ثانياً: عَرَب بَاقِية: وهم الباقون حتى الآن، وهم بنو قحطان وبنو عدنان. فبَنُو قَحطَان: هم العَرب العَارِبة "العرب الأصليين"، ومَوطِنهم الأصلي جنوب الجزيرة ومنهم ملوك اليمن، والمناذرة والغساسنة، وملوك كنده، ومنهم الأزد (الذين تفرع منهم الأوس والخزرج). أمّا بنو عَدنان: فهم العَرَب المُسْتعرِبة "الذين اكتسبوا اللِّسان العربي"؛ وهم عَرب الشمال، وموطنهم الأصلي مكّة المكرّمة، وهم ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأَهمّ أبناء إسماعيل: عَدنَان، ومنه انحدرت القبائل العربية. |
مشكورين مشكورين
|
اقتباس:
شكراً جزيلاً للمرور الكريم |
(39)التّاريخ السِّياسِي للعَرَب قَبْل الإِسْلاَم كان العرب -كما ذكرنا- بدو وحضر، والفِكر السّياسي عند البَدو يختلف عنه عند الحَضَر. أولاً: قبائل البَدو: البَدو عاشوا كقبائل صغيرة متفرّقة في الصّحاري، ووَحدة القَبِيلة تربط بينها الدّم والعَصَبية ... ولم يكن سَهلاً قيام ارتباط بين عدد من القبائل لتكوين ممالِك، لطبيعة التّمرد وعدم الخضوع عند البَدو. |
(40) مملِكة كِنْدَة وهي المملكة الوحيدة التي قامت في أواسط الجزيرة العربية بين الحكم القبلي ... وكانت قصيرة العمر، وأول ملوكها: حجر آكل المرار؛ وكان تابعاً لملوك حِمَير في اليمن، واستطاع حفيده: الحارث بن عمرو أن يمد نُفوذه إلى الحيرة ... ثم انهار مُلكُهم وعادت الحياة القبلية ... ويُنسَب اِمْرُؤ القَيْس "أحد شُعَراء المُعَلّقات الجَاهِليين" إلى مُلوك كِنْدَه، وقد حاول إعادة مُلك آبائه ففشل. |
ثانياً: مَمَالِك الحَضَر تَركّزت في ثلاث مناطق: اليمن؛ والشمال؛ والحجاز. (41 ، 42) مَمْلَكَة مَعِين وَ مَمْلَكَة قِتْبَان: وهما مُتعاصِرتان تقريباً ... وهما أقدم ممالك اليمن؛ ولكنّ المعلومات المتوفّرة عنهما قليلة جدًّا. |
(43) مَمْلِكة سَبَأ قامت سَبَأ على أنقاض معين وقتبان، وانضّمت لها حَضْرَمَوْتَ، وكانت عاصمتها مَأْرِب، وترجع شُهرة هذه المملكة إلى سببين هامّين هما: أ. مَلِكَة سَبَأ (بِلْقِيس): وقِصّتها مع النّبي سُليمان عليه السلام معروفة، وقد تم ذكرها في القرآن الكريم في سورة النّمل ... قال اللهُ تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ. لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ. أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ. قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ. قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ. قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ. قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ. قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ. فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ. وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ. قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. (سورة النّمل، الآيات أرقام: 20 – 44) ب. سَدُّ مَأْرِب العَظِيم: الذي كانت نتيجته أن كثر الرَّخاء باليمن وعمّت الخيرات، ثم ضعُف هذا السّد وانهار أخيراً، فكان سَيْل العَرِم ... فهاجر كثير من السُّكان إلى الشّمال، وآذن ذلك بسُقُوط سَبَأ، وقيام حِمْيَر ... قال اللهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ. فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}. (سورة سبأ، الآيات: 15-17) |
(44) مَمْلَكَة حِمْيَر قامت هذه المملكة بعد انهيار نفوذ مملكة سبأ، واتّخذت ظفار عاصمةً لها، وكان مُلُوكها يُلقّبون بالتَّبَابِعة؛ وقد خلفت حِمْيَر آثاراً تدلّ على العظمة والرُّقي. ثم ضَعُفت هذه الدّولة في أواخر عهدها، مما أدى إلى احتلال اليمن مِن قِبَل الرُّوم ثم الفُرس. |
(45) سيطرة الروم على اليمن خَيَّر "ذو نواس" ملك حمير -الذي اعتنق اليهودية- المسيحيين في نجران بين اعتناق اليهودية أو الموت، فاختاروا الموت، فحفر لهم أخدوداً وأحرقهم فيه ... قال الله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ.} (سورة البروج: 4 – 6). فَفرّ بعضهم، واستنصروا بحاكم الحَبشة المسيحي "النّجاشي" الذي طلب مساعدة قيصر الرُّوم "حامي المسيحية" والذي أرسل السُّفن والسِّلاح، فاستطاع النّجاشي إخضاع اليمن بواسطة قائده "أرياط"، الذي سرعان ما تمرّد عليه "أبرهة" أحد مساعديه، فقتـله، وأصبح هو حاكم اليمن، وكان ذلك في زمن عبد المطلب بن هاشم (جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم). |
(46) سَيْطَرة الفُرس عَلَى اليَمَن ثم فَرّ أحد أولاد ملوك حِمْيَر واسمه: "سيف بن ذي يزن" إلى بلاد فارس، وطلب نجدتهم لإخراج الأحباش من بلاده، فاستجاب الفُرس، فقدموا وانتصروا على الرّوم، ثم أمر كِسرى أن يُتوّج سيف مَلِكاً على اليمن. وبعد مقتـل سيف، أرسل كِسرى "وهرز" ليكون حاكماً لليمن تابعاً للفُرس، وبعد "وهرز" حكم أبناؤه وأحفاده. وعند بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان حاكم اليمن الفارسي "باذان" وهو من ذرية وهرز، وقد دخل باذان في الإسلام عندما دُعِيَ إليه. |
(47) مَمْلَكَة الاَنْبَاط هم قبائل بدوية، استقرّوا جنوب سوريا، وامتدّت مملكتهم مِن غزّة شمالاً حتى العقبة جنوباً، فاتّخذت موقعاً هاماً في طريق التجارة بين الشمال والجنوب؛ وكان لها إتاوة على التجارة الصّاعدة والهابطة، وكانت عاصمة الانباط مدينة "البتراء". وقد بلغت هذه المملكة غاية مجدها في القرن الأول الميلادي، حيث امتد نفوذها إلى دمشق، وامتدت جنوباً حتى مدائن صالح (ولهم آثار معمارية عظيمة هناك حتى الآن) ... وأشهر ملوكهم: الحارث الثالث، وعبيدة الثاني؛ وقد استولى عليها الرُّومان سنة 105 م. |
(48) مَمْلَكَة تَدْمُر وهي عريقة في القِدَم، فقد ورد لها ذِكْر قبل الميلاد بأكثر من ألف سنة، وبلغت ذروة مجدها في القرن الثاني والثالث الميلادي، وكان لها موقع تجاري واستراتيجي هام بين الإمبراطوريتين الفارسية والرّومانية، وكانت مرتبطة بالرّومان. لذا خاضت حُروباً مُدمّرة ضد الفُرس، وانتصرت فيها انتصارات مؤزّرة، وذلك في عهد ملكهم "أذينة" الذي بسط نفوذه على سوريا كلها، ثم تولّت بعده زوجته "زنوبيا"، التي تحدّت الرُوم وخاضت معهم صراعات عنيفة، إلى أن هُزِمت، ودُمّرت مملكتها. وقد عبد الأنباط والتدمريون الأوثان وقوى الطبيعة. |
(49) مَمْلَكَة الحِيرَةِ هم من عَرَب اليمن المُهاجرين قامت مملكتهم في شمال الجزيرة (جنوب العراق) تابعة للفُرس، تحميهم ويحمونها، وأشهر ملوكهم: عمرو بن عدي، والنذر بن ماء السماء، والنعمان بن المنذر، وبعد النعمان عيّن كِسرى إياسَ بن قبيصة على الحيرة، وأشرك معه رجلاً فارسياً. |
(50) مَمْلَكَة غَسَّان هم مِن عَرَب اليَمن الهَاجِرة بعد انهيار سد مَأرِب -مثل مناذرة الحيرة- وقد استقرّوا ببادية الشّام، فأصبحوا تابعين للرُّوم يحمونها مِن هَجَمات العَرَب ... وكان الحكم في البداية لقبيلة "الضجاعمة" وأشهر ملوكهم: زياد بن الهيولة. ثم حَكَمت قبيلة "بني جفنة" واتخذوا دمشق عاصمة لهم، ومن أشهر ملوكهم: الحارث بن جبلة، والمنذر بن الحارث، وجبلة بن الأيهم، وهو آخر ملوك الغساسنة، وفي عهده دخل المسلمون بلاد الشام، ويقال إن جبلة أسلم ثم ارتد وهرب إلى الروم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. |
(51) الأهمية الحضارية للمناذرة والغساسنة أهم دور لعبته هاتان الملكتان هو أنهما كانتا جسراً عبرت عليه ألوان من حضارة الفُرس والرُّوم إلى الجزيرة العربية ... وأهم هذه الألوان: الأديان وضروب من المعارف العامة، والفنون الحربية وغيرها. |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:43 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.