بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 13-05-2013 12:55 PM

نماذج من صمت العلماء

- عن أبي إسحاق الفزاري قال: (كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يطيل السكوت؛ فإذا تكلم ربما انبسط قال: فأطال ذات يوم السكوت فقلت: لو تكلمت؟ فقال: الكلام على أربعة وجوه: فمن الكلام كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، والفضل في هذا السلامة منه، ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقلُّ ما لك في تركه خفة المؤنة على بدنك ولسانك، ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نشره، قال خلف: فقلت لأبي إسحاق: أراه قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام؟ قال: نعم) .
- و(قال إبراهيم التيمي: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين سنة، فلم يتكلم بكلام لا يصعد) .
- (وقيل: ما تكلم الربيع بن خثيم بكلام الدنيا عشرين سنة، وكان إذا أصبح وضع دواة وقرطاسًا وقلمًا، فكلُّ ما تكلم به كتبه، ثم يحاسب نفسه عند المساء) .
- (قال إسماعيل بن أمية: كان عطاء: يطيل الصمت، فإذا تكلم يخيل إلينا أنه يؤيد) .
- (قال خارجة بن مصعب: صحبت ابن عون ثنتي عشرة سنة، فما رأيته تكلم بكلمة كتبها عليه الكرام الكاتبون) .
- (قال مورِّق العجلي: أمرٌ أنا في طلبه منذ عشر سنين لم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبدًا، قال: وما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني) .
وصايا في الصمت:
- (قال رجل لسلمان رضي الله عنه: أوصني. قال: لا تتكلم. قال: وكيف يصبر رجل على أن لا يتكلم؟ قال: فإن كنت لا تصبر عن الكلام، فلا تتكلم إلا بخير أو اصمت) .
- و(قال رجل لبعض العارفين: أوصني قال: اجعل لدينك غلافًا كغلاف المصحف؛ لئلا يدنسه، قال: وما غلاف الدين؟ قال: ترك الكلام إلا فيما لا بد منه، وترك طلب الدنيا إلا ما لا بد منه، وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه) .
- وعن عقيل بن مدرك يرفعه إلى أبي سعيد (أن رجلًا أتاه، فقال: أوصني، فقال: أوصيك بتقوى الله، وعليك بالصمت، فإنك به تغلب الشيطان) .
- و(عن أبي الذيَّال، قال: تعلَّم الصمت كما تعلم الكلام، فإن يكن الكلام يهديك، فإن الصمت يقيك، ألا في الصمت خصلتان: تدفع به جهل من هو أجهل منك، وتعلم به من علم من هو أعلم منك) .
- وعن حبيب بن عيسى، قال: (كان ابن مريم يقول: ابن آدم الضعيف؛ علم نفسك الصمت كما تعلمها الكلام، وكن مكينًا حتى تسمع، ولا تكن مضحاكًا في غير عجبٍ، ولا هشًّا في غير أربٍ .) .
- (وقال لقمان لابنه: يا بني، إن غلبت على الكلام، فلا تغلب على الصمت، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، إني ندمت على الكلام مرارًا، ولم أندم على الصمت مرة واحدة) .
- و(تكلم أربعة من حكماء الملوك بأربع كلمات كأنها رمية عن قوس: فقال ملك الروم: أفضل علم العلماء السكوت. وقال ملك الفرس: إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها. وقال ملك الهند: أنا على ردِّ ما لم أقل أقدر مني على ردِّ ما قلت. وقال ملك الصين: ندمت على الكلام، ولم أندم على السكوت) .
- (وقد قال بعض الصالحين: الزم الصمت يكسبك صفو المحبة، ويأمنك سوء المغبة، ويلبسك ثوب الوقار، ويكفك مؤنة الاعتذار. وقيل: الصمت آية الفضل، وثمرة العقل، وزين العلم، وعون الحلم؛ فالزمه تلزمك السلامة) .

محمد رافع 52 13-05-2013 12:58 PM

صوم الصمت
- وهو الامتناع عن الكلام فلا يتكلم يومه وليلته، وهذا كان في الجاهلية، ومنعه الإسلام:
- (قال الخطابي في شرح حديث: ((لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل)): كان من نسك أهل الجاهلية الصمت، فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت، فنهوا عن ذلك، وأُمروا بالنطق بالخير) .
- (قال ابن الهمام: يُكره صوم الصمت، وهو أن يصوم ولا يتكلم، يعني يلتزم عدم الكلام، بل يتكلم بخير وبحاجة) .
صمت العيي:
- (كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟ فقال: بلى، متى يفطر الصائم. قال: إذا غابت الشمس، قال: فإن لم تغِبْ إلى نصف الليل؟ قال: فضحك أبو يوسف، وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعاء نطقك، ثم تمثل:


عجبت لإزراء العييِّ بنفسه***وصمت الذي قد كان للقول أعلما



وفي الصمت ستر للعييِّ، وإنما***صحيفة لبِّ المرء أن يتكلما)

محمد رافع 52 13-05-2013 01:00 PM

حكم وأمثال في الصمت

- (الصمت أخفى للنقيصة، وأنفى للغميصة) .
- (إذا فاتك الأدب فالزم الصمت) .
- (إنَّ في الصمت لحكمًا) .
- (الندم على السكوت خير من الندم على القول) .
- (الزم الصمت إذا لم تسأل) .
- (الصمت يكسب المحبة) .
- (الصمت زين العاقل، وستر الجاهل) .
- (الصمت في غير فكرة سهو... والقول في غير حكمة لغو) .
- (الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه ***) .
- وقال لقمان لابنه: (يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك) .
- (وقالوا: بقدر ما يصمت اللسان يعمر الجنان، وبقدر ما كان يتكلم اللسان يخرب الجنان.
وقالوا أيضًا: إذا كثر العلم قلَّ الكلام، وإذا قلَّ العلم كثر الكلام.
وقالوا أيضًا: من عرف الله كَلَّ لسانه.
وقيل لبعض العلماء: هل العلم فيما سلف أكثر، أو اليوم أكثر؟ قال: العلم فيما سلف أكثر، والكلام اليوم أكثر) .
- (خير الخلال حفظ اللسان) يضرب في الحث على الصمت .
- (قولهم: سكت ألفًا ونطق خلفًا: يضرب مثلًا للرجل يطيل الصمت ثم يتكلم بالخطأ. والخلف الرديء من القول. وكان للأحنف بن قيس جليس طويل الصمت فاستنطقه يومًا؛ فقال: أتقدر يا أبا بحر أن تمشي على شرف المسجد، فقال الأحنف: سكت ألفًا، ونطق خلفًا) .
-(ربَّ كلمة سلبت نعمة) يضرب في اغتنام الصمت .
- (الصمت حُكم وقليل فاعله) يقال: إن لقمان الحكيم دخل على داود عليهما السلام وهو يصنع درعًا، فهمَّ لقمان أن يسأله عما يصنع، ثم أمسك ولم يسأل حتى تمَّ داود الدرع، وقام فلبسها، وقال: نعم أداة الحرب، فقال لقمان: الصمت حُكم وقليل فاعله .
- (مُخْرَنْبِقٌ لينباع): والمعنى: (مطرق وساكت ليثب إذا أصاب فرصة، والمعنى إنه ساكت لداهية يريدها، ويضرب في الرجل يطيل الصمت حتى يحسب مغفلًا وهو ذو نكراء) .

محمد رافع 52 13-05-2013 01:19 PM

الصمت في واحة الشعر
قال الشافعي:


قالوا سكتَّ وقد خُوصِمتَ قلتُ لهم ***إنَّ الجواب لِبابِ الشرِّ مفتاحُ



والصَّمت عن جاهل أو أحمقٍ شرف***وفيه أيضًا لِصون العِرض إصلاحُ



أمَا ترَى الأُسود تُخشَى وهي صامتة***والكلب يُخسَى لعمري وهو نبَّاحُ



وقال أيضًا:


وجدتُ سكوتي متجرًا فلزمتُه***إذا لم أجدْ ربحًا فلستُ بخاسرِ



وما الصَّمتُ إلَّا في الرجالِ متاجر***وتاجره يعلو على كلِّ تاجرِ



وقال آخر:


قالوا نراك تطيلُ الصَّمت قلتُ لهم***ما طولُ صمتي مِن عِيٍّ ولا خرسِ



الصمتُ أحمدُ في الحالَين عاقبةً***عندي وأحسنُ بي من منطق شكسِ



قالوا فأنت مصيبٌ لستَ ذا خطأ***فقلتُ هاتوا أروني وجهَ معتبسِ



أأفرشُ البرَّ فيمَن ليس يعرفُه؟***أم أنثرُ الدرَّ بين العُمْي في الغَلَسِ



وقال آخر:


متى تُطبق على شفتيك تَسلمْ***وإن تفتحْهما فقلِ الصَّوابا



فما أحدٌ يُطيل الصَّمت إلَّا***سيأمنُ أن يُذمَّ وأن يُعابا



فقلْ خيرًا أو اسكتْ عن كثيرٍ***مِن القول المحلِّ بك العقابا



وأجاد من قال:


مهلًا سُليمَى أقلِّي اللوم أو فلُمِي***مَن أقعدته صروفُ الدَّهر لم يقمِ



حظِّي يقصر بي عن كلِّ مكرُمةٍ***ولا تقصر بي عن نيلها هممِي



سألزم الصمت ما دام الزمان كذا***وأمنع الدهرَ مِن نطق اللسان فَمِي



إن لامني لائمٌ في الصَّمت قلتُ له***حبسُ الفتى نطقَه حرزٌ من الندمِ



وقال أبو جعفر القرشي:


استرِ العِيَّ ما استطعتَ بصمت***إنَّ في الصَّمت راحة للصَّمُوتِ



واجعلِ الصَّمت إن عَيِيت جوابًا***ربَّ قولٍ جوابُه في السُّكوتِ



وقال آخر:


إن كان يعجبك السُّكوت فإنَّه***قد كان يُعجبُ قبلك الأخيارَ



ولئن ندمتُ على سكوتٍ مرةً***فلقد ندمتُ على الكلام مِرارا



إنَّ السُّكوت سلامةٌ ولربَّما***زرع الكلام عداوة وضرارا



وإذا تقرَّب خاسر مِن خاسر***زادَا بذاك خسارةً وتَبارا



وأنشد الأبرش:


ما ذلَّ ذو صمت وما مِن مُكثرٍ***إلَّا يَزلُّ وما يُعاب صَمُوتُ



إن كان مَنطقُ ناطقٍ مِن فضَّةٍ***فالصَّمت دُرٌّ زانه الياقوتُ



وقال آخر:


وكن رزينًا طويل الصمت ذا فكر***فإن نطقت فلا تكثر من الخطبِ



ولا تجبْ سائلًا من غير تروية***وبالذي عنه لم تُسألْ فلا تُجِبِ



قال أحيحة بن الجلاح:


والصَّمت أجملُ بالفتَى***ما لم يكنْ عِيٌّ يَشينُه



والقولُ ذو خطَلٍ إذا***ما لم يكنْ لبٌّ يعينُه



وقال مخرز بن علقمة:


لقد وارى المقابرُ مِن شريكٍ***كثيرَ تحلُّمٍ وقليلَ عابِ



صموتًا في المجالس غيرَ عِيٍّ***جديرًا حين ينطقُ بالصَّوابِ



وقال مكي بن سوادة:


تسلَّمَ بالسكوتِ مِن العيوبِ***فكان السَّكتُ أجلبَ للعيوبِ



ويرتجلُ الكلامَ وليس فيه***سِوَى الهَذَيانِ مِن حشد الخطيبِ



وقال آخر:


عجبتُ لإدلال العَيِيِّ بنفسه***وصمتِ الذي كان بالقول أعلما



وفي الصَّمتِ سترٌ للعييِّ وإنما***صحيفةُ لبِّ المرءِ أن يتكلَّما



وقال أحد الشعراء:


أرَى الصَّمت أدَنى لبعض الصواب***وبعض التكلُّم أدنى لعِيِّ



وقال أبو العتاهية:


إذا كنت عن أن تحسن الصَّمت عاجزًا***فأنت عن الإبلاغ في القول أعجزُ



يخوض أناس في المقال ليُوجزوا***ولَلصمتُ عن بعض المقالات أوجزُ



وقال آخر:


قد أفلح الصَّامتُ السَّكوت***كلامُ راعي الكلامِ قوتُ



ما كلُّ نطقٍ له جوابُ***جوابُ ما يُكرهُ السُّكوتُ

محمد رافع 52 13-05-2013 01:22 PM


معنى العدل لغةً واصطلاحًا
معنى العدل لغةً:
العدل خلاف الجور، وهو القصد في الأمور، وما قام في النفوس أنه مستقيم، مِن عَدَلَ يَعْدِلُ فهو عادل من عُدولٍ وعَدْلٍ، يقال: عَدَلَ عليه في القضية فهو عادِلٌ. وبسط الوالي عَدْلَهُ .
معنى العدل اصطلاحًا:
العدل هو:(أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه) .
وقيل هو: (عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينًا) .
وقيل هو: (استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير) .
الفرق بين العدل وبعض الصفات:
الفرق بين العدل والقسط:
(القسط: هو العدل البيِّن الظاهر، ومنه سمي المكيال قسطًا، والميزان قسطًا؛ لأنه يصور لك العدل في الوزن حتى تراه ظاهرًا، وقد يكون من العدل ما يخفى، ولهذا قلنا: إن القسط هو النصيب الذي بينت وجوهه، وتقسط القوم الشيء تقاسموا بالقسط) .

محمد رافع 52 13-05-2013 01:23 PM

الفرق بين العدل والإنصاف:

(الإنصاف: إعطاء النصف، والعدل يكون في ذلك وفي غيره، ألا ترى أنَّ السارق إذا قُطع قيل: إنه عدل عليه. ولا يقال: إنه أنصف، وأصل الإنصاف أن تعطيه نصف الشيء، وتأخذ نصفه من غير زيادة ولا نقصان، وربما قيل: أطلب منك النصف. كما يقال: أطلب منك الإنصاف. ثم استعمل في غير ذلك مما ذكرناه، ويقال: أنصف الشيء. إذا بلغ نصف نفسه، ونصف غيره إذا بلغ نصفه) .

محمد رافع 52 13-05-2013 01:25 PM

أهمية العدل
أرسل الله رسله وأنزل معهم ميزان العدل؛ ليقوم الناس بالقسط، وما ذلك إلا لأهميته، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد:25].
ووردت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تأمر بالعدل وترغب فيه، وتمدح من يقوم به.


يقول ابن القيم: (... إن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس بالقسط، وهو
العدل الذي قامت به الأرض والسموات، فإذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان؛ فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخصَّ طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بيَّن سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين وليست مخالفة له) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:35 PM

أولًا: في القرآن الكريم
أمر الله بإقامة العدل وحثَّ عليه، ومدح من قام به، وذلك في آيات كثيرة منها:
1- آيات فيها الأمر بالعدل:
- قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90].


قال السعدي: (فالعدل الذي أمر الله به، يشمل
العدل في حقِّه، وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة؛ بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقِّه وحقِّ عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كلُّ والٍ ما عليه تحت ولايته، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الخليفة، ونواب القاضي.
والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه، ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك، فلا تبخس لهم حقًّا، ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم. فالعدل واجب، والإحسان فضيلة مستحب) .
- وقال عزَّ مِن قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135].
يقول ابن كثير: (يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوَّامين بالقسط، أي: بالعدل، فلا يعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.
وقوله:شُهَدَاءَ لِلَّهِ كما قال: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق: 2]. أي: ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقًّا، خالية من التحريف والتبديل والكتمان؛ ولهذا قال: وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ. أي: اشهد الحقَّ، ولو عاد ضررها عليك، وإذا سُئِلتَ عن الأمر فقل الحقَّ فيه، وإن كان مضرة عليك، فإنَّ الله سيجعل لمن أطاعه فرجًا ومخرجًا من كلِّ أمر يضيق عليه) .
- وقال سبحانه: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [الشورى:15].
يقول تعالى ذكره: (وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعًا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه... وعن قتادة، قوله: ((وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ قال: أمر نبي الله صَلَّى الله عليه وسلَّم أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه)) . والعدل ميزان الله في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدق الله الصادق، ويكذب الكاذب، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه) .
2- آيات فيها مدح من يقوم بالعدل:
- قال سبحانه: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:181].
قال ابن كثير: (يقول تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ أي: ومن الأمم أُمَّةٌ قائمة بالحق، قولًا وعملًا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يقولونه ويدعون إليه، وَبِهِ يَعْدِلُونَ يعملون ويقضون.
وقد جاء في الآثار: أنَّ المراد بهذه الأمة المذكورة في الآية، هي هذه الأمة المحمدية.
قال سعيد، عن قتادة في تفسير هذه الآية: بلغنا أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية: هذه لكم، وقد أُعطي القوم بين أيديكم مثلها: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:159]) .
- وقال عزَّ مِن قائل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل:76].
(يقول الله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ يعني: هل يستوي هذا الأبكم الكلُّ على مولاه، الذي لا يأتي بخير حيث توجَّه، ومن هو ناطق متكلم، يأمر بالحقِّ، ويدعو إليه، وهو الله الواحد القهار، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته، يقول: لا يستوي هو تعالى ذكره، والصنم الذي صفته ما وصف. وقوله وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل: 76] يقول: وهو مع أمره بالعدل، على طريق من الحقِّ في دعائه إلى العدل، وأمره به مستقيم، لا يعوج عن الحقِّ، ولا يزول عنه) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:37 PM

ثانيًا: في السنة النبوية

لقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم العدل، ورغَّب فيه، وقد وردت الأحاديث تدلُّ على تطبيقه قواعد العدل، وإرسائه لمعالمه منها:
- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكارهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنَّا، لا نخاف في الله لومة لائم)) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا .)) .
قال ابن عثيمين: (فالعدل واجب في كلِّ شيء، لكنه في حق ولاة الأمور آكد وأولى وأعظم؛ لأنَّالظلم إذا وقع من ولاة الأمور حصلت الفوضى والكراهة لهم، حيث لم يعدلوا) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)) .
قال ابن رجب: (وأول هذه السبعة: الإمام العادل: وهو أقرب الناس من الله يوم القيامة، وهو على منبر من نور على يمين الرحمن، وذلك جزاء لمخالفته الهوى، وصبره عن تنفيذ ما تدعوه إليه شهواته وطمعه وغضبه، مع قدرته على بلوغ غرضه من ذلك؛ فإنَّ الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، وهذا أنفع الخلق لعباد الله، فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها، وقد رُوي أنَّه ظلُّ الله في الأرض؛ لأنَّ الخلق كلَّهم يستظلون بظلِّه، فإذا عدل فيهم أظلَّه الله في ظلِّه) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:39 PM

أقوال السلف والعلماء في العدل
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ الله إنما ضرب لكم الأمثال، وصرف لكم القول؛ لتحيا القلوب، فإنَّ القلوب ميتة في صدورها حتى يحييها الله، من علم شيئًا فلينفع به، إنَّ للعدل أمارات وتباشير، فأما الأمارات فالحياء والسخاء والهين واللين، وأما التباشير فالرحمة، وقد جعل الله لكل أمر بابًا، ويسَّر لكلِّ باب مفتاحًا، فباب العدل الاعتبار، ومفتاحه الزهد، والاعتبار ذكر الموت ،والاستعداد بتقديم الأموال، والزهد أخذ الحقِّ من كلِّ أحد قِبَله حقٌّ، والاكتفاء بما يكفيه من الكفاف، فإن لم يكفه الكفاف لم يغنه شيء...) .
- (وقدم على عمر بن الخطاب رجل من أهل العراق، فقال: لقد جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب. فقال عمر: ما هو؟ قال: شهادات الزور ظهرت بأرضنا. فقال عمر: أو قد كان ذلك؟! قال نعم. فقال عمر: والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول .) .
- وقال رِبعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد الفرس لما سأله: ما جاء بكم؟ فقال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتى نفيء إلى موعود الله...) .
- وقال عمرو بن العاص: (لا سلطان إلا بالرجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل) .
- وقال ميمون بن مهران: (سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أقمت فيكم خمسين عامًا ما استكملت فيكم العدل، إني لأريد الأمر وأخاف أن لا تحمله قلوبكم فأخرج معه طمعًا من الدنيا؛ فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا) .
- (وخطب سعيد بن سويد بحمص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنَّ للإسلام حائطًا منيعًا، وبابًا وثيقًا، فحائط الإسلام الحقُّ، وبابه العدل، ولا يزال الإسلام منيعًا ما اشتدَّ السلطان، وليست شدة السلطان ***ًا بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذًا بالعدل) .
- وقال ابن حزم: (أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحقِّ وإيثاره) .
- وقال ابن تيمية:(العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة) .
- وقال أيضا: (وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام) .
- وقال ابن القيم: (ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنَّه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أنَّ السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأنَّ من أحاط علمًا بمقاصدها، ووضعها موضعها، وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة.
فإنَّ السياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحقَّ من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة علمها من علمها، وجهلها من جهلها) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:42 PM

فوائد العدل

1- بالعدل يستتب الأمن في البلاد، وتحصل الطمأنينة في النفوس، ويشعر الناس بالاستقرار، وبذلك يُقضى على المشكلات الاجتماعية والاضطرابات التي تحدث في الدول، بسبب الظلم.
2- بالعدل يعم الخير في البلاد:
فالعدل سبب في حصول الخير والبركة إذا كان منتشرًا بين الولاة، وبين أفراد المجتمع، يقول ابن الأزرق: (إنَّ نية الظلم كافية في نقص بركات العمارة فعن وهب بن منبه قال: إذا هم الولي بالعدل أدخل الله البركات في أهل مملكته حتى في الأسواق والأرزاق وإذا هم بالجور أدخل الله النقص في مملكته حتى في الأسواق والأرزاق) .
فقيام العدل في الأرض كالمطر الوابل، بل هو خير من خصب الزمان كما قيل، فمن كلامهم: (سلطان عادل خير من مطر وابل، وقالوا عدل السلطان خير من خصب الزمان، وفي بعض الحكم: ما أمحلت أرض سال عدل السلطان فيها ولا محيت بقعة فاء ظله عليها) .
3- ظهور رجحان العقل به:
قيل لبعضهم: مَن أرجح الملوك عقلًا، وأكملهم أدبًا وفضلًا؟ قال: من صحب أيامه بالعدل، وتحرَّز جهده من الجور، ولقي الناس بالمجاملة، وعاملهم بالمسألة، ولم يفارق السياسة، مع لين في الحكم، وصلابة في الحقِّ، فلا يأمن الجريء بطشه، ولا يخاف البريء سطوته .
4- العدل أساس الدول والملك وبه دوامهما:
فبالعدل يدوم الملك، ويستقر الحاكم في حكمه، و(في بعض الحِكم: أحقُّ الناس بدوام الملك وباتصال الولاية، أقسطهم بالعدل في الرعية، وأخفهم عنها كلًّا ومؤونة، ومن أمثالهم: من جعل العدل عُدَّة طالت به المدة) .
5- من قام بالعدل نال محبة الله سبحانه، قال تعالى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]
6- بالعدل يحصل الوئام بين الحاكم والمحكوم.


7- بالعدل يسود في المجتمع
التعاون والتماسك.

محمد رافع 52 14-05-2013 04:44 PM

أقسام العدل

(والعدل ضربان:
1- مطلق: يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخًا، ولا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو: الإحسان إلى من أحسن إليك، وكفِّ الأذية عمن كفَّ أذاه عنك.
2- وعدل يعرف كونه عدلًا بالشرع، ويمكن أن يكون منسوخًا في بعض الأزمنة، كالقصاص وأروش الجنايات، وأصل مال المرتد. ولذلك قال: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [البقرة:194]، وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، فسمي اعتداء وسيئة، وهذا النحو هو المعني بقوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، فإنَّ العدل هو المساواة في المكافأة، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، والشرَّ بأقلَّ منه) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:48 PM

صور العدل
العدل له صور كثيرة، تدخل في جميع مناحي الحياة، نقتصر على ذكر أهمها، فمنها:
1- عدل الوالي:
والوالي سواء كانت ولايته ولاية خاصة أو عامة يجب عليه أن يعدل بين الرعية. وأن يستعين بأهل العدل.
قال ابن تيمية، بعد أن ذكر عموم الولايات وخصوصها، كولاية القضاء، وولاية الحرب، والحسبة، وولاية المال قال: (وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية، فأيُّ مَن عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل، وأطاع الله ورسوله بحسب الإمكان- فهو من الأبرار الصالحين، وأيُّ مَن ظلم وعمل فيها بجهل، فهو من الفجار الظالمين) .
وقال أيضًا: (يجب على كلِّ ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذَّر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل) .
2- العدل في الحكم بين الناس:
سواء كان قاضيًا، أو صاحب منصب، أو كان مصلحًا بين الناس، وذلك بإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، قال تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58].


3-
العدل مع الزوجة أو بين الزوجات:
بأن يعامل الزوج زوجته بالعدل سواء في النفقة والسكنى والمبيت، وإن كن أكثر من واحدة، فيعطي كلًّا منهنَّ بالسوية.
قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3].
أما إذا كان له ميل قلبيٌّ فقط إلى إحداهن، فهذا لا يدخل في عدم العدل، قال تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:129].
قال ابن بطال: (قوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ. أي: لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم في حبهنَّ بقلوبكم حتى تعدلوا بينهنَّ في ذلك؛ لأنَّ ذلك مما لا تملكونه وَلَوْ حَرَصْتُمْ يعنى ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك. قال ابن عباس: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهنَّ ولو حرصت. قال ابن المنذر: ودلت هذه الآية أن التسوية بينهنَّ في


المحبة غير واجبة) .
4- العدل بين الأبناء:
قال صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) . ويكون العدل بين الأولاد في العطية ، والهبة، والوقف، والتسوية بينهم حتى في القُبَل، فعن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَل) .
5- العدل في القول:
فلا يقول إلا حقًّا، ولا يشهد بالباطل، قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام:152].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [النساء:135].
6-


العدل في الكيل والميزان:
قال تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ [الأنعام:152] (يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعَّد على تركه في قوله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين: 1 -6] وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان) .
7-


العدل مع غير المسلمين:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8].
(وفي كون


العدل مع الأعداء الذين نبغضهم أقرب للتقوى احتمالان:
الأول: أن يكون أقرب إلى كمال التقوى، وذلك لأنَّ كمال التقوى يتطلب أمورًا كثيرة، منها هذا العدل، والأخذ بكلِّ واحد من هذه الأمور يقرب من منطقة التقوى الكاملة.
الثاني: أن يكون أقرب إلى أصل التقوى فعلًا من ترك العدل مع الأعداء، ملاحظين في ذلك مصلحة للإسلام وجماعة المسلمين، وذلك لأنَّه قد يشتبه على ولي الأمر من المسلمين في قضية من القضايا المتعلقة بعدو من أعدائهم، هل التزام سبيل العدل معه أرضى لله؟ أو ظلمه هو أرضى لله باعتباره معاديًا لدين الله؟ وأمام هذا الاشتباه يعطي الله منهج الحل، فيقول: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8] أي: مهما لاحظتم أنَّ ظلمه لا يتنافى مع التقوى، فالعدل معه أقرب للتقوى.
ولا يخفى أن من ثمرات هذا


العدل ترغيب أعداء الإسلام بالدخول فيه، والإيمان بأنَّه هو الدين الحقُّ، وكم من حادثة عدل حكم فيها قاضي المسلمين لغير المسلم على المسلم اتباعًا للحق، فكانت السبب في تحبيبه بالإسلام ثم في إسلامه) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:50 PM

نماذج من عدل الرسول صلى الله عليه وسلم

الإسلام هو دين العدالة، وإنَّ أمة الإسلام هي أمة الحق والعدل، وقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم العدل، وكان نموذجًا في أعلى درجاته، وأقامه خلفاؤه من بعده.
- فقد ورد ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزيَّة حليف بني عدي ابن النجار قال: وهو مستنتل من الصف، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدح في بطنه، وقال: استو يا سواد. فقال: يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالعدل، فأقدني. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقد. قال: يا رسول الله، إنَّك طعنتني، وليس عليَّ قميص. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: استقد قال: فاعتنقه، وقبَّل بطنه، وقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله، حضرني ما ترى، ولم آمن ال***، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير)) .
- وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ((أنَّ قريشًا أهمَّهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد: فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني -والذي نفسي بيده- لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) . ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقُطعت يدها.

محمد رافع 52 14-05-2013 04:52 PM

نماذج من عدل الصحابة رضي الله عنهم

عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن عطاء: قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالموسم، فإذا اجتمعوا قال:
(أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم. فمن فعل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل واحد قام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ عاملك فلانا ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أُقيد وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه. قال: فدعنا فلنرضه. قال: دونكم فأرضوه. فافتدى منه بمائتي دينار. كل سوط بدينارين) .
- ولما أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتاج كسرى وسواريه، قال: (إنَّ الذي أدَّى هذا لأمين! قال له رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله تعالى، فإذا رتعت رتعوا) .
عدل علي رضي الله عنه:
- افتقد علي رضي الله عنه درعًا له في يوم من الأيام، ووجده عند يهودي، فقال لليهودي: (الدرع درعي لم أبع ولم أهب، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فقال: نصير إلى القاضي، فتقدَّم علي فجلس إلى جنب شريح، وقال: لولا أنَّ خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((وأصغروهم من حيث أصغرهم الله)). فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين. فقال: نعم، هذه الدرع التي في يد هذا اليهودي درعي لم أبع ولم أهب، فقال شريح: إيش تقول يا يهودي؟ قال: درعي وفي يدي. فقال شريح: ألك بينة يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم: قَنْبَر والحسن يشهدان أنَّ الدرع درعي. فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز للأب. فقال علي: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة)). فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدَّمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه، أشهد أنَّ هذا هو الحقُّ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، وأنَّ الدرع درعك) .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.