بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أخبار و سياسة (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=79)
-   -   تحليلات سياسية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=455672)

الاخ الكبير جدا 24-09-2012 10:04 AM

السلفين ما زالوا في مرحلة تصالح مع شريعتهم
ندعو الله ان يهديهم سبل فهم الاوليين

aymaan noor 24-09-2012 02:41 PM

الإساءة للإسلام: مناسبة جديدة للصدام بين الشرق والغرب
 
الإساءة للإسلام: مناسبة جديدة للصدام بين الشرق والغرب
معتز بالله عبد الفتاح
هل تكون مفاجأة لحضراتكم لو قلت لكم إن العالم فوجئ بأن هناك فيلماً مسيئاً للرسول وأنه استهجن ما يفعله بعض المسلمين أكثر من استهجانه للفيلم نفسه؟ وهل يكون من قبيل المفاجأة أيضاً أن العالم لم يكن يعلم بهذا الفيلم إلا بعد الاحتجاجات التى بدأت فى مصر وليبيا وتونس ومنها انتقلت إلى السودان واليمن وباكستان وبنجلاديش ثم إلى عدد من العواصم الأخرى غير الإسلامية على نحو جعلنا نقوم بدعاية مجانية لفيلم يسىء لنا. وأزعم أنه لو كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حياً لتعجب مما يفعله أتباعه به وبدينهم.

على سبيل المثال: صحيفة Japan Times كتبت تعليقاً يشير إلى أن العالم استيقظ فجأة ليس على جريمة سبّ النبى محمد، وإنما على الدعاية المجانية التى قام بها الكثير من المسلمين لمن يسبون النبى الذى يؤمنون برسالته.

وكلام الصحيفة دقيق، حيث إن الفيلم كان متاحاً على الإنترنت منذ يوليو الماضى، ولم يكن قد شاهده أكثر من تسعة آلاف مواطن حتى تحول بعد ثلاثة أيام من موجة الاحتجاجات إلى أن شاهده أكثر من ثلاثة عشر مليون شخص. بل إن صحيفة الصنداى تليغراف البريطانية أشارت إلى أن أغلب الناس لم تكن تعرف أن هناك فيلماً يحمل إساءة إلى النبى محمد والمسلمين إلا عندما عرضه أحد الدعاة المصريين فى برنامجه وطالب بالقصاص من صانعيه. وفى زعمى أن هذه هى الجريمة الكاملة: يصنع أحدهم سُمَّاً ويضعه فى زجاجة على باب المنزل، يأخذ طفل السم فيضعه فى الطعام ظناً منه أنه يحسن صنعاً، لي*** كل من فى البيت.

وهو ما قالته الصحيفة اليابانية: «لم نكن لنلتفت لهذا الفيلم، لولا أنه ارتبط بهذا الكم من الاحتجاجات».

من الدين إلى السياسة

لكن هذا الفيلم فتح باباً لنقاش أوسع فى دوائر بيوت الخبرة ومراكز التفكير الغربية لتعقد ندوات على عجل لتسأل سؤالاً بالغ الأهمية: هل ساعدنا عدوَّنا فى الوصول إلى السلطة؟

بل إن صحيفة التايمز البريطانية سألت نفس السؤال بعد يومين من اغتيال السفير الأمريكى وثلاثة من مساعديه فى ليبيا: هل تحول «الربيع العربى» إلى «خريف عربى»؟ هل ساعدنا أعداءنا كى يصلوا إلى السلطة فى بلدان الربيع المتحول إلى خريف دامٍ فى بلدان العرب؟

وتشير مجلة فورين بوليسى الأمريكية إلى أن المنطقة تزداد يمينية؛ واليمينية فى الشرق الأوسط عادة ترتبط بالمزيد من الحَرْفية والتطرف فى تفسير النصوص الدينية وصولاً إلى استخدام ال*** للدفاع عن هذه التفسيرات، بل ربما تكون مقدمة لتكوين نظم فاشية دينية من وجهة نظر المجلة. إن الخوف يتصاعد حين تربط هذه المراكز والصحف بين نتائج الانتخابات والخوف من أن تنقلب المعادلة: بدلاً من أن تكون الولايات المتحدة عدوة للشعوب وصديقة للحكومات مثلما كان فى السابق، ستتحول الولايات المتحدة إلى عدوة للشعوب وعدوة للحكومات أيضاً.

ولم تبعد صحيفة اللوموند الفرنسية عن نفس المنطق فى التناول لتوضح أن ردود الفعل العربية والباكستانية لم تكن بعيدة عن فتوى إيرانية جديدة ترفع جائزة *** سلمان رشدى إلى 3.3 مليون دولار بعد الأحداث التى أطلقها الفيلم المسىء للإسلام بما يعنى أن العالم الإسلامى لا يفوّت فرصة لكى يرفع شعارات دينية فى مواجهة الغرب.

كل ما سبق هو رصد لما كان، والسؤال الآن هو كيف يمكن لنا العبور مما نحن فيه إلى واقع أفضل؟

أولاً، لا بد أن نتجنب مزالق «تفخيخ» العلاقات بين دولنا والعالم الخارجى. هم بحاجة إلينا ونحن بحاجة إليهم أيضاً، وهناك من لا يريد لهذا الاعتماد المتبادل أن يتم، وإنما أن تظل صورة العداء المتبادل هى السائدة بين الطرفين. وقد سبقت الإشارة إلى أن مقولة نُسبت إلى أحد قيادات جهاز المخابرات السوفيتى فى مطلع الخمسينات حين أشار: «غباء هتلر تمثل فى أنه أراد أن يحارب الجميع: الفرنسيين، الإنجليز، الأمريكان، الروس. قمة الذكاء أن نجعل أعداءنا يحاربون بعضهم بعضاً دون أن نحاربهم نحن». وقد التقطت أجهزة المخابرات الأمريكية هذه الإشارة وكتبت تقريراً مصغراً تحت عنوان: «تفخيخ علاقات الولايات المتحدة بحلفائها: ماذا يمكن أن نفعل؟»

وقُدم التقرير آنذاك للرئيس أيزنهاور الذى قام بتكليف مجموعة من الاستخبراتيين وأساتذة العلاقات الدولية للبحث فى كيفية مواجهة المؤامرات السوفيتية. وبعد عدة محاولات كان القرار أن يرتفع مستوى العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها كى تصبح علاقة «تحالف استراتيجى»، والسر فى هذا أن تكون عمليات التنسيق بين أجهزة صنع القرار من القوة والسرعة بحيث يصعب تفخيخها أو النيل منها.

إذن، فكرة التفخيخ جزء من العلاقات الدولية، وله طرقه التى يحسنها هؤلاء. والعلاقات العصية على التفخيخ يكون الحل معها بتوثيق العلاقات لتصبح «تحالفاً استراتيجياً» وهو ما يبدو أنه اهتز بشدة فى أعقاب هذه الاحتجاجات على فيلم وصفته هيلارى كلينتون أنها أو حكومتها حتى لم تكن تعلم بوجوده.

ثانياً، خسائر الغضب غير المنضبط عادة تكون كبيرة ولها تداعيات طويلة المدى؛ فمن المثير للتأمل أن أعمال الشغب التى تعرضت لها السفارة الأمريكية فى القاهرة حصلت عندما كان وفد تجارى أمريكى يعقد مؤتمراً صحفياً ختامياً فى مصر. وكان هدفه إقناع مديرى الشركات الأمريكية بأن مصر جاهزة للاستثمارات. هل ستأتى هذه الاستثمارات بنفس القدر وبنفس السرعة؟ أشك.

وبالمثل، فإن السفير الأمريكى كريستوفر سيفنز الذى لفظ أنفاسه الأخيرة فى مستشفى بنغازى كان ينوى زيارة المستشفى ذاته بعد أقل من اثنى عشر ساعة بهدف تشجيع شراكة بينه وبين المستشفيات الأمريكية.

ثالثاً، مثل هذه الأحداث الدامية والغضب غير المنضبط يخلق صورة ذهنية عصية على التغيير، فالصورة الذهنية الناصعة عن الثورة المصرية مثلاً بدأت تتراجع؛ حيث كان الافتراض أن الثورات التى شهدتها بلدان الربيع العربى كانت تسعى إلى تمكين الشعوب من السلطة لكن هذا السيناريو بات فى خطر بسبب وجود صورة أخرى وهى احتمال انزلاق تلك البلدان إلى «حكم الدهماء» فى غياب قيادة قوية.

رابعاً، مثل هذه الأحداث تكون عادة اختباراً لمدى قدرة القيادات السياسية على حسن إدارة الأزمات والتفاعل مع المستجدات؛ فالصورة الذهنية التى تكوّنت عن الدكتور مرسى قبل أحداث الاحتجاج أمام السفارة الأمريكية والتى كانت تنقلها عدسات التليفزيونات الغربية على الهواء مباشرة مثل مباريات الكرة، هذه الصورة الذهنية تغيرت لحد ما مع الهجوم على السفارة الأمريكية بسبب ما وصفته دوائر غربية بأنه «رد فعل اتسم بالفتور» لأنه أدان الفيلم التحريضى قبل أن ينتقد ال*** الذى تعرضت له السفارة الأمريكية فى القاهرة علماً بأن الشرطة كان من واجبها أن تحول دون وقوع ال*** أصلاً، وأنه أدان الفيلم فقط خلال زيارة إلى بروكسل كان يهدف من ورائها إلى الحصول على قرض بقيمة مليار دولار أمريكى.

خامسا، لا بد من التفرقة بين الأسباب الأصيلة والأسباب المباشرة للغضب. إن دوامة الاحتجاجات العنيفة المناهضة للغرب بين العرب والمسلمين ليست نابعة فقط من الحملة الدعائية التى حاول الفيلم والرسوم الكاريكاتورية بثها ضد الإسلام وأهم رموزه. إن هذه الدوامة لها علاقة بعقود من الإمبريالية الغربية والدور السلبى الذى لعبته دول الغرب فى دعم حكومات مستبدة والاحتلال الإسرائيلى من ناحية، والمهارات التنظيمية لبعض القوى المتطرفة دينياً فى المنطقة. وعليه فإن المنطقة لم تزل مهددة بموجات من ال*** ينبغى غلق الطريق عليها عبر العودة إلى أصول المشكلات وعلى رأسها الصراع العربى الإسرائيلى. ويبدو أن أوباما له رغبة حقيقية فى فتح هذا الملف حال فوزه بالانتخابات الجديدة بأن يرفع دعم بلاده لإسرائيل إذا لم تستجب لاستحقاقات السلام وحل الدولتين. وهو ما يقتضى منا أن نساعده فيه وأن نحثه عليه للتخلص من أصل الداء.

سادساً، المسلمون ليسوا بدعاً من شعوب الأرض، فبالعودة إلى عدد الأفلام التى أُنتجت عن الأنبياء والأديان الأخرى والتى لاقت رفضاً من أتباع هذه الديانات يتأكد أن السعى لإهانة الرموز الدينية ستستمر، ولكن علينا ألا نحولها إلى مناسبة لإثبات صحة الأكاذيب التى تقال عنا. ولنتذكر فيلم «الإغواء الأخير للمسيح The Last Temptation of Christ» و«حياة براين Life of Brian» وكلاهما يسخر من نبى المسيحية، وكذلك فيلم «مياه Water» وهو فيلم كندى يروى قصة أرامل هندوسيات وحظى بانتقادات واسعة من الهندوس لأنه ينتقد بعض التقاليد الهندوسية. وستستمر هذه النزعة لدى البعض ممن يرون أن دورهم تقديم صورة مغايرة عن الأديان التى يؤمن بها آخرون.

سابعاً، ليس كل ما ينتجه الغرب من أعمال درامية أو تعبيرية هو جزء من مؤامرات حكومية تقوم بها الدول ضد الأديان؛ هذه المجتمعات تحكم بدساتير تحض على حرية الرأى وحرية التعبير وحرية الانتقاد (حتى لو كان جائراً) تجاه الشخصيات العامة الأحياء منهم والأموات. والأنبياء والقيادات والزعامات كلها عند هؤلاء شخصيات عامة يمكن التقول عليها بما يشاء الفرد. وكلما كان رد فعلنا عنيفاً تجاه مثل هذه الأعمال، فهذا سيفتح شهيتهم للمزيد. لذا فإن الجهد الأساسى الذى ينبغى أن تقوم به الدول العربية والإسلامية هو تمرير معاهدة دولية تحترم الأديان ورموزها الأساسية وأن تطالب الدول المختلفة بالتوقيع ثم التصديق عليها.

هذه لن تكون آخر مواجهة بين الشرق والغرب بسبب محاولات البعض تفخيخ العلاقة بين الطرفين، ولكن من الحمق ألا نستفيد من أخطائنا.

aymaan noor 25-09-2012 10:50 AM

توصيات أمريكية لتطوير العلاقات بين واشنطن وأنقره
 
توصيات أمريكية لتطوير العلاقات بين واشنطن وأنقره
فريق عمل تابع لمجلس العلاقات الخارجية

http://www.rcssmideast.org/media/k2/...857b88bf_L.jpg
عرض شيماء أحمد محمود، مترجمة متخصصة في الشئون السياسية والاقتصادية
تتمتع العلاقة الأمريكية مع تركيا بإمكانية تطويرها لتصبح شراكة دبلوماسية واقتصادية متينة، فالتغييرات الكبيرة التي شهدتها تركيا على مدى السنوات العشر المنصرمة تجعلها مؤهّلَة لتعاون أقوى مع الولايات المتحدة. وبالنظر إلى وضعها الاقتصادي؛ نجد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في تركيا أهّلها لتكون ضمن أقوى عشرين اقتصادا في العالم، فضلا عن تطلع تركيا وسعيها الحثيث للانضمام إلى صفوف أقوى عشر اقتصاديات في العالم في غضون السنوات العشر المقبلة.

وتلعب تركيا أيضًا دورا أكبر على الساحة الدبلوماسية؛ حيث إنها تشارك بنشاط في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وتبحث لإيجاد دور أكبر للإسلام في الحياة السياسية، وتبعث بنداءات صارمة للأسد تطالبه فيها بالتنحي، فضلا عن دعمها المعارضة السورية، وتوفيرها ملاذاتٍ آمنة للاجئين السوريين. ومن ثمّ لم تصبح سياسة تركيا متوافقة مع سياسة الولايات المتحدة فحسب؛ بل مع سياسة المجتمع الأوروبي والدولي أيضا.

وفي هذا الصدد؛ أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، وهو من المؤسسات الفكرية الهامة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، تقريرا تحت عنوان: "العلاقة الأمريكية-التركية: شراكة جديدة مع تركيا"، شدّد فيه على ضرورة بذل جهود مضنية لتطوير العلاقة التركية-الأمريكية على النحو الذي يكفل تأسيس علاقات إستراتيجية بين البلدين. وأعدّ التقرير فريق عمل برئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، ومستشار الأمن القومي السابق ستيفن هادلي، والخبير في شئون السياسة العربية في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ستيفن كوك.

تطور العلاقات التركية-الأمريكية

على مدى ستة عقود؛ عملت أنقرة بشكل وثيق مع واشنطن؛ إذ قاتل الجنود الأتراك جنبًا إلى جنب مع الجنود الأمريكيين في كوريا في أوائل عام 1950، وكانت تركيا شريكا حيويا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) إبان الحرب الباردة الطويلة.

بيد أنه توترت العلاقة التركية الأمريكية في عام 1960 إبان إدارة جونسون، وفي أوائل عام 1970 عندما حظرت الولايات المتحدة بيع الأسلحة الأمريكية لتركيا في أعقاب الغزو التركي لجزيرة قبرص، ذلك الغزو الذي شنته تركيا ردًّا على الانقلاب اليوناني الذي وضع القبارصة الأتراك الأقلية في خطر. وما صعّد حدة التوتر آنذاك بين الولايات المتحدة وتركيا هو سعي المجتمع الأمريكي والأرميني لإقناع الكونجرس الأمريكي والإدارات المتعاقبة باستصدار قانون يعترف بالمذابح التركية التي ارتُكبت ضد الأرمن في عام 1915.

وولّد الغزو الأمريكي للعراق أيضًا توترات بين واشنطن وأنقرة، نتيجة عجز الجمعية الوطنية الكبرى التركية عن تمرير تشريع يخوّل للقوات الأمريكية استخدام الأراضي التركية لفتح جبهة شمالية ضد صدام حسين، ونتيجة حالة عدم الاستقرار في العراق التي تزامنت مع مرحلة ما بعد الغزو مع استئناف حزب العمال الكردستاني هجماته ضد تركيا.

هذا وقد أُثيرت تساؤلات في أوساط صناع القرار الأمريكيين حول مدى التزام تركيا بالتحالف الغربي عندما أبرمت أنقرة مع البرازيل وإيران اتفاقًا بشأن تشغيل مفاعل الأبحاث الطبية في طهران، وعندما صوتت في وقت لاحق ضد فرض مجلس الأمن عقوبات على النظام الإيراني.

ورغم هذا التوتر الذي اعترى علاقة البلدين؛ لا تزال أنقرة ذات أهمية جيوستراتيجية لواشنطن. فعلى سبيل المثال؛ تحولت تركيا من كونها عاملا مزعزعا للاستقرار في العراق إلى كونها شريكًا هامًّا في عملية إعادة إعمار العراق وتنميته اقتصاديا وتأمين أراضيه. وعملت أنقرة وواشنطن بشكل تعاوني على احتواء الانتفاضات في العالم العربي، لا سيما في ليبيا وسوريا. هذا ووافقت تركيا على استضافة رادار إنذار مبكر لحلف شمال الأطلسي، ما تعتبره واشنطن عنصرا هاما للأمن الأوروبي.

ومن ثم يرى الفريق المعد للتقرير أن الولايات المتحدة وتركيا لديهما، إلى حد كبير، أهداف مشتركة تتعلق بمسائل ذات أهمية مشتركة، وعليه يحض الفريق الحكومتين الأمريكية والتركية على تعميق عملية التشاور بينهما، فهذا من شأنه أن يسهّل على الدولتين التعامل مع المشكلات والأزمات، وأن يخفف من حدة الخلافات بينهما.

العلاقات الاقتصادية.. الحلقة الأضعف

لا يزال الاستثمار والتجارة يمثلان حلقة ضعيفة في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا؛ فقد بلغ حجم التجارة الثنائية 15 مليار دولار فقط في عام 2010، ولا تزال تلك التجارة الثنائية تعتمد بشكل مفرط على مبيعات الطائرات دون غيرها. ومن ثم بات الطرفان يوليان مزيدا من الاهتمام للعلاقة الاقتصادية. فإبان زيارة الرئيس أوباما لتركيا في عام 2009، تعهد هو والرئيس التركي عبد الله جول بتعزيز الدعامة الاقتصادية لعلاقتهما.

وفي إطار تعاونهما الاقتصادي والتجاري الإستراتيجي؛ شكّلت الولايات المتحدة وتركيا في أكتوبر 2010 لجنة اقتصادية ومجلس أعمال تركي-أمريكي. وفي ديسمبر 2011، عزز نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مصالح واشنطن في العلاقات الاقتصادية مع تركيا عندما سافر إلى إسطنبول لحضور قمة ريادة الأعمال العالمية التي استضافتها تركيا.

ويُشير التقرير إلى أن تركيا تعتبر واحدة من الأسواق التي تتطلع الولايات المتحدة إلى مضاعفة صادراتها إليها بحلول عام 2015؛ فقطاع ريادة الأعمال النشط يجعل تركيا شريكا مثاليا لمبادرات ريادة الأعمال. ويحض الفريق المعد لهذا التقرير الولايات المتحدة وتركيا على استكشاف سبل جديدة لتعميق علاقتيهما الاقتصادية بشكل لا يفيدهما ماليًّا فحسب، بل بشكل يحصّن علاقتيهما في أوقات التوتر أيضا.

تحوُّل تركيا: الإصلاحات الأخيرة

شهدت تركيا على مدى العقد المنصرم تحولات جذرية، وبات اقتصادها في الوقت الراهن يحتل المركز السابع عشر بين أكبر عشرين اقتصادا في العالم؛ بل وتتطلع أيضًا لتجعل اقتصادها ضمن أكبر 10 اقتصاديات في العالم بحلول عام 2023. ويوضح التقرير فيما يلي الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أُجريت في تركيا:

أولًا: الإصلاحات السياسية

كان للإصلاحات التي أجرتها أنقرة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي تأثير كبير على السياسة التركية. ففي عام 2003-2004 مرّرت الجمعية الوطنية الكبرى التركية ما لا يقل عن سبع حِزم إصلاح تشريعي شامل ومجموعة متنوعة من التعديلات الدستورية برعاية حكومتي حزب العدالة والتنمية. وطرأت تغييرات أيضًا على الاقتصاد، والقضاء، وحقوق الأقليات، والسياسة الخارجية، وحقوق الإنسان. وفي محاولة لتوسيع نطاق الحريات والحقوق الشخصية، وضعت تركيا قانون عقوبات جديد، وحظرت عقوبة الإعدام، ورفعت الحظر عن البث الإذاعي والتعليم باللغة الكردية.

ثانيًا: الإصلاحات الاجتماعية

وافق الرئيس التركي عبد الله جول في عام 2008 على إصلاح دستوري تاريخي يسمح للطالبات بارتداء الحجاب في الجامعات، رغم اعتراضات قوية من النخبة العلمانية التركية. وكان قرار إلغاء الحجاب في الجامعات التركية قد فُرض للمرة الأولى في أعقاب الانقلاب العسكري في عام 1980، غير أن تطبيق قانون الحظر تفاوت على مدى السنوات. وبات الأتراك أكثر حرية في التعبير عن معتقداتهم الدينية بطرق لم تكن متاحة لهم من قبل، ما يمثل تحسنا عاما في الحريات الشخصية والسياسية في تركيا.

ثالثًا: الإصلاحات الاقتصادية

ساهم النمو الاقتصادي القوي في تركيا على مدى العقد الماضي في تغيير المجتمع التركي تغييرًا جذريًّا، وفي توطيد الهيمنة السياسية لحزب العدالة والتنمية. وقد تحول الاقتصاد التركي إلى قصة نجاح أوروبية وعالمية؛ فقد نما الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى 736 مليار دولار، مقارنة بـ231 مليار دولار سجلها قبل ذلك العام.

واعتبارا من عام 2002 وحتى عام 2007؛ نما الاقتصاد التركي بمعدل تجاوز 6% سنويا. هذا وتضاعفت الصادرات التركية بأكثر من ثلاثة أضعاف، وتراجع معدل التضخم من ما بين 60% - 80% التي سجلها في عام 1990 إلى ما بين 6% - 10% في العقد الماضي.

وفي عام 2010؛ توسع الناتج المحلي الإجمالي في تركيا بنسبة 9%، مما أهّلها لتكون ضمن الاقتصاديات العشر الأسرع نموا في العالم. وعلاوة على ذلك، نما الاستثمار الأجنبي المباشر الذي بلغ 684 مليون دولار في عام 1990، إلى 9.1 مليار دولار في عام 2010.

تركيا والشرق الأوسط

يبدو أن القيادة التركية الإقليمية الناشئة ستضع أنقرة في موقف قوي للمساعدة في التأثير على المسار السياسي في بلدان مثل تونس ومصر وليبيا وسوريا، وغيرها من البلدان. ويرى معدو التقرير أن تركيا تعتبر نموذجا جيدا للدولة الإسلامية المتحضرة، لذا فهي في وضع جيد لتقدم درسا للعرب الذين يناضلون من أجل تحقيق أهدافهم الثورية.

وفيما يتعلق بالقضية السورية، تطالب تركيا الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي حقنا للدماء، وتشارك في الجهود الرامية إلى عزل النظام السوري السلطوي والضغط عليه من خلال عقوبات صارمة، وتدعم جهود مبعوث الأمم المتحدة الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.

ويشير التقرير الأمريكي إلى أن تركيا يمكن أن تكون محرّكا للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما وأنها تتمتع باقتصاد متين وقطاع مصرفي متطور. كما يمكن أن توفر تركيا الاستثمارات، والأدوات اللازمة لتطوير البنية التحتية، والمساعدة التقنية لكل من مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، كلٌ من أجل إنعاش اقتصادهم الهش.

توصيات التقرير

يوصي فريق عمل مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في تقريرهم بما يلي:

أولًا: ينبغي أن تضع الولايات المتحدة في اعتبارها أنها تتعامل مع تركيا جديدة تماما، وأن العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة تشهد تغييرًا جوهريًّا.

ثانيًا: ينبغي أن تدرك الولايات المتحدة أن حزب العدالة والتنمية ذا التوجه الديني لا يتعارض مع الديمقراطية أو التقدم أو مع الليبرالية الاقتصادية.

ثالثًا: ينبغي أن تتعاون تركيا والولايات المتحدة على مساعدة البلدان العربية المضطربة، وعلى وضع حد لإراقة الدماء في سوريا، وعلى ردع إيران النووية، وعلى الحفاظ على التقدم الاقتصادي والسياسي في العراق، وعلى إرساء الاستقرار والأمن والسلام في باكستان وأفغانستان. كما يتعين عليهما العمل معا على تشكيل شرق أوسط أكثر ديمقراطية وازدهارا.

رابعًا: ينبغي أن تقدم الولايات المتحدة التمويل، والضمانات، والتأمين ضد المخاطر السياسية للشركات التركية التي تؤازر الشركات الأمريكية الراغبة في الاستثمار في الشرق الأوسط.

خامسًا: ينبغي أن تشارك الولايات المتحدة في الجهود الرامية إلى منح تركيا مقاعد في السلطة التنفيذية لصندوق النقد الدولي.

سادسًا: ينبغي أن يشجع المسئولون الأمريكيون حكام الولايات الأمريكية ورجال الأعمال على القيام ببعثات تجارية إلى تركيا من أجل تعزيز العلاقة التجارية بين البلدين.

سابعًا: يتعين على الولايات المتحدة وشركاء أنقرة الآخرين تقديم الدعم والمشورة لتركيا من أجل تنشيط برنامجها الإصلاحي السياسي.

ثامنًا: يجب أن يضع صناع القرار الأمريكيون في اعتبارهم أن العلاقة بين الأكراد والدولة التركية ربما هي القضية هي الأكثر حساسية التي تواجه تركيا، وأن أوباما أمامه فرصة لتلطيف الأجواء لا سيما وأن له علاقة طيبة بأردوغان وهيبة عند الأكراد.

تاسعًا: ينبغي أن تشجع واشنطن رئيس الوزراء أردوغان على إجراء محادثات مع حزب السلام والديمقراطية الذي يتمتع بأكثر من ثلاثين مقعدا في البرلمان، ويسيطر تقريبا على كافة البلديات الرئيسية في جنوب شرق البلاد. فالمحادثات بين الحكومة والحزب ستحظى بترحيب لأن العديد من الأكراد يعتبرون حزب السلام والديمقراطية متحدثا باسمهم وشريكا في الجهود الرامية إلى الاعتراف الرسمي بهم.

عاشرًا: ينبغي أن تعمل الولايات المتحدة مع القيادة الكردية في أربيل لمضاعفة جهودها الرامية إلى وضع حد للكفاح المسلح الذي يشنه حزب العمال الكردستاني ضد تركيا.

aymaan noor 25-09-2012 10:57 AM

الخروج من قواعد أوسلو
 
الخروج من قواعد أوسلو
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/inqsam.jpg
بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس محمود عباس، وقال فيه: إنّ المصالحة تعني الانتخابات، وأنه لا حوار آخر مع "حماس" إلا إذا سمحت للجنة الانتخابات باستئناف تسجيل الناخبين في قطاع غزة، وبعد رد فعل "حماس" الشديد الذي وصف عباس بـ"رأس الفتنة"، وأنّ لا مصالحة من دون التخلص منه؛ بات واضحًا أكثر من أي وقت مضى أن المصالحة بعيدة المنال.

تأسيسًا على هذا الاستنتاج، لم يعد مُجديًا استمرار الجهود والمبادرات والتحركات الرامية إلى دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنيّة، أو تركيز العمل على تطبيق الاتفاقات المبرمة، بل لا بد من البحث عن مسار جديد مختلف نوعيًّا.

بعد تأمل طويل وعميق؛ توصّلت إلى قناعة بأن جذر الفشل في تحقيق المصالحة يعود أولًا وأساسًا إلى البحث فيها بحد ذاتها بمعزل عن حل المأزق الشامل الذي تواجهه القضيّة الفلسطينيّة، وأداةُ تجسيدها الشعبُ الفلسطينيُ وحركتُه السياسيةُ بشقيها الوطنيّ والإسلاميّ.

إن مسار البحث عن المصالحة أخفق لأن الشغل الشاغل للأطراف المتنازعة وتلك الساعية لحل النزاع الداخلي تمحور على توزيع "كعكة السلطة"، واستبعاد المنظمة أو التعامل معها كمجرد ملف من ملفات خمسة يتم الاقتراب منه أحيانًا واستبعاده غالبًا.

لقد أصبح تشكيل الحكومة ولجنة الانتخابات واللجنة الأمنيّة، أي المحاصصة في السلطة، هو الأمر الذي يحتل الأولويّة، في حين أن ما يجب أن يحظى بالاهتمام هو وضع السلطة في النظام السياسي، ومكانتها، ووظائفها، وشكلها، والتزاماتها، ومدى الحاجة إلى استمرارها بالشكل الذي ولدت فيه بعد أن اتّضح أن مسار المفاوضات الثنائيّة واتفاق أوسلو وما ترتب عليه من ملاحقَ والتزاماتٍ، لا يقود إلى إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، بل أدى إلى جعل الحل الانتقالي المؤقت، الذي كان من المفترض أن ينتهي باتفاق نهائي في أيار في العام 1999، حلًا مفتوحًا إلى أجل غير مسمى.

هذا على الرغم من أن إسرائيل - وأقول إسرائيل، وليس حكومة نتنياهو أو حكومة بعينها، بل مجمل الحكومات الإسرائيليّة التي تعاقبت على الحكم منذ توقيع اتفاق أوسلو-؛ تجاوزت اتفاق أوسلو بالرغم من مزاياه الهائلة لها، لأنه باعتقادها أعطى الفلسطينيين أكثر مما يستحقونه، أو أكثر مما يستطيعون الحصول عليه استنادًا إلى قوتهم الذاتيّة ومصادر دعمهم العربيّة والدوليّة. لذا أخذت إسرائيل منذ اغتيال إسحاق رابين تعيد صياغة أوسلو بما يحقق مصالحها وأهدافها ودون مراعاة مصالح الفلسطينيين.

في هذا السياق، ارتدت إسرائيل عن أوسلو مع تمسكها بالالتزامات الفلسطينيّة فيه، وبدأت عمليّة أخرى، خصوصًا بعد فشل قمة كامب ديفيد في العام 2000، حيث استهدفت فيها تعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، واستمرار العدوان، والحصار، وبناء جدار الفصل العنصري، وتعميق فصل القدس عن بقيّة الأراضي المحتلة عام 1967، وفصل الضفة عن القطاع، والأراضي (ج) عن أراضي (أ) و(ب)، وفعلت كل ما يمكن فعله لقطع الطريق على قيام دولة فلسطينيّة، والسعي لبقاء السلطة كسلطة حكم ذاتي منقوص على الأرض، ووكيل أمني للاحتلال، وترتيب دائم من دون أفق للتحول إلى دولة حقيقية.

لذلك كله يكون الأمر الحاسم، الذي يستحق أن تكون له الأولويّة لدى الفلسطينيين، التخلص من الحل الانتقالي طويل الأمد متعدد المراحل، الذي يتم فيه ضياع الأرض والقضيّة والإنسان بالتدريج وخطوة خطوة، ومع نهاية مؤكدة وهي تصفية القضيّة الفلسطينيّة بوصفها قضيّة تحرر وطني، وتحولها إلى قضيّة إنسانيّة تتعلق بتقديم مساعدات أو بـ"حل النزاع" بين سلطة الحكم الذاتي وسلطة الاحتلال، من أجل توسيع صلاحياتها في الحكم الذاتي في إطار واضح وثابت من السيادة الإسرائيليّة على ما فوق الأرض، وتحتها، والحدود، والأجواء، والبحار.

إن فشل الجهود والمبادرات لتحقيق المصالحة يعود إلى التزامها بالحفاظ على الوضع الراهن المحكوم باتفاقات والتزامات مجحفة بالفلسطينيين.

إن هذا المنهج جعل إسرائيل هي المتحكمة بالمصالحة، فهي التي وضعت الشروط للاعتراف بـ"حماس" أو بأي حكومة تشارك فيها "حماس" أو تشارك في تشكيلها وإعطائها الشرعيّة من خلال منحها الثقة في المجلس التشريعي الذي تحظى فيه بالأغلبيّة.

هذه الشروط (شروط الرباعية الدولية) تتضمن: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ ال*** والإرهاب، والالتزام بتطبيق الاتفاقيات التي وقعتها المنظمة مع إسرائيل، خصوصًا فيما يتعلق بالتنسيق الأمني، وتطبيق اتفاقيّة باريس التي تتضمن تبعيّة الاقتصاد الفلسطيني بالكامل للاقتصاد الإسرائيلي.

على هذا الأساس، أصبح التركيز على أن يحظى أي اتفاق للمصالحة بموافقة المجتمع الدولي، أي الولايات المتحدة وإسرائيل.

وعلى هذا الأساس أيضًا تم التركيز على مسألة تشكيل الحكومة، وتغيرت من حكومة وحدة وطنيّة تشارك فيها الفصائل إلى حكومة مستقلين، ومن حكومة تحظى بثقة المجلس التشريعي إلى حكومة تحظى بثقة من الرئيس فقط؛ للتأكيد على أنها حكومته، وتتبنى برنامجه الذي يتضمن الموافقة على الشروط الإسرائيليّة.

وفي هذا السياق، نلاحظ أن التركيز على تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات وتوحيد الأمن؛ جعل مسار المصالحة محكومًا عليه بالفشل، لأن هذه الملفات تتحكم بها إسرائيل تمامًا، ونجاحه يعني أن "حماس" وكل الأطراف الفلسطينيّة أصبحت في "بيت الطاعة" الإسرائيلي، وأعطت الشرعية لاتفاق أوسلو بالرغم من تجاوز إسرائيل له.

فإسرائيل تستطيع السماح بتشكيل الحكومة أو إجراء الانتخابات أو توحيد الأمن أو منع ذلك، بحيث توافق على كل هذه المسائل إذا جاءت في سياق عمليّة تفيد إسرائيل وتعمق احتلالها، وتمنعها إذا أدت إلى الإضرار بها أو لم تحقق مصالحها وأهدافها.

تأسيسًا على ما تقدم، فإن مفتاح الخلاص الوطني هو البحث عن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وتحقيق المصالحة في سياق إحياء المشروع الوطني وإعادة تشكيل المنظمة على أساس تمثيلي على أساس الانتخابات ومشاركة سياسية حقيقية، بحيث تكون قولًا وفعلًا هي الممثل الشرعي والوحيد، وتقدم القيادة الواحدة التي تقوم بوضع طاقات الشعب الفلسطيني، وموارده، وكفاءاته، وخياراته، وقواه، وفعالياته، في مجرى واحد قادر على تحقيق قضيته الوطنيّة، من خلال إنهاء الاحتلال وإنجاز الحريّة والعودة والاستقلال، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.

إن ملف المنظمة هو الملف الذي يستحق أن يحظى بالأولويّة، لأنه يعني الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، ولأن الاتفاق عليه ممكن من دون فيتو إسرائيلي، ويفتح الطريق للاتفاق على الملفات الأخرى بسهولة. فالاحتلال لا يستطيع منع الاتفاق الفلسطيني على إحياء المشروع الوطني وأداة تجسيد منظمة التحرير، بينما استطاع منع تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات إذا لم تلبِ الشروط الإسرائيليّة.

طبعًا، إن التركيز على ملف المنظمة سيغضب إسرائيل، ويمكن أن يترتب عليه إجراءات إسرائيليّة ضد المنظمة وقادتها وتحركاتهم، وهذا لا يغير من حقيقة أن استعادة المنظمة لدورها الفاعل هو المدخل الوحيد لإحياء القضيّة الفلسطينيّة مهما كان الثمن، والذي يجعل المصالحة ممكنة وتصب في صالح الفلسطينيين، وليس تقاسم حصص بين الفصائل وبعض الشخصيات الوطنيّة في إطار السلطة التي أصبح رئيسها يردد أنها أصبحت "بلا سلطة".

إن المصالحة، التي تعني إنهاء الانقسام، ممكنة فقط إذا جرت في سياق إحياء المشروع الوطني، وعندها يكون المواطن الفلسطيني مستعدًا لئن يخسر راتبه ويُضحي ويعاني من أجل قضيّته الوطنية ومستقبل أولاده ووطنه، أما الآن، فهو غير مستعد لئن يخسر راتبه وأمنه واستقراره مقابل مصالحة بين "فتح" و"حماس"، أي مقابل توزيع "كعكة السلطة"، فهذا أمر لا يستحق العناء.

إن الاستمرار في الاحتكام لقواعد اللعبة التي بدأت منذ توقيع اتفاق أوسلو لن يؤدي إلى تحرير الأرض أو الإنسان، ولا إلى الديمقراطيّة والتنمية، ولا إلى المصالحة، ولا إلى أي شيء آخر، وإنما في أحسن الأحوال سيؤدي إلى تحسين شروط حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال. لذا لا بد من الخروج من اللعبة كليًا والبحث عن مسار جديد قادر على تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني وأمانيه ومصالحه الفرديّة والعامة.

الخروج يمكن ألا يتم مرة واحدة، وليس من الضروري أن يكون بإلغاء اتفاق أوسلو رسميًّا، وإنما بتجاوزه عمليًا على أرض الواقع مثلما عملت إسرائيل، وهو ممكن وضروري لشق مسار جديد يربط الفلسطينيين بما يجري حولهم من متغيرات وثورات، وقادر على حماية القضيّة الفلسطينية وصولًا إلى انتصارها.

aymaan noor 26-09-2012 02:47 PM

إلى أين تتجه علاقات واشنطن والقاهرة بعد الفيلم المسيء للرسول؟
 
إلى أين تتجه علاقات واشنطن والقاهرة بعد الفيلم المسيء للرسول؟
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...dbfb31e2_L.jpg
رضوى عمار
تمر العلاقات المصرية – الأمريكية حالياً، بثان أزماتها بعد ثورة 25 يناير، بسبب الهجمات "الشعبية" على السفارة الأمريكية بالقاهرة، والتي جاءت كرد فعل على فيلم "براءة المسلمون" الذي أنتج في الولايات المتحدة، وتعتبر هذه ثاني أزمة في العلاقات بين البلدين حيث كانت الأولى تتعلق بوضعية منظمات المجتمع المدني الأمريكية العاملة في مصر،

ومنها: المعهد الوطني الديمقراطي والمعهد الجمهوري الدولي، اللذان يتبعان بصفة رسمية الحزبان الديمقراطي والجمهوري، وبيت الحريات، والمركز الدولي للصحفيين. لكنها تعتبر الأولى بعد فوز محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، في انتخابات الرئاسة المصرية.

علاقات مرتبكة:

يشير تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في رده على التعامل المصري مع الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية، في 12سبتمبر من أنه لا يمكن اعتبار الحكومة المصرية "حليف، كما أنها ليست عدو، هي حكومة جديدة تحاول البحث عن طريق"، إلى واقعية الإدارة الأمريكية في التعامل مع مصر حاليا، وإدراكها أن العلاقات معها خلال هذه الفترة لن تكون خالية من الأزمات أو التوترات.

منذ ثورة 25 يناير ، كان هناك تردد أمريكي حول كيفية التعامل مع مصر، التي ظلت طوال عهد الرئيس مبارك "حليف استراتيجي" لواشنطن في المنطقة، وقد كان تشكل نوع من التوافق داخل الإدارة الأمريكية على قبول نتائج التغيير الثوري في مصر أيا كانت، والتعامل معه كأمر واقع، بما في ذلك سيناريو سيطرة الأخوان المسلمين على الحكم في مصر. وطوال المرحلة السابقة على انتخابات الرئاسة المصرية، سعت واشنطن لبناء علاقات "بناءة" مع الأخوان في مصر، وكان لهذه الجهود أهميتها في علاج الأزمة الأولى التي نشبت مع واشنطن ، والتي عرفت إعلاميا بأزمة المنظمات الأمريكية.

حيث ثمنت واشنطن دور الأخوان المسلمين في احتواء أزمة المنظمات، حتى أن بعض أعضاء الكونجرس، ذكروا أن بيان حزب الحرية والعدالة الذي أبرز أهمية دور المنظمات غير الحكومية وإيجاد تشريعات تدعم هذا الدور في 20 فبراير 2012 لعب دور في هذا الصدد.

وقد أكدت هذه الأزمة أن الأخوان المسلمين، هم شريك آخر لواشنطن في مصر، الى جانب المجلس العسكري، وهو ما يبرر اتجاه واشنطن لتوفير الدعم المالي والاقتصادي لمصر، بعد انتخابات الرئاسة، ووعدها بخفض الديون المصرية، حيث:

- سمحت إدارة أوباما في مارس 2012 بتقديم 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية لمصر، رغم هواجس أعضاء بارزين في الكونجرس حول دور الجيش المصري في عملية التحول الديمقراطي.

- عملت واشنطن على إنهاء إجراءات تخفيف الديون المصرية بمقدار 1 مليار دولار، وأرسلت بعثة من الشركات الأمريكية عالية المستوى لدفع العلاقات التجارية.

- زيارة روبرت هرماتس وكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادي لمصر للتفاوض على حزمة المساعدات، والذي قال أنها سوف تخفف عن مصر جزء من الضغط المالي المباشر دعماً لخطة الإصلاح الحكومية المصرية. وإعلانه عن الدعم الأمريكي لقرض الـ4.8 مليار دولار التي طلبها الرئيس محمد مرسي من البنك الدولي.

- اقتراح إدارة أوباما تمويلاً قدره 800 مليون دولار للسنة المالية 2013 التي تبدأ في أكتوبر الأول، لمساعدة دول أخرى شهدت ثورات رغم أن كثير من تلك الدول نددت بالولايات المتحدة.
ولكن دفعت أزمة الفيلم المسيء، تيارات داخل الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في كيفية التعامل مع مصر، حتى أن بعضها طالب باتباع سياسة الإكراه Coercion diplomacy، التي اتبعها جونسون اتجاه مصر في أثناء حكم عبدالناصر منتصف الستينات، من خلال المطالبة بقطع المعونة الأمريكية عن مصر، ووقف المساعدات الاقتصادية لها. حيث:

- طالب السيناتور راند بول Rand Paul(R-KY) أن توقف واشنطن كل المساعدات الأجنبية إلى مصر وليبيا استجابة لأحداث في بنغازي والهجمات على السفارة الأمريكية في القاهرة.

- قدم في 13 سبتمبر الجاري ، مشروعين للكونجرس، الأول يقرر تقديم تقرير إلى الكونجرس بشأن الهجمات على السفارة الأمريكية في ليبيا ومصر واليمن، ليساعد أعضاء الكونجرس على تقرير الدول التي تستحق المساعدة الأجنبية، ويطالب الثاني بتعليق المساعدات لمصر وليبيا حتى يؤكد الرئيس للكونجرس أن الحكومتان قدموا الحماية الواجبة للسفارات والقنصليات الأمريكية.

وفي المقابل، تعاملت الخارجية الأمريكية بحذر، حيث صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، في 14 سبتمبر، خلال مراسم استقبال جثث الدبلوماسيين الأمريكيين الذين ***وا في بنغازي بأنه "لم تبدل شعوب مصر وليبيا واليمن وتونس استبداد دكتاتور باستبداد الغوغاء" وأنه "يجب على الناس العقلاء والقادة العقلاء في هذه البلاد أن يفعلوا كل ما بوسعهم لاستعادة الأمن ومحاسبة المسئولين عن هذه الأعمال العنيفة". كما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جورج ليتل أن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في 14 سبتمبر، للتأكيد على أهمية ضمان سلامة وأمن البعثة الأمريكية، وقد أفاد بتأكيد السيسي التزام مصر بتأمين المنشآت الدبلوماسية الأمريكية والموظفين الأمريكيين.

استنفار "إخواني" :

كانت ردود فعل الحكومة المصرية على التصريحات الأمريكية، أكثر أهمية من ردها على الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية، في فهم أبعاد الحرص المصري على الاحتفاظ بالعلاقات مع واشنطن بدون مشاكل على الأقل خلال المرحلة الحالية. حيث كثفت القاهرة اتصالاتها بواشنطن في محاولة لاحتواء الأزمة، على مسارين، الأول رسمي على مستوى مؤسسات الدولة، والآخر غير رسمي على مستوى حزب الحرية والعدالة.

فعلى المستوى الرسمي، صرح الرئيس مرسي في 12 سبتمبر، بتكليفه السفارة المصرية في واشنطن باتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد منتجي الفيلم المسيء للنبي محمد، كما أكد أيضاً على "حق التظاهر السلمي في حدود القانون"، وأن الدولة ستتصدى "بكل حزم لأي محاولة غير مسئولة، للخروج عن القانون." كما شدد ياسر علي المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية في 16 سبتمبر ، على أنه لا هوادة في حماية البعثات الدبلوماسية ولا تفريط ولن تتوان الدولة المصرية في ذلك.

كما أجرى وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو اتصالاً بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 15 سبتمبر أكد من خلاله رفض القاهرة الفيلم، وأنه يندرج ضمن أعمال إثارة الكراهية ضد الشعوب ، ويتنافى مع القوانين والأعراف الهادفة إلى تنمية علاقات السلام والتفاهم بين الشعوب والدول، وأكد أن السلطات المصرية مصرة على القيام بواجباتها "كاملة في حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية الموجودة على الأراضي المصرية، وأنها لن تسمح بالاعتداء على الممتلكات الأجنبية في مصر في شكل عام".

إلى جانب ذلك، أكد رئيس الوزراء هشام قنديل في مقابلة أجرتها معه بي بي سي العربية، في 17 سبتمبر ، أن أعداد من المتظاهرين تلقوا أموالاً للاحتجاج أمام السفارة الأمريكية، وأن هناك تعقب لهؤلاء الأشخاص للوصول للفاعل الرئيس المحرك لهؤلاء المتظاهرين.

وعلى المستوى غير الرسمي، سعى حزب الحرية والعدالة وجماعة الأخوان المسلمين، للتأكيد على عدم مسئولية الإدارة الأمريكية عن الفيلم، وتأكيد مسئولية أقباط المهجر عنه، وهذا ما أكده بيان حزب الحرية والعدالة الصادر في 11 سبتمبر، حيث قدم محامي جماعة الإخوان المسلمين بلاغ إلى النائب العام في مصر ضد عدد من الأقباط المنتجين للفيلم المسيء للرسول (موريس صادق، عصمت زقلمة، مرقص عزيز، تيري جونز).

وتراجعت الجماعة عن دعوتها إلى تنظيم وقفات أمام مساجد الجمهورية في الجمعة التالية على الأحداث 14 سبتمبر والاقتصار على التواجد الرمزي في ميدان التحرير، كما اتجهت لمخاطبة الرأي العام الأمريكي من أجل تفسير ما جرى في مصر.

حيث أكد بيان الحزب في 13 سبتمبر، على أن التعبير السلمي ضد الفيلم المسيء للنبي حق بل واجب على الشعب المصري بمسلميه ومسيحيه، كما طالب بـ "إصدار اتفاقية دولية تجرم الإساءة للمقدسات والرموز والديانات السماوية واعتبار من يخالف ذلك يهدد الأمن والسلم الدوليين ويعرضه إلى عقوبات رادعة".

إلى جانب ذلك، صرح عصام العريان، القائم بأعمال رئيس حزب "الحرية والعدالة" ، خلال لقاء صحفي عقده في قاعة مؤتمرات الأزهر يوم 16 سبتمبر تلقيه اتصالاً من البيت الأبيض أشاد فيه بموقف الحزب في أحداث السفارة الأمريكية ووصفه بـ"الجيد والمحترم". وقال أن "البيت الأبيض ثمن دورنا كحزب في التعامل مع الحدث". وأكد حرص الحزب على توطيد العلاقة بالجانب الأمريكي وتفادي توتير العلاقات معه مع الوضع في الاعتبار الاحترام المتبادل والأسس المشتركة بيننا".

كما أرسل خيرت الشاطر، رسالة إلى الشعب الأمريكي نشرتها جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في 13 سبتمبر بوصفه نائب المرشد، أعرب فيها عن تعازيه إلى الشعب الأمريكي، وأكد فيها عدم "تحمل الحكومة الأمريكية أو مواطنيها المسئولية عن أعمال فئة قليلة أساءت إلى القوانين التي تحمي حرية التعبير"، وأمل أن تكون " العلاقات التي سعى الأمريكيون والمصريون لبنائها خلال الشهرين الماضيين تستطيع أن تتجاوز هذه الأحداث".

حرص متبادل:

لا يزال هناك حرص أمريكي على الاحتفاظ بعلاقات قوية مع مصر، وهذا ما يفسره توضيح المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، للتصريح الخاص بأوباما حول مصر، حيث ذكر أن كلمة "حليف هي مصطلح قانوني. والرئيس من الناحيتين الدبلوماسية والقانونية كان يتحدث بطريقة صحيحة، وهي أننا ليس لدينا معاهدة تحالف مع مصر".

كما يقابل التيارات التي تدعم باتجاه تبني دبلوماسية الإكراه، تيارات أخرى يبدو أنها لا تزال هي المؤثرة حتى الآن، والتي تفضل تبني دبلوماسية الترغيب Appeasement Diplomacy، وهذا ما تعبر عنه نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية في الكونجرس، حيث اعتبرت أن النجاح الاقتصادي مهم لاستقرار الدولة وهو ما تبرز أهميته في استقرار الإقليم والعالم والسلام العالمي. ويرى هذا التيار أن القطع المفاجئ للتمويل قد يدفع حكومة مرسي الجديدة لقطع العلاقات مع الشركاء الغربيين لصالح قوى إقليمية أقل تسامحاً، وأن نجاح أو فشل مصر في التحول نحو الديمقراطية سيكون عامل محدد في مستقبل التغيير الذي تنشده الثورات العربية في الإقليم برمته.

ويقابل ذلك حرص جماعة الأخوان المسلمين في مصر على عدم توتر العلاقات الأمريكية مع مصر، خاصة وأن الدعم الذي تقدمه واشنطن للجماعة، وحرصها على نجاح تجربتها في الحكم في مصر، توفر لها قدر كبير من الشرعية الداخلية، فضلا عن الشرعية الإقليمية، فحتى الآن لم تتبن واشنطن موقفا رافضا لي من تحركات مرسي الخارجية، بما في ذلك مبادرته الخاصة بالرباعية الإقليمية حول سوريا.

ولكن هذا الحرص المتبادل، لا يعني ارتخاء العلاقات بين الجانبين، حيث من المتوقع أن تثور توترات وأزمات أخرى في الفترة المقبلة، وسيظل التحدي مرتبط بكيفية إدارتها.

aymaan noor 27-09-2012 02:22 AM

المعضلات الثلاث أمام حكم حزب النهصة الإسلامي في تونس
 
ديمقراطية منقوصة:
المعضلات الثلاث أمام حكم حزب النهصة الإسلامي في تونس

http://www.rcssmideast.org/media/k2/...86391131_L.jpg
سارة فيووَر
اهتم الباحثون المتخصصون في شئون الشرق الأوسط لسنوات طويلة بدراسة مسألة التوافق بين الديمقراطية والسياسات الإسلامية في العالم العربي. ورأى بعض المحللين أن السماح للحركات الإسلامية بالمشاركة في العملية السياسية سيجعلها أكثر لينًا، فبتلك المشاركة تكون الحركات الإسلامية مسئولة أمام ناخبيها في إطار التحول الديمقراطي الذي يحتاجه الشرق الأوسط العربي.

في حين رأى آخرون أن منح الحركات الإسلامية فرصة المشاركة في العملية السياسية سيجعلها تتخذ من صناديق الاقتراع وسيلة للوصول إلى السلطة، وبمجرد وصولهم سينقضون على الديمقراطية وآلياتها التي أوصلتهم إلى سدة الحكم. وفي هذا الصدد؛ أعدت "سارة فيووَر" دراسة نشرها مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط التابع لجماعة برانديز في شهر سبتمبر الجاري تحت عنوان "الإسلام والديمقراطية في سياق التطبيق العملي: حكم النهضة في الأشهر التسعة المنصرمة".

وتشير الدراسة إلى أن الربيع العربي تمخّض عنه وضعٌ لا تُشارك فيه الأحزاب الإسلامية في العملية السياسية فحسب؛ بل باتت فيه أيضًا هي الجهات الفاعلة المهيمنة. وتحلل في هذا السياق حكم حزب النهضة، وهو حزب إسلامي فاز بأغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية في العام الماضي، فيما يتعلق بثلاثة مصادر رئيسية للضغط السياسي الذي يواجهه الحزب، ومصادر هذا الضغط أولا في العلمانيون التونسيون وممثلوهم في الحكومة وثانيا في السلفيون الذين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد وأخيرا الاتجاهات الفكرية المتباينة داخل الحزب.

انفراد الحكم الإسلامي في تونس

في بعض الحالات؛ لم يكن الإسلاميون الذين صعدوا إلى سدة الحكم قادرين على ترجمة انتصاراتهم الانتخابية إلى حكمٍ فعال، وذلك لأنهم وجدوا أنفسهم مقيَّدين بالمؤسسات "غير الديمقراطية غالبًا" التي خلفتها الأنظمة السابقة. ومن أمثلة تلك المؤسسات النظام الملكي في المغرب، والمجلس العسكري الذي كان يحكم مصر حتى وقت قريب.

أما في تونس؛ فاختلف الوضع كثيرًا؛ حيث تمتع حزبُ النهضة الإسلامي بحرية كبيرة في الإدارة إبان الانتقال السلمي من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية. وفي حين أن من السابق لأوانه الجزم بأن ثورة الياسمين التونسية ستُرسي فعلًا ديمقراطية مزدهرة في تونس؛ تقدم الحالة التونسية فرصة لدراسة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية على المستوى الفعلي عنه على المستوى النظري.

ويُشير التقرير إلى أن حزب النهضة الإسلامي أبدى عند تعاطيه مع الضغوط الثلاثة المذكورة أعلاه التزامًا بالمكونات الرئيسية للديمقراطية؛ بما في ذلك الفصل بين السلطات، والمشاركة في الانتخابات، وتولِّي المناصب. غير أن للحزب سياسات أخرى من شأنها أن تحد من حرية التعبير عن الرأي في المسائل الدينية، وأن تقوّض القوانين الليبرالية في مجال حقوق المرأة، مما يشير إلى أن الحزب يصنع ديمقراطية في إطار مجتمعي يقيّد فيه الدين العديد من جوانب الحياة العامة، وإلى أن الدولة تفضّل إكساب المواطنين هوية عربية إسلامية دون الاكتراث بحقوقهم كأفراد.

الربيع العربي التونسي

على عكس نظائرها في مصر وليبيا واليمن؛ مهدت الانتفاضة التونسية انتقالًا سلميًّا إلى حدٍّ كبيرٍ بعيدًا عن التسلط. ففي أعقاب احتجاجات يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي؛ مهدت سلسلة من الحكومات المؤقتة الطريقَ لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي (أو البرلمان)، والتي اعتُبرت أول انتخابات حرة ونزيهة منذ الاستقلال. وقد حصل حزبُ النهضة الإسلامي الذي كان محظورا إبان النظام السابق على 41% من الأصوات، وفاز بـ89 مقعدًا من أصل 217 مقعدا في البرلمان. وفي ديسمبر شكّل الحزب الإسلامي ائتلافًا مع اثنين من الأحزاب العلمانية، وهما: حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" اليساري الوسطي الذي فاز بـ29 مقعدا في البرلمان، و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" الذي فاز بـ20 مقعدا. ومنح هذا الائتلاف رئاسةَ الوزراء لحمادي جبالي، الأمين العام لحركة النهضة، وانتخب منصف المرزوقي، رئيس "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية"، رئيسًا للجمهورية. كما رشح الائتلاف مصطفى بن جعفر، أمين عام حزب التكتل، لرئاسة المجلس الوطني التأسيسي.

وقد صدر قانون مؤقت في ديسمبر 2011 يقسّم السلطة بين تلك الكيانات الثلاثة، ولا يزال يُعمل بهذا الدستور المصغّر لحين صياغة البرلمان دستورًا جديدًا. وإدراكا منه أنه سيعجز عن الانتهاء من صياغة الدستور الجديد قبل يوم 23 أكتوبر 2012 كما هو مقرر؛ أعلن المجلس الوطني التأسيسي مؤخرا أنه سيفرغ من صياغة الدستور بحلول فبراير 2013.

وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية المستمرة والإحباط بشأن تباطؤ وتيرة التغيير؛ يتمتع حزب النهضة الإسلامي بالشرعية التامة لصياغة دستور جديد، ولقيادة تونس في المرحلة الانتقالية. وتري الدراسة تلك الشرعية هيّأت الظروف لحكم الحزب الإسلامي.

مصادر الضغط

يواجه حزب النهضة الإسلامي التونسي ضغوطًا يشكّلها العلمانيون، والسلفيون، والانقسامات الأيديولوجية الموجود داخل الحزب.

أولا: العلمانيون

كان حزب "التجمع الدستوري العلماني" يهيمن على الحياة السياسية في تونس في عهد بن علي، وكانت المعارضة السياسية محدودة للغاية آنذاك. غير أن الشعب ضاق ذرعا في عام 2011 من الفساد والبطالة، وشن على إثر ذلك احتجاجاتٍ ضد النظام السلطوي. ومن ثم شهدت تونس تناميًا في عدد الأحزاب العلمانية المسجَّلة، وفي عدد منظمات المجتمع المدني أيضًا.

وعارض العلمانيون ونظراؤهم في المجتمع المدني إصلاحات حزب النهضة المقترحة في أربعة مجالات هي: الربط بين الدين والدولة في الدستور الجديد، وحرية التعبير، وحقوق المرأة، وشكل النظام السياسي هل هو نظام برلماني أم نظام رئاسي.

الدين والدولة: بعد وقت قصير من تشكُّل المجلس الوطني التأسيسي في نوفمبر؛ أثارت مسألة اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي لصياغة دستور تونس الجديد ردود فعل متباينة؛ حيث أيّد البعض الفكرة على اعتبار أن الشريعة الإسلامية هي هوية التونسيين، في حين رفضتها الأحزاب اليسارية لكون الدستور لجميع فئات الشعب.

ولحسم ذلك الجدل الدائر حول هوية الدولة؛ صرحت حركة النهضة الإسلامية التي تقود الحكومة الائتلافية الحالية المؤقتة في تونس اليوم في السادس والعشرين من مارس المنصرم بأنها لن تطالب بأن يكون الإسلام مصدرًا أساسيًّا للتشريع في الدستور الجديد. وأوصت الهيئةُ التأسيسية للحركة بالاحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959 باعتباره محل إجماع جميع فئات المجتمع التونسي. وينص هذا الفصل من الدستور على أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها".

حرية التعبير:قوّض تشتت الأحزاب العلمانية في تونس من قدرتها على الانقلاب ضد حزب النهضة الحاكم، الذي اتخذ قرارا مؤخرا بشأن تقييد حرية التعبير. ويُذكر أن فكرة تجريم ازدراء الأديان في تونس جاءت بعدما اندلعت أعمال شغب في 11 يونيو على خلفية ظهور رسوم مسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). وأصدرت كتلة من نواب النهضة بيانًا رسميًّا يوم 12 يونيو يدعو إلى تجريم ازدراء الدين، كما اقترحت كتلة أخرى من نواب الحزب الإسلامي في الآونة الأخيرة مشروع قانون من شأنه أن يجرّم "الإهانة، والألفاظ النابية، والسخرية، والتمثيل" بالله والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأن يعاقب كل من ينتهك المقدسات بالسجن والغرامة.

حقوق المرأة:فرض حزب النهضة الإسلامي بعض القيود على الحريات الشخصية للمرأة، مما أثار انتقادات لاذعة من الجماعات النسائية والعلمانية التونسية. فعلى الرغم من تعهُّد الحزب بالالتزام بقانون الأحوال الشخصية الذي يعترف بالرجال والنساء كمواطنين على قدم المساواة؛ اقترح أعضاء من الحزب وضع مواد دستورية تنتقص من وضع المرأة التونسية. وأعرب النشطاء عن غضبهم إزاء نص في مسودة الدستور يعتبر المرأة هي "المكمل للرجل"، مطالبين بسريان مفعول قانون 1956 الذي يمنح النساء المساواة الكاملة بالرجال. واتهمت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لجنة الحقوق والحريات التابعة للمجلس الوطني التأسيسي بضرب مكاسب المرأة التونسية، والإخلال بمبدأ المساواة بين ال***ين، عند تصويتها على الفصل الثامن والعشرين من الدستور. وأعربت الرابطة عن رفضها القاطع لصيغة هذا الفصل، الذي فيه "انتقاص من كرامة المرأة، ودورها في المجتمع".

شكل النظام السياسي:ثمة خلاف بين حزب النهضة الإسلامي والأحزاب العلمانية حول النظام السياسي الذي ينبغي أن تعتمده البلاد، هل نظام برلماني أم رئاسي؟. حيث يفضل حزب النهضة الإسلامي النظام البرلماني، في حين تفضل معظم الأحزاب العلمانية النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي. وفي سياق ذلك؛ هددت بعض قيادات حزب النهضة في المجلس التأسيسي باللجوء إلى الاستفتاء الشعبي في حالة فشل التفاوض حول طبيعة النظام السياسي المقبل للبلاد.

وجدير بالذكر أن النظام البرلماني المعدّل أو النظام الرئاسي المعدّل يمكّن من انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، في حين أن النظام البرلماني يمكِّن رئيس الحكومة من السيطرة على الحياة السياسية، ولا يسمح لرئيس الدولة إلا بسلطات محدودة. ويتيح هذا النظام البرلماني لأعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) بعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة إمكانية انتخاب رئيس الدولة من الحزب الحاصل على أغلبية الأصوات، مما ينبئ بسيطرة حركة النهضة على كل من السلطة التشريعية الممثلة في مؤسسة الرئاسة، والسلطة التنفيذية الممثلة في رئاسة الحكومة.

ثانيا: السلفيون

تشكّلت في تونس جماعاتٌ سلفية، منها ما لها ميول سياسية، وأخرى لها ميول اجتماعية. فحزب جبهة الإصلاح، وحزب التحرير، مصنَّفان ضمن الأحزاب ذات الميول السياسية، أما جماعةُ أنصار الشريعة فذات ميول اجتماعية، وترفض المشاركة في العملية السياسية.

وكان حزب النهضة الذي يهيمن على الجمعية الوطنية التونسية قد أعلن في مارس الماضي تأييده للإبقاء على المادة الأولى في الدستور التونسي التي تنص على أن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها". وقد فُسّر الإبقاء على هذه المادة على أنه رفض لمطالب الإسلاميين بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع في الدستور الجديد، ومن ثم أطلق السلفيون احتجاجات تندد بذلك.

ثالثًا: الانقسامات الأيديولوجية داخل حزب النهضة

سعى حزبُ النهضة بعد الانتفاضة التونسية إلى تصوير نفسه كحزبٍ متماسك. ومقارنة مع نظرائه من الأحزاب العلمانية؛ أظهر حزب النهضة الإسلامي المزيدَ من الانضباط وحسن التنظيم. بيد أن الانقسامات بدأت تظهر داخل الحزب، بما يمكن أن يؤثر على قدرته على المضي قدما. فعلى سبيل المثال؛ ظهرت خلافات داخل الحزب حول قضايا تتعلق بالمشاركة السياسية والعلاقة بين القانون الديني والدنيوي.

وعلى الرغم من كون المشاركة المفتوحة في الانتخابات وتولّي المناصب شرطين أساسيين لإرساء أي ديمقراطية؛ اقترحت حكومةُ الباجي قائد السبسي الانتقالية استثناء كبار أعضاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي من المشاركة في الانتخابات. بيد أنه عقب احتجاج المئات من نشطاء حزب التجمع على ذلك الاقتراح؛ نقّح السبسي اقتراحه مستبعدًا فقط أولئك الذين خدموا في الهيئات التنفيذية للحزب خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم بن علي. ومن ثم بات هذا الاقتراح قانونًا.

ديمقراطية غير ليبرالية

أكد حزبُ النهضة الإسلامي مرارًا على التزامه بنظام ديمقراطي يقوم على مبادئ إسلامية، وعلى أن هذا النظام متوافق مع حماية الحريات الفردية الأساسية. وفيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية مثل المشاركة الواسعة في الانتخابات وتولّي المناصب والفصل بين السلطات؛ أظهر الحزبُ بالفعل التزامًا قويًّا. بيد أن مساعي الحزب الإسلامي لتقييد حرية التعبير وحقوق المرأة تتنافى تماما مع زعم الحزب أن الديمقراطية الإسلامية تتلاءم مع نظام قائم على حماية الحقوق الفردية. ومن وجهة نظر فيووَر؛ يفضّل حزب النهضة بناء مجتمع تسترشد فيه الحياة العامة بالهوية الدينية، بدلا من حماية الحريات الفردية التي قد تتعارض مع تلك الهوية.

ووفقًا للدراسة؛ أظهر حزبُ النهضة عدة مؤشرات هامة على حرصه على إرساء الديمقراطية؛ إلا أن تقويضه للحريات الفردية يُثير تساؤلات كثيرة. ودارت بالفعل مناقشات بين مراقبي السياسة العربية في العقود القليلة المنصرمة حول ما إذا كان الإسلاميون سينتهجون نهجًا ديمقراطيًّا بمعنى الكلمة إذا ما أُتيحت لهم فرصة للحكم.

وأخيرًا؛ تُشير فيووَر في دراستها إلى أن حزب النهضة سيواصل صياغة الدستور الجديد، وسيباشر التحضير للانتخابات التشريعية في ربيع عام 2013، بيد أنه سيواجه في الوقت عينه ضغوطًا سياسية من المعارضة العلمانية، وتحديات اقتصادية من فقر وبطالة وتفاوت بين الأقاليم. ويتوقف نجاح الحزب في إعادة تحديد العلاقة بين الدين والدولة في تونس على الطريقة التي سيواجه بها تلك الضغوط.

aymaan noor 27-09-2012 02:26 AM

الثقافة وطن ومقاومة
 
الثقافة وطن ومقاومة
إدوارد سعيد
عرَّف قاموس وبستر المقاومة بأنها فعل المقاومة أو المعارضة أو القدرة على أي منهما، ولأن الفعل –أي فعل- إنساني لا يتأتى واقعاً دون مسير قيمية متخيلة له تحدد فضاءه المؤدى و نتائجه المرغوبة، ويمثل تمظهراً أداتياً للقيمة المحددة، وكذلك لأن التعريف القيمي للوجود الإنساني (فرداً أو/و جمعاً) ينتجه الإدراك الثقافي للذات، تغدو المقاومة فعلا ثقافياً بإمتياز.


وكما ذهب البعض من المنظرين –على غير قلة- إلى وصف السياسة "بأنها في جوهرها خطاب ثقافي، أي أنها مجموعة متكاملة من الرموز والمعاني التي نشترك في معرفتها جميعاً، يعاد تشكيلها وإعادة ترتيبها على الدوام فيما يعرف بالخطاب السياسي"، أي أن السياسة و المقاومة هما في النهاية بنيتين ثقافيتين متوازيتين لا تنفصلان -كما يدعي الخطاب النيوليبرالي المعولم-، ولا يمكن الإبقاء على أحداهما دون الأخرى، أو فرض أبجديات محددة من إحداهما.

وهذا بالضبط ما يمكن من خلاله جعل المقاومة الثقافة قادرة على أن تكون خطاباً مضاداً، يقوم على تحويل المواجهة بين الواقع كما إصطنعه المستعمِر وقيام المستعمَر بدحض هذا الواقع و هدمه، وبالتالي فالمقاومة هي أحد أهم وسائل التغيير الثقافي و السياسي وإدراك الذات و الآخر و المحيط.

وهو بالضبط ما يجعل المقاوم مثقفاً ويفرض على الثقافة أن تصبح مقاومة في مواضع مقابلة السلطة والقهر والظلم والإستعمار، عن طريق تفكيك البنية الخطابية التي تنتجها تلك الثقافة للتمكن من تخيل الآخر، ومن ثم في مراحل سيطرتها عليه، تفرض عليه أدوات تخيله وإدراكه لذاته وبالتالي ينتهي الأمر به مجرد مرآة للمستعمر، لا يملك تحديد ذاته و تعريفها من دونه.

لا تنفصل المقاومة في إرث سعيد عن المثقف، بل تكاد تكون وجهه الأقدر على تحديد دوره إتجاه ذاته وعالمه ، ولنا في سعيد نفسه أعظم مثال، فهو الذي عاش بين فضائين متباينين في آن: (مثقف أكاديمي) و(منفي فلسطيني عن وطنه)، وكان لهذا البون بين الفضائين وإجتماعهما الحدي في تجربة سعيد العامل الأساس الذي شكل نص هويته ونص كتاباته. تلك النصوص التي لا يمكن تطبيق منطق زميله هومي بابا فيما أسماه "الثقافة الهجينة" ، أو "الفضاء الثالث" ، وهو ما لا ينطبق على مثقفنا إذ أنه لم ينفصل عن الفضائين البينيين معاً إنما دمجهما بما لا يخل بأي منهما معاً أو على حدة. إذ أن حالة الحوار بين هاذين الفضائين النظيرين والمتفارقين هي ما أكسبت هويته قوتها الدافعة وتأثيرها الفكري المنتج، لقد صاغ المنفى مفاهيم سعيد فيما يتعلق بالثقافة والفكر والأدب فكانت "نزعة الاحتفاء بعالم الحس" و"نزعة العالم الدنيوي" و"روح الهواية" هي ما يراه لزاماً فكرياً يمكنه من تحرير فكرة المكان الأدبي من قيد المنفى بالمنطق النصي في الخطاب، والتخلص من ثبوتية وعليائية الصلابة الأكاديمية:

"المثقف يمثل رسالة فردية، طاقة لا تنضب، قدرة تلين لتشتبك بوصفها صوتاً ملتزماً واضح المعالم وجدير بالاعتراف به، مع عدد كبير من القضايا التي تتصل في نهاية الأمر بالتنوير و التحرر و الحرية".

إن جل مايحتاجه المثقف ليمس القيمة الحرة في البنية الثقافية ويحررها –بحسب سعيد- نزعتان "نزعة الإحتفاء بعالم الحس" و"نزعة الإحتفاء بعالم الدنيا" ، وهي عناصر تجعل للنص كجزء من الخطاب مكانه في العالم المحسوس إذ يتمثله ويدركه الخطاب، يحس ويلمس ويوصف، ومنه ينطلق المثقف لتفكيك مناطق الحلول و التجاوز السلطوي فيه، ومن هنا كانت أهمية المقاومة الثقافية في التعامل مع الثقافة الرسمية كجزء من عوامل تشكيل الخطاب السياسي الرسمي، أي أن المثقف/المقاوم يجب أن يتحرك بين نبراسين:
1.الهواية، إذ تتيح له فضاءاً حراً لا هرمياً ، يبتعد به عن الصلابة.
2.الصدق في الإلتزام بالقضايا المتعلقة بتحرير القيم المطلقة، وبالتالي:

"الحقيقة الأساسية لدي، فيما أعتقد، هي أن المثقف فرد وهب ملكة تمثيل أو تجسيد رسالة أو رؤية أو فلسفة أو رأي أو موقف (من شيء ما)، مع الإفصاح عن ذلك لجمهور ما. وهذا دور له تأثيره القوي، ولا يمكن أن يؤديه المرء مالم يتوفر لديه إحساس بأنه شخص من شأنه أن يقوم علناً بإثارة أسئلة محرجة، و التصدي لجمود الفكر التقليدي والفكر اليقيني الجازم القائم على التسليم من غير تمحيص...، ومالم يكن من الصعب على الحكومات تحييدهم بضمهم إليها... ، ومالم يكن مبرر وجوده هو تمثيل ما دأبت الثقافة السائدة على نسيانه أو حجبه عن الأنظار، سواء كان أشخاصاً أو قضايا. بقوم المثقف بهذا كله مستندا إلى أساس من الكليات و المباديء العالمية التي تصدق على البشر أجمع [ولا يمكن استحواذها باسم الحقيقة المطلقة: الكاتب“]

وبالتالي فعلى المثقف أن يقوم ببناء وعي نقدي يرفض ويفكك ويعري ويحلل الخطاب السلطوي وتمثيلاته، ليس هذا فحسب بل يتغلب على صعوبة التداول، بجعل الفكرة ممكنة ومتاحة ومدركة "الشروط الواجب إستيفائها لتكون المعرفة ممكنة" عن طريق الطعن في "سيادة المنهج التقليدي الثابت"، ومن ثم كانت عبقرية قراءة سعيد للخطاب الإستعماري من منطلقه الثقافي والمعرفي، فيما عرف بالقراءة الطباقية، وهي قراءة مستوحاة من مفهوم يعود إلى موسيقى كنسية غربية ظهرت في القرون الوسطى عرفت باسم لاتيني يعني "النغمة مقابل النغمة" أو "النغمة ضد النغمة"، وصارت تعرف اليوم باسم الطباق الموسيقي أو "تصاحب الألحان المتقابلة"، إذ تأثر سعيد بعازف البيانو جلين جولد.

بعبارات أخرى، الوعي بتراكبية النص تقودنا لقراءته قراءة طباقية، تفكك دواخل النص وما يتوارى خلفه، فندرك الألحان أو الأصوات والمعاني التي تصاحب اللحن/المعنى/الصوت الإستعماري السلطوي، ويمكن بها كشف متضادات العلاقة وتذرر و طمس أو حتى إستحواذ القيمة حينها.

والقراءة الطباقية تنتج من جمع بين الفكرة الدالة المتكررة (الموتيف) والصفة الفارقة (الإختلاف)، وهما الأساس لأقامة علاقة طباقية بين السرد الاستعماري ومنظور ما بعد الاستعمار. وبهذا ينشأ سرد يحتوي على نقطة دفينة في مقابل كل نقطة معلقة (سائد/متنحي أو عليا/دنيا)، ونتمكن من النزول من سطح النص إلى أعماقه بحثا عن وجود الآخر الواقع تحت سلطة خطاب و تخيل الأاقوى، وبالتالي تفشي النزعة الإستبعادية النافية في الثقافة المعتمدة، بل وأكثر من ذلك يكشف و يستشرف مواضع مرآوية المستعمَر والمستعمر في أدب المابعد كولونيالي، والخلط التحرري القائم على استعارة منطق الأقوى لتعريف الذات.

لذا فمن الضرورة أن يكتسب الوعي النقدي فاعلية ذاتية بانفصاله عن الثقافة السائدة وحلوله في موضع مناوئ مستقل يمكنه من الشروع في "اكتشاف وتعليل مغزى العبارات التي تتألف منها النصوص" تلك النصوص التي عادة ما تكون حجر الأساس في تخيل و إدراك الآخر.

فمن معالم المثقف المقاوم لدى سعيد قدرته على الإطاحة بثبوتية وصلابه وتعالي الثقافة عن العالم الآني المحسوس، فالمفهوم السعيدي المحتفي بعالم الدنيا يطعن على السلطة المقيدة المعنية بالجزئي الصلب في الخطاب الأكاديمي ببنية الهيراركية المتعالية، ممهدا الطريق إلى فكرة الاحتفاء بعالم الحس (وفي أدبيات أخرى : القراءة العلمانية) حيث لا يكون النص الأدبي مجرد حلقة جديدة تحل في موقع محدد ومتعالي عن الواقع، إنما هو مرتبط بعالم المادة والأشياء بما يتضمنه من روابط ثقافية و سياسية و إجتماعية وسلطوية بين محتويات مصوصه. وبذلك يكشف سعيد عن علاقات النسب التي يكون فيها النص طرفاً، ويعري كذلك علاقات الإنتساب أو الممالأة التي يدخل النص نفسه فيها.

وبهذا يتمكن المثقف من الرد النصوصي على نص السلطة الاستعمارية المعتمد حيث أن "الخنوع الذليل للسلطة في عالم اليوم هو واحد من أفدح الأخطار التي تحيق بالحياة الفكرية التي يراد لها أن تكون مفعمة بالنشاط ومراعية للمثل الأخلاقية العليا" وذلك عن طريق الوعي المجتمعي وعقل نقدي مقابل السلطة ومؤسساتها المعرفية و الخطابية وبالتالي السياسية.

فالمثقف/المقاوم ينبغي أن يمثل "... التحرر و التنوير، ولكن ليس بوصفهما مفهومين تجريديين أو إلهين يتعين على البشر عبادتهما على الرغم من إنقطاع صلتهما بالحياة و البون الشاسع الذي يفصلهما عن البشر. أما تمثيلات المثقف – الأفكار التي يوم بتمثيلها وكيفية تقديمه هذه التمثيلات لجمهور ما- فإنها ترتبط بتجارب أو خبرات تقع على نحو مستمر في داخل مجتمع ما، ويجب أن تظل جزءاً لا يتجزأ من هذه الخبرات: خبرات الفقراء، المحرومين من حقوقهم، من لا صوت لهم، المحرومين من التمثيل ، من لا حول لهم ولا قوة".

النص في نظر إدوارد سعيد منتج ثقافي له تفاصيله المكانية الملموسة و المحسوسة ، فهو ليس بناءاً خاملاً بل له تاريخه الإجتماعي و السياسي والثقافي أي أن له وجوده المادي "المتشابك مع ظروف وزمان ومكان ومجتمع" وهو ما ينتج عنه "قدر من الاتصال المباشر بين المؤلفين ووسيلة التواصل اللغوي حين يكون من موجودات العالم"، وعلى عكس ما ذهب إليه البنيوين و الواقعيون، يرى سعيد أن النص هو جزء من العالم الذي تشكل منه أو أستنبط منه. وعندما يتورط النص في علاقة ممالأة مع التاريخ والثقافة والمجتمع فإنه يتخلص حتماً من قيد ما يسمى بالأدب الأوروبي المعتمد ويرجع إلى نسيج ثقافته، وبالتالي فإن "إعادة إنشاء شبكات الممالأة تؤدي لإبراز الخيوط التي تربط النص بالمجتمع والمؤلف والثقافة أي تحويل النص إلى شيء محسوس"، وتعزيز مادية النص هو مفتاح باب قراءة الأدب الإنجليزي مثلاً بشكل طباقي للتيقن من مدى مشاركة تلك النصوص في تنفيذ مشروع سياسي متسع وكاسح، عن طريق إعمال الخيال الخطابي المدرك للآخر وعلاقة الذات منه ، وبالتالي قراءة هوياتية: هوية المجتمعات الخاضعة للإستعمار ، وهوية ثقافة الإمبراطورية الاستعمارية، وهو ما يمكن تطبيقه على الحالة الفلسطينية، وتمثلات الفلسطيني بعد أوسلو مثلاً.

فالقراءة الطباقية مثلا تسلط الضوء على المساحات الفارغة في المكان الآخروي في الخطاب الإمبريالي فانتيجا لجين أوستن تصف إستغلال المساحات الواسعة من سطح الكرة الأرضية بإضفاء حضور على تلك الغيابات أو "الفضاءات النائية، التي قد يكون بعضها غير معروف"، وعلى هذا فتلك ليست مجرد إشارة إلى "روح المغامرة التجارية التي تدفع المرء لحيازة أراض وبسط سيطرته عليها فيما وراء البحار من أجل تحويلها إلى مصدر للثروة في الإقليم الذي جاء منه. كما أنها ليست واحدة من الإشارات الكثيرة التي تشهد على وجود حس تاريخي ينضج بسلوكيات قويمة وأخلاق كريمة بل يضم كذلك صراعات بين أفكار، ومنازعات مع فرنسا في عهد نابليون ومعرفة بتغيرات إقتصادية واجتماعية مزلزلة كانت تقع في حقبة ثورية من حقب تاريخ العالم".

ومن النماذج الأخرى للقراءة الطباقية التي ذكرها سعيد في كتابه "الثقافة و الإمبريالية" ، أوبرا “عايدة” لفيردي والتي يكاد يكون فيها الإرتباط تاماً بين الأعراف الثقافية والأعراف السياسية ، فأوبرا “عايدة” تثير أسئلة مركبة عن "علاقتها باللحظة التاريخية والثقافية الغربية التي كتبت فيها" ، وأسئلة كذلك عن تفردها و"موضوعها وإطارها الزماني والمكاني وفخامتها ومؤثراتها البصرية والصوتية التي تلهب العواطف على نحو غريب، وموسيقاها المتطورة إلى حد الإفراط والوضع الأسري المقيد الذي تصوره، وإختلافها عن بقية نماذج فيردي"، فسعيد يطالب بقراءة أوبرا “عايدة” قراءة طباقية لأنها تجسد "سلطان النسخة الأوروبية من تاريخ مصر في لحظة من لحظات تاريخها في القرن العشرين، وهو تاريخ يجعل من القاهرة في السنوات 1869 إلى 1871 موقعاً ملائماً إلى حد غير إعتيادي" إذ أن القراءة الطباقية لتلك الأوبرا تمكننا من الكشف عن "بنية الإحالة و الاتجاهات العقلية في النص وشبكة علاقات المملأة والروابط والقرارات وعلاقات التعاون والتواطؤ، وكلها يمكن قراءتها بوصفها السبب في مجموعة من الملامح المفزعة التي جاء نص الأوبرا البصري والموسيقي متسماً بها" فقصة أوبرا “عايدة” التي تدور حول بطل مصري يقهر الإثيوبيين ولكنه يتهم بالخيانة ويحكم عليه بالإعدام، تستحضر في الذهن التنافس بين القوى الامبريالية في الشرق الأوسط. لقد شجعت بريطانيا تحركات الخديوي إسماعيل في شرق أفريقيا، إذ رأتها الوسيلة المناسبة لعرقلة المشروعين الإيطالي والفرنسي في الصومال وإثيوبيا. ولذا فمن وجهة نظر فرنسية نجد أن أوبرا عايدة "تصور الأخطار التي يمكن أن تترتب على نجاح الخطة المصرية في إثيوبيا"، لذا فهي تعري وتوضح مدى ممالأتها للخطاب الإستعماري و تجردها عن العالم الذي خلقها.

ولنا في رواية ألبير كامو "الغريب" مثال آخر ، إذ يرى سعيد أنها "ترتبط من وجهة نظر تاريخية بعلاقة ممالأة أو تبعية للمشروع الإستعماري الفرنسي نفسه.. وكذلك معارضة استقلال الجزائر معارضة سافرة". إذ ينبغي النظر إلى الرواية "بوصفها عنصراً من العناصر التي تندرج في جغرافية الجزائر كما شكلتها فرنسا بطريقة منهجية منظمة".
إن المقاومة عملية ذات شقين:
1.إسترداد الأرض المغتصبة .
2.المقاومة الأيديولوجية، والذي يتكون من "إصرار على رؤية تاريخ المجتمع كاملاً متسقاً غير منقوص ثم البحث عن نهج بديل في رؤية التاريخ البشري... يقوم على إزالة الحواجز بين الثقافات وأخيراً الدخول إلى الخطاب الأوروبي والغربي من أجل الاختلاط به، والعمل على إحداث تحولات فيه ودفعه إلى الاعتراف بالتاريخ المهمش أو المقموع أو المنسي".

أي أن المقاومة الثقافية هي عمل مزدوج ، ليس تحرراً ذاتياً فقط، إنما هو أيضاً إدراك للهوية الذاتية، ومحددات القيمة فيها، وهنا لا بد لنا أن نشير لتأثر إدوارد سعيد بفرانز فانون إذ يقول:
"إن الجهد الذي يبذله البشر من أجل اقتناص الذات والتدقيق في عناصرها ، وكذلك التوتر الدائم الذي تسببه لهم حريتهم، هما العاملان اللذان من خلالهما يتمكنون من خلق الظروف المثالية في عالم إنساني".

ولعل تلك السطور تعري في ذاتنا العربية عموماً ، والفلسطينية خصوصاً الحاجة الملحة والضرورية والحيوية لنرى تمثلاتنا الثقافية الذاتية في خطابنا العربي و الفلسطيني، وإلى أي درجة وصلت من المرآوية الصهيونية باعتبارها علاقة (مستعمِر و مشتعمَر)، ينطبق عليها ما إنطبق على غيرها، وإلى أين ستذهب بنا تلك السياسيات الثقافية الغير مقاومة، إلى أي حد سردنا هو علاقة ممالأة فاضحة للإسرائيلي؟

aymaan noor 29-09-2012 09:11 AM

تأثير القضايا الخارجية على السباق الرئاسي الأمريكي
 
أزمة السفارات نموذجا
تأثير القضايا الخارجية على السباق الرئاسي الأمريكي

http://www.rcssmideast.org/media/k2/...135db01f_L.jpg
د. محمد علاء عبد المنعم
عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأستاذ زائر بالجامعة الأمريكية بواشنطن.
فرضت الهجماتُ على السفارات الأمريكية في عدد من دول الربيع العربي -التي شهدت تنامي نفوذ الحركات الإسلامية بالشرق الأوسط- إثر عرض مقاطع من الفيلم المسيء إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسها على سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ورغم أن اهتمام المرشحين الجمهوري "ميت رومني" والديمقراطي "باراك أوباما" جاء عابرًا؛ نظرا لأولوية قضايا أخرى

يتقدمها الوضع الاقتصادي والبطالة والدين العام؛ إلا أنها كانت مناسبة لطرح المرشحين لرؤيتهما فيما يتعلق بالتعامل مع المنطقة. كما مثلت الأحداثُ ساحة للجدل حول خبرة المرشحين في مجال السياسة الخارجية، وهيأت مساحة للنقاش حول مستقبل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط والساحة الدولية بشكل عام.


مكانة السياسة الخارجية في السباق الانتخابي

وتتمثل أهمية مناقشة أحداث استهداف السفارات الأمريكية وتأثيرها على مجريات الانتخابات الأمريكية في ظل النقاش المحتدم بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري؛ في أن قضايا السياسة الخارجية لم تكن بمعزل عن التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، برغم الأولوية التي عادة ما تحظى بها القضايا الداخلية وخاصة الاقتصادية. وكان هذا جليا في أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979؛ حيث حظيت بأولوية خاصة في السباق الرئاسي بين الرئيس الديمقراطي "جيمي كارتر" ومنافسه الجمهوري "رونالد ريجان"، حتى إن البعض جزم بأن حملة "ريجان" عقدت صفقة مع أطراف إيرانية لتأجيل الإفراج عن الرهائن حتى تنصيب الأخير، لينسب إليه الفضل في الإفراج عنهم. وجاء السباقُ الانتخابي بين الرئيس الجمهوري "جورج بوش" الأب و"بيل كلينتون" ليعيد الثقل للعامل الداخلي، وجاء شعار حملة بيل كلينتون "إنه الاقتصاد.. أيها الغبي" "It’s the economy, stupid" تأكيدا لهذا المعنى.

واستمرت أولوية الوضع الداخلي في السباق الانتخابي في حملتي المرشح الجمهوري "جورج بوش" الابن والديمُقراطي "أل جور" عام 2000. غير أن الأمر تغير في انتخابات 2004 بين "بوش" الابن والمرشح الديمُقراطي "جون كيري"، وذلك في إطار احتدام تداعيات ما عُرف وقتها بالحرب على الإرهاب. وجاء تسجيل مُصور لأسامة بن لادن ليزيد مخاوف الأمريكيين من الإرهاب الدولي، وهو ما استغله الحزب الجمهوري في دعايته ضد الديمُقراطيين، الذين وصفوا منافسيهم من الحزب الديمقراطي بأنهم رفقاء على الإرهاب Soft on terror.

وشهدت انتخاباتُ 2008 التي حقق فيها الرئيس "باراك أوباما" فوزًا مستحقًّا على منافسه الجمهوري "جون ماكين" تواجدًا قويًّا لقضايا السياسة الخارجية بالنظر للتداعيات الاقتصادية والسياسية لتواجد القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، إضافة لقضايا ذات صلة بحقوق الإنسان، وخاصة سجن أبو غريب وجوانتانامو، وهي القضايا التي تم تناولها باعتبارها تهديدًا للقيم الأمريكية.

وقد جاء الرئيس "باراك أوباما" للحكم بخطة طموحة للسياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ارتكزت على السعي للوصول لحل للقضية الفلسطينية، وإحداث حالةٍ من التفاهم والتواصل، وفتح دوائر للحوار مع شعوب الشرق الأوسط، بهدف تخفيف حدة الكراهية المتنامية ضد الولايات المتحدة. إلا أن هذا التوجه حصد من الفشل أكثر من النجاح في رأي الكثيرين. فالقضية الفلسطينية مُتعثرة، والعلاقات الأمريكية - الإسرائيلية شهدت توترات علنية، كما أن إيران ما تزال تواصل برنامجها النووي، مع استمرار عجز الولايات المتحدة عن إيجاد حل للأزمة السورية، واستمرار حالة العداء الشعبي للسياسة الأمريكية في المنطقة، والتي جاءت الاعتداءات على السفارات الأمريكية في مصر وليبيا واليمن وغيرها من دول الشرق الأوسط شاهدًا عليها.

وفي هذا الإطار؛ ذهبت بعض الأصوات للقول بأن الوقت قد حان لانسحاب الوجود الأمريكي من الإقليم، وخاصة مع سحب أغلب التواجد الأمريكي من العراق، والانخفاض المتوقع لأسعار البترول مع ظهور الغاز الصخري "Shale Gas". وعلى الجانب الآخر رفضت أصواتٌ هذا الطرح. وأوجدت أحداث السفارات حالة من النقاش الانتخابي والسياسي.

رد متوازن من حملة أوباما:

يمكن وصف رد فعل الإدارة الأمريكية على أحداث استهداف السفارات الأمريكية بأنه جاء متوازنًا إلى حدًّ كبير؛ حيث ركز أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون على الإشادة بضحايا الهجوم على السفارة الأمريكية في ليبيا، وتأكيد قدرة الولايات المتحدة على التصدي للإرهاب، والتشديد على التعاون مع السلطات الليبية لتحقيق تحول ديمُقراطي، ومعاقبة المسئولين عن الهجمات. كما لم يخلُ خطاب الإدارة من توضيح أن التعاون مع دول المنطقة يتطلب موقفًا حاسمًا من الأنظمة العربية الجديدة، وهو ما ظهر في لقاء تليفزيوني مع الرئيس أوباما في 13 سبتمبر أشار خلاله أن النظام المصري بعد انتخاب مرسي لا يُعد حليفًا، كما لا يُعد عدوًّا، وأن الأمر يتوقف على المواقف التي يتخذها النظام المصري.

وقد جاء أول رد فعل على الأحداث من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي أدانتها بشدة، وأشارت إلى أنها اتصلت بالرئيس الليبي لتنسيق الجهود من أجل حماية الأمريكيين بليبيا، وأنه أدان الأحداث، وقدم تعازيه في الضحايا. وجاء بيان الرئيس الأمريكي أوباما ليدين الأحداث، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ترفض ازدراء الأديان؛ إلا أن هذا لا يعد مبررًا لأي نوع من ال***. كما أشاد بالسفير الأمريكي في ليبيا "كريس ستيفنز" والذي لقي حتفه خلال الهجمات على السفارة الأمريكية.

ويُعد هذا الموقف خروجًا عن بيان أصدرته السفارة الأمريكية بالقاهرة قبل الهجمات أدانت فيه ما أسمته بالمحاولات غير المسئولة من قبل البعض لجرح المشاعر الدينية للمسلمين. وهو البيان الذي سحبته الوزارة من موقع سفارتها بالقاهرة، وأكد الرئيس أوباما عقب الهجمات أنه لم تتم إجازته من قبل وزارة الخارجية.

وعلى هذا فقد جاء الرد الرسمي لإدارة أوباما متسقًا مع ما هو معهود في ظل مثل هذه الظروف الطارئة، من التأكيد على القيم الأمريكية، وما قدمه الضحايا، والتأكيد على محاسبة المسئولين، ورفض تسييس القضية.

ومن هنا كان رد الفعل العنيف على محاولات رومني لتسييس الأحداث، وهي المحاولة التي رفض المشاركة فيها عدد من أقطاب الحزب الجمهوري، وإن أيده فيها فريق من المحافظين الذي وجد فيها فرصة لنقد خط أوباما في مجال علاقاته الخارجية بدول الشرق الأوسط، ولطرح نظرتهم فيما يتعلق بالربيع العربي.

محاولة رومني لتسييس الأحداث

سارع المرشح الجمهوري "ميت رومني" لمحاولة تسييس الهجمات على السفارات الأمريكية، ومحاولة استغلالها في السباق الانتخابي، وهو خروج عن التقاليد الأمريكية في مثل هذه الظروف، التي تفرض الالتفاف حول الدولة rally around the flag، وهو ما لا يسمح بمهاجمة الإدارة التي تمثل وحدة الأمة الأمريكية، وقدرتها على مواجهة عدوها الخارجي.

كما يُعد هذا الموقف خروجًا على خط حملة رومني نفسه، الذي ركز باستمرار على القضايا الاقتصادية. فقد سارع المرشح الجمهوري بعد أقل من 7 ساعات على الهجمات في ليبيا إلى انتقاد موقف إدارة الرئيس أوباما، ووصفه بأنه موقف مشين بما فيه من اعتذار عن القيم الأمريكية وحرية التعبير، مشيرًا إلى بيان السفارة الأمريكية بالقاهرة، والذي رفض فصله عن موقف الإدارة، مؤكدًا أن الرئيس أوباما ووزارة الخارجية مسئولان عن أي تصريح يخرج من أية سفارة أمريكية.

وأشار "رومني" في أول مؤتمر صحفي تعقيبًا على الأحداث إلى أن الربيع العربي يمثل فرصة لأن يكون الشرق الأوسط منطقة سلام ورخاء؛ إلا أنه يحمل تهديدًا إذا نجحت قوى ال*** والتطرف في السيطرة على الإقليم.

وفي مقابل هذه الانتقادات؛ سارع الرئيس أوباما وفريقه إلى توجيه انتقادات لاذعة للمرشح الجمهوري، فوصفه الرئيس أوباما في مقابلة تليفزيونية إلى أن لديه ميلا "لإطلاق النار قبل التصويب has a tendency to shoot first and aim later" في إشارة لهجومه الذي بدا متسرعًا وسابقًا حتى لخروج تقارير وافية عن الأحداث في ليبيا. وانتقد المتحدث باسم حملة أوباما موقف رومني، وأعرب عن دهشته من استخدام المرشح الجمهوري لهذه الأحداث المأساوية لأغراض الدعاية الانتخابية.

وقد أحجم عدد من قيادات الحزب الجمهوري عن مجاراة "رومني" في انتقاداته لأوباما؛ فقد رفض السيناتور الجمهوري، والمرشح السابق في انتخابات الرئاسة "جون ماكين"، التعقيبَ على موقف الإدارة. وأكد على ضرورة ألا تتخلى الولايات المتحدة عن ليبيا في هذه الظروف حتى لا تقع فريسة لقوى التطرف، وهو ما عبر عنه أيضًا في بيان رسمي طالب فيه مجلس الشيوخ برفض تقليص المساعدات الأمريكية لليبيا.

وكانت بعضُ التصريحات من الجمهوريين أشد إيلامًا؛ فقد علق "ستيف لومباردو" المسئول السابق في حملة رومني عام 2008، قائلا إن حملة رومني كان ينبغي عليها أن تكون أكثر تفهمًا فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمات الخارجية. فهذه الأزمات في رأي لومباردو، تشهد التفاف الأمريكيين حول قيادتهم السياسية، على الأقل في المدى القصير. وهو ما لا يسمح بتوجيه انتقاد لموقف الإدارة. ولم يخلُ تصريح "بيجي نونان" التي شاركت في كتابة خطب الرئيس السابق ريجان، من قدر من السخرية؛ حيث قالت إن رومني فشل في إضافة قيمة لحملته منذ بدأ هجومه على موقف إدارة أوباما تجاه الأحداث التي وقعت منذ بضع ساعات.

إلا أن هجوم رومني لم يُفقده تأييدَ عدد من الجمهوريين؛ فقد شبه ممثل الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة "جون بولتون" وهو واحد من أنصار رومني، الأحداث بأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979، واتهم أوباما بالعجز عن فهم مدى خطورة هذه الهجمات. وكررت "سارة بالين" المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس وإحدى قيادات المحافظين، الهجوم التقليدي على سياسة أوباما الخارجية؛ حيث يصفه المحافظون بأنه يسعى دائما لتفادي الخلاف ويحاول باستمرار إرضاء أعداء الولايات المتحدة.

وفي المحصلة الختامية؛ يبدو أن الجدل حول الهجمات على السفارات الأمريكية في طريقه للخفوت. ولكن قضايا السياسة الخارجية ستظل مطروحة، وخاصة مع سعي الجمهوريين لاتخاذ خط مميز عن خط أوباما، وهو ما سيظهر حين تبدأ المناظرات بين المرشحين.

هل تحسم السياسة الخارجية الانتخابات؟

رغم أهمية قضايا السياسة الخارجية في مؤتمرات الحزبين الجمهوري والديمُقراطي، خاصة فيما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي؛ إلا أن هذه القضايا لا تحظى باهتمام خاص لدى الناخب الأمريكي. وتشير استطلاعات الرأي، على سبيل المثال، إلى أن ثلثي الأمريكيين لا يرون مبررًا لتواجد القوات الأمريكية في أفغانستان. هذا بالإضافة إلى أن بعض الأصوات المحافظة ترى ضرورة تقليص الدور الخارجي للولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال؛ تبنى عدد من النواب المحافظين مشروع قانون يطالب الإدارة بتقديم تقرير عن الهجمات على السفارات الأمريكية في مصر وليبيا واليمن قبل التصديق على المعونات المقدمة لهذه الدول. وطالب النائب الجمهوري راند بول بتقليص المعونات الموجهة إلى مصر وليبيا وباكستان.

لكن الاتجاه السائد يرى ضرورة استمرار الولايات المتحدة في دعم دول الربيع العربي، والتواجد في إقليم الشرق الأوسط للمحافظة على مصالحها، ومواجهة ما يعرف بقوى التطرف، وهو الاتجاه الذي تؤيده قوى من الجانبين الديمُقراطي والجمهوري. وقد بدا هذا التوجه في تصويت مجلس الشيوخ بأغلبية كبيرة (81-10) لصالح استمرار المعونات الموجهة لمصر وليبيا.

وفي المقابل؛ تسعى حملة رومني لصياغة خط مميز لسياستها الخارجية، خاصة وأن استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم أوباما بفارق واضح في هذا المجال. وتدرك حملة رومني أن عليها العمل على هذا المحور إذا أرادت إحراز تقدم حقيقي في المنافسة الانتخابية، لا سيما وأن محاولة رومني لتسييس أزمة السفارات أساءت إليه باعتباره قليل الخبرة أكثر مما أفادت. وحتى الآن يبدو أن اقتراب الجمهوريين ينبني على السعي لنوع من إعادة إحياء لسياسات الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان، وذلك لدرء أي شبهة صلة بسياسات بوش الابن في المجال الخارجي، والتي كلفت الولايات المتحدة الكثير.

وقد أطلق "تيم بولنتي" المرشح لمنصب وزير الخارجية إذا فاز رومني، مصطلح Reganesqueعلى هذا المنظور للسياسة الخارجية، والذي يعتمد، على حد وصفه، على "قوة المبادئ والقيم"، وهو توصيف غير واضح على أحسن تقدير.

وسيبقى الشرق الأوسط مطروحًا على قائمة المنافسة الانتخابية، وخاصة فيما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي. ورغم أنه لن يكون من أولويات الناخب الأمريكي، إلا أن حدثا عارضا قد يقلب الحسابات رأسا على عقب، لا سيما وأن الملف النووي الإيراني مهيأ للتطور، فإذا حدث مثلا أن أقدمت إسرائيل على عمل منفرد ضد إيران، فإن هذا سيؤدي بالضرورة إلى انقلاب في موازين الصراع الانتخابي الأمريكي.

aymaan noor 29-09-2012 09:16 AM

من الدّولة الكاملة إلى الدّولة المراقبة إلى الانتظار المفتوح
 
من الدّولة الكاملة إلى الدّولة المراقبة إلى الانتظار المفتوح
http://arabic.jadaliyya.com/content_...stineright.png
هاني المصرى
من المقرر أن يلقي الرئيس أبو مازن، يوم الخميس المقبل، خطابًا جديدًا أمام الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، سيشرح فيه الرواية الفلسطينيّة للصراع الجاري منذ أكثر من مائة عام. سيكون الخطاب هذا العام باهتًا، لأنه يأتي بعد إضاعة عام كامل من الانتظار واستمرار السعي لاستئناف المفاوضات العبثيّة، لأن الخطاب التاريخي، الذي ألقي في العام الماضي، بعث الأمل في نفوس الفلسطينيين، لكنّه جاء نهاية وليس كما كان مفترضًا أن يكون بداية لشق مسار جديد، بعيدًا عن نفق المفاوضات الثنائيّة العبثي المسدود.

لقد سبق خطاب العام الماضي استعدادات ضخمة، سياسيّة وجماهيريّة وإعلاميّة وقانونيّة، كان عنوانها "استحقاق أيلول"، وسط زخم من اعتراف الدول بالدولة الفلسطينيّة، بينما كان "كرسي الدولة" يطوف العالم كله؛ مؤكدًا على الحق الفلسطيني في تقرير المصير.

أما في هذا العام، فستذهب القيادة الفلسطينيّة إلى الأمم المتحدة مترددة، قدمًا إلى الأمام والأخرى إلى الوراء، فهي تعاني من آثار الانقسام، والأزمة الاقتصادية، وفقدان الاتجاه، وآثار "الربيع العربي"، وحائرة بين إلغاء أوسلو، وحل السلطة، واستقالة الرئيس، والدولة الواحدة، وإجراء انتخابات عامة، والعودة إلى المفاوضات، وتتحدث عن التوجه إلى الأمم المتحدة، وكأن الأمر يطرح الآن للمرة الأولى، لذلك بدلًا من الذهاب وفي يدها مشروع قرار لعرضه للتصويت فورًا، تتحدث عن الشروع في صياغة مشروع القرار بعد الخطاب، وعرضه على الدول والكتل الإقليميّة والدوليّة خلال أسابيع؛ ليعرض بعد ذلك للتصويت عليه بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة القادمة حتى لا تصطدم مع الرئيس الأميركي في آخر عهده.

ليس مقبولًا على الإطلاق عدم صياغة مشروع القرار وتأجيل طلب التصويت عليه، بالرغم من مرور عام على السقف الزمني لاستحقاق أيلول، ومرور أعوام على بداية طرح مسألة التدويل التي ابتدأت في العام 2009، خصوصًا حين جاءت حكومة نتنياهو إلى سدة الحكم، واتضح للقاصي والداني، للمتفائل والمتشائم، عدم وجود أفق لحل سياسي مرضٍ أو عادل أو متوازن، على المدى المنظور على الأقل، هذا الموقف يمكن تفسيره، لأن البيت الفلسطيني منقسم على نفسه، وفي وضع سيء للغاية، ولم يتم استغلال الفترة الماضية للاستعداد لمواجهة التداعيات المحتملة لخطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خصوصًا لجهة تنفيذ التهديدات الأميركية والإسرائيلية.

على القيادة الفلسطينيّة حتى تستعيد مصداقيتها التي فقدتها، من خلال تجنب المواجهة في العام الماضي بعدم تفعيل الطلب الذي قدمته إلى مجلس الأمن للحصول على العضويّة الكاملة، بحجة عدم وجود الأصوات التسعة المطلوبة لعرضه للتصويت، ومن خلال عدم الانتقال فورًا إلى الجمعيّة العامة للحصول على العضويّة المراقبة، بالرغم من وجود مطالبة فلسطينيّة وعربيّة ودوليّة بذلك، سواء من دون تقديم الطلب إلى مجلس الأمن أو بالتزامن معه أو بعده؛ أن تفسر، أو أن تعترف بالخطأ الكبير الذي ارتكبته، وتتحمل المسؤوليّة عنه أمام شعبها والعالم كله.

إذا لم تعترف القيادة بالخطأ، فالخشية من أن الأسباب التي أدت إلى إضاعة عام مضى في البحث عن نجاح الجهود المبذولة لاستئناف المفاوضات العقيمة، وهي تجنب المواجهة مع الإدارة الأميركيّة والحكومة الإسرائيليّة، وربما بعض الدول الأوروبيّة؛ لا تزال قائمة، ويمكن أن تؤدي إلى:

إما إلى تأجيل المواجهة مرة أخرى، إلى ما بعد إعطاء فرصة جديدة للرئيس باراك أوباما، إذا فاز بفترة رئاسيّة ثانية، بحجة عدم الاصطدام معه في بداية فترته الثانية، وإضاعة فرصة بحجة أنه سيكون فيها متحررًا من الضغوط والقيود من إسرائيل ومجموعات الضغط المؤيدة لها أثناء فترة رئاسته الأولى.

أو عدم الاصطدام بالرئيس الجديد ميت رومني في فترة رئاسته الأولى، إن فاز، خصوصًا بعد مضيه بعيدًا أثناء حملته الانتخابيّة في دعم إسرائيل، لدرجة إطلاقة تصريحاتٍ عنصريّةً ومعاديّةً للفلسطينيين.

أو المضي قدمًا نحو التوصيت على مشروع القرار، مهما تكن نتيجة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، دون تسليحه بمضمون إستراتيجي، حيث يبدو وكأنه محاولة لتحسين فرص استئناف المفاوضات. ويؤكد ذلك تصريحات الرئيس "أبو مازن" وصائب عريقات، وغيرهما، بأن حصول فلسطين على العضويّة المراقبة يساعد على السلام، ويفتح طريق العودة لاستئناف المفاوضات، التي ستكون مفاوضات بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال.

عن أي سلام يجري الحديث! وما الذي يدعو للعودة إلى مفاوضات أدت إلى كارثة، ويمكن أن تؤدي إلى كارثة أكبر، إذا استؤنفت من دون تغيير الظروف والمبادئ والمرجعيّة والإطار والأطراف التي تجري وتشارك فيها؟ وعن أي مواجهة يجري الحديث، والوضع الفلسطيني لا يسرّ صديقًا؟

إن التدويل إذا نُظِر إليه بوصفه مجرد محاولة فلسطينيّة جديدة لإثبات الجدارة، وحسن السلوك والنوايا، وإنجاح الجهود لاستئناف المفاوضات؛ فسيؤدي في النهاية إلى تقزيم القضيّة الفلسطينيّة، ويساعد على استكمال تهميشها تمهيدًا لتصفيتها.

فالتدويل ضمن السياق المذكور، سيؤدي إلى صياغة مشرورع قرار ضعيف يحاول أرضاء أميركا والدول الأوروبيّة الكبرى، خصوصًا ألمانيا؛ للحصول على تأييدها أو تحييدها، وذلك من خلال التعهد بأنه الحد الأقصى، وإعادة إنتاج كل التنازلات التي حدثت سابقًا، وإيراد كل العبارات والمضامين التي حملتها "مسيرة السلام" منذ انطلاقها في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 وحتى الآن.

يمكن أن نرى في مشروع القرار أحاديث عن حل قضيّة اللاجئين على أساس "معايير كلينتون"، أو "حل متفق عليه"، وإعادة إقرار "مبدأ تبادل الأراضي الذي يقسم الضفة الغربية والقدس الشرقية"، وعبارات من نوع "دولة فلسطينيّة مترابطة وقابلة للحياة *****ة السلاح"، و"تحافظ على أمن وسلامة إسرائيل وتنبذ الإرهاب"، و"تمتنع عن إقامة تحالفات معاديّة لإسرائيل"، و"تلتزم بأفضل العلاقات الطبيعيّة معها".

إذا حصل ذلك، لا سمح الله، تكون الطّامة الكبرى، ويصبح بعدها عدم التوجه للأمم المتحدة أفضل من هكذا توجه.

أهميّة التدويل أنه يجب أن ينطلق من قناعة عميقة باستحالة التوصل إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلة عاصمتها القدس، مع أو من دون حل القضيّة الفلسطينيّة حلًا عادلًا على أساس القرار 194؛ بالعودة إلى طريق المفاوضات الثنائيّة برعايّة انفراديّة أميركيّة، وفي ظل قيام اللجنة الرباعيّة بدور "شاهد الزور"، بعيدًا عن القانون الدولي وقرارت الأمم المتحدة، وعن الدور الفاعل للمؤسسة الدوليّة والأطراف المؤثرة والمعنيّة بما يجري في المنطقة.

الحصول على العضويّة الكاملة مهم جدًا، والحصول على العضويّة المراقبة مهم أيضًا، ولكنه لن يغير الموقف للمفاوض الفلسطيني، لأن الأمر الحاسم هو ما يجري على الأرض، وهو يبعد حل الدولتين ولا يقرّب حل الدولة الواحدة.

فالأرض الفلسطينيّة المحتلة عام 1967 كانت ولا تزال هي أرض محتلة وفقًا للشرعيّة الدوليّة، وهذا لم يؤد إلى تفاوض مثمر، أو إلى تغيير في الموقف الإسرائيلي. وكذلك، فإن منظمة التحرير حصلت على العضويّة المراقبة منذ العام 1974، ولم يغير هذا الأمرُ الواقعَ على الأرض.

تأسيسًا على ما سبق، لا يمكن أن يؤدي التدويل إلى تغيير الموقف جذريًا، إلا إذا جاء ضمن تصور متكامل وإستراتيجيّة جديدة. إستراتيجيّة جديدة تكرس المكاسب السابقة ومكانة منظمة التحرير، وتؤمن بضرورة تغيير موازين القوى على الأرض، بحيث يصبح الاحتلال مكلفًا لإسرائيل ومن يدعمها؛ عندها يمكن إنهاء الاحتلال الذي من دون إنهائه لا يمكن إقامة دولة مستقلة حقًا، حتى لو بنينا مؤسسات دولة مثاليّة وحصلت على شهادة العالم كله بالجهوزيّة الفلسطينيّة لإقامة الدولة.

يجب أن ترتكز الإستراتيجيّة التي تريد التغيير أساسًا إلى تدويل القضيّة الفلسطينيّة بمختلف أبعادها، وتجميع جميع الموارد والثروات وأوراق الضغط والقوة الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة، وهذا لا يكون إلى بإعادة القضيّة إلى جذورها، بوصفها قضيّة شعب شرّد، وواقع تحت الاحتلال، ويعاني بجميع أجزائه من كل أشكال الاستعمار والاضطهاد والعنصريّة. وهذا يقتضي إحياء القضيّة الفلسطينيّة والمشروع الوطني والمؤسسة الجامعة والقيادة الواحدة على أساس الحقوق الطبيعيّة والتاريخيّة والقانونيّة، وبما يضمن وحدة القضيّة والشعب والأرض، وهذا يتطلب أساسًا التركيز على خطاب الحقوق: حق تقرير المصير؛ وحق والعودة؛ وإنهاء الاحتلال؛ والحقوق المدنية والمعيشيّة لشعبنا داخل إسرائيل والشتات.

إن مثل هذا التفكير الإستراتيجي أصبح متطلبًا وطنيًا، لا مناص منه بعد أن قضت إسرائيل على حل الدولة الفلسطينيّة على حدود 1967، وعلى اتفاق أوسلو الذي تنصلت منه، مع أنها تريد الإبقاء على الالتزامات الفلسطينيّة فيه.

ليس مطلوبًا من الفلسطينيين الإعلان رسميًا عن إلغاء اتفاق أوسلو ردًا على ذلك؛ حتى لا يتحلموا المسؤوليّة عن جريمة ارتكبتها إسرائيل، ولكن عليهم إدراك أنه الجذر الأساسي لما وصلوا إليه، ومن دون تجاوزه عمليًا، خطوة خطوة وصولًا إلى التخلص منه نهائيًا؛ لا يوجد حل عادل أو متوازن أو مرضٍ، بل سيؤدي استمرار السياسة الانتظارية إلى المزيد من الضياع للفلسطينيين وقضيتهم، وصولًا إلى تصفيتها نهائيًا.

aymaan noor 30-09-2012 03:39 PM

حدود ومآلات التغير في العلاقات المصرية الإسرائيلية
 
حدود ومآلات التغير في العلاقات المصرية الإسرائيلية
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...78973f79_L.jpg
محمد عبد الله يونس
مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

تشهد العلاقاتُ المصرية الإسرائيلية موجةً حادةً من الانحدار المضطرد قضت على الاستقرار النسبي لإحدى ركائز منظومة الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. إذ يمكن اعتبار الهجوم الذي استهدف وحدة عسكرية إسرائيلية قبالة العلامة 46 الحدودية في 21 سبتمبر الجاري بمثابة مؤشر جوهري على التحولات الهيكلية في ثوابت العلاقات المصرية الإسرائيلية

في ظل تصاعد وتيرة التوترات خلال الفترة الممتدة بداية من انهيار نظام مبارك وانتهاء بتصفية دور المجلس العسكري، وانفراد الرئيس مرسي بصلاحيات إدارة الدولة حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، بما يُثير تساؤلات مهمة حول حدود ومآلات التغير الراهن في العلاقات المصرية الإسرائيلية.

أزمات متصاعدة

لم يكن الهجومُ على القوات الإسرائيلية الذي تبنته جماعة أنصار بيت المقدس، وأسفر عن م*** ضابط إسرائيلي وثلاثة من منفذي الهجوم، تطورًا مفاجئًا في وتيرة الأوضاع الأمنية المتردية على الحدود المصرية الإسرائيلية؛ إذ يُعتبر أحد مظاهر انسحاب الدولة المصرية من الأطراف تحت وطأة أزمات الداخل المتصاعدة، بما أدى إلى تطور نوعي في قدرات التنظيمات المسلحة على الحدود المصرية الإسرائيلية كان أبرز مؤشراته:

- الهجوم على مديرية أمن شمال سيناء ونقاط مراقبة أمنية في 16 سبتمبر باستخدام أسلحة ثقيلة نوعية، على الرغم من تأكيدات المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة استمرار العملية نسر، وتمكنها من *** 33 من العناصر المسلحة، وتدمير 31 نفقًا حدوديًّا ردًّا على هجوم التنظيمات الإرهابية في 5 أغسطس على قوات حرس الحدود المصرية في رفح قرب معبر كرم أبو سالم، وراح ضحيته 16 مجندا من عناصر القوات المسلحة.

- اقتحامُ عناصر مسلحة لمقر قوات حفظ السلام في طريق الجورة في شمال سيناء في 14 سبتمبر احتجاجًا على الفيلم المسيء للرسول، بما أسفر عن إصابة 3 جنود من كولومبيا، وإحراق عدة مركبات، والاستيلاء على معدات وأسلحة من الموقع.

- تفجيرات خط الغاز الواصل لإسرائيل والأردن التي وصل عددها حوالي 15 تفجيرًا منذ بداية الثورة المصرية حتى 22 يوليو الماضي، وتكرار إطلاق الصواريخ من سيناء على أهداف داخل الحدود الإسرائيلية التي كان أبرزها في 17 يونيو و4 إبريل 2012.

- يرتبط هذا التصاعد في التوترات الأمنية الحدودية باتساع الهوة الفاصلة بين مصر وإسرائيل لا سيما منذ تفجر الاحتجاجات الشعبية، واقتحام المتظاهرين للسفارة الإسرائيلية عقب *** القوات الإسرائيلية لخمس مجندين من قوات حرس الحدود المصرية، ثم الأزمةُ الثانية في العلاقات بإعلان مصر إنهاء تصدير الغاز لإسرائيل في إبريل 2012 كأحد مؤشرات التراجع في مسار التطبيع المصري الإسرائيلي.

مؤشرات التراجع:

تشهدُ العلاقاتُ المصريةُ الإسرائيلية انفصالًا غير مسبوق بين استمرار التنسيق الأمني والعسكري الوثيق والتباعد السياسي والاقتصادي المتصاعد بين الدولتين لا سيما منذ انتهاء الدور السياسي للمجلس العسكري الذي كان يعتبر أحد عناصر التوازن في منظومة التفاعلات بين الدولتين، وفي هذا الإطار تكشف مؤشرات عديدة عن موجة جديدة من التراجع في العلاقات المصرية الإسرائيلية تشمل:

- الضغوط الإسرائيلية على مصر لسحب الدبابات والأسلحة الثقيلة من المنطقة الحدودية، والالتزام بمقتضيات اتفاقية السلام، على الرغم من الدعم المبدئي الذي أبدته إسرائيل للعملية نسر للقضاء على التنظيمات المسلحة في سيناء، تعبيرًا عن المخاوف مما يصفه المحلل الإسرائيلي أليكس فيشمان "ضبابية مستقبل العلاقات بين الدولتين" في عهد الرئيس مرسي.

- القلق الإسرائيلي المتصاعد من تراجع التنسيق السياسي مع مصر الذي عبر عنه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في 16 سبتمبر بتأكيده انقطاع الاتصالات السياسية مع مصر منذ تولي الرئيس مرسي لمنصبه، وأن الأخير "لا يرغب حتى في النطق بكلمة إسرائيل" تعبيرًا عن عدم قبول العلاقات على الرغم من التنسيق العسكري الوثيق.

- اعتبار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك "الإرهاب في سيناء الخطر الحقيقي على أمن إسرائيل" وهو ما انعكس في تسريبات إسرائيلية لدراسة عن القيام بعمليات عسكرية استباقية لتحييد التهديدات الإرهابية في سيناء، وتأكيدات الجنرال تسفي فوجل نشر كتيبة ****ال الإضافية على الحدود مع مصر، إضافة إلى التدابير الأمنية الأخرى التي شملت نشر كتيبة استطلاع موجهة على الحدود، إضافة إلى عمل وحدة "ريمون" لمكافحة الإرهاب، والتي تعمل في المنطقة الجبلية المعقدة، وإعادة وحدة المستعربين على الحدود، واستكمال الجدار الفاصل على الحدود، ونشر بطاريات صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية في يونيو الماضي.

- نشر وزارة الدفاع الإسرائيلية للخطة "عوز" في 24 أغسطس التي تتحسب لاحتمالات مواجهة عسكرية مع مصر بتأهيل القوات على اعتبار مصر جبهة مواجهات عسكرية، والاستعداد لنشر زوارق الصواريخ الجديدة ساعر-5 في البحر الأحمر لاستهداف قناة السويس، وتطوير منظومات التسلح، وزيادة الإنفاق العسكري.

- تراجع التطبيع الاقتصادي بقرار شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية "العال" إيقاف رحلاتها من القاهرة لأول مرة منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 بسبب تراجع حاد في معدل الانتقال بين الدولتين، بالإضافة إلى ما كشف عنه تقرير المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء من تراجع الصادرات الإسرائيلية لمصر بنسبة 73% خلال شهر يوليو الماضي، كما انخفضت الواردات المصرية لإسرائيل خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 70% بحيث لم تتجاوز 44.6 مليون دولار.

- تصاعد وتيرة سياسة شد الأطراف الإسرائيلية لتطويق الدور المصري في إفريقيا، وهو ما يستدل عليه بجولة أفيجدور ليبرمان في دول منابع النيل في 2 سبتمبر الجاري، وخاصة إثيوبيا وكينيا وأوغندا لتعزيز التعاون في مجالات الزراعة والمياه، وتوقيع اتفاقية بين إسرائيل وجنوب السودان في يوليو الماضي للتعاون في مجال البنية التحية والري بمبادرة من وزير البنية التحتية الإسرائيلي عوزي لانداو.

تفجر القضايا الخلافية:

لم يقتصر التراجع في العلاقات على مؤشرات التوترات الآنية، وإنما تضمن إثارة مختلف القضايا الخلافية في العلاقات المصرية الإسرائيلية في الوقت ذاته، تعبيرًا عن مراجعة شاملة لركائز السلام
المصري الإسرائيلي، بحيث امتدت إلى ما يلي:

1- مراجعةُ اتفاقية السلام: تصاعد السجال بين مستشار الرئيس مرسي محمد عصمت سيف الدولة الذي أكد ضرورة تعديل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لا سيما الملحق الأمني الذي يضع قيودًا على انتشار القوات المصرية في المنطقتين "ب" و"ج" من سيناء انطلاقًا من مقتضيات السيادة المصرية، وانفرادها بتحديد شئون أمنها، ووزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الذي أكد عدم وجود أدنى احتمالية لتعديل اتفاقية كامب ديفيد، وإشارته "مشكلة مصر الأمنية في سيناء لا تعود إلى حجم قواتها؛ بل إلى عزيمتها على محاربة العناصر الإرهابية".

وتأكد رد الفعل الإسرائيلي بتصريحات عاموس جلعاد، رئيس القسم الأمني والسياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ بأن معاهدة السلام مع مصر لن يتم تعديلها إلا بالتوافق بين الطرفين. في المقابل دعا عضو الكنيست "روني بار أون" لبحث إمكانية تعديل الملحق الأمني لاتفاقية السلام مع مصر استغلالا لمكاسب التفاوض مع الحكومة الجديدة في مصر، واقتناص اعتراف جماعة الإخوان المسلمين
بإسرائيل.

2- أمن الحدود: أدى تصاعد تهديدات الجماعات المسلحة في سيناء لإثارة الضغوط الإسرائيلية على مصر لاستعادة ضبط الحدود في إطار الالتزام باتفاقية السلام في ظل اتهامات إسرائيلية لمصر بتعمد تراخي الإجراءات الأمنية لاعتبارات سياسية في إطار العلاقات الوثيقة بين الإخوان المسلمين وحركة حماس والضغوط المصرية لإجبار إسرائيل لتعديل اتفاقية كامب ديفيد، بما أدى لتحويل سيناء لبؤرة تهديدات أمنية على حد تعبير إيهود باراك.

وفي السياق ذاته؛ أثار طرح مصر مزايدة عالمية للبحث عن الغاز والبترول في المياه الإقليمية الاقتصادية مخاوف جديدة من احتكاكات مع أنشطة الاستكشاف الإسرائيلية في المناطق الحدودية بما يصعد الجدل حول ترسيم الحدود المائية بين الدولتين.
3- تعديل اتفاقية الكويز: استمرارًا لمراجعة العلاقات أكد حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة المصري في 24 سبتمبر أن الحكومة المصرية أعادت التفاوض حول تخفيض المكون الإسرائيلي من 11% إلى 8% ضمن المنتجات في إطار اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) وهو المطلب الذي لم يتحدد مصيره بعد انتظارًا للموقف الإسرائيلي والأمريكي.

4- التوازن العسكري: تصاعد القلق الإسرائيلي من واردات الأسلحة المصرية لا سيما استيراد مصر لغواصتين من طراز 209 من ألمانيا، وفشل حملة الضغوط الدبلوماسية على الحكومة الألمانية لعدم المصادقة على الصفقة تحت ذريعة الأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على الرغم من امتلاك إسرائيل غواصات من طراز دولفين الأكثر تطورا. في المقابل ضغطت مصر لفرض إجراءات السلامة النووية على المنشآت الإسرائيلية خلال مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 18 سبتمبر، وأعادت طرح مبادرتها لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وتلازم ذلك مع مخاوف إسرائيلية عبر عنها شاؤول يشاي نائب رئيس مركز الأمن القومي الإسرائيلي السابق من اتجاه مصر لإحياء برنامج نووي عسكري اتساقًا مع المواقف المعلنة لقيادات وكوادر جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس مرسي.

5- القضية الفلسطينية: يمثل ربط الرئيس المصري بين استمرار اتفاقية كامب ديفيد وإقامة الدولة الفلسطينية في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز يوم 23 سبتمبر تحولًا جديدًا في ثوابت السياسة الخارجية المصرية؛ إذ إن تأكيد مرسي على أن احترام اتفاقية السلام يتوقف على تطبيق نصوصها الخاصة بمنح الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني يرتبط بالتغير في الموقف المصري حيال الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وفك الحصار المفروض عليه في إطار العلاقات الصاعدة بين مصر وحركة حماس التي تعتبرها تهديدًا لأمنها.

مستقبل غامض

على الرغم من تأكيدات مصر وإسرائيل على حيوية استمرار اتفاقية السلام بين الدولتين؛ إلا أن التراجع المضطرد للعلاقات وتآكل ركائزها المستقرة يجعل السلام الهش بين مصر وإسرائيل رهنًا
بمحددات عديدة، أهمها:

1- مدى التحولات السياسية في مصر والتوظيف الانتخابي لدعوات مراجعة العلاقات المصرية الإسرائيلية وتقليصها لأدنى المستويات في ظل تحكم الشارع في مواقف القوى السياسية قبيل انتخابات برلمانية فاصلة.

2- نطاق التحولات في السياسة الخارجية المصرية واحتمالات تغير مسار العلاقات مع الأطراف الإقليمية المعادية لإسرائيل، لا سيما إيران، والتوترات الآنية في العلاقات المصرية الأمريكية.

3- استعادة مصر السيطرة الأمنية في سيناء في إطار تصاعد التفاهمات بين الطرفين حول انتشار القوات المسلحة المصرية وفق قواعد جديدة تحقق التوازن بين مقتضيات الأمن للدولتين.

4- تغير توجهات الرأي العام في الدولتين لتبني مواقف أكثر إيجابية حيال اتفاقية السلام: حيث كشف استطلاع رأي للمعهد القومي الإسرائيلي في يونيو الماضي أن 42% من الجمهور الإسرائيلي يؤكدون أن اتفاقية السلام مع مصر ستتعرض لتفريغها من مضمونها، وفي المقابل كشف استطلاع مركز جالوب لاستطلاعات الرأي في 24 سبتمبر عن أن 42% من الجمهور المصري يرفض استمرار اتفاقية السلام مع إسرائيل في مقابل 48% يقبلون استمرار السلام دون تطبيع للعلاقات.

5- إمكانيةُ تجاوز الجمود في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية في ظل سياسة الاستيطان المتصاعدة، والمواقف الحدية لليمين الإسرائيلي المسيطرة على الائتلاف الحاكم في إسرائيل.

وإجمالا فإن العلاقات المصرية الإسرائيلية لن تعود إلى سابق عهدها قبيل سقوط نظام مبارك، ومن المرجح أن تشهد مزيدًا من التراجع والجمود مع تصاعد مزيدٍ من القضايا الخلافية، واستمرار التعنت الإسرائيلي الذي يعوق تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يدفع الساسة للاستجابة لضغوط الرأي العام، وتقليص العلاقات لأدنى مستوياتها دون المساس بركائز السلام بين مصر وإسرائيل.

aymaan noor 30-09-2012 03:45 PM

تحديات الانتخابات الرئاسية الايرانية المقبلة
 
تحديات الانتخابات الرئاسية الايرانية المقبلة
http://arabic.jadaliyya.com/content_...t_15-03-57.jpg
Mohammad Ali Kadivar
يبدو أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران والمزمع عقدها في عام 2013 ستؤدي إلى تعميق الانقسامات في صفوف المعارضة الايرانية؛ بينما بدأت أطراف من المعارضة التداول حول المشاركة في الانتخابات، يرفض بعضها مبدأ المشاركة فيها ،على سبيل المثال قال سعيد حجاريان، وهو أحد المنظرين للمعارضين في الداخل إن الانتخابات هي "فرصة للتنظيم والعمل" وفي الوقت نفسه رأى الصحفي والناشط البارز مرتضى كاظميان أنها ستشمل منتسبي النظام فقط ولن تسمح السلطة لأي من القوى الديمقراطية المشاركة فيها.

المناقشات حول الفرص والقيود المتعلقة بإنتخابات عام 2013 تعكس أيضا الإنقسام الكبير بين المعارضين حول الإستراتيجيات ومستقبل النظام السياسي والديمقراطي في البلد. في ‌الواقع موضوع المشاركة أو المقاطعة هو معضلة مشتركة لغالبية المعارضين للأنظمة الاستبدادية التي تفرض إنتخابات غير حرة و غيرعادلة لإضفاء الشرعية على حكمها. كما تستخدم هذه الأنظمة أحياناً الانتخابات كأسلوب لتجزئة المعارضة والقضاء عليها وروسيا وماليزيا وغانا تشكل أمثلة لهذه الأنظمة التي يطلق عليها "الاستبدادية التنافسية".

رافقت الانتخابات الرئاسية في إيران على مدى العقدين الماضيين ضغوطات على التحالفات القائمة كما شكلت فرصاً لإيجاد تحالفات جديدة بين القوى السياسية المنتمية للنظام وكذلك للمعارضين. إنشق في انتخابات عام 1997 "اليمين الجديد" الذي يمثله الرئيس السابق أكبر رفسنجاني ورجاله عن "اليمين التقليدي" وأقام تحالفاً مع اليسار منذ ذلك الوقت و دعم ترشيح محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية السابقة. وبعد فوز خاتمي الذي طرح خلال حملته الإنتخابية شعار المجتمع المدني وسيادة القانون والحرية وتلبية مطالب الشعب وخاصة طموح الطبقة الوسطى الناشئة وأعلن كذلك دعمه للشباب والنساء، بدأت مرحلة جديدة أطلق عليها "حركة الإصلاح".

وتفكك هذا التحالف الكبير في عام 2005 كما أن الإصلاحيين قدموا ثلاثة مرشحين للانتخابات وشكلت الحركة الطلابية ركناً مهماً لدعم ترشيح خاتمي في عام 1997 .وتفكك التحالف آنذاك لأن المتشددين في النظام الإيراني قاموا بعمليات تصعيد وقمع طالت عدداً كبيراً من الاصلاحيين. أما في عام 2000 فقد دعت الفصائل المختلفة الإصلاحية الى وضع استراتيجيات مختلفة للتعامل مع المتشددين.

ذكر العديد من المحللين والصحفيين الإصلاحيين أنه إذا كانت الفصائل الإصلاحية قد حافظت على تحالفها واتفقت على اثنين من المرشحين لكان قد تفوق مرشحوها على أحمدي نجاد مع فارق أقل من مليون صوت. وفي عام 2009 لم تكن الهوة حول المشاركة أو المقاطعة عميقة كما كانت في عام 2005 ، لأن السنوات الكارثية الأربع من رئاسة نجاد قد شكلت قناعات كافية لدى القوى السياسية المختلفة حول ضرورة وصول ممثل لهذه القوى إلى مبنى الرئاسة. وكان للمعارضة مرشحان لكنها لم تشكك في استراتيجية المشاركة في الانتخابات.

أما فرص المنافسة وتعامل المتشددين المهيمنين على مفاصل الحكم فسيحددان أطر الانتخابات وأثرها على التحالفات الإصلاحية الأخيرة. إذ كما هو متوقع سيشجع مرشد الجمهورية الإسلامية ويسمح بمشاركة بعض الإصلاحيين السابقين مثل محمد رضا عارف، نائب الرئيس خاتمي 2001-2005 حيث لم يؤيد الحركة الخضراء ولكن رغم هذا يعمل حكام النظام على إيجاد تحديات كبيرة أمام الإصلاحيين ونشطاء الحركة الخضراء وهذه الإستراتيجية تؤدي من جانبها إلى إحداث انشقاق بين المعارضة و تعمل لبلورة الانقسامات السابقة في المعارضة و المتمثلة بالمقاطعة أو المشاركة كما حصل في الانتخابات الأخيرة.

وبناء على ذلك يعمل قادة الإصلاحيين مثل الرئيس السابق محمد خاتمي على تقييم استراتيجية المتشددين في الانتخابات ، كما ذكر خاتمي في أحد لقاءاته العامة بأنه يجب أن نعمل لإيجاد مناخ سياسي مناسب من اجل اقامة انتخابات شعبية.

الأخبار غيرالرسمية الواردة من المنتديات والإجتماعات للأعضاء الأصغر سناً وأكثر تطرفاً في المعارضة وخاصة أولئك الذين ينضوون تحت راية الحركة الخضراء تشير إلى أنهم ليسوا متحمسين للمشاركة في الانتخابات. ويدعو بعضهم كحد أدنى إلى الإفراج عن موسوي وكروبي قبل النظر في خوض الإنتخابات. ويرى بعضهم أن عميلة التزوير والإحتيال والقمع الذي تلى انتخابات 2009 لم تترك مجالاً للمشاركة في أي انتخابات حيث أن المشاركة ستضر بالحركة الشعبية. ووفقاً لذلك انتقد موقع "جرس" وهو أحد المواقع الرئيسية للحركة الخضراء، الدعوة للمشاركة في الانتخابات " الشكلية " في عام 2013 و وصف تلك الدعوات بأنها تتناقض مع طبيعة الحركة الخضراء التي تكافح لإقامة انتخابات حقيقية .هذا النقاش الداخلي يكشف أحد الاختلافات الاستراتيجية الكبيرة بين الإصلاحيين 1997-2005 و الحركة الخضراء التي ظهرت بعد إنتخابات 2009.

رغم أن الإصلاحيين كانو متشائمين بالنسبة لحشد الجماهير وفضلوا العمل من خلال المؤسسات السياسية القائمة ، كانت الحركة الخضراء ترى بأن الحشد الجماهيري سيكون أفضل وسيلة لدفع التطلعات الديمقراطية للشعب الإيراني. القدرات المدهشة للحركة الخضراء في جلب مئات الآلاف من الناس إلى شوارع طهران طغت على الاستراتيجيات الإصلاحية السابقة وأدت إلى تهميشها لفترة من الزمن. ومع ذلك نجحت السلطة في قمع الحركة الخضراء كما مهد إنخفاض نشاطها منذ عام 2010 إلى إمكانية العودة إلى الاستراتيجيات الإصلاحية المهمشة التي تركز على العمل من خلال المؤسسة السياسة الحالية.

يبدو أن القادة الإصلاحيين باتوا يدركون مدى أضرار الانقسام بين أطياف المعارضة، وعلى هذا الأساس رفض عبد الله نوري، وهو من أبرز قادة الاصلاحيين الفصل بين الحركة الإصلاحية والحركة الخضراء، واقترح تشكيل مؤسسة تمثل جميع الإتجاهات المختلفة داخل المخيم الإصلاحي. وكان نوري وزيراً للداخلية في حكومة خاتمي قبل إقالته من منصبه خلال استجوابه في البرلمان المحافظ آنذاك. وسجن في وقت لاحق بسبب الإنتقادات اللاذعة التي نشرها في صحيفته وهذه الخلفية السياسية لنوري تمكنه من استقطاب الأعضاء الراديكاليين في الحركة الخضراء.

تشير النسبة العالية لمشاركة الناخبين في إنتخابات عام 2009، وبلغت نسبتها وفقاً للتقارير الرسمية إلى 85 ٪، تشير إلى تراكم المطالب التي لم تتحقق في المجتمع الإيراني وتتعلق معظمها بالحريات السياسية والاجتماعية و التطورالاقتصادي. أما القمع السياسي الذي أخذ منذ عام 2009 منحى تصاعدياً إلى جانب العقوبات الإقتصادية، وإرتفاع معدلات التضخم أدى إلى تراكم المطالب الشعبية، وفي المقابل تشكل هذه التوجهات تحدياً خطيراً للنظام، أما المعارضة فتحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى صياغة إستراتيجية وخطاب مناسب لتمثل مطالب المجتمع الإيراني والمشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها يشكلان جزءا أساسياً من هذه الاستراتيجية التي تناقشها في الأشهر المقبلة ومع ذلك تحتاج المعارضة لتنفيذ أي استراتيجية - سواء المقاطعة أو المشاركة – تحتاج أولاً الى الحفاظ على خطوط موحدة و متماسكة.

حـيرم 30-09-2012 04:14 PM

هذه التحديات لاترقى حتى الى السمع الايرانى ولا تمد للواقع الايرانى باى صله
لان المرشد هو الذى يبدل الاشكال كيفما يشاء وتبقى الشعارات الى اجل غير مسمى
تغيير الاشكال والسياسه واحده

darch_99 30-09-2012 11:20 PM

السيد الفاضل ايمن نور
 
السيد الفاضل ايمن نور

هذا مقال جيد لوصف الحال بين مصر واسرائيل لكن وهذا هو المهم والذي لم يذكرة المقال
ان السيد الرئيس مرسي واسرائيل (انا متعمد ذكر الرئيس في مواجهة اسرائيل ولم اقل مصر ولهذا سبب) كل منهم يفهم الاخر جيدا ولكن الجماعات الجهادية السلفية او التكفيرية ان صح التعبيير
لا تفهم وليست لديها رؤية استراتيجية ولان الفهم نعمة كبيرة من الله كما قال تبارك وتعالي
(ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما)

وهؤلاء الجهاديون التكفيريون لايفهمون وعندهم نقص في العلم وهم لا يحكمون وايضا ليس لديهم حكمة في التعامل مع الامور

والسؤال الذي يطرح نفسة بعد هذة الديباجة ما الذي يفهمه مرسي وتفهمة اسرائيل جيدا ولا يفهمه هؤلاء الجهاديون ؟

ان مرسي يسعي جاهدا الي توازن القوة بينه وبين اسرائيل وعلي الاقل الحفاظ علي الحد الادني من قوة الردع في الوقت المنظور ليس بسبب الخوف من قيام حرب في هذة الاونه ولكن لردع اسرائيل عن اتخاذ قرارات تمثل امر واقع (سياسة البلطجة) وعمل حساب لمصر ولسياستها عند اتخاذ اي قرار يضر بالامن القومي المصري وليصبح التصريح المصري في السياسة الدولية له قدره ويؤخذ ماخذ الجد وليس كأيام المخلوع علية من الله ما يستحق وعلي سبيل المثال مشاريع استخراج الغاز من البحر المتوسط او التغول في سيناء ولإثبات قدرة مصر العملية علي التصدي لاي عدوان يقع عليها مهما كان بسيطا كما كان يحدث ايام المخلوع , يبقي في الوقت المنظور تقوية قوة الردع المصرية اما علي المستوي الاستراتيجي فقوة الردع المصري في الوقت المنظور هي خطوة ليس الا تتبعها خطوات اخري في تقوية الجيش المصري ويمثل هذا تكتيكا استرتيجيا لخلق امر واقع جديد من خلال تفاهم وتفاعل العالم في هذة الاونه لظروف التسليح المصري لتحقيق الامن في المنطقة واستغلال ذلك في تقوية الجيش الي ابعد حد استعدادا
لأي حرب قادمة طارئة
وهي حتما ستقع والجهاديون لايفهمون انهم ذخر استراتيجي مهم سنحتاجهم يوما ما
لكن هم بافعالهم تلك غير المسؤله يؤخرون التسليح والتدريب والتطوير بجهلهم وبغبائهم بل ويؤخرون نهضة مصر فيجميع المجالات بسبب الضغط العسكري عليهم واستفار قوة الدولة للقضاء عليهم وبالتالي تشتت القوة المصرية إن التزامهم بقرارات رئيسهم والتزامهم الهدوء يؤكد للعالم كله قدرة الرئيس المصري علي السيطرة وبالتالي الا طمئنان الي الاستثمار وجذب رؤوس الاموال الي مصر مما يسرع في نمو الاقتصاد وايضا يساهم ذلك في تقوية الجيش المصري في هدوء وصمت كل هذا يفهمة مرسي وتفهمه اسرائيل

ولكن هؤلاء لا ينظرون الا تحت اقدامهم ويا ليتهم فهموا الشرع والشريعة علي مراد الله ولكنهم بغبائهم يضرون ولا ينفعون فدمائهم تضيع وقوتنا تتشتت والنتائج في صالح اعدائنا . هذا واسئل الله ان يبصرهم بنور الحق انه ولي ذلك ومولاه والقادر عليه
وجزاك الله خيرا اخي ايمن


aymaan noor 01-10-2012 09:46 AM

جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم

aymaan noor 02-10-2012 08:57 AM

لماذا ترفض الصين التدخل العسكري في سوريا؟
 
لماذا ترفض الصين التدخل العسكري في سوريا؟
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...0471093b_L.jpg
مايكل سواين
مع تصاعد الحديث داخل الأوساط الغربية والأمريكية عن التدخل العسكري في سوريا على غرار التحالف الدولي في ليبيا الذي أنهى الأزمة الإنسانية الليبية؛ بدأت الكتابات الغربية تولي أهمية لبحث مواقف الدول الكبرى من التدخل العسكري في سوريا.

وفي محاولة لدراسة الموقف الصيني من التدخل العسكري نشرت دورية مراقبة قيادة الصين China Leadership Monitorفي عددها عن شتاء 2012 دراسة لـ"مايكل سواين"، الخبير في شئون السياسة العسكرية والأمنية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تحت عنوان "وجهة النظر الصينية بشأن النزاع السوري". ويسلط سواين في مقاله الضوء على موقف الصين من الاضطرابات السورية المستمرة، ومن فكرة التدخل العسكري الأجنبي.

الموقف الصيني بين التعنّت والرضوخ

لاحظ العديدُ من مراقبي السياسة الخارجية الصينية في السنوات الأخيرة تغيرًا طفيفًا في موقف بكين التقليدي تجاه التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية للدول الأخرى. فعلى مدار التاريخ؛ أيدت جمهورية الصين الشعبية بقوة ما تعتبره "المبدأ الصيني المقدس لسيادة الدولة"، وهو مبدأ معاداة التدخل الخارجي التعسفي أو المفرط (ولا سيما التدخل العسكري).

وقد تعزَّز موقفها ذلك بمعارضتها الشاملة المعلنة لاستخدام القوة في حسم القضايا السياسية الدولية، وبتشديدها على أن الضغوط القسرية الخارجية (مثل العقوبات) الرامية إلى تقويم سلوكيات الحكومات السلطوية لا تحقق النتائج المرجوَّة بقدر ما يحققه الحوار الخاص والحوافز الإيجابية في تلك الحالات.

وبالإضافة إلى ذلك؛ قاومت القيادة الصينية التدخلات الأجنبية في الشئون الداخلية للدول ذات السيادة، لا سيما عندما تقودها الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، انطلاقًا من دوافع قلق من أن مثل هذا التدخل الرامي إلى تغيير النظام يمكن أن يشكّل سابقة قد تُستخدم يوما ما ضد بكين. لذا تتلافى بكين المشاركة في الجهود التي تبذلها الدول الأخرى والهيئات الدولية للتدخل عسكريًّا في الحروب الأهلية أو في حالات الاضطرابات الداخلية التي تشبّ في الدول الأخرى (ولا سيما في الدول النامية).

ومع ذلك؛ وقع الموقف الصيني الحازم بشأن التدخل الأجنبي تحت ضغط في السنوات القليلة المنصرمة بسبب القلق الدولي المتصاعد حول عدد من الحوادث التي استخدمت فيها الحكومات الاستبدادية ال*** ضد شعوبها؛ ومن تلك الحوادث الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا في عام 1994، وعمليات ال*** الجماعي للمدنيين في منطقة دارفور السودانية في 2003-2004، وكذلك مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الأخرى التي امتدت عبر الحدود الوطنية.

ومن وجهة نظر بعض المحللين؛ ساهمت مثل هذه التطورات في وضع قواعد تؤكد على حق المجتمع الدولي في التعدّي على استقلالية الدولة القومية لحماية أو تعزيز الاعتبارات الأخرى. وخير مثال على ذلك هو مبدأ "مسئولية الحماية" (Responsibility To Protect)الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 على خلفيات أحداث يوغوسلافيا السابقة، ورواندا، والصومال، وغيرها، وهذا المبدأ لا يعترف بحق السيادة.

وإذا حظيت مثل هذه القواعد بدعم الدول النامية الرئيسية مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا، يمكن أن تواجه بكين ضغوطًا شديدة لدعم سياسات التدخل الأجنبي العسكري. وفي الواقع، تعترف بكين في قرارة نفسها بأن الأزمات الإنسانية أو المشاكل الأخرى التي تحدث فيما تصفها بـ"المناطق المتداعية" يمكن أن تشكّل تهديدات سياسية ودبلوماسية واقتصادية خطيرة للدول الأخرى، بما في ذلك الصين.

ونتيجة لذلك؛ أظهرت بكين مؤخرًا علامات قبول للتدخلات المعتمدة دوليًّا في بعض الحالات، وذلك لأسباب ترتبط بالوقاية من جرائم ال*** الجماعي. وأحدث مثال على هذا التغير في الموقف الصيني هو دعم بكين لتدخل قوات حلف شمال الأطلسي عسكريًّا في ليبيا للحيلولة دون *** "نظام القذافي الديكتاتوري" للمدنيين الأبرياء. وعلى النقيض من الحالة الليبية، استخدمت القيادة الصينية حق النقض (الفيتو) مرارا ضد قرارات مجلس الأمن الدولي المتخذة بحق سوريا، ولم تُعط أي مؤشر على قبول أي نوع من التدخل العسكري الأجنبي هناك.

موقف الصين الرسمي

رغم سعي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على نظام بشار الأسد "السلطوي" من أجل إخراج سوريا من الظلمات إلى النور؛ نأت بكين بنفسها عن الجهود الرادعة للنظام السوري، وقررت اتخاذ موقف سلمي. فقد عارضت القيادة الصينية، جنبا إلى جنب مع القيادة الروسية، كافة العقوبات الأمريكية والأوروبية الصارمة المفروضة ضد نظام بشار الأسد، وانتقدت المساعي التي تمهّد للتدخل العسكري في سوريا.

وفي الوقت نفسه؛ حثت كل من بكين وموسكو المجتمع الدولي مرارًا على تشكيل جبهة موحدة تدعو كافة الأطراف إلى معالجة المشاكل عن طريق الحوار، ودعمتا جهود جامعة الدول العربية للتوصل إلى حل سياسي سلمي. هذا وأعربت بكين عن دعمها لقراري مجلس الأمن رقم 2042 و2043 اللذين يُلزمان الحكومة السورية بوقف استخدام الأسلحة الثقيلة في الأماكن السكنية بكافة أشكالها، ولخطة التسوية السياسية التي قدمها كوفي عنان، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا.

ويُذكر أن الصين أوضحت موقفها بشأن الاضطرابات السورية من خلال مصادر تتألف أساسا من تصريحات لمسئولين كبار في الشئون الخارجية، وسفراء جمهورية الصين الشعبية لدى الأمم المتحدة، جنبا إلى جنب مع مختلف المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية.

وبررت الصين موقفها بالقول إنها تحرص على الالتزام بالقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، بما في ذلك مبادئ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للآخرين، حفاظا على مصالح كافة البلدان (الصغيرة والمتوسطة الحجم على وجه الخصوص).

وقد أكدت مصادر موثوقة مرارًا وتكرارًا أن الصين تسعى دائمًا إلى التوصل إلى حل عادل وسلمي ومناسب للأزمة، وأنها تفضّل استخدام وسائل سياسية وليست عسكرية، فهي ترى أن استخدام القوة لحل المشاكل الدولية يعقّد الأمور أكثر، ويعرقل الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية، ويؤجج الاضطرابات.

وتعليقًا على الإجراءات القسرية التي تُتخذ ضد النظام السوري، قال مسئولون صينيون في محافل عديدة إن مثل هذه الإجراءات تنتهك القواعد الأساسية المتعلقة بالسيادة، وتقوّض جهود الوساطة الحالية التي تهدف إلى التوصل إلى حلٍّ سياسي.

وعلاوة على المذكور أعلاه؛ ترى الصين أنه لا ينبغي تطبيق قاعدة "مسئولية الحماية" إلا في الحالات الاستثنائية التي ترى الأمم المتحدة أنها تهدد السلم والاستقرار الدولي، أي في الحالات التي تنطوي على الجرائم الدولية الأربع: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، التطهير العرقي، الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

وجهات النظر الصينية غير الرسمية

بشكل عام، تتفق تحليلات المراقبين الصينيين، بما في ذلك الصحفيون والأكاديميون في المقام الأول، مع موقف بكين الرسمي المذكور أعلاه. بيد أن العديد من هذه المصادر "غير الرسمية" تقدم المزيد من التفاصيل بشأن موقف الصين إزاء الأزمة السورية وأسباب معارضتها لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية. ولربما الأهم من ذلك هو أن هذه المصادر غير الرسمية توجّه انتقادات صريحة للسلوك الغربي عن تلك المصادر الرسمية.

فتُشير المصادر الصينية غير الرسمية إلى أن بكين تتخذ موقفًا حياديًّا في القضية السورية نظرًا لعدم وجود هذا النوع من المصالح الإنسانية والاقتصادية المباشرة التي كانت موجودة في الحالة الليبية، لافتة إلى أن الصراع الليبي كان ينطوي على *** جماعي، في حين أن الصراع السوري لا ينطوي إلا على حرب أهلية وجمود سياسي.

وفي انتقاداتها الموجهة للغرب؛ تُشير تلك المصادر إلى أن الجهود المبذولة للإطاحة بالأسد بالقوة من شأنها أن تؤجج الصراع وتشِيع الفوضى، لا سيما في ظل ضعف الجيش، ووجود انقسامات عرقية. هذا واتهم بعض المحللين الغرب باستخدامه "التدخل الإنساني" كذريعة للإطاحة بالحكومات التي يعتبرها بمثابة تهديد لمصالحه الوطنية. وبالمثل، يرى بعض المراقبين أن الولايات المتحدة تسعى إلى إسقاط الحكومة السورية من أجل القضاء على حليف إيران الوحيد في المنطقة، ما من شأنه أن يصعّد الضغط على طهران.

وبناء على المذكور أعلاه، يتجلّى أنه ليس شرطًا أن يكون كافة المواطنين الصينيين مؤيدين أو معارضين لموقف بلدهم من القضية السورية.

استنتاجات

بالنظر إلى موقف الصين الحيادي إزاء القضية السورية؛ خلص الخبير سواين إلى ما يلي:

أولًا: ترى الصينُ في مسألة التدخل في شئون الدول بابًا لو انفتح على سوريا فقد لا يستثنيها يومًا.

ثانيًا: تحترم الصين استقلالية الدول وسيادتها، وتفضل عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، حفاظًا على مصالح كافة الدول.

ثالثًا: تؤمن بكين بأن التدخل العسكري غير مسموح به إلا في الحالات الاستثنائية التي تنطوي على *** جماعي مثلا.

رابعًا: ترى الصين أن القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، ترغب في الإطاحة بحكومات ذات سيادة لتحقيق أهداف جغرافية وإستراتيجية.

خامسًا: لا تؤمن بكين بفعالية الإجراءات القسرية في الحالة السورية؛ لما سيكون له من عواقب وخيمة. فذلك من شأنه، من وجهة نظرها، أن يعيق الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسويات سلمية للمشاكل السياسية، وأن يؤجج الصراع هناك.

aymaan noor 02-10-2012 11:12 AM

احتمالات نجاح الإبراهيمي في التوصل لتسوية الأزمة السورية
 
احتمالات نجاح الإبراهيمي في التوصل لتسوية الأزمة السورية
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...5db2070c_L.jpg
محمد بسيوني عبد الحليم
تطرح الثورة السورية نموذجًا مغايرًا في سياق ثورات الربيع العربي، فبعيدًا عن الأُطُر التقليدية التي حكمت الثورات المصرية والتونسية والليبية، بل وحتى اليمنية؛ غدت سوريا ساحةً لصراع ممتد شهد تداخل أطراف عدة جعلت خريطة الأزمة تبدو أكثر تشابكًا؛ إذ إن ثنائية الفرص والتحديات أصبحت العنوان الأبرز للثورة السورية، فهناك أطراف إقليمية رأت في الثورة

فرصة سانحة لإعادة ترسيم وتشكيل حدود دورها في المنطقة، وأصبح هذا الأمرُ هو محركها الجوهري في التعامل مع الثورة، وبالتوازي مع هذا أفرزت الثورة تحديات أفقدت عدة أطراف توازنها، خصوصا وأنها تدرك أن تلك الثورة من شأنها أن تُرسي أوضاعًا إستراتيجية جديدة تهدد مصالح ظلت راسخة في المنطقة لعقود طويلة.

وانتقلت كافةُ هذه المعطيات إلى داخل منظمة الأمم المتحدة لتفضي في النهاية إلى انقسامات واضحة داخل مجلس الأمن، ومن ثم سعت المنظمة الدولية إلى البحث عن بديلٍ عبر تعيين الأخضر الإبراهيمي -خلفا لكوفي عنان- كمبعوث دولي مشترك في محاولة لطرح مقاربة سياسية للصراع، بما يفرض عددًا من التساؤلات تتلخص في احتمالات نجاح الإبراهيمي في التوصل إلى تسوية.

الأمم المتحدة وسوريا.. البحث عن بديل

خلال العقودِ الأخيرة أصبح خطابُ البراجماتية هو المهيمن على سياسات الدول، وهو الأمر الذي انعكست تجلياته على الأمم المتحدة، فعندما تأسست هذه المنظمة عقب الحرب العالمية الثانية كانت بمثابة تعبير عن توازنات القوى آنذاك، وكان الهدف الأسمى من تأسيسها -وفقًا لميثاقها- الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، وقد طُرح مفهوم التدخل الدولي كآلية لتحقيق هذه الأهداف، ولكن سرعان ما تبددت هذه الفكرة؛ إذ إن اعتبارات المصلحة للدول الخمس صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن باتت هي العنصر الحاكم في التدخل الدولي في الأزمات، وليس الاعتبارات الإنسانية.

وتجددت هذه الإشكالية إبان التعاطي مع الأزمة السورية، فقد بدت الانقسامات واضحةً داخل مجلس الأمن مع الاعتراض الروسي والصيني على أي قرار يتبنى الخيار العسكري لتسوية الأزمة، وبالتالي أصبح الخيار البديل المطروح يتمثل في حلول سياسية عبر مبعوث دولي؛ حيث قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 فبراير 2012 تعيين مبعوث خاص مشترك بين الأمم المتحدة والجامعة العربية، وفي 23 من الشهر ذاته تم اختيار كوفي عنان لهذه المهمة، وسعى مجلس الأمن إلى دعم مهمة المبعوث الدولي عبر استصدار القرار رقم 2042 في إبريل الماضي، والقاضي بإنشاء بعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة لرصد وقف أعمال ال*** المسلح من جانب كافة الأطراف داخل سوريا.

وفي هذا الصدد؛ انطوى تعامل الأمم المتحدة مع الأزمة على دلالتين رئيسيتين، أولاهما التباطؤ في التعامل مع الأوضاع فيما كان الصراع يتطور بوتيرة متسارعة جاوزت فكرة الحل السياسي، وبالتالي كانت المحصلة النهائية فشل مهمة المبعوث الدولي كوفي عنان، وتقديم استقالته، وإنهاء مهمة بعثة المراقبة.

وتعكس الدلالة الثانية محاولة استدعاء النموذج اليمني وتطبيقه على الحالة السورية، وهو الأمر الذي لا يدعمه واقع الثورة السورية؛ إذ إن الصراع في اليمن لم يكن ممتدا، كما أن التركيبة القبلية والانشقاقات في صفوف النظام وعدم توافر غطاء إقليمي أو دولي داعم لعلي عبد الله صالح ساهم في التوصل إلى صيغة سياسية يتنحى بموجبها عبد الله صالح، ويتم إنهاء الأزمة، بيد أن هذه المعطيات المفضية إلى الصيغة ذاتها غير واردة حاليًّا في الحالة السورية.

المبعوث الدولي.. مهمة شبه مستحيلة

عندما ذكر الأخضر الإبراهيمي في أعقاب توليه مهمته كمبعوث دولي أن المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سوريا شبه مستحيلة، كان يلقي الضوء على الأبعاد الرئيسية في الأزمة؛ إذ إن إطالة أمد الصراع أفضى إلى إدخال عدة متغيرات في المعادلة، بحيث باتت معها المساعي السياسية بلا طائل فعلي.

وعطفًا على ما سبق، تُصبح مهمة الإبراهيمي مجرد محطة من محطات الصراع دون التعويل عليها كثيرا في إيجاد مخرج حقيقي في المدى القريب، لا سيما وأن ثمة عوامل تدفع نحو ترجيح هذا السيناريو تتمثل في الآتي:

أولًا: قبول أطراف الصراع بالحلول السياسية عبر آلية التفاوض مرهون بإدراك متبادل أن استمرار الصراع يعني خسائر لكلا الطرفين، وعدم إمكانية الاستمرار في المسار العسكري، وهو أمر غير مطروح في الحالة السورية على أقل تقدير في الوقت الراهن، فنظام الأسد مستمر في عملياته العسكرية، ويحاول إضفاء صبغة الإرهاب على قوى المعارضة كآلية لتبرير عملياته العسكرية، بل لم يسعَ النظام حتى إلى تقديم بادرة للمجتمع الدولي تعكس قبوله بالحل السياسي، ففي حين كان يلتقي الأسد بالمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي في دمشق يوم 15 من الشهر الجاري كانت العمليات العسكرية للجيش النظامي مستمرة لتُسقط المزيد من الضحايا.

ثانيًا: طولُ أمد الصراع والآثار المترتبة عليه، من م*** أكثر من عشرين ألف سوري واعتقال واختفاء الآلاف فضلا عن تحويل أكثر من مليون وخمسمائة ألف مواطن إلى لاجئين في مدن سوريا بالإضافة إلى ما يزيد عن 200 ألف لاجئ بدول الجوار؛ جعل الخيار العسكري هو الخيار الأنسب للمعارضة السورية، فهي ترى أن النظام السوري فاقد للشرعية، وأن قبول الحلول السياسية مشروط بخروج الأسد من المشهد، وهو ما يرفضه النظام فضلا عن ضمانات سيسعى أركان النظام للحصول عليها في أي تسوية سياسية قد لا تقبلها المعارضة.

ثالثًا: تماهي الحدود بين أزمات الإقليم والأزمة السورية ليضفي المزيد من التعقيد، فمحور إيران-حزب الله لديه مصالح وقضايا عالقة مع الغرب، ويستخدم الطرفان الصراع في سوريا والدعم للنظام كغطاء لهذه القضايا، وكورقة ضغط، ومن ثمَّ فإن طرح حل سياسي للأزمة السورية يتعين أن يكون ضمن منظومة حلول تشمل الملف النووي الإيراني، والعلاقة الغربية مع حزب الله، وملف الصراع العربي الإسرائيلي، أو بصورة أدق كسر العزلة الغربية المفروضة على إيران وحزب الله، خصوصا وأن إيران على استعداد لدعم الأسد إلى ما لا نهاية؛ فقد صرح القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري مؤخرا "أن عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري موجودون في سوريا ولبنان كمستشارين، وأن إيران قد تتدخل عسكريًّا في حال تعرض سوريا لهجوم".

وعلى الجانب الآخر؛ سعى معسكر تركيا وقطر والسعودية إلى تقديم الدعم للمعارضة، وتسليحها، بصورة كرست من عسكرة الصراع، وجعل القبول بالحلول السياسية في أدنى الحدود، وبين هذا وذاك يطمح كل طرف إلى تحقيق مصالحه بما يفرض على الإبراهيمي التعاطي مع استحقاقات عدة ومتباينة في آن واحد قد لا يكون في استطاعته الاستجابة لها، لا سيما وأنه لن يحظى بالدعم الغربي المطلوب.

رابعًا: استمرارُ الدعم الروسي الصيني لنظام الأسد يعني استمرار الانقسام الدولي، وهو ما ينسحب بالتبعية على مجلس الأمن، فموسكو تقدم غطاءً دوليا للنظام السوري، وتتبنى وجهته في التعامل مع الصراع، وبالتالي تفرض على أي تسوية سياسية شروطا مسبقة تمثل عنصرا ضاغطا على المبعوث الدولي.

خامسًا: تبني الإدارة الأمريكية نهجا انتقائيًّا في التعامل مع الثورات العربية، وهنا تبدو الحالتان الليبية والسورية متناقضتين، فالإدارة الأمريكية ضغطت من أجل إنهاء حكم القذافي عسكريًّا عبر غطاء من مجلس الأمن وحلف الناتو؛ حيث كانت حسابات المصلحة هي العنصر الحاكم، بينما تطرح الحالة السورية نموذجًا مختلفًا؛ إذ إن واشنطن سعت في البداية إلى التفاعل مع الصراع على أنه أزمة محدودة سيستطيع النظام التعامل معها، ومع امتداد الصراع بدأت تحاول الضغط على نظام الأسد، ولكنها محاولات بدت في كثير من الأحيان على استحياء، خصوصًا وأنها لا تريد إسقاط الأسد بصورة تخلف فراغا هائلا داخل سوريا يؤدي إلى أوضاع كارثية تمتد آثارها إلى دول المنطقة وفي مقدمتها حليفتها إسرائيل.

فالمُنطلقات الأمريكية تفرض على مهمة الإبراهيمي عدة تحديات، أبرزها أن الإدارة الأمريكية لم تكن من البداية مرحبة بفكرة المبعوث الدولي وقدرته على تسوية الصراع، يُضاف إلى ذلك قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية بصورة قد تقيد التحركات الأمريكية ومعها تحركات الإبراهيمي.

خلاصةُ القول: إن مهمة الإبراهيمي يكتنفها الكثير من الغموض، فخطة العمل التي سيتعامل بها مع أطراف الصراع غير واضحة المعالم، فضلا عن تداخل أطراف خارجية بصورة تجعل مهمة الإبراهيمي مجرد حل مطروح الهدف من ورائه إتاحة المزيد من الوقت أمام الدول الغربية لطرح بديل عن نظام الأسد.

aymaan noor 02-10-2012 11:16 AM

دستور الثورة..الوصاية مستمرة
 
دستور الثورة..الوصاية مستمرة
http://arabic.jadaliyya.com/content_.../amr_photo.jpg
القراءة الأولية لمسودة باب الحقوق والحريات فى الدستور الجديد تظهر أن القيود الثلاثة المفروضة على حريات الأفراد والجماعات المشكلة لقوام هذه الأمة والتي نشأت فى خضم عملية بناء الدولة الحديثة عبر زمنيّ الاستعمار والتحرر الوطني مازالت حاضرة فى ذهن كتّاب دستور الثورة. نعني بهذه القيود أشكال ثلاثة رئيسية من الوصاية: الوصاية على الحق فى التنظيم والحركة المستقلة للجمهور العام وما يتطلبه ويقتضيه من حريات، الوصاية على ضمير الأفراد ومايستتبع ذلك من تقييد لحريات الاعتقاد والعبادة وأخيراً الوصاية على الجسد والسلوكيات العاطفية وال***ية، وخصوصاً جسد المرأة المُعتقل بشكل حصري داخل مجال الأسرة البرجوازية والمُنظَّم بقوانين تعتمد على تفسيرات متشددة للتراث الإسلامي. تكشف هذه المسودة والحال كذلك عن انفصال شبه تام مابين روح هذه الثورة وقيمها، والتي سعت إلى إعادة تأسيس للدولة الحديثة وجماعتها الوطنية على أسس مختلفة جذرياً عن سابقتها، وبين الطبقة السياسية الجديدة -وخصوصاً جناحها الإسلامي- والتي مازالت مخلصة للموروث من ركائز هذه الدولة. بعبارة أخرى، ينبع الالتباس فى موقف غالبية الفصائل الإسلامية، أو الإخوان على وجه التحديد، بخصوص الحريات الخاصة والعامة من إخلاصهم لمشروع الدولة الوطنية الحديثة وثوابته وليس العكس. ومن ثم فالنضال ضد ميل التيار الإسلامى للتضييق على الحريات فى الدستور الجديد يجب أن يبدأ بنقد ما استقر داخل مؤسسات الدولة المصرية الحديثة ووعى نخبها القانونية والسياسية من خطابات.

الدولة الحديثة وقيودها الثلاثة:

نشأت الدولة الحديثة منذ البداية متشككة في الحركة المنظمة لعموم المصريين رابطة إياها بميل فطري للشغب والتخريب. هذا التشكك في قدرة "العوام" على الحركة المنظمة لطالما كان حاضراً عبر عصور ماقبل الدولة الحديثة، فقد وسم علاقة الأرستقراطيات العسكرية التي تعاقبت على حكم المصريين منذ الفتح الإسلامي وما قبله والتي لم تر فى سكان هذا البلد- وبالتناغم مع حقائق هذا العصر- الأهلية اللازمة للعب أي دور محوري فى ممارسة شئون الحكم. كذلك شكّل هذا التشكك عصب النظرية الإسلامية السنية التقليدية في الشرعية والسيادة بشكل عام والتي اشتهرت بكراهة الخروج على الحاكم وإقرار الأمر الواقع- أي سلطة ما عُرف بأمراء التغلب- على أي محاولة لاستدعاء العوام إلى الشأن السياسى مقرنةً هذه المحاولات "بالفتنة". عاد هذا التشكك ليلعب أدواراً مختلفة في دعم مشروع التحديث الرأسمالي الذى قادته أرستقراطيات عسكرية ومدنية من نوع آخر ارتأت لنفسها مهمة تمدين المصريين وتحويلهم لمواطنين كاملي الأهلية منتظمين في علاقة مجردة مع الدولة على النمط المعروف في المجتمعات الرأسمالية الأوروبية. استتبعت مهمة التحديث تلك أنماطاً من الوصاية على الأشكال المختلفة من الإجتماع الأهلي لضمان استنبات علاقات الملكية والسوق الرأسمالي ومؤسسات الحكم الحديثة وتحصينها ضد أي شكل من أشكال التمرد المنظم، بل والتعالي الممنهج على تلك الهبّات باعتبارها تعبيرات مختلفة عن ميول غريزية لرفض التحديث والتقدم. وبالتالي لم تر تلك النخب أي إمكانية لمشاركة شعبية واسعة فى مشروع التحديث إذ يستحيل على تلك الجمهرة إدراك جوهر هذا التحديث ابتداءاً. ومن ثم فالمشاركة فى الشأن العام وفقاً لهذه الرؤية يجب أن تمر عبر عملية من التعليم والتمدين تعيد انتاج التمييز بين النخب الجديدة المتعلمة وعموم السكان. باختصار، ولدت النخب الجديدة متشربة بوعي يمكن وصفه "بالاستعماري" فى علاقتها بالجمهور المشكل للأمة المتخيلة.

وفى ارتباط وثيق بمشروع الدولة الحديثة ذاك تَشكَّل مشروع الإصلاح الإسلامي -على يد نخبة أزهرية معروفة ولاحقاً على يد نخبة قانونية جديدة يُعتبر الأستاذ السنهوري أبرز أعلامها بالطبع- ليقدم نظرية فى السيادة والشرعية تحل محل النظريات الموروثة من عصور ما قبل الدولة الوطنية الحديثة وليلعب أدوراً مساعدة في الضبط الإجتماعي وصناعة الهوية الوطنية الجديدة. أوكلت النظرية السنية التقليدية للحاكم الفرد، أو أمراء التغلب كما سبق الذكر، مهمة التشريع فى المسائل التى صمتت عنها الأحكام الشرعية الصريحة توظيفاً لمفهوم "التعذير" على أن يلتزم فى ذلك باجتهاد العلماء والقضاة. ولكن مع تعقُّد مهمات الحكم وتنوع تبعاتها وتشكل شبكة متداخلة من المصالح فى حاجة لتمثيل دخلت نظرية "السياسة الشرعية" تلك في أزمة حقيقية مع منتصف القرن التاسع عشر. تمثل إسهام هذا المشروع الإصلاحي فى فتح الطريق لتحل الأمة محل الحاكم الفرد فى التشريع أي تتحول لمصدر السلطة والتى تُمارس فى هذه المساحة التي تركتها الشريعة ومن ثم تأسس تناظر بين مهمة التشريع ومهمة الإجتهاد الفقهية. تمارس الأمة هذه السلطة عبر مجموعة من الترتيبات المؤسسية الديمقراطية كالفصل بين السلطات وتوازنها وما يرتبط بها من حقوق مدنية وسياسية كحق الانتخاب والمساواة أمام القانون وتأسيس الأحزاب إلى جانب الحق المقيد فى التنظيم. ويتم تسكين الأقباط داخل هذا التصور عبر توظيف متطور لفكرة "الذمة" يتحول بمقتضاه الأقباط لطائفة أولى بالرعاية أو كطائفة في علاقة تحالف وثيق واستراتيجى مع الأغلبية المسلمة على أرضية العداء للاستعمار الغربي.

يدشن هذا التصور مهمة أيديولوجية للدولة الحديثة تتمثل فى نشر وحماية هذه الطبعة الإصلاحية من الإسلام وإلا انهارت نظرية الشرعية التي تتأسس عليها الدولة نفسها سواء لصالح نظريات إسلامية مغرقة فى تطرفها تنفى وجود هذه الأمة المصرية الجديدة نفسها أو لصالح تصورات مغرقة فى علمانيتها لا تعترف بهذا المفهوم المحافظ للوطنية. وفى هذا السياق تحول الأزهر تدريجياً منذ أول قانون منظم لأعماله عام 1910، و مروراً بتعديلات 1927، لأحد مؤسسات الدولة المنوط بها تعريف هذه الطبعة من الإسلام وصونها وكذلك فرض تصوراً واحداً مهيمناً داخل حقل الممارسات الدينية. وفي سياق مماثل، نشأت الكنيسة القبطية كمؤسسة عامة منوط بها تعريف حدود الإيمان المسيحي وأمور الأحوال الشخصية فى ضوء التصور الطائفي الذى حكم علاقة الدولة بالأقباط. وفى هذا السياق أيضاً وُلدت ممارسات الرقابة على الضمير وحريات الاعتقاد وأشكال التعبير والإبداع المختلفة بوصفها ضمانة لوحدة الأمة واستقرارها.

وأخيراً، حاول هذا المشروع التحديثي مد ولايته على الأجساد المشكلة لقوام هذه الأمة وضبطها. اقتضى ذلك فى الممارسة العملية التدخل لضبط جسد المرأة وسلوكها فى المجال العام- خصوصاً تلك المنتمية للطبقات الأدنى- ومحاولة تطويعها للعب أدوار محددة سلفاً داخل مشروع التحديث ذاك. فالانتماء لـ"جسد" هذه الأمة والتمتع بما يتيحه هذا الانتماء من حقوق لم يكن ليتم بشكل تلقائي ولكنه يقتضي عملية تمدين كما سبق الذكر. ولمّا كان مفهوم الأمة نفسه معرفاً فى علاقة وثيقة مع الإسلام، فكانت صفة المدنية تلك تقتضى التشرب بفهم معين للإسلام قدمه مشروع الإصلاح الإسلامى يلهم السلوك اليومي وترتكز عليه الدولة فى ممارسة مهماتها. أي أن صناعة الفرد بالمعنى الحديث للكلمة –محور الممارسات الديمقراطية نفسها- اقتضت صناعة طبعة من الإسلام تلائم هذا الفهم للتحضر. فتم توظيف التصورات الأرثوذكسية مثلاً المناهضة لممارسات التصوف والبدع كالموالد فى سياق حرب الدولة الحديثة مع الخرافة أو انشغالها بمسائل الصحة العامة وجرى الاعتماد على ذات الفهم الأرثوذكسي لمواجهة كثير من الممارسات العرفية كالثأر أو الممارسات القَبَلية الحاكمة للمواريث في مناطق مختلفة كالصعيد مثلاً والتي تخالف الفهم الثابت للشريعة فى هذا الصدد وذلك بهدف دعم حكم القانون وسلطة الدولة المركزية. هذا بخلاف الدور الذى أوكل للإسلام، والدين بشكل عام، فى دعم مفهوم محافظ للأخلاق والآداب العامة استخدم فى سياق عملية تمدين السكان.

يتجلى هذا النزوع المحافظ بخصوص الجسد والسلوك العام فى كتابات النخب المعنية بمسألة "تحرير المرأة"، كقاسم أمين مثلاً، والتى عكست تململاً من التفسيرات المتشددة للإسلام أو الممارسات العرفية فيما بتعلق بوضعية المرأة ولكنها كذلك عكست تأففاً من السلوك المنقلت لنساء الطبقات الأدنى فى شوارع القاهرة والذى يستوجب تدخلاً لتنظيمه فى إطار مشروع الإسلام الإصلاحي. ومن هنا ظهرت الأسرة "كخلية" للمجتمع المنشود تنتظم على نمط الأسرة البرجوازية وتستفيد بدورها من الإسلام المُحدَّث الذي سبق وشرعن للدولة الحديثة نفسها. هنا انتزعت المرأة بعضاً من الحريات والحقوق، ولكن نطاق هذه الحريات ظل مرتهناً بتفسير المؤسسة الدينية الرسمية المحافظة. ثم امتدت الوصاية على أشكال السلوك ال***ي المختلفة خصوصاً فى مجال الحياة الخاصة للعوام والتي تهدد تماسك وعفة هذه الأسرة الجديدة.

عن "النظام العام":

ما نريد التشديد عليه أن نظرية الشرعية الجديدة، بنت مشروع الإصلاح الإسلامي، قد وُلدت فى ارتباط وثيق بتصور محافظ عن الأخلاق العامة وتشكك أصيل فى قدرة المصريين على الفعل الجماعي المنظم، وأن كلٍ من هذه العناصر الثلاثة يعتمد فى وجوده على الآخر. فى هذا السياق، قدَّم مفهوم "النظام العام" المستعار من الأدبيات القانونية الفرنسية فى ذاك الوقت التعبير القانوني عن هذه العلاقة الدقيقة بين تلك العناصر الثلاثة. فبخلاف عدد من الأدورا التى لعبها هذا المفهوم فى صياغة التصور القانوني عن الجماعة الوطنية الجديدة، أصبح كذلك من المنوط به تحديد ما يشبه قائمة بالأفعال وأوجه السلوك المخلة بتماسك عناصر هذه العلاقة الدقيقة، وهي القائمة التى امتدت لتشمل طيف واسع جداً من الممارسات يبدأ بتشكيل جماعات متطرفة بالمخالفة للقانون مروراً بالتبشير يديانات غير سماوية أو معتقدات فاسدة ولا ينتهي بأشكال من السلوك ال***ي المخل بالآداب العامة.

عبّر هذا الفهم للنظام العام عن نفسه في عدد من النصوص الدستورية والتشريعية بدايةً بإعلان حالة الطوارئ مع فرض الأحكام العرفية خلال فترة الحرب العالمية الأولى وما تلاها إلى جانب أشكال مختلفة من تجريم الإجتماعات بعدد من نصوص قانون العقوبات وكذلك تجريم حزمة من أشكال الاحتجاج الجماعي وعلى رأسها الحق فى الإضراب. إقرار الحق فى التنظيم فى مرحلة لاحقة مع كتابة أول دستور مصري ظل مرتهناً بمجموعة من الشروط تضمن "تحضُّر" المحتجين أنفسهم، أي صورة من الاحتجاج *****ة المخالب. على سبيل المثال، رهنت المواد 15 و20 من دستور 23- أيقونة الفقهاء الدستوريين المصريين- حريات إصدار الصحف والإجتماع بما أطلقت عليه "ضرورات الحفاظ على النظام الإجتماعي". قدمت هذه المواد الحجة اللازمة لقمع الحركة النقابية الوليدة وحلّ الحزب الشيوعي المصري فى عام 1924. كذلك شهد دستور 23 نفسه تقييداً لحرية ممارسة الشعائر الدينية "باعتبارات النظام العام والعادات المرعية فى الديار المصرية" (مادة 13). ثم شهدت السنوات التالية أولى المواجهات مع كافة المعتقدات التى تم اعتبارها من قبل الأزهر أو الكنيسة خارجة علن الفهم العام المستقر للإسلام أو المسيحية كالبهائية- والتى بدأت معاناتها مع النظام القانوني المصري منذ منتصف العشرينيات تقريباً- أو جماعة شهود يهوه المسيحية مثلاً والتى لم تحظ قط باعتراف الكنيسة القبطية. كذلك ظهرت القوانين المتعاقبة التي أسست للرقابة على أشكال الإبداع المختلفة لتقر جميعها بحظر ما تراه هى إجتراءاً على الرموز أو المعتقدات الدينية، فظهرت مبكراً ممارسات الرقابة على المبدعين أو المفكرين بدءاً من لائحة الرقابة على "التياترات"، أي المسارح، فى عام 1911 ومروراً بحزمة من القوانين التي مازالت مقيدة لحرية الإبداع حتى اليوم. كذلك عرف قانون العقوبات تجريماً لما سمى "بالفجور" و "التحريض على الفسق" فى سياق الحرب على الدعارة، والتي قادتها وجوه معروفة من نساء الطبقات الأرستقراطية بالتحالف مع بعض رجال الدين للحفاظ على نظام العائلة بل والصحة العامة للمواطنين. هذا بخلاف التوسع فى تطبيق هذه المواد لمواجهة أشكال مختلفة من العلاقات والسلوك كالمثلية ال***ية أو العلاقات العاطفية التي لا تنتظم فى إطار الأسرة النووية.

وهكذا تبدو الثنائيات التى يجري تداولها فى الجدل العام بشأن الدستور باعتبارها من قبيل البديهيات غير مؤسسة على سند تاريخي يعتد به. أحد أشهر تلك الثنائيات تتمثل فيما تلح عليه القوى اللييرالية وبعض القوى اليسارية من تمييز بين الدولة الحديثة العلمانية والمشروع الإسلامي الذى يشكل نكوصاً عليها - أو المقابلة ما بين إسلام الأزهر المعتدل أو إسلام الدولة التحديثية وإسلام الحركات الإسلامية السياسية- وهو تمييز لا يستقيم أخذاً فى الاعتبار أن الدولة الحديثة كانت هي من قامت برعاية طبعة محافظة من الفكر الإسلامي معادية لحرية العقيدة وهذه الطبعة قدمت بدورها الجذر الأيديولوجي لفكر الإسلام السياسي فى مرحلة لاحقة. كذلك تتجاهل الثنائية التى يروج لها قسم آخر من مثقفى اليسار ما بين الحريات الشخصية بوصفها شأناً برجوازياً خالصاً وبين الحريات العامة كحرية التنظيم بوصفها مطلباً شعبياً حقيقة أن هذه "البرجوازية" نفسها كانت من ضمن القوى التي قادت حملة تقييد الحريات الشخصية في سياق إخضاع الطبقات الأدنى لسطوة الدولة الحديثة وتصورها عن الأخلاق العامة.

صفقة يوليو:

استمرت أنماط الوصاية الثلاثة تلك حاضرة على الصعيدين الدستوري والتشريعي حتى ثورة يوليو والتى زادت عليها مزيداً من القيود الاستثنائية في مقابل رشوتها الإجتماعية الموسعة، وهي الرشوة التي شملت بالإضافة للحقوق الإقتصادية والإجتماعية مزيداً من الحقوق الشخصية للمرأة من داخل نفس الإطار العام لمشروع الإصلاح الإسلامي. فأبقت الثورة على القيود على الحق فى التنظيم بل وزادت عليها عدداً من المحاذير على الحريات النقابية. وهي المحاذير التى أفضت عملياً إلى مصادرة استقلال النقابات العمالية وحظر تعدديتها مع تأسيس الإتحاد العام لعمال مصر عام 1957. كذلك أبقى نظام يوليو على ما هو متعارف عليه من قيود على حرية الاعتقاد بل ووظف الهواجس المتعلقة بالخطر الصيهوني والمواجهة مع الاستعمار لفرض مزيد من القيود كما هو الحال مع حل المحافل البهائية 1960 تحت دعوى وجود علاقة ما بين الطائفة البهائية التي دفن مؤسسها فى مدينة عكا والدولة العبرية! وأبقى نظام يوليو على أسس العلاقة الطائفية مع الكنيسة، بل وأفضى التضييق على كافة أشكال التنظيم- والتي شكلت حاضنة معقولة للاندماج الوطني- إلى تضخم دور الكنيسة فى حياة الأقباط وتحولها لمؤسسة إجتماعية شاملة لكافة أوجه الحياة مع بداية السبعينيات. ثم كانت المحصلة الطبييعية لهذا الميل هو النص على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع في سياق مزايدة النظام على الحركات الإسلامية.

إلا أن الثورة أسست كذلك للخروج على نظرية الشرعية الدستورية السابق الإشارة إليها عن طريق ماهو معروف من إجراءات دستورية وتشريعية كادت أن تصادر المجال السياسي لصالح دولة بوليسية موازية كالإعلان شبه الدائم لحالة الطوارئ وإلغاء الأحزاب السياسية والتوسع في دور أجهزة الأمن السياسى والمؤسسات القضائية الاستثنائية وتقليص صلاحيات المؤسسات التشريعية. هذه الإجراءات على وجه التحديد دون غيرها هي التي أثارت حفيظة النخبة القضائية والقانونية الأمينة على ميراث الدولة التحديثية. أي أن نظام يوليو قد خرج على إجماع النخبة التحديثية فيما يتعلق بمسألة الشرعية والحريات السياسية والمدنية ولكنه لم يمس الإجماع الخاص بالقيود الثلاثة السابق ذكرها.

نجح النضال الحقوقى والسياسى على مدى العقدين الماضيين من خلال تفاعله مع النخبة القضائية فى انتزاع بعض المكاسب المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية على النحو الذي يستعيد قدراً من حيوية المجتمع التي صادرتها ثورة يوليو. إلا أن هذا النضال نفسه قد اصطدم بأسس إجماع هذه النخبة القضائية أي تلك الشروط الثلاثة. فشهد العقد الماضي مثلاً إعادة التأكيد من قبل مجلس الدولة على القيود الورادة على حرية الاعتقاد في أكثر من موضع خصوصاً فيما يتعلق بحريات أتباع الديانات غير السماوية أو بحرية التحول الديني. كذلك شهدت محاولات رفع وصاية الدولة التحديثية عن الجسد الأنثوي مقاومة عنيفة من داخل أروقة الدولة ومؤسساتها القضائية. على سبيل المثال صوّت مجلس الدولة نفسه عام 2010 بالإجماع تقريباً على رفض تعيين المرأة قاضية بين صفوفه وأبدت تلك النخب تحفظاً وتململاً فى مواجهة كافة الإصلاحات التشريعية التي تضمن قدراً من الحرية للمرأة فيما يتعلق بجسدها أو حركتها داخل المجال الخاص كما هو الحال مع تعديلات قوانين الأحوال الشخصية كقانون الخلع عام 2002 أو قانون الطفل عام 2008. وأخيراً كان القيد على الحق فى التنظيم أكثر تلك القيود قابلية للمنازعة تحت وطأة النضالات المتصاعدة لقطاعات واسعة من المصريين وفى القلب منهم الطبقة العاملة الحضرية. ولكن ظل الاعتراف من قبل المشرع والقضاء خجولاً ومقتصراً على الحق في استقلالية العمل النقابي مع الاستمرار في أشكال مختلفة من تجريم الإضراب.

دستور الثورة؟

ومع سعى التيار الإسلامي لوراثة هذه الدولة الحديثة، والذي يشكل هذا التيار نفسه أحد إفرازاتها وتعبيراتها كما ألمحنا، كان من الطبيعي أن يعيد انتاج قيودها الثلاثة مضافاً إليها قيوداً تتعلق باعتبارات ضمان استمرار سيطرته السياسية والانتخابية. في هذا السياق، ظهر باب الحقوق والحريات العامة معبراً عن هذه المعادلة الجديدة.

فعلى صعيد الحق في التنظيم، أقرت المادة 33 من المسودة بالحق في الإضراب وكفلت المادتين 18 و19 للمواطنين حق تكوين الجمعيات والأحزاب والنقابات بمجرد الإخطار، ولكنها رهنت ممارسة هذا الحق بما أسمته "احترام السيادة الوطنية"! الإشارة لما يسمى "باحترام السيادة الوطنية" تمثل بدعة على التراث الدستوري المصري ولم يرد ذكر أي شيء مشابه في الدساتير السابقة. من البديهي أن تحترم هذه المنظمات السيادة الوطنية ولكن من يحدد مقتضيات هذا الاحترام وطبيعة الأفعال التي تشكل إخلالاً به؟ ألا يمكن حل مجالس إدارة هذه المنظمات النقابية مثلاً إذا ما قادت حملة دولية ضد ممارسات الحكومة المصرية وإخلالها بالمعايير الدولية للعمل المحددة بمواثيق منظمة العمل الدولية؟ ألم يسوق نظام مبارك نفسه هذه الحجة ضد عدد من منظمات المجتمع المدني النشطة في حقل الدفاع عن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وانتهى الأمر لإغلاق دار الخدمات النقابية و العمالية عام 2007 عقب مشاركتها في إحدى جلسات استماع منظمة العمل الدولية بجنيف؟ (هذا بخلاف الحجة الجاهزة التى استخدمتها كافة الأنظمة المتعاقبة على حكم هذا البلد فى مطاردة منظمات المجتمع المدني وهي "تلقى تمويلاً أجنبياً"). ألا تفتح عبارة "السيادة الوطنية" تلك الباب لمطاردة هذه الهيئات فى المحاكم خصوصاً أن المادة تمنح القضاء حق حلّ مجالس إدارة هذه المنظمات بل وحلّ تلك المنظمات نفسها؟

وتبعاً للتقاليد الدستورية والتشريعية المصرية، امتد التقييد إلى أوجه النشاط المرتبطة بالحق فى التنظيم والإجتماع كحرية تداول المعلومات أو تأسيس الصحف. فتتيح المادة 20 حرية الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق أياً كان مصدرها ومكانها، وتلزم الدولة "بتمكين مواطنيها من التمتع بهذا الحق دون معوقات وبما لا يتعارض مع الأمن القومى للبلاد أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة". مرة أخرى من يحدد معنى "الأمن القومي" هنا؟ كم من مواقع الإنترنت قد تُحجب ابتداءاً تحت نفس الدعوى؟ بل إن قطع خدمة الانترنت كما حدث في الأيام الأولى للثورة قد يصبح إجراءاً مُحصَّن دستورياً. مرة أخرى قانون تنظيم الإتصالات هو المعنى بتحديد هذه المعلومات التي ينبغي حجبها وكيفية هذا الحجب على سبيل الحصر وليس باستخدام صياغات فضفاضة. وكذلك أبقت المادة العاشرة المنظمة لحرية الصحافة على عقوبات كإغلاق الصحف وسحب رخصتها القانونية على الرغم من إلغاء نظام مبارك نفسه لهذه العقوبات في عام 2006. فقد نصت المادة 10 من المسودة على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة والرقابة على ما تنشره محظورة، ولا يكون إنذارها ولا وقفها ولا إلغاؤها إلا بحكم قضائي، ويجوز الاستثناء في حالة إعلان الحرب أن تفرض عليها رقابة محددة". اشتراط الحكم القضائي هنا لا يغير من الأمر شيء إذ أن العقوبة يجب أن تقتصر على الصحفي أو المسؤول التحريري أو الإداري دون إغلاق الصحيفة. هذا بخلاف المماطلة غير المفهومة أيضاً فى النص بشكل صريح على حظر عقوبة الحبس في جرائم النشر، وهو الحظر الذي ورد فى المادة 12 من أحد مسودات باب الحريات العامة واختفى بشكل غامض فى المسودة الأخيرة!

وعلى صعيد حرية الضمير والاعتقاد، أعادت المادة الثامنة التأكيد على القيود الموروثة عبر القرن الماضي. فجاءت المادة الثامنة لتحيي تقليداً بائساً كان قد اختفى من دستور 71 وهو تقييد حرية ممارسة الشعائر الدينية "باعتبارات النظام العام"، بل ولتذهب خطوة إضافية وتقصر حرية إقامة دور العبادة على أتباع الديانات السماوية فقط فى صياغة تفرّغ حرية الاعتقاد من مضمونها بل وتطلق يد الأجهزة الأمنية فى مطاردة الناس والتفتيش في حياتهم الخاصة بحجة التأكد من عدم تحويل البيوت مثلاً لدور عبادة لأديان غير سماوية كما حدث أكثر من مرة مع أتباع البهائية أو الأحمدية أو الطائفة الشيعية.

وأخيراً أعادت المادة 36 تأسيس الموقف التقليدي من المرأة والمجال الخاص بالمجمل إذ ألزمت الدولة "باتخاذ كافة التدابير لترسيخ مبدأ مساواة المرأة مع الرجل فى مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية. وتضمن الدولة "التوفيق بين واجباتها- أي المرأة- نحو الأسرة وعملها في المجتمع". هذه المادة منقولة حرفياً من دستور 71- وزادت عليها أحكام الشريعة الإسلامية- وتتضمن نفس أوجه القصور والتناقض، إذ ما الداعي للنص على أحكام الشريعة مرة أخرى هنا طالما أن المادة الثانية موجودة؟ والأهم، ماهو مبرر افتراض التعارض بين حقوق المرأة وواجباتها نحو الأسرة؟ كم تشريع قد يُجهض ابتداءاً بسبب هذه المادة الغريبة؟ وكم تشريع انتزع للمرأة بعضاً من حقوقها سيصبح عُرضة للطعن بعدم الدستورية؟

هكذا يولد "دستور الثورة" فى عزلة شبه كاملة عن قيم هذه الثورة وروحها. وهذا الانفصال بين المجال السياسي الجديد وبين ما يموج به هذا البلد من نضالات تستهدف أشكال الوصاية الثلاثة تلك على وجه التحديد – بغض النظر عن هوية رعاتها السياسيين- لا يمكن أن يضمن الحد الأدنى من الاحترام لهذا الدستور والذى سيبقى منتجاً غريباً مفروض على الناس حتى ولو تمت تمريره وفقاً "لإرادة شعبية".

darch_99 02-10-2012 11:22 AM

شكرا لك
 
شكرا لك سيدي الفاضل علي هذا المقال واسمح لي ان اعلق علي بعض الاستنتاجات

اقتباس:

ثالثًا: تؤمن بكين بأن التدخل العسكري غير مسموح به إلا في الحالات الاستثنائية التي تنطوي على *** جماعي مثلا.

نفاق وكذب وما الحالة السورية الان تختلف كثيرا عن الحالة الليبية انذاك بل واسوء

اقتباس:

رابعًا: ترى الصين أن القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، ترغب في الإطاحة بحكومات ذات سيادة لتحقيق أهداف جغرافية وإستراتيجية.
هذا هو القول الفصل وهذا سبب عدم رضائها في التدخل الغربي في سوريا لكي لايكون لامريكا والغرب نفوذ سياسي وعسكري بالقرب من الصين ذاتها وكذا ايضا ارتباطها بشكل او باخر بالدوله الشيطان ايران فهي لها مصالح معها

اما لو كان التدخل العسكري عريي واسلامي خالص فهي لن تمانع في ذلك لان حجة النفوذ الغربي سوف تنطفي وهي لن تخسر دول عربية واسلامية كثيرة بسبب هذا الموقف

aymaan noor 02-10-2012 11:33 AM

هل كان الربيع العربي جديراً بذلك كله؟: غطرسة السلطة التي تذهب بالعقل
 
هل كان الربيع العربي جديراً بذلك كله؟: غطرسة السلطة التي تذهب بالعقل
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/cnnsc.jpg
Bassam Haddad
إنها البداية فحسب

كنا على وشك ركوب الطائرة من واشنطن إلى إسطنبول، عندما ظهرت هذه الصورة على الشاشة عند البوابة: عنوان على قناة سي إن إن: "هل كان الربيع العربي جديرا بذلك العناء كله ؟"

اعتاد المرء، عموماً، أن يرى ويسمع تعليقات "خاصة" حول المنطقة في وسائل الإعلام الرئيسية. ولكن، بين الفينة والأخرى، يطل برأسه علينا أمر شديد الإثارة، يبعث فينا الدهشة. ولعل هذا العنوان واحد من تلك التقارير، التي باتت تعبّر عن المزاج الغالب لما تقدمه ليس فقط الـ سي إن إن، ولكن معظم القنوات الرئيسية الأخرى، بعد ردود الفعل العنيفة على الفيلم المسئ لنبي الإسلام.

لا شك أن الفيلم كان مهيناً وبائساً، وأن ردود الأفعال العنيفة وال*** الذي نتج عنها كانت مثيرة للغضب وتبعث على الأسى أيضاً (بغض النظر عن شرح الدوافع.) هذه مسائل يتفق عليها معظم المراقبين الواعين والموضوعيين. ولكن، فجأة، يطل علينا هذا العنوان العبقري المرتَجَل، غير المتبصر والبربري عرضاً: "هل كان الربيع العربي جديرا بذلك العناء كله؟"

ثمة أسباب لا تُحصى تجعل من هذا الأمر موضوعاً إشكالياً. وعلى الرغم من وجود ستة أو سبعة آلاف سبب وجيه، قد يترتب علينا التوقف عندها، إلا أن الرحلة تسمح برصد عدد قليل فقط من ردود الفعل، مخافة أن يضيع على المرء المزيد من العناوين الهمجية. وإليكم بعض ردود الأفعال المحتملة توخياً للدقة.

هل أنتم جادون حقا؟

القشة الأولى والأخيرة

بعد ما يقرب من مائة ألف قتيل منذ كانون الثاني/ يناير 2011 عندما بدأت الانتفاضات، وبعد عقود من القمع الوحشي، الذي كان مدعوماً بإصرار وممولاً بشكل جزئي من القوى الغربية (وتحديداً الولايات المتحدة)، نتساءل عن قيمة تحطيم هكذا أغلال، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون استثمارا سيئاً في سوق أسهم الفيسبوك. "ألم يكن علينا أن نحافظ على دعم هذه الدكتاتوريات المحببة."

السلطة هي جوهر القضية

لكن الكثير يعتبر ذلك مجرد كلام أكاديمي. فالمهم هنا هو من "ذا" الذي يستطيع فعلياً إنتاج هذه الأفكار، ويكون بوسعه فعلياً أن يبادر إلى القيام بشيء حيالها. إن غطرسة القوة التي تتولد منها مثل هذه الأفكار والكلمات هي الحدث الأساسي. وعرضاً نقول، إن المقدرة على نبذ التاريخ وتحديد المسؤولية والعقلانية، لصالح عاطفة غير ناضجة وضيق أفق فكري وفقدان للذاكرة التاريخية وقصر نظر من الناحية الأخلاقية، لا يمكن أن يتأتى إلا عن سلطة غاشمة. ولا يمكن أن تتم المطالبة بالتغيير إلا من هذا المصدر بالذات، وكأن تلك السلطة هي من استهلت الانتفاضات العربية (فيما الحقيقة، أن الانتفاضات العربية قامت ضد عملاء أمريكا، رغم قوة أمريكا، باستثناء سوريا، التي تثبت القاعدة).

طلب السوق

وقد تجلّى لي السياق الطبيعي للنقطة السالفة، عندما أدركت أنه فقط في صالة انتظار في المطار، كان ثمة مئات من الركاب ينظرون إلى الشاشة (أو أنهم استطاعوا أن يلمحوهاعرضاً)، وليس من المستبعد أن تؤثر تلك العبارة بخفتها عليهم. والمعروف أنه إذا كانت الـ سي إن إن ووسائل الإعلام الرئيسية تجيد شيئاً على الإطلاق، فإنما تجيد فهم مشاهديها وطلب السوق.

دراسة سلوك الحيوان

ومن جانب آخر، ثمة جانب لا ينبغي التغاضي عنه، وهو أن البعض يستمتعون بالفرجة في هذه القضية. فـ"الربيع" العربي (وهي بالمناسبة تسمية خاطئة لأسباب لا يتسع المقام لذكرها هنا) هو مشهدي بحد ذاته. لكنه ليس أي مشهد: إنه مشهد نقوم فيه "نحن"، الديمقراطيين والعالم "المتطوّر"، بمراقبة "الآخرين" وهم يحاولون اللحاق بنا، على الرغم من جهودنا الكثيرة لدعم طواغيتهم. وحتى الأسبوع الفائت، كانت الفرجة متعاطفة، بل أبوية ورعوية. لكن بعد الأحداث الأخيرة، تحولت هذه الفرجة وما تلاها من ردود الأفعال اللاحقة حيال ال*** الذي أدى إلى م*** سفير الولايات المتحدة في ليبيا، إلى شيء آخر، حيث أعادت صياغة كامل المشهد وفقاً لذاكرتنا الصوريّة المتخمة، وأسلوبنا المعتاد في ملاحظة الأمور والذي ننطلق فيه من المركز نحو الأطراف: مشهد من الذهول والمكائد التي يمكنها، تحت ظروف معينة، أن تتحول بسرعة إلى شيء مرتبط بالهمجية. هل كان الأمر حقيقة يستحق إطلاق هذه الكائنات من أقفاصها؟ انظر في النهاية ماذا يفعلون. الآن فقط بتنا ندرك بأن قتال المرء في سبيل كرامته قد لا يستحق العناء، بسبب ما قامت به ثلة من المتعصبين.

ثقوب سوداء ضخمة

تذكرنا هذه الأساليب كيف – بكبسة زر – يتم النظر إلى البشر في هذه المنطقة كأناس بلا أهمية، وكيف يبدو التاريخ غير ذي شأن بالنسبة لمن بيدهم القوة في بعض الأماكن. فمن جهة، يتم اختصار الانتفاضات العربية إلى مجرد مسار لتحقيق الديمقراطية. فتغدو الديمقراطية هي الحدث، وتكون الشعوب ثانوية. فإن لاءمت هذه العملية مصالحنا، كانت جيدة، وإلا فإنها ليست بفكرة صالحة تماماً، بغض النظر عن عشرات ملايين الأشخاص الذين سيتأثرون بذلك. أي أن مصير الشعب بأكمله معلق في كفتي ميزان. ولكن لنستدرك ههنا أننا نتحدث عن مستوى الرؤى والادعاءات التي ليس لها دائماً نتائج سيئة، لحسن الحظ. لكنهم لا يتوانون لحظة عن تأليف مجلدات من الكلام حول كيفية النظر إلى المنطقة وشعوبها، وعن كيفية دراستها والاستيلاء عليها. علينا أيضاً أن نلاحظ كيف يتم تقييم التاريخ، بكل ما يحمله من مسؤوليات، عبر التغطية الصحافية للمنطقة ولآخر الأحداث التي تشهدها. يقتصر هذا الحدث على إلقاء الضوء على هذا الإغفال، ولكنه لا يخلقه. ومن الواضح أن مسؤولية السياسة الخارجية للولايات المتحدة في إدامة وتمويل ال*** في المنطقة، ليست وحيدة، بل يضاف إليها مسؤولية الإعلام الذي يدعم السلطة بدل أن يضبطها. لحسن الحظ أن أندرسون كوبر قد ضُرب* في القاهرة، لتكتشف قناة سي إن إن أن عليها الوقوف مع الشعب المصري ضد الديكتاتور في مصر، الذي تلقى الدعم من إدارة الولايات المتحدة لفترة تقارب الأربعة عقود، الأمر الذي غطته قناة سي إن إن إعلامياً وكأنه حدث في سويسرا. (بالطبع كنت أمزح حين قلت "لحسن الحظ").

والآن إلى الجد

هل تستحق حركة الحقوق المدنية فعلاً كل هذا العناء؟ هل تستحق حركة حقوق المرأة فعلاً كل هذا العناء؟ هل يستحق إنهاء العبودية فعلاً كل هذا العناء؟

الربيع العربي باعتباره برنامجاً تلفزيونياً

إذا كان تفكيك الحكم الاستبدادي وكل ما يرتبط به لا يستحق كل هذا العناء، فما الذي علينا فعله؟ إن قسوة اختيار هكذا بدائل هي أكثر ملائمة لتقرير ما إذا كان الانتقال من AT&T إلى فيرايزون يستحق العناء. إذا كانت بعض النتائج بشعة، هل نكف عن إتمام العملية كلها؟ هل نحن، ببساطة، نتابع برنامجاً تلفزيونياً بعنوان: "الربيع العربي"؟ فإذا ما فسُد البرنامج بسبب تعرض الممثل المفضل لدينا للخطر، فإننا نغير القناة... وننتظر إلى أن تحين المرة التالية التي يجب أن نتنافس فيها مع المنطقة التي تشتمل على مصدر الطاقة الأهم وشركائنا الأعلى قيمةً والأكثر ديكتاتورية وعنصرية. برنامج آخر، أزمة أخرى، نقطة سوداء أخرى يتم تشكيلها، فذلك كله ينتظرك على مسرح قريب منك.

قيمة حياة عربية

إذاً، كل ما حدث طيلة الأشهر العشرين الماضية كان جيداً، ولكن تحول فجأة بعد الأحداث التي شهدها الأسبوع الماضي ليغدو موضع شك وتساؤل. لا شك أن ال*** الذي تم في هذا الأسبوع بشع وأحمق (ناهيك عن أنه غبي وقصير النظر)، لكن، ماذا لو كان أولئك ال***ى مسؤولين عرب؟ هل كان ذلك سيستدعي أسئلة من أحد؟ القيمة المعطاة لحياة العرب، سواء في الحربين على العراق، والعقوبات الخانقة عليه، أو في حربي إسرائيل على لبنان وغزة، متدنية بما لا يقاس، إن لم تكن بلا قيمة تماماً.

التضخيم

يمكن أن نتصور أن الأمور قد تغدو من السوء بمكان يجعل المرء يتأمل الفكرة "هل يستحق الأمر ذلك كله فعلاً؟" أولاً، لا تشكل أحداث الأسبوع الماضي مثل هذا التدهور، بل هي بعيدة عن ذلك. ثانياً، بكل الأحوال، لعل موت عشرات الآلاف بعد هجوم الناتو، مقارنة بعدد قليل قبل التدخل، هو جوهر المسألة، لكن من كانوا يموتون حينها، هم بالطبع الأشخاص الذين لا ينبغي أن يموتوا، كما أن الناتو امتلك الأسلحة الأقوى في المشهد كله. لذلك، لا ترقى هكذا معايير إلى مستوى الحدث.

لكن فجأة، لم يعد التقرير خاصاً بليبيا، أو بالغوغاء التي نهبت وحرقت، بل تعداه إلى جملة الانتفاضات، أي إلى ما يسمى بالربيع العربي. لمَ نهيئ للتفكير بالمغامرة بالعودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً في بضعة بلدان؟ لـ"ننسف الأمر برمته". فالأمر سيان، على كل حال، ولا أهمية لظروف الحالات الفردية ومسارها (باستثناء سوريا، ربما، لأن الأسد، من وجهة النظر الأمريكية، "يجب أن يرحل" ولأسباب تتعدى الحكم الاستبدادي).

الطبيعة الظاهرية غير المؤذية لليبرالية

وأخيراً، فإنه ليس من الصحيح القول إننا لا نستطيع أن نتساءل فيما إذا كان كل ذلك يستحق العناء، كما أسلفنا. فكما هو معلوم، فإن الكثيرين ممن فقدوا أطرافهم وأحباءهم في ليبيا وسورية قد طرحوا هذا التساؤل، وكذلك فعل الذين يرون، ربما، بأن بلدهم يتداعى. إذاً، فالأمر يعتمد على من يفكر فيها، وماذا يملك من معلومات، وما التجارب التي مر بها، وعلى أية أسس يعتمد في تفكيره، وأين/كيف ينبغي عليه طرحها. أما أن تفعل ذلك، بشكل عابر، على قناة سي إن إن، آخذاً بعين الاعتبار كل ما تم أخذه هنا بعين الاعتبار، فإن ذلك ضرب من الوحشية الليبرالية التي لم تؤذ حياة شخص واحد، بل طالت بلداناً بأكملها بالأذى، دون أن تكون هذه اللبرالية قد أهينت أو هوجمت أو حت هُدِّدت (والعراق هنا المقصود هنا). لكن قرار شن تلك الحرب تم اتخاذه داخلياً، وتم التصويت عليه في غرفة مكيفة، من قبل أشخاص أنيقين، ويتحدثون عن القيم الليبرالية، ولا يأبهون، ربما، إذا ما قام أحدهم بإهانة نبيهم أو إلههم.

...
.

aymaan noor 02-10-2012 10:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4886060)
شكرا لك سيدي الفاضل علي هذا المقال واسمح لي ان اعلق علي بعض الاستنتاجات



نفاق وكذب وما الحالة السورية الان تختلف كثيرا عن الحالة الليبية انذاك بل واسوء



هذا هو القول الفصل وهذا سبب عدم رضائها في التدخل الغربي في سوريا لكي لايكون لامريكا والغرب نفوذ سياسي وعسكري بالقرب من الصين ذاتها وكذا ايضا ارتباطها بشكل او باخر بالدوله الشيطان ايران فهي لها مصالح معها

اما لو كان التدخل العسكري عريي واسلامي خالص فهي لن تمانع في ذلك لان حجة النفوذ الغربي سوف تنطفي وهي لن تخسر دول عربية واسلامية كثيرة بسبب هذا الموقف

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

darch_99 02-10-2012 11:25 PM

مقال يستحق القراءة والرد
 
شكرا سيدي الفاضل علي هذا المقال فجزاك الله خيرا



http://iis-db.stanford.edu/staff/456...sam_Haddad.jpg
جامعة جورج ميسون






د. بسام حداد
باحث زائر بمشروع الإصلاح الاقتصادي والسياسي بالعالم العربي






بسام حداد هو مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج ميسون، ويدرِس في كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة جورج ماسون، كما أنه أستاذ زائر بجامعة جورجتاون. ويشغل منصب المحرر المؤسس لمجلة الدراسات العربية، وهي مجلة بحث موثقة، كما أنه المنتج و المخرج بالشراكة للوثائقي الحائز على جائزة الفلم الوثائقي "بخصوص بغداد" و أيضا المخرج لسلسلسة من المسلسلات حول العرب والإرهاب لاقت استحسان النقاد ، والتي أخرجت على أساس بحوث ومقابلات ميدانية واسعة النطاق.

وهو مؤلف كتاب الاقتصاد السياسي للنظام الأمني : أعمال الشبكات التابعة للدولة في سوريا (منتظر: 2011 ، مطبعة جامعة ستانفورد). و قام بسام مؤخرا بإخراج فيلم عن المهاجرين العرب المسلمين في أوروبا ، تحت عنوان "خطر الآخر" .بالأضافة إلى عمله في لجنة تحرير مجلة ميدل إيست ريبورت، وكونه المؤسس بالشراكة لموقع جدليّة

حقيقة المقال لفت نظري في اكثر من موضع

اقتباس:

وبعد عقود من القمع الوحشي، الذي كان مدعوماً بإصرار وممولاً بشكل جزئي من القوى الغربية (وتحديداً الولايات المتحدة)،
لسنا نحتاج الي فهم هذا ولكن يعتبر هذا اعتراف و توثيق للعقلية الغربية

اقتباس:

نتساءل عن قيمة تحطيم هكذا أغلال، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون استثمارا سيئاً في سوق أسهم الفيسبوك. "ألم يكن علينا أن نحافظ على دعم هذه الدكتاتوريات المحببة."

وكأن العقلية الغربية نادمة علي كل ما قدمته من اجل دعم الربيع العربي من وجهة نظره

اقتباس:

(فيما الحقيقة، أن الانتفاضات العربية قامت ضد عملاء أمريكا، رغم قوة أمريكا، باستثناء سوريا، التي تثبت القاعدة).
دلالة قطعية علي فهم الغرب العميق للقضية كما نفهمها نحن الاسلاميون وتلك نقطة الصراع الاساسية بيننا وبين ةبني جلدتنا , () لان سوريا كانت في الحضن الايراني ولا زالت حتي اللحظة

اقتباس:

على الرغم من جهودنا الكثيرة لدعم طواغيتهم.
لاتعليق

اقتباس:

هل كان الأمر حقيقة يستحق إطلاق هذه الكائنات من أقفاصها؟ انظر في النهاية ماذا يفعلون. الآن فقط بتنا ندرك بأن قتال المرء في سبيل كرامته قد لا يستحق العناء، بسبب ما قامت به ثلة من المتعصبين.
وكأنهم هم من وراء قيام ودعم هذه الثورات والحقيقة غير ذلك فلقد قامت هذة الثورات رغما عنهم وفوجئو بها بأعترافهم ولان هذه الثورات امر واقع فكان لابد من التعامل بل والتعاون ليكون لهم موطيء قدم مستقبلا فيها

اقتباس:

ذكرنا هذه الأساليب كيف – بكبسة زر – يتم النظر إلى البشر في هذه المنطقة كأناس بلا أهمية، وكيف يبدو التاريخ غير ذي شأن بالنسبة لمن بيدهم القوة في بعض الأماكن. فمن جهة
أظن والله اعلم يقصد الجنرالات خلف الكواليس الذين يتخذون القرار بشأن شن الحروب

اقتباس:

فتغدو الديمقراطية هي الحدث، وتكون الشعوب ثانوية. فإن لاءمت هذه العملية مصالحنا، كانت جيدة، وإلا فإنها ليست بفكرة صالحة تماماً، بغض النظر عن عشرات ملايين الأشخاص الذين سيتأثرون بذلك. أي أن مصير الشعب بأكمله معلق في كفتي ميزان
يعني لو الديمقراطية هتجيب ناس زي البرادعي وحمدين اهلا وسهلا ولو هتجيب الاسلاميين يبقي لاء ولو راح فيها عشرات الملايين ويكون القرار فيها معلق بقرار ميزان العقلية الامريكية الجنرالات خلف الكواليس

اقتباس:

ومن الواضح أن مسؤولية السياسة الخارجية للولايات المتحدة في إدامة وتمويل ال*** في المنطقة
إدامة وتمويل ال*** يعني الخراب المستعجل الذي ياكل الاخضر واليابس

اقتباس:

حسن الحظ أن أندرسون كوبر قد ضُرب* في القاهرة، لتكتشف قناة سي إن إن أن عليها الوقوف مع الشعب المصري ضد الديكتاتور في مصر، الذي تلقى الدعم من إدارة الولايات المتحدة لفترة تقارب الأربعة عقود، الأمر الذي غطته قناة سي إن إن إعلامياً وكأنه حدث في سويسرا. (بالطبع كنت أمزح حين قلت "لحسن الحظ").
الباشا بيتريق نوع من استدراك الاخطاء التي وقعوا فيها وكان يجب عدم الوقوع فيها من وجهة نظره

اقتباس:

لكن، ماذا لو كان أولئك ال***ى مسؤولين عرب؟ هل كان ذلك سيستدعي أسئلة من أحد؟ القيمة المعطاة لحياة العرب، سواء في الحربين على العراق، والعقوبات الخانقة عليه، أو في حربي إسرائيل على لبنان وغزة، متدنية بما لا يقاس، إن لم تكن بلا قيمة تماماً.
نحن من وجهة نظهرهم بلا قيمة بلا ثمن وليس لنا حق الحياة

اقتباس:

كن فجأة، لم يعد التقرير خاصاً بليبيا، أو بالغوغاء التي نهبت وحرقت، بل تعداه إلى جملة الانتفاضات، أي إلى ما يسمى بالربيع العربي. لمَ نهيئ للتفكير بالمغامرة بالعودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً في بضعة بلدان؟ لـ"ننسف الأمر برمته". فالأمر سيان، على كل حال، ولا أهمية لظروف الحالات الفردية ومسارها (باستثناء سوريا، ربما، لأن الأسد، من وجهة النظر الأمريكية، "يجب أن يرحل" ولأسباب تتعدى الحكم الاستبدادي).

يجب ان يرحل لان بشار في الحضن الايراني الروسي الصيني وليس الامريكي

اقتباس:

فإن ذلك ضرب من الوحشية الليبرالية التي لم تؤذ حياة شخص واحد، بل طالت بلداناً بأكملها بالأذى، دون أن تكون هذه اللبرالية قد أهينت أو هوجمت أو حت هُدِّدت (والعراق هنا المقصود هنا). لكن قرار شن تلك الحرب تم اتخاذه داخلياً، وتم التصويت عليه في غرفة مكيفة، من قبل أشخاص أنيقين، ويتحدثون عن القيم الليبرالية، ولا يأبهون، ربما، إذا ما قام أحدهم بإهانة نبيهم أو إلههم.

لا وجميع البلدان العربية والاسلامية لكن العراق بلد بارز في هذه المهمة

هاكم كبيركم اليها الليبراليون يفضحكم

وشكرا جزيلا جزيلا لك سيدي الفاضل / ايمن نور

aymaan noor 03-10-2012 02:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4887265)
شكرا سيدي الفاضل علي هذا المقال فجزاك الله خيرا

http://iis-db.stanford.edu/staff/456...sam_haddad.jpg
جامعة جورج ميسون

د. بسام حداد
باحث زائر بمشروع الإصلاح الاقتصادي والسياسي بالعالم العربي




بسام حداد هو مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج ميسون، ويدرِس في كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة جورج ماسون، كما أنه أستاذ زائر بجامعة جورجتاون. ويشغل منصب المحرر المؤسس لمجلة الدراسات العربية، وهي مجلة بحث موثقة، كما أنه المنتج و المخرج بالشراكة للوثائقي الحائز على جائزة الفلم الوثائقي "بخصوص بغداد" و أيضا المخرج لسلسلسة من المسلسلات حول العرب والإرهاب لاقت استحسان النقاد ، والتي أخرجت على أساس بحوث ومقابلات ميدانية واسعة النطاق.

وهو مؤلف كتاب الاقتصاد السياسي للنظام الأمني : أعمال الشبكات التابعة للدولة في سوريا (منتظر: 2011 ، مطبعة جامعة ستانفورد). و قام بسام مؤخرا بإخراج فيلم عن المهاجرين العرب المسلمين في أوروبا ، تحت عنوان "خطر الآخر" .بالأضافة إلى عمله في لجنة تحرير مجلة ميدل إيست ريبورت، وكونه المؤسس بالشراكة لموقع جدليّة

حقيقة المقال لفت نظري في اكثر من موضع

اقتباس:

وبعد عقود من القمع الوحشي، الذي كان مدعوماً بإصرار وممولاً بشكل جزئي من القوى الغربية (وتحديداً الولايات المتحدة)،
لسنا نحتاج الي فهم هذا ولكن يعتبر هذا اعتراف و توثيق للعقلية الغربية

اقتباس:

نتساءل عن قيمة تحطيم هكذا أغلال، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون استثمارا سيئاً في سوق أسهم الفيسبوك. "ألم يكن علينا أن نحافظ على دعم هذه الدكتاتوريات المحببة."

وكأن العقلية الغربية نادمة علي كل ما قدمته من اجل دعم الربيع العربي من وجهة نظره

اقتباس:

(فيما الحقيقة، أن الانتفاضات العربية قامت ضد عملاء أمريكا، رغم قوة أمريكا، باستثناء سوريا، التي تثبت القاعدة).
دلالة قطعية علي فهم الغرب العميق للقضية كما نفهمها نحن الاسلاميون وتلك نقطة الصراع الاساسية بيننا وبين ةبني جلدتنا , () لان سوريا كانت في الحضن الايراني ولا زالت حتي اللحظة

اقتباس:

على الرغم من جهودنا الكثيرة لدعم طواغيتهم.
لاتعليق

اقتباس:

هل كان الأمر حقيقة يستحق إطلاق هذه الكائنات من أقفاصها؟ انظر في النهاية ماذا يفعلون. الآن فقط بتنا ندرك بأن قتال المرء في سبيل كرامته قد لا يستحق العناء، بسبب ما قامت به ثلة من المتعصبين.
وكأنهم هم من وراء قيام ودعم هذه الثورات والحقيقة غير ذلك فلقد قامت هذة الثورات رغما عنهم وفوجئو بها بأعترافهم ولان هذه الثورات امر واقع فكان لابد من التعامل بل والتعاون ليكون لهم موطيء قدم مستقبلا فيها

اقتباس:

ذكرنا هذه الأساليب كيف – بكبسة زر – يتم النظر إلى البشر في هذه المنطقة كأناس بلا أهمية، وكيف يبدو التاريخ غير ذي شأن بالنسبة لمن بيدهم القوة في بعض الأماكن. فمن جهة
أظن والله اعلم يقصد الجنرالات خلف الكواليس الذين يتخذون القرار بشأن شن الحروب

اقتباس:

فتغدو الديمقراطية هي الحدث، وتكون الشعوب ثانوية. فإن لاءمت هذه العملية مصالحنا، كانت جيدة، وإلا فإنها ليست بفكرة صالحة تماماً، بغض النظر عن عشرات ملايين الأشخاص الذين سيتأثرون بذلك. أي أن مصير الشعب بأكمله معلق في كفتي ميزان
يعني لو الديمقراطية هتجيب ناس زي البرادعي وحمدين اهلا وسهلا ولو هتجيب الاسلاميين يبقي لاء ولو راح فيها عشرات الملايين ويكون القرار فيها معلق بقرار ميزان العقلية الامريكية الجنرالات خلف الكواليس

اقتباس:

ومن الواضح أن مسؤولية السياسة الخارجية للولايات المتحدة في إدامة وتمويل ال*** في المنطقة
إدامة وتمويل ال*** يعني الخراب المستعجل الذي ياكل الاخضر واليابس

اقتباس:

حسن الحظ أن أندرسون كوبر قد ضُرب* في القاهرة، لتكتشف قناة سي إن إن أن عليها الوقوف مع الشعب المصري ضد الديكتاتور في مصر، الذي تلقى الدعم من إدارة الولايات المتحدة لفترة تقارب الأربعة عقود، الأمر الذي غطته قناة سي إن إن إعلامياً وكأنه حدث في سويسرا. (بالطبع كنت أمزح حين قلت "لحسن الحظ").
الباشا بيتريق نوع من استدراك الاخطاء التي وقعوا فيها وكان يجب عدم الوقوع فيها من وجهة نظره

اقتباس:

لكن، ماذا لو كان أولئك ال***ى مسؤولين عرب؟ هل كان ذلك سيستدعي أسئلة من أحد؟ القيمة المعطاة لحياة العرب، سواء في الحربين على العراق، والعقوبات الخانقة عليه، أو في حربي إسرائيل على لبنان وغزة، متدنية بما لا يقاس، إن لم تكن بلا قيمة تماماً.
نحن من وجهة نظهرهم بلا قيمة بلا ثمن وليس لنا حق الحياة

اقتباس:

كن فجأة، لم يعد التقرير خاصاً بليبيا، أو بالغوغاء التي نهبت وحرقت، بل تعداه إلى جملة الانتفاضات، أي إلى ما يسمى بالربيع العربي. لمَ نهيئ للتفكير بالمغامرة بالعودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً في بضعة بلدان؟ لـ"ننسف الأمر برمته". فالأمر سيان، على كل حال، ولا أهمية لظروف الحالات الفردية ومسارها (باستثناء سوريا، ربما، لأن الأسد، من وجهة النظر الأمريكية، "يجب أن يرحل" ولأسباب تتعدى الحكم الاستبدادي).

يجب ان يرحل لان بشار في الحضن الايراني الروسي الصيني وليس الامريكي

اقتباس:

فإن ذلك ضرب من الوحشية الليبرالية التي لم تؤذ حياة شخص واحد، بل طالت بلداناً بأكملها بالأذى، دون أن تكون هذه اللبرالية قد أهينت أو هوجمت أو حت هُدِّدت (والعراق هنا المقصود هنا). لكن قرار شن تلك الحرب تم اتخاذه داخلياً، وتم التصويت عليه في غرفة مكيفة، من قبل أشخاص أنيقين، ويتحدثون عن القيم الليبرالية، ولا يأبهون، ربما، إذا ما قام أحدهم بإهانة نبيهم أو إلههم.

لا وجميع البلدان العربية والاسلامية لكن العراق بلد بارز في هذه المهمة

هاكم كبيركم اليها الليبراليون يفضحكم

وشكرا جزيلا جزيلا لك سيدي الفاضل / ايمن نور

جزاك الله خيرا استاذى الفاضل على تعليق حضرتك القيم وبارك الله فيك

aymaan noor 03-10-2012 02:17 PM

عن أزمة حزب النور وتحديات الحركة السلفية في مصر
 
عن أزمة حزب النور وتحديات الحركة السلفية في مصر
Oct 02 2012



تلاحقت الأزمات داخل حزب النور بشكل أثار دهشة الكثير من المتابعين الذين وقفوا متعجبين أمام مشهد الإنقسامات التنظيمية داخل الحزبو التي أثمرت عن إزدواجية وتصارع على مقاعد رئيس الحزب وتشكيل الهيئة العليا للحزب بين فريقين يتنازعان الشرعية وتبودلت الإتهامات من كلا الطرفين بخصوص المخالفات اللائحية المتعلقة بإجراء الإنتخابات الداخلية للحزب ثم تجميدها لاحقاً والمخالفات السياسية بخصوص ما ثبت من قيام بعض قيادات حزب النور والدعوة السلفية بإجراء إتصالات مع الفريق أحمد شفيق قبل جولة الإعادة من إنتخابات الرئاسة 2012، في تعارض واضح مع قرار الحزب بدعم الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة والتيار الإسلامي في المجمل في هذه الجولة. وبرغم سخونة هذه العناوين أتصور أنها مثل قمة جبل الثلج العائم التي لا تظهر إلا أقل القليل من طبيعة الأزمة وخلفياتها. يتحدث البعض عن الأزمة بوصفها صراع بين السياسيين و المشايخ داخل الحركة السلفية وهو وصف تعوزه الدقة والعمق في تشخيص طرفي الخلاف وأسبابه وسياقاته. وفي تقديري إن الإنقسام الحاصل داخل حزب النور هو إختلاف مهم حول حاضر ومستقبل العمل السلفي السياسي بين رؤى فكرية وتنظيمية متناقضة قد تبحث عن مبررات إجرائية لكنها تبقى تعبيراً عن إشكاليات أعمق خاصة بالعمل السياسي للتيار السلفي في مصر عقب ثورة يناير 2011 والتحولات التنظيمية والفكرية والمؤسسية التي صاحبت عملية التسييس. وأتصور أن السرعة التي دخل بها السلفيون إلى المجال السياسي كانت عائقاً أمام إجراء المراجعات الفكرية والتنظيمية اللازمة ليس فقط لحل الإشكالية المستعصية الخاصة بكيفية تنظيم العلاقة بين الدعوي والحزبي ولكن أيضاً- وبشكل أكثر أهمية- كيفية بلورة النموذج الإسلامي المتميز في المشاركة السياسية وهو الإستحقاق الأبرز على خريطة حركة إسلامية مشروعيتها تستند على مدى تميزها الأخلاقي والقيمي ورأسمالها الإجتماعي وقدرتها على إحداث التغيير القيمي والثقافي المنشود. وإذا ما كان التحدي الأبرز أمام جماعة الإخوان المسلمين هو تحدي توزيع المغانم والمواقع السياسية على اعضاء وجمهور الإخوان بشكل يحفظ التماسك والإنضباط التنظيمي و ا يخل بالصورة الطهرانية للجماعة في آن واحد، فالتحدي الخاص بالحركة السلفية هو كيفية تقديم نموذج إسلامي متميز للعمل السياسي. نموذج يحافظ علي الطبيعة المجردة للفكرة الإسلامية تاريخياً (أي عدم إختزالها في جماعات و مؤسسات متعينة) ويكون كفء سياسياً وإنتخابياً وقادراً على التكيف مع الواقع المتغير وفي نفس الوقت يستطيع إستيعاب السيولة الداخلية داخل التيار السلفي بكل تبايناته وإختلافاته مع الحفاظ على كلاسيكية المنهج السلفي المتميز في آن واحد. وهو ما تبدو الحركة السلفية المصرية بذراعها الرئيسي حزب النور بعيدة عن تحقيقه حتى الآن مما قد يفتح الباب أمام بروز قوى سلفية حزبية جديدة قد تكون أقدر على مواجهة هذه التحديات.

وعلي عكس جماعة الإخوان المسلمين- التي هي في الأساس تنظيم مغلق تشكل في صورة حزبية عملياً قبل بداية العمل السياسي الحزبي الرسمي في أعقاب ثورة يناير 2011 بوقت طويل للغاية- كان النشاط السلفي في مصر أقرب لمفهوم التيار السلفي وليس الجماعة السلفية. بمعني أنه فضاء واسع من التحركات والأنشطة والإتجاهات والأفراد والمبادرات والمرجعيات يتحركون بشكل مستقل في مجالات عمل مختلفة دعوياً وخيرياً وإجتماعياً وثقافياً. ويعلم المتخصصون في الشأن الإسلامي أن خريطة التيار السلفي قبل الثورة قد ضمت فواعل متعددة مثل الدعوة السلفية (المعروفة أيضا بالسلفية العلمية أو سلفية إسكندرية) بنشاطها العلمي والدعوي والإجتماعي الواسع في الإسكندرية ومحافظات الدلتا ، والجمعيات السلفية المتعددة بتاريخها العريق مثل جمعية أنصار السنة المحمدية و الجمعية الشرعية بأنشطتها الخيرية والوعظية وأخيراً السلفية الحركية المتبلورة حول أشخاص مرجعيات سلفية من العلماء و المشايخ والوعاظ علي إمتداد المحافظات المختلفة و تحتفظ بإستقلالها عن الدعوة السلفية (مثل المشايخ أسامة عبد العظيم ومحمد عبد المقصود وفوزي السعيد وغيرهم). وعندما ظهرت للوجود فكرة الدخول إلي ساحة العمل السياسي في أعقاب ثورة يناير كان هناك منذ البداية إختلاف حول طبيعة الحزب السلفي أصلا وكيفية إدارة علاقته بالتيار السلفي بكل تبايناته الداخلية ومع الوقت تبلورتين رؤتين متمايزتين. الرؤية الأولي ترى أن نجاح حزب النور لن يأتي إلا عبر التمدد الأفقي بشكل يستوعب جميع الإتجاهات الجماعات والإجتهادات المختلفة داخل التيارات السلفية ومن ثم ضرورة بناء حزب يدار بشكل ديمقراطي ويفتح باب الحراك التنظيمي والسياسي أمام جميع قواعده مع إختلاف إتجاهاتهم بينما تري الرؤية الأخري أن حزب النور لابد أن يحتفظ بهوية عقائدية و فكرية واضحة ليحافظ علي تمايزه وإنضباط منهجه في العمل وهذا يستلزم الفرز واشتراط الولاء للمنهج المؤسس للحزب وهو منهج الدعوة السلفية بالإسكندرية تحديداً ومن ثم بناء الحزب رأسيا في هيراركية واضحة وآلية منضبطة ونخبوية لصناعة القرار بشكل فوقي عبر مجموعة محددة من أهل الثقة والولاء على غرار جماعة الإخوان المسلمين

وتحتفظ كلا الرؤيتين بحجج وأسانيد منطقية لإثبات صحة موقفها، فالرؤية الأولي تري أن الحزب السلفي المفتوح علي الجميع هو أمر ضروري في ضوء طبيعة التعددية داخل التيار السلفي كما أسلفنا و في ضوء التحولات المتسارعة داخل التيار السلفي- عقب الثورة- والتي تفرز جماعات و نزعات ونشاطات سلفية مختلفة و جديدة كل يوم و الكثير منها غير منظبط تنظيميا ولا يدين بالولاء للمرجعيات القديمة (مثل مؤيدي المرشح الرئاسي السابق حازم أبو إسماعيل والجبهة السلفية و غيرها من الجماعات المتفاوتة في القوة والإنتشار والشعبية) وتجربة الإنتخابات البرلمانية في 2011 أثبتت أن نجاح حزب النور في الإنتخابات لم يتأت إلا عبر حشد القواعد السلفية المختلفة علي إمتداد البلاد بشكل مرن وفضفاض و لم يقتصر فقط على جمهور الدعوة السلفية فحزب النور إعتمد علي كتلة ثابتة من المؤيدين قد لا تزيد علي 25% فقط من حجم التأييد الذي حصل عليه في الإنتخابات بالإضافة إلى كتلة غير ثابتة قد تصل إلي 75% وهي كتلة جوالة من المكن أن تتنقل من تأييد حزب سلفي لحزب آخر حسب ما يستجد.... بالإضافة إلى هذا ففكرة التنظيم الضيق المغلق (وهو مفهوم جماعة الإخوان بالأساس) صارت متقادمة- من وجهة نظر هذه الرؤية- وغير مواكبة لمتغيرات الساحة عقب ثورة يناير بالإضافة إلي أنها غير متوافقة مع طبيعة المنهج السلفي. فهناك المحاذير الشرعية الخاصة بفكرة البيعة للتنظيم والتي طالما كانت محل إنتقاد عند جمهور السلفيين و مصدر خلاف شرعي مع الإخوان و هناك أيضاً أولوية القناعة المؤسسة على الدليل - لا على السمع و الطاعة- في المنهج السلفي الذي من المفترض أنه لا يقدس القيادات عكس المنهج التربوي والتنظيمي للإخوان (في هذه النقطة من الصحيح أن الدعوة السلفية تعتمد في قوتها على إحترام الجمهور السلفي لمرجعياتها لكن يظل عامل التقديس أقل بكثير من الحالة الإخوانية).. من ثم فلابد أن يكون هناك فصل مؤسسي وإداري وسياسي بين الحزب كمؤسسة تتعامل مع مجال سياسي واسع و رحب و متعدد و متأول بطبيعته، وبين مؤسسة الدعوة السلفية بضوابطها وإلتزاماتها الصارمة والضيقة مع بقاء الأخيرة كحاضنة إجتماعية ودعوية .

على الجانب الآخر ترى الرؤية الثانية أن موقفها صحيح شرعياً و أقرب لتحقيق المصلحة، فإنه و إن كان نجاح حزب النور في الإنتخابات قد إعتمد بالفعل علي حشد مختلف الجماعات السلفية إلا أن عبء تأسيس حزب النور إضطلعت به الدعوة السلفية بشكل أساسي لأن مجلس أمناء الدعوة السلفية بمشايخه المرموقين (محمد إسماعيل المقدم وياسر برهامي وأبو إدريس وسعيد عبد العظيم وأحمد فريد وأحمد حطيبة) قد إحتل موقع الصدارة في دعوة جمهور التيار السلفي للإنخراط في العمل السياسي - في أعقاب الثورة- وفي تأصيل هذه المشاركة شرعياً و فقهياً (بالإضافة إلي تأصيل شرعية المشاركة في الممارسة الديمقراطية والحياة الحزبية) وقد إستلزم هذا فقها جديداً للضرورة و الموائمات يتميز عن فقه الضرورة الإخواني بخضوعه للضوابط الشرعية بشكل أكثر صرامة. وبصرف النظر عن مدي دقة إجتهادات علماء الدعوة السلفية في هذا الصدد إلا أنه الثابت أنها حظت بقدر عال من القبول من جمهور التيار السلفي في مصر بعد الثورة هذا بالإضافة إلي المجهودات التي بذلت في العمل الميداني عبر المؤتمرات الشعبية و اللقائات على إمتداد المحافظات في الشهور القليلة التي سبقت الإنتخابات البرلمانية. بالإضافة إلى هذا فالدعوة السلفية ظلت دائماً هي الفصيل السلفي الأكثر تنظيماً برغم التضييق الأمني في عصر ما قبل الثورة. فجمعية أنصار السنة المحمدية على سبيل المثال وإن كان وجودها الشعبي لا تنكره عين لكن سيطرتها المركزية والتوجيهية الإدارية على المساجد ظلت محدودة للغاية ومن ثم فشبكات الدعوة السلفية التي تأسست منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات قدمت رصيداً تنظيما لا بأس به لحزب جديد يبدأ سياسياً من الصفر. إذن فالدعوة السلفية بتنظيمها ومشايخها ومرجعياتها كانت هي المكون الصلب لحزب النور من المنطقي أن تستمر في لعب هذا الدور. أيضاً – ومن منظور هذه الرؤية- هذا أقرب لتحقيق المصلحة لأنه وبرغم كل ما يقال عن مشاكل تنظيم جماعة الإخوان إلا أن التنظيم القوي والمنضبط للإخوان يبقى هو الرصيد الإنتخابي والسياسي الأهم للإخوان.

وعبر محطات عديدة شملت أداء حزب النور في مجلس الشعب المنتخب وملف العلاقات مع المجلس العسكري أثناء الفترة الإنتقالية ثم موقف الحزب من إنتخابات الرئاسة، عبر هذه المحطات كان التمايز بين الرؤيتين يزداد مع الوقت ويتبلور في صورة إختلاف واضح في الآراء و المواقف بين فريقين من القيادات داخل كيانات الحزب. وقد تحلق الفريق المتبني للرؤية الأولي حول الدكتور عماد عبد الغفور رئيس الحزب وضم وجوها سياسية شابة نشطت في المجال العام عقب الثورة مثل محمد نور ويسري حماد بالإضافة إلى بعض القيادات داخل الهيئة العليا للحزب مثل الدكتور بسام الزرقا و آخرين وإن كان هذا الفريق في معظمه من أبناء الإسكندرية أيضاً ومن المتأثرين بالدعوة السلفية (عماد عبد الغفور نفسه كان من مؤسسي الدعوة السلفية في السبعينات) ألا أنه أبدي ضيقا من تدخلات بعض مشايخ مجلس أمناء الدعوة السلفية في سياسات الحزب بشكل يراه لا يلتزم بقواعد العمل المؤسسية وآليات صناعة القرار داخل الحزب وقد ظهر هذا في قرار تأييد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في إنتخابات الرئاسة على سبيل المثال وفي النشاط السياسي المكثف لبعض مشايخ الدعوة وعلى رأسهم الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس مجلس أمناء الدعوة السلفية ومسؤول ملف الحزب وخاصة أن مواقف الشيخ برهامي السياسية المعلنة كانت في غالبيتها تنطلق من منطق الفتوي والدعوة والحلال والحرام وليس من منطق العمل السياسي وما يتطلبه من موائمات ومرونة و تأول وإختيارات بين تفضيلات متعددة. وقد أوقع هذا الحزب في مشاكل عديدة مع الفرقاء السياسيين. لكن كانت المحطة الأهم والتي فتحت الباب لتحول الإختلاف إلى صراع مفتوح هي مرحلة التحضير للإنتخابات الداخلية للحزب التي كان مخططاً لها أن تقام في سبتمبر 2012 فقد بدأت الشكاوي تتري من وجود محاولات واضحة من قيادات للحزب محسوبة على الرؤية الثانية لإقصاء الأصوات المخالفة وتوجيه الإنتخابات بغرض إعادة هيكلة الحزب لملء مواقع القوة و التأثير فيه على مستويات الإدارة الوسطي والقاعدية بالكوادر التي تدين بالولاء للرؤية الثانية وقياداتها ومشايخها. ونتيجة لهذا حدثت إستقالات عديدة من أمناء المحافظات وبالأخص في محافظتي الغربية والجيزة و ثارت علامات إستفهام عديدة حول ممارسات لجنة العضوية للحزب والتي قصرت حق الترشح للإنتخابات عليى عدة آلاف في حزب تصل عضويته إلى مايقرب من مائتي ألف عضو وكذلك أثير الكلام حول ضرورة إعادة بناء مؤسسات الحزب بشكل أكثر ديمقراطية و يراعي تمثيل قواعد الحزب في جميع المحافظات بدلاً من تركز مقاعد الهيئة العليا و مناصب القيادة في يد أبناء الإسكندرية كما هو الحال حالياً. وهنا قرر عماد عبد الغفور رئيس الحزب وقف الإنتخابات حتى النظر في هذه الأمور ولم تقبل الهيئة العليا للحزب (والتي يميل أغلب أعضائها لتبني الرؤية الثانية) هذا القرار بقيادة المهندس أشرف ثابت ويونس مخيون وجلال المرة و نادر بكار وآخرين وقررت المضي قدماً في إجراء الإنتخابات وقد أقيمت بالفعل في عدة محافظات. وقد قدم كل فريق ما يؤيد موقفه إستنادا إلي اللوائح المنظمة لعمل الحزب و تصاعدت الأمور حتي إنتهت إلى ما إنتهت إليه من إقالات متبادلة و إزداوجية في كيانات صناعة القرار داخل الحزب من رئاسة وهيئة عليا..

ويتحدث البعض عن إختلاف في المواقف أيضاً إزاء مسألة التحالف مع الإخوان في الإنتخابات القادمة فبينما لا يري الفريق الأول بأساً في هذا يفضل الفريق الثاني المنافسة بشكل مستقل عن الإخوان لكن تبقى هذه في تقديري مسألة عرضية والخلاف اللائحي أيضاً مسألة شكلية لأنه في حقيقة الأمر لا توجد قواعد إجرائية وتنظيمية دقيقة لحسم الصراع بين التيارين بكل سيولته. وقد تنجح محاولات المصالحة من مجلس أمناء الدعوة السلفية (بما لهم من ثقل روحي و إحترام و تقدير و خاصة أن بعضهم مثل الشيخ إسماعيل المقدم -وهو المرجعية الشرعية الأهم للدعوة السلفية- والشيخ سعيد عبد العظيم قد إحتفظ بإختلافاته مع طريقة الشيخ ياسر برهامي) في تخفيف حدة النزاع و لم الشمل مرة أخري لكن هذا سيكون بشكل مؤقت لأن الخلاف لم يكن خلافاً شخصياً أو صراعاً على القيادة بين الدكتور عماد عبد الغفور من جانب والمهندس أشرف ثابت أو الشيخ ياسر برهامي من جانب آخر وإنما هو خلاف في الرؤى من ثم فالخلاف مستمر طالما لم يتم حسم الإشكاليات الخاصة بالنموذج السياسي السلفي بشكل يحافظ على ثوابت المنهج السلفي ويستوعب المتغيرات المتلاحقة داخل الشارع السلفي السياسي والإجتماعي.

وماذا عن المستقبل؟

وماذا عن المستقبل ونحن على مشارف إنتخابات برلمانية قادمة؟ يتحدث البعض عن التأثير السلبي لأزمة حزب النور الأخيرة علي قدراته الإنتخابية وما إذا سيكون هذا لصالح الإخوان أم لصالح القوى المدنية لكن أعتقد أنه من المبكر بعض الشئ الحديث عن هذا فالأمر يرتبط بمدى نجاح جهود المصالحة الحالية في رأب الصدع ولو مؤقتاً داخل حزب النور لخوض الإنتخابات بشكل موحد وتأجيل حسم المتناقضات لما بعدها كما يرتبط أيضاً بمدى قدرة الأحزاب السلفية الجديدة (التي يزمع مؤيدو حازم أبو إسماعيل والجبهة السلفية تأسيسها لدخول الإنتخابات) علي بناء قواعد تنظيمية على الأرض قادرة على حشد الأصوات الإنتخابية ومنافسة شبكات حزب النور والدعوة السلفية على إجتذاب الصوت السلفي بالإضافة إلي مدى تطور قدرات حزب البناء والتنمية (الذراع السياسية للجماعة الإسلامية) في معاقله الجهوية في الصعيد وأخيراً يتعلق مصير الأصوات الإسلامية أيضاً بمدى ثبات أو تراجع شعبية جماعة الإخوان المسلمين أثناء الشهور القادمة الحاسمة بصفتها المنافس الإسلامي الأقوى وهذه العوامل سيكون لها الحسم في تحديد حصص الإسلاميين و لعبة توزيع الكراسي الموسيقية بين القوي الإسلامية المختلفة. أما مدى ثبات أو تراجع التصويت للكتلة الإسلامية ككل بقواها المختلفة فسيعتمد على قدرة القوي المدنية على المنافسة بالإضافة إلى حجم التصويت الإحتجاجي ضد الإسلاميين وهو ما لن يتضح إلا قبل الإنتخابات بوقت وجيز

لكن تبقى المسألة الأهم والمفصلية في تحديد مستقبل السلفيين هي مدى قدرة عقول و تنظيمات وحركيات الإسلاميين السلفيين علي إبتداع النموذج الخاص بهم في الممارسة السياسية والذي يختلف عن النماذج التي عرفتها الانظمة السلطوية العربية بحداثتها الإستبدادية وعن النماذج المنغلقة للقوى الإسلامية الأخرى التي طالما كانت محل إنتقاد من السلفيين ولكنه أيضاً نموذج قادر على التموقع داخل الجماعة الوطنية المصرية والتعامل مع عالم وآليات ومفردات السياسة الحديثة داخلياً و خارجياً. فكيف يستطيع السلفيون بناء علاقة صحية وفعالة بين التيار السلفي والحزب السلفي و كيف تتم هيكلة هذا الحزب بشكل مفتوح يستطيع به التعبيرعن إتساع و تعددية التيار السلفي من جهة لكنه يحافظ على قدر من الكفاءة التنظيمية والإنضباط المؤسسي اللازمين لمنافسة الإخوان والحفاظ علي موقع السلفيين في المجال السياسي الحديث التكوين في مصر من جهة أخري؟ وإلى أي حد سيتمكن السلفيون من التوسع في إستخدام فقه الضرورة في شرعنة الجديد والمستحدث – الذي تحتمه أحكام الواقع السياسي المحلي و الدولي- مع التمسك بالمنهج السلفي الكلاسيكي؟ وكيف يستطيع السلفيون الحفاظ على التمايز الأيديولوجي المطلوب مع الإخوان في ضوء ما يحدث فعلياً من تقارب في المواقف السياسية وفي ضوء سعي الإخوان لإستقطاب قطاع من السلفيين عبر إرضائهم بمواقع وإمتيازات عديدة ورضاء هؤلاء السلفيين بإعادة تشكيل الساحة بعد حصول كل فريق علي حصة ؟ كيف يواجه السلفيون ضغوط الفصائل الإسلامية الأكثر تشدداً وراديكالية على يمين الجسم السلفي الرئيسي الذي إنحاز للعمل السلمي والبناء التدريجي (من باب الواقعية وأن "نواميس الكون لا تخرق") وخاصة إذا ما فشلت السلفية السياسية وممثلها الحالي حزب النور في تحقيق نجاحات عقائدية ملموسة من المنظور السلفي مثل تطبيق معايير إسلامية أكثر صرامة، مثلاً فيما يخص الخمور والسياحة وباء "الإقتصاد الإسلامي" وضمان "إسلامية الدولة" في الدستور الجديد والوجود القوي في الحكومة بشكل يمكنه من تصحيح الأمور إسلامياً ولو بعد حين ؟ الجدير بالذكر هنا أن إحتمالية الفشل في تحقيق ما سبق لن تؤدي فقط إلى زيادة الوزن النسبي للقوي الإسلامية المتشددة على يمين السلفية ولكنها قد تؤدي أيضا إلي يأس جماهير السلفية من العمل السياسي و إنصرافهم عن السياسة والتفرغ للدعوة مرة أخرى في ضوء ما يرونه من "عدم جاهزية الواقع المصري لحكم الشريعة والإسلام" وهو إتجاه قد بدأت بوادره في الظهور مؤخراً عند البعض منهم.

وأخيراً كيف سيتمكن السلفيون من مواجهة التأثير السلبي للتسييس المفرط علي العمل السلفي الدعوي ورصيده القيمي في الوجدان الشعبي؟ وهذا السؤال له أهميته الخاصة في ظل أن الثقة الشعبية في السلفيين وشبكاتهم الحاضرة على المستوي المحلي تبقى مصدر قوة رئيسي للسلفيين إنتخابياً وفي ضوء تضخم الإنشغال بالمجال السياسي هل سيستطيع السلفيون التمسك بفرضية الحركة الإسلامية الأصلية عن العمل السياسي بوصفه نقل السياسة من السياسي إلى الدعوي والأخلاقي والإجتماعي؟

كل هذه الأسئلة ستتحدد إجاباتها في ضوء المتغيرات والمستجدات المستقبلية- و يجب أن لا نغفل هنا دور العامل الدولي والإقليمي في التفاعل مع المد السلفي- ومن الوارد أن نشهد صعود أطر حزبية جديدة تحل محل حزب النور إذا ما عجز عن الإستجابة لهذه التحديات لكن من المؤكد أن الحركة السلفية - والإسلامية في العموم- تسطر فصولاً جديدة في تاريخها الطويل.

tota sabahy 03-10-2012 02:26 PM

ربنا يصلح الحال يــــــــــــــــــــــــــــــــارب

أ/رضا عطيه 03-10-2012 05:31 PM

الضرب تحت الحزام

من حلفاء الأمس والتى أثبتت الأيام أن شعارهم ليس شكرا لمن ساندهم ولكن إقصاءا وتدميرا وفتنا

وأيضا ممن يدعو السلفية وانشقوا لقيام حزب جديد ويتوعد بالأغلبية لعلمة بقوة السلفيين فى مصر

للأسف كلاهما الأخطر على مستقبل مصر وكان عليهما *** كل طيب فى البلد

aymaan noor 04-10-2012 01:54 AM

الأبعاد الاقتصادية لسياسة تركيا تجاه دول الربيع العربي
 
الأبعاد الاقتصادية لسياسة تركيا تجاه دول الربيع العربي
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...3da494ae_L.jpg
محمد عبد القادر خليل
باحث بوحدة العلاقات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، متخصص في شئون تركيا والمشرق العربي
اعتمدت التحولاتُ الحاصلة في السياسة الخارجية التركية خلال العقد الماضي على تحقيق الاستقرار الداخلي على الصعيد السياسي والاقتصادي، فصُناع السياسة التركية يرون أن المزاوجة بين التنمية السياسية وتعزيز القدرات الاقتصادية في الداخل منحت تركيا مزايا كثيرة، مكنتها من تطوير وتنفيذ سياسات نشطة ومؤثرة في محيطها الإقليمي، كما في المناطق البعيدة مثل إفريقيا وآسيا.

وترى قيادات حزب العدالة أن الاقتصاد غدا المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية، وأن العلاقات الاقتصادية لم تعد تخضع للاعتبارات السياسية، وإنما العكس، وهو ما يجعل السمة البارزة لسياسة تركيا الخارجية خصوصية التصور الاقتصادي؛ حيث قاد زعماء الحزب احتياجَ تركيا لتوسيع أسواقها التصديرية من جانب، وحاجاتها الضخمة من الطاقة من جانب آخر؛ لتقوية أواصر علاقات تركيا مع دول كان لها في الماضي معها علاقات محدودة.

ترتب على ذلك أن ارتفعت حصة التجارة الخارجية بين تركيا ودول الشرق الأوسط من 6 في المائة عام 2002 تمثل زهاء 3.9 مليار دولار، إلى 16 في المائة عام 2010 تمثل زهاء 23.6 مليار دولار. وقد انخفضت حصة الصادرات التي تعتمد على الموارد الطبيعية والمنتجات ذات التكنولوجية المنخفضة من 63 في المائة في عام 2002 إلى 44 في المائة عام 2010. هذا فيما ارتفعت حصة المنتجات متوسطة وعالية التكنولوجيا من 37 في المائة عام 2002 إلى 44 في المائة عام 2010.

التداعيات الاقتصادية للربيع العربي

ومع اندلاع ثورات "الربيع العربي" تخوفت تركيا من أن تتأثر استثماراتها الضخمة في المنطقة بالتغيرات التي تشهدها بعض الدول العربية. وقد اعتبرت أن مشكلات سياسية وأمنية من شأنها أن تفضي إلى مشكلات اقتصادية قد تقلص من حجم الصادرات التركية لدول المنطقة، بما قد يسفر عن زيادة الأعباء المالية التي قد تؤثر سلبًا على معدلات نمو الاقتصاد التركي.

لقد بدا القلق التركي واضحًا، سواء حيال الاستثمارات التركية أم إزاء معدلات التبادل التجاري بين تركيا ودول "الربيع العربي". فقد كان الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية التركية خلال السنوات العشر الأخيرة تعظيم الصادرات التركية إلى دول الشرق الأوسط، فخلال هذه السنوات استطاعت أنقرة أن تضاعف حجم تجارتها مع هذه الدول زهاء خمسة أضعاف. لذلك فقد انتقد الكثير من رجال الأعمال ممن لديهم استثمارات ضخمة في دول "الربيع العربي" المواقف التركية، معتبرين أن السياسات التركية من شأنها أن تضر بالاستثمارات التركية في المنطقة العربية.

وقد تصاعد القلق التركي حيال اتفاقات التجارة الحرة التي أبرمتها مع عدد من الدول العربية، ومنها الاتفاقية الموقعة مع كل من مصر وليبيا، وكذلك اتفاقية إقامة منطقة مشتركة بين لبنان وسوريا والأردن وتركيا، وهي الاتفاقية التي علقت بعد ذلك بسبب الموقف التركي من أحداث الثورة السورية.

وتخوفت تركيا كذلك من ارتفاع أسعار النفط عالميًّا بسبب أحداث المنطقة الملتهبة، لما لذلك من تأثيرات على ارتفاع معدل العجز في الميزان التجاري، بالنظر لاعتماد تركيا على استيراد أكثر من 90 في المائة من احتياجاتها النفطية من الخارج. وتكشف المقارنة بين حجم الصادرات والواردات التركية عن تضاعف حجم العجز في ميزان التجارة الخارجية من 5.5 مليارات دولار في إبريل 2010 إلى 9 مليارات دولار في إبريل 2011.

هذا في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من صعوبات بسبب ارتفاع الطفرة الاستهلاكية المدفوعة بالائتمان إلى ذروتها، وتجاوز العجز في الحساب الجاري نسبة 10 في المائة، وهو وضع كان محدِّدا رئيسيا في أن يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض نسبة النمو الاقتصادي إلى 2.2 في المائة خلال عام 2012.

وعلى الرغم من الحذر الذي أبدته تركيا في التعامل مع أحداث المنطقة؛ فإن من الواضح أن مواقفها التي لم تنسجم كليا مع محددات مواقف العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، ساهمت في تعطل توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج، وذلك بسبب طلب الأخيرة توقيع الاتفاقية دون إبداء أي أسباب، وهي اتفاقية كان من المقرر توقيعها في ديسمبر 2011، ومن المرجح توقيعها بنهاية هذا العام بعد تحسن العلاقات بسبب تبني مقاربة واحدة حيال تطورات الأزمة السورية.

كما ساهمت الأحداثُ التي شهدتها دول "الربيع العربي" في تراجع إجمالي صادرات تركيا إليها بنسبة 13 في المائة. ففي حين كان نصيب مصر وسوريا وليبيا وتونس واليمن 6.48 في المائة من إجمالي الصادرات الخارجية التركية في عام 2010؛ تراجعت هذه النسبة إلى 4.74 في المائة نتيجة تداعيات "الربيع العربي". وقد تراجع إجمالي الصادرات التركية خلال عام 2011 إلى هذه الدول العربية الخمس من 7 مليارات و272.5 مليون إلى 6 مليارات و323 مليون دولار.

التحركات التركية والأهداف الاقتصادية

وقد عكست زيارةُ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى دول الربيع العربي في سبتمبر 2011، على رأس وفد وزاري عالي المستوى وبرفقة 280 من رجال الأعمال؛ الأهمية الاقتصادية لعلاقات تركيا مع الدول العربية، حيث سعت تركيا للمساهمة في إعادة أعمار دول "الربيع العربي" وإمداد هذه الدول بخدمات الاتصالات، والمشاركة في قطاع التشييد والبناء. كما سعت تركيا إلى مضاعفة الاستثمارات التركية في مصر، بما يوفر فرص عمل أكبر أمام العمالة المصرية التي يوجد منها بالفعل قرابة 50 ألف مصري يعملون في الشركات التركية بمصر.

وفي هذا الإطار تشير التقديرات التركية إلى احتمال تزايد استثمارات تركيا في مصر من 1.5 مليار دولار إلى 5 مليارات خلال العامين المقبلين، وأن تزيد المبادلات التجارية من 3.5 مليارات دولار إلى 5 مليارات دولار قبل نهاية عام 2012، وإلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2015، وهو أمر من شأن تحققه أن يزيد من الروابط السياسية والاقتصادية بين البلدين، وقد يدفع بتحقق نبوءة رئيس الوزراء رجب طيب أوردغان بأن تكون أنقرة مفتاح القاهرة لأوروبا، وأن تكون القاهرة مفتاح أنقرة لإفريقيا.

وقد أبرم رجالُ الأعمال الأتراك خلال زيارتهم لمصر برفقة رئيس الوزراء التركي اتفاقيات تجارية تقدر بزهاء 850 مليون جنيه، كما ازداد إقبال رجال الأعمال الأتراك على الاستثمار في كل من مصر وتونس، باعتبار أنهما الدولتان اللتان شهدتا استقرارا نسبيًّا، بما أدى إلى عودة الارتفاع لقيمة الصادرات التركية إلى مصر بنهاية عام 2011 بنسبة 23 في المائة، وإلى تونس بنسبة 12.3 في المائة مقارنة بعام 2010. هذا في الوقت الذي تراجع فيه حجم الصادرات التركية إلى ليبيا بنسبة 63 في المائة، وإلى اليمن بنسبة 15 في المائة، وإلى سوريا بنسبة 14 في المائة، مقارنة بعام 2010 بسبب الوضع الأمني في هذه الدول.

السياسات التجارية التركية الجديدة

تأثرت المواقف التركية حيال الثورات العربية بمصالح تركيا الاقتصادية في المنطقة التي شهدت تطورات مهمة على صعيد العلاقات الاقتصادية التركية العربية بفعل فاعلية إستراتيجية تركيا الخاصة بعمليات "البحث عن أسوق جديدة" وازدهار سياسات التصدير بديلا عن أية "برامج أيديولوجية"، وذلك فيما أطلق عليه "السياسات التجارية" الجديدة لأنقرة.

وقد انعكس ذلك في مواقف تركيا المتغيرة من ثورات "الربيع العربي"؛ حيث ساندت مبكرا كلا من الثورة المصرية والتونسية، وذلك بسبب انخفاض حجم الاستثمارات التركية في الدولتين مقارنة بليبيا على سبيل المثال. ففي ليبيا وحدها يوجد زهاء 25 ألف مواطن تركي. كما يشكل السوق الليبي السوق الثاني للمتعاقدين الأتراك في الخارج بعد روسيا، ويوجد في ليبيا زهاء 120 شركة تركية.

وقد أفضت الجهود التي بذلتها أنقرة من أجل إعادة تمتين العلاقات مع النظم العربية الجديدة في دول الربيع العربي إلى تطورات اقتصادية إيجابية خلال عام 2012؛ حيث شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من العام انتعاشة في الصادرات التركية إلى دول الربيع العربي، بعد فترة من الركود في العلاقات التجارية، حيث سجلت الصادرات التركية إلى البُلدان الثلاثة زيادة بنسبة 84 بالمائة، لترتفع من 899 مليون دولار في العام الماضي إلى 1.6 مليار دولار.

وذكرت وكالةُ الأناضول للأنباء أنه بالمقارنة بين الربعين الأولين من عامي 2011 و2012، ارتفعت قيمة الصادرات التركية إلى ليبيا من 264 إلى 526 مليون دولار، وإلى تونس من 139 إلى 208 مليون دولار، وإلى مصر من 496 إلى 917 مليون دولار.

ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الاقتصادية التركية الليبية طفرة كبرى خلال الفترة المقبلة، لا سيما بعد إعلان الحكومة الليبية أنها ستقدم فرصا استثمارية بقيمة 100 مليار دولار للشركات التركية، كما أُعلن عن منح الشركات التركية استثمارات في قطاع التشييد والبناء وصلت قيمتها إلى 15 مليار دولار. وتسعى تركيا في هذا الإطار إلى مضاعفة حجم الصادرات التركية لكل من مصر وليبيا، وذلك بعد تدشين خط "RORO" الملاحي بين ميناءَيْ مرسين التركي والإسكندرية المصري، والذي يعتبره الأتراك أن من شأنه أن يجعل من مدينة الإسكندرية بوابة تركيا للدول العربية وإفريقيا.

مساعدات تركية لدول الربيع العربي

قامت تركيا بالاتفاق مع مصر في سبتمبر 2012 على تقديم تمويل قدره 2 مليار دولار، وذلك بغرض المساعدة في تقوية احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي المصري، وكذلك دعم البنية الأساسية لخطط الاستثمار للحكومة المصرية، والتي سوف تساهم بدورها في تنمية الاقتصاد الكلي وتنمية فرص نمو الاقتصاد المصري. وقد قامت شركات تركية باستثمارات تقدر بمليار ونصف في مصر خلال عام 2012.

كما اتفقت الدولتان على تشكيل لجنة عليا مشتركة برئاسة رئيسي الوزراء في البلدين من أجل تعميق التعاون المشترك في كافة المجالات، وخصوصًا في مجالات التصنيع ونقل الخبرة التركية في مجال السياسة النقدية، ودعم وتذليل فرص الاستثمار والتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين.

وفيما يتعلق بتونس؛ فقد وقعت تركيا مع الحكومة التونسية في يناير 2012 أربع اتفاقيات تعاون، بينها اتفاقية قرض بقيمة نصف مليار دولار مخصص لإنعاش الاقتصاد التونسي. كما وقعت الدولتان مذكرات تفاهم بشان إقامة منطقة تجارة حرة، وتبادل المنتجات الزراعية. ويُتيح هذا الاتفاق الأخير لتونس رفع حصتها من صادرات التمور المعفاة من الأداء الجمركي إلى تركيا لتبلغ خمسة آلاف طن سنويا. كما ستتولى تركيا تدريب شبان تونسيين في مجال التجارة الخارجية والسياحة.

وقد دشنت تركيا في بدايات عام 2012 "منتدى تركيا وتونس وليبيا"، بهدف دعم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الثلاث، لا سيما وأن تركيا تهدف إلى إنشاء منطقة تجارة حرة بجنوب تونس وعلى بعد 100 كيلو متر من الأراضي الليبية. وتهدف تركيا كذلك إلى تدشين مشروعات كبرى مع الحكومة الليبية التي تمتلك قرابة 110 مليارات دولار مجمدة في البنوك في جميع أنحاء العالم، كما تبغي تنويع مجالات استثماراتها في ليبيا من خلال المشاركة في مشروعات البنية التحتية، ودعم التعاون في مجالات الطاقة؛ حيث تتجه تركيا للاعتماد بشكل أكبر على استيراد احتياجاتها النفطية من ليبيا.

وفي هذا الإطار؛ تسعى الحكومة التركية إلى إنهاء المشكلات التي تعاني منها الاستثمارات التركية في ليبيا والبالغة زهاء 18 مليار دولار، لا سيما وأن هناك مستحقات للعديد من الشركات التركية لدى الحكومة الليبية تقدر بزها 1.4 مليار دولار، ولم تحصل عليها بسبب الاضطرابات الأمنية والوضع السياسي في البلاد منذ اندلاع الثورة الليبية. كما تسعى تركيا أيضا إلى ضمان ودائع شركاتها في البنوك الليبية والتي تقدر بحوالي 100 مليون دولار. كما تهدف لضمان التعويضات المناسبة للشركات التركية التي تعرضت لخسائر وأعمال نهب بسبب الفوضى الأمنية التي تعاني منها البلاد.

هذه المؤشرات في مجملها توضح أن العقلية الاقتصادية كانت حاكمة في تحركات التركية حيال دول الربيع العربي، فعلى الرغم من أن الخسائر التركية على الصعيد الاقتصادي بدت ضخمة مع اندلاع الثورات العربية؛ إلا أن قدرة تركيا على التواصل مع النخب الجديدة الصاعدة عبر صناديق الانتخابات منحها شرعية المطالبة بالمشاركة في مشروعات تجارية واقتصادية كبرى في هذه الدول التي لم تكتف بدعم علاقاتها التجارية والاقتصادية مع تركيا، وإنما أرسلت وفودا رسمية وغير رسمية من أجل الاستفادة من الخبرات الاقتصادية والتجارية التركية.

aymaan noor 04-10-2012 01:58 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بركان الغضب2 (المشاركة 4767682)
الدولة العميقة

الفرق بين مصر وتركيا مفهوم الدولة العميقة

ياريت كان عندنا دولة عميقة كان يسهل التغيير وتداول السلطة

ولكن حقيقة مالدينا دولة متحولة متنقلة

عقود تجدها فى اليمين ثم فجأة تجدها تحولت للعكس تماما

وزى مابيقولوا (اللى يحكم مصر يبقى عمى )

شكرا جزيلا أستاذنا

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

راغب السيد رويه 04-10-2012 02:34 AM

جزاك الله خيرا وبارك فيك

aymaan noor 06-10-2012 10:58 AM

*** الثورة بين الشرعية والانحراف: سوريا وضرورة التصحيح
 
*** الثورة بين الشرعية والانحراف: سوريا وضرورة التصحيح
Oct 05 2012

إن تشظي المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة في سوريا أمام نظام مازال رغم كل التصدعات والضربات القاسية التي أصابته متماسكا يتطلب من كل سوري ـ ناشط سياسي أو مقاتل أو منحاز أو صامت ـ وقفة مع الذات وإعادة نظر في مسار التغيير في سوريا الذي وصل إلى مرحلة تفوقت بخطورتها كل تصوراتنا وتوقعاتنا .. لهذا فإن كل مواطن سوري يعتبر مسؤولا بشكل مباشرعن تراكم الدمار وال*** والآلام واستباحة الدماء إن لم يقوم على الأقل بإعادة النظر بكل عوامل النجاح والفشل ..

لن أضيع الوقت والجهد في الحديث عن المعارضات السياسية السورية في الداخل والخارج لأنها جميعاً تحتاج إلى غرفة عناية مشددة .. فعجزها الفاضح ناتج عن ظرف موضوعي داخلي وخارجي وعن ترهل ذاتي رجعي .. وافتقارها لآليات وبرامج سياسية للثورة جعلها تتحول إلى تكتلات مفرغة المضمون الثوري غير واعية لمهامها الحقيقية ومستحقات هذه المهام وعاجزة عن تحليل الواقع ومشكلات الثورة لبرمجة مراحلها وتحديد تكتيكات نضالها من اجل توسيع إمكانيات الثورة .. ومايعبر عن عجزها هذا هو خطابها السطحي الهزيل الذي توقف عند حدود وصف جرائم السلطة والندب والردح في الإعلام والانبطاح أمام التدخل الخارجي .. فكان لهذا العقم السياسي والفكري آثاره الكارثية على مسار الثورة مثل تصاعد الخطاب الديني المتشدد وترسيخ المخاوف لدى قطاعات مجتمعية واسعة في المجتمع مما أدى إلى تمسكها بدورها كمتفرج على مآلات الصراع . إن غياب التنظيم السياسي والخطاب السياسي الثوري الذي كانت ومازالت الثورة بأمس الحاجة إليه كان سببا رئيسيا في حدوث انحرافات متعددة الأشكال والمرجعيات في مسار الثورة .. إذا لنترك المعارضات السياسية السورية في فلكها .

فهل حال المعارضة المسلحة في سوريا أحسن حالاً من المعارضة السياسية؟ وهل هي معارضة مسلحة ثورية أم أنها قوات مقاتلة ذات أهداف خاصة؟ ماهي مشكلاتها وماهي عوامل نجاحها ؟

إن الثورة ماهي إلا داية مجتمع جديد في مرحلة الولادة. ولكن للثورة منطقها وقوانينها وشرط نجاحها الأول لايكمن في سلميتها أو تسلحها وإنما في الإجماع الشعبي الواسع على الحد الأدنى من أهدافها وعلى تفكيك أوعلى الأقل تحييد أجهزة ال*** للسلطة الحاكمة. بحيث تصل هذه الأجهزة إلى درجة الانحلال الذاتي تحت ضغط الحراك الشعبي الثوري. وعليه فإن تسلح الشعب في مخاض الثورة إن كان خياراً محتوماً فعلينا أن نقبل فيه على طريقة هيغل بأن يكون ال*** فيه مساراً لحظيا في صيرورة الثورة. وهذا يتطلب معرفة قوانين وقواعد العمل المسلح ونلتزم بعوامل نجاحه وإلا فسيكون العمل المسلح هو مقدمة لسقوط الجميع في جحيم الضياع.

جدوى التسلح الشعبي أو تسلح المعارضة تكمن إذاَ في القدرة على نزع أوتفكيك سلاح السلطة. فإن لم ينجح الجناح المسلح من المعارضة في رسم استراتيجية مدروسة لهذا الغرض وبالتالي إن فشل في تحقيق هذه المعادلة فهذا سيؤدي بشكل حتمي إلى حرب أهلية. حينها سيتعين على الشعب دفع ثمن غال جداً جداً حتى لو "نجحت الثورة". ولعلنا نستحضر كمثال على هذا الأمر الكفاح المسلح للفلاحين في تامبوف أو جنود البحرية الروسية في كرون شتادت ضد حكومة السوفييت 1920 اللذان انتهيا بالفشل بعد ماكان الثمن الإنساني باهظا جداً. إذا تفكيك وتحلل الأجهزة ال***ية التي تعتمد على السلاح للسلطة الحاكمة هو شرط ضروري لنجاح الثورة التي تهدف إلى بناء مجتمع جديد مبني على علاقات سلطة غير استبدادية وأكثر عدلاً وليس لنجاح المعارضة في إسقاط السلطة الحاكمة فحسب .

هذا يأخذنا إلى منطقة المسؤوليات التي تقع على المعارضة المسلحة في سوريا التي لم يعد مقبولاً أن تكتفي بحمل السلاح والاشتباك مع جيش السلطة النظامي بدون عقل عسكري يخطط أو استراتيجية عسكرية مدروسة ومنظمة وملزِمة للأطراف المتعددة الحاملة للسلاح. فكل من يتخذ موقفاً في زمن الثورة. سواء كان موقفاً عسكرياً أو سياسياً أو مايسمى بالحيادي هو مسؤول بالكامل عن تبعات ومتطلبات موقفه. فأين هي الكتائب المسلحة التي سأحرص على تجنب تسميتها بالجيش الحر لعدم انصهارها جميعا تحت راية عسكرية واحدة وخطاب عسكري واحد. أين هي من تحمل مسؤولياتها أمام شعبها صاحب الثورة ودافع الثمن الكبير؟

سوف ننطلق من الفرضية أن المعارضة السورية المسلحة هي معارضة وطنية ذات مهام محددة فلا يفترض بها أن تكون بائعة خطابات سياسية في سوق الإعلام ولا أن تصبح حانوتاً أخلاقياً تبيع وتشتري بالقيم الأخلاقية المستهلكة من شتم للنظام وتربية عقابية لأسراه ولا يفترض أن تلعب كذلك دور خليفة الله على الأرض حتى تفرض على الناس المتنوعين خطاباً دينياً متشدداً فقط لأنها تحمل السلاح.

إن المعارضة المسلحة لها مهام أخرى. مهام ووظائف محددة وواضحة. وهي مهام عسكرية لا سياسية ولادينية. ولا يمكن أن تحقق طموحات الشعب إلا إذا ارتبطت بمعارضة سياسية لها سلطة تعلو على سلطة السلاح. فإن لم تستطع المعارضة المسلحة أن تقوم بهذه المهام وتتحمل مسؤوليتها فعلينا كشعب وكحراك ثوري أن نصححها أو نرفضها إن اقتضى الأمر كما رفضنا المعارضات السياسية الكثيرة التي فشلت بالقيام بمهامها السياسية. فلا يجوز الخوف ولا التردد في نقد المعارضة المسلحة السورية. لأن لا أحد ولا طرف فوق مصالح الشعب وإرادته أو فوق الثورة وقد رفع الشعب في حراكه السلمي شعار: الثورة فوق الجميع. ومن لايستطيع تقبل نقد المعارضة المسلحة أو مواجهة مشاكلها فهو إما جاهل بطبيعة الأشياء أو أن الخوف الذي طردته رياح الثورة عاد إليه بسبب هيمنة السلاح أو أنه لايريد للثورة أن تنجح بل أن تنحرف.

لنطرح إذا على المعارضة المسلحة في سوريا وقياداتها المتعددة وعلى أنفسنا الأفكار التالية ولنحاول البحث عن موقع القوات المقاتلة من الحراك الشعبي الثوري حتى نعمل جميعا على إنقاذ الوطن :

أولا ـ يُفترض في الجناح المسلح من الثورة أن يكون بالدرجة الأولى ثورياً. أي أن يكون انتماءه لأمه التي أنجبته وهي الحراك الثوري الشعبي وبالتالي أن يعبر عن دوافع وطموحات هذه الأم التي هي سبب وجوده أي الثورة الشعبية. وهذا يعني أن تكون أهداف الثورة الأصلية في التحرر والتحرير من عبودية وطغيان السلطة الحاكمة وبناء عهد جديد من العدل والحرية والكرامة لجميع أبناء المجتمع.

ثانيا ـ بما أن الثورة في سوريا ضمت فئات واسعة من الشعب بطوائفها وقومياتها المتعددة في شقها السلمي والمدني فإنه لايحق للجناح المسلح حتى لو كانت أغلبيته من طائفة محددة أن ينتج خطاباً اقصائياً لمكونات المجتمع السوري المختلفة والتي مازالت تشارك حتى اليوم بنسب مختلفة وبأشكال متعددة على الصعيد المدني. لأن المعارضة الوطنية الحقيقية سواء كانت مسلحة أو غير مسلحة تدافع عن حقوق وحرية جميع المواطنين بمختلف انتماءاتهم وبغض النظر عن مشاركتهم بالثورة أو عدمها وتتحدث بلغة الوطنية التي تكون فوق كل الانتماءات الدينية أو القومية أو السياسية. لأن الحرية التي يناضل من أجلها الشعب لا يمكن اجتزاؤها من عمقها الإنساني الشامل. فالحرية التي ينشدها من يبحث عن العدل والكرامة واسترداد الحقوق تنقلب لضدها وتتحول لاستبداد جديد إن لم تشمل الجميع.

ثالثا ـ إن المعارضة المسلحة تتخذ شرعيتها من شعبيتها وحاضنتها الاجتماعية. وإلا فتصبح عبئاً وقمعاً جديداً للثورة والشعب. فحينما يصبح مصدر قوتها هو ذاته مصدر قوة السلطة الحاكمة أي السلاح فقط تفقد شرعيتها حتى لو كانت معارضة. ومن أهم معايير شرعية المعارضة المسلحة هو صدقها وشفافيتها ونزاهتها وصراحتها مع الشعب. فكل ماهو خارج إطار الأسرار العسكرية التي يجب أن تُحجب عن النظام الحاكم يجب أن يكون حقيقياً أي صادقاً أمام الشعب. لم تكن المعارضة السياسية السورية حقيقية ولاصادقة في كثير من الأحيان. فهل كانت المعارضة المسلحة السورية متقدمة على رديفتها السياسية؟ هل قدمت إعلاماً وأخباراً وتحليلات ومواقف صادقة ونزيهة بعرض الايجابي والسلبي للشعب السوري التي تدافع عنه.

رابعا ـ إن المقاومة المسلحة ليست أمرا طارئا على تاريخ الثورات ولكن لها قوانينها واستراتيجيتها .. ومن أشكال المقاومة المسلحة البارتيزان أو مايسمى بحرب العصابات وهو الشكل الذي تتبعه المعارضة المسلحة في سوريا ومثل هذا النوع من القتال المسلح يظهر في حالة عدم التكافؤ بالسلاح بين الطرفين. وهو يبدأ كحرب عصابات تعتمد على الكر والفر في داخل القرى والمدن. لكن حينما يفتقد البارتيزان لقيادة عسكرية وطنية موحدة معززة بخطاب عسكري وطني فوق كل الانتماءات التقسيمية للمجتمع وعندما يعجز عن وضع استراتيجيات وتكتيكات القتال التي ينفذها كل المقاتلين حينها تتحول المعارضة المسلحة الثورية إلى مجموعات قتالية تستمر بقوة السلاح ولاترى هدفا لها إلا قهر النظام بأي وسيلة مما يدفعها إلى القيام بعمليات تخريبية وتدميرية للمجتمع والدولة معا وفقدان شرعيتها الشعبية اللازمة.

فما هي قواعد حرب العصابات أو البارتيزان؟

تعمل البارتيزان كما كتب أستاذ القانون للدولة كارل شميت كشكل من أشكال المقاومة المسلحة والتي تمارسها المعارضة المسلحة في سوريا على زعزعة كيان السلطة. وتكمن خطورتها في أنها تخلق لنفسها وبنفسها شرعيتها عندما تنهار الدولة أو قبل انهيارها وتشرع لنفسها الحق والقانون والنظام الخاص بها. إن هذا الشكل من المقاومة المسلحة يجعل البلاد في حالة طوارئ دائمة ومهددة بالفوضى وزعزعة الأمن . في ظل حرب البارتيزان أو ما يسمى بحرب العصابات ضد جيش السلطة الحاكمة ينهار النظام برمته في البلاد ـ النظام ليس بالمعنى السياسي للكلمة وإنما بالمعنى الحرفي لها ـ وهذا ما تشهده سوريا اليوم. فلا وجود للقانون اليوم أمام ال*** الذي يفرضه القتال المسلح. وهذا يفرض واقعاً جديداً على الثورة وهو أن القتال المسلح سيحتكر إلى درجة كبيرة تحديد مصير الحراك الشعبي والقوى الشعبية المدنية الثورية في غياب القيادة السياسية التي يجب أن ينضوي تحت مبادئها. وهذا من طبيعة وتبعات المقاومة المسلحة. والتراجع الهائل لدورالحراك المدني السلمي الثوري في سوريا يؤكد ذلك.

بدأت المعارضة المسلحة باسم الجيش الحر في سوريا كجزء من الشعب المقهور بصفته الطرف الأضعف والمدافع عن النفس تحت وطأة *** وهمجية النظام ونشوؤه كان أمراً طبيعيا رغم العوامل الخارجية التي كانت داعمة له. إلا أن عسكرة الصراع تصاعدت إلى حد اللامعقول بين جيش نظام الأسد المتغول وجويش غير منظم بلا رأس عسكري ثوري. وتحول دور السلاح من الدفاع عن النفس إلى كيان المعارضة المسلحة غير المتماسك. وهذا سيدفع بحسب طبيعة الأشياء إما إلى معركة حاسمة بين الطرفين إذا زادت قوة المعارضة وضعفت صلابة الجيش النظامي أو إلى تحول المعارضة المسلحة إلى قوام يشبه العصابات بدون معركة حاسمة وتستمر المعركة التدميرية للإنسان والبلاد إلى فترة طويلة يهلك فيها الجميع.

إذا أردنا أن نتجاوز مستوى المراهقة السياسية التي تمارسها المعارضات السورية في تقييمها وتحليلها للجيش الحر أو القتال المسلح في سوريا وإذا تعاملنا مع واقع المعارضة المسلحة بمسؤولية وطنية ونضج سياسي وتحليل عقلاني بعيد عن اللغة العاطفية والشعبوية فعلينا أن نحلل بعمق واقع عسكرة الثورة ونضع أيدينا على مشكلاتها ونطرح بلاخوف ولاتردد قراءتنا لنسبة نجاح القتال المسلح من عدم نجاحه وتعبيره عن الثورة أو انحرافه عنها. ماعدا ذلك نكون حفنة من متسلقين سياسيين لا نكترث إلا للتعبئة الشعبوية والتسلق الانتهازي.

إن الاستراتيجية العسكرية والطريقة التي يقوم عليها القتال المسلح للمعارضة في سوريا اليوم لاتدعو إلى التفاؤل. ففي الوقت الذي مازال جيش النظام وأجهزته ال***ية تعمل بتماسك إلى حد كبير رغم كل الهزات الارتجاجية التي أصابته وفي الوقت الذي يطور النظام من آليات سيطرته على المعارضة المسلحة والتي وصلت إلى حدود العقاب الجماعي لسكان كل منطقة تتواجد فيها كتائب مسلحة بتدمير الذات الإنسانية للمواطن السوري بتهديد الشروط الوجودية لعيشه نرى أن المعارضة المسلحة لم تطور استراتيجيتها العسكرية ولا خطابها العسكري ولا تكتيكاتها الحربية. فلا هي استطاعت أن توحد القيادة العسكرية والخطة العامة ومنظومة الأمر والتنفيذ العسكرية ولا هي تعطي الفرصة لمن تؤهلهم كفاءاتهم ومعرفتهم العسكرية لأن يقدموا خطاباً عسكرياً جدياً بدل الخطاب السياسي الديني والطائفي الذي يهيمن على لغة الكثير من المقاتلين ولااستطاعت أن ترسخ صورة سلوكية وأخلاقية عامة تترك الانطباع أن هؤلاء المقاتلين هم مقاتلون من أجل حرية الشعب السوري بأكمله دون زيادة أونقصان حتى تستحق بجدارة لقب جيش تحرير شعبي على طريق تحقيق الحرية والكرامة والعدل لكل السوريين بكل طوائفهم وقومياتهم وولاءاتهم. مؤيدين للمعارضة المسلحة أو خائفين منها.

وضع منظري الكفاح المسلح الثوري مثل ماوتسي تونغ وتشي غيفارا تصورات عامة عن قوانين القتال المسلح ضد سلطة استبدادية حاكمة باعتبار أن المرحلة الأولى من الكفاح المسلح تُبنى على الدفاع الاستراتيجي القائم على إضعاف الخصم بشرط أن يكون هذا الكفاح المسلح مدعوماً من الشعب يتكامل فيه عمل الهجوم التكتيكي مع الاستراتيجية الدفاعية ضمن خطة توازن مع الخصم. في المرحلة التالية تبدأ عمليات تحول تدريجي من الشكل اللانظامي المبعثر للمعارضة المسلحة إلى الشكل النظامي. وفي المرحلة النهائية تبدأ الأشكال غير النظامية للوحدات القتالية بالانحلال ويتخذ الجسم العسكري لنفسه شكلاً نظامياً في هيكليته وهرميته وإصدار الأوامر وطرق التنفيذ مشابها للجيش النظامي. ولابد من توفرشرط لازم وحاسم وهو تطبيق سياسة صارمة فيها أقصى الانضباط بقيم الثورة وأهدافها. وعمليات الانضباط هذه تشمل تجنب أعمال النهب والخطف والانتقام التي حدثت في سوريا ومازالت على أيدي قسم من حاملي السلاح.

على المعارضة المسلحة أن تتذكر دائما الحكمة الغيفارية بأن حرب العصابات تستمد قوتها وشرعيتها من المد الشعبي الكبير وعليها أن تكون دائما خط الدفاع الأول للشعب. شرعيتها تتآكل عندما تكون لفئة دون أخرى من الشعب أو مشبعة بايديولوجية أو مرجعية دينية لاتشمل كل أبناء الشعب. فالخطاب الانتقامي والطائفي هو أحد أبرز ظواهر انحراف الثورة السورية وعلينا مواجهتها بجرأة ووعي حتى لانخسر التغيير الثوري برمته في نهاية المطاف.

فمن أين تستمد المعارضة المسلحة المسماة بالجيش الحر أو بأسماء أخرى شرعيتها الشعبية حينما تقوم بالاغتيالات الطائفية أو تمارس ال***** والإذلال والإعدام الميداني على أسراها من الأمن أوالجيش وهذا بالتحديد ماكنا نصفه بالهمجية حين كان ومازال يصدر عن النظام المجرم. من أين تستمد شرعيتها الشعبية حينما تتحدث عن حرب بين السنة والشيعة أو العلوية كما يريدها لنا من يسمون أنفسهم بأصدقاء سوريا أو أصدقاء النظام. ما الذي يميز خطاب المعارضة المسلحة عن خطاب النظام حينما يتحدث أحدهم عن سنة وشيعة وعلوية ويتكلم الآخر عن سلفية واسلامية وارهابيين. إن الخطابين هما تحت سقف الوطنية التي تجمع الجميع وتساوي الجميع في الحقوق الانسانية. إن الخطابين يدعوان بشكل غير مباشر إلى حرب تقسيمية أهلية بعيدة المدى عراقية المنحى. كيف يمكن للشعب أن يعتبر أن المعارضة المسلحة هي الذراع العسكرية للثورة التي كان أحد مبادئها : واحد واحد واحد الشعب السوري واحد والتي كانت تقدم أرواح أبنائها من أجل بناء دولة مدنية لاإمارة دينية ولا دولة إخوانية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضا تأثير الخارج في تصدير الخطاب والفكر الديني المتشدد أو السلفي الغريب عن الخطاب الديني المعتدل للمجتمع السوري إلى صفوف الكتائب المقاتلة فيزداد حينها تهديد انحراف الثورة عن سقفها الوطني الذي يضم الجميع. ويصبح العدو ليس النظام السوري الطائفي والمستبد فحسب وإنما ربما العلويون أوالشيعة أو غير ذلك من التصنيفات أيضا .

هناك فرق أيضا في ضرب أهداف عسكرية محددة للنظام تعمل على إضعاف أجهزته ال***ية وبين ضرب مؤسسات الدولة بدافع من الجهل والانتقام .. فضرب مؤسسات الدولة ودعائمها يعني المساهمة في عوامل الفقر والفوضى وغياب الأمن لسنوات طويلة بعد سقوط النظام وهذا سيكون في صالح الدول التي تنتظر شركاتها عقود العمل مع سوريا بعد النظام حتى تجمع أرباحها على عظام شهدائنا وجهل معارضتنا. إن لم تميز المعارضة المسلحة بين إسقاط السلطة والنظام وبين تهديم كيان الدولة ومؤسساتها فعلى الدنيا السلام ورحمة الله على الثورة.

ما يحدث اليوم في سوريا حرب إبادة ليس مصدرها النظام فقط الذي بات يحرق كل شيء من أجل بقائه وإنما أيضا المعارضة المسلحة التي تريد أن تطيح بالنظام ولكنها بدأت تطيح بالمجتمع دون أن تشعر . لا يمكن مساواة *** وإجرام ودموية النظام ب*** المعارضة المسلحة أبدا. فالنظام السوري يظل المسؤول الأول والأخير عن كل الدمار الذي يحدث للناس والمجتمع. ولكن الطرفان ـ الحاكم والمحكوم ، الظالم والمظلوم ـ يحطمان اليوم أسس الدولة وبنيتها التحتية شيئا فشيئا ويهددان وحدة البلاد الوطنية. النظام يفعل هذا عن عمد وإرادة والمعارضة السياسية المسلحة تفعل هذا عن غير قصد وعن جهل بقواعد المقاومة المسلحة. ولكن النتيجة واحدة حتى هذا اليوم تدمير المجتمع وجزء من مؤسسات الدولة التي هي ملك للشعب. لنعمل جميعاً نحن السوريون الناشطون والراكدون، السياسيون والعسكريون لنعمل جميعاً بالفكر والممارسة على تصحيح مسار الثورة على الصعيد السياسي والعسكري والمدني ونرسخ أن الوطنية والمواطنية للجميع فوق الانتماءات الدينية أو القومية أو الرهانات الخارجية حتى ننقذ الوطن والثورة. المطلوب منا جميعاً التفكير ثم التفكير ثم التفكير بكل عمل سياسي أو عسكري نتبناه ضد هذا النظام الخائن الذي يسبقنا بالتفكير والتخطيط لإبادة المواطن السوري والمجتمع معاً.

رحييق 06-10-2012 11:09 AM

التفكير والتفكير ثم التفكير للوقوف في وجه هذا االنظام المتسلط
الذي فقد كل معان الانسانية والوطنية
نحتاج أن نكون أيدا واحدة
نحتاج أن نلم الشمل ووداعا للتحزب
نحتاج أن نجتمع على كلمة واحدة رأي واحد
هدف واحد لانقاذ اخواننا بإذن الله
مادام في مصلحة وطن عربي يهمنا جميعا
...
حفظك الله يا سوريا وكل بلادنا العربية والإسلامية
..
جزاك الله خيرا أستاذي والدي الغالي مستر أيمن

aymaan noor 06-10-2012 02:41 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحييق (المشاركة 4894536)
التفكير والتفكير ثم التفكير للوقوف في وجه هذا االنظام المتسلط
الذي فقد كل معان الانسانية والوطنية
نحتاج أن نكون أيدا واحدة
نحتاج أن نلم الشمل ووداعا للتحزب
نحتاج أن نجتمع على كلمة واحدة رأي واحد
هدف واحد لانقاذ اخواننا بإذن الله
مادام في مصلحة وطن عربي يهمنا جميعا
...
حفظك الله يا سوريا وكل بلادنا العربية والإسلامية
..
جزاك الله خيرا أستاذي والدي الغالي مستر أيمن

جزيل شكرى و تقديرى لمرورك الكريم دكتورة رحيق
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

aymaan noor 07-10-2012 05:50 AM

تداعيات التصعيد العسكري بين تركيا وسوريا
 
تداعيات التصعيد العسكري بين تركيا وسوريا
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...c4201087_L.jpg
إيمان أحمد عبد الحليم - باحثة في الشئون العربية
اضطرت تركيا خلال الأشهر الماضية إلى التزام ضبط النفس إزاء الحوادث التي وقعت على حدودها مع سوريا، والتي تطورت في غير ذي مرة إلى اشتباكات امتدت بتداعياتها إلى الداخل التركي. ولكن بعد سقوط قذيفة "مورتر" مساء الثالث من أكتوبر (2012) على حي سكني في إحدى مناطقها الحدودية الجنوبية من الجانب السوري أسقطت خمسة مدنيين أتراك

***ى (امرأة وأطفالها الأربعة) مع إصابة آخرين؛ اضطرت أنقرة إلى الرد على ما أسمته "القشة الأخيرة" بشن هجوم عسكري على أهداف سورية، وذلك في أخطر تصعيد عسكري عبر الحدود منذ الانتفاضة السورية التي بدأت قبل 18 شهرا، مما أثار المخاوف من توسع المصادمات بين الطرفين إلى حرب شاملة، غير أن ردود الأفعال اللاحقة بدا واضحًا معها الحرص على ضبط النفس نظرًا للتداعيات الخطيرة التي يمكن أن تترتب على نشوب حرب إقليمية كبرى في المنطقة.

دوافع تركيا للرد على التهديد السوري:

حاولت تركيا ضبط النفس في تعاملها مع الأوضاع في سوريا رغم تفوقها العسكري الواضح، ورغم الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الجيش السوري النظامي في إطار تعقب الثوار والمدنيين الهاربين عبر الحدود السورية - التركية، وذلك خشية التداعيات التي يمكن أن تترتب على نشوب حرب كبرى مع سوريا، غير أن تكرار الهجمات السورية على الحدود دفع أنقرة أخيرًا إلى اتخاذ موقف مغاير بالرد عسكريًّا على سقوط قذيفة "المورتر" داخل أراضيها، لا سيما وأن ذلك الهجوم من الجانب السوري لم يكن الأول، ولكن سبقه وقوع عدد من الحوادث جاء من بينها الآتي:

- شهدت الحدودُ السورية - التركية في التاسع من إبريل (2012) حادث إطلاق نار من سوريا تجاه مجموعة من نحو 100 سوري لمنعهم من الدخول إلى تركيا، مما أدى إلى إصابة 4 سوريين وتركيين اثنين في مخيمٍ لللاجئين مُقَامٍ في منطقة "كيلتس" الحدودية، وهو ما أثار حفيظة الجانب التركي، ودفع بأنقرة إلى رفع وتيرة استعداداتها العسكرية على الحدود.

- أسقطت نيرانُ المدفعية السورية في التاسع والعشرين من يونيو (2012) طائرة استطلاع تركية فوق مياه البحر المتوسط، مما أدى إلى م*** طياريها الاثنين، وذلك بعد أن اخترقت الطائرة المياه الإقليمية بسبب سرعتها الزائدة ودون سابق إنذار، الأمر الذي ضاعف من أسباب التوتر في العلاقات بين البلدين، واضطرت معه تركيا إلى تعزيز قواتها ودفاعاتها الجوية على امتداد حدودها البالغ طولها 900 كيلومتر بعد أن هددت بالرد عسكريًّا ضد سوريا، ولكنها لم تحظَ بالدعم الدولي اللازم لتنفيذ العملية العسكرية داخل الأراضي السورية.

- تعرض البلدات الحدودية التركية لطلقات سورية طائشة في ضوء المواجهات الدائرة بين القوات السورية النظامية و"الجيش السوري الحر"، الأمر الذي يؤدي إلى وقوع إصابات بين المدنيين الأتراك؛ كما أن منطقة "أكاكالي" التي وقع فيها الحادث الأخير كانت قد تعرضت خلال الشهر الأخير لسقوط عدد من قذائف الهاون ألحقت أضرارًا بعدد من المنازل، وهو ما اضطرت معه تركيا إلى التحذير في 29 سبتمبر –قبل أربعة أيام فقط من حادث "أكاكالي"- من إمكانية قيامها بعمل عسكري ضد أهداف سورية إذا تكرر الهجوم بقذائف الهاون على أراضيها، وذلك مع نشر الجيش التركي مدافع وصواريخ مضادة للطائرات في جوار مركز حدودي مع سوريا يشهد مواجهات بين المقاتلين المعارضين والقوات النظامية.

رد تركيا على التصعيد في المناطق الحدودية:

مع اعتبار أنقرة الحادث الذي وقع في منطقة "أكاكالي" بمثابة "القشة الأخيرة"، وتشديدها على مواجهة التهديدات التي تتعرض لها على الحدود مع سوريا؛ فقد سعت للحصول على إدانة دولية واسعة لما تتعرض له من اعتداءات اضطرت معها إلى الرد عسكريا على عدد من الأهدف السورية.

1. الرد التركي العسكري: ردت تركيا على سقوط قذيفة "المورتر" على المنطقة الجنوبية الشرقية بمهاجمة مواقع سورية أسقطت معها عددا من ال***ى في صفوف الجيش السوري النظامي. وقد أوضح بيان صدر عن رئاسة الوزراء التركية بهذا الشأن أن: "القوات المسلحة التركية الموجودة على الحدود السورية قامت بالرد الفوري والمباشر على الهجوم الغاشم الذي وقع اليوم جنوب شرق تركيا، وفقًا لقواعد الاشتباك"، وأضاف البيان أن أجهزة الرادار التركية أظهرت الأهداف السورية التي أصابتها قوات المدفعية التركية الموجودة على الحدود، لافتا إلى أن عملية الرد جاءت في إطار قواعد الاشتباك وقوانين المجتمع الدولي، وذلك مع تشديد البيان على أن "تركيا لن تصمت بعد اليوم على الاستفزازات التي يقوم بها النظام السوري، والتي يهدد بها أمنها القومي بين الحين والآخر".

2. الحصولُ على إذن من البرلمان لتوسيع العمليات: حيث سعت الحكومة التركية إلى الحصول على موافقة البرلمان على نشر قوات تركية داخل الأراضي السورية، وأرسلت إليه بمذكرة جاء فيها أن "الأعمال العدوانية" من قِبل الجيش السوري أصبحت تمثل تهديدًا خطيرًا للأمن التركي. وقد صوّت البرلمان في الرابع من أكتوبر على مد العمل بتفويض مداه خمسة أعوام للجيش التركي لتنفيذ عمليات عبر الحدود، وقد كان مقررًا من قبل التصويت على هذا النص الذي كان يُقصد به في الأصل السماح بشن ضربات على قواعد المقاتلين الأكراد في شمال العراق، ولكن التصويت سمح بتوسيع نطاق مثل هذه الضربات لتشمل تنفيذ عمليات داخل سوريا في حالات الضرورة.

إذ إن المذكرة التي وقعها أردوغان وأرسلها إلى البرلمان للمصادقة عليها تقول أيضًا إنه رغم التحذيرات المتكررة والمبادرات الدبلوماسية؛ شن الجيش السوري عملا عدوانيًّا ضد الأراضي التركية مما مثل "تهديدًا خطيرًا"، وأضافت المذكرة أنه "في هذه المرحلة برزت الحاجة لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتحرك سريعًا دون تأخير ضد المخاطر والتهديدات الإضافية"، وقد صوّت البرلمان على المذكرة بأغلبية
320 صوتا ومعارضة 129 صوتا.

3. محاولة الحصول على دعم حلف الناتو والمجتمع الدولي: ففي أعقاب الهجوم السوري الأخير؛ طلبت تركيا العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، وللمرة الثانية، انعقاد الحلف بموجب المادة الرابعة من المعاهدة المؤسسة للحلف التي تخول أي دولة عضو طلب مشاورات عاجلة إذا "تعرضت وحدة أراضيها أو استقلالها السياسي أو أمنها للتهديد"، وقد عقد الحلف بناء على هذا الطلب اجتماعًا طارئًا على مستوى السفراء في بروكسل مساء الرابع من أكتوبر. وجاء في البيان الذي أصدره مجلس الحلف في أعقاب الاجتماع، أن الناتو يدعم تمامًا تركيا، ويطالب سوريا بالتوقف الفوري عن أي أعمال عدوانية ضد أنقرة، مشددًا على أن "الأعمال العدوانية السورية على الحدود مع تركيا هي انتهاكٌ سافر لأحكام القانون الدولي، وتهديدٌ لا شك فيه لأمن أحد الحلفاء". وقد أكد الحلف ما جاء في البيان السابق الصادر عنه يوم 26 يونيو (2012)، حيث أعلن بعد إسقاط الدفاع الجوي السوري طائرة الاستطلاع التركية أنه سيتابع بانتباه التطورات حول سوريا.

وذلك في حين بعثت تركيا برسالة إلى مجلس الأمن تشكو فيها سوريا، وتتهمها بالانتهاك الصارخ للقانون الدولي، والإخلال بالسلم والأمن الدوليين، مطالبة المجلس باتخاذ "الإجراء اللازم" لوقف العدوان السوري، وضمان احترام سوريا لسيادة تركيا، وسلامة أراضيها. وقد أدان المجلس في الرابع من أكتوبر "بأقسى العبارات القذائف التي أطلقتها القوات السورية" على البلدة الحدودية التركية، وطلب أعضاء المجلس الـ15 في بيانهم بـ: "وقف مثل هذه الانتهاكات للقوانين الدولية فورا وعدم تكرارها"، مطالبين كذلك "الحكومة السورية بالاحترام الكامل لسيادة جيرانها وسلامة أراضيهم"، وداعين إلى
"ضبط النفس".

الاتجاه نحو تجنب التصعيد:

على الرغم من استخدام تركيا للمرة الأولى القوة العسكرية ردا على الهجوم السوري الأخير، ومحاولتها حشد المجتمع الدولي إلى جانبها؛ فالملاحظ أن تركيا عادت سريعا عن تهديداتها بتوسيع عملياتها في سوريا، في تشابه وموقفها السابق من قبل عندما أسقطت المدفعية السورية إحدى المقاتلات التركية، حيث هددت بالرد ولكنها تراجعت محذرة من تكرار الهجوم، وبعد الهجوم الذي وقع في "أكاكالي" فقد استجابت تركيا للاعتذار شبه الرسمي الذي صدر عن وزير الإعلام السوري عمران الزعبي عندما صرّح بأن السلطات السورية تحقق في مصدر قذيفة "المورتر"، باعثًا بتعازيه إلى الشعب التركي قائلا: إن بلاده تحترم سيادة الدول المجاورة. وفي إشارة إلى ضرورة تجنب التصعيد العسكري دعا الوزير السوري إلى توخي العقلانية والمسئولية، مشيرًا إلى انتشار "مجموعات إرهابية" مسلحة على الحدود الطويلة بين سوريا وتركيا.

واستجابة لذلك عاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ليؤكد أن بلاده "لا تنوي خوض حرب مع سوريا"، وذلك في أعقاب موافقة البرلمان التركي على تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا. وقال أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك في أنقرة مع نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي: "كل ما نريده في هذه المنطقة هو السلام والأمن، تلك هي نيتنا ولا ننوي خوض حرب مع سوريا"، وأضاف أن"إحدى أفضل الوسائل لمنع الحرب هو الردع الفاعل"، موضحا أن تصويت البرلمان التركي يهدف إلى تحقيق هذا الردع.

وفي حين يُفهم أن تجنب تركيا في السابق خوض حرب مع سوريا سواء للرد على الانتهاكات التي تعرضت لها أو لدعم المعارضة السورية بعد أن اقتربت أعداد اللاجئين لديها إلى ما يقارب 90 ألف لاجئ كان نابعًا من حرصها على صورتها لدى الرأي العام العربي، متجنبة إثارة حساسيات فترة الحكم العثماني لدى الشعوب الإسلامية، وحتى يتسنى الحصول على سند قانوني للقيام بمثل هذا الهجوم؛ فإن موقفها الأخير كان لافتا للبعض، ولا سيما مع ازدياد المطالبات الإقليمية والدولية بأهمية حسم الموقف في سوريا وإزاحة نظام الأسد، فضلًا عن أن الهجوم الذي تعرضت له تركيا يعطيها المبرر اللازم للقيام بعمل عسكري ضد الجيش السوري النظامي، ولكن موقف تركيا الذي أحبط مثل هذه التوقعات إنما يعود إلى تحديات لا تزال تواجهها في حال شنت هجوما واسعًا داخل الأراضي السورية، من بينها الآتي:

1. ضعف الدعم الدولي: ففي حين أدان العديد من زعماء العالم الهجوم الذي تعرضت له تركيا؛ فإنهم اتفقوا على مطالبة دمشق بضبط النفس. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إن الرد العسكري التركي على الهجوم السوري بقذيفة هاون يمكن تفهمه لكن يجب تفادي تصعيد الموقف، وكذلك فقد دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أنقرة إلى "الاعتدال" في ردها على تعرض إحدى قراها الحدودية للقصف، رغم إدانتها الشديدة للهجوم السوري على تركيا، وهو ما كان الموقف ذاته للاتحاد الأوروبي، ولكل من روسيا والصين وإيران، الدول الداعمة لنظام الأسد.
وبعد أن طلبت تركيا من مجلس الأمن اتخاذ "الإجراء اللازم" لوقف العدوان السوري؛ فقد حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تركيا على ترك كل قنوات الاتصال مع سوريا مفتوحة. وحتى الولايات المتحدة التي اعتبرت أن رد تركيا على إطلاق قذائف سورية على أراضيها "ملائم" و"متكافئ" فقد دعت مع ذلك إلى تفادي التصعيد بين الدولتين، الأمر الذي أصاب أنقرة بخيبة الأمل لغياب الإجماع الدولي بشأن كيفية إنهاء الصراع.

وحتى بالنسبة لحلف الناتو الذي تعتبر تركيا عضوا فيه، فقد تجنب في اجتماعه الإشارة إلى المادة الخامسة من الاتفاقية المنشئة للحلف، والتي تعتبر أن الهجوم على أي من الأعضاء يعتبر هجوما واقعا على كل دول الحلف، مع تصريح أحد الدبلوماسيين بهذا الشأن أن "الحديث عن الاستعانة بالمادة الخامسة لاتفاقية واشنطن التي تقضي برد عسكري من جانب كل الحلفاء على العدوان ضد أحدهم سابق لأوانه"، لتخفق أنقرة للمرة الثانية بعد إخفاقها في يونيو الفائت في إقناع الناتو بأن يعتبر الاعتداء السوري هجوما واقعا على كل دول الحلف؛ حيث يتخوف الناتو من أن يؤدي التدخل في سوريا إلى نشوب حرب إقليمية واسعة قد تتدخل فيها إيران وحزب الله دعما لنظام الأسد، الأمر الذي يضر على الجانب الآخر بمصالح الدول الغربية في المنطقة، والتي يأتي على رأسها ضمان إمدادات النفط.

2. المعضلة الكردية: إذ تتحسب تركيا من أن يؤدي التدخل العسكري الواسع في سوريا إلى تأجيج المشكلة الكردية التي تحتل الأولوية في أجندات الحكومات التركية المتعاقبة، وذلك مع وجود مخاوف تركية من دعم يقدمه نظام الأسد لمسلحي حزب العمال الكردستاني باعتبار ذلك شكلا من أشكال الانتقام من أنقرة، مع السماح للحزب بإعادة فتح قواعد في سوريا يمكنه من خلالها مهاجمة الأراضي التركية. وعموما فإن التزام الأحزاب الكردية بالحياد إزاء التطورات الجارية في سوريا دفع أنقرة إلى الاشتباه في ولائهم للأسد، وذلك مع وجود مخاوف من أن يكون من شأن أي عملية عسكرية ناجحة في سوريا دفع نظام الأسد لدعم انفصال الأكراد، ودون إغفال أن سوريا كان لها دور رئيسي في تطور حزب العمال الكردستاني الذي خاض خلال الفترة الأخيرة مواجهات مسلحة مع الجيش التركي على المناطق الحدودية مع العراق.

3. اعتراضات الداخل التركي: فقد تصاعدت أصوات المعارضة داخل تركيا بوجه حكومة رجب طيب أردوغان بسبب موقفها من النظام السوري، ولقناعتهم بأن ذلك الموقف هو الذي دفع دمشق وطهران لدعم الانفصاليين الأكراد، وتشجيعهم على تنفيذ المزيد من الهجمات ضد تركيا. وبينما رحب غالبية الشعب التركي بالرد السريع لجيشهم على نيران المدفعية السورية فقد عبروا عن قلقهم من انزلاق بلادهم إلى حرب شاملة يمكن أن تمتد آثارها عبر الحدود، وقد خرج حوالي خمسة آلاف شخص إلى شوارع إسطنبول مساء الرابع من أكتوبر بدعوة من أحزاب يسارية رفضا لاحتمال اندلاع حرب مع سوريا، ولتتحول مظاهرتهم لتكون ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم والذي يواجه كذلك علاقات معقدة مع المؤسسة العسكرية يتشكك معها في حصوله على الدعم الكامل من قِبل الجيش لأي قرار قد تتخذه الحكومة التركية للدخول في مواجهة شاملة مع النظام القائم في دمشق.

وفي ضوء ما سبقت الإشارة إليه؛ فإنه قد لا يسع تركيا إلا الرد المحدود على أي طلقات أو قذائف تتعرض لها المناطق الحدودية شبيه بالرد على هجوم "أكاكالي" وشبيه بالرد اللاحق الذي نفذه الجيش التركي مساء الخامس من أكتوبر باتجاه الأراضي السورية ردا على سقوط قذيفة هاون على منطقة ريفية في الجانب التركي، وذلك مع استمرار أنقرة في تقديم الدعم التقليدي للمعارضة السورية؛ حيث تستضيف عددًا من الشخصيات والجماعات السورية المعارضة أبرزها "المجلس الوطني السوري" الذي أُعلن عن تأسيسه في مدينة إسطنبول التركية العام الماضي، وسماحها بإقامة قاعدة لـ"الجيش السوري الحر" المكون من المتمردين الذين انشقوا عن الجيش السوري، والذي أعلن مؤخرًا نقل قيادته المركزية من تركيا التي استقر فيها منذ أكثر من عام إلى "المناطق المحررة" داخل سوريا.

darch_99 07-10-2012 07:42 AM

مقال رائع
 
مقال رائع وتحليل ممتاز فشكرا لك و بارك الله فيك

aymaan noor 07-10-2012 11:33 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4896534)
مقال رائع وتحليل ممتاز فشكرا لك و بارك الله فيك

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

aymaan noor 09-10-2012 10:08 AM

هل يُنهي بروتوكول أديس أبابا الصراع بين شمال وجنوب السودان؟
 
هل يُنهي بروتوكول أديس أبابا الصراع بين شمال وجنوب السودان؟
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...fc7a744a_L.jpg
أحمد زكريا الباسوسي
سادت حالة من التفاؤل لدى غالبية الأوساط السياسية داخل السودان وخارجها بعد توقيع كلٍّ من رئيس السودان عمر حسن البشير، ورئيس جنوب السودان سلفا كير؛ برتوكولا جديدًا للتعاون بين البلدين في 26 سبتمبر الماضي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ حيث تضمن البروتوكول ثماني اتفاقيات شاملة لمختلف مجالات التعاون،

لعل أبرزها اتفاقية الترتيبات الأمنية، والاتفاقية التجارية والنفطية، والاتفاقية الإطارية للتعاون البنكي والمصرفي بين البلدين، واتفاقية أحوال المواطنين السودانيين.

جاء هذا البروتوكول نتاجًا لسبع جولات من المفاوضات، كانت آخرها جولة أديس أبابا، والتي استمرت أربعة أيام عقد خلالها الرئيسان البشير وسلفا كير ست جلسات من المباحثات بحضور لجنة الوساطة الإفريقية برئاسة ثابو مبيكي الرئيس الجنوب الإفريقي الأسبق.غير أن هذا البروتوكول لم يتناول الوضع الخاص بكل من منطقة أبيي ومسألة ترسيم الحدود، باعتبارهما من النقاط الخلافية الكبرى بين الطرفين، والتي كان من شأنها أن تنسف عملية التفاوض من جذورها في حالة الخوض فيها. وبالتالي فضل الطرفان تأجيلها بهدف التوصل لاتفاق مبدئي يفتح الباب أمام مزيدٍ من التعاون والتفاوض بشأن القضايا شديدة الخلاف.

الأبعاد الرئيسية للبروتوكول

عالج البروتوكول باتفاقياته الثماني عدة أبعاد للخلاف بين السودان وجنوب السودان. ولعل أبرز تلك الأبعاد ما يلي:

أولًا: البعد الأمني: ألزم البروتوكول الطرفين بضرورة نبذ ال***، ووقف الأعمال العدائية، عبر إقامة منطقة *****ة السلاح على الحدود بين البلدين، وسحب كل بلد منهما قواتها، وتفعيل بعثة المراقبين المشتركة وفقا للخريطة الإدارية والأمنية التي قدمتها الوساطة سابقًا، وذلك دون إضافة أي إجراءات خاصة بمنطقة 14 ميلا.

لكن على الرغم من ذلك؛ يبدو أن مسألة تطبيق الترتيبات الأمنية سوف تكون محفوفة بالمخاطر، لا سيما المنطقة *****ة السلاح بتحديد خط 14 ميلا، وذلك بعد الاعتراضات التي أبداها "ملونق أوان" حاكم ولاية بحر الغزال، وأحد أبرز قيادات الحركة الشعبية العسكرية، وصلت إلى حد مطالبة كافة شباب المنطقة بالانضمام لحركته الرافضة للبروتوكول؛ إذ أكد أوان على أن البروتوكول قد قدم تنازلات غير مقبولة.

ثانيًا: البعد الاقتصادي والنفطي: نص البروتوكول -ضمن حزمة الإجراءات- على إعادة ضخ نفط الجنوب مرة أخرى بعد اتفاق الطرفين على رسوم الشحن الجديدة. وقد دفع للتوصل إلى هذا الاتفاق الأزمةُ الاقتصادية الحادة التي تعاني منها الدولتان، وعملت على تقديمهما تنازلات بشأن صادرات النفط بشكل كبير؛ فقد فقدت دولة شمال السودان ما يقرب من 75 % من مواردها النفطية بسبب انفصال الجنوب الغني بالنفط، وهو ما جعل السودان يعول على تحصيل مبالغ كبيرة لسد العجز في الموازنة، مقابل استمرار ضخ الجنوب صادراته النفطية عبر أنابيب دولة الشمال، وهو ما لم يستمر طويلا بعد رفض جوبا دفع رسوم الشحن التي حددتها الخرطوم، وهو ما وضع الجنوب أيضًا في مأزق اقتصادي بعد توقف صادراته النفطية.

التداعيات المحتملة للبروتوكول

سادت حالةٌ من الانقسام حول البروتوكول في كلا البلدين، ويمكن تلخيص هذه الحالة في اتجاهين:

الاتجاه الأول: يُشدد على أن البروتوكول على الرغم من أنه لم يضع نهاية للأزمات العميقة –لا سيما أبيي والحدود- إلا أنه ستكون له تداعيات جيدة في مسار تحسين العلاقة بين الطرفين، باعتباره خطوةً مهمة لبناء جسور الثقة بين البلدين، مما يمهد الطريق لحل الأزمات الأخرى العالقة في مرحلة قادمة. جاء ذلك متسقًا مع تصريحات المسئولين الحكوميين في الدولتين، وعلى رأسهم الرئيس البشير وسلفا كير، فضلا عن تصريحات عدد من الوزراء، وخاصة وزير الاستثمار السوداني مصطفى عثمان إسماعيل، وكبير مفاوضي جنوب السودان باقان أموم، والذي صرح بـ"أن هذا الاتفاق يفتح فرصًا جديدة لدفع الحوار حول القضايا المتبقية إلى الأمام". ذلك فضلا عن اعتبار البعض أن هذا الاتفاق يُعد أقصى ما يُمكن تحقيقه في الوقت الحالي نتيجة غياب الثقة، وتشكك كل طرف في نوايا الآخر.

الاتجاه الثاني: يؤكد على أن البروتوكول لن يساهم في إقرار السلام الكامل، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية:

1. عدم القناعة بأن الاتفاق سيكون مقدمة لحل الأزمات الأخرى، على اعتبار أنه لم يكن الاتفاق الأول من نوعه، فقد تم الدخول في عدة مسارات تفاوضية مشابهة منذ اتفاق السلام الذي تم توقيعه عام 2005، والذي قاد إلى انفصال الجنوب وصلت لإجراءات مماثلة. لكن على الرغم من كل تلك الاتفاقيات؛ فإن الصراع في تصاعد مستمر وصل في كثير من الأحيان إلى القصف الجوي والحرب
الصريحة. فالعبرة في النهاية بإرادة التطبيق، والالتزام الحرفي ببنود البروتوكول، وليس التوقيع والاتفاق فحسب.

2. أن الاتفاق يفتقد الإرادة السياسية الحقيقية، باعتباره جاء تحت ضغوط دولية لا سيما قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2046، والذي تضمن تحذيرات شديدة اللهجة لكل من الطرفين، وأوامر واضحة لهما منها: إنهاء الأعمال العدائية، ووقف التصريحات الإعلامية العدائية والداعية لتصعيد الحرب، ووقف الهجمات والتحركات عبر الحدود، ووقف عمليات القصف الجوي، وسحب جميع قواتهما من المناطق الحدودية ومن ضمنها أبيي، وعودة الطرفين فورًا إلى طاولة المفاوضات تحت إشراف اللجنة التنفيذية الرفيعة المستوى التي شكلها الاتحاد الإفريقي.

3. أن البروتوكول لم يقدم حلولا للإشكاليات الكبرى التي تعكر صفو العلاقات بين البلدين، فلا تزال القضايا الكبرى عالقة. ويأتي في مقدمتها قضية ترسيم الحدود، والتي تمتد إلى ما يقرب من 1800 كليومتر، وهي تعتبر ركيزة من ركائز الصراع، فمنذ اتفاق عام 2005؛ كان يفترض ترسيم الحدود وفقًا لحدود 1956؛ إلا معظم الخرائط المتوافرة تحمل الكثير من التناقض. ذلك بالإضافة إلى التنازع على منطقتي أبيي وحقل هيجليج النفطي. وهي قضايا لم تُحل بعد، مما يعني أنها ستظل مصادر مستمرة للصراع. وبالتالي فإن هذا البروتوكول سيظل عاجزًا عن تحقيق السلام طالما ظلت تلك القضايا على حالها.

darch_99 09-10-2012 10:31 AM

شكرا
 
شكرا لك سيدي الفاضل علي المقال

اقتباس:

هل يُنهي بروتوكول أديس أبابا الصراع بين شمال وجنوب السودان؟
والاجابه قطعا و بكل وضوح وبالتاكيد هي لا لماذا ؟

لان هذا الاتفاق جاء تحت ضغوط اقتصادية صعبة لكل من الدولتين .
والحقيقة ان ان دولة جنوب السودان اقيمت اصلا من اجل هدف تفتيت السودان ضمن مخطط تقسيم المقسم في الوطن العربي فالهدف المؤقت الان هو تقوية جنوب السودان اقتصادية وبالتالي وعلي المدي القريب والبعيد عسكريا وسياسيا والسبب المباشر في قيام ودعم جنوب السودان هو اسرائيل وامريكا يعني هو اتفاق مرحلي لا اكثر هدنه تطول او تقصر الهدف التقاط النفس فقط ليس الا , وفي حالة واحدة فقط سوف تعود جنوب السودان يوما وتلتئم مع شمالها
في حالة القضاء وانهيار دولة اسرائيل واختفائها من الوجود

وشكرا

aymaan noor 09-10-2012 02:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 (المشاركة 4900357)
شكرا لك سيدي الفاضل علي المقال



والاجابه قطعا و بكل وضوح وبالتاكيد هي لا لماذا ؟

لان هذا الاتفاق جاء تحت ضغوط اقتصادية صعبة لكل من الدولتين .
والحقيقة ان ان دولة جنوب السودان اقيمت اصلا من اجل هدف تفتيت السودان ضمن مخطط تقسيم المقسم في الوطن العربي فالهدف المؤقت الان هو تقوية جنوب السودان اقتصادية وبالتالي وعلي المدي القريب والبعيد عسكريا وسياسيا والسبب المباشر في قيام ودعم جنوب السودان هو اسرائيل وامريكا يعني هو اتفاق مرحلي لا اكثر هدنه تطول او تقصر الهدف التقاط النفس فقط ليس الا , وفي حالة واحدة فقط سوف تعود جنوب السودان يوما وتلتئم مع شمالها
في حالة القضاء وانهيار دولة اسرائيل واختفائها من الوجود

وشكرا

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

محمد محمود بدر 09-10-2012 03:14 PM

جزاكم الله خيرا موضوع اكثر من رائع

Good Engineer 09-10-2012 04:08 PM

دمتم بحفظ الله

aymaan noor 10-10-2012 01:27 PM

مستقبل إدارة الثروات في الشرق الأوسط
 
مستقبل إدارة الثروات في الشرق الأوسط
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...012d873d_L.jpg
بريان مايكل
حظى موضوع إدارة الثروات باهتمام أصحاب الأموال وكذلك المؤسسات المصرفية التي تقوم بدور الوسيط في تنمية الأموال لأصحابها من خلال تقديم المشورة، وحِزَمٍ من المشروعات. وتقوم الخدمات التي تقدمها مؤسسات إدارة الثروات على تأسيس علاقات مباشرة مع العملاء ذوي رؤوس الأموال والثروات بغية تقديم خدمات لهم، تتضمّن إدارة ثرواتهم بشكل يحقق المكاسب.

ولكن مع الأزمة المالية العالمية والربيع العربي تصاعدت الشكوك، وضعفت الثقة بين المستثمرين في خدمات إدارة الثروات، لذا باتوا يطالبون في الوقت الراهن بمستويات عالية من الشفافية وبتفسيرات للتقارير الصادرة عن حساباتهم الخاصة، وذلك بهدف توضيح قيمة ممتلكاتهم واستثماراتهم والمخاطر الكامنة في توظيف تلك الثروات. ومع حرص أثرياء الشرق الأوسط على إيداع وتنمية أموالهم في الخارج؛ باتت الشركات المالية المحلية تعمل على جذب تلك الأموال إلى الداخل.

وفي هذا الصدد؛ كتب بريان مايكل - زميل زائر لمركز دراسات القانون المقارَن والعام – تقريرا نشره معهد دراسات الشرق الأوسط في شهر يوليو الماضي تحت عنوان "هل صناعة إدارة ثروات الشرق الأوسط نعمة أم نقمة؟".

ويشير التقرير إلى أن حرص أثرياء الشرق الأوسط الشديد على تأمين ثرواتهم وإنمائها جعلهم هدفًا جذابًا ليس لشركات إدارة الثروات في الخارج فحسب؛ بل لشركات الشرق الأوسط أيضًا العاملة في هذا المجال.

ففي ظل ميل أثرياء الشرق الأوسط إلى وضع أموالهم في الخارج والاستثمار في الأصول الأكثر ثباتًا مثل العقارات والسلع وتوسيع استثماراتهم في الشركات الأجنبية؛ تسعى بنوك الشرق الأوسط حثيثا لتعلُّم كيفية توفير خدمات إدارة الثروات على النمط الغربي من أجل جلب تلك الأموال إلى الداخل. بيد أن تطوير صناعة إدارة الثروات في الداخل تتطلّب قبول المنافسة الأجنبية، وتغيير القوانين المصرفية، وإنماء الشركات المحلية ذات الأسهم الجذابة.

ويستعرض الجزء الأول من التقرير اتجاهات إدارة الثروات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويوضح الجزء الثاني أسبابَ نجاح تركيا في إنماء صناعة إدارة الثروات وطنيًّا ودوليًّا، ويشرح الجزء الثالث من التقرير سُبُل جلب الأموال إلى الداخل من خلال إصلاح القانون المصرفي والمالي، وجعل البنوك المحلية أكثر كفاءة. أما الجزء الأخير فيبيّن الكيفية التي يمكن أن تزيد شركات إدارة الثروات الأجنبية بها أصولها.

اتجاهات صناعة إدارة الثروات

بداية يشير مايكل إلى أن معظم الثروة في المنطقة تكمن في تركيا والمملكة العربية السعودية، تليهما مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، ثم بقية البلدان الأخرى،فتوفر الثروات في المنطقة يعطي لشركات إدارة الثروات والشركات المصرفية الخاصة فرصة فريدة من نوعها لخدمة الأثرياء.

ويعزو التقرير نمو صناعة إدارة الثروات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى احتفاظ الأسهم العالمية ببريقها إلى حدٍّ ما، وإلى ارتفاع عائدات الاستثمارات النفطية، لاسيما مع ارتفاع أسعار النفط على مدى السنوات الخمس المنصرمة.

ولعل هذه التغيرات الهائلة في مصادر الثروة دفعت وسطاء الغرب التجاريين إلى الإقبال على أسواق الشرق الأوسط بدلا من انتظار مجيء أثرياء المنطقة إليهم في أوروبا. وبحلول عام 2012، باتت البنوك العالمية الكبرى توفّر خدمات مصرفية وخدمات إدارة الثروات في الشرق الأوسط.

وتشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 70% من أثرياء الشرق الأوسط يرسلون أموالهم إلى الخارج، بيد أن الأكاديميين لا يعرفون وجهة هذه الأموال بالضبط.

وتشير التقديرات إلى أن عدد الأثرياء نما إلى حدٍّ كبير في منطقة الشرق الأوسط، وأن حجم الثروة نما بنسبة 10% تقريبًا في عام 2009، وبنسبة 5% تقريبًا في عام 2010.

وقد لاحظ مراقبو صناعة إدارة الثروات أن معظم الأموال تذهب إلى سويسرا والمملكة المتحدة، بيد أن بيانات صندوق النقد الدولي لم تُظهر حتى الآن هوية من يستثمر هذه الأموال و***يته.

ووفقا للبيانات المتاحة، يضع المستثمرون الإماراتيون والقطريون والأتراك أكبر كمية من محافظهم الاستثمارية في سويسرا. ومع ذلك؛ عجز صندوق النقد الدولي عن تحديد حجم هذه الأموال؛ ربما لنقص البيانات لديه.

وتشير البيانات المتاحة رغم محدوديتها إلى أن شركات إدارة الثروات تسعى جاهدة للعمل مباشرة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن البنوك الأجنبية وجّهت أنشطتها على نحو متزايد إلى أسواق الشرق الأوسط.

وفي مستهل العقد، شكّلت البنوك الأجنبية نسبة 10% فقط من إجمالي السوق من حيث الأصول، في حين شكلت البنوك الخاصة بالخليج حوالي 27% من الأصول. ولكن بحلول نهاية العقد، حققت البنوك الأجنبية تقدمًا كبيرًا وشكلت نسبة20% من السوق، ما يوحي بأن تلك البنوك الغربية تسعى لنيل حصة أكبر من محفظة الشرق الأوسط.

وتشير الدراسة إلى أنه إذا تمكنت شركات إدارة الثروات الأجنبية ولاسيما الشركات السويسرية والبريطانية من تغطية السوق المحلية بصورة كلية، ستظل شركات إدارة الثروات المحلية متخلفة للغاية.

ووفقا لتقديرات مؤسسة ميريل لينش، رفعت بنوك الخليج أصولها بنحو 25% في النصف الثاني من عام 2000، وارتفعت الأصول المُدارة من قِبل البنوك الخاصة ومدراء الثروات بنحو 12%، ونمت الثروة في المنطقة ككل بنسبة حوالي 10%.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر - وهما سوقان على درجة عالية من التطور المالي- نمت الأصول المصرفية بنحو 35%. أما في تركيا والمملكة العربية السعودية فقد نمت الأصول المصرفية بما يقرب من ضعف معدل النمو المقدّر للثروة في المنطقة.

ولم تقدم القطاعات المصرفية المتخلفة في المنطقة تفسيرا واحدا لسبب تردّي وضع البنوك المحلية، على حد قول الباحث مايكل الذي يرى أن ذلك قد يعزو إلى عجز تلك البنوك عن المنافسة، وعدم وجود فرص استثمارية مربحة في منطقة الشرق الأوسط.

ووفقا لدراسةHasan and Dridi 2010، تضاءلت ربحية البنوك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في حين نمت محافظها الاستثمارية. كما أشارت تلك الدراسة إلى أنه كان ثمة تفاوت كبير بين أحجام المحافظ الاستثمارية للبنوك والربحية من عام 2007 وحتى عام 2009.

وعلاوة على ذلك، أوضحت دراسةMako and Sourrouille 2010 التي أُجريت مؤخرا أن المملكة العربية السعودية لم تستثمر سوى 71 مليون دولار في منطقة الشرق الأوسط في عام 2009، في حين استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة 92 مليون دولار في المنطقة.

مقارنة بين استثمارات تركيا والسعودية

يخدم الاقتصادان التركي والسعودي على حد سواء مصالح النخبة الحاكمة؛ إلا أن مصالح النخبة التركية تركّز في المقام الأول على الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية المحلية التي تولّد ثروة، في حين تميل مصالح النخبة الحاكمة السعودية إلى استثمار مكاسب الموارد في الخارج.

وفيما يتعلق بصناعات التكنولوجيا الفائقة، التي جعلت العديد من الأمريكيين والأوروبيين من أصحاب الملايين، فاقت الصادرات التكنولوجية التركية نظيرتها السعودية في عام 2007، وعليه تجاوزت نسبة النفقات التركية نظيرتها السعودية؛ بل وفاقت براءات الاختراع التركية أيضًا عدد براءات الاختراع السعودية، مما أحدث فجوة كبيرة بين الثروات التركية ونظيرتها السعودية.

ومع ذلك؛ بدا القطاع المصرفي السعودي أكثر قوة من نظيره التركي في عام 2010، وذلك لأن البنوك السعودية كانت تتمتع آنذاك بخصوم وودائع كبيرة. هذا وفاقت نسبة ادخار السعوديين معدّل ادّخار الأتراك في عام 2010؛ إذ ادّخر السعوديون 43% من إجمالي ناتجهم المحلي، في حين ادّخر الأتراك 14% فقط من إجمالي ناتجهم المحلي. وفي أغلب الأحوال، تذهب تلك الوفورات طريقها إلى سويسرا والمملكة المتحدة.ويُشير الباحث في دراسته إلى أن تطوير خدمات إدارة الثروات في تركيا يبدو واعدا أكثر بكثير مما هو عليه في المملكة العربية السعودية.

نصائح لتطوير إدارة الثروات في الشرق الأوسط

ينصح الباحث القطريين والليبيين واللبنانيين بأن يشجعوا المستثمرين المحليين على استثمار أموالهم في الداخل بدلا من استثمارها في الخارج، وينصح قطاعاتهم المصرفية بالتركيز على الاستثمارات طويلة الأمد ونتائجها.

كما يحض مايكل على تشجيع الأثرياء على إعادة أموالهم من الخارج، وإدخال تغييرات على قانون الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط. بيد أنه ينبغي استخدام الأموال بمجرد عودتها من الخارج في إنماء اقتصاد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ومن ناحية أخرى؛ ينصح مايكل الشركات الأجنبية العاملة في مجال إدارة الثروات بما يلي:

أولا: الاهتمام بالأصول الموجودة في الخارج بدلا من الدخول مباشرة إلى أسواق الشرق الأوسط.

ثانيا: التركيز على تعظيم الأصول الخاضعة للإدارة بدلا من زيادة حجم العملاء.

ثالثا: التركيز على أسواق الدرجة الثانية، لأن تركيا والسعودية -على وجه الخصوص- لهم بالفعل منافسون أشداء.

يرى الباحث أن إدارة الثروات في الشرق الأوسط تمثل نعمة ولكن نقمة محتملة للمؤسسات المالية والمحلية؛ فمستقبل إدارة الثروات في الشرق الأوسط سيتوقف على ما إذا كان بإمكان صنّاع السياسة والمصرفيون تطوير خدمات إدارة الثروة المحلية التي تزيد الاقتصادات المحلية وتزيد محافظ الأثرياء وعددهم. كما أن صانعي السياسة سيحتاجون إلى تشجيع المؤسسات المالية المحلية لتصبح أكثر قدرة على المنافسة، وذلك من خلال تغيير القوانين المصرفية وإنماء الشركات المحلية التي تعتبر أسهمها جديرة بالشراء.

ويختتم الباحث دراسته بقوله إنه ينبغي ألا يخاف مدراء الثروات الأجانب من تطوير المؤسسات المحلية وأنشطتها، وأن يساهموا في إنماء أسواق الشرق الأوسط من خلال توفير خدمات مصرفية خاصة في المنطقة.

aymaan noor 10-10-2012 01:33 PM

سيناريوهات ما بعد التغيير في اليمن
 
التحول أم الانهيار؟:
ورشة عمل: سيناريوهات ما بعد التغيير في اليمن
معهد تشاتام هاوس

http://www.rcssmideast.org/media/k2/...23c36ebb_L.jpg
في إطار اهتمام مؤسسات الفكر والرأي الغربية بتطورات الأوضاع في اليمن، واستشراف السيناريوهات المستقبلية للتطور السياسي والاقتصادي اليمني، عقد المعهد الملكي البريطاني للشئون الدولية (تشاتام هاوس) ورشتا عمل تحت عنوان "اليمن: السيناريوهات والمؤشرات".


لخصت ورشتا العمل مستقبل اليمن في أربع سيناريوهات رئيسية مدة كل سيناريو خمس سنوات مقسَّمة إلى مرحلتين. تبدأ المرحلة الأولى من عام 2012 وحتى فبراير 2014، أما المرحلة الثانية فتبدأ من بعد عام 2014.

وتستند هذه السيناريوهات الأربعة إلى الخيارات المتاحة أمام المسئولين اليمنيين والتي تعتمد على إعادة تشكيل التسوية السياسية إما على موارد اقتصادية جديدة لتحل محل إنتاج النفط المتضائل أو على إصلاحات فعالة للاستفادة من الموارد المتاحة بكفاءة أكبر.

ويري المشاركون في ورشتي العمل أن هذه السيناريوهات الأربعة ليست بمثابة تنبؤات، ولكنها تمثل سردًا "معقولًا" لمستقبل اليمن. ويقولون أن ثمة احتمال قوي أن يكون كل من هذه السيناريوهات امتدادا للآخر، بيد أن ذلك سيتوقف على تطور الأحداث.

السيناريو الأول: التقدم الى الأمام

يعتمد هذا السيناريو على الاستثمار السعودي والخليجي في الاقتصاد اليمني لضمان استقرار البلاد وضمان استمرار التسوية السياسية. فيشير المشاركون في ورشتي العمل إلى أنه من المتوقع أن توافق دول مجلس التعاون الخليجي في المرحلة الأولي من السيناريو (من عام 2012 وحتى فبراير 2014) على آلية للاستثمار في اليمن، وسيكون ذلك مدعومًا إلى حدٍّ كبير بتمويلات سعودية. فدعم الاقتصاد اليمني، وما سيترتب عليه من تثبيط للهجرة اليمنية، سيكون أفضل بكثير من المخاطرة بانهيار الاقتصاد اليمني.

ومن المتوقع نمو الاستثمار في قطاعات المعادن، جنبا إلى جنب مع الاستثمار في البنية التحتية مثل الطرق، واستثمار 15 مليار دولار، ودعم الميزانية التي تعاني من عجز قدره مليارا دولار، مما قد يساعد في تحقيق تقدم حقيقي في خفض معدل البطالة. ومن المرجح أن تتراجع أسعار السلع الغذائية الأساسية في هذه المرحلة دون مستويات عام 2011، وعليه قد تتحسن مستويات المعيشة.

وعلاوة على هذا، سيسعى الرئيس عبد ربه منصور هادي تدريجيًّا لبناء قاعدة من الدعم الشعبي، وسيولي أهمية لقضايا المرأة، مما سيُفسح المجال تدريجيًّا للتحالف مع رجال دين محدثين بغية التناقش بشأن قضايا خلافية مثل الزواج المبكر، وتنظيم الأسرة، وتعليم الفتيات.

ويتوقع المشاركون أن يشرف هادي على صياغة الدستور الجديد، وعلى بناء هيكل اتحادي لا مركزي يتمتع في إطاره الحوثيون والجنوبيون بحكم ذاتي كبير. ولكن في حالة تعزيز الحوثيين سيطرتهم على الأراضي في الشمال، سيتأجّج صراعهم مع جهات فاعلة خارجية، مما يعني تحسنا طفيفا في الوضع الإنساني للنازحين هناك.

وقد يهدد التوتر بين الحوثيين وحزب "التجمع اليمني للإصلاح" بتقويض الحوار الوطني، غير أنه من المتوقع أن ينجح مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر في إقناع الحوثيين بعدم الانسحاب من المحادثات.

ويرى المشاركون في ورشتي العمل أن هادي سيكون قادرًا على تأمين الدعم الخارجي الذي سيحتاج إليه؛ فهو بارع في جذب استثمارات بالمليارات من دول الخليج من خلال إقناعه لها بأن عدم دعم اليمن ستكون له عواقب وخيمة على الكل.

كما أنه سيكون قادرًا على إقناع الولايات المتحدة بأن الإفراط في الاعتماد على هجمات الطائرات بدون طيار ليست هي الطريقة المُثلى لمكافحة الإرهاب. حيث يفضل هادي اللجوء إلى التحالف مع زعماء جنوبيين وجماعات قبلية لقطع دابر أنصار الشريعة وغيرها من الجماعات الأصولية المسلحة.

وفي المرحلة الثانية التى تبدأ من مارس 2014 وحتى عام 2017 يتوقع المشاركون إرجاء الانتخابات المقررة في عام 2014 لمدة 12 شهرا لإتاحة الوقت لاستكمال الحوار الوطني، وسيكون هذا الإرجاء مفهوما ومقبولا على الصعيدين المحلي والدولي. ويتوقعون أن يعود رجال القبائل الذين شاركوا في احتجاجات صنعاء -بوصفهم مدنيين- إلى قراهم وهم يحملون فكرة المشاركة السياسية.

ومن المحتمل أن يوفر الاستثمار في مجال الإعمار فرص عمل للعمال الريفيين غير المهرة، وأن تبث مشاريع التنمية الأمل في نفوس اليمنيين. ومن الوارد أن تتحسن مستويات المعيشة، غير أن الإغاثة الإنسانية ستظل ضرورية لتلافي الوقوع في أزمة.

وعندما تُجرى الانتخابات في عام 2015، سيتولى رئيس جديد ورئيس وزراء تنفيذي قيادة حكومة تكنوقراطية فعالة. ومن المتوقع أن تُعزَّز قدرة مجلس النواب تدريجيا للعمل بوصفه هيئة تشريعية، وأن يصبح تمكين المرأة مقبولا. هذا ومن المحتمل أن يجد العمالُ حديثو التدريب فرص عمل أفضل في دول الخليج، ما من شأنه أن يعزز التحويلات المالية. ومع تحسن النظام القضائي والوضع الأمني ستنمو الاستثمارات نموًّا ملحوظًا.

ومع ذلك، قد يظل الانتعاش الاقتصادي هشا بحلول عام 2017، وقد يظل الاستثمار محفوفا بالمخاطر ويحتاج إلى تعهدات مكتوبة بضمانات سياسية من دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الأخص. وقد يتحسن الوضع الأمني إلى حد كبير، غير أن القتال المحلي قد يظل قائما ويتم احتواء التهديد الأصولي بدلا من القضاء عليه.

السيناريو الثاني: تباطؤ عملية الإصلاح

يرى المشاركون في ورشتي العمل أن وتيرة الإصلاحات ستكون مطردة في هذا السيناريو، ولكنها ستتباطأ إثر افتقار الحكومة إلى القوة والدعم اللازمين لإنجاز ذلك. ومن المحتمل أن تُفضي محاولات الإصلاح الاقتصادي والأمني إلى تفاقم التوترات داخل النخبة الحاكمة، مما سيؤجج الصراع، على حد اعتقاد المشاركين.

وخلال المرحلة الأولي من السيناريو يتوقع أن تتوحد نخب النظام حول الحافظ على فاعلية أعمالها، وأن تعمل في سبيل ذلك على إقناع المجتمع الدولي بمواصلة تمويلها من أجل احتواء التهديد الأمني المزعوم من القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

ويري المشاركون في هذا السيناريو أن يظل هادي "رئيسا غير مسيطر"، أي أن بقايا النظام ستظل موجودة في هذه المرحلة. وعلى الرغم من الجهود التي سيبذلها، سيعجز هادي عن بناء قاعدة دعم من شأنها أن تؤازره للتغلب على فلول النظام السابق.

وستَحول الانقسامات في الجنوب دون فرض هادي سلطته هناك، في حين أن أنصار صالح قد ينجحون في استمالة وتعزيز الحركة الحوثية التي تقاوم كلا من حزب الإصلاح، والسلفيين، و"المتطرفين من السنة"، وعلي محسن صالح الأحمر، وهو قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية في اليمن وكان يعد من أبرز رجال الرئيس علي عبد الله صالح.

وفي حين كون علي محسن في الوقت الراهن أقوى داعم عسكري لهادي، يتوقع المشاركون أن تفسد بقايا مؤيدي صالح جهود هادي الرامية لتعيين قادة جدد في مختلف مؤسسات الجيش، وعليه قد تواصل التأثير على الأحداث العسكرية في جميع أنحاء البلاد.

وعندما تتصاعد أعمال ال***، ستوسع الولايات المتحدة عمليات الطائرات بدون طيار، بل وقد تفكر في القيام بعمليات برية سرية. ومن شأن هذه العمليات أن تزيد من حجم العداء للولايات المتحدة، مما قد يعزز دعم المتطرفين المسلحين، وكذلك الدعم الخارجي لأجهزة الجيش والأمن اليمنية.

وعلى الرغم من أن الحكومة ستكون قد تمكنت من الوصول إلى بعض الموارد في تلك المرحلة، ستظل الظروف المعيشية في حالة تردٍّ، ولكن بوتيرة أبطأ.

هذا ومن المرجح أن يواصل الاقتصاد الكلي تدهوره، مع إغلاق المصانع وانخفاض الإنتاج الغذائي بسبب الفوضى في الأسواق الريفية، وشُح وقود الديزل اللازم لتشغيل معدات الري. ولن يكون العمل الحضري المريح متاحا بسهولة كما كان من قبل، ما من شأنه أن يقوض دخل الأسرة الثابت.

ويستبعد المشاركون في ورشتي العمل أن يكون اليمن قد فرغ من الحوار الوطني وصياغة الدستور مع مستهل عام 2014، ويرون أن ذلك سيفضي بدوره إلى إرجاء الانتخابات لمدة عامين.

وخلال المرحلة الثانية من السيناريو ستظهر التوترات السياسية والاقتصادية. ويري المشاركون أن النخبة الحاكمة قد تتمكن من احتواء الموقف لفترة أطول في ظل التدهور البطيء، وأن فشلها سيحدث انتكاسة سريعة لليمن. ويضيفون أن الشعب سيقبل إرجاء الانتخابات على مضض، وقد يدفع هذا الإرجاء الجميع إلى تقييم مواقفهم.

ومن المتوقع أن ينقسم المجتمع الدولي بشأن اليمن في هذه المرحلة؛ فالولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قد تركزان على مكافحة الإرهاب، في حين أن المانحين الأوروبيين قد يركزون على التنمية.

السيناريو الثالث: المناورة في عملية الإصلاحات

من المتوقع أن تعرقل بقايا مؤيدي صالح عملية صنع القرار، التي باتت متأخرة وغالبا غير منتظمة. ووسط مخاوف متصاعدة حول استقرار الحكومة، من المحتمل أن تنقسم حكومة الوحدة الوطنية "المشلولة" حول الإصلاحات الاقتصادية في نهاية عام 2012، وأن يساور الدول المانحة قلق يدفعها إلى تعليق بعض البرامج، وعليه تتفاقم الأزمة الإنسانية.

وقد يعلن هادي، الذي تعهد بتطبيق الجدول الزمني لإصلاح القطاع الأمني والعسكري، في مطلع عام 2013 عن تشكيل قيادة مركزية جديدة تحت سيطرة وزارة الدفاع. وفي ربيع عام 2013، قد تندلع أعمال *** متفرقة بين القوات الموالية لصالح وتلك الموالية للحكومة، ما ينذر بحرب شاملة خطيرة.

وفي هذه المرحلة؛ ستتدخل الأمم المتحدة وتطالب كافة الأطراف بالانصياع لقرار مجلس الأمن رقم 2014. ومن المتوقع أن يقرر هادي المناورة في عملية الإصلاحات من أجل الحفاظ على الاستقرار، وذلك اعتبارًا من منتصف عام 2013، وعليه تُرجأ الإصلاحات العسكرية والاقتصادية حتى بعد انتخابات 2014.

السيناريو الرابع: تفاقم الأوضاع

في فترات مختلفة من الأزمة، يمكن لسيناريو المناورة في عملية الإصلاحات إلى أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع، مع استشراء القتال وتزايد الفوضى، ومن ثم يعلن الحوثيون الاستقلال، ويعزز أنصار الشريعة سيطرتهم على العديد من المحافظات الجنوبية، ويُغتال هادي في نهاية المطاف.

استنتاجات ختامية

على أساس السيناريوهات الأربعة التي اقترحها المشاركون في ورش العمل، خلصوا إلى الاستنتاجات التالية كمسار محتمل لليمن:-

أولا: عجز اليمن خلال السنوات القادمة عن معالجة مشاكله الأساسية سيؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع، الأمر الذي سيؤدي لتفاقم الأزمات الداخلية.

ثانيًا: سيكون الاستثمار في اليمن مطلوبا عن أي وقت مضى لتحسين الأوضاع الإنسانية. وستكون أن المملكة العربية السعودية هي المصدر المحتمل للاستثمار على نطاق واسع في هذا البلد، على الرغم من أن المستثمرين من اقتصاديات ناشئة مثل تركيا وماليزيا يمكنهم لعب دور هامٍّ أيضا في إنماء اليمن.

ثالثًا: يتطلب نجاح الإصلاحات تحولا جوهريا في عقلية النخبة الحاكمة، فعليها أن تعترف بأن التغيير واسع النطاق أمر ضروري لإنشاء نموذج عمل أكثر استدامة.

رابعًا: تشير كافة السيناريوهات لإرجاء انتخابات مارس 2014، على الرغم من اختلاف الأسباب. ولا ينبغي اعتبار هذا الإرجاء مؤشرا على الفشل.

خامسًا: يلعب المجتمع الدولي دورا حاسما في بعض السيناريوهات. وصبّ التركيز على التنفيذ السريع للخطة الانتقالية الخليجية يمكن أن يدفع اليمن نحو سيناريو "المناورة في عملية الإصلاحات". كما يمكن للتركيز الكبير على مكافحة الإرهاب أن يدفع باليمن نحو سيناريو تباطأ عملية الإصلاح

aymaan noor 11-10-2012 09:57 AM

كيف يفكر أبو مازن في الخروج من المأزق الفلسطيني؟
 
خيارات غير مجدية
كيف يفكر أبو مازن في الخروج من المأزق الفلسطيني؟

http://www.rcssmideast.org/media/k2/...427711f8_L.jpg
تال بيكر
بعد فشل الجهود الدولية والعربية في تسوية الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، يواجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن مأزقا داخليا ، خاصة في الضفة الغربية التي تتصاعد فيها الاحتجاجات، جراء تردي الأوضاع الاقتصادية وانخفاض شعبيته في استطلاعات الرأي.

وفي هذا السياق، كتب "تال بيكر" – الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الموالي إلى اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية - تحليلا نشره المعهد في سبتمبر 2012 يشير فيه إلى أن الخيارات السياسية التي يقترحها عباس للخروج من المأزق الذي يواجهه لا تُجدي نفعًا في الغالب، إذ يرى بيكر أن عباس مقتنع تمامًا بأن كل خيار أسوأ من الآخر.

ولا يحلل هذا المقال عقلية عباس ورؤيته للمأزق الفلسطيني فحسب، بل يحذر أيضًا من خطر الانزلاق إلى ال*** المستمر في فلسطين، ويشدد على ضرورة بذل كل ما يلزم لتحسين الوضع الراهن المضطرب. ويري بيكر في تحليله أن الرئيس أبو مازن يجد نفسه أمام خمسة خيارات غير مجدية من وجهة نظره، والتي يطرحها فيما يلي:-

الخيار الأول: المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية

من وجهة النظر الفلسطينية، أهملت الحكومة الإسرائيلية المفاوضات مع القيادة الفلسطينية إلى حد كبير. ويذكر بيكر أنه من "السذاجة" أن تلقي القيادة الفلسطينية كل اللوم على حكومة نتنياهو لفشل المفاوضات. ويشير الكاتب الأمريكي إلى أن ثورات الربيع العربي، فضلا عن تراجع شعبية السلطة الفلسطينية بشكل عام وعباس خاصة من العوامل التي تلعب دورًا في إبطاء عملية السلام. فالبيئة الإقليمية المضطربة، والزعيم غير المحبوب سياسيًّا؛ يجعلان مسألة التوصل إلى اتفاق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بعيدة المنال. ويذكر بيكر أنه إذا لبّى نتنياهو الشروط الفلسطينية المتعلقة بالمفاوضات، وأظهر مرونة على طاولة المفاوضات؛ سيفسر عباس ذلك الأمر، بطريقة تتنافى مع الواقع، فهو عادة ما يكون مقتنعا في قرارة نفسه بأن التوصل إلى حل وسطي مع إسرائيل سيجعله خائنًا في أعين الجماهير الفلسطينية والعربية.

ورغم تردده وشكّه الشديدين؛ لا يقدر عباس على أن يتخلى عن خيار المفاوضات لأنه لا يزال يراه خياًرا مجديًا في المستقبل، لاسيما في فترة ما بعد الانتخابات الأمريكية. كما أنه على قناعة بأن تخليه عن المفاوضات ستكون له عواقب وخيمة؛ فإسرائيل والولايات المتحدة قد تتحدان ضده مما يهدد شرعيته السياسية. ولهذا يفضّل عباس – كما يرى بيكر - إلقاء اللوم على إسرائيل قدر الإمكان لصرف النظر عن الصراع النفسي الذي يعيش فيه، وليتلافى توجيه المجتمع الدولي أي لوم له. وإذا وجد نفسه محاطًا بضغوط من كافة الاتجاهات؛ ينخرط الرئيس أبو مازن في بعض أشكال الحوار، مثل الجولات الخمس من المحادثات التي جرت في عَمان في وقت سابق من هذا العام.

الخيار الثاني: تفكيك السلطة الفلسطينية

على مدار العام الماضي، سمع بعض الدبلوماسيين من مسئولين فلسطينيين خلال الاجتماعات أن الفلسطينيين قد لا يكون أمامهم خيار سوى تفكيك السلطة الفلسطينية، أو التنصل من اتفاق أوسلو، إذ يرى البعض أن مثل هذا الخيار قد يوفر ضغطا كبيرا على إسرائيل.

بيد أنه على الرغم من قصور السلطة الفلسطينية ، إلا أنها كما يشير بيكر فقد صبغة شرعية على فكرة إقامة دولة فلسطينية، ووفرت قدرًا كبيرًا من الحكم الذاتي والاستقرار الاقتصادي والنظام للشعب الفلسطيني، ناهيك عن دورها كمصدر لقوة كبار المسئولين الفلسطينيين. ومن ثم قد يُنظر إلى مسألة تفكيك السلطة على أنها عمل من أعمال التخلي عن الشعب الفلسطيني ، وبالتأكيد ليس هذا ما تسعى إليه القيادة الفلسطينية.

الخيار الثالث: المصالحة بين فتح وحماس

يتصدر خيار المصالحة بين فتح وحماس عادة عناوين الصحف عقب كل اجتماع يعقد بين الحركتين ، بيد أن الشقاق بينهما ما يزال قائمًا. وتفضل مجموعة من عناصر فتح وحماس المصالحة ، على الرغم من تباين دوافعهم. فبعضهم يرى أن شرعية السياسة الداخلية والوحدة ضروريتان لتحقيق الأهداف الفلسطينية في الصراع مع إسرائيل. ومع ذلك، لم يفتر العداء القائم بين الحركتين؛ فلكبار قادة كل حركة أهداف خاصة تخدم مصالحهم.

ومن جهته؛ يشعر عباس بالقلق من فكرة الوحدة بين فتح وحماس، لما سيكون لذلك من آثار سياسية واقتصادية وخيمة. فعباس لا يزال مترددًا بشأن قطع العلاقات والتواصل مع واشنطن، ولديه أمل في أن يضخ الرئيس أوباما أموال طائلة لتعزيز عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية إذا أُعيد انتخابه.

ويرى الكاتب أن من شأن أي صفقة مع حماس أن تهدد وضع الرئيس أبو مازن وقد تجعله منبوذا أمام الولايات المتحدة أو إسرائيل. ويستبعد بيكر حدوث مصالحة بين حركتي فتح وحماس في الوقت القريب. ولا يعني ذلك أن الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة ستنحسر؛ بل ستظل المساعي كما هي، وسيظل قادة حماس وفتح يعربون طوال الوقت عن رغبتهم في التوصل إلى تسوية. بيد أنه ينبغي على المراقبين المخضرمين أن يميزوا بين ما يُقال وما يُنفّذ على أرض الواقع.

الخيار الرابع: اللجوء إلى الأمم المتحدة

لا يزال خيار السعي إلى الحصول على عضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة مفتوحا لعباس، وليس من المستبعد بلوغه. ويبدو أن هذا هو الخيار الوحيد الذي سيهتم به عباس في الوقت الراهن، غير أنه من المحتمل ألا يمضي قدما نحو ذلك إلى حين انتهاء الانتخابات الأمريكية. فيفضل أبو مازن في المرحلة الحالية عدم الدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية في فترة الانتخابات التي غالبًا ما تتسم فيها ردود فعل الإدارة بالشدة.

فقد عارضت الولايات المتحدة في السابق توجُّه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة العام الماضي للحصول على طلب عضو في المنظمة الدولية، الأمر الذي حال دون عرض الطلب على التصويت في مجلس الأمن خشية استخدام واشنطن حق الفيتو. ويرى عباس أن ردود الفعل الأمريكية على تقديم الطلب بعد الانتخابات ستكون أخف منها في فترة الانتخابات.

الخيار الخامس: العصيان المدني ضد إسرائيل

دعت منظمات المجتمع المدني الفلسطينية لسنوات إلى شن عصيان مدني ضد إسرائيل بوصفه أفضل طريقة لجذب الدعم الدولي للقضية الفلسطينية؛ فهم يرون أن ظهور الجنود الإسرائيليين في مواجهة مع متظاهرين فلسطينيين سلميين أو وجود اعتصامات حول المستوطنات سيكون أفضل وسيلة لإعادة مسألة دعم فلسطين إلى جدول الأعمال الدولي، مما سيشكل ضغطًا كبيرًا على إسرائيل.

بيد أن عباس لا يعتبر ذلك هيّنا على الإطلاق، فقد يفلت زمام العصيان المدني وتظهر عناصر مسلحة ومتشددة بين المتظاهرين تصعّد من حدة الأمور، وعليه قد تتحول المظاهرات السلمية إلى مواجهات عنيفة تعجز القيادة الفلسطينية عن احتوائها. ومن شأن ذلك أن يغذي الاضطرابات في الشارع الفلسطيني الثائر بالفعل، وأن يضعف الاقتصاد الفلسطيني الهش أصلا، وأن يضع السلطة الفلسطينية في خطر.

aymaan noor 14-10-2012 10:03 AM

تساؤلات لا بد منها ( فلسطين )
 
الجزء الأول
أزمة اقتصادية ليس لها حل اقتصادي
http://arabic.jadaliyya.com/content_images/3/appal1.jpg
رجا الخالدي
في أعقاب الاحتجاجات الشعبية الأخيرة والتي كانت معظم شعاراتها تركز على مطالب اقتصادية واجتماعية ومحاسبة القائمين عليها، صدرت أربعة تقارير دولية تناولت الأوضاع الاقتصادية والمالية الفلسطينية من مختلف جوانبها، وأُعدت جميعها قبل اندلاع الموجة الأخيرة من التذمر/الغضب الاقتصادي الفلسطيني الذي تمحورت أولى ظواهره في بداية السنة حول مسألة تعديل النظام الضريبي. وبينما أجمعت تلك الجهات الدولية على مدى تردي أداء الاقتصاد عموما والآثار الضارة اللازمة لمالية لسلطة الوطنية الفلسطينية خاصة، تجرأ المنسق لخاص للأمم المتحدة (الأونسكو) بتسمية الأمور باسمها حيث عنوَن تقريره: "الجهود الفلسطينية لبناء الدولة المهددة والنهوض من أجل إنقاذ حل الدولتين"، مما يعكس درجة ليست قليلة من القلق الدولي تجاه المخاطر الكامنة في اللازمة الاقتصادية الحالية.

وطبعا يشير هؤلاء المراقبين الدوليين (بدرجات متفاوتة من الوضوح أو الخجل) بأن السبب الأساسي للأزمة الاقتصادية ما زال العقبات التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي امام النشاط الاقتصادي، لكن "الحكمة التقليدية" الصادرة عن البنك وصندوق النقد الدوليين ما زالت تردد منذ عدة سنوات بأن على السلطة الفلسطينية القيام بالمزيد من الإصلاح المالي والمؤسسي والسياساتي اذا كانت ستواجه الأزمة، وتجري المزيد من عمليات التمهيد ل"بناء الدولة"، وكأن قلة الإصلاح أو سوء إدارة السياسات والضعف المؤسسي هي ما تحول دون تحقيق التحرر الوطني والاستقلال والسيادة.

هذا الادعاء الذي استوطن في العقل الفلسطيني الرسمي ولدى "اهل الخبرة" الاقتصاديين منذ أول "خطة إصلاح وتنمية" في 2007 وصولا إلى إنجاز خطة "إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة" في 2011، رفع سقف التوقعات السياسية والمعيشية لدى مختلف الطبقات الاجتماعية مما ساهم في تشجيع الانتعاش بصورة لا بأس به في النمو الاقتصادي بين 2009-2011. لكن ما لم يستطع تحقيقه هذا "الوهم والسراب" الإصلاحي (كما اسماه جو ناصر من البنك الدولي)، هو تغيير دائم في "جودة الحياة" أو في احتمالات التنمية بشكل أشمل، ناهيك عن مساهمته في تراجع الحالة السياسية الفلسطينية والمشروع التحرري الفلسطيني من خلال اشاعة ثقافة من "اللا سياسي" بانتظار بلوغ الحل السياسي .

من الطبيعي ان المواطن المتعَب من عبء الغلاء والمديونية والضرائب وغيرها من ظواهر الاقتصاد الفلسطيني المعولم، يضع أمام حكومته ونظام الحكم مسؤولية حل هذه المشاكل (هكذا عودناه خلال السنوات الماضية بأن السلطة تتكفل بتأمين احتياجاته)، وفي نفس السياق فإنه من الطبيعي ان يحمّل المواطن الاحتلال وآلياته (اتفاقيات اوسلو وخاصة بروتوكوله الاقتصادي) مسؤولية استمرار متاعبه، فلا تناقض أو تخبط بين هذا وذاك، حتى لو أنها لم تعبر حتى الآن عن مطلب واسع النطاق أو رؤية بديلة متماسكة، أو حراك منظم يمضي في ذلك الاتجاه نحو نهايته المنطقية، لكن يبدو ان المواطن "العادي" بات يستوعب جيدا ما كان يعيه من قبل (ربما مع استعداده لصرف النظر عنه)، حول التشابك بين اوسلو - رمز إدامة الاحتلال وتأجيل الاستقلال، وباريس - رمز التبعية الاقتصادية لإسرائيل والويلات المعيشية المختلفة، ورام اللة - رمز الوعد غير المحقق والحياة البديلة العابرة، وسلطة أصبحت بعيدة عن آمال حركة التحرر الوطني التي أنشأتها.

ويتميز التقرير الصادر عن منظمة "الأونكتاد" والمعنية بالتنمية الاقتصادية الفلسطينية، في رسالته المتكررة لمن لم يفهم بعد الحقيقة الأساسية والثابتة، أنه لا يمكن تحقيق التنمية في ظل الاحتلال، وأنه ليس من حل اقتصادي للأزمة الاقتصادية الخانقة والمزمنة، دون سيادة واستقلال. يغني هذا التقرير المختصر والمليء بالأرقام والتحليل القارئ عن الحاجة لمراجعة أي تقرير آخر، لما يتضمنه من دقة وشمولية في وصفه للحقائق الاقتصادية على الأرض كما هي، وفي تحليله الأمين لأبعاد التنمية في ظل الاحتلال وفي توصياته الواقعية. وتكمن الأهمية الخاصة لرؤية الأونكتاد في أنها وضعت الأمور الاقتصادية في سياقها الصحيح ودون مراوغة. ويبين ان انسداد الأفق الاقتصادي الفلسطيني لا يعود إلى فشل سياساتي أو مؤسساتي اقتصادي فلسطيني كما يروج البعض، بل هو نتيجة طبيعية للآثار الضارة المتراكمة منذ عقود لمواجهة شعب اعزل مع ما يسميها الأونكتاد بـ "مؤسسة توسعية من النوع الاستيطاني/الاستعماري"، يحرسه احتلال عسكري متفوق، وتموله إحدى اكبر القوى الاقتصادية في المنطقة: إسرائيل، وتحميه القوة العظمة الأولى، الولايات المتحدة الأميركية. "فإنهاء الاستيطان والاحتلال شرط لا غنى عنه لترسيخ التنمية المستدامة، وما لم يحدث تحوُّل جذري في ميزان القوة الاقتصادية والسياسية بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، سيظل الانتعاش الاقتصادي الحقيقي في الأرض الفلسطينية المحتلة بعيد المنال ."

يمكن من خلال استعراض العناوين الرئيسية لتقرير الأونكتاد، إجراء قراءة شاملة ومؤلمة للوضع الاقتصادي رغم مساعي السلطة الوطنية ضمن ما هو متاح لها للتخفيف من وطآه "الاحتلال الاقتصادي" والفقر والبطالة و فقدان القوة الشرائية للأسر الناجمة عنه، وأبرزها:

1. نمو خادع واستمرار الخسائر الاقتصادية الفلسطينية: حيث صُوّر الانتعاش الاقتصادي الفلسطيني للأعوام الـ3 الماضية من قبل المجتمع الدولي وإسرائيل على أنه بديل للانتعاش في المسار السياسي المتعثر، واليوم يؤكد الأونكتاد وصلنا إلى نهاية أسطورة النمو الخادع فعلا وغير القابل للدوام؛

2. القيود المفروضة على التنقل وتراجع المعونة والأزمة المالية عوامل تقوض النمو: حيث اصبح الشغل الشاغل للشعب الفلسطيني وقيادته كيفية مواجهة تلك الأزمة المالية والاقتصادية، بدل من صب جهودها في دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، التي لا بد من وجودها فعليا وليس افتراضيا لصياغة وتنفيذ أيه سياسات اقتصادية لصالح شعب طال عذابه المعيشي والإنساني؛

3. ارتفاع معدلات البطالة وتدني الإنتاجية والأجور الحقيقية: بسبب الحاقه بالاقتصاد الإسرائيلي ضمن ببروتوكول باريس الاقتصادي، فإن الاقتصاد الفلسطيني يواجه نفس ضغوطات التحرير التجاري والاقتصادي والمالي العالمي دون القدرة لاستخدام تلك الأدوات السياساتية الاقتصادية والتجارية والنقدية المتوفرة لإسرائيل أو "لأية دولة متوسطة الدخل" كما عمّدها البنك الدولي في 2011.

4. تآكل الدخول الحقيقية وتزايد الفقر بسبب التضخم: وخير شاهد على خطورة هذه الظواهر أن المواطن الفلسطيني لم يعد يتقبل بأن تفرض عليه ما هي بمثابة "ضريبة احتلال"، وكما جاء في شعار رفعه عجوز فلسطيني في الخليل: "ألا يكفينا احتلال بل علينا تحمل غلاء فاحش أيضا؟"

5. استمرار الأزمة المالية رغم الإصلاحات التي تجريها السلطة الفلسطينية: ولا يخفى على احد ما رُوّج منذ عام 2011 حول الجاهزية المؤسسية الفلسطينية لإدارة اقتصاد معاصر، فها نحن بعد عام على رفض مجلس الأمن الموافقة على طلب انضمام دولة فلسطين المحتلة للأمم المتحدة، يبدو أنه ليس هناك إصلاح كاف لضمان إصلاح العقول والقوى السياسية التي ما زالت تعتقد بأن الشعب الفلسطيني يمكن ان يقبل العيش دون نيل حقوقه الوطنية و صون كرامته الإنسانية.

6. تزايد الهشاشة المالية بسبب انعدام اليقين بشأن الدعم المقدم من الجهات المانحة: وهو عنوان هام للمانحين والذين تكرموا منذ فترة بالمساهمة في دعم السلطة الفلسطينية، ومن الطبيعي انهم اصبحوا اكثر مترددين من أيه فترة ماضية بشأن استمرار تمويلهم لنظام مالي ووظيفي اصبح يخفف عبء الاحتلال على القوة القائمة بالاحتلال، بينما يزيده ثقلا على كاهل المواطن الفلسطيني.

7. استمرار العجز التجاري والتبعية الاقتصادية لإسرائيل: وهنا بيت القصيد، حيث يبدو اليوم غير مقبول سياسيا وشعبيا وقانونيا ان يبقى الاقتصاد الفلسطيني أسير لاتفاقية اقتصادية مقيدة واتحاد جمركي مشوه أبرمت اتفاقيته قبل 18 سنة لخدمة مرحلة انتقالية وسلطة حكم ذاتي مدتها 5 سنوات، على ان تخلفها اتفاقية اقتصادية عادية بين دولتين. ومن الطبيعي اليوم ان يطالب الشعب الفلسطيني بالخروج من التبعية المتمثلة بهذه الاتفاقية على اسرع وجه ممكن، ومن واجب قيادة هذا الشعب التجاوب مع المصالح الوطنية العليا ودراسة جميع البدائل "غير الطبيعية" التي من شأنها إيقاف النزيف والتدهور الاقتصادي المتواصل.

8. وفيما يتعلق بالعقبات الرئيسية أمام التنمية الفلسطينية، لقد لخصت الأونكتاد بأسلوب بسيط وشفاف حقيقة ما يواجه الشعب الفلسطيني عندما تؤكد انه: "مثلما أظهر الرصد المنهجي لاقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة بمرور السنين، وعلى الرغم من أي مظاهر توحي بالعكس، ترتبط جميع العقبات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني بالاحتلال أكثر من ارتباطها بالسياسات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية التي هي سياسات محدودة النطاق بطبيعتها".

9. تقترح الأونكتاد رؤية واقعية وتوجه استراتيجي هام في استنتاجها بأنه: "في ظل هذه ا لظروف القاسية التي تؤثر في الوصول إلى الأصول الوطنية والموارد الطبيعية الاستراتيجية، يظل بناء الدولة مفهوم بعيد المنال. وفي الظروف الراهنة، ينبغي أن تركز جميع الجهود على منع المزيد من التعدي على الاقتصاد والمجتمع الفلسطينيين من خلال الاستيطان والاحتلال، بل والعمل على عكس اتجاه هذا المسار بالفعل."

الحقيقة أن الأزمة الاقتصادية وحدها ليست أخطر أزمة بل اصبحنا نواجه أزمة سياسية وأزمة ثقة، بل أزمة وجود السلطة الفلسطينية، ما يمكن تسميتها "بالعاصفة المثالية" (perfect storm) ، التي قد تطيح بكل شيء أو بقلبه رأسًا على عقب. وما قاله جليا رئيس الوزراء حول نفاذ البدائل السياساتية المالية والاقتصادية ضمن قيود اتفاقية باريس إنما هو صحيح: لم يعد ممكن إدارة نظام حكم يتحمل (ويُحمّله المجتمع الدولي) كل مسؤوليات الدولة دون التمتع بالصلاحيات والمؤسسات السيادية، بل في اطار احتلال عسكري إسرائيلي لا محدود، واليوم في غياب أي حل اقتصادي للأزمة المزمنة، تواجه م.ت.ف خيارات غير جذابة: أما الدخول في "صراع اجتماعي" مع شعبها، على ان تسعى لضبط الأمور وتهدئة الخواطر وتصحيح بعض التشوهات هنا وهناك، أو ان تخوض "حرب اقتصادية" مع خصمها الاحتلالي لتحل محل "السلام الاقتصادي" الإسرائيلي المرفوض جماهيريا، لكن دون القدرة على معرفة التكاليف المحتملة لذلك أو احتسابها... أو ان تغلق الأبواب والنوافذ بانتظار مرور "العاصفة"...

وبينما يدور الجدل الآن حول جدوى التخلص من باريس دون التخلي عن اوسلو برمتها وحول مخاطر لجوء م.ت.ف إلى لتبرئ من إدارة السلطة الذاتية في الضفة الغربية (بعد ان فقدت السيطرة على إدارة السلطة في غزة) ، يبقى هناك سؤالان يهمان كل مواطن يتساءل عن مستقبله المعيشي:

- اذا اعتبرنا ان اتفاقية باريس هي فعلا "اصل البلى"، فهل يمكن التخلص منها دون تفكيك اوسلو وألياتها ومؤسساتها؟

- وقبل الشروع بتفكيك أي شيء، أليس من الضروري أولا تصوير ما يراد من نظام اقتصادي وتجاري بديل والعمل على بلورة برنامجه؟

aymaan noor 15-10-2012 09:53 AM

هل ينهار الاقتصاد الإيراني بعد الهبوط الحاد للريال؟
 
عقوبات غربية مؤثرة
هل ينهار الاقتصاد الإيراني بعد الهبوط الحاد للريال؟

http://www.rcssmideast.org/media/k2/...98aea709_L.jpg
د. محمد السمهوري
خبير اقتصادي بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية
في تسارعٍ مفاجئٍ وغير مسبوق، فقد الريال الإيراني حوالي 40% من قيمته السوقية مقابل الدولار الأمريكي خلال أول يومين من شهر أكتوبر الحالي، حيث وصل سعر الصرف إلى 37,000 ريال إيراني للدولار الواحد، بعد أن كان في نهاية شهر سبتمبر 24,600 ريال للدولار. القيمة الجديدة لسعر صرف الريال الآن تزيد عن ثلاثة أضعاف القيمة الرسمية التي يحددها البنك المركزي الإيراني عند 12,260 ريال للدولار.

هذا الانهيار الحاد لسعر صرف العملة الإيرانية ربطه الكثيرون من المحللين بالعقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على قطاعي النفط والمال الإيرانيين، والتي دخلت حيز التنفيذ بداية شهر يوليو الماضي، حيث اعتبروا ما حدث مؤشرًا قويًّا على نجاعة العقوبات الغربية في زعزعة الاقتصاد الإيراني، ومن ثم زيادة الضغوط على الحكومة الإيرانية لتغيير موقفها الراهن من برنامجها النووي.


ومع التسليم بكبر حجم التدهور الذي حدث في قيمة الريال مؤخرا، وبالآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية المحتملة لمثل هذا الانهيار السريع والمفاجئ للعملة المحلية، إلا أنه لا يزال من المبكر -بناءً على ما هو متوافر من أرقام حول الاقتصاد الإيراني نفسه، وحول التأثير الذي تركته العقوبات الغربية على قطاع النفط حتى الآن- الاستنتاج بقرب حدوث انهيار للاقتصاد الإيراني، يدفع بالحكومة الإيرانية إلى تغيير موقفها في محادثاتها مع مجموعة (P5+1) حول برنامجها النووي.

1- تساؤلات حول انهيار سعر صرف الريال الإيراني

بدأ التدهور الكبير في سعر صرف الريال الإيراني أمام الدولار الأمريكي يوم الإثنين، الأول من شهر أكتوبر 2012، بعد حدوث انخفاض في قيمته بنسبة 18%. أعقب ذلك في اليوم التالي انخفاض آخر بنسبة 9%، ليصل سعر صرف الدولار بعدها إلى 37,000 ريال إيراني للدولار، بعد أن كان سعره في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2012 لا يتعدى 24,600 ريال فقط.
هذا الانهيار الكبير في قيمة العملة الإيرانية أدى إلى ظهور اضطرابات واحتجاجات في منطقة بازار طهران الرئيسي -حيث توجد محلات الصرافة وتجار العملات- ضد الحكومة وسياستها الاقتصادية، مطالبة باستقالة محافظ البنك المركزي الإيراني. الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من ناحيته، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء 2 أكتوبر، أعلن عن وجود "حرب نفسية" تشنها الدول الغربية ضد إيران، وأشار إلى حدوث تلاعب ومضاربات حول سعر صرف الريال من قِبل كبار تجار العملة في طهران، واعترف لأول مرة بالتأثير السلبي الذي تتركه العقوبات الغربية (الأمريكية والأوروبية) على صادرات النفط الخام الإيراني، وعلى الاقتصاد الإيراني بوجه عام.

أسئلة كثيرة يثيرها هذا الانخفاض الحاد والمفاجئ في قيمة الريال، تتعلق بشكل رئيسي بالسبب وراء التدهور الذي حدث في سعر الصرف، وما إذا كانت العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على إيران قد بدأت تأتي بنتائجها المرجوة منها، ومدى تأثير هذا التدهور في قيمة العملة الإيرانية على الاقتصاد الإيراني ككل، وعلى موقف الحكومة الإيرانية بالنسبة لبرنامجها النووي الذي كان الدافع الرئيسي وراء فرض العقوبات.

2- التغيرات في سعر صرف الريال خلال الفترة 2011-2012

لوضع التغيرات الحادة الأخيرة في سعر صرف الريال الإيراني في سياقها المناسب، وللتعرف على مغزاها، وتحليل تأثيرها، والتبعات التي يمكن أن تترتب عليها، من المهم القيام –سريعًا- بتتبع ما حدث لسعر صرف العملة الإيرانية خلال السنتين الماضيتين، ومحاولة فهم هذه التغيرات في ضوء التطورات السياسية والاقتصادية المتعلقة بإيران خلال تلك الفترة الزمنية، ثم الاستفادة من هذا العرض في محاولة تفسير الانهيار الأخير للريال، والاستنتاجات التي يمكن أن نستخلصها بالنسبة لما يمكن أن يحدث للاقتصاد الإيراني في المستقبل المنظور، وانعكاسات ذلك كله على موقف حكومة إيران من برنامجها النووي.

قبل القيام بذلك، قد يكون من المفيد بداية الإشارة بشكل عام إلى أن التراجع في قيمة أسعار صرف عملة بلد ما، يجد أساسه الاقتصادي في ثلاثة أسباب:

أ- حدوث عجز مستمر في ميزان مدفوعات الدولة محل الدراسة نتيجة وجود صافي تدفق سالب في المدفوعات الخارجية من النقد الأجنبي.

ب- حدوث ارتفاع متواصل في المستوى العام للأسعار محليًّا مقارنةً بمستويات التضخم لدى دول الشركاء التجاريين الرئيسيين للدولة.

جـ - وجود سوء أداء في الإدارة الاقتصادية (المالية والنقدية) للدولة يؤدي إلى اهتزاز في سعر صرف العملة. وفي الحالة الإيرانية اليوم، فإن هذه العوامل مجتمعة، على ما يبدو، موجودة، بنسبة أو بأخرى، مما أدى بالريال الإيراني إلى أن يفقد أكثر من 80% من قيمته التي كان عليها في نهاية العام المنصرم.

بالعودة إلى التغيرات التي حدثت في قيمة (سعر صرف) الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي خلال السنتين الماضيتين، فإنه يمكن التمييز بين أربع مراحل، أو فترات مختلفة مرت بها هذه التغيرات، كما يوضحها الرسم البياني أدناه.

رسم بياني توضيحي

فترات التغير في سعر صرف الريال الإيراني خلال العامين 2011-2012
(المحور الرأسي يقيس عدد الريالات الإيرانية لكل دولار أمريكي)

http://www.rcssmideast.org/images/ssss.jpg
المصدر: صندوق النقد الدولي، أعداد مختلفة من "إحصائيات التمويل الدولية". (ملاحظة: أسعار صرف شهر أكتوبر مأخوذة من وكالات الأنباء العالمية).

المرحلة الأولى (ديسمبر 2010 – ديسمبر 2011): في بداية الفترة، كان سعر الصرف الرسمي للريال مقابل الدولار الأمريكي، كما حدده البنك المركزي الإيراني، هو نفس السعر الذي كان سائدًا خارج الإطار الرسمي (أي السعر الذي يتم التعامل به في أسواق الصرافة وعند تجار العملات)، حيث كان سعر الصرف يساوي 12,260 ريال للدولار الواحد في كلا السوقين. خلال هذه الفترة، بدأ التباعد التدريجي، الضئيل والبطيء بين السعرين، كما هو واضح في الرسم البياني، حتى وصل سعر الصرف غير الرسمي (السوقي) في نهاية الفترة إلى 13,500 ريال للدولار، في حين بقي سعر الصرف الرسمي كما هو.

المرحلة الثانية (يناير 2012 – مايو 2012): خلال هذه الفترة، استمر سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار في الانخفاض، ولكن بوتيرة أسرع هذه المرة، حتى وصل سعره في نهاية شهر مايو 2012 إلى حوالي 17,000 ريال للدولار، في الوقت الذي ظل فيه سعر الصرف الرسمي على حاله. من المهم التذكير هنا بأن بداية هذه الفترة، أي شهر يناير 2012، شهدت اتخاذ قرارات من الولايات المتحدة ومن الاتحاد الأوروبي بشأن عزم الطرفين على القيام بتطبيق عقوبات اقتصادية على إيران تدخل حيز التنفيذ في منتصف العام، وتشمل قطاع صادرات النفط، وقطاع معاملات إيران المالية مع العالم الخارجي. الفترة نفسها أيضًا شهدت فشل جولتين من المفاوضات، في 14 إبريل و23 مايو، في إسطنبول وبغداد على التوالي، بين إيران وبين مجموعة (P5+1) حول برنامج إيران النووي. كما شهدت هذه الفترة أيضًا بداية حدوث تراجع في صادرات النفط الإيراني نتيجة قيام بعض المستوردين الرئيسيين، وبالذات في دول الاتحاد الأوروبي ودول شرق آسيا (حيث تذهب، على التوالي، 20% و60% من صادرات نفط إيران)، بالتقليل التدريجي من وارداتهم من النفط الإيراني استعدادا للالتزام لاحقا بالعقوبات الغربية.

وبالتالي يمكن القول إن استمرار تدهور سعر الصرف غير الرسمي للريال بوتيرة أكبر من المرحلة الأولى، كان انعكاسًا للتطورات على الصعيد السياسي من ناحية، ونتيجة حدوث انخفاض حصيلة إيران من النقد الأجنبي من ناحية ثانية، وتأثير ذلك على ميزان مدفوعاتها. هذه التطورات أدت بأسواق الصرافة وتجار العملة في إيران بأخذ تبعاتها في الحسبان عند تقييمهم لسعر صرف الريال مقابل الدولار.

المرحلة الثالثة (يونيو 2012 – سبتمبر 2012): شهدت هذه الشهور الأربع اتساعًا أكبر وأسرع في الفجوة بين السعر الرسمي والسعر غير الرسمي للريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي. ففي حين ظل السعر الرسمي على حاله عند 12,260 ريال للدولار، وصل سعر صرف الدولار إلى 24,000 ريال، أي ضعف السعر الرسمي تقريبا. خلال هذه الشهور الأربعة حدثت ثلاثة تطورات سياسية واقتصادية تركت تأثيرها السلبي والمباشر على قيمة الريال الإيراني.

فعلى الصعيد السياسي، استمر تعثر المحادثات بين إيران ومجموعة الـ(P5+1) بعد فشل اجتماع ثالث لهما عُقد في موسكو بين 18 و19 يونيو، وفشل اجتماع آخر على مستوى الخبراء الفنيين في مدينة إسطنبول في 3 يوليو. وعلى الصعيد الاقتصادي، دخلت العقوبات الأوروبية على إيران حيز التنفيذ في بداية شهر يوليو، والتي تمنع دول الاتحاد الأوروبي الـ27 من استيراد النفط الإيراني، وتحظر على شركات التأمين الأوروبية تغطية الناقلات التي تحمل النفط الإيراني. كما دخلت حيز التنفيذ في بداية الشهر نفسه أيضًا العقوبات الأمريكية على إيران والتي تمنع الدول التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني وتلك التي لا تقوم بتخفيض وارداتها بشكل كبير من النفط الإيراني، من التعامل مع البنوك الأمريكية ومع قطاع المال في الولايات المتحدة.

كما شهدت هذه الفترة أيضًا استمرار التراجع في صادرات النفط الإيراني وفي حصيلة إيران من عائدات النفط من النقد الأجنبي، حيث تشير التقديرات الدولية إلى انخفاض صادرات إيران من النفط الخام بحوالي 40% (من 2.5 مليون برميل يوميًّا إلى 1.5 مليون فقط)، وخسارتها نتيجة ذلك ما يقرب من 32 بليون دولار أمريكي.

كل هذه التطورات نتج عنها زيادة في حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في إيران خلال أشهر هذا الصيف بدرجة أكبر من تلك التي شهدتها الأشهر الست الأولى من السنة، وانعكست بدورها سلبيًّا على سعر صرف الريال الإيراني، وهو ما يفسر لنا استمرار الانخفاض في قيمته بمقدار أكبر من الانخفاض الذي شهدته الفترة السابقة. فإذا أضفنا إلى جانب ذلك تأثير استمرار تدهور قيمة الريال الإيراني على المستوى المحلي العام للأسعار، وتأثير الأخير بدوره على القوة الشرائية للعملة الإيرانية وعلى قيمتها مقابل العملات الأخرى، تكون لدينا صورة شبه كاملة لأسباب التغيرات التي حدثت في سعر صرف الريال.
المرحلة الرابعة (أكتوبر 2012): ما سبق من شرح يمكن أن يستخدم لتفسير استمرار حدوث "انخفاض عادي"، حتى ولو كان بوتيرة متزايدة، في السعر غير الرسمي لصرف الريال الإيراني، لكنه بالتأكيد ليس كافيا لفهم الانهيار الذي حدث فجأة في قيمة الريال وأدى إلى أن يفقد 40% من قيمته أمام الدولار الأمريكي في السوق السوداء خلال يومين فقط! العقوبات وحدها يمكن أن تفسر حدوث تغير تدريجي في سعر الصرف، ولكن ليس انهيارا سريعًا في قيمة الريال في فترة قياسية من الزمن، لأن سوق سعر الصرف غير الرسمي كان قد أخذ تأثير هذه العقوبات في الاعتبار من قبل، ولا يوجد جديد في الأمر يبرر ما حدث.

هناك من يُرجع هذا التدهور الكبير والسريع في سعر الصرف إلى قرار البنك المركزي الإيراني في نهاية شهر سبتمبر الماضي باستحداث "نظام متعدد لأسعار الصرف"، يتم بموجبه توفير الدولار الأمريكي للمستوردين الإيرانيين، بأسعار صرف مختلفة حسب نوعية السلعة المستوردة. فالسلع الأساسية الضرورية المستوردة (من غذاء ودواء)، حسب النظام الجديد، يحصل مستوردوها على "سعر تفضيلي" يساوي السعر الرسمي للدولار عند 12,260 ريال. بينما يدفع مستوردو السلع غير الضرورية سعرًا للدولار يقل 2% عن سعر السوق، في حين يحصل الآخرون على الدولار من البنك المركزي الإيراني حسب سعر السوق. هذا النظام الجديد لـ"أسعار الصرف الرسمية" الذي استهدف على ما يبدو ترشيد استعمال النقد الأجنبي الموجود لدى البنك المركزي الإيراني أدى إلى حدوث ردة فعل عكسية في أسواق تبادل العملات في طهران التي رأت فيه مؤشرًا على وجود نقص كبير لدى البنك المركزي من احتياطات النقد الأجنبي، مما دفع السوق إلى رفع سعر الدولار في خلال يومين فقط، من 24,000 ريال للدولار إلى 37,000 ريال.

هذا التفسير الأوّلي للهبوط الحاد الذي حدث مؤخرا في قيمة الريال الإيراني يبدو معقولا في ضوء ما تم شرحه قبل قليل من عدم وجود تغيرات جذرية سلبية على الصعيد الاقتصادي أو السياسي في إيران تستوجب حدوث تغيرات حادة في سعر الصرف، وهو الشيء الذي على ما يبدو دفع بالبنك المركزي الإيراني يوم 6 أكتوبر إلى أن يضع سقفًا أعلى لسعر الصرف غير الرسمي للدولار لا يتجاوز مبلغ 26,000 ريال، وأن يعطي تعليماته لأسواق الصرف ولتجار العملة بألا يتم بيع الدولار الأمريكي في السوق بأعلى من هذا السعر.

3- ماذا يعني انهيار قيمة الريال الإيراني ؟

يتطلب التحليل الاقتصادي لما حدث، والبحث عن المعنى من ورائه، الغوص بدرجة أكبر من مجرد قبول للتفسير الذي رأى في انهيار قيمة الريال بالسرعة التي حدث فيها مجرد ردة فعل من قبل المتعاملين في السوق غير الرسمي لأسعار الصرف في بازار طهران. وفي هذا الجزء الأخير من الورقة، سنحاول القيام بذلك.

ففي ضوء ما تم شرحه حتى الآن عن التغيرات التي حدثت في قيمة الريال الإيراني خلال السنتين الأخيرتين، وفي ضوء ما هو متاح ومعروف من معلومات وبيانات حول الاقتصاد الإيراني بشكل عام، يمكن التوصل إلى ثلاثة استنتاجات مركزية فيما يتعلق بتفسير التغيرات الحادة التي حدثت في سعر صرف الريال الإيراني خلال أول يومين من الشهر الحالي:

أولا: أن هناك اتجاهًا عامًّا لحدوث انخفاض مستمر في قيمة الريال الإيراني كما تعكسه تداولات أسوق الصرف غير الرسمية في طهران. هذا الاتجاه "النزولي" بدأ منذ بداية عام 2011، كما هو واضح من الرسم البياني، واستمر حتى اليوم. أغلب الظن أن هذا الانخفاض في قيمة العملة الإيرانية سيستمر أيضًا في المستقبل المنظور على الأقل، وذلك بسبب استمرار العوامل السياسية والاقتصادية التي أدت إلى حدوثه في المقام الأول.

ثانيًا: أن هذا الانخفاض في القيمة غير الرسمية للريال الإيراني، وكما هو واضح من التغيرات التي حدثت في السنتين الأخيرتين، حدث بوتيرة متزايدة ومتسارعة عبر الزمن، كما يتمثل في حجم الفجوة دائمة الاتساع بين السعرين الرسمي وغير الرسمي لصرف الريال. هذه الفجوة (أي حجم الانخفاض في قيمة الريال) كانت تقدر في نهاية الفترة الأولى (شهر ديسيمبر 2011) بحوالي 1,240 ريال، زادت في نهاية الفترة الثانية (شهر مايو 2012) إلى 4,740 ريال، ثم إلى 11,740 ريال في الفترة الثالثة (شهر سبتمبر 2012)، إلى أن وصلت مؤخرا (في 2 أكتوبر الحالي) إلى 24,740 ريال. ومرة أخرى، فإن هذه الوتيرة المتزايدة والمتسارعة في تدهور قيمة الريال من المتوقع أن تستمر في المستقبل المنظور بسبب استمرار وجود العوامل التي أدت إلى وجودها في المقام الأول، أي زيادة تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية في إيران عبر الزمن.

ثالثًا: أن مصادر القوة الذاتية التي شكلت في الماضي القريب، ولا تزال حتى الآن تشكل إلى حد ما، عناصر يمكن للاقتصاد الإيراني الاعتماد عليها في تغلبه على الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية الغربية والتخفيف من حدّتها، آخذة في الضعف التدريجي مع مرور الزمن. المقصود هنا على وجه التحديد ثلاثة عوامل تتمثل في وجود فائض في ميزان المدفوعات يقدر هذا العام بحوالي 31 مليار دولار، وفي انخفاض نسبة الدين المحلي إلى الناتج المحلي الإجمالي (9% فقط)، ووجود احتياطي من النقد الأجنبي يقدر بحوالي 103 مليارات دولار تكفي لتغطية 18 شهرا من الواردات.

هذا الضعف التدريجي والمتوقع في هذه العناصر بسبب زيادة الضغوط السياسية الخارجية وتأثير حزمة العقوبات الاقتصادية الدولية، وما لم تحدث تطورات (إيجابية) في الاتجاه المضاد، سوف تعكس نفسها في تدهور مستقبلي ومستمر في قيمة العملة الإيرانية.

الخلاصة:

بناءً على ما سبق يمكن القول، وبدرجة معقولة من الثقة، إنه في الوقت الذي لا يمكن فيه الجدل كثيرًا حول التأثير السالب للعقوبات الأوروبية والأمريكية على الاقتصاد الإيراني بشكل عام، وعلى قيمة الريال الإيراني بشكل خاص، سواء منذ وقت اتخاذ القرار بفرض هذه العقوبات في بداية العام الحالي أو منذ دخولها حيز التنفيذ في بداية شهر يوليو؛ إلا أن محاولة تفسير ما حدث من انهيار مفاجئ لقيمة الريال مؤخرا بهذه العقوبات وحدها هو تفسير مبالغ فيه، ومن الصعب الأخذ به.

الأكثر خطأ وخطورة هو أن يتم قراءة ما حدث بشكل غير متعمق، وأن يتم الاقتناع بهذا التفسير "المُريح" من قبل الأطراف التي قامت بفرض هذه العقوبات، وتقوم نتيجة ذلك باتخاذ توجهات سياسية متشددة، يمكن أن تؤدي إلى إطالة أمد النزاع مع إيران بدلا من التوصل إلى اتفاق بشأنه.

aymaan noor 15-10-2012 09:59 AM

الأردن يبحث عن نفسه: الحكم والإصلاح والبعد الإسرائيلي
 
الأردن يبحث عن نفسه: الحكم والإصلاح والبعد الإسرائيلي
http://arabic.jadaliyya.com/content_...rdanisrael.jpg
لبيب قمحاوي

يعاني الجسم السياسي الأردني من حالة إنهاك واستنزاف متفاقمين. فالحكم يعيد اجترار نفسه ضمن نفس المجموعة من المسؤولين الذين أصبحوا عبئاً على النظام أكثر من كونهم سنداً له. وبواقع الممارسة، عزل النظام نفسه عن قاعدته الشعبية خصوصاً المتعلمة والمثقفة والناشطة سياسياً مما جعله يدور في حلقة مفرغة. واستعاض الحكم عن أسلوب الحوار كوسيلة للتواصل مع قاعدته الشعبية بأسلوب إدارة القطيع حيث يتم استعمال سطوة الدولة لفرض وجهة نظر الحكم أو للحصول على تأييد شعبي مصطنع لسياسات أو قرارات حكومية لا تحظى أصلاً بشعبية أو قبول. وقد ساهم أولئك المسؤولين في تفاقم الوضع نتيجة قناعاتهم بأن الشعب لا يملك حولاً و لا قوة، وأنهم بالتالي فوق الشعب وفوق القانون وأن ما هو غير مباح يمكن أن يُستباح.

لقد خلق الشعور بفقدان قنوات الاتصال والتواصل بين الحكم والشعب حالة من الإحباط الشعبي الذي أخذ يعبر عن نفسه بهبات من الغضب حيناً والاحتجاجات أحياناً، تطورت بالنتيجة ومع حلول الربيع العربي إلى المطالبة الشعبية ببرامج إصلاح متشعبة، استندت إلى قاعدة صلبة من إجماع وطني على محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين واسترجاع المال العام. ولكن نظراً لحالة الانغلاق التي يعيشها النظام ضمن إطار تلك الأقلية الحاكمة المنغلقة على نفسها، يبدو أن النظام اعتبر هذا المطلب وكأنه لائحة اتهام ضده. وتضافرت قوى مؤسسة الحكم لمقاومة هذا المطلب إما دفاعاً عن النفس أو دفاعاً عن الافتراض الخاطىء بأن في هذا المطلب إدانة للجميع. وابتدأت المسيرة المؤلمة التي صبغت العلاقة الغامضة بين الحكم والشعب وتراوحت بين المسايرة والاسترضاء والاحتواء إلى الالتفاف على مطالب الإصلاح إلى أن انتهت بانتصار قوى الشد العكسي ضمن مؤسسة الحكم وتُوِّجَ هذا الانتصار بالإعلان عن تشكيل أسوأ حكومة شهدها الأردن منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن وهي حكومة فايز الطراونة. وعادت قوى الانغلاق لتمارس سياساتها العرفية بشكل علني وابتدأت عملية البطش بحرية الرأي والتعبير وكذلك بقيادات الحراكات الشبابية وقادة الرأي العام في الأردن. ويبقى السؤال الكبير يلوح في ذهن الكثيرين، إذا كان الحكم في هذا المزاج العدواني ، فمن سيشفع للشعب الأردني ومن سيقف إلى جانبه في مواجهة هذا العدوان القادم من مؤسسة الحكم على حقوقه الدستورية خصوصاً وأن الجميع راغب في المحافظة على سلمية الحراك الشعبي ومطالب الإصلاح؟

عندما ينحدر مستوى أداء بعض أدوات الحكم في تعاملها مع المعارضة إلى حد الردح والكذب والشتيمة ، كما تجسده بعض الصحف المحسوبة على النظام وكذلك تصريحات بعض المسؤولين، فماذا يتبقى؟ وماذا عن البديل الحضاري المتمثل في الحوار وقبول الرأي الآخر والانحناء أمام رغبة الأغلبية؟ إن تشويه الحقائق والتلاعب بها لن يؤدي في نهاية الأمر إلا إلى خلق أوهام كاذبة لدى الحاكم، وغضب مكبوت أو معلن لدى المحكوم. وهكذا، فإن الإدعاء الرسمي الأردني بأن المعارضة ومطالب الإصلاح محصورة بالحركة الإسلامية هو إدعاء غير صحيح ويهدف إلى خلق انطباع عام داخلي وخارجي بأن الرهان هو بين الحكم والاستقرار من جهة والحركة الإسلامية وأسلمة الدولة الأردنية وبالتالي الفوضى من جهة أخرى. لعبة شيطانية لا تخفى على أحد. ومع ذلك فإننا لسنا بصدد تفنيد مناورات واتهامات ومخططات حكومية تستهدف التضليل والإلهاء ، بقدر ما نحن بصدد الغوص في عمق الحقيقة بهدف استكشاف ومعرفة ما نحن مقبلون عليه، وما هو مخبأ للأردن والأردنيين. القليل جداً قد يعلم كنه ما نحن بصدد الحديث عنه، ولكن الأغلبية الساحقة قد حُجبت عنها الحقيقة وخضعت لعملية تضليل رافقت مسيرة الدولة منذ نشأتها وحتى الآن.

لقد تمكنت الدولة الأردنية منذ نكبة فلسطين من العيش ببحبوحة فاقت إمكاناتها الحقيقية. بحبوحة مصطنعة أبقت هذه الدولة قادرة على الاستمرار ولكن دون السماح لها بترف العيش الرغيد. معادلة محسوبة بدقة حتى لا تتجاوز هذه الدولة الخطوط الحمراء المرسومة لها، والمهمات الثقيلة الملقاة على كاهلها. فالفقر الزائد قد يدفع إلى الثورة والترف الزائد قد يوهم الضعيف بأنه قادر والصغير بأنه كبير. وهكذا، فقد عاش الأردن منذ نشأته معتمداً على مساعدات خارجية أضعفت من استقلاليته السياسية ورهنت مواقفه برضا الدول المانحة. وتم بناء الاقتصاد الأردني على أساس أنه اقتصاد رعوي والمنظومة الاجتماعية باعتبارها منظومة رعوية بهدف إبقاء معظم السكان مرهونين للحكم. ومن هنا نرى أن معظم ميزانية الدولة الأردنية تذهب إلى الرواتب ، ورخاء الشعب أو معاناته هي أيضاً مرهونة للحكم وسياساته وقراراته الاقتصادية. وقد وَلَّد هذا الواقع شعوراً عاماً بأهمية استمرار الحكم واستقرار الدولة حتى يبقى النظام الرعوي قادراً على تلبية الحد الأدنى من المطالب الحياتية للشعب. وقد شجع هذا الواقع العجيب الحكم على اعتبار ما تملكه الدولة مِنَّة من الحاكم وهو صاحب الفضل في كل شيء. وترجم هذا الواقع نفسه في استبدال السياسات الحكومية بالمكرمات، وأصبح الشعب ينظر إلى الحكم وليس إلى الحكومة في كل ما يريد وما لا يريد. ولا عجب أن يعتبر الحكم، انطلاقاً من ذلك، أن مطالب الإصلاح هي اقرب إلى نكران الجميل منها إلى الحق الطبيعي للشعب. وأصبح تعامله مع تلك المطالب أيضاً بمنظور المكرمات مما يتنافى وأبسط مطالب الإصلاح الحقيقي.

المشكلة التي تجابهها المعارضة الأردنية الآن هي في كون القضايا الإصلاحية التي تطرحها كقضايا داخلية تجيء في أدنى سلم الأولويات بالنسبة للعالم الخارجي في علاقته مع النظام الأردني . وقد ساهم في تكريس ذلك موقف الشعب الأردني من معاهدة وادي عربة وانحسار التأييد لها بشكل متواصل منذ التوقيع عليها وحتى الآن.

إن وجود الدولة الأردنية واستمرارها كان مرتبطاً منذ البداية بالقضية الفلسطينية والمصالح الإسرائيلية. والمطلوب من الأردن إقليمياً أهم لمعظم دول العالم مما يريده الأردنيون لأنفسهم من إصلاحات داخلية. وما يريده الأردنيين من إصلاحات لنظامهم السياسي لن يحظى بأي دعم خارجي إذا كان ثمن ذلك إضعاف قدرته على القيام بالواجبات المناطة به فيما يتعلق بإسرائيل وبرنامج التسوية النهائية. فالمشكلة التي تجابه الأردن، في الحقيقة، هي في كون القضايا المتعلقة بالإصلاح وحقوق المواطنين في الأردن تأتي في أدنى سلم الأولويات بالنسبة للعالم الخارجي في علاقته مع الأردن. فما يهم العالم الخارجي فيما يتعلق بالأردن هي استمرار قدرته على الاستجابة لمتطلبات الأمن الإسرائيلي والمصالح الإسرائيلية التي تتلخص في النهاية في حل سلمي للمشكلة الإسرائيلية وفي تنظيف تبعات هذا الحل سواء أكان دور الأردن فيه كمنطقة عازلة أو كجسر موصل للتطبيع، أو كوعاء يستوعب ذيول وتبعات ذلك الحل.

وفي كل الأحوال، فإن الدعم لمثل هذا الدور لا يأتي من القاعدة الشعبية العريضة للأردنيين، ولا من المعارضة الأردنية، ولكن من الحكم والمؤسسات التابعة له. لقد ناضل الشعب الأردني لما يزيد عن ستين عاماً لتعديل المسار المرسوم للدولة الأردنية بشكل يعيد رسم الدور المناط بها لمصلحة الشعب، ولكن يد الحكم كانت دائماً أقوى. فقد ارتبط بقاء الحكم ببقاء الدولة، وارتبط بقاء الدولة بقدرتها على القيام بالواجبات المناطة بها.

المعادلة إذاً واضحة، فقدرة النظام في الأردن على الوفاء بالتزاماته أو بما هو مطلوب منه تجاه إسرائيل وأمنها ومصالحها وإلزامه بذلك هو أكثر أهمية من إلزامه باحترام حقوق الإنسان الأردني. وهكذا، فإن ما يعتقده معظم الأردنيين بأن ما نحن بصدده من مطالب إصلاحية هو شأن أردني قد يثبت خطأه في نهاية المطاف. ما نحن بصدده هو، في الحقيقة، أكبر من الأردن. فالأردن وُلِد وكتابه بيساره وأمره محسوم. وعلاقة القوة التي تحكم أطراف المعادلة السياسية فيه ما زالت حتى الآن خاضعة لتلك المعادلة. وقد استوعب النظام الأردني ذلك، ومن هنا فإن تعامله مع الشعب يأتي بفوقية واضحة أساسها قناعته بأن معادلة القوة التي تحكم بقاءه وترغب في استمراره أقوى من معادلة القوة الداخلية التي تسعى إلى تحجيمه ووضع قيود على سلطاته المطلقة. وبين هذا وذاك، فإن على الشعب الأردني أن يسعى لتغيير واقعه نحو الأفضل، خصوصاً وأن مطلبه الإصلاحي الرئيسي باستبدال النظام الرئاسي الملكي بالنظام النيابي الملكي هو مطلب عادل ودستوري.

إن بقاء النظام هو خيارٌ أردنيٌ حقيقيٌ، ولكنه أيضاً خيارٌ غربيٌ مرتبطٌ بالدور المرسوم للأردن. وعلى الأردنيين العمل على إيجاد معادلة توفق بين بقاء النظام كخيار أردني والإصلاح السياسي كمطلب أردني وفك الارتباط بين الأردن والدور المرسوم له كهدف أردني.

فالأردن إذا كان بنظر البعض حالة طارئة فهذه هي مشكلة من يؤمن بذلك ، إلا أن الشعب الأردني ليس كذلك وهو مكون أصيل وجزء حقيقي من تاريخ وتراث المنطقة لا يجوز إهماله والتعامل معه باعتباره كماً لا قيمة له. وتحويل قضايا الشعب الأردني ومطالبه العادلة إلى حالة اعتداء على الشرعية أمرٌ مرفوضٌ ولا يمكن القبول به. فالشرعية أساسها الشعب حسب الدستور الأردني الذي ينص على أن "الأمة هي مصدر السلطات". والدولة الأردنية يجب أن تكون تجسيداًً لإرادة الشعب الأردني أمينة على تلك الإرادة أولاً وأخيراً وليست أمينة على قرار وزير المستعمرات البريطاني قبل ما يقارب من مائة عام. إن الوفاء المطلوب هو لإرادة الشعب ومصلحته وهذا هو أساس الشرعية الحقيقية. والشعب الأردني الذي رافق تأسيس الدولة وابتدأ كمجموعات من أصول مختلفة قد أصبح الآن شعباً واحداً متجانساً ومتلاحماً له وطن يدافع عنه ويعيش في كنفه، وعليه واجب إنقاذه من الإرث التاريخي الذي فرضه الاستعمار على الدولة ورافقها منذ تأسيسها.

aymaan noor 16-10-2012 10:15 AM

كيف سيتعامل الرئيس الأمريكي القادم مع الشرق الأوسط؟
 
تحديات ما بعد الثورات
كيف سيتعامل الرئيس الأمريكي القادم مع الشرق الأوسط؟

http://www.rcssmideast.org/media/k2/...a8300016_L.jpg
شادي حميد، تمارا ويتس
تفرض التطوراتُ التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط إثر ثورات الربيع العربي التي اجتاحت معظم -إن لم يكن كل- بلدان المنطقة نفسها على أجندة مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ظل تأثير التطورات والتغيرات التي تشهدها دول المنطقة على المصالح الأمريكية بالمنطقة.

وقد تزايد هذا التأثير مع اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا جون كريستوفر ستيفنز على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة ضد الفيلم المسيء للرسول، صلى الله عليه وسلم، وحضور قضايا الشرق الأوسط في المناظرات التلفزيونية بين الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" -الساعي إلى الفوز بولاية ثانية- ومنافسه الجمهوري "ميت رومني"، وكذلك بين نائب الرئيس "جون بايدن" ومنافسة "بول راين".

وهو الأمر الذي فرض على مراكز الفكر والرأي الأمريكية تقييم السياسات الأمريكية لإدارة باراك أوباما تجاه المنطقة، وتعاملها مع ثورات الربيع العربي، واستشراف مستقبل السياسات الأمريكية تجاه المنطقة التي تشهد مخاضًا سينم عن تطورات وتغييرات في شكل المنطقة وتوجهاتها وسياساتها، مما يؤثر على المصالح والأمن القومي الأمريكيين.

في هذا السياق؛ عقدت مؤسسة بروكينجز حلقةً نقاشيةً يومَ الثلاثاء الموافق 25 سبتمبر 2012 لبحث التحديات التي سيواجهها الرئيس الأمريكي القادم في منطقة الشرق الأوسط، وكيفية التعامل معها، وجاءت الحلقة تحت عنوان "الحملة الانتخابية لعام 2012: الصحوة العربية".

تمحورت الحلقةُ النقاشية في الأساس حول مناقشة الورقة التي أعدها شادي حميد (الباحث بالمؤسسة) والتي يطرح فيها بعض السياسات التي ينبغي على الرئيس الأمريكي القادم انتهاجها إزاء الشرق الأوسط، والتعليق على ورقة حميد الذي أعدته تمارا ويتس (مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمؤسسة بروكينجز) التي تناشد فيها الرئيس القادم التعاملَ مع تداعيات الشرق الأوسط بمرونة، وكذا تعليق أستاذ التنمية الدولية "راج ديساي" على ورقة حميد أيضًا، والتي يوصي فيها الرئيس الأمريكي القادم بالتركيز على التنمية الاقتصادية في المنطقة من أجل دفع الديمقراطية، وإعادة بناء النفوذ الأمريكي.

سياسة الإدارة الجديدة تجاه المنطقة

ذكر حميد في ورقته أن مشاكل الشرق الأوسط لن تُحلَّ خلال الأعوام الأربعة القادمة. وعلى الرغم من بعض النماذج التي تدعو للتفاؤل مثل تونس، فإن وضع المنطقة بشكل عام لا يُنبئ بأي تحسن كبير في المدى القريب، بل من المحتمل أن يزداد الوضع سوءًا قبل أن يتحسن. وبهذا يصبح السؤال الرئيسي الذي سيواجه الرئيس الأمريكي القادم هو إلى أيِّ حدٍّ ينوي التخفيف من مشاكل المنطقة، والمساعدة في توجيهها للخروج من أسوأ المسارات إلى أفضلها.

ويُشير إلى أن مرشَّحَيِ الرئاسة "باراك أوباما" و"ميت رومني" أثناء الانتخابات التمهيدية اتخذا مواقف متباينة جدا. فثمة فجوة كبيرة بين الديمقراطيين والجمهوريين فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فالحزبان مختلفان حول السياسة المفترض انتهاجها في المنطقة.

ويرى حميد أن هوية الرئيس القادم لن تحسم المسألة كما ينبغي، نظرًا لوجود تعارض في وجهات نظر الحزبين، ومن ثم يدعو الإدارة القادمة سواء أكانت من الديمقراطيين أم الجمهوريين إلى التفكير جديًّا بشأن كيفية التعامل مع منطقة الشرق الأوسط على أساس مجموعة جديدة من المبادئ.

ويقول إن الولايات المتحدة لم تعد قادرةً بعد الآن على تنحية تطلعات العرب العاديين جانبا حتى إذا كانت تلك التطلعات متعارضة مع مصالحها الخاصة، فكلمة الشعوب بعد الربيع العربي باتت هي الكلمة المسموعة.

ويُذكر أن الولايات المتحدة كانت قبل الربيع العربي تتجاهل أو ترفض المشاعر المعادية لها، وجُل ما كانت تهتم به هو موقف الحكومات التي كان معظمها يؤيد السياسة الأمريكية في المنطقة. ويضيف: في السنوات القادمة قد تجد الولايات المتحدة نفسها عاجزة عن تطبيق سياسة التجاهل هذه.

فمع كراهية عشرات الملايين من العرب للولايات المتحدة، واعتبارهم إياها قوةً تدميرية في المنطقة، ستجد الحكومات الديمقراطية الجديدة نفسها مضطرة للتحرك ضد المصالح الأمريكية لكسب التأييد الشعبي، ومن ثم سيكون على الولايات المتحدة التعاطي مع ذلك بحكمة، حسبما يرى حميد.

ولا شك أن مشاعر الكراهية المتأججة لدى العرب لن تنطفئ بين عشية وضحاها، ولكن يمكن للولايات المتحدة العمل على المدى الطويل في بناء علاقات جديدة قائمة على المصالح والقيم المشتركة مع الحكومات الديمقراطية الجديدة في المنطقة.

ووفقًا لحميد، ينبغي على الرئيس الأمريكي المقبل العمل على زيادة المخصصات المالية الأمريكية المخصصة لتمويل جهود الإصلاح بالمنطقة، والتي تُعد بدورها حافزًا واضحًا للدول العربية لإجراء الإصلاحات اللازمة، على ألا يقل هذا التمويل عن 5 مليارات دولار. كما ينبغي أن يكون تلقّي المساعدات مشروطًا بتلبية مجموعة من المعايير الواضحة التي تُعتبر مقياسًا للديمقراطية. ولطمأنة الدول المتشككة في نوايا الولايات المتحدة والدول المانحة يقول حميد يمكن إرسال رسالة واضحة مضمونها هو أن "الديمقراطية لا يمكن فرضها، ولكن يمكن دعمها بقوة وفعالية".

وعن الدول المتحولة للديمقراطية، مثل مصر وتونس وليبيا، يؤكد على ضرورة أن تتضمن المعايير الأمريكية لدعم تلك الدول عدم التدخل العسكري في الشئون المدنية، واستقلال القضاء، ودعم حرية الصحافة وحمايتها. أما في حالة الأنظمة الملكية الليبرالية مثل الأردن والمغرب والكويت، فيجب أن تُركّز هذه المعايير على إتاحة الساحة السياسية للجماعات المعارضة، وعلى الانتقال التدريجي للسلطة إلى المؤسسات المنتخبة بإرادة الشعب.

ثلاثة تحديات في انتظار الإدارة الجديدة

من جانبها ترى "تمارا ويتس" أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستواجه ثلاثة تحديات رئيسية بالمنطقة، تتمثل تلك التحديات في الآتي:

التحدي الأول: استثمار الموارد بطريقة تيسِّر إرساء الاستقرار والديمقراطية في الشرق الأوسط، بما يخدم المصالح الأمريكية بالمنطقة أيضًا.

التحدي الثاني: تبنّي حوار مفتوح على نطاق واسع مع الأصوات العربية الثائرة.

التحدي الثالث: التوفيق بين القضايا المتعلقة بالمشكلات الأمنية في المنطقة من ناحية، والديمقراطية والإصلاح من ناحية أخرى، لا سيما في ظل الاهتمام المتزايد بالملف النووي الإيراني بالمنطقة.

وفي ورقتها، تحض ويتس الإدارة الأمريكية على الحفاظ على الحوار مع الجماعات السياسية ذات المرجعية الدينية؛ حيث ترى أن الفشل في الحفاظ على الحوار من الممكن أن يضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما أن هذه الجماعات ستظل جزءًا هامًّا من المشهد السياسي في السنوات القادمة.

وتذكر أنه لا ينبغي على الأمريكيين في الوقت الراهن افتراض النجاح الدائم للإسلاميين على المدى الطويل، ففوز مجموعة منهم في انتخابات ما بعد الثورة لا يعني بالضرورة انتصارهم في ظل بيئة تنافسية تعددية. ومن ثم يتعين على الإدارة القادمة ألا تنشغل بالتعامل مع الفائزين، وإنما عليها إرساء أسس من الاحترام المتبادل لبناء علاقات تعاونية قائمة على المصالح المشتركة عندما تتضح الصورة النهائية. والأهم من ذلك كله أنه ينبغي على الحكومة الأمريكية تلافي الوقوع في فخ "استبدال مجموعة من النخب الإقليمية" بمجموعة أخرى.

الربيع العربي يقلب الموازين

وفقًا لـ"راج ديساي" برعت الولايات المتحدة على مر سنوات طويلة في تجاهل الديمقراطية في الشرق الأوسط من أجل "دعم الحكام السلطويين الذين عملوا على إرساء الاستقرار في سوق النفط، ووقعوا المعاهدات مع إسرائيل، وقمعوا الجماعات الإسلامية، وشاركوا في أعمال مكافحة الإرهاب".

وفي عهد الرئيس بوش، وبصرف النظر عن العراق، تسامحت بعض الدول العربية مع الأنشطة الأمريكية المؤيدة للديمقراطية طالما أنها لا تشكل تهديدًا للأنظمة الحاكمة القائمة. وفي عامي 2009 و2010، خُفّض تمويل مثل هذه الأنشطة في بعض دول الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد يُشير حميد إلى أن الربيع العربي قلَب تلك الموازين؛ إذ أظهرت الانتخابات التونسية والمصرية أن الناخب التونسي والمصري من ذوي الفكر المعتدل باتا أكثر عداءً للولايات المتحدة وإسرائيل، وأكثر مناصرة للإسلاميين. لذا كان يجب على إدارة أوباما التصدي لواقع تفضيلات هؤلاء الناخبين والتي إذا تمت ترجمتها بلغة السياسة فقد تهدد السلام أو الاستقرار في المنطقة.

بيد أن إدارة أوباما وجدت نفسها مضطرة للدخول في مناورة سياسية معقدة تدعم فيها المواطنين التونسيين والمصريين والليبيين، وتُثبت فيها في الوقت عينه "دعمها للديكتاتوريات في الأردن والمملكة العربية السعودية والبحرين".

وأعرب ديساي عن معارضته لاقتراح حميد المتعلق بمنح الحكومات القائمة أو حكومات الظل قروضًا صغيرة في حالة موافقتها على تبني إصلاحات ديمقراطية وفق معايير معينة.؛ فقد يثير مثل ذلك التمويل ثلاثة مخاوف من وجه نظر ديساي تتمثل في:

أولًا: الخوف من عدم دعم دول الربيع العربي للمؤسسات الدولية. يرى ديساي أن من المستبعد حاليًّا أن تجد المؤسسات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة أي مؤيدين لها وسط المناخ العربي السياسي المضطرب؛ فالشعوب العربية لن تنسى أبدًا أن النظام الأمريكي دعم الأنظمة السابقة ماليًّا لفترة طويلة، ولن تنسى كذلك الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في فترة التقشف خلال الثمانينيات والتسعينيات أثناء هبوط أسعار البترول؛ إذ عانت الدول العربية آنذاك من تباطؤ الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية، ما دفعها إلى إنهاء تعاقدات بعض العاملين طويلة الأجل، وإلى تقليل حجم الفائدة العامة العائدة على الشعب. ومن المستبعد أن يهدأ هذا الاحتقان قريبًا، على حد قول ديساي.

ثانيًا: الخوفُ من عدم استيفاء الشروط. في الوقت الراهن، تُدار عمليات الإصلاح من قبل بعض المؤسسات، مثل مؤسسة تحدي الألفية الأمريكية (Millennium Challenge Corporation)، وهي مؤسسة غير متعددة الأطراف، وتوفّر منحا بناءً على ما إذا كان المتلقّي يحقق مستوى معينًا من الإدارة الحكومية الجيدة، ومؤسسة شراكة الحكومة المنفتحة (Open Government Partnership)، وهي مؤسسة تطوعية متعددة الأطراف لا تقدم قروضًا إلا في حالة استيفاء شروط معينة. ومن وجهة نظر ديساي؛ سيكون من الأفضل للولايات المتحدة توسيع مجال عمل برامج المؤسستين في الشرق الأوسط، بدلا من إنشاء مؤسسة جديدة.

ثالثًا: الخوف من عدم نجاح الأنشطة المروِّجة للديمقراطية. يرى بعض المحللين أنه ليس ثمة تأثير يُذكر للمساعدات المشروطة بتطبيق الديمقراطية. فبعض المناطق، مثل أوروبا الشرقية، لم تتحول ديمقراطيًّا بشكل رئيسي إلا بالتحفيز والتشجيع. فأوروبا الشرقية لم تتحول تحولا جذريًّا إلا بعد أن عُرض عليها عضوية الاتحاد الأوروبي، ومن ثم يمكن القول إن غياب مثل هذا الحافز الخارجي في حالة العالم العربي يجعل نجاح الأنشطة المروّجة للديمقراطية هناك أمرًا مستبعدًا.

الحلقة النقاشية.. تقيم السياسات الأمريكية

افتتح حميد الحلقة النقاشية بتحليل موقف الرئيس الأمريكي أوباما تجاه العالم العربي قبيل اندلاع الثورات العربية، مشيرًا إلى أن أوباما ركّز في فترة رئاسته على إعادة بناء العلاقات الهشة مع الأنظمة العربية المستبدة الموجودة، بيد أنه تمكّن في نهاية المطاف من احتواء الوضع الراهن الجديد.

وفيما يتعلق بالمعونات الأمريكية، قال حميد إن المساعدات المقدَّمة للمنطقة تضاءلت منذ اندلاع الثورات، ولفت إلى أن الولايات المتحدة "غير متناسقة" المواقف حيال دول المنطقة، ما عزز التصور في الشرق الأوسط بأن أوباما "ذو شخصية ضعيفة، ولا يمكن الاعتماد عليه" على حد وصفه. واستطرد حميد قائلا إن إحجام تركيا أو دول الخليج عن اتخاذ إجراءات بشأن سوريا من دون دعم الولايات المتحدة يدل على أن الولايات المتحدة ما زال "لا غنى عنها" في المنطقة.

ومن جهتها، أشارت ويتس إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه أوباما هو "الميزانية"؛ فبدون تنظيم موارد مالية أكبر من خلال الكونجرس، سيستحيل إنشاء خطط طويلة الأجل وبرامج للمنطقة في مرحلة ما بعد الربيع العربي. وتمثّل التحدي الثاني، على حد قولها، في مواصلة الإسلاميين انتصاراتهم في البلدان التي لا تحظى الولايات المتحدة فيها بشعبية. وقالت ويتس: "من الصعب جدًّا على الولايات المتحدة بناء علاقات مع هذه البلدان خلال الفترة الانتقالية التي تمر بها، فالولايات المتحدة قد تَعْلق بين القوى المتنافسة".

أما ديساي فقال إنه يجب على أوباما توضيح التحديات التي سوف تواجهها المنطقة على المدى البعيد والقصير، من أجل حشد دعم لمساعدات أمريكية أكبر للشرق الأوسط. وفي حال لم توفر الولايات المتحدة المزيد من المساعدات المالية؛ ستقع مصر في أزمة مالية في غضون أشهر، وستمر البلدان المنتقلة إلى الديمقراطية بأوقات عصيبة في ظل سعيها للحفاظ على الاستقرار، وتعزيز التجارة، وتوفير فرص عمل. على حد قول ديساي.

ويحث أستاذ التنمية الدولية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حلقة النقاش على تجنب علاقات الشراكة المباشرة مع الحكومات، والتركيز بدلا من ذلك على تقديم المساعدات مباشرة للقطاع غير الرسمي. وأعرب عن أمله في أن تتوقف الولايات المتحدة عن التطلع إلى الحكومات كأوصياء على الشعب، والبدء في التعامل المباشر مع المواطنين أنفسهم.

وخلال المناقشات حددت ويتس المصالح الأمريكية في المنطقة خلال السنوات القادمة. فقالت إنه رغم كون مكافحة الإرهاب أولوية أساسية من الأولويات الأمريكية، سيظل التدفق الحر لموارد الطاقة من الخليج العربي محط اهتمام الولايات المتحدة.

من جانبه، قال حميد إن الدعم الأمريكي للأنظمة المستبدة في المنطقة "وُجِّه بشكل سيئ جدًّا" لعقود، مما سبب الكثير من الاضطراب اليوم. واتفق ديساي مع الرأي القائل بأن أربعين عاما من "الاستقرار" في المنطقة مرّت في جو من الركود الاقتصادي والاستياء الشبابي. واختتم كل من ويتس وديساي حلقة النقاش بالتشديد على ضرورة العمل مع القاعدة الشعبية والمؤسسات الشبابية، ودعم الاستقلالية الفردية وتكافؤ الفرص.

محمد محمود بدر 16-10-2012 11:46 AM

لو حضرتك نفتكر ان كل انتخابات نسأل نفس السؤال
وعمر الرئيس الامريكى ما عبر البلاد العربية مع ان الجاليه العربية والاسلاميه فى امريكا لا يستهان بها لكن ليس لهم وزن نسبى فى الاصوات اهم حاجه عندهم اسرائيل
شكرا للموضوع وجزاك الله خيرا

aymaan noor 16-10-2012 03:01 PM

ثلاثة أشهر من حكم الرئيس مرسى: مواجع اقتصادية لا تنتهى
 
ثلاثة أشهر من حكم الرئيس مرسى: مواجع اقتصادية لا تنتهى
عالية المهدى
أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية
جامعة القاهرة
تبارى المحللون فى تقييم أداء السيد الرئيس خلال المائة يوم الاولى من حكمه. نظروا إلى وعوده الانتخابية العديدة واستمعوا إلى تصريحاته فى خطاب الاستاد حول حجم الإنجاز أو الاخفاق.

وأنا لن اتطرق لهذا الموضوع حيث سبقنى اليه الكثيرون ولن اضيف اليه كثيرا. فمتى انتفت معايير او مقاييس الحساب التى نستخدمها فى مقارنة الوضع قبل وبعد المائة يوم تصبح التصريحات والمقارنات عبارة عن هزل فى مجال الجد.

ولكنى سوف اتطرق لموضوع مسكوت عنه الا قليلا جدا طوال المائة يوم السابقة، وهو ماذا انجز الدكتور مرسى وحكومته فى المجال الاقتصادى؟

●●●

يتضح من متابعة التصريحات الرئاسية والوزارية واللقاءات الاعلامية المختلفة ان القضية الاقتصادية تحتل مكانة دنيا فى سلم اولويات الرئاسة والحكومة وسوف ادلل على ذلك من خلال مجموعة من الظواهر والملاحظات.

فالتركيز الاساسى للرئاسة حتى الان كان فى مجال السياسة الخارجية من خلال الزيارات لكل من الصين ونيويورك وفرنسا وايطاليا وتركيا واوغندا. هذا التركيز وان كان له شق اقتصادى متمثلا فى محاولة جذب استثمارات، الحصول على قروض او مساعدات، فإن الشق السياسى فى هذه الزيارات يبدو واضحا من خلال الرغبة قى تعريف المجتمع الدولى برئيس الجمهورية الجديد وتوجهاته واثبات الدور المصرى الجديد.

وعلى الرغم من اصطحاب الرئيس لعدد كبير من رجال الاعمال فى عدد من جولاته وزياراته فما زالت النتائج الاقتصادية لهذه الزيارات غير واضحة المعالم بعد. وقد يكون ذلك امرا متوقعا ومن ثم فان الحكم على بدايات ظهور تأثير سوف يكون جليا فى مكونات ميزان المدفوعات فى نهاية عام 2012. فعجز ميزان المدفوعات فى نهاية 2011 بلغ 11.5 مليار دولار مقارنة بفائض قدره 3.4 مليار دولار فى نهاية 2010. ومن ثم فان اى تحول اقتصادى ايجابى فى صورة زيادة فى الاستثمار الاجنبى المباشر او غير المباشر (فى تعاملات سوق المال) سوف تظهر نتائجه فى ميزان المدفوعات فى صورة انخفاض العجز به او تحوله إلى فائض، وهو ما نأمل به.

●●●

فاذا انتقلنا إلى دور الحكومة، فسوف نلاحظ ان التركيز الحكومى ينصب فى المقام الاول على قضيتين اقتصاديتين اساسيتين لا ثالث لهما وهما اولا، كيفية التعامل مع دعم الطاقة وترشيده او الحد منه بهدف ضغط عجز الموازنة العامة، وثانيا كيفية الحصول على قروض سواء من الصندوق او غيره لسداد عجز الموازنة العامة. وهذا التفكير فى ادارة امور البلاد الاقتصادية هو تفكير يمكن ان يوصف بأنه تفكير «محاسب» لا تفكير «اقتصادى». وهو مثل تفكير التاجر الذى يتعامل مع ايراداته ( التى يفترض ثباتها) ونفقاته المتزايدة او الضخمة وكيف يسعى بسرعة لسد عجزه.

وإذا كان هذا التفكير يعد مقبولا من التاجر او الصانع فهو ليس مقبولا من صانع السياسة الاقتصادية. فالسياسة الاقتصادية لاى دولة اكبر كثيرا من ان تختزل فى موازنة عامة مختلة. فالنظرة المستقبلية غائبة والتخطيط للمستقبل يكادا يكونا قاصرين على كيفية التعامل مع الاشهر القليلة القادمة. اما استخدام السياسة الاقتصادية بادواتها المتعددة بجانب السياسة المالية فهو امر مازال غائبا. فدور كل من السياسة النقدية والتجارة الخارجية وحوافز الاستثماروسياسات التشغيل.. إلخ. يكاد يكون غائبا من الصورة والاهتمام الحكومى كله منصب على السياسة المالية وحدها.

●●●

فما هى اوجه القصور الماثلة امامنا والمسكوت عنها او المهملة والتى تدل على مكانه الاقتصاد فى سلم اولويات الرئيس والحكومة؟

1ــ بداية نجد ان الرئيس حين فكر فى تكوين الفريق الرئاسى ضم اليه مجموعة من المتخصصين فى مجال التحليل السياسى، الاجتماع، القانون، الإعلام.. تخصصات متعددة باستثناء الاقتصاد. وهو امر إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة الاقتصاد المتدنية فى اولويات الرئيس.

2 ــ ان اللجنة التأسيسية ليس بها اى متخصص فى مجال الاقتصاد. وقراءة مقترح المادة 30 فى مسودة الدستور، وهى احدى المواد الاساسية المعنية بطبيعة النظام الاقتصادى للبلاد، دليل على ذلك. فقد جاء المقترح فى صورة هزلية غير واضحة المعالم. ولما كان الدستور هو ابو القوانين، الذى يرسم معالم النظام الاقتصادى الاجتماعى للبلاد ويضع الاساس لصياغة القوانين الاقتصادية فى الفترة التالية، فليس من المتوقع ان يمثل الدستورفى صورته الحالية اساسا سليما يرتكن اليه فى المستقبل عند صياغة القوانين الاقتصادية.

3 ــ ان برنامج المائة يوم للرئيس افتقد لاى هدف متعلق بتحقيق زيادة معينة فى التشغيل أو الإنتاج أو الاستثمار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من تبؤه للحكم وهو ما يؤكد نفس التوجه المذكور.

4 ــ إن حديث السيد رئيس الوزراء يخلو تماما من أى أهداف معلنة عن المستهدف تحقيقه من تشغيل خلال العام المالى 2012/2013 وكيفية تحقيقه ودور كل من القطاع الخاص والعام والانشطة الاقتصادية المختلفة فى بلوغ هذا الهدف. كما يخلو من تحديد دور كل من المشروعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة على حدا فى تحقيق المستهدف.

5 ــ كما يخلو خطابه من تحديد اهداف خاصة بكمية ونسبة زيادة الاستثمار والتصدير والناتج ودور كل قطاع نشاط اقتصادى فى بلوغ هذه الاهداف خلال فترة محددة ولتكن العام المالى 2012/2013.

6 ــ إن خطاب السيد رئيس الوزراء والسيد وزير التخطيط لا يوضح لنا معدل التضخم المستهدف الوصول اليه خلال العام المالى الحالى.

لهذه الاسباب لابد وان اتساءل: هل الأداء الاقتصادى أو النشاط الاقتصادى بابعاده المختلفة يقع فى دائرة اهتمام صانع السياسة بالفعل ام ان الامر يعد قاصرا على قضيتى الدعم والحصول على قروض؟

●●●

أعتقد أن صانع السياسة الاقتصادية مازال يفتقر الكثير فيما يخص النظرة المستقبلية الدقيقة، الرؤية واضحة المعالم والخطة الشاملة متكاملة الابعاد التى تستخدم الادوات والاليات الكثيرة المتاحة لها.

فالأمراض الاقتصادية التى تنهش فى جسد الوطن كثيرة ولن يستقيم الأمر إذا ما اهمل علاجها. فالعجز فى الموازنة العامة هو الأسهل فى المعالجة من وجهة نظرى بالمقارنة بمشكلات مثل تفاقم معدلات البطالة، ارتفاع عجز ميزان المدفوعات، تراجع الإنتاج فى عدد من القطاعات الأساسية مثل الصناعة والسياحة والخدمات وتردى نوعية وجودة المرافق الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحى والطرق والكبارى.

لهذا فإن مراجعة التوجه الاقتصادى الحالى والسياسات المخططة والمزمع اتباعها تصبح ضرورة ملحة فى الايام القادمة.

aymaan noor 16-10-2012 03:06 PM

فى مسألة البحث العلمى.. نكون أو لا نكون
عالية المهدى
أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية
جامعة القاهرة

قامت ثورة يناير2011 وكان أحد أهم أهدافها النهوض بالبلد وتنميته ورفع مستوى المعيشة وزيادة العدالة الاجتماعية. ولعل الركيزة الأساسية للنهوض بأى دولة على أسس سليمة هى الاهتمام بالبحث العلمى، فالقصور فى هذا المجال يؤثر بالضرورة فى معدلات التنمية والتطوير للدولة. وبالنظر إلى ما خصصته مصر من نسبة من الناتج المحلى الإجمالى للبحث العلمى على مدار فترة الخمسين سنة الماضية نجد أنه كان نذرا يسيرا لا يسمح بتحقيق مستوى تنمية حقيقية تذكر لمصر.

وبالنظر إلى أحدث الإحصاءات المتاحة دوليا نجد أن ما خصصته مصر (فى عام 2009 مثلا) للبحث العلمى من قيمة الناتج المحلى الاجمالى كان نسبة 0.21٪ أى خمس الواحد فى المائة. وهذه النسبة هى الأقل على مستوى دول حوض البحر الابيض المتوسط ومن أقل النسب فى العالم. فالنسب فى دول البحر المتوسط تأتى كالتالى: المغرب (0,6 ٪)، تونس (0,9 ٪) تركيا (0,7 ٪) اليونان (0.6 ٪) إسبانيا (1.3 ٪) فرنسا (2.2 ٪). أما إسرائيل فحدث ولا حرج. فنسبة مخصصات البحث العلمى فيها بلغت 4.2٪ فى 2009 وهى النسبة الأعلى فى العالم.

وبصفة عامة فإن ذكر النسبة وحدها قد لا يكون كافيا، بل يجب أن نأخذ فى الاعتبار ايضا كلا من مستويات الناتج المحلى الإجمالى ومتوسط نصيب الفرد من مخصصات البحث العلمى لأن كلا من المتغيرين السابقين يعبر عن حجم المخصصات واهتمام الدولة بمجال البحث والتطوير. وكل ما سبق يوضح واقع مصر المزرى فى الإطار المقارن بباقى دول العالم. فقد أصبح وضع مصر لا يقارن سوى بدول مثل السودان واثيوبيا وغيرهما من دول شديدة الفقر والتدنى فى مستوى التنمية البشرية والتطوير التكنولوجى.

●●●

وفى ظل هذا الوضع المؤسف خرج علينا السيد وزير المالية ـ فى أول حكومة تأتى مع أول رئيس منتخب ديمقراطيا ـ بقرار وزارى عجيب الشأن يقضى بخصم نسبة 20٪ من إجمالى الموارد الشهرية لجميع الصناديق الخاصة بما فى ذلك الصناديق الخاصة بالمراكز البحثية بالجامعات شأنها فى ذلك شأن الصناديق الخاصة بالمحليات وغيرها، وذلك بدون تمييز بين أنواع الصناديق المختلفة وأوجه إنفاقها عملا بمنطق: «آهى كلها صناديق والسلام».

الحقيقة لا أعرف تحديدا مع من تشاور السيد وزير المالية قبل اتخاذ هذا القرار؟ هل تشاور مع السادة رؤساء الجامعات ووافقوا على ذلك؟ أم تشاور مع السادة أعضاء نوادى هيئة التدريس؟ أم تشاور مع السيد وزير التعليم العالى أو السيدة وزيرة البحث العلمى؟ هل وافق الجميع على هذا القرار؟ أم أنه كان قرارا بدون مناقشة وفرض أمر واقع على الجميع؟

●●●

ولعله من المفيد ونحن ـ كأساتذة جامعة ـ نواجه هذا القرار الشائك أن نثير أمام السيد وزير المالية والسيد رئيس الوزراء أى السادة صناع القرار عدة تساؤلات خاصة بهذا الموضوع:

1 ـ هل السيد وزير المالية يشعر أننا استكفينا بما نخصصه من موارد للبحث العلمى وقمنا بتغطية جميع احتياجات مصر للبحث والتطوير ووصلنا لمرحلة التشبع، ومن ثم فقد قرر سيادته خفض موارد البحث العلمى بهذا الشكل الباتر المدمر؟

2 ـ هل يعلم السيد وزير المالية أن موارد كل هذه المراكز والوحدات البحثية يتم تنميتها بالجهود الذاتية لمديرى المراكز وأساتذة الجامعة دون الاعتماد على أى دعم من الموارد الرسمية للجامعة أو لوزارة التعليم العالى، بل إن هذه الموارد تأتى فى معظمها إما من مصادر محلية خاصة أو عامة أو من مصادر أجنبية وتخصص لمشروعات بحثية بعينها؟

3 ـ هل يعلم السيد وزير المالية أن كثيرا من هذه المشروعات البحثية يكون الحصول عليها من خلال مسابقات بحثية عالمية ولا يفوز بها سوى أفضل العروض البحثية من الناحية العلمية والمالية؟

4 ـ هل يعلم السيد وزير المالية أنه بجانب اقتطاع نسبة الـ20٪ (التى كانت قبل القرار 5٪ فقط) فإن هناك أيضا ضريبة كسب العمل التى تتراوح ما بين 10٪ و20٪ يدفعها كل باحث من مكافأته عن المشاركة فى البحث العلمى؟ كما أن هناك نسبة 3٪ تخصص للجامعة و3٪ تخصص للكلية التى يتبعها المركز البحثى أى أن ميزانية اى مشروع بحثى تحمل بإجمالى نسبة 41٪ كخصومات وضرائب من إجمالى إيراد أى مشروع دون أن يتم البدء فى الإنفاق على البحث ذاته؟

5 ـ هل يعلم السيد وزير المالية أن معظم ـ إن لم يكن كل ـ المشروعات البحثية التى تسحب منها الآن 20٪ كان قد تم التعاقد عليها قبل صدور هذا القرار الوزارى مما سيؤثر على إمكانية استمرار الإنفاق على هذه المشروعات البحثية ومن ثم إمكانية إنهائها كما هو متفق عليه مع الجهة الممولة؟

6 ـ هل يعلم السيد وزير المالية أنه بهذا القرار سوف يقضى على مراكز الاشعاع القليلة المتبقية بالجامعات المصرية لتتحول مصر إلى دولة غير قادرة على البحث والتطوير والإضافة إلى الرصيد العلمى للبشرية؟

7 ـ هل يعلم السيد وزير المالية أنه لن يحصل من المراكز البحثية على موارد مالية سوى هذه المرة ومرات قليلة تالية وبعد ذلك سينضب المعين وتغلق المراكز لأنها لن تصبح قادرة على التنافس مع مراكز القطاع الخاص فى ظل الأعباء المالية التى أصبحت مكبلة بها. كما أنها لن تصبح قادرة على التنافس مع المراكز البحثية الدولية لنفس الأسباب.

فعلا لو كان احد يريد الإضرار بالبحث العلمى فى مصر لما اتخذ أفضل من هذا القرار.

●●●

كنت أتوقع ان تزيد الدولة من مخصصات البحث العلمى فى ظل مشروع نهضة مصر لا أن تقضى عليها تماما. إن هذا القرار لا يعبر فقط عن إفلاس مالى للدولة ولكنه يعبر عن إفلاس فكرى وضياع رؤية لأولويات الاقتصاد والمجتمع بوجه عام.

لذا فإننى أرجو من السيد وزير المالية مراجعة قراره على الأقل فيما يخص المراكز والوحدات البحثية بالجامعات لأنها بالفعل تلعب دورا بناء فى خدمة المجتمع ومد المؤسسات العامة والوزارات بالمشورة العلمية الجادة التى يحتاجها صناع القرار ورجال الصناعة وغيرهم.

aymaan noor 18-10-2012 01:03 AM

لماذا صمدت الملكيات وانهارت الجمهوريات أمام الربيع العربي؟
 
لماذا صمدت الملكيات وانهارت الجمهوريات أمام الربيع العربي؟
http://www.rcssmideast.org/media/k2/...f7dd2502_L.jpg
إليوت أبرامز
يتساءل كثيرٌ من المراقبين والمتابعين لأوضاع المنطقة حول السر الكامن وراء إطاحة ثورات الربيع العربي بالأنظمة الجمهورية، بينما صمدت الأنظمة الملكية على الرغم من الاحتجاجات التي شهدتها عدد من الملكيات بالمنطقة.

لم يرفع المتظاهرون في الملكيات التي شهدت احتجاجات شعارات من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام" مثل التي رفعها المتظاهرون ضد الأنظمة الجمهورية السلطوية، في حين أن ملكيات مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت لم تصل إليها رياح الثورة. والملكية الوحيدة في الخليج العربي التي وصلت إليها آثار الربيع العربي بقوة و*** واضحين هي مملكة البحرين، بيد أن شعار "إسقاط النظام" لم يكن مطروحًا.

وفي محاولةِ الإجابة على التساؤل لماذا لم تشهد الملكيات العربية ثورات تهدد عروشها كالتي شهدتها أنظمة جمهورية عصفت بحكم بن علي في تونس، ومبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن، كتب إليوت أبرامز (زميل دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، وشغل منصب نائب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش) مقالًا نشرته مجلة كومينتاري (Commentary Magazine) في أكتوبر الجاري تحت عنوان "الأنظمة الديكتاتورية متلاشية ونظيرتها الملكية باقية".

يُشير أبرامز في مقاله إلى أن الملكيات العربية تتمتع بحنكة تجعلها أكثر استقرارًا وازدهارًا من الجمهوريات العربية "الزائفة"؛ فالأنظمة الملكية هي التي تتقدم إلى الأمام، وتستجيب لمطالب شعوبها، في حين ت*** الأنظمة الجمهورية شعوبها لتتشبث بالسلطة.

ديكتاتورية الجمهوريات

يبدأ أبرامز مقالته بالإشارة إلى أنه خلال العقود الخمسة المنصرمة، بدأت الشعارات التي كانت الجمهوريات العربية تتبناها تفقد بريقها تدريجيًّا؛ حيث اكتشفت الشعوب زيف تلك الوعود التي رضيت مقابلها بالتنازل مؤقتًا عن حرياتها. ووجدت هذه الشعوب نفسها قابعة وخانعة تحت حكم أنظمة عسكرية وبوليسية شمولية تُحصي أنفاسها، وتصادر كل شيء في حاضرها، وتعمل على مصادرة مستقبلها بتوريث الحكم للأبناء؛ حيث شرع الرؤساء (في سوريا الأسد، وعراق صدام، ويمن صالح، وليبيا القذافي، ومصر مبارك، وتونس بن علي) في إعداد أولياء عهودهم للمُلك الجمهوري.

وعملت هذه الأنظمة الجمهورية الديكتاتورية التي كادت أن تتحول إلى ملكيات من خلال سعيها للحفاظ على استمراريتها، على قمع الحريات، ونهب الثروات، واجتثاث كل عناصر المقاومة المدنية في مجتمعاتها، حتى لم يعد للمجتمعات أية قنوات قانونية ومدنية لتصريف غضبها، مما نتج عنه تراكم كبير للاحتقانات في كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويسلط أبرامز الضوء على الحالة المصرية، مشيرًا إلى أن الانتخابات الرئاسية في مصر في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك كانت غالبًا موضع شك؛ فلم يُسلّم الكثيرون بنتائج الانتخابات، ولا حتى بنسبة المشاركة فيها. وكما يرى، بذل مبارك كل ما يلزم لإبقائه هو وحاشيته في السلطة، وحرص نظامه كل الحرص على تكميم أفواه المعارضة، والإطاحة بكل من يُثير حنق الشعب ضد رئيسهم.

ويُذكر أنه بعد انتخابات 2005 الرئاسية، حُكم على المنافس الرئيسي لمبارك في الانتخابات الرئاسية "أيمن نور" بالسجن لمدة خمس سنوات لتجرُّئه على الرئيس ونظامه.

وعلى حد وصف الباحث، كان تزوير مبارك لانتخابات 2010 بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد طفح كيل الشعب المصري آنذاك حينما بدأ يشتم رائحة الفساد والتزوير، وعليه اندلعت احتجاجات عنيفة في غضون شهرين من الانتخابات لإسقاط النظام.

وفيما يتعلق بوجهة نظر مبارك بشأن طبيعة الحكم في العراق، يَذكر أبرامز أن مبارك قال له ذات مرة أثناء تحاورهما: "الديمقراطية لا تصلح مع العراقيين، والشعب العراقي بحاجة إلى رجل عسكري يحكمهم.. أنت لا تفهمهم مثلي".

ويرى أبرامز أنه لم يكن من المستغرب أن يقول مبارك ذلك، فهو ذاته حكم بلده بطريقة عسكرية تُلزم الشعب بالخنوع وتنفيذ الأوامر، على حد قول الباحث الذي يعتقد أن الرئيس المصري السابق كان يؤمن بضرورة لَجم المجتمعات العربية حتى لا تقع في خضم الاضطرابات والفوضى.

ويشير الكاتب إلى أن ثورات الربيع العربي التي استشرت في منطقة الشرق الأوسط في عام 2011 هدفت إلى تلقين الديكتاتوريين درسًا حول كون الشعوب العربية شعوبًا عزيزةً تأبى التسلّط والاستعباد، ولا تقبل بأية بدائل للديمقراطية. ومن المثير للدهشة أن مبارك، والرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، والزعيم الليبي معمر القذافي، لم يقدموا أيّة تنازلات عند اندلاع الاحتجاجات، بل واجهوها بال*** والقمع. فجُل ما كانوا مقتنعين به هو أنهم لم يُخطئوا في حق شعوبهم، وأنهم حكموا بلادهم بالطريقة الصحيحة. ولعل ما أثبت صحة وجهة نظرهم هو استشراء ال*** والاضطرابات في بلادهم منذ الربيع العربي، على حد قول أبرامز الذي لا يستبعد أن تعم الفوضى البلدان العربية، وأن تقوى شوكة "الأنظمة الإسلامية" في السنوات القادمة.

وقد كانت مشكلة حكام الجمهوريات -كما يرى الباحث- هي غرورهم، واقتناعهم التام في قرارة أنفسهم بشرعيتهم، إلا أنهم لم يدركوا أن قمعهم لشعوبهم، وحرمانهم من رغد العيش؛ قوّض من تلك الشرعية. ويذكر التاريخ أن هؤلاء الحكام اعتبروا كل ناقد أو ناشط سياسي أو منشق عدوا لدولتهم. ومن ثَمَّ يمكن القولُ إن حكام الجمهوريات العربية "حكموا بلادهم بالقوة والإكراه".

مقارنة بين الأنظمة الملكية والجمهورية

ويُشير أبرامز إلى أنه عند عقد مقارنة بين مصير الرؤساء العرب ومصير الملوك العرب الثمانية الحاليين وجد أنه لم تُطِحْ ثورة بملك من هؤلاء الملوك؛ فالأنظمة الملكية تختلف عن غيرها الجمهورية في نواحٍ كثيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن النظام الملكي مُستَمَد من قيادة قبلية؛ فآل سعود مثلا هم أول من أسس ما كانت تُعرف بـ"الدولة السعودية الأولى" في عام 1744، وآل صباح يحكمون الكويت منذ 1718، وسلالة العلوي تحكم المغرب منذ 1631. وعادةً ما تكون العائلات الملكية من جذور إسلامية شريفة؛ فالعائلات المالكة في الأردن والمغرب مثلا من الأشراف القرشيين، كما أن ملك المغرب يتلقب بـ"أمير المؤمنين"، ويُلقب ملك المملكة العربية السعودية بـ"خادم الحرمين الشريفين".

ونادرًا ما كان ينتهج ملك من هؤلاء الملوك سياسةَ ال*** التي انتهجها مبارك أو بن علي أو القذافي، مما يعني أن النظام الملكي يتميز بالمرونة والحكمة. ووفقًا لأبرامز، تتميز الأنظمة الملكية بامتصاص الصدمات؛ فهي بارعةٌ في احتواء شعوبها، وتلبية الحاجات اللازمة لإرساء الاستقرار والازدهار.

وإضافة إلى ذلك؛ نادرًا ما تمثّل مسألة التوريث مشكلة في الملكيات، لا سيما وأنها مسألة مشروعة هناك منذ قديم الأزل. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن ترجيح البعض عزم مبارك على توريث الرئاسة لابنه جمال أثار حفيظة الشعب المصري، لعدم اقتناعهم أساسًا بحكم الأب، ومن ثم جاءت الإطاحة بالرئيس وعائلته.

وفي الأنظمة الملكية، نجد أن الملوك يُجْرُون الإصلاحات بحكمة وحذر شديدين، أما في الأنظمة الجمهورية فنجد أن الرؤساء يخافون المضي قُدُمًا في الإصلاحات السياسية خشية فقدان زمام الأمور، لذا عادةً ما يحرصون على تقييد الحريات، وعلى قيادة البلد بطريقة تخدم مصالحهم الخاصة حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الشعب نفسه، فضلا عن إقصاء الأنظمة الجمهورية لليبراليين، ولكل من يقف لها ندًّا ويشكل لها تهديدًا.

وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الاقتصادي لعب دورًا في تميُّز الأنظمة الملكية عن تلك الجمهورية؛ فدولُ الخليج تتمتع بوفرة مالية تسمح لها بتحمل تكاليف التنمية المطلوبة. وحجم الدخل القومي، ومستوى دخل الفرد في هذه الدول، ومستوى احتياطياتها المالية ومخزوناتها من المصادر الطبيعية، لا سيما النفط والغاز؛ يعطيها مساحة واسعة للحركة والإبداع في مجال التنمية. فضلا عن تحقيق هذه الدول قفزات كبيرة في مجال البنية التحتية، والتعليم، ومستوى المعيشة، والخدمات.

ويلفت أبرامز إلى أن رؤساء مثل بن علي، والأسد، والقذافي، ومبارك برعوا في خداع الغرب بادعائهم أنهم يمضون قدما في الإصلاحات؛ فالصورة التي رسموها لأنفسهم اختلفت كثيرًا عن الواقع، بدليل أن شعوبهم ثارت عليهم، وقررت الإطاحة بهم.

وفي حالة مبارك، قد تكون شيخوخته حالت دون نجاحه في إدارة بلده في الفترة الأخيرة، ولكن لا يعد ذلك مبرِّرا من وجهة نظر الباحث، مستشهدًا بخبرة بلدان مختلفة مثل تشيلي وتايوان وإسبانيا، ففيها تنحى الديكتاتوريون كبار السن، أو طوّروا أنظمتهم إلى نظم ديمقراطية بدون أي ثورات دموية تضطرهم إلى ذلك.

استغلال الإسلاميين للربيع العربي

يقول الباحث إنه بعد تعرض القنصلية الأمريكية في ليبيا لهجوم عنيف راح ضحيته السفير الأمريكي كريس ستيفنز، وبعد استشراء "الجماعات الإسلامية المتشددة"، أُثيرت تساؤلات حول ما إذا كان الربيع العربي قد لعب دورًا في تقوية شوكة "الإرهابيين".

في إطار الإجابة على هذا التساؤل يشير أبرامز إلى أن الأنظمة الديكتاتورية حرصت دائمًا على تضييق الخناق على الجماعات الإسلامية حتى لا يكون أمامها مجال للتدبير والتخطيط، وزرع ما أسماه الباحث بـ"الأفكار المتطرفة" في عقول الناس. لذا كانت الأنظمة العربية السابقة تراقب المساجد دائمًا لكونها المكان المفضل لتواجد الإسلاميين.

وعليه يرى أبرامز أن سقوط "الحكام المستبدين" جعل للإسلاميين متنفَّسا، وشجّعهم على الانخراط في المجتمع، واعتلاء المناصب. والخوف كل الخوف من طمع الإسلاميين في السلطة، واحتفاظهم بها بشكل دائم، وإنشائهم ما أسماه الباحث "جمهوريات إسلامية أكثر تطرفًا"؛ فالطغاة لم يخلفوا وراءهم جماعة إخوان مسلمين فحسب، بل خلفوا أيضا تعطُّشا حقيقيًّا لحكم ديمقراطي شرعي. فالعيش عقودًا من الحياة في جمهوريات وهمية جعل السكان العرب يتطلعون بقوة إلى العيش في جمهوريات حقيقية.

ويرى إليوت أبرامز أن الإسلاميين الذين صعدوا إلى سدة الحكم لن يتنازلوا عن سلطتهم بسهولة، بل سيُحكِموا قبضتهم عليها تماما مثلما فعل الطغاة، وعليه قد يفقدون شرعيتهم في وقت ما. فكما قال المفكر الفرنسي أولفييه روي: "لقد ثبت بالتجربة أن شعوب الشرق الأوسط حين تتاح لها فرصة المشاركة في انتخابات حرة، تتقاطر حشودا حتى عندما تكون تحت طائلة التهديد (كما حدث في العراق وأفغانستان). لذلك ما من سبيل أمام الحركات الإسلامية في عموم المنطقة إلا أن تعمل وتتحرّك في حلبة ديمقراطية، ليست هي المؤسسة لها، وهي تتمتع بالشرعيّة في أعين شعوبها".

يوصي أبرامز في نهاية مقاله الولايات المتحدة بالدفاع بقوة عن العملية الديمقراطية، وجعل المساعدات مشروطة بالإصلاحات، وليس بإجراء انتخابات حرة بصفة دورية فحسب، وحماية حقوق الأقليات والنساء، وسيادة القانون، وبالطبع حماية السفارات الأمريكية من الهجمات، ودعم كافة الأطراف المعتدلة التي تقاوم التطرف.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:57 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.