين بل أشهر معدودة، فلو قُدّر لأحدٍ أن يشد الرحال إلى الخارج طلباً للعلم؛ لما عاد بإمكانه التعرف على المدينة أو سكانها عند عودته من الدراسة.

فالمدينة في الخليج لم تعد تعكس وتعبّر عن رغبات ونمط حياة أهلها وساكنيها، فهم عامةً مهمّشون ومن دون أي دور فعال في تحديد ملامحها العمرانية والاجتماعية. فها هم يشاهدون العمارات تعلو من حولهم وليس في يدهم إلا أن يراقبوا ويتأقلموا، فقد لا يكونون هم حتى من ساكني منطقتهم الحالية في المستقبل القريب. وهكذا تم هزّ وا***اع الجذور التي كانت تربط السكان بمدنهم، وفي المقابل أمست المدينة مفهوماً متقلباً قد يتبدل هو وساكنوه في غضون أيام معدودة. وهكذا أصبح ما يحدّد شكل وحتى جغرافية المدينة ليس سكانها، والذين يتغيرون بنفس سرعة تغير المدينة، بل المردود المادي وتطلعات متخذي القرار.

aymaan noor 30-10-2012 02:57 PM

عائلات البيزنس الإخــــــوانية تحكم مصر
 
[CENTER]
عائلات البيزنس الإخــــــوانية تحكم مصر


ثروت الخرباوى

لثلاثاء 30 أكتوبر 2012 - 12:28 م



لا أظن أن مثلًا ينطبق فى الدنيا على جماعة الإخوان مثل المثل القائل «أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه»، فإذا اعتبرنا أننا على مدار العقود الماضية ظللنا نسمع عن جماعة الإخوان، وكنا لسوء تصريفنا نسمع عنهم منهم (كما يقولون هم اسمع منا ولا تسمع عنا»، فإننا سنبصم بالعشرة أن هذه الجماعة مقدسة وربانية ومتجردة ولا تبحث عن المصالح الخاصة بل كل همها منصرف إلى الله والرسول ثم من بعدهما الوطن، وهذا على أساس أنهم يعرفون معنى الوطن.

ولكن شاءت الأقدار أن ينزل الأخ «المعيدى» صاحب المثل الوارد فى بداية هذا التحقيق إلى أرض الميدان، ثم إذا به يقفز على حكم البلاد قفزة مُضَرِيَّة، فأصبحنا نراه برلمانا فوزارة فرئيسا، بعد أن كنا نسمع عنه كشبح مختبئ فى الكواليس، فإذا به شديد الشبه بالمثل العربى القائل «شهاب الدين أضرَطُ من أخيه»، ولعلك أدركت أن شهاب الدين هو جماعة الإخوان، وأن أخاه هو الحزب الوطنى، هذا مِثل ذاك لا فارق بينهما إلا فى الاسم، أما الفعل والمحتوى فهو هو.

منظومة الحكم عند نظام مبارك، ولدى الحزب الوطنى، اعتمدت على شبكة من النسب والمصاهرات والعلاقات والتربيطات، وهذا هو الميثاق السرى الذى يقوم عليه الحكم الاستبدادى، فالحاكم المستبد لا يبحث عن الكفاءة ولكنه يبحث عن الولاء، لا يبحث عن أصحاب العقول، ولكنه يبحث عن حاملى الطبول، لذلك فإننا لو بحثنا فى أسماء الوزراء والمسؤولين فى عهد مبارك المستبد فسنجد أنهم كونوا فى ما بينهم شبكة متكاملة تعتمد على المصاهرة والقرابة والمصالح والشراكة، ولكن اللافت أن هذه الشبكة لم تتشكل أركانها إلا فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، بمعنى أن مبارك لم يصل إلى درجة إنشاء شبكة حكم تتواصل فى ما بينها من خلال المصاهرة والقرابة والعلاقات التجارية إلا بعد عشرين عاما من حكمه، لم يفعل ذلك إلا عندما استشعر ضعف نظامه وأنه لكى يبقى ويصلح فيه الإرث والتوارث يجب أن يعتمد على أصحاب الولاء، ومَن غير الأصهار وشركاء المال يتوافر فيهم الولاء الكامل؟ فالمركب الذى يُقِلّ الجميع إذا غرق فسيغرق بالجميع، ومن شأن الأقارب وأصحاب المصالح الذين ركبوا سفينة الحكم أن يتعاضدوا فى ما بينهم من أجل الاستمرار. ومع ذلك لم تفلح جهودهم فى الاستمرار، وعند الغرق فرت فئرانهم من السفينة المعطوبة. ولكن شهاب الدين، نقصد جماعة الإخوان، كعهدنا بها فعلت فى الشهور الأولى من جلوسها على كرسى الحكم ما فعله مبارك فى أواخر سنواته، حيث أنشأت منظومة حكم تعتمد فى المقام الأول وأيضا المقام الأخير على شبكة من المصاهرات والقرابة والشراكات المالية، وليصبح الحكم الإخوانى قائما على بزنس العائلات، وبزنس المال.

الاستبداد الذى ظهرت عليه جماعة الإخوان حتى وهى مضطهَدة وخارج دائرة الحكم هو الذى دفعها قطعا لمزاولة خطيئة أى مستبد جاهل تَسيَّد عليها وعلينا، وفى كتاب «طبائع الاستبداد» لعبد الرحمن الكواكبى يشرح كيف يتحول الذى عانى من الاستبداد عندما يحكم إلى حاكم يمارس نفس سلوك الحاكم الذى استبد به وقهره.

وقد يعتبر البعض أن كل ما سلف يدخل فى نطاق الكلام النظرى، مقهور يحكمه مستبد، إذا ما وصل هذا المقهور إلى الحكم مارس نفس سلوك المستبد وطبق أفكاره ورؤاه، وقلده فى كل شىء حتى فى إنشاء شبكة المصالح.

والآن سنخرج من الكلام النظرى لندخل على العملى فورا، وعند جُهَيْنَةَ الخبر اليقين.

على خطى الحزب الوطنى تسير جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، بعد صعودهما إلى السلطة، لتتحول المصاهرات وصلات الدم والقرابة والنسب، والشراكة التجارية والبيزنس والمصالح المشتركة إلى بوابة سحرية للترقى فى مؤسسات الدولة بعد سيطرتهم عليها، تماما كما كان الوضع داخل الجماعة والتنظيم الإخوانى.

وزراء، ومحافظون، وأعضاء فى الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، وقيادات فى المؤسسات التنفيذية تحقق إحكام السيطرة على مفاصل الدولة، وصولا إلى رئيس الجمهورية، د.محمد مرسى، بفريق رئاسى وهيئة استشارية، تجمع بينهم الصفقات السياسية والاقتصادية والعائلية، التى تمتد جذورها إلى الشبكة الأضخم والأهم داخل الجماعة.

عائلة الرئيس لها نصيب فى مقعدين فى السلطة، بالرئيس محمد مرسى نفسه، وزوج شقيقته، وحما ابنته أيضا الدكتور أحمد فهمى الذى تحول إلى أحد نجوم الحياة السياسية فى مصر بعد الثورة، والصعود السياسى للإخوان المسلمين، بعد فوزه، بترشيح الجماعة له على منصب رئيس مجلس الشورى بفضل صلة المصاهرة «المركَّبة».

سكرتير الرئيس أيضا المهندس المصرى كندى ال***ية، خالد القزاز، هو شريك خيرت الشاطر نائب المرشد العام، حسب أحد أشهر الفيديوهات الإخوانية على موقع «يوتيوب»، وأحد أهم كوادر حملته الانتخابية التى ورثها مرسى بعد ذلك، وأيضا أبرز مهندسى العلاقات الخارجية فى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، حيث تلقى تعليمه فى كندا وأقام هناك لسنوات طويلة، وشغل بعد ثورة 25 يناير منصب «منسق العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة»، كما كان أحد أعضاء الوفد الإخوانى الشهير الذى سافر إلى واشنطن بالتزامن مع ترشيح الشاطر رئيسا للجمهورية، والتقى إعلاميين وسياسيين وأكاديميين أمريكيين وعقد ندوات مفتوحة، واجتماعات مشتركة مع شخصيات وجهات أمريكية منها مسؤولين كبار بمجلس الأمن القومى الأمريكى، ثم ويليام بيرينز وجيفرى فيتمان مساعدَى وزيرة الخارجية الأمريكية، وقام بزيارات لمقر البنك الدولى وغرفة التجارة الأمريكية، وتحدث أيضا فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية مرتين، فى نيويورك وواشنطن، وكذا فى معهد «بروكينجز»، ومؤسسة «كارنيجى».

الأهم من ذلك، أن خالد القزاز، للمصادفة، هو نجل المهندس عدلى القزاز، كلمة السر الجديدة فى وزارة التربية والتعليم، بعد أن عُيّن مؤخرا مستشارا للوزير لـ«تطوير التعليم»، وسط هالة من الغموض، وعدم وجود أى صلة سابقة بالعملية التعليمية داخل الوزارة، وكذا انعدام المعلومات تقريبا، عن الوافد الجديد الذى لا يعرف عنه أحد شيئا، باستثناء بعض المعلومات المتناثرة لرئاسته لما يطلق عليه «التحالف المصرى لتطوير التعليم»، وعضويته فى مجلس إدارة جمعية أصحاب المدارس الخاصة، ورئاسته السابقة لمنطقة القاهرة للكرة الطائرة قبل سنوات طويلة، والأهم من كل ما سبق أنه صاحب «المقطم للغات»، المدارس الإخوانية الأشهر التى تلقى شهرة وإقبالا واسعا بين العائلات الإخوانية الكبرى، إلى درجة يُضطرّ معها بعض الأسر إلى نقل محل الإقامة إلى المقطم فى سبيل إلحاق أبنائهم بهذه المدرسة، التى تحولت بعد ذلك إلى مقر لعقد الدورات التدريبية لشباب الجماعة فى فصل الصيف، بينما كان السكرتير الحالى للرئيس المهندس خالد القزاز، يشارك فى إلقاء محاضرات التنمية البشرية فيها بنفسه، ثم بعد ذلك إلى غرفة عمليات سرية للإخوان فى أثناء الانتخابات البرلمانية، ثم فى الانتخابات الرئاسية وذلك تحت إشراف خيرت الشاطر نفسه، الذى كانت هذه المدرسة كلمة السر فى علاقته بالقزاز الابن والأب أيضا حيث كان نجل الشاطر ويدعى «حسن» تلميذا فى المدرسة فى أثناء المحاكمة العسكرية الأخيرة لوالده وعدد من قيادات الإخوان، عندما قررت المدرسة إعفاءه من المصاريف كاملة، وقد حفظ خيرت الشاطر الجميل لعدلى وولده خالد فنقلهما نقلة نوعية، ومن بعد شقة كانت الأسرة تسكنها أصبحت تسكن قصرا مشيدا على هضبة المقطم تتحاكى الأساطير عنه.

لم يقف رد الجميل عند ذلك الحد، فردّ الجميل الذى يترتب عليه الولاء والوفاء امتد إلى شخص آخر من عائلة القزاز هو الدكتور حسين القزاز.. الضلع الثالثة من «لوبى» عائلة القزاز داخل قصر الرئاسة، وأحد أبرز أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس محمد مرسى، والمستشار الاقتصادى لحزب الحرية والعدالة، وأحد أهم المؤسسين للجانب الاقتصادى فى «مشروع النهضة» كما روج له الشاطر، وأيضا العضو الاحتياطى بـ«تأسيسية الدستور»، والأهم أنه مسؤول التنظيم الدولى للإخوان فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكذا ضابط الاتصال بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين، عبر عقود من الهجرة لسنوات طويلة إلى أمريكا، فى «لوبى» عائلى ثلاثى الأضلاع الآن مخترق للدولة، بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية.. بصلات دم ومصالح مشتركة بين قصر الرئاسة والهيئة الاستشارية وصولا إلى «التأسيسية» و«التربية والتعليم».

فى القصر الرئاسى أيضا يتصدر الدكتور عصام الحداد (المصرى إنجليزى ال***ية) المشهد، مساعدا لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، وبطل أول صورة رسمية لمرسى داخل مكتبه الرئاسى، وواحد من خمسة رجال لم يفارقوا محمد مرسى منذ انتخابه رئيسا للجمهورية، فهو شريك الشاطر ورجله المقرب، ومسؤول العلاقات الخارجية فى حزب الحرية والعدالة، بعد أن وقع عليه اختيار الشاطر ليكون المشرف على حملته الانتخابية ثم حملة مرسى من بعده، ليصبح الحداد بعدها شريكا فى كل لقاءات الشاطر مع السفراء والمسؤولين والمندوبين الأجانب داخل مصر وخارجها، وذلك بحكم خبرة وعلاقات خارجية واسعة وإقامة لسنوات طويلة فى بريطانيا كان خلالها أحد قيادات التنظيم الدولى للإخوان هناك، بعد أن كان مسؤولا عن إخوان البوسنة والهرسك وكذا مستشارا للرئيس الشيشانى السابق على عزت بيجوفيتش.

فالحداد رجل الأعمال الإخوانى الشهير وصاحب المجموعة العربية للتنمية «إنتربيلد» لتنظيم المعارض، ونائب جمعية تنمية الأعمال «ابدأ» التى يترأسها حسن مالك، هو الصاعد أيضا بسرعة الصاروخ فى الجماعة بمجرد خروج خيرت الشاطر من السجن عقب الثورة، إذ قام الشاطر بإدخاله مكتب الإرشاد بالتعيين لا بالانتخاب فى الرابع من فبراير الماضى، فى نفس التوقيت الذى تم فيه تصعيد فيه شقيقه رجل الأعمال الإخوانى السكندرى أيضا المهندس مدحت الحداد، أبرز رجال أعمال الجماعة بعد خيرت الشاطر وحسن مالك، وصاحب عدد كبير من الشركات فى مجالات المقاولات، والاستثمار العقارى، والتصدير والاستيراد، إلى جانب تنظيم المعارض مثل الشركة العربية للتعمير، والشركة العربية للاستيراد والتصدير، والجمعية التعاونية للأعمال الهندسية.

الحداد أيضا هو والد المهندس الشاب جهاد الحداد المسؤول عن ملف العلاقات الخارجية وكبير مستشارى مشروع النهضة الذى روّج له الشاطر، والموجود منذ اللحظة الأولى إلى جوار مرسى أيضا فى قصر الرئاسة، فى الوقت الذى لا يعلم فيه له أحد حتى الآن أى صفة رسمية تبرر وجوده فى هذا المكان، بينما يتمتع الحداد الابن أيضا بنفوذ عائلى خرافى داخل الجماعة بحكم مصاهرته لعضو مكتب إرشاد آخر هو د.محمود أبو زيد، إذ تزوج جهاد الحداد ابنته، بينما كانت ابنته الثانية فاطمة أبو زيد عضوا فى لجنة وضع الدستور الأولى، هذا ناهيك بصلة نسب أخرى بين جهاد الحداد وعضو مكتب إرشاد ثالث هو محمد إبراهيم زوج خالته، الأمر الذى وضع جهاد الحداد بشكل مباشر فى بؤرة الدائرة المقربة من خيرت الشاطر، ويتوقع معه بقاؤه بجوار الرئيس بزعم تنفيذ مشروع النهضة، مشكلا لوبيًا عائليا آخر داخل قصر الرئاسة مع والده، بينما لم يتحدد حتى هذه اللحظة الوضع الجديد فيه كذلك لوليد الحداد، أحد أبرز الكوادر الشابة لحزب الحرية والعدالة الذى يجرى «تلميعه» إعلاميا حتى الآن على قدم وساق، تمهيدا لتصعيده سياسيا فى أقرب وقت.

فى القصر الرئاسى أيضا يسكن ثلاثة من أهم كوادر التنظيم الدولى للإخوان، تربط بينهم المصلحة الواحدة والبيزنس المشترك والشراكة الوطيدة مع الشاطر، الرجل الحديدى فى الجماعة.. الأول هو الدكتور أحمد عبد العاطى مدير مكتب رئيس الجمهورية، والمنسق العام السابق للحملة الانتخابية لخيرت الشاطر ثم لمحمد مرسى من بعده.. أحد كوادر التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، ومسؤول طلاب الإخوان تنظيميا على مستوى العالم، والأمين العام السابق أيضا لـ«الاتحاد الإسلامى العالمى للمنظمات الطلابية».. شريك الشاطر فى واحدة من أهم شركاته هى شركة «الحياة للأدوية» التى كان يدير فرعها فى الجزائر ويستقبل العمالة الإخوانية من المصريين للعمل فيها بتكليف من الشاطر، ثم فى أثناء فترة هروبه من حكم بالسجن أيضا فى قضية ميليشيات الأزهر، قبل أن تقوم الجماعة بتسليمه قبل أسابيع فقط من إعلان دفعها بمرشح لرئاسة الجمهورية، لتتم إعادة محاكمته وتسفر عن حصوله على حكم بالبراءة فى القضية وخروجه من باب المحكمة العسكرية فى نفس اليوم، ليتولى بعد ذلك منصبه مباشرة فى الحملة الانتخابية.

والثانى هو المهندس أسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ورجل الأعمال الإخوانى البارز الذى ظهر فى المشهد الشهير للرئيس فى ميدان التحرير ممسكا لمرسى بالميكروفون لمدة 10 دقائق فى أثناء إلقائه خطاب ميدان التحرير.

الشيخة الذى كان محكوما عليه بالسجن 5 سنوات فى قضية ميليشيات الأزهر، هو أيضا شريك خيرت الشاطر فى شركة «إم سى آر للمقاولات» وكذلك شركة «مصر للمقاولات»، وهو أيضا أحد الذين تولوا إدارة شركة «الحياة للأدوية» فى الجزائر مع أحمد عبد العاطى، الذى تم تسليمه وحصل معه على البراءة فى جلسة واحدة، بالإضافة إلى الشريك الرابع، والثالث فى لوبى الحلفاء الجدد داخل قصر الرئاسة، الدكتور محمد محمود حافظ، المتهم السابق أيضا فى نفس القضية، وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، المشهور بـ«شبيه خيرت الشاطر» وأيضا «الراجل اللى واقف ورا محمد مرسى»، فقد ظهر معه فى كل تحركاته منذ فوزه فى الانتخابات الرئاسية.

فى حركة المحافظين الجديدة وقع الاختيار أيضا على عضو مكتب الإرشاد المهندس محمد على بشر، ليكون رأس حربة الجماعة محافظا للمنوفية، وذلك وفق حسابات الإخوان وخطتهم المحسوبة جيدا لغزو المحافظات التى تلقوا منها الصفعة التصويتية فى انتخابات الرئاسة. صحيح أن بشر هو أحد القيادات المعروفة بميولها الإصلاحية، غير أن هذه الميول لم تتجاوز فى أى لحظة من اللحظات المناوشات الأليفة التى لا تتعدى الخط الأحمر للمعارضة المسموح بها فى مكتب الإرشاد، فى نفس الوقت الذى لم يخرج فيه بشر أيضا من حسابات شبكة المصالح العائلية فى الجماعة بحكم صلة النسب مع واحد من أهم وأبرز أعضاء مجموعة «الصقور» فى الجماعة، هو الدكتور محمود حسين أمين عام الجماعة، الذى تزوج نجله المهندس ياسر سارة ابنة بشر.

فى نفس الوقت الذى لا تزال ترتبط فيها المصالح التنظيمية والمالية لمحافظ كفر الشيخ الجديد أيضا المهندس سعد الحسينى بشكل كامل بالجماعة، فى ما يعتبر من أبرز أهل البيزنس والسلطة فى الإخوان، فهو صاحب شركة «المدائن للإنشاءات الهندسية»، التى ُتعتبر إحدى أضخم شركات المقاولات فى الدلتا.

رجل الأعمال الإخوانى الأشهر حسن مالك، أحد قطبى الإمبراطورية الاقتصادية للجماعة ورئيس جمعية تنمية الأعمال «ابدأ»، ورئيس لجنة «تواصل» المنوط بها تحقيق الاتصال بين رجال الأعمال ومؤسسة الرئاسة، التى أظهرت نفوذا لا حدود له فى كل سفريات الرئيس محمد مرسى، وتحديد شخصيات رجال الأعمال فى الوفود المصاحبة له خلال الفترة الماضية، هو واحد من أهم أعضاء الشبكة العائلية للإخوان فى السلطة والجماعة، فزوجته هى جيهان عليوة شقيقة رجل أعمال إخوانى آخر هو محمد سعد عليوة صاحب شركة «الحجاز لتوظيف الأموال» فى التسعينيات، وأنجب منها مالك أبناءه السبعة: معاذ وخديجة وعمر وأنس وحمزة وعائشة وأحمد، ويشاركونه جميعا فى إدارة إمبراطوريته الاقتصادية، كما هو الحال أيضا مع بنات خيرت الشاطر، إذ أسست إحدى بناته مجموعة مدارس «جنى دان».

فضلا عن أن مالك أيضا هو حلقة الوصل بين عائلتين من أشهر العائلات الإخوانية هما عائلتا أبو الفتوح والزعفرانى، إذ تزوجت شقيقته الأولى بالدكتور خالد الزعفرانى القيادى الإخوانى السابق وابن عم إبراهيم الزعفرانى عضو مجلس شورى الجماعة السابق أيضا، والثانية بأحمد أبو الفتوح الشقيق الأصغر للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.

وبخلاف الإمبراطورية الاقتصادية المشتركة كذلك بين الشاطر ومالك بمجموعة من الشركات تصل إلى 70 شركة منها شركة «مالك لتجارة الملابس الجاهزة والمنسوجات وخيوط الغزل»، ويدخل كل من أشقاء مالك والشاطر أيضا شريكا فيها، نجد عزة أحمد توفيق زوجة خيرت الشاطر بنفسها أيضا شريكا منفردا مع حسن مالك فى شركة «سيوة لاستصلاح الأراضى»، ويأتى من بعدها بهاء الشاطر، الساعد اليمنى لشقيقه خيرت فى إدارة مشروعاته الاقتصادية، إذ كان بهاء الشاطر هو مدير معارض السلع المعمرة بنقابة المهندسين، الخطوة الأولى التى انطلقت منها الإمبراطورية الاقتصادية للشاطر ومالك بعد ذلك، فكان يلجأ كل من الشاطر ومالك إلى تسجيل بعض الشركات باسم بهاء تحايلا على نظام مبارك، كما هو الحال فى شركة «المستقبل» المملوكة لمالك والشاطر والمسجلة باسمه، فى تجسيد حىّ لعمق المصالح المشتركة والعلاقات العائلية فى منظومة النفوذ الاقتصادى والسياسى داخل الجماعة.

أيضا تُعتبر عائلة خيرت الشاطر، وزيجات بناته، على وجه التحديد، نموذجا إخوانيا صارخا للحرص على حماية المصالح التنظيمية والسياسية والاقتصادية بروابط الدم وعلاقات المصاهرة.. فزوج شقيقة الشاطر الصغرى هو الدكتور محمود غزلان الذى صعد إلى طبقة الحكم فى الجماعة، بعد زواجه بفاطمة الشاطر، وإنجابه منها أبناءه محمد وياسر وأنس وعبد الرحمن ويحيى، ويقترب بعد هذه الزيجة من دائرة نفوذ تنظيمية بلا حدود، ويتحول إلى أحد رجال أعمال الجماعة البارزين، بعد أن أصبح ضمن «طبقة الصفوة» الذين قررت الجماعة على مدار سنوات أن تكتب أموالها بأسمائهم هربا من الملاحقة القانونية، فدخل غزلان شريكا مع خيرت الشاطر فى شركة «الواحة «، أحد المشروعات الزراعية الكبرى التى تم استغلال فيها خبرة غزلان كأستاذ فى كلية الزراعة جامعة الزقازيق، حيث امتلكت هذه الشركة مزارع ضخمة لتربية الأبقار وإنتاج الألبان فى الكيلو 110 طريق مصر-الإسكندرية الصحراوى، بخلاف مجال المبانى والمقاولات الذى ظهر فيه اسم محمود غزلان بثقل، خصوصا فى شراكته مع رجل الأعمال الأشهر عبد الرحمن سعودى فى شركة «التنمية العمرانية» التى كان غزلان عضو مجلس إدارتها.

تزوجت رضوى صغرى بنات خيرت الشاطر بعبد الرحمن على أحد القيادات الشابة بقسم نشر الدعوة بالجماعة، بينما تزوجت ابنته سمية إخوانيا بارزا آخر هو الدكتور الصيدلى خالد أبو شادى الذى يشغل منصبا قياديا فى قسم نشر الدعوة والتربية ويحقق نجاحا منقطع النظير فى مجال الدعوة، بحيث لا يخلو بيت إخوانى من مؤلفاته الدعوية وسيديهات الإنشاد والأذكار الخاصة به، كما تلقى ندواته إقبالا منقطع النظير بين الشباب الإخوانى، وهو ابن القيادى التاريخى بالجماعة أحمد أبو شادى.

عائشة أيضا زوجة الدكتور محمد الحديدى مسؤول الإخوان المسلمين فى ألمانيا لسنوات، ونجل صالح الحديدى أحد أعمدة النظام الخاص فى الإخوان. سارة كذلك هى زوجة للإخوانى الشاب المهندس حازم ثروت، وحفصة زوجة للدكتور مصطفى حسن ومريم زوجة أحمد على درويش.

غير أن الزهراء كُبرَى بنات خير الشاطر تحديدا، هى خيط البداية فى شبكة العلاقات المالية والتنظيمية المهمة له داخل الجماعة، فزوجها المهندس أيمن عبد الغنى مدير أعمال الشاطر، والمتهم معه فى قضية ميليشيات الأزهر، هو حاليا نائب رئيس قسم الطلبة بجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك شقيق كل من الدكتور محمد عبد الغنى عضو مجلس شورى الجماعة، ومسؤول القسم السياسى السابق بالجماعة، وكذلك الدكتور عمر عبد الغنى مسؤول مكتب إدارى جنوب القاهرة.

أيمن عبد الغنى هو نفسه أحد رجال الأعمال الإخوان، فهو شريك للقيادى فى حزب الحرية والعدالة ورجل الأعمال الإخوانى أحمد شوشة فى شركة «إليجى» بالجزائر، ناهيك بأن شوشة أيضا هو شريك خيرت الشاطر فى شركة «المدائن للمقاولات والإنشاءات»، والذى ظهر على الساحة السياسية التنظيمية مؤخرا بعد الإفراج عنه كعضو بمكتب إدارى شرق القاهرة.

فى نفس التوقيت الذى تم التصعيد فيه لباقى شركاء خيرت الشاطر ورجاله الذين أصبحوا بعد ثورة 25 يناير نجوما فى المشهد السياسى الإخوانى، كالدكتور حسام أبو بكر شريك الشاطر وصاحب شركة «هيونداى للمصاعد» الذى تم تصعيده إلى عضوية مكتب الإرشاد بعد الثورة مباشرة.

الدكتورعصام العريان القائم حاليا بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة ومستشار رئيس الجمهورية نفسه كذلك، وإن لم يتزوج من جماعة الإخوان المسلمين، فزوجته فاطمة فضل، هى شقيقة د.صلاح فضل الذى كان أحد المحكوم عليهم فى قضية الفنية العسكرية، إلا أن ابنته أيضا قد تزوجت الدكتور أحمد مصطفى أحد القيادات الإخوانية الشابة بنقابة الأطباء.

الجميع باسثناءات معدودة وعلى مدار أكثر من ثمانية عقود هى عمر الجماعة، يصعد إلى طبقة الصفوة الحاكمة من بوابة علاقات النسب والمصاهرات التنظيمية.

منها صعد د.محمد بديع المرشد العام نفسه بعد خروجه من سجون عبد الناصر، بعد زواجه بسمية ابنة القيادى الإخوانى التاريخى محمد الشناوى الطيار السابق وعضو النظام الخاص فى عهد البنا الذى تحول بديع بفضله إلى أحد أخلص رجال مصطفى مشهور الذى كان صديقا حميما للشناوى.

ومن خلالها لحق به الدكتور محمود عزت نائب المرشد العام، الذى حالفه الحظ بزواج شقيقته وفاء عزت طالبة الثانوى وقتها بعضو النظام الخاص أيضا وأحد أبرز كوادر الإخوان وقتها محمد مهدى عاكف، رغم فارق السن الكبير بينهما، 20 عاما كاملة، وكذلك شقيقته الثانية التى تزوجت قياديا إخوانسل آخر هو محمود عامر الذى أصبح فى ما بعد رئيس مكتب إدارى المنزلة.

كذلك تحمل وفاء مشهور، عضو مجلس الشورى عن حزب الحرية والعدالة، على كتفيها أيضا تاريخا من علاقات النسب والمصاهرة فى الإخوان، فهى ابنة مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة، وزوجة الدكتور محمد عبد الجواد، أحد بُناة التنظيم الدولى، وعضو مكتب الإرشاد السابق بجماعة الإخوان المسلمين.

فى دائرة شبكة العلاقات والمصاهرات والمال كلام مباح وكلام يعتبره الإخوان غير مباح، ومن الكلام غير المباح الحاج عباس السيسى رحمه الله وقرابة بعض الشخصيات الجديدة فى الحكم له، وصلة العمل التى ربطت رئيس الوزراء الحالى هشام قنديل بخيرت الشاطر فى الثلث الأول من التسعينيات، وما خفى كان أعظم وأسوأ وأفظع وأشد إفزاعا.

Ayman M.Ebrahim 30-10-2012 03:43 PM

يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اه!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!1

darch_99 30-10-2012 04:45 PM

شكرا
 
السيد / ايمن نور تحية طيبة وبعد
اسعد الله اوقاتك وكل عام وانت بالصحة والسلامة

في هذا المقال لي وجهة نظر وحتي تتضح الصورة من البداية فإنني لا ادافع عن الاخوان ولي موقف منهم لكن تبيانا للصورة بشكل اوضح سنتكلم قليلا عن من هو ثروت الخرباوي وما هي حدود علاقته بالاخوان .

نبذه عن الكاتب ثروت الخرباوى :

هو محامى مصرى و أحد أبرز الأعضاء السابقين فى جماعة الإخوان المسلمين فى مصر , بدأ حياته السياسية عضواً فى حزب الوفد ثم أنضم لجماعة الإخوان المسلمين , أختلف مع الإخوان بسبب حبس مختار نوح القيادى بالجماعة فى قضية النقابات المهنية و كان هذا الخلاف هو السبب فى أنفصاله عن الجماعة أو بمعنى آخر و أوضح تم طرده لأختلافه مع الجماعة عام 2002 م .
فى رأيى أن من الخطأ أن نأخذ كلمات ثروت الخرباوى على أنها صحيحة , لأنه تم طرده , فأصبح لديه ثأر , فأخذ يتهم جماعة الإخوان المسلمين بأفساد نقابة المحامين

.................................................. ............................

اول شيء ينتبه له جيدا ان كل هذا تم في اربعة شهور فقط بعد استلام مرسي للسلطة منهم شهر ونصف في يد المجلس العسكري طبعا شيء غير معقول لا منطقي لكن هذه الشبكة كانت موجودة بالمصالح الاقتصادية لم تظهر فجاة واعتقد يا سعادة الخرباوي انه لم تصل الي ذلك بشكل غير قانوني بل بالقانون وهو الطبيعي بعد عقود من السجن والسحل والاعتقالات والا ان كنت تملك مستند واحد فقط تدين به احد إذا اخرجه وافضح من حصل وسرق ونهب او استخدم سلطة ليست من حقه استخدامها والا لم تظهر من ذلك شيئا فأصمت خيرا لك من ان يقع عليك القانون الالهي من تتبع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته

ثانيا : سأعلق علي نقطة واحدة فقط في المقال وكفي حتي تتبين الصوره اكثر فقط

اقتباس:

عائلة الرئيس لها نصيب فى مقعدين فى السلطة، بالرئيس محمد مرسى نفسه، وزوج شقيقته، وحما ابنته أيضا الدكتور أحمد فهمى الذى تحول إلى أحد نجوم الحياة السياسية فى مصر بعد الثورة، والصعود السياسى للإخوان المسلمين، بعد فوزه، بترشيح الجماعة له على منصب رئيس مجلس الشورى بفضل صلة المصاهرة «المركَّبة».

هو حضرتك يا سعادة الخرباوي باشا ما كنتش عايش معانا ولا اية السيد احمد فهمي رئيس مجلس الشوري قبل ما يبقي محمد مرسي رئيس جمهورية بأربعة شهور كاملة يعني محمد مرسي ليس له اي فضل في وصول احمد فهمي للمنصب دة خالص بل احمد فهمي كان يفوق محمد مرسي بكثيير الذي كان يدوب رئيس حزب الحريه والعدالة يبقي فين فضل المصاهرة المركبة من محمد مرسي لــــ أحمد فهمي ولكن هي إرادة الله التي جعلت محمد مرسي رئيس جمهورية ويفوق احمد فهمي بمناصب ولو كان فيه فضل لاحد علي احد يبقي فضل احمد فهمي علي مرسي مش العكس لكن الحاصل والواقع لا فضل لاي منهم علي الاخر سوي ان الله اراد هذا الواقع .

وشكرا لك سيدي الفاضل


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:38 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.