بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   الجودة والإعتماد التربــــــــــــــــــوى (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=369)
-   -   مجموعة مقالات تربوية تهم الجميع (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=237865)

عمروعبده 17-08-2010 12:20 PM

من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم التربوية


1 - التربية بالقصة:
إن القصة أمر محبب للناس، وتترك أثرها في النفوس، ومن هنا جاءت القصة كثيراً في القرآن، وأخبر تبارك وتعالى عن شأن كتابه فقال:{نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى} وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : { واقصص القصص لعلهم يتفكرون } ولهذا فقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج واستخدم هذا الأسلوب .
شاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - وهو خباب بن الأرت رضي الله عنه ـ يبلغ به الأذى والشدة كل مبلغ فيأتي للنبي صلى الله عليه وسلم شاكياً له ما أصابه فيقول رضي الله عنه :أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة - وقد لقينا من المشركين شدة - فقلت :ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: « لقد كان كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد مادون عظامه من لحم أوعصب، مايصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله » [رواه البخاري (3852]
وحفظت لنا السنة النبوية العديد من المواقف التي يحكي فيها النبي صلى الله عليه وسلم قصة من القصص، فمن ذلك: قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، وقصة الذي *** مائة نفس، وقصة الأعمى والأبرص والأقرع، وقصة أصحاب الأخدود... وغيرها كثير.

2 - التربية بالموعظة:
للموعظة أثرها البالغ في النفوس، لذا فلم يكن المربي الأول صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم يغيب عنه هذا الأمر أو يهمله فقد كان كما وصفه أحد أصحابه وهو ابن مسعود -رضي الله عنه-:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا» [رواه البخاري 68].
ويحكي أحد أصحابه وهو العرباض بن سارية -رضي الله عنه- عن موعظة وعظها إياهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ » [رواه الترمذي 2676، وابن ماجه 42]. وحتى تترك الموعظة أثرها ينبغي أن تكون تخولاً ، وألا تكون بصفة دائمة .
عن أبي وائل قال كان عبدالله يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبدالرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا [رواه البخاري 70، ومسلم (2821].

3 - الجمع بين الترغيب والترهيب:
النفس البشرية فيها إقبال وإدبار، وفيها شرّة وفترة، ومن ثم كان المنهج التربوي الإسلامي يتعامل مع هذه النفس بكل هذه الاعتبارات، ومن ذلك الجمع بين الترغيب والترهيب، والرجاء والخوف.
عن أنس -رضي الله عنه- قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط:«قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين [رواه البخاري (4621، ومسلم].
ومن أحاديث الرجاء والترغيب ما حدث به أبو ذر -رضي الله عنه- قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال:«ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال:«وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال:«وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر» وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر [رواه البخاري 5827، ومسلم 94].
وعن هريرة -رضي الله عنه- قال كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا، وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة -والربيع الجدول- فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أبو هريرة؟» فقلت: نعم يارسول الله، قال:«ما شأنك؟» قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي، فقال:«يا أبا هريرة» -وأعطاني نعليه- قال:«اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة»...الحديث. [رواه مسلم (31) ] والمتأمل في الواقع يلحظ أننا كثيراً ما نعتني بالترهيب ونركز عليه، وهو أمر مطلوب والنفوس تحتاج إليه، لكن لابد أن يضاف لذلك الترغيب، من خلال الترغيب في نعيم الجنة وثوابها، وسعادة الدنيا لمن استقام على طاعة الله، وذكر محاسن الإسلام وأثر تطبيقه على الناس، وقد استخدم القرآن الكريم هذا المسلك فقال تعالى:{ ولو أن أهل القرى ...} {ولو أنهم أقاموا التوراة ...} .

4 - الإقناع العقلي:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: «ادنه» فدنا منه قريباً قال: فجلس قال : « أتحبه لأمك ؟ » قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: « ولا الناس يحبونه لأمهاتهم» قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم» قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم» قال:«أفتحبه لعمتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم» قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم» قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه» فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء [رواه أحمد ( )] .
إن هذا الشاب قد جاء والغريزة تتوقد في نفسه، مما يدفعه إلى أن يكسر حاجز الحياء، ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلم علناً أمام أصحابه، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم المربي المعلم لديه جانباً لم يدركه فيه أصحابه فما هو؟
لقد جاء هذا الشاب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان قليل الورع عديم الديانة لم ير أنه بحاجة للاستئذان بل كان يمارس ما يريد سراً، فأدرك صلى الله عليه وسلم هذا الجانب الخير فيه، فما ذا كانت النتيجة : «فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء»

5 - استخدام الحوار والنقاش:
وخير مثال على ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع الأنصار في غزوة حنين بعد قسمته للغنائم، فقد أعطى صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وترك الأنصار، فبلغه أنهم وجدوا في أنفسهم، فدعاهم صلى الله عليه وسلم ، وكان بينهم وبينه هذا الحوار الذي يرويه عبدالله بن زيد -رضي الله عنه- فيقول: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: »يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟« كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن، قال: »ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟« قال كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن قال:» لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض« [رواه البخاري (4330) ومسلم (1061) ] ففي هذا الموقف استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الحوار معهم، فوجه لهم سؤالاً وانتظر منهم الإجابة، بل حين لم يجيبوا لقنهم الإجابة قائلاً : (ولو شئتم لقلتم ولصدقتم وصُدقتم ...) .

6 - الإغلاظ والعقوبة:
وقد يُغلظ صلى الله عليه وسلم على من وقع في خطأ أو يعاقبه:
فعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضباً من يومئذ فقال:» أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة« [رواه البخاري (90) ومسلم (466) ].
وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللقطة فقال:»اعرف وكاءها -أو قال: وعاءها وعفاصها- ثم عرفها سنة، ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدها إليه« قال: فضالة الإبل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه -أو قال احمر وجهه- فقال:» وما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر فذرها حتى يلقاها ربها« قال: فضالة الغنم؟ قال:» لك أو لأخيك أو للذئب« [رواه البخاري (90) ومسلم (1722) ].
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه على هذين الحديثين » باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى مايكره«.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال:»يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده« فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم . [رواه مسلم (2090) ]
عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه [رواه مسلم (2021)]
إلا أن ذلك لم يكن هديه الراتب صلى الله عليه وسلم فقد كان الرفق هو الهدي الراتب له صلى الله عليه وسلم ، لكن حين يقتضي المقام الإغلاظ يغلظ صلى الله عليه وسلم ، ومن الأدلة على ذلك:
1- أن الله سبحانه وتعالى وصفه بالرفق واللين أو بما يؤدي إلى ذلك قال تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} فوصفه باللين وقال تعالى : {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} ولا أدل على وصفه عليه الصلاة والسلام من وصف الله له فهو العليم به سبحانه .
2- وصف أصحابه له :
فقد وصفه معاوية بن الحكم -رضي الله عنه- بقوله :فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني [رواه مسلم (537) ].
3- أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالرفق فهو القدوة في ذلك وهو الذي نزل عليه {لم تقولون مالاتفعلون} فهو أقرب الناس الى تطبيقه وامتثاله، وحينما أرسل معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال لهما : »يسرا ولاتعسرا وبشرا ولاتنفرا« [رواه البخاري (3038) ومسلم (1733) ] .
4- ثناؤه صلى الله عليه وسلم على الرفق، ومن ذلك في قوله:»ماكان الرفق في شيئ إلا زانه ولانزع من شيئ إلا شانه« وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة :»إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله« رواه البخاري (6024) ومسلم (2165) ] وفي رواية:»إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على ال*** وما لا يعطي على ما سواه« [رواه مسلم (2593) ].
وفي حديث جرير -رضي الله عنه- »من يحرم الرفق يحرم الخير« [رواه مسلم (2592) ] ويعطي على الرفق مالايعطي على ال*** ) .
5- سيرته العملية في التعامل مع أصحابه فقد كان متمثلاً الرفق في كل شيئ ومن ذلك :
أ) قصة الأعرابي الذي بال في المسجد والقصة مشهورة.
ب) قصة عباد بن شرحبيل - رضي الله عنه - يرويها فيقول: أصابنا عام مخمصة فأتيت المدينة فأتيت حائطا من حيطانها فأخذت سنبلا ففركته وأكلته وجعلته في كسائي، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال للرجل:» ما أطعمته إذ كان جائعا -أو ساغبا- ولا علمته إذ كان جاهلا« فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فرد إليه ثوبه وأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق [رواه أحمد (16067) وأبو داود (2620) وابن ماجه (2298)].
ج)قصة سلمة بن صخر الأنصاري -رضي الله عنه- قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان، فرقا من أن أصيب منها في ليلتي فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري فقلت انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري فقالوا: لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك، قال: فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال:» أنت بذاك؟ « قلت: أنا بذاك، قال:» أنت بذاك؟ « قلت: أنا بذاك، قال:» أنت بذاك؟ « قلت: أنا بذاك، وها أنا ذا فأمض في حكم الله فإني صابر لذلك، قال:» أعتق رقبة« قال: فضربت صفحة عنقي بيدي فقلت: لا والذي بعثك بالحق لا أملك غيرها، قال:» صم شهرين« قلت: يا رسول الله، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام؟ قال:» فأطعم ستين مسكينا« قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ما لنا عشاء، قال:» اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقا ستين مسكينا، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك« قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي، فدفعوها إلي [رواه أحمد (23188) وأبو داود (2213) والترمذي () وابن ماجه (2062].
7 - الهجر:
واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الهجر في موقف مشهور في السيرة، حين تخلف كعب بن مالك -رضي الله عنه- وأصحابه عن غزوة تبوك، فهجرهم صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لايكلمهم أحد أكثر من شهر حتى تاب الله تبارك وتعالى عليهم.
إلا أن استخدام هذا الأسلوب لم يكن هدياً دائماً له صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أن رجلاً كان يشرب الخمر وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ... والمناط في ذلك هو تحقيقه للمصلحة، فمتى كان الهجر مصلحة وردع للمهجور شرع ذلك وإن كان فيه مفسدة وصد له حرم هجره .
8 - استخدام التوجيه غير المباشر:
ويتمثل التوجيه غير المباشر في أمور منها:
أ - كونه صلى الله عليه وسلم يقول مابال أقوام، دون أن يخصص أحداً بعينه، ومن ذلك قوله في قصة بريرة فعن عائشة -رضي الله عنها- فقالت أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي فلما جاء رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ذكرته ذلك قال النبي صلى اللهم عليه وسلم ابتاعيها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله صلى اللهم عليه وسلم على المنبر فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط [رواه البخاري (2735) ومسلم () ]
وحديث أنس -رضي الله عنه- أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال :«ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» [رواه البخاري (1401)].
ب - وأحياناً يثني على صفة في الشخص ويحثه على عمل بطريقة غير مباشرة، ومن ذلك مارواه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي بالليل» قال سالم: فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلاً [رواه البخاري (3738-3739].
ج - وأحياناً يأمر أصحابه بما يريد قوله للرجل، عن أنس بن مالك أن رجلا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه فلما خرج قال:» لو أمرتم هذا أن يغسل هذا عنه« [رواه أبو داود (4182)]
د - وأحياناً يخاطب غيره وهو يسمع، عن سليمان بن صرد قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إني لست بمجنون [رواه البخاري (6115) ومسلم (2610)]
9 - استثمار المواقف والفرص:
عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه يوماً وإذا بامرأة من السبي تبحث عن ولدها فلما وجدته ضمته فقال صلى الله عليه وسلم :«أترون هذه طارحة ولدها في النار» قالوا: لا، قال:«والله لايلقي حبيبه في النار؟» [رواه البخاري ( 5999) ومسلم ( 2754 ).].
فلا يستوي أثر المعاني حين تربط بصور محسوسة، مع عرضها في صورة مجردة جافة.
إن المواقف تستثير مشاعر جياشة في النفس، فحين يستثمر هذا الموقف يقع التعليم موقعه المناسب، ويبقى الحدث وما صاحبه من توجيه وتعليم صورة منقوشة في الذاكرة، تستعصي على النسيان.
والمواقف متنوعة فقد يكون الموقف موقف حزن وخوف فيستخدم في الوعظ، كما في وعظه صلى الله عليه وسلم أصحابه عند القبر.
عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى اللهم عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا... ثم ذكر الحديث الطويل في وصف عذاب القبر وقتنته. [رواه ابو داوود (4753)]
ب ـ وقد يكون وقد يكون موقف مصيبة إذا أمر حل بالإنسان، فيستثمر ذلك في ربطه بالله تبارك وتعالى.
عن زيد بن أرقم قال أصابني رمد فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ، قال فلما برأت خرجت، قال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أرأيت لو كانت عيناك لما بهما ما كنت صانعاً؟» قال: قلت: لو كانتا عيناي لما بهما صبرت واحتسبت، قال:«لو كانت عيناك لما بهما ثم صبرت واحتسبت للقيت الله عز وجل ولا ذنب لك» [رواه أحمد]
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم مثل هذا الموقف لتقرير قضية مهمة لها شأنها وأثرها كما فعل حين دعائه للمريض بهذا الدعاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا جاء الرجل يعود مريضا قال: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا ويمشي لك إلى الصلاة» [رواه أحمد (6564)]
إنه يوصي المسلم بعظم مهمته وشأنه وعلو دوره في الحياة، فهو بين أن يتقدم بعبادة خالصة لله ، أو يساهم في نصرة دين الله والذب عنه .
ج ـ وقد يكون الموقف ظاهرة كونية مجردة، لكنه صلى الله عليه وسلم يستثمره ليربطه بهذا المعنى عن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال:«إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا» ثم قرأ {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} [رواه البخاري (554) ومسلم]
دـ وقد يكون الموقف مثيراً، يستثير العاطفة والمشاعر كما في حديث أنس السابق في قصة المرأة .
10 - التشجيع والثناء:
سأله أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ يوماً :من أسعد الناس بشفاعتك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم «لقد ظننت أن لايسألني أحد عن هذا الحديث أول منك لما علمت من حرصك على الحديث» [رواه البخاري ( 99 ) ]. فتخيل معي أخي القاريء موقف أبي هريرة، وهو يسمع هذا الثناء، وهذه الشهادة من أستاذ الأساتذة، وشيخ المشايخ صلى الله عليه وسلم .بحرصه على العلم، بل وتفوقه على الكثير من أقرانه. وتصور كيف يكون أثر هذا الشعور دافعاً لمزيد من الحرص والاجتهاد والعناية.
وحين سأل أبيَ بن كعب: «أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم؟» فقال أبي:آية الكرسي. قال له صلى الله عليه وسلم «ليهنك العلم أبا المنذر» [رواه مسلم ( 810 ) وأحمد ( 5/142 )] ".
إن الأمر قد لايعدو كلمة ثناء، أو عبارة تشجيع، تنقل الطالب مواقع ومراتب في سلم الحرص والاجتهاد. والنفس أياً كان شأنها تميل إلى الرغبة في الشعور بالإنجاز. ويدفعها ثناء الناس -المنضبط- خطوات أكثر.
والتشجيع والثناء حث للآخرين، ودعوة غير مباشرة لهم لأن يسلكوا هذا الرجل الذي توجه الثناء له.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 12:22 PM

معالم في المنهج التربوي النبوي


1 - الصبر وطول النفس:
يسهل على الإنسان أن يتعامل مع الآلة الصماء، ويستطيع الباحث أن يصبر ويكافح في دراسة هذه الظاهرة المادية أو تلك ، لكن التعامل مع الإنسان له شأن آخر وبعد آخر ، ذلك أن الناس بشر لا يحكم تصرفاتهم ومواقفهم قانون مطرد، فتراه تارة هنا وتارة هناك، تارة يرضى وتارة يسخط .
ولهذا أجمع المختصون بأن الظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة، وأن البحث فيها تكتنفه صعوبات عدة فكيف بالتعامل المباشر مع الإنسان والسعي لتقويمه وتوجيه سلوكه .
ومن يتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى كيف صبر وعانى حتى ربى هذا الجيل المبارك، كم فترة من الزمن قضاها صلى الله عليه وسلم ؟ وكم هي المواقف التي واجهها صلى الله عليه وسلم ومع ذلك صبر واحتسب وكان طويل النفس بعيد النظر.
إن البشر مهما علا شأنهم فلن يصلوا إلى درجة العصمة، وهل أعلى شأناً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهاهم يتنزل فيهم في بدر: { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } وفي أحد { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } وفي حنين { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } .
وحين قسم صلى الله عليه وسلم غنائم حنين وجد بعض أصحابه في نفوسهم ماوجدوا.
وكان صلى الله عليه وسلم يخطب فجاءت عير فتبعها الناس فنزل فيهم قرآن يتلى.
ومع ذلك يبقى هذا الجيل وهذا المجتمع هوالقمة، وهو المثل لأعلى للناس في هذه الدنيا .
فكيف بمن دونهم بل لا يسوغ أن يقارن بهم، إن ذلك يفرض على المربي أن يكون طويل النفس صابراً عالي الهمة متفاءلاً .

2 - الخطاب الخاص:
وكما كان صلى الله عليه وسلم يوجه الخطاب لعامة أصحابه، فقد كان يعتني بالخطاب الخاص لفئات خاصة من أصحابه.
فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم حين يصلي العيد أن يتجه إلى النساء ويخطب فيهن، كما روى ذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد، ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي القلب والخرص [رواه البخاري (1431) ومسلم (884) ].
بل تجاوز الأمر مجرد استثمار اللقاءات العابرة. فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه- أن النساء قلن لرسول الله صلى الله عليه وسلم :غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فواعدهن يوماً فلقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان مما قال:«مامنكن من امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار». فقالت امرأة: واثنين فقال:«واثنين» [رواه البخاري ( 101 ) ومسلم ( 2633 )] .
وقد يكون الخصوص لقوم أو فئة دون غيرهم، كما فعل في غزوة حنين حين دعا الأنصار وأكد ألا يأتي غيرهم.
وكما بايع بعض أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً.

3 - المشاركة العملية:
اعتاد بعض المربين أن يكون دورهم قاصراً على إعطاء الأوامر ومراقبة التنفيذ، وهو مسلك مخالف لمنهج المربي الأول صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يعيش مع أصحابه ويشاركهم أعمالهم وهمومهم.
فشاركهم في بناء المسجد :- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة... وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة» [رواه البخاري (428) ومسلم (524)]
وشاركهم في حفر الخندق :- فعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب ويمر بنا فقال:«اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة» [رواه البخاري (6414) ومسلم (1804)]
وكان يشاركهم في الفزع للصوت :- فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف وهو يقول:«لم تراعوا لم تراعوا» ثم قال:«وجدناه بحراً أو قال إنه لبحر» [رواه البخاري (2908) ومسلم (2307)]
وأما مشاركته لهم في الجهاد :- فقد خرج صلى الله عليه وسلم في (19) غزوة [رواه البخاري (3949) ومسلم (1254) ]، بل قال عن نفسه:«ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية» [رواه البخاري (36) ومسلم (1876) ].
وهي مشاركة لاتلغي دورهم وتحولهم إلى مجرد آلات صماء، بل هي تدفع للتوازن بين هذا وبين تعويدهم على العمل والمشاركة.
إن مجرد إصدار الأوامر والتوجيه أمر يجيده الجميع، لكن الدخول مع الناس في الميدان ومشاركتهم يرفع قيمة المربي لديهم ويعلي شأنه ويشعرون أنه واحد منهم، وذلك أيضاً يدفعهم لمزيد من البذل والهمة والحماس عكس أولئك الذين يدعون للعمل ويربيهم بعيد عنهم، وقد عبر عن هذا المعنى ذاك الحداء الذي كان يردده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
لئن قعدنا والنبي يعمل *** لذاك منا العمل المضلل
ثم إنه يشيع روح الود والإخاء، ويسهم في بناء علاقة إنسانية وطيدة بين المربي ومن يربيهم .

4 - التربية بالأحداث:
من السهل أن نحدث الناس كثيراً عن معاني عدة، وأن ننظر لجوانب متعددة، لكن ذلك وإن أثرَّ يبقى أثره باهتاً محدوداً .
أما النبي صلى الله عليه وسلم فمع توجيهه لأصحابه في كل موطن، إلا أن تربيته كانت تتم من خلال الأحداث، فكان يضع الناس في الموقع والميدان ويأتي التوجيه حينها .
يشكوا إليه الحال أبو بكر رضي الله عنه وهما في الغار، فيقول صلى الله عليه وسلم : ( ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) .
ويسأله رجل في الميدان والمعركة: أرأيت إن ***ت؟ فيجيبه إجابة تصل إلى شغاف قلبه فيتقدم حتى يستشهد، عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أرأيت إن ***ت فأين أنا؟ قال:«في الجنة» فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى *** [رواه البخاري (4046)].
ويوصي علياً رضي الله عنه بالدعوة ويذكره بفضلها متى؟ حين بعثه.
عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر:« لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى فغدوا كلهم يرجوه فقال:« أين علي؟» فقيل: يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه فقال أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال:«انفذ على رسلك حتى تنـزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» [رواه البخاري (3009) ومسلم (]
أترى أن تلك التوجيهات لو تلقاها أصحابها وهم جالسون قاعدون في بيوتهم ستترك أثرها؟ إن مثل هذه التربية هي التي خرجت الجيل الجاد العملي، لم يكن ذلك الجيل يتربى على مجرد التوجيه الجاف البارد، إنما كان يعيش العلم والعمل معاً .

5 - الاختيار والاصطفاء:
إن التربية كما أنها موجهة لكل أفراد الأمة أجمع مهما كان شأنهم، والدين خطاب للجميع صغاراً وكباراً، رجالاً و نساءً .
إلا أن الدعوة تحتاج لمن يحملها ولمن يقوم بأعبائها، إنها تحتاج لفئة خاصة تختار بعناية وتربي بعناية .
لذا كان هذا الأمر بارزاً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته لأصحابه فثمة مواقف عدة في السيرة يتكرر فيها ذكر كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر مما يوحي أن هؤلاء كانوا يتلقون إعداداً وتربية أخص من غيرهم .
عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: إني لواقف في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول: رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«كنت وأبو بكر وعمر وفعلت وأبو بكر وعمر وانطلقت وأبو بكر وعمر» فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب. [رواه البخاري (3677) ومسلم (2389) ].
ومنها قصة أبي هريرة حين كان بواب النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن أبو بكر فقال «ائذن له وبشره بالجنة»، ثم استأذن عمر، ثم عثمان... [رواه البخاري (3674) ومسلم (2403) ] .
وما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال:« اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان» [رواه البخاري (3675) ].
ومثله ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» [رواه مسلم (2417) ].
ويحكي لنا أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن توجيه خاص بهم، حين بايعهم على أمر لم يعتد أن يبايع عليه سائر الناس .
عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال:«ألا تبايعون رسول الله؟» وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال:« ألا تبايعون رسول الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال:« ألا تبايعون رسول الله؟» قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال:«على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، -وأسر كلمة خفية- ولا تسألوا الناس شيئاً» فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه [رواه مسلم (1403) ].
وهذا الأمر لم يكن عاماً لأصحابه رضوان الله عليهم، بل خاصاً بهؤلاء، فقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه ويعطيهم ولم يكن يمنعهم أو ينهاهم عن السؤال.
ومن ذلك أنه كان لايؤذن بالسؤال لخاصة أصحابه كما يؤذن لغيرهم، كما روى نواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، قال فسألته عن البر والإثم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس». [رواه مسلم (2553) ].

6 - التدرج:
إن الجوانب التي تتطلب التربية والإصلاح في النفس البشرية من الاتساع والتعدد والتنوع ما يجعل تحصيلها في وقت وجهد أمر عسير ومتعذر .
لذا فإن التدرج كان معلماً مهماً من معالم التربية النبوية ، فخوطب الناس ابتداء بالاعتقاد والتوحيد، ثم أمروا بالفرائض، ثم سائر الأوامر.
وفي الجهاد أمروا بكف اليد ، ثم بقتال من قاتلهم، ثم بقتال من يلونهم من الكفار، ثم بقتال الناس كافة.
ومثل ذلك التدرج في تحريم الخمر، وإباحة نكاح المتعة ثم تحريمها ، وهكذا .
لكن يبقى جانب مهم مع الإيمان بمبدأ التدرج، ألا وهو أن ما نص الشرع على تحريمه لا يجوز أن نبيحه للناس، وما نص على وجوبه لا يجوز أن نسقطه عن الناس .

7 - تربية القادة لا العبيد:
وثمة سؤال يفرض نفسه ويقفز إلى أذهاننا: هل نحن نعنى بتعليم الناس وتهيئتهم ليكونوا أهل علم يستنبطون، ويبدعون، ويبتكرون؟ أم أننا نربيهم على تلقي أقوال أساتذتهم بالتسليم دون مراجعة وربما دون فهم لمضمون القول؟.
هل نرى أن من أهدافنا في التعليم أن نربي ملكة التفكير والإبداع لدى طلابنا، وأن نعودهم على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص، وعلى الجمع بين ما يبدو متعارضاً؟
وهل من أهدافنا تربيتهم على تنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع التي يرونها؟
إن المتأمل في واقع التعليم الذي نقدمه لأبنائنا ليلحظ أننا كثيراً ما نستطرد في السرد العلمي المجرد، ونشعر بارتياح أكثر حين نقدم للطالب كماً هائلاً من المعلومات، وهو الآخر - لماغرسنا لديه- يقيس مدى النجاح والإنجاز بقدر ما يسطره مما يسمعه من أستاذه، والتقويم والامتحان إنما هو على أساس ماحفظه الطالب من معلومات، واستطاع استدعاء ذلك وتذكره.
وشيء من ذلك حق ولاشك، لكن توجيه الجهد لهذا النوع وهذا النمط من التعليم، لا يعدو أن يخرج جيلاً يحفظ المسائل والمعارف -ثم ينساها بعد ذلك- أو يكون ظلاً لأستاذه وشيخه.
ولأن تعلم الجائع صيد السمك خير من أن تعطيه ألف سمكة.
وقد مثل ذلك في الأعمال الدعوية التي نقوم بها، فهل نحن نربي الناس على أن يكونوا عاملين مبدعين مشاركين، أم نربيهم على مجرد الاتباع والتقليد لما عليه كبراؤهم ؟
أما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تربيته لأصحابه لوناً آخر، ففي تربيته العلمية لهم خرج علماء وفقهاء، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يقتصر على مجرد إعطاء معلومات مجردة.
وكشف الواقع آثار هذه التربية النبوية، ففي ميدان العلم واجهت أصحابه قضايا طارئة مستجدة لكنهم لم يقفوا أمامها حيارى فاستثمروا نتاج التربية العلمية التي تلقوها لذا اجتهدوا في اتخاذ السجون وجمع القرآن وجلد الشارب والخراج وغيرها .
وفي ميدان الجهاد وإدارة الدولة والدعوة قضوا في شهور على المرتدين بعد أن حسموا الموقف الشرعي من قضية الردة، ثم اتسعت الدولة ووطئت أقدام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بلاد المشرق حتى وصلوا أذربيجان وما وراء النهر وبلاد المغرب حتى وصلوا غرب أفريقيا، ودفن من دفن تحت أسوار القسطنطينية .
ولو تربى أولئك على غير هذه التربية لما صنعوا ما صنعوا .
فأين المربون اليوم الذين يترك أحدهم الفراغ حين يمضي؟ أينهم من هذه التربية النبوية؟ .

8 - التوجيه الفردي والجماعي:
لقد كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين التربية والتوجيه الفردي من خلال الخطاب الشخصي المباشر، وبين التربية والتوجيه الجماعي .
قال ابن مسعود - رضي الله عنه- :«علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه» [رواه البخاري ( 831 ) ومسلم ( 402 ) ].
ومن ذلك ما ورد عن غير واحد من أصحابه: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك حديث معاذ رضي الله عنه:كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال:«يا معاذ، أتدري ماحق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟».
وعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- زوجه أبوه امرأة فكان يتعاهدها، فتقول له: نعم الرجل لم يكشف لنا كنفاً ولم يطأ لنا فراشاً -تشير إلى اعتزاله- فاشتكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعاه فكان معه الحوار الطويل حول الصيام وختم القرآن وقيام الليل.
وقد كان هذا الحوار والتوجيه له شخصياً، بينما نجد أنه صلى الله عليه وسلم في مواقف أخر يوجه توجيهاً عاماً، كما في خطبه ولقاءاته وتوجيهاته لعامة أصحابه وهي أشهر من أن تورد وتحصر.
وهاهنا مأخذ مهم في قصة عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه وناقشه لوحده، بينما نجده في موقف آخر شبيه بهذا الموقف يعالج الأمر أمام الناس، فحين سأل طائفة عن عبادته وتقالوها وقالوا ما قالوا صعد المنبر وخطب في الأمر.
عن أنس -رضي الله عنه- أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [رواه مسلم (1401)]
ومثل ذلك في قصة الذي قال : هذا لكم وهذا أهدي إلي، فعن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن الأتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر -قال سفيان أيضا فصعد المنبر- فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:« ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه «ألا هل بلغت» ثلاثا [رواه البخاري (7174) ومسلم (1832)] .
إذاً فهناك جوانب يمكن أن تطرح وتناقش بصورة فردية، ولا يسوغ أن تطرح بصفة عامة، ولو مع عدم الإشارة إلى صاحبها لأنها ربما كانت مشكلات فردية لا تعني غير صاحبها، بل قد يكون إشاعتها ضرره أكثر من نفعه .
وهناك جوانب يجب أن تطرح بوضوح وبصورة عامة وتعالج وتناقش أمام الجميع .
والمربي الناجح هو الذي يضع كل شيء موضعه .

9 - التعويد على المشاركة والعمل:
اعتاد كثير من ناشئة المسلمين اليوم أن يُكفى كل شيء، فهو في المنزل يقدم له الطعام والشراب، ويتولى أهله تنظيم غرفته وغسل ملابسه، فساهم ذلك في توليد جيل كسول لا يعرف العمل والمسئولية.
وفي المدرسة وميادين التعليم اعتاد التلاميذ الكسل الفكري، وصار دورهم مجرد تلقي المعلومات جاهزة دون أي جهد، وحتى حين يطلب منهم بحث أو مقالة فلابد أن تحدد لهم المراجع، وبأرقام الصفحات، وقل مثل ذلك في كثير من المحاضن التربوية.
إننا حين نريد تخريج الجيل الجاد فلابد من تعويده من البداية على المشاركة وتحمل المسئولية: في المنزل بأن يتولى شؤونه الخاصة، وفي المدرسة بأن يبذل جهداً في التعلم.
وعلى القائمين اليوم على المحاضن التربوية أن يأخذوا بأيدي تلامذتهم، وأن يسعوا إلى أن يتجاوزوا ـ في برامجهم التي يقدمونها ـ القوالب الجاهزة، وأن يدركوا أن من حسن تربية الناشئة أن يمارسوا المسئولية، وألا يبقوا كلاً على غيرهم في كل شيء، فينبغي أن يكون لهم دور ورأي في البرامج التي يتلقونها.
وحين نعود لسيرة المربي الأول سنرى نماذج من رعاية هذا الجانب، فهو صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن يتحملوا المسئولية أجمع تجاه مجتمعهم، فليست المسئولية لفرد أو فردين فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال قال النبي صلى الله عليه وسلم :«مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم» [رواه البخاري (2686)]
ومن ذلك أيضاً استشارته صلى الله عليه وسلم لأصحابه في كثير من المواطن، بل لا تكاد تخلو غزوة أو موقف مشهور في السيرة من ذلك، وفي الاستشارة تعويد وتربية لهم، وفيها غرس للثقة، وفيها إشعار لهم بالمسئولية، ولو عاش أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على خلاف ذلك، أتراهم كانوا سيقفون المواقف المشهودة في حرب أهل الردة وفتوحات فارس والروم؟
وعلى المستوى الفردي كان النبي صلى الله عليه وسلم يولي أصحابه المهام، من قيادة للجيش وإمارة ودعوة وقضاء وتعليم، فأرسل رسله للملوك، وبعث معاذاً إلى اليمن، وأمَّر أبا بكر على الحج، بل كان يؤمر الشباب مع وجود غيرهم، فأمر أسامة على سرية إلى الحرقات من جهينة. [رواه البخاري (4269) ومسلم (96) ]، ثم أمره على جيش يغزو الروم [رواه البخاري (4469) ومسلم (2426) ]، وولى عثمان بن أبي العاص إمامة قومه. [رواه مسلم(468)]... وهكذا فالسيرة تزخر بهذه المواقف.
فما أجدر الدعاة والمربين اليوم أن يسيروا على المنهج نفسه ليخرج لنا بإذن الله جيل جاد يحمل المسئولية ويعطيها قدرها.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 12:25 PM

غموض الأبناء.. أم تجاهل الآباء؟


ظلّ بعض الأبناء يمارس دوراً، قد لا يتوافق مع المثالية التي يفترض أن تكون وساماً على مثله، وخلقاً يعرف به؛ ارتجالية في الأعمال، وعشوائية في الإدارة، فلنسأل أنفسنا: من كان السبب في هروبهم بعيداً عنا؟! ولماذا آثروا البعد عند تلوّن الأحداث؟! مع ما يقاسونه من متاعب الطريق.
إنّ مما ينبغي ألا نتناساه، أنّ مشاركتنا لهم في أفراحهم، ومشاطرتهم في أتراحهم، وإشباع رغباتهم، والتغاضي عن بعض زلاتهم، من شأن ذلك أن يسهم في تحقيق السعادة، وتقوية العلاقة.
حقيقة التربية إحياء لغة الحوار بين الملقي والمتلقّي، أباً كان أو معلماً، فالسلبية التي يعيشها الأبناء، نتيجة تجاهل الآباء لبعض ما يعانونه من مشاق الحياة. فمثلاً عند وقوع مكروهٍ ما، عادة ما يلجأ الأبناء إلى أصدقائهم في حلّ مشاكلهم، أو التخفيف من معاناتهم، وهذا قد ينعكس سلباً على الأبناء، فالصديق قد يحمله على رأي، أو مشورة عاطفته تجاه ما يلقاه صديقه.. بل لعله اعتاد أن لا يسمع من خاصّة أهله من يسليه، أو يواسيه، أو على الأقل يتوجّع له!.
ومشكلة أخرى؛ يجد البعض من الأبناء - كلما بعُد عن البيت - فسحة في الترويح عن النفس فما السر؟!
جدُّ غريب! لكن ربما لأنه تحرّر من مملكة السيطرة.. حيث البعض من الآباء لا يزال يتعامل باللغة الحاسوبية، تحت ما يسمى بقائمة الأوامر!.
وشيء آخر لا يقلّ أهمية عنه؛ هو افتقارنا إلى فنّ الإصغاء.
ربّما كان الحامل لهؤلاء حكمة الشيوخ، وهي وإن أفادت: "من كان أسنّ منك، لزم أن يكون أحكم منك! " لكن هذا لا يعني أن يصبح حديثه على هامش الحياة.
وأقول: إنّ بمقدور كل أب أن يصنع من نفسه في داخله زنزانة، يحتجز فيها فلذة كبده، متى كسر حاجز الرسمية، واعترف بضرورة التربية.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 12:26 PM

أي جيل نبني؟


هذا السؤال يعد من أكثر الأسئلة مركزية وجوهرية في مقام التربية؛ حيث إن معرفة المواصفات التي يجب أن تتوفر في الجيل القادم- تعد أكبر مساعد لنا على معرفة نوعية الاهتمامات التي نستثيرها في نفوس أبنائنا وطلابنا، ونوعية الأنماط السلوكية التي نوجههم إليها، والأفكار والمعطيات الثقافية التي نحفزهم على تشربها.
ومع أن كل الأسر والمدارس تقوم بالتوجيه، وتسعى إلى نوع من النهوض بأبنائها، لكن أولائك الذين ينجحون في مهماتهم على النحو المقبول يظلون دائما قليلين. وكثيرا ما يكون غموض ما يريدون الحصول عليه سببا مهما في إخفاقهم. ولا أعني بالوضوح هنا المعرفة التامة بأهداف التربية، وإنما أعني حضور الهدف في الممارسة التربوية اليومية، وإدراك المربي للمقولات والتصرفات التي تساعد على الاقتراب من ذلك الهدف. وعند هذه النقطة يفترق كثير من المربين مع بعضهم؛ إذ إن عدم الإلمام بالأهداف الأساسية إلى جانب عدم وجود ثقافة تربوية جيدة لدى كثيرين ممن يمارس التربية يؤدي إلى عدم تناسق الجهود التربوية، بل إلى تصادمها، ولا يخفى أن عدم بعض المربين خير من وجوده؛ لأنه يفسد فطره من يربيه، ولا ينهض به، ولا ينمي إمكاناته، ولا يرشده إلى الطريق القويم، بل يكوِّن لديه الاتجاهات السيئة التي تضره، وتؤدي إلى انحرافه!
وإذا أردنا أن نحدد هدفا إجمالياً للتربية الإسلامية أمكننا أن نقول: إن التربية الإسلامية في البيوت والمساجد والمدارس تستهدف تكوين ( المسلم الحق) الذي يعيش زمانه في ضوء العقيدة والمبادئ التي يؤمن بها، ولعل النقاط السريعة التالية ما يشبه (كُتيب الإرشادات) الذي يمكن أن نعود إليه بين الفينة والفينة؛ كي نتأكد من أننا لم نهمل أي شيء مهم.
وإليك سردا سريعا لتلك النقاط:
• تعريف الناشئة على الله عز وجل وأنه الخلاق الرزاق المعين الواحد الأحد الذي يستحق منا إخلاص العبادة، وغرس حب الله ورسوله في نفوسهم.
• إطلاع الناشئة على الخصائص العامة للإسلام من الشمول لكل جوانب الحياة والعالمية وصلاحيته لتوجيه حياة الناس في كل العصور ، بالإضافة إلى ما اتسمت به الشريعة السمحاء من التخفيف والتيسير ، ورفع الحرج ، ومراعاة الظروف الخاصة والعامة.
• تنشئة الأبناء على الأخلاق الفاضلة مثل الصدق الأمانة والإحسان والصبر وتوقير الوالدين وصلة الأرحام وبذل المعروف ونصرة المظلوم والوقوف إلى جانب الضعيف والعفو والتسامح .
• تعزيز روح الانتماء إلى أمة الإسلام والانتماء إلى المجتمع المسلم الذي يعيش فيه الناشئ والتربية على المحافظة على الموارد الطبيعية والمحافظة على المرافق العامة والمساهمة في تنميتها.
• بث روح الإصلاح في الناشئة وإشعارهم بمسؤوليتهم تجاه القيام بالدعوة إلى الله - تعالى - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشجيع الخير ومحاصرة الشر.
• العمل على تأكيد أن العلم للعمل - في نفوس الطلاب- وأن المسلم مطالب بمجاهدة نفسه كي تتطابق أفعاله مع أقواله وأقواله مع معتقداته .
• مساعدة الطالب على اكتشاف ذاته من خلال تعريفه على الخطوط الرئيسة التي توجه سلوكه ومن خلال إطلاعه على طاقاته الكامنة ومن خلال تدريبه على تفحص الأفكار التي يحملها عن الحياة والأحياء بغية تنقيتها وتعديلها.
• إشعار الناشئ بضرورة تحمله للمسئوليات النتائج المترتبة على اختياراته الخاصة في كل شئون حياته.
• تخليص أذهان الطلاب من الأوهام والمعتقدات والأفكار الخاطئة التي جاؤوا بها من بيئاتهم الخاصة، وتمليكهم بعض الأصول والقواعد التي تساعدهم على أن يفكروا بطريقة موضوعية ومنطقية.
• تنمية قدرات الطلاب على الملاحظة، ورؤية الارتباط بين الأسباب والمسببات، وبين المقدمات والنتائج.
• تدريبهم على الاستخدام الصحيح للغة، وتدريبهم على صوغ الأجوبة القصيرة.
• تحفيز حب الاستطلاع، وتدعيم روح التساؤل والمشاركة والمناقشة للقضايا المختلفة.
• تكوين النظرة العلمية من خلال معرفة المسلَّمات والخلافيات في التخصص الذي يدرسة الطالب، ومن خلال معرفته بتاريخ ذلك التخصص وفلسفته وأشكال النمو المتاحة له، والآفاق التي تنتظره.
• تكوين العقل المثقف، وهو الذي يملك عددا جيدا من المقولات والخبرات التي تؤهله للتعامل مع مسائل الحضارة والتخلف والإنجاز الإخفاق.
• تدريب الطلاب على تقديم الحلول البديلة، وإثراء وجهات النظر في معالجة المشكلات المطروحة من خلال حصص العصف الفكري.
• تحسين مستوى القرار في الشأن الخاص، ومساعدة الطالب على رسم أهدافه وتحديد أولوياته، وتنظيم ردود أفعاله.
• تمليك الطالب المبادئ والأساليب التي تساعده على التعلم المستمر، والاستزادة من المعرفة مدى الحياة.
• تدريب الطالب على امتلاك أسس المرونة الذهنية، التلاؤم مع المتغيرات الجديدة.
• تعزيز الاحترام للمعرفة، وبيان دورها في إحراز التقدم الإنساني.
• تكوين الإنسان الحر الذي يمتلك حريته لا عن طريق الشعارات، ولكن عن طريق توفر البدائل، وعن طريق العلم والإرادة ومقاومة الرغبات.
• دلالة الطالب على العوامل والمقومات التي تجعله ناجحاً في حياته، وتخليصه من المفاهيم الخاطئة في هذا الشأن.
• تعزيز فهم الطالب للواقع وما يدور في أفق حياته اليومية، وتبصيره بأحوال العالم المعاصر.
• إظهاره على أسرار التقدم، ومكامن الغلبة لدى الأمم المتقدمة.
• تهيئة الطالب ليكون قادرا على كسب رزقه؛ من خلال تلبية متطلبات سوق العمل، والتلاؤم مع الفرص المتاحة فيه.
والله حسينا ونعم الوكيل.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 12:29 PM

المربون بين المفروض والمرفوض


المربون اليوم يعيش الواحد منهم أنواعاً من التناقضات في التعامل مع ناشئته التي فقدت سيطرتها بين ماتشاهده وماتطالبُ به من قدواتها في البيت أو خارجه في مكمن ماتريده الجماهير على اختلاف مشاربها وتباين مطالبها فليتهم أدركوا أن عليهم كما لهم.
وليتهم أدركوا أن الحل الأوحد أن يحققوا معنى القدوة حتى لاتتفاقم حجم مشكلتهم التي أسهمت في هروب كثير من أولئك الناشئة من مجتمعه إلى مجتمع لايعرف المبادىء ولا القيم باسم الدراسة أو الوظيفة مع حداثة سنه فهو يتقلب بين مثاليتهم الزائفة وماينادون به من ( فوقية مقيته ) وربما تفشت فيهم لغة ( الأنا ) مع تبرمهم منها فيالله العجب متى ينفك هؤلاء من وباء ازدواجية الفكر في الوقت الذي ينتظر التأريخ من يجدد له سير العظماء.
جزاكم الله عنا وعن الإسلام خيرا
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 12:31 PM

مهارات المربي


الحمد لله وبعد...
عندما يحمل شخص ما رغبة صادقة في التأثير على من حوله فإن هذا لا يعني أنه سيحقق هذا التأثير ولابد...
إنه فقط خطا الخطوة الأولى للتأثير!؟
فليست الرغبة والهمة إلا القوة الدافعة لتحريك العربة،، وتأتي المهارات لتوجيه هذه العربة نحو الوجهة والهدف المراد عند سائقها.
وإنه مما يؤثر تأثيراً - بالغ السلبية أحياناً - على تربيتنا للآخرين، أن نمارس التربية سليقةوعادة لا مهارة وعلما، بل يزداد الأمر سوءاً عندما يخطر عند بعضهم أن التقعيد للتربية هو تعقيد لها، وتضييع لصفائها ويسرها وتلقائيتها، ولربما استُدِل على ذلك بتربية الآباء والأجداد العفوية، وقد غاب عن هؤلاء اختلاف البيئات، وتعقد المطالب، بل وبعض الآثار السلبية - أحياناً- لتلك التربية التلقائية والتي تصبغ المتربي في الغالب بواقع المربي لا بالمفروض منه!، فتتلون من لون لآخر، بل وتتغير الأساليب التربوية عند المربي نفسه في أحوال متطابقة بشكل متناقض.!!
وتأتي هذه المهارات، أو لنقل الإشارات التربوية، لتقديم آليات، ورؤى، وأفكارا حول مهارات يحسن بالمربي أن يملكها لتكون عوناً له - بعد الله تعالى- في الوصول إلى هدفه.
ومما شجعني على نشرها أنها عُرِضت على مجموعة من أهل الاختصاص، فاستحسنوها في الجملة، ونبهوني إلى عدد من الملحوظات التي أُفدت منها.
فلهم الشكر مني والأجر من الله بإذنه تعالى.
والله ولي التوفيق
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 12:33 PM

التعليم في عهد السلف


العملية التعلمية عملية مهمة، وذات أبعاد كثيرة في كل الأزمان، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين المجتمع، وتنشئة أجياله.
ونورد هنا لمحة مختصرة عن أهم ملامح التعليم في عهد سلفنا الصالح لكي نقتدي بها في عهدنا الحاضر، ولكي يعود إلينا عزنا السالف ومجدنا التليد، فلا سبيل لنا إلا العودة لما كان عليه سلفنا الصالح بالرجوع إلى ديننا الحنيف وتعاليمه، ننهل منها، ونتمسك بآدابه، ونعلمه أبناءنا، ونجعله نبراس حياتنا، ومنهاج سلوكنا، وهذا لا يتحقق إلا بعد أن نعتمد المنهج القرآني والنبويّ في العلم والتعلُّم والتعليم الذي عمل به سلفنا الصالح، فنتبناه ونطبقه، وكيفية المنهج لا يتسع المقام لذكره، ولكننا نكتفي بمقتطفات من معالمه، ونذكر أهمها وهي:
أولاً: جعل مصدر علمنا ومرجعه وأساسه كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم باعتبارهما المصدرين الموثوقين المعصومين من كل خطأ ونقص.
ثانياً: فهم الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح، مثل الصحابة والتابعين وتابعيهم، الذين أثنى عليهم القران، وزكّاهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: إخلاص العلم لله سبحانه وتعالى، وجعله غاية سعينا ونهاية قصدنا.
رابعاً: البدء بترسيخ الإيمان في النفوس قبل تعلم الأحكام، وذلك بتعريف المتعلمين بربهم، وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وترسيخ تعظيمه، وتبجيله، وإجلاله، ورجائه، والخوف منه ومحبته في النفوس، والتذكير الدائم بالموت وأهوال القيامة، والجنة والنار والحساب، فالبدء بهذا الجانب من التعليم هو الذي يهيئ النفوس لتنفيذ أوامر الله، وهجر نواهيه، والاستقامة على أمره.
وهذه هي الطريق الحكيمة التي اتبعها القران الكريم في تربية وتعليم الجيلين الأول والثاني، وتوضح ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول: " إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ( لا تشربوا الخمر ) لقالوا: ( لا ندع الخمر أبداً ) ولو نزل: ( لا تزنوا ) لقالوا: ( لا ندع الزنا أبداً ). لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) القمر: 46. وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده. رواه البخاري (4993)
خامساً: إجلال العلم واحترامه، وجعله عبادة يتقرب بها إلى الله، والنتيجة الطبيعية لهذا تعظيم العلماء والمعلمين واحترامهم، والتأدب معهم، لأنهم ورثة الأنبياء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وخفض الصوت لديهم، وعدم التقدّم عليهم، وإلانة القول لهم، وحسن مخاطبتهم، فبذلك ينشرحون لبذل العلم لطلابهم وإفادتهم.
سادساً: اعتماد المنهج العلمي القائم على الدليل والحجة والبينة والقناعة، ونبذ التقليد والظنّ والوهم في التعليم، ولعل ذلك أهم ما جاء به الإسلام، فقد دعا الناس إلى التفكير والعلم وطلب الدليل. وقد أخذ السلف بهذا التوجيه الرباني الكريم.
سابعاً: جعل الهدف الأكبر من التربية والتعليم تكوين الشخصية المسلمة المستسلمة لأمر الله، هذه الشخصية التي تقر لله تعالى بالألوهية، وتسلك مسلك العبودية لله، فتوحده حق التوحيد، وتلتزم بأمره، وتتجنب نهيه، وتقوم بواجب الخلافة في الأرض، وتعتني بالدين والدنيا، وتعمل للدنيا والآخرة.
ثامناً: ربط الحقائق العلمية بالحقائق الإيمانية، وغرس العقيدة الصحيحة، وترسيخها في نفوس المتعلمين من خلال التعليم، وهذه طريقة القران في بناء العقيدة، حيث يعرض آيات الله في الكون والأنفس والآفاق، ويدعو الناس إلى التأمل والتفكير والوصول بذلك إلى الإيمان بالله تعالى وبقدرته وصفاته، خلافاً للمنهج العلماني الذي يعرض الحقائق العلمية مجردة من التوجيه، ويفصل بين العلم والدين، فيكون التعليم سطحياً ظاهرياً، لا يؤثر في السلوك، ولا ينشئ الإنسان الصالح، كما قال الله سبحانه وتعالى في وصف علم الكافرين: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) الروم: 7.
تاسعاً: أن يكون المعلم قدوة حسنة للمتعلم، وهذا أصل أصيل في التربية، أن تكون التربية والتعليم بطريق القدوة، وقد أمر بذلك الإسلام، وحذّر تحذيراً شديداً من أن يخالف فعل المرء قوله، وخصوصاً العالم، ونفَّر منه تنفيراً شديداً، وضرب للواقع في ذلك أقبح الأمثال بالحمار والكلب، قال الله سبحانه وتعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) الجمعة: 5، وقال: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) الأعراف: 175- 176.
عاشراً: الرفق بالمتعلّم والترحيب به وتشجيعه، وقد وردت النصوص الكثيرة في الأمر بذلك، وعدّهُ سبباً للنجاح والفلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه " رواه أحمد (23786) ومسلم (2594) وأبو داود (2487). وقال: ( إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) رواه البخاري (6024) ومسلم (2165) وغيرهما، وقبل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل: 125، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم طلاب العلم فقال: " سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه ابن ماجة (247)
ولذلك كان المعلمون والعلماء يخاطبون المتعلمين بأطيب الكلام، ويتواضعون لهم، ويحبونهم، ويحسنون معاملتهم، وكان المتعلمون يحبون المعلمين، ويأنسون بهم، ويحترمونهم ويجلونهم، ويحسنون الاستفادة منهم، فكان من ذلك أعظم الفوائد وأعظم النجاح.
ومن الرفق بالمتعلم سلك المعلمون سبيل تبسيط المعلومات للمتعلم والتدرج فيها من السهل إلى الصعب، ومن البسيط إلى المركب وهكذا.
حادي عشر: تنويع الأساليب لتشويق المتعلم وجذب انتباهه وتركيز فكره لمتابعة الدرس، فمن ذلك استعمال أسلوب الاستفهام والحوار، وأسلوب القصص والأحداث، وأسلوب ضرب الأمثال، واستعمال الوسائل التعليمية المتيسرة، والأمثلة على ذلك في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام السلف كثير وطيب.
هذه لمحة مختصرة عن أهم ملامح هذا المنهج الإسلامي الفريد في التربية والتعليم، والذي خرَّج أفضل جيل ظهر على وجه الأرض، فهلا جعلناه نصب أعيننا ووعيناه، وحرصنا على تطبيقه خلال قيامنا بهذه الوظيفة الخطيرة، وظيفة صنع الأجيال، لنعيد صياغة مستقبل أمتنا على نور وهدىً من الله.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 10:15 PM

خصائص المربي الفعال (الحلقة الأولى)


للمربي الناجح خصائص عديدة وسمات متنوعة، تسهم إسهاماً مباشراً في إحداث التفاعل والانسجام بينه وبين الآخرين، من هذه الخصائص ما هو مكتسب، ومنها ما هو فطري تقوم البيئة التربوية بصقله واستثماره، وربما استطاع بعض المربين التطبع بطبائع معينة - ليست لديه من قبل- ابتغاء إحداث التفاعل التربوي. وهو أمر جيد إذا كان المربي يفتقد الخصائص التربوية الفطرية المهمة للتفاعل أو بعضها، كأن يتعود على التأني إذا كان عجولاً، أو على التحلم إذا كان غضوباً، أو على البذل إذا كان قتوراً.
وقد أشرنا - فيما سبق- إلى سلوكيات عديدة، تمثل أجزاء مهمة في السلوك التفاعلي، كالسلوك اللغوي، وسلوك السيما والهيئة، والسلوك العادي، والسلوك العلاجي، وتتضمن هذه الأنواع من السلوك بعض الخصائص والسمات المهمة للمربي المتفاعل، وسنبين - فيما يأتي- بتفصيل أكثر الخصائص والسمات التي يحتاجها المربي ليني علاقة تربوية متفاعلة ومثمرة. ويمكن أن تصنف
هذه الخصائص في زمر أربع هي:
1- زمرة الخصائص المعرفية.
2- زمرة الخصائص الأسلوبية.
3- زمرة الخصائص الوجدانية.
4- زمرة الخصائص الاتصالية.
الخصائص المعرفية
وتشمل ثلاث خصائص هي: خلفية المربي المهنية، واتساع ثقافته وتنوعها، والمعرفة الواسعة بالطرف المقابل (المتربي).
الخلفية المهنية:
هناك ارتباط إيجابي بين الرصيد المهني للمربي وفعاليته الدعوية والتربوية، فالمربي المؤهل مهنياً في مجال الدعوة أو التربية تأهيلاً جيداً يغدو أكثر فعالية من المربي الجديد الذي لا يملك خيرة وتجربة، ولا يملك المعلومات التربوية المناسبة. والرصيد المهني يشتمل على معرفة المربي بمهارات الاتصال ومعرفة طبيعة التعليم وأساليبه... إلخ، ولا يستوي المربي المعد والمزود بالخبرات والمعلومات، والمربي الذي يرتجل أعماله.
ولذلك عُني القران بتزويد الدعاة والمربين بالتوجيهات والخبرات التربوية، وبيان طبيعة الدعوة، وطبائع المدعوين، وكيفيات التعامل معهم، وتحديد الغايات وأنواع الأعمال والبرامج للوصول إليها، كل ذلك لإكساب المربين الخبرة والدراية في مجال الاتصال والدعوة، والفقه فيهما.
وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدرب أصحابه،ويزودهم بالخبرات والتوجيهات اللازمة، والمعلومات، ويصحح أخطاءهم، كل ذلك بطريقة علمية توجيهية، وبمواقف عملية تطبيقية؛ حتى تخرَّج من مدرسته علماء ذوي خبرة تربوية نادرة، أتقنوا التفاعل والاتصال ونجحوا في كسب الأفراد والجماعات، وإدخالهم في الإسلام، وتعليمهم إياه، فأحبهم الناس فأقبلوا عليهم.
ونوضح ذلك بأخذ أحد النماذج من جيل الصحابة، لنتعرف على الخلفية والدربة اللتين تزود بهما من المربي الأول من الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا النموذج هو معاذ بن جبل، فقد وجهه الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهات عديدة، وأوصاه بوصايا جليلة، حتى تضلع بالعلم والحكمة، وبعثه للدعوة والتعليم، وصار يعلم الناس ويرعى شئونهم، وإليك أمثلة من خلفيته التي تلقاها من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن مواقفه وأحواله، نقلنا أكثرها من مسند معاذ ابن جبل رضي الله عنه، من كتاب المسند للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
عن معاذ بن جبل أنه قال: يا رسول الله أوصني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت). قال زدني: قال: (أتبع السيئة الحسنة تمحها). قال زدني: قال (خالق الناس بخلق حسن).(1)
وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوماً ثم قال: (يا معاذ إني لأحبك). فقال له معاذ: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأنا أحبك". قالhttp://www.elostaz.com/montada/image...s/icon_sad.gifأوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).(2)
وعنه أيضاً رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان، قال: (أن تحب لله،وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله. قال:وماذا يا رسول الله؟ قال: (وأن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك)(3).
وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس قبل غزوة تبوك... فبينما معاذ على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم... ناداه، فقال: يا معاذ، قال: لبيك يا نبي الله. قال: أدن دونك، فدنا منه حتى لصقت راحلتاهما إحداهما بالأخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كنت أحسب الناس منا كمكانهم من البعد. فقال معاذ: يا نبي الله نعس الناس، فتفرقت بهم ركابهم ترتع وتسير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا كنت ناعساً. فلما رأى بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وخلوته له قال: يا رسول الله ائذن لي أسألك عن كلمة قد أمرضتني وأسقمتني وأحزنتني. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: سلني عما شئت.قال: يا نبي الله حدثني بعمل يدخلني الجنة، لا أسألك عن شيء غيرها. قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: بخ بخ بخ لقد سألت بعظيم، لقد سألت بعظيم(ثلاثاً) وإنه ليسير على من أراد الله به الخير. وإنه ليسير على من أراد الله به الخير. وإنه ليسير على من أراد الله به الخير فلم يحدث بشيء إلا قاله ثلاث مرات، يعني أعاده عليه ثلاث مرات حرصاً لكي يتقنه عنه، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله واليوم الآخر، وتقيم الصلاة، وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً حتى تموت وأنت على ذلك. فقال: يا نبي الله أعد لي، فأعادها ثلاث مرات ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت حدثتك يا معاذ برأس هذا الأمر، وقوام هذا الأمر، وذروة السنام. فقال معاذ:بلى بأبي أنت وأمي يا نبي الله فحدثني. فقال نببي الله صلى الله عليه وسلم: (إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وإن قوام هذا الأمر، إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويشهدوا أن لا إله إلا لله وأن محمداً عبده ورسوله، فإذا فعلوا لك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها،وحسابهم على الله عز وجل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل تبتغى فيه درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله، ولا ثقل ميزان عبد كدابة تنفق له في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله)(4)
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا معاذ أن يهدي الله على يديك رجلاً من أهل الشرك خير لك أن يكون لك حمر النعم)(5)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ( إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا لله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)(6)
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن فقال: (كيف تصنع إن عرض عليك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله. قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أجتهد رأيي ولا آلو.قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم)(7)
وعن أبي إدريس الخولاني قال: دخلت مسجد دمشق الشام فإذا أنا بفتى براق الثنايا،وإذا الناس حوله، إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجَّرت فوجدته قد سبقني بالهجير، وقال إسحق: بالتهجير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى إذا قضى من صلاته جئته من قبل وجهه، فسلمت عليه فقلت له: والله إني لأحبك في الله عز وجل. فقال: آلله، فقلت: آلله. قال: آلله. قلت آلله. فأخذ بحبوة ردائي فجذبني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيّ،والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ)(http://www.elostaz.com/montada/image.../icon_cool.gif
اتساع الثقافة وتنوعها:
بأن يتصف المربي بالمعرفة بالمسائل التي تقع خارج إطار تخصصه، وبالاطلاع الواسع في المجالات الشرعية والاجتماعية والأدبية والسياسية، وبالحرص على متابعة الأحوال والأحداث وخصوصاً في مجتمعه القريب.
وقد دلت بعض الدراسات التي تمت لمعرفة العوامل المؤثرة في فعالية المربي وجاذبيته أن المعلمين الأكثر فعالية يملكون اهتمامات قوية وواسعة في المسائل الاجتماعية والأدبية ونحوها(9).
ولقد كان المربون الأول يملكون هذه الخاصية، فهم متبحرون في كافة العلوم، فالفقيه لم يكن ذو ثقافة فقهية فقط بل كان متضلعاً في اللغة والأدب والسيرة والتاريخ، والمؤرخ كان مطلعاً على الفقه واللغة والجغرافيا والمذاهب، بل إن اللغوي كان ذا شأن في المسائل الفقهية والتاريخية والأدبية. كانوا مطلعين على كل ذلك فضلاًَ على إتقان الأساسيات كحفظ القرآن والتزود من التفسير والحديث، ومع أحوال المجتمع وأحداثه، ومستجداته السياسية والاقتصادية والتربوية وغيرها.
وقد افتقد المربون هذه الخاصية في ها العصر - إلا ما شاء الله - وصاروا يتخصصون في مجالات ضيقة محدودة لا يخرجون عنها إلا نادراً، وأثّر هذا على طبيعة العلاقة بالمتربي، حيث صارت علاقة وظيفية روتينية جامدة، وصار من المستغرب جداً أن يخرج المربي أو المعلم عن نطاق مادته أو تخصصه، وتجد التلاميذ يستبشرون ويفرحون عندما يجدون أن المعلم - وإن كان معلم نحو أو فقه أو تاريخ - يتطرق للقضايا الاجتماعية والسياسية والأدبية الساخنة وغير الساخنة، تتطلع إليه نفوسهم، وتشرئب إليه أعناقهم، وتهوي إليه أفئدتهم،وقد يبنون معه علاقة حميمة، ويقتبسون منه خصالاً حميدة، بسبب طول باعه في العلوم، ومناقشته للأحوال والأحداث.
وإذاً فالتربية الفعالة لا ترتبط فقط بتفوق المربي في ميدان تخصصه ومهنته، بل ترتبط أيضاً باتساع اهتماماته ومعلوماته، وبمتابعته المستمرة والواسعة لشؤون الناس والمجتمع والأمة. وكلما كان حظه في هذا أوسع كان إلى الاتصال بالناس أقرب وإلى التأثير عليهم أبلغ.
المعرفة الواسعة بالطرف المقابل:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمد اعتماداً كبيراً على هذه الخاصية في الاتصال بالمدعوين والمتربين، والتقريب إليهم والتأثير فيهم. فهو يعرف أسماءهم، وبعض خصائصهم، وأسماء قبائلهم، وتاريخ تلك القبائل وأسماء بلدانهم، وخصائص تلك البلدان، ويعرف مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وهذا فيما يتعلق بالأبعدين والمستجدين، أما أصحابه ممن حوله، والمقرببين منه، فيعرف كل شيء عنهم تقريباً، حاجتهم واستكفاءهم، مرضهم وصحتهم، سفرهم وإقامتهم،ويعرف مستوياتهم الإيمانية والعلمية والعقلية والنفسية، ويعرف قدراتهم وحظوظهم في المجالات التربوية والقيادية والمالية والحكمية والدعوية، ويتحدث مع كل بما يناسبه، ويكلف كلاً منهم وفق خصائصه وقدراته؛ بل ويلقب بعضهم بما يتلاءم مع أبرز صفة فيه، فقد لقب أبا بكر بالصديق لقوة إيمانه وتصديقه، وعمر بالفاروق لقوته في الحق، وخالد بسيف الله المسلول لشجاعته وإقدامه، وهكذا.
وشواهد هذه الخاصية في الرسول صلى الله عليه وسلم وأهميتها الدعوية والتربوية كثيرة جداً ونشير - هنا- إلى حديث مختصر جامع بيَّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم خصائص مميزة لمجموعة من صحابته رضي الله عنهم:
عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) (10).
ولاشك أن الفرد كلما كان أعرف بالطرف المقابل كان إليه أقرب، وببره وصلته أحرى،وكذلك الطرف المقابل يبادله الشعور ذاته ويكون متقبلاً متأقلماً، بينما جهْل الآخرين أو تجاهلهم يبعث الوحشة والنفرة فيهم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)(11).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر)(12).

عمروعبده 17-08-2010 10:24 PM

خصائص المربي الفعال (الحلقة الثانية)


الخصائص الأسلوبية
وتشمل مهارة المربّي في استخدام الأساليب غير المباشرة في التعليم، وقدرته على استخدام المقدّمات والمداخل والأساليب التمهيدية عند نقل المعلومات والخبرات إلى المتربّي.
الأساليب غير المباشرة:
فالأسلوب التأثيري غير المباشر، مثل تقبّل شعور المتعلم، وإلقاء الأسئلة، والاستبشار عند حدوث التّجاوب من المتربّي، وإظهار المدح له، كل ذلك له أثر في زيادة مشاركة المتربّي وفي تحسّن عاداته وفي إيجابيته التعليمية .
كذلك إتاحة الفرصة للمتربّي ليشارك بطرح آرائه ووجهات نظره، وليقوم بالأبحاث المقالية التي يكتب عليها المعلم تقويماً تفصيليّاً، وملاحظات تشرح إيجابيّات وسلبيّات تلك الأبحاث، كل ذلك يعد أسلوباً مفيداً في إيجاد الانسجام والتفاعل، وفي بناء علاقة قوية خارج الإطار الرسمي التقليدي .
والمربّي - عموماً - إذا اتسم بالحصافة والنّباهة اللتين تهديانه إلى إيصال التوجيه والخبرة للمتربّي بطريقة عفوية نابعة من ذات البيئة التربوية وظروفها، وبأسلوب غير مباشر ولا ممل، فإنه يستطيع بناء علاقة أوثق، وتفاعل تربوي أعمق.
أمّا إذا كان مباشراً في النّصح والتوجيه والتعليم؛ فإنه يفتقد التفاعل بقدر المباشرة.
ومما يلفت النظر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر من استخدام التربية غير المباشرة، فهو أحياناً يقوم بالتوجيه والتعليم مستثمراً أحداثاً معينة لكن دون تخصيص، وبأسلوب: ( ما بال أقوام ) إشارة إلى أناس وقعوا في أخطاء وله عليهم ملاحظات، فينبه إلى ما يريد دون جرح لمشاعر أحد، وبهذا يستفيد الناس عامّة عن طريق التعليم بالحدث، وأحياناً بالمدح مع لفت الانتباه وبأسلوب: ( نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل ) وأحياناً بالتنويه بالرّجل بما فيه، وفي هذا جذب وكسب وتأنيس وتدريس، وذلك مثل قوله لأشج عبد القيس، وكان سيد قومه: " إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة " رواه مسلم (17).
المداخل والأساليب التمهيدية:
يجب إعداد المتعلم ذهنّياً للأفكار الجديدة والأنشطة التعليميّة المستحدثة، وقد يتم ذلك ببعث الرغبة في التعلّم، أو بشرح الغرض من النشاط التربويّ المعيّن، ولابد للمعلّم الفعّال من معرفة الوضع الذهني للمتربّي، فإذا كان في ذهن المتربّي غرض ينوي تحقيقه، فإنّ أيّ تدخل يعوق هذا الغرض لن يحظى منه بغير الرفض، إلا أن يكون النشاط التربويّ من نوع يخدم غرض المتعلم أو مما يهتم به .
وإذا كان المربي ناجحاً في جلب ذهن المتعلم، ومُجيداً في استخدام الأساليب التمهيديّة كان أقرب إلى ذهنيّة المتربّي وأحب إلى نفسه، وأكثر تقبّلاً وانسجاماً.
ومن المداخل المهمّة أن نلفت انتباه المتعلم إلى الموضوع عن طريق القصة أو الحادثة المناسبة، وعن طريق الأمثلة المستثيرة للذهن مما له ارتباط بالنشاط التربوي المقصود، وعن طريق استخدام المعلومات السابقة لدى المتعلّم وخصوصاً السارة والمحببة لديه. أما دخول المربّي في الموضوع المطروح والخبرة التربوية الجديدة، دون مقدّمات ومهيّئات فإنه يثير مقت التلميذ، ويؤدي إلى انصرافه وسلبيته، ويغلق على المربّي باب التفاعل والانسجام من بداية العملية التعليميّة، وهو سلوك يثبّط همة المتربّي، ويجعل استيعابه وإقباله محدودين.

عمروعبده 17-08-2010 10:25 PM

الخطوات العشر لتغيير المراهق



1. الخطوة الأولى: اجلس معه.
• أنواع المجالسة:
1. الفوقية: بأن تكون جالساً، وهو واقف.
• الرسالة: افهم: أنا أعلم منك، وأنا أعلى منك، شرفاً، ومعرفة.
• النتيجة: المكابرة، والعناد.
2. التحتية: أن تكون واقفاً، وهو جالس.
• الرسالة: أنا أقوى منك، وأستطيع أن ألطمك، وأن أهجم عليك في أي لحظة.
• النتيجة: الخوف، وضعف الشخصية.
3. المعتدلة: بنفس مستوى المراهق، وبمواجهته، والدنو منه.
• الرسالة: أنا أحبك.
• النتيجة: الاطمئنان، والصراحة.
• أين تجالسه:
1. في مكان مألوف.
2. بعيداً عن أعين الناس.
3. مكان تتوفر فيه خصوصية، وسرية.
4. يفضل خارج المنزل، أو في مكان غير مكان حدوث المشكلة.
5. يفضل التغيير، والانتقال، إذا كان الوقت طويلاً.
• متى تجالسه:
1. في وقت لا يتبعه انشغال.
2. في وقت كافٍ للمراهق، ليقول كل ما لديه.
3. في غير أوقات العادة اليومية الخاصة ( النوم، الطعام... غيرها ).
4. وقت الصباح أفضل من المساء.
5. في أوقات، أو فترات متقطعة.
2. الخطوة الثانية: لا تزجره (الرفق و اللين).
• لاحظ في هذا:
- مراعاة نبرة الصوت في الحديث، وأن لا تكون حادة في كل وقت.
- مراعاة البطء في الحديث، لتتأكد من أنّ المراهق يسمع كل كلمة مُرادة.
- فصاحة، ووضوح الكلمة، والعبارة، وذلك باستعمال العبارات التي يفهمها الشاب.
3. الخطوة الثالثة: أشعره بالأمان.
• يجب أن يشعر المراهق بالأمان، والثقة، وأنّ المقصود هو البعد عن العادات السيئة، والأخطاء المرفوضة، ويمكن لتحقيق ذلك مراعاة:
- شكل الجلسة، بالدنو منه، دون التلويح باليد.
- الصوت الهادئ، بدون تأفّف، أو تذمّر.
- بإعطائه فرصة كافية ليعبّر عن نفسه.
4. الخطوة الرابعة: تحاور معه.
• ينتبه في هذه الخطوة إلى أهمية:
- الحديث معه بعرض المشكلة، وبيان خطرها، ومدى حرصنا على حمايته، وإمكانية سماعنا منه، واحتمالية سماحنا عنها.
- عدم تصيد أخطائه أثناء الحديث معه، وعدم مقاطعته كلما وجدنا تناقضاً أو أخطاءاً، لأننا بهذا التصرّف قد نعدل به عن الصراحة.
- استعمال أسلوب الإقرار الذاتي، بحيث يقوم المراهق بالإقرار من نفسه على نفسه بالخطأ الذي وقع فيه، وهذا يكون بالسؤال غير المباشر، المؤدي إلى الإجابة المباشرة.
- الحرص على الأسئلة الكثيرة التي تكون إجاباتها بـ (لا) إذا كان المقصود منع الشاب، والأسئلة الكثيرة التي تكون إجاباتها بـ (نعم) إذا كان المقصود دفع الشاب، بحيث لا يقل تكرارها عن عشر مرات في نفس الموقف.
5. الخطوة الخامسة: أحسن الاستماع إليه.
• وللاستماع بصورة أجود يجب مراعاة:
- عدم التحديق في عين المراهق، إنّما يكون النظر إليه بهدوء وتعقّل.
- الاستماع إلى كلماته بالاهتمام المناسب.
- الانتباه إلى الإشارات الجسمية (مكان العين، الشفاه المشدودة، اليد المتوترة، تعبيرات الوجه وتغيراته، طريقة الجلسة... غيرها).
- التقليل من المقاطعة، أو الشرود عنه ( بالنظر إلى مكان آخر، صوت فتح الباب، الاستماع للراديو... غيرها).
- الانتباه إلى نبرة صوته، مع التفاعل معها.
6. الخطوة السادسة: أعطه حرية الاختيار.
• مجالات يمكن إعطاء الخيار للمراهق فيها:
- طُرق حلّ للمشكلة.
- العقوبة، وقدرها.
- المكافأة، وكيفيّة الحصول عليها.
- أسلوب تنفيذ التكاليف المطلوبة.
7. الخطوة السابعة: حفزه عند الإنجاز.
• الحوافز: تشمل الأمور المعنوية، كالشكر، والثناء، وإبداء الرضا عنه، والأمور المادية، كالهدية، وتقديم ما فيه فائدة ومصلحة له، والخروج به لمكان معين، ويقصد من الحوافز تغيير سلوك غير سوي، أو استقرار، وتعزيز سلوك حسن.
8. الخطوة الثامنة: عاقبه عند التقصير.
• من أشكال العقاب:
- حرمانه من بعض محبوباته، أو التقليل منها.
- اللوم، والعقاب اللفظي، كالكلام معه بشدة.
- خسارة بعض حقوقه، مثل منعه من المصروف، أو الخروج مع أصحابه.
- فقده للثواب الموعود به عند الإنجاز.
- ضربه إذا دعت الحاجة لذلك، مع مراعاة أن يكون آخر العلاج.
9. الخطوة التاسعة: اجعل له مجالاً للعودة.
• وذلك بتقبّله بعد التغيير، ونسيان ما كان منه، وكما قيل: "الوالد المنصف؛ هو الذي تتغير نظرته لابنه كلما تغير ابنه". وبفتح المجال لذلك عند الحديث معه عمّا يراد تغييره.
10. الخطوة العاشرة: الدعاء.
• وهذه الخطوة على جانبين:
- الأول: الدعاء له بظهر الغيب، وأمامه، أن يغيره الله إلى ما هو أفضل.
- الثاني: حثّه على الدعاء دائماً، وأن يدعو الله أن يغيره إلى ما هو أفضل.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 10:29 PM

رفقاً بالشباب



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وخاتم المرسلين.أما بعد.
إلى الآباء الأعزاء..
إلى المربين الأجلاء..
إلى كل من يحمل همّ الشباب..
إلى من آلمه كثرة مشاكلهم..
إلى الأمهات، إلى الأخوات..
إلى كل من في بيته شاب.. أبعث كلماتي، وأوجه عباراتي، وأبث أشجاني التي كتمت عبراتي وآلمتني حتى أن عيني جادتا بالدمع عندما قابلت فهد!
فمن هو فهد؟!
فهد هو ذاك الشخص الذي يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، الذي قال كلاماً وددت أنّ جميع الآباء سمعوه! قال كلاماً فاق كل توقعاتي عن حجم معاناته! فيا ترى ماذا قال؟!
أسمع أيها الأب الغالي؛ وأيتها الأم الحنون؛ إلى الحوار الذي دار بيني وبينه، لتعلموا ما الذي لعثم لساني، وأجبرني على كتابة ما تقرأونه الآن..
- فهد؛ ما بك؟!..
= لا شيء..
- كيف لا شيء وحالك توحي بغير ذلك؟!..
ثم بدأ بالبكاء ووضع رأسه على صدري، وشد جنبي بيديه، وبكي كبكاء الطفل الذي آلمه الجوع.. أو مظلوم تجبّر ظلمه.. ومقهور قلّت حيلته.. فيا لها من حالة، ثم بدأ يقول وعبراته تكتم أنفاسه:
= إني يتيم، وتلك هي مصيبتي.. فقلت له:
- كيف ذلك وأنت تعيش مع أبيك، وأمك في منزل واحد، بأتمّ صحة، وعافية ولله الحمد؟!.
فصرخ وقاطعني قائلاً:
= أنا لا أرى أبي إلا في صلاة الجمعة، وظهرها فقط. دائما في عمله، في شغله، مع أصحابه، مسافر.
قلت له، وقد تلعثم لساني: لا.. أبوك يفعل ذلك من أجلك، يؤمن لك مستقبلك، يسعى ويتعب ليجلب لك لقمة عيش تأكلها. فقال قولاً عبّر فيه عن عمق مأساته وشدة ألمه فقال:
= أنا أريد أن أشرب من ماء الشوارع، وآكل كسرة خبز، مقابل أن يكون لدي أب يضمني في كل وقت، يقبلني كل مساء، يضع يده على كتفي ويقول: كيف حالك؟!. وما هي أخبارك؟! أنا صديقك، قل لي ما سبب ضيقك، ثم انهمرت الدموع مع البكاء، وانتبهت لحالي وإذا بي أشدُّ بكاء منه، نعم إنها مأساة، وأي مأساة.. ذكّرني بقول الشاعر الذي أثبت صحة كلامه:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلّت، أو أباً مشغولاً
معاشر الآباء رفقاً بالأبناء.. رفقاً بهم..
لا يريدون منكم المال..
ولا يريدون منكم تنفيذ طلباتهم..
ولكن يريدون منكم أنفسكم، ووقتكم..
يريدون صحبتكم، رفقتكم، القرب منكم.
إنَّ ذلك البعد، وذلك الجفاء، هو الذي ولّد التفحيط، والدوران في الشوارع، والغزل والمعاكسات، وعقوق الوالدين، والدخان والمخدرات، والسّهر وقلّة النوم، والقلق والهموم.. وحدّث ولا حرج عن المشاكل الاجتماعية الناتجة هن التقصير في التربية، والبعد عن الأبناء.
إنهم يبحثون عن الأشياء التي حرموا منها؛ يبحثون عن الحب.. عن الحنان، عن العطف، والإحساس والمشاعر، فتجد تلك الشابة تغريها الذئاب بالحب والحنان فتستجيب لهم؛ لأنها تبحث عنه، فتجلب العار، وتقع الفضائح، وهي في أول رحلة البحث.
فلماذا نحرمهم من ذلك؟! أذلك صعب؟ أم مستحيل؟!.
أم هو أمر يخل بالمروءة ويزيل الهيبة؟!.
فمن تكون أنت؟!
مدير؟!.. رئيس؟!.. وزير؟!.. ملك؟!.. نبيّ مرسل؟!..
وإن كنت كذلك فما الذي يمنع؟!
فها هو رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ قدوتنا الذي علمنا صحيحنا من خطئنا، ودلّنا على الخير، كان يقبل ابنته فاطمة بين عينيها، ويقول: أنت ريحانة حياتي!.
ويوم توفيت زينب رضي الله عنها، وفاطمة بجوار قبرها تبكي، يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بكمّه الشريف ويمسح دموعها، وفي أحد الأيام سجد رسول صلى الله عليه وسلم فارتحله صبي، وركب على ظهره، فأطال السجود، فلما قام وسلّم، سأله أصحابة قائلين: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك! قال: " كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " رواه أحمد (15603) والنسائي (1141). فسمى اللعب حاجة.
وها هو يمازح أخاً صغيرا لأنس بن مالك فيقول: " يا أبا عمير؛ ما فعل النغير " رواه البخاري (6129) ومسلم (2150). وهو طير عنده كان عنده. فيا لها من أبوة حانية وتربية ناجحة، قامت على مبدأ الحب، والإخاء، والتعاون.
وها هو يمازح شباب الصحابة، كما فعل مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عندما نام في المسجد، وكان مغضباً من فاطمة: " ... فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه، ويقول: قم أبا تراب؛ قم أبا تراب" رواه البخاري (2409) ومسلم (441).
الله أكبر! رسول هذه الأمة، وصفوة الله من خلقه، وخير من قدمه على الأرض، يفعل ذلك، وأنت تستكبر؟!
لماذا لا نقتدي، ونتأسى بأنجح مربٍ، مرّ على وجه الأرض؟! وقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) سورة الأحزاب الآية 21.
نعم يا أخي الحبيب إذا كنت تدرك أن لك حقوقاً على فلذات كبدك، فاعلم أيضاً أن لهم حقوقاً عليك، وأن في عنقك واجبات تجاههم. ويُرْوَى أنّ أعرابيّاً سبّ ولده، وأخذ يذكره بحقه عليه، فقال له الولد: إن عظيم حقك عليّ، لا يبطل صغير حقي عليك.
أيها الأب العطوف؛ شارك ابنك أفراحه، وأتراحه..
كن معه ليكون معك..
أحسن تربيته، فإنه سوف يدخل عليك غداً، وأنت في بيتك، حاملاً شهادة التفوق الدراسي، وشهادة حفظ القران الكريم..
أحسن تربيته، قبل أن يفاجئك بورقة استدعاء من الحقوق، أو الشرطة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
كل ذلك - بعد توفيق الله - بيدك أنت، فأنت الذي تستطيع جلب المسرة إذا كبرت، أو جلب الهمَّ إذا أردت. فأيّهما ستختار؟!.
طفلك يحتاج للتشجيع، ويحتاج للقدوة، لا للتحطيم، والانتقاد..
كن صديقه، وخازن أسراره، واستمع لشوقي وهو يقول:
احبب الطفل وإن لم يكن لك
هو لطف الله لو تعلمه
وحديث ساعة الضيق معه
إنما الطفل على الأرض ملك
رحم الله امرئ يرحمه
تملأ العيش نعيماً وسعة

أيها الأب الحبيب، لا تحرم ابنك من لفظ بابا..
دعه يشعر بها، ويحسّ بدفئها..
دعه يرقد في أحضانها فهي مراده..تلك هي التربية الصحيحة السليمة، مع اقترانها بالعبادات، والتنشئة عليها.
وحاذر يا أخي الحبيب؛ أن يأخذ ابنك أكثر من حقّه، فيصل لمرحلة الدلال فلا يعرف كلمة (لا) فيخرج إلى المجتمع، حيث لا يرحم، وعندها ستنقلب الموازين، ويحدث ما لم يكن في الحسبان، وتعضّ أصابع الندم.
إنّ هذا الكلام ليس نابعاً من فراغ أو توقّعات، ولكنه واقع مشاهد، وقد رأينا بعض الآباء وقد ندم على ذلك، وصرح بهذا الندم، والبعض أخفى، ولكن ظاهر أفعاله أثبتته، وهذا من سوء تربيته، فمنه بدأ الخطر، وتوالت المشاكل. وعكسه أشدّ منه، وهو ما سبق ذكره من الجفاء والقسوة.
يقول السباعي رحمه الله:
"القسوة في تربية الولد تحمله على التمرد، والدلال في تربيته يحمله إلى الانحلال، وفي محاضن كليهما تنمو الجريمة، فهل هناك يا أخي من معتبر؟ وهل هناك من يفكر في القادم، ويعدّ له؟! إنّ ما تبذره اليوم ستحصده غداً، ولن تجني من الشوك العنب"
فيا أخي الحبيب؛ إياك والتقصير في تربية الأولاد والبنات، وإليك بعض مظاهر التقصير، فمنها وأعظمها: حرمانهم من العطف، والشفقة، والحنان، مما يجعلهم يبحثون عن ذلك خارج المنزل، لعلهم يجدون من يشعرهم بذلك، ومنها: الشدة، والقسوة عليهم، سواء بالضرب، أو الكلام، وأيضاً: المبالغة في إحسان الظنّ بهم، والمبالغة في إساءة الظن بهم، والتفريق بينهم، كمن يفضل الأصغر على الأكبر، والولد على البنت، ومنها مكث الوالد طويلا خارج البيت، وتربيتهم على سفاسف الأمور، وسيء الأخلاق، ومرذول العبارات، كتشجيع الأندية، وتقليد الكفار، والكلمات البذيئة، وكجلب المنكرات للمنزل، كمن ابتلاه الله بالتدخين، فيمارس ذلك أمام أبنائه، وكثرة المشكلات بين الوالدين، وتناقض آرائهم، وعدم وجود المصداقية في كلماتهم، ومواعيدهم؟، وكاحتقار الأولاد، وقلّة تشجيعهم، ومن ذلك إسكاتهم إذا تكلموا، والتشنيع إذا أخطأوا، ولمزهم إذا أخفقوا في موقفٍ ما، أو تعثروا في مناسبة، مما يولد الخجل والهزيمة، ويشعر الوالد بالعجب والكبرياء، فيتكون بذلك الحاجز النفسي بين الطرفين، فلا يمكن للوالد بعده أن يؤثر في أولاده، وأيضا كثرة لومهم على أخطائهم، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لأنس بن مالك رضي الله عنه عندما كان خادماً عنده وهو صغير في عمل علمه ولم يعمله لِمَ لَمْ تعمله وهذا مما يروي أنس بن مالك رضي الله عنه: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا لم صنعت، ولا ألا صنعت " رواه البخاري (6038) ومسلم (2309) وأبو داود (4773) والترمذيّ (2015). وهذا ناتجٌ عن أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإنسان المربي الناجح، الذي يدرك خطورة كثرة لوم الأطفال على أخطائهم.
فبعد هذا يا أخوتي:
هل من رأفة بهؤلاء الشباب المساكين؟!..
إنهم يتعذبون، ويتأملون، ولهم آهات تتلو آهات..
يبحثون عمن يعترف بهم.. يقدرهم.. يشاركهم همومهم.. يشجعهم على صوابهم.. ينصحهم على أخطائهم.. يساعدهم على العبادات، والواجبات، والنوافل.. يفرح لفرحهم.. يجيب نداءاهم.. يدفعهم للذي ينفعهم.. يمنعهم بأسلوب سليم عن الذي يضرهم.. يفهم مرادهم.. يشعر بواقعهم.
وحتماً إذا وجد ذلك فستنتهي الرذيلة، وستحيا الفضيلة، وتموت الجريمة، وسيذهب الحقد، والحسد، وأمراض القلوب، وستبقى الأخلاق، والحب، والحنان وخصال الرجولة، ويبقى الأمان بفضل الواحد المنان. فهل آن أن ندرك، لماذا نحرص على أطفالنا وشبابنا؟ ولم كل هذا الاهتمام؟!
أقول: لا لأنهم أبناؤنا، وإخواننا، وأصحابنا فقط، ولكن لأنهم من تنتظر الأمة، ولأنهم الغد المشرق، والأمل والمجد القادم، ورجال المستقبل.
فلنكن يداً واحدة مع الشباب، ولنعقد معهم أقوى معاني الصداقة، ونشعرهم بأسمى معاني الحبّ، ونمنحهم أدفأ محاضن الحنان، ونعطيهم أرقى عبارات الشكر، مع التحية على كل ما يبذلونه، تشجيعاً لهم، حتى لا يقول أحدهم:
أعاني في حياتي ما أعاني
وأسمع بالسعادة لا أراها
وأبحر مهموماً وسط بحرٍ
فأرجع خائباً، لا لست أدري
إذا ما الليل أقبل هلّ دمعي
وباتت ذكريات الحزن تروي
وتزداد الهموم لأن مثلي
فأمي لم تسل والله عني
وذو الصدر الحنون دعته دنيا
وأصحابي حسبت الخير فيهم
فهذه قصتي لم تبق عندي
وأقضي العيش مفقود المعاني
أيبصرها حسير الطرف عاني
من الأحلام مهجور الموانئ
علام النحس يرصد لي زماني
وأظلم في عيوني الخافقان
على قلبي أحاديث الزمان
رماه في شقاه الوالدان
ولم تدري يومـاً ما أعاني
وألهته المجالس عن مكـاني
فكانـوا ثلة كتبت هواني
رجاءاً غير راحلة الزمان

فرويداً.. رويداً بالشباب...
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 10:32 PM

الحلقة الأولى من سلسة مهارات المربي: تهيئة الجو العام للمتربي


  • لا تحاول الهجوم على جوّ المتربي السابق.. حتى وإن أبدى ارتياحا لك، أجِّل هذه الخطوة قليلاً، وسوف يقوم هو بنفسه بذلك.
  • حاول أن توسّع دائرة علاقاتك لتمتد إلى بعض المقربين من المتربي، كأبيه وأخيه أو غيره، بهدف عدم جعلهم في صفّ مضادّ لك.. حتى وإن لم تستطع أن تضمهم لصفك.
  • شعور المتربي بأنه مُقدم على نقلات كبيرة قد ينشأ له ردة فعل معاكسة.. اعمل بأريحية وهدوء ووضوح تام كذلك.
  • قبل أن تزيل بعض العوائق العملية في واقع المتربي أزل العوائق المعنوية في نفسه، وتذكر دائماً أن ميدانك الأول هو القلب قبل الواقع.
  • لا يعني تهيئة الجو العام إزالة كل العوائق غير المناسبة، لأن ذلك قد يكون متعسراً، وإنما يعني القدرة على تكييف المتربي مع هذا الجو السيئ بأقل قدر من الخسائر.
  • حاول أن توسع دائرة علاقة المتربي الخاصة وتتجاوز علاقته بك وحدك، حتى وإن بدا لك لأول وهلة أن هذه العلاقة الجديدة قد لا تخدم أهدافك البعيدة، فهي حلقة في سلسلة أهدافك.
  • ابتعد قدر المستطاع عن المساس بالخطوط الحمراء لدى المتربي عند تكوين الجو العام.إن هذه الخطوط الحمراء قد تكون صديقاً تاريخياً.. أو انتماءاً معيناً، أو اهتماماتٍ شخصية غير مناسبة.
  • تذكّر دائماً أنّ تهيئة الجو المناسب للمتربي لا يعني الرضاء بواقع المتربي، وإضفاء الصبغة الشرعية عليه، وإنما النزول - وليس التنازل - إلى واقعه، ثم رفع المتربي إلى ما تريد.
  • قد يكون عمر الجو العام الذي يعيشه المتربي بضع سنين، وهنا ستكون مثالية مطلقة عندما تظن أنك ستقلب ذلك كله في بضعة أيام.
  • احرص على ألا تكون المؤثر الوحيد على المتربي، أوجد من بيئته أو أقرانه أو اصدقائه من يكون عوناً لك في مهمتك، فإن ذلك سيختصر عليك الكثير من الأوقات.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 10:34 PM

الحلقة الثانية من سلسة مهارات المربي: حسن الصّلة والمودة


  • حسنُ صلتك بالمتربّي هو رصيدك في نفسه، والذي تغطي من خلاله أي نقص أو جفاء أو خطأ أو تكليف في علاقتك معه.
  • لا تلقي ببذورك قبل أن تهيئ في صاحبك مكاناً منا سباً لإنباتها حتى تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
  • المربّي الناجح هو من يَعُدُّ حسن الصلة والمودة جزء من أهدافه، وليست وسيلة إلى أهدافه فحسب.
  • لا يتقبل الناس ما عندك لمجرد أنه الحق والصواب، وإنّما بعد أن تمهّد لهذا الحق والصواب بحسن الصلة والمودة؛ ذلك أنهم قليلون هم أولئك الذين يطيقون أكل طعام ما، مهما كانت جودته؛ من على مائدة متسخة وصحون قذرة.. فالجوهر الجيّد لا يستغني عن المظهر الجيّد كذلك.
  • فكّر في مدعوك، قبل أن تطلب منه أن يفكر في دعوتك، إنه حينئذٍ فقط سوف يشعر أنه جزء من دعوتك واهتمامك.. ومن ثم يشاركك الدعوة التي هو واحد من أفرادها وروادها في آن واحد.
  • قد يتطلب حسن الصّلة بالمتربي حسن الصلة بمن حوله كذلك، فالناس كما أنّهم يحبون أنفسهم فإنهم يحبون كل ما يخصهم وينتمي إليهم في الغالب.
  • لا تجعل رصيدك الذي تسحب منه في علاقاتك مع المتربي هو مقام الأستاذية وإنما أضف إلى ذلك الرصيد من خلال علاقة المودة وبعد ذلك هو بنفسه سوف يقلدك ذلك الوسام.
  • خطأ كبير يقع فيه بعض المربين عندما يعتقدون أنّ حسن المودة والصّلة تنحصر حاجتها في البدايات الدعوية الأولى بينما قد تستغني العملية التربوية بعد ذلك عن ذلك!.
  • يكتفي الكثير من المتربين منك في سبيل إقامة علاقة حسنة معهم بأن تكون مستقبِلٍ جيّد.. مستقبِلٍ جيّد لأحاديثهم وهمومهم وشكاواهم بل وحتى نكتهم ومزاحهم.
  • لا أظنك من ذلك النمط من المربين الذين يجعلون من الحزم المتكلَّف شعاراً لهم، حتى أنهم يظنون أنّ الابتسامة والضحك والمؤانسة مع المتربي مما يفسده ويفسد العملية التربوية بأسرها.
  • لا يمكن لمربٍّ حادٍّ، مقطب الجبين، تتحايل الابتسامة لترتسم على شفتيه! أن يستحوذ على قلب المتربّي، ويكسب ودّه.
  • إيّاك أن تظن أن استنفاذ الوسائل المادية كافٍ في تحقيق مرادك وكسب قلب من تريد! اقرع أبواب السماء بالدعاء.
  • قد تسهم الكلمة الطيّبة في كسب قلوب الناس.. إلا أنّ المواقف العملية أبعد أثراً في التأثير عليهم سلباً أو إيجاباً، كاعتذارك عن خطأ، أو وقوفك على حق، أو بَذْلِكَ لهديةٍ أو مال.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 10:35 PM

الحلقة الثالثة من سلسة مهارات المربي: توجيه الاهتمامات ومراعاة ميولات المتربي


  • الفاشلون من المربين فقط هم أولئك الذين لا ترتسم في مخيلتهم إلا صورة واحدة فقط لما يريدون أن يكون عليه كل من يربّون في المستقبل.
  • كم هو مقدار الخطأ الذي يقع فيه بعض المربين عندما يعملون بقصد أو دون قصد على استصدار نسخ كربونيّة عنهم دون أي مراعاة لجوانب التميّز والتمايز والفروق بينهم وبين الآخرين!!.
  • هل أعطاك المتربّي عقله ونفسه لتلغيه؟! إذا كان جوابك لا، فإيّاك أن تنسى هذا، واجعل المتربي يعمل ما يحب فيما لا يتعارض مع ما تقتنع به أنت، لا ما تحبه.
  • كلما ازدادت القناعة والقدرة ازداد الإنتاج والتميز..لا تجعل قاعدتك مع المتربّي ما هي أفضل المجالات التي يجب أن يخوضها! إنّما اجعلها ما هي أفضل المجالات التي يحب أن يخوضها - مما يستطيعه- فيما لا يتعارض مع أهدافك التربوية معه.
  • تشوّش علينا الميادين المتقدمة والمتميزة عن رؤية ميادين ومجالات أخرى جيّدة، وإن كانت أقل روعة. إيّاك أن تقع في هذا المأزق عند توجيهك للمتربّي، وتذكر أن الناس قدرات، وكل ميسّر لما خلق له.
  • تذكّر أن العين الساحرة ليست كل ما يحويه الوجه الجميل وإن كانت هي أجمل ما فيه.
  • ضيقو الأفق هم فقط الذين يريدون أن يحصروا الناس كلهم في ميدان واحد.. لأنه الأفضل من غيره في رأيهم.
  • ليس من العيب في شيء أن تعد المتربي لمستوى أعلى من مستواك - ولو في مجال ما - فتلك هي النتيجة الطبيعية لاختلاف القدرات والمواهب.
  • عندما تسيء فهم وتوجيه اهتمامات المتربّي فإنك بذلك تكون قد ظلمته بتوجيهه إلى ما لا يناسبه، وظلمت الأعمال التي كان من الممكن أن يمارس فيها دوراً فاعلاً، وظلمت المهام التي أقحمته فيها.
  • لابد أن تفهم الذي أمامك جيداً قبل أن تقوم بتوجيهه نحو وجهة ما، إنّ الخطأ الذي يمارسه بعض المربين هو إلباس المتربين ثياباً جاهزة دون التأكد من ملاءمتها لمقاس المتربّي وجسمه.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 10:39 PM

الحلقة الرابعة من سلسلة مهارات المربي:زرع الهم


  • حاول دائما أن تجعل الآخرين يؤمنون بفكرتك.. قبل أن يقوموا بأدائها وسوف ترى الفرق حينئذٍ.
  • إكراهك للمتربي علىالقيام بما لايتوافق مع همومه الخاصة كإكراه الطفل على شرب الدواء أو تناول الغذاء.. والذي قد يبدو مفيداً لأول وهلة لكنه سرعان ما يتفلت منه لمجرد غيابك عنه.
  • إن مثل المربي الذي لم يستطيع نقل الإيمان بالهدف إلىدائرة من يعمل معهم كمثل قائد القاطرة الذي يريد دفعها إلىالأمام ولكن دون وقود.
  • إن التنفيذ الحقيقي لأي فكرة يبدأ من الإقتناع بها.. ثم بعد ذلك تتداعى الجوارح لترجمة هذه القناعة على أرض الواقع.
  • عندما تنجح في زرع الهم الذي تريده في نفوس المتربين، فقد ترى منهم مالم تره من نفسك.
  • حاول أن تتجاوز مرحلة إقناع المتربي بما تريد، إلى مرحلةتأجيج وإشعال الفتيل في هذه القناعات لتنطلق إلى أرض الواقع. إن ذلك هو الفارق الهام بين القناعة (العقلية) الباردة، والهم (النفسي) المشتعل.
  • ثق تماماً أنك لن تستطيع أن تزرع في أرض المتربي غرسة ما لم تنبت في أرضك.. فالهم شعور ينتقل قبل أن يكون معاني تلقن.
  • لاتكثر الشكوى من ضحالة اهتمامات من تربيه، وإنما أوجد له اهتمامات جادةومناسبة لقدراته، وتأكد أنه حينئذٍ سيردم بنفسه كل الاهتمامات السلبيةالسابقة.
  • زرع الهم أشبه بعملية ولادة جديدة للمتربي، يخرج فيها من عالمه الخاص ليدخل في حياة جديدة من عوالم الآخرين وهمومهم.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 10:41 PM

الحلقة الخامسة من سلسلة مهارات المربي: المشاركة الشعورية والعملية


  • جميل أن يشعر المتربي بأنك تشاطره همومه الخاصة، وأجمل من ذلك أن تساعده عملياً على حلها.
  • عندما يكون المربي قادراً على أداء خدمات عملية للمتربي ثم يكتفي بالمشاركة الشعورية والكلامية فحسب؛ عندها قد تنقلب هذه المشاركة من صورتها الإيجابية إلى العكس تماماً!!
  • جزماً إنك لا تملك عصا موسى لتزيل كل الصعوبات لدى المتربي.. إلا أن شعور المتربي أنك لو ملكت تلك العصا؛ لكان هو أول من تفكر به ، يغنيه عن كثير من الأعمال الميدانية تجاهه.
  • احرص على أن تستمد قوة تأثيرك في المتربي من واقع اهتمامك به. وتذكر أن واقعك مهما كان جيداً فإنه يفقد بريقه عندما لا يكون المتربي من ضمن اهتماماتك، فالناس ينطلقون من أنفسهم غالباً.
  • إن تحقيق المشاركة الشعورية والعملية للآخرين أسهل بكثير مما نظن. إنها قد تتحقق باتصال خارج نطاق الهموم المشتركة .. أو بسؤال إضافي عما يسأله كل الناس.. إنها قد تكون أي تصرف صغير وغير متكلف تقوم به كل يوم.
  • لا يستطيع الآخرون تقبلك لمجرد أنك تساندهم في بعض أزماتهم وأنت بعيد عنهم إنهم يطلبون ما هو فوق ذلك وأسهل في آن واحد.. إنهم يطلبون أن تعيش معهم أزماتهم؛ حتى وإن لم تستطيع حينها أن تقدم أي شيء لهم!!.
  • ثق تماما أن المشاعر الإيجابية ليست شيء يصنع، وإنما اهتمام صادق تظهر آثاره قسراً.
  • قال له: هذه مشكلتي فهل بقدرتك مساعدتي بمبلغ كذا.. أطرق إلى الأرض معتذراً بصمت العاجز وفي الصباح الباكر فاجأه بقوله لقد رأيت في المنام أني أعطيك نفس المبلغ الذي طلبته!! وهنا أجابه قائلاً: حسبي منك هذه الرؤيا، فقد أعطيتني بالفعل ما هو أغلى من المال.
    افتح في قلبك ملفاً خاصاً بالمتربي تتابع فيه كل ما يحتاجه وما يستجد له، وتعامل مع هذا الملف باهتمام وسرية تدفع المتربي إلى مزيد من الثقة والانفتاح في تقبل ما تقدمه له من حلول وأفكار.

عمروعبده 17-08-2010 10:51 PM

الحلقة السادسة من سلسلة مهارات المربي: بث الثقة


  • لا تستطيع أن تشيد بناءً عالياً على أرض هشة.. كما أنك لا تستطيع أن تحصل على الكثير من شخصية هشة لا ترى نفسها شيئاً.. أو ترى نفسها شيئاً حقيراً.
  • تذكر دائما أن ثقة عالية مع قدرات متواضعة أنفع وأجدى من قدرات عالية مع ثقة متواضعة.
  • قد يكون من المهم أن ترتقي بالمتربي فتجعله كبيراً، ولكن ربما كان من الأهم أن تشعره بأنه فعلاً أصبح كذلك.. فالذي يحرك الناس ليس كونهم كبارا وإنما شعورهم بذلك.. والمرء حيث يضع نفسه.
  • إياك أن تكون منهم!، أولئك المربون الذين لا تعرف شفاههم كلمة الثناء ظناً منهم أن إشعار الناس المستمر بالنقص هو السبيل الأفضل لحثهم على بلوغهم الكمال!.
  • لا شيء يولد الثقة مثل النجاح.. اجعل الآخرين ينجحون ولو نجاحاً موهوماً أنت الذي صنعته، وبعد ذلك سينجحون نجاحاً حقيقياً ربما تعجز عن مثله.
  • هل تعلم من هو المربي الناجح في بث الثقة؟
    إنه ذلك المربي الذي يحمل شعور الأب.. ويتعامل تعامل الأخ.. إن هذه الثنائية الرائعة هي التي تحقق العطف على المتربي وأخطائه.. معاً لتقدير ذاته وكيانه.. ومن هنا تنبعث الثقة.
  • صرخ الضابط في جنوده قائلا: ارفعوا رؤوسكم إلى الأعلى أيها الأذلاء!!.. إنه ضابط أحمق ولا شك ولكنه يمثل صورة مكررة للذين يحطمون من يربون ثم يتذمرون من ضعف ثقتهم بأنفسهم.
  • تذكر أنك مربي وليس شرطياً.... فالمربي مع معالجته للخطأ إلا أنه يطور الصواب، أما الشرطي فهو لا يتعامل إلا مع الأخطاء فحسب.
  • استخدم التشجيع واجعل الخطأ الذي تريد تصحيحه يبدو بسيطاً والشيء الذي تريد أن يقوم به المتربي يبدو سهلاً.
  • سئل نابليون: كيف استطعت أن تمنح الثقة في أفراد جيشك؟؟ فقال: من قال لي لا أقدر قلت له: حاول...ومن قال لي لا أعرف، قلت له: تعلّم.. ومن قال لي مستحيل قلت له: جرِّب.
  • لا يمكن أن تنجح في بث الثقة في الآخرين إذا كنت غير واثق بقدراتهم.
  • ليست عملية بث الثقة شعور أو تشجيع تنقله إلى المتربي فحسب.. وإنما كذلك خبرات ومهارات توجدها عنده تساعده في تنمية ثقته بنفسه.

عمروعبده 17-08-2010 10:55 PM

الحلقة السابعة من سلسلة مهارات المربي : تقويم المتربي


  • لا انفكاك بين عملية التربية وعملية التقويم، وكلما كانت مهاراتك عالية في التقويم، كلما كنت أكثر دقة في تحديد شخصية المتربي وما الذي يحتاجه بالضبط.
  • تكمن خطورة التقويم في كونها الأرضية التي تبني عليها كل خططك المستقبلية مع المتربي ، إنك عندما تخطئ في تقدير احتياجات المتربي فإن هذا يعني أنك ستضيع جهوداً كبيرة في أمور لا يحتاجها المتربي أو أنه تجاوزا منذ زمن بعيد.
  • أظنك توافقني على أن النفس لها عاطفتها الشخصية فتحب وتكره وتود وتند إياك أن تجعل هذه الميولات حكماً على آرائك وتقويمك للأفراد، وإذا كنت من أصحاب العاطفة الجياشة فاحرص على أن تجعل تقييمك بعيداً عن الاجتهاد الشخصي مضبوطاً بالحقائق والإنجازات.
  • يتأثر بعض المربين في تقويمهم بميولاتهم واهتماماتهم الخاصة، فيحتفون بالأفراد الذين تتوافق قدراتهم، ومواهبهم مع مواهبهم، إنه مزلق خطير قد تقع فيه دون أن تشعر بذلك.
  • كم يخطئ أولائك المربون الذين يحصرون مفهوم التقويم في الجرح والنقد، إن تقويم المتربي يهتم بتطوير الصواب تماماً كما يهتم بتصحيح الخطأ، فالتقويم ليس عملية جرح خالية من التعديل.
  • لابد أن يكون لك نظرة فاحصة واضحة ومستقلة في المتربي، إن استئناسك برأي الآخرين واستشارتهم لا تعني أن تكون أسيراً لنظراتهم وتقويماتهم.
  • تذكر أنك لا تقوِّم تمثالاً جامداً،وإنما إنساناً حيوياً متغيراً، إن هذا يجعلك تعيد تقويمك للمتربي بين كل فترة وأخرى، فالناس قد يتغيرون وتثبيت التقويم يظلمهم أو يظلمك أنت.
  • أرجو ألا تكون من أولائك المتأثرين بقاعدة: (أبيض أو أسود) إنهم أصحاب تلك النظرة التقويمية التي لا ترى في المقوَّم إلا صوابا خالصا أو سواداً خالصاً، إن النفوس تحتوي على خطوط متداخلة كثيرة، والمربي الحاذق هو الذي يستطيع أن يميز بين هذه الخطوط بشكل دقيق وواضح.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 10:59 PM

الحلقة الثامنة من سلسلة مهارات المربي: الاستقرار النفسي.


  • لا يكفي أن تزوّد المتربّي بالمعارف والسلوكيّات الحسنة، وإنما لابد من تحوير شخصيته، وجعلها مستقرةً نفسياً، بعيداً عن الشذوذات الحادّة والمفاجئة، وبعيداًً عن ردود الفعل، وبعيداً عن الالتواءات النفسيّة المعقدة.
  • الاستقرار النفسي يعني الإنتاج والعطاء؛ إنّك لا تستطيع أن تخاطب عقول الناس ومعدة كلّ منهم فارغة، فكيف عندما تكون أفئدتهم هائمة وغير مستقرة؟!.
  • من أبرز ما تستطيع أن تقوم به في سبيل بثّ الاستقرار النفسي أن تشغل المتربّي بالهموم الكبار، وأن تخرجه من عالمه الضيّق الذي يعيش فيه، أمّا إذا حاولت أن تعالج كلّ همّ شخصي صغير عنده فربما اضطررت أن تتنازل أنت عن همومك الكبيرة!.
  • احرص على أن تُنَمّي ثقة المتربّي بنفسه، فهي عامل مهمٌّ في سبيل تحقيق نفسيّة مستقرة، أمّا إذا عجزت فلا أقل من أن تُنَمّي ثقة المتربّي بك أنت، فالناس عندما لا يجدون من صفاتهم الشخصية ما يستندون إليه، فإنهم يبحثون فيمن حولهم ليجدوا عنده ما فقدوه في أنفسهم.
  • تمثّل نفسيّة المتربّي الوعاء أو الزجاجة التي إذا كُسِرَت أولم تستقر لم يستقر فيها كل ما تقوم بوضعه فيه وتربّيه عليه من أهدافك التربوية والدعوية.
  • لا شيء يزعج المتربّي مثل ألا يستطيع تحديد شخصيّة من يقوم بتوجيهه وتربيته، إنّه عندئذٍ يُتَوَقّع منه أيّ شيء مهما كان شاذّاً، مما يفقده الأمان! فاستقرار المربّي واتزانه سمة مهمّة، تنعكس إيجابياتها وسلبياتها على استقرار المتربّي أيضاً.
  • كلما استطعت أن تطرق وتحوّر وتعدّل في نفسية المتربّي كلما ساعدك ذلك في نثر بذورك في هذه الأرض التي حرثتها سابقاً، لا تغتر كثيراً بالمكاسب الخارجية الظاهرة عند المتربّي؛ ذلك أنّ أيّ تغيّرات خارجيّة ظاهرة لا تستند إلى تغيّرات داخليّة باطنة، فإنّها مهيأة للانهيار في أيّ لحظة!.
  • ركّز على أصول الأخلاق في النفس. قال ثوثو: "مقابل كل ألف ركلة على أوراق الشجر، هناك ضربة واحدة على الجذور".

عمروعبده 17-08-2010 11:01 PM

التاسعة من سلسلة مهارات المربي: سبر الشخصية (فهم الشخصية وتحليلها)


  • إن فهم شخصية المتربي هي بمثابةرؤية موضع قدمك أو مكان نثر بذورك ومن هنا تستمد أهميتها.إ
  • إياك أن تعتمد على فراستك وراحتك في فهمالشخصية المقابلة فحسب، بل ركز على المعايير الموضوعية،والأمور المحسوسة، فهي الأداةالتي لا تتمايل مع تمايل العاطفة.
  • يعاني بعض الناس من فقر حاد في بابالعلاقات الاجتماعية، لا تجعل ذلك يصدك عن الخوض في حقيقة هذا الصنف من الناس،وتذكر دائماً أن الكثير المثمر الطيب إنما تحوطه قشرةغليظة مرة.
  • استفد من آراء الآخرين وتحليلاتهم، ولكنحذار أن تكون ظلاً لهم فقد تلحظ ما لا يلحظون.
  • الخلفية المسبقة للمقيِّم أو لقبيلته،أوعائلته، أو بلدته، قد تساعدك في فهم الشخصية، ولكن إياك أن تجعلها أداتك الوحيدة،فلكل قاعدة شواذ -كما تعلم-.
  • لا تظن أنك قادر على فهم الآخر من خلاللقاءاتك الأولى اعتماداً على قدرتك الفذة في معرفة الرجال! ولا تنس أن كثيراً منالانطباعات الأولية سرعان ما تصبح مثارا للضحك والاستهجان في و***احق.
  • يرتاح الكثير للآراء المجملة في تحليلالشخصية المقابلة، لا تكن منهم وتذكر أن كلمة تحليل تعني التفصيل والتدقيق في مجملجوانب الشخصية المقابلة.
  • إذا كنت تعتقد أنك قادر على إطلاق تحليلالآخرين دون أن ترقبهم أو تقترب منهم فأنت مخطئ، إن الصياد الماهر هو الذي يرقبويقترب بدقة من هدقه قبل أن يطلق العيار.
  • تمثل البيئة الخارجية للمتربي ميداناًمهماً لفهم واقعها النفسي، إن هذه البيئة الخارجية تعني أصدقاءه وميوله وحتى عاداتهالاجتماعية السائدة.
  • يملك بعض الناس قدرة جيدة على إظهار بعضالمهارات في فنون الاتصال وما شابهها، ضع هذه الاعتبارات في بالك أثناء تقييم شخصيةالمتربي وسبرها، وتنبه ألا يسوقك الاغترار بالمظهر عن النفوذ إلىالجوهر.
  • حتى تستطيع أن تفهم الآخرين فاسمع منهمأكثر مما تُسمعهم،ولاتكن من أولائك الذين يقيمون الآخرين من خلال تقويم استجابتهموتفاعلهم مع ما يلقونه عليهم فحسب.
  • تنبئ الأفعال التي يقوم بها الإنسان عنخلفيات وأبعاد نفسه،ولكن لا تبالغ في هذه الرؤية فتجعل من الموقف الواحد مياراًشاملاً للتقييم. فالنفس البشرية أعقد من أن تربط أو تفهم من خلال موقفواحد.
  • قد تفلح البرامج الجماعية في إبراز أوإظهار بعض ما يملكه الآخرون من قدرات ومواهب. ولكن تذكر أن كثير من الجوانب الشخصيةالخفية لا تكاد أن تظهر إلا من خلال الاحتكاك الشخصي والبرامجالخاصة.
  • افهم نفسك أولاً حتى تنجح في فهم الآخرين،فالطرائق والأساليب التي نفكر بها لها أكبر الأثر على الحكم الذي نصدره على منحولنا، ولأن فشلنا في تعديل هذه الأساليب الخاطئة في التفكير فلا أقل من أن نجعلهاتحت ملاحظتنا الدقيقة.

عمروعبده 17-08-2010 11:06 PM

الحلقة العاشرة من سلسلة مهارات المربي: الجاذبية عند المربّي



  • كن مبدعاً،فالتفكير الابتكاري أحد سمات الشخصيّة الجذابة؛ وهو يعني عدم تقبّل الأوضاع الراهنة على ما هي عليه، بل محاولة إيجاد طرق جديدة، ومخارج مبتكرة للوصول إلى الهدف.
  • فكّر بإيجابية.. لن تكون أبداً مربّياً جذّاباً ومُلْهِماً للآخرين مادمت كثير الشكوى دائم التذمّر؛ فالذين يتمتّعون بالجاذبيّة الشخصيّة دائماً إيجابيون.
  • اظهر الحماس لما تريد فعله.. فالذين يتمتّعون بالجاذبية الشخصية يتّقدون حماساً تجاه العمل الذي يؤدونه؛ فالمعلم الذي يقول لتلاميذه في اليوم الأول من الدراسة: أنتم على وشك أن تتعلموا أهم مادة دراسية في حياتكم!.. لا شكّ أنه سيأسر قلوبهم طوال مدة الدراسة.
  • قد لا نطالبك بأن تكون خفيف الظّل، حاضر البديهة، جميل العشرة، ذلك أنّها صفات جِبِلّيَّة ليس من السهل الوصول إليها!.. ولكننا بالمقابل نطالبك بأن لا تكون ثقيل الظل، غليظ الطبع،من خلال تجنبك لبعض القضايا كالتطلّع والتكلّف والتنطّع، ومراعاتك آداب الكلام والتعامل، ونحوها مما يخرجك من دائرة الثّقلاء، حتى وإن لم ينقلك لدائرة الظرفاء.
  • لا تتوقع أنّك ستكون جذّاباً بمجرد أنك قررت ذلك.. إنّما أَهِّل نفسك من خلال خلفيّة ثقافيّة واجتماعيّة جيّدة، ومن خلال مهارات جيّدة على الحديث، من خلال رصيد جيّد من التجارب أو القصص، ومن خلال قدوة عمليّة صادقة.. وغير هذا وذاك مما هو بمثابة المغناطيس لقلوب الآخرين.
  • عندما تفقد جاذبيتك وتلجأ إلى استخدام نفوذك في التأثير على متربّيك، فإنّك تكون قد فقدت استحقاقك للتربية!.. فالمربّي الناجح هو من يجذب لا من يفرض!.
  • لا يحتاج المربّي الناجح أن يدعو الآخرين إلى تقدير كلامه، ذلك أنّ جاذبيته الشخصيّة قد قامت بالمهمّة قبله.
  • تقبّل الناس َعلى ما هم عليه دون أن يتكلّفوا لك حتى يحظوا بتقبّلك لهم، ورضاك عنهم، فالناس لا ينجذبون نحو من يتكلّفون من أجله.
  • ينفرُ الناس من الذين يكثرون الحديث حول أنفسهم, أولئك الذين يجعلون من أنفسهم محور الدنيا كلّها! ويجعلون من قصصهم وتجاربهم وحياتهم وِرْدَاً يردده المتربّون صباح مساء!.
  • إنّ الذي يتمتع بجاذبية في الغالب؛ هو ذلك الذي لا تشغله همومه الخاصّة عن هموم الآخرين.. بل هو الذي يجعل هموم الآخرين همّاً من همومه الخاصة.
  • قد نكون أرشدناك إلى بعض الوسائل الظاهرة والعمليّة في سبيل تحقيق شخصية جذابة، ولكننا في النهاية نتعدى ذلك كله لنقول: إنّ صدقك الظاهر في محبة الخير هو الجاذب الأكبر نحو استجابته لأهدافك.

عمروعبده 17-08-2010 11:08 PM

خيانة الرخاء...!


يغلب على بني آدم الآنية والانغماس في اللحظة الحاضرة والتفاعل مع الصورة القائمة ولو كانت قاتمة؛ لأن الإلف والعادة يغلبان الإنسان ويضعفان الشعور؛ وينسى بنو أبينا الشيخ الكبير آدم عليه السلام الغد والمستقبل وتباغت كل صورة أختها بالمسح والإزالة؛ وبسبب هذه الخلة ينخفض مستوى إنتاجية وفعالية الإنسان وينتقل من أسر لحظة أو حالة أو صورة إلى أسرٍ آخر دون أن يشعر بهذا القيد أبدا أو يفطن له أو يخطر له على بال؛ فيتبلد حسه وتنعدم ملاحظته فلا يقوى على التمييز والإدراك كما ينبغي؛ ويحدِث هذا التبلد تكيفاً غير منطقي يرى الإنسان بموجبه أن أوضاعه طبيعية مستقرة وغير قابلة للتغير أو التحول؛ فلا يفكر بالمراجعة والتجديد بل الشروع في التغيير.
وقد حثنا النبي _ صلى الله عليه وسلم _ على تجاوز أغلال الحاضر إلى التفكير بالمستقبل حين أمرنا قائلاً " اغتنم خمساً قبل خمس... " الحديث، كما أرشدنا _ عليه الصلاة والسلام _ إلى ضرورة الإمساك بزمام المبادرة حين قال: " بادروا بالأعمال سبعاً... " الحديث...، ولي مع هذين النصين الكريمين وقفات هي:
أولاً: من شروح هذين النصين الشريفين ما قاله القاري رحمه الله في مرقاة المفاتيح: " اغتنم من الاغتنام وهو أخذ الغنيمة خمساً أي من الأحوال الموجودة في الحال، قبل خمس أي من العوارض المتوقعة في الاستقبال، شبابك أي زمان قوّتك على العبادة، قبل هرمك بفتحتين أي قبل كبرك وضعفك عن الطاعة، وصحتك أي ولو في هرمك، قبل سقمك بفتحتين وبضم فسكون أي مرضك، وغناك أي قدرتك على العبادات المالية والخيرات والمبرات الأخروية في مطلق الأحوال ومن أعم الأموال، قبل فقرك أي فقدك إياه في الحياة أو الممات فإن المال في صدد الزوال، وفراغك قبل شغلك سبق بيان مبناه ومعناه وحياتك ولو في الكبر المقرون بالمرض والفقر الممكن فيه الإِتيان بذكر الله قبل موتك أي وقت إتيان أجلك وانقطاع عملك... " انتهى.
وقال الحكمي رحمه الله في معارج القبول: " يعني أن هذه الخمس أيام الشباب والصحة والغنى والفراغ والحياة هي أيام العمل والتأهب والاستعداد والاستكثار من الزاد فمن فاته العمل فيها لم يدركه عند مجيء أضدادها ولا ينفعه التمني للأعمال بعد التفريط منه والإهمال في زمن الفرصة والإمهال فإن بعد كل شباب هرما وبعد كل صحة سقما وبعد كل غنى فقرا وبعد كل فراغ شغلا وبعد كل حياة موتا.. " انتهى كلامه. وقال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي: " قوله قال بادروا بالأعمال سبعا أي سابقوا وقوع الفتن بالاشتغال بالأعمال الصالحة واهتموا بها قبل حلولها.. " الخ.
ثانياً: تدلنا هذه النصوص الشريفة إلى أن التفكير بالمستقبل واستشرافه ومن ثم التخطيط له والاستعداد للتعامل معه مطلب شرعي وواجب معيشي ؛ وإهمال هذا الجانب يجعل مستقبل الإنسان مسرحاً لصدمات عنيفة قد يحار في التعامل معها بسبب ركونه إلى رغد العيش ورخائه؛ وكم لهذا الرخاء من خيانة وكم سبب الرغد من ترهل وجمود، كما ينبهنا الحديث الثاني إلى ضرورة أن تكون أفعالنا ابتدائية أو استباقية وألا تكون ردود أفعال نتحرك حسب ما تقتضيه تحركات الطرف المقابل؛ فلا مناص من أن نكون مختارين لاستجابتنا بمحض إرادتنا دون أن نقع تحت سيطرة و تحكم عن بعد من عدو أو خصم.
ثالثاً: أن من الرخاء ما يكون شدة قياساً لغيره؛ ومن الشدة ما تكون رخاءً قياساً على غيرها، وقد تختلف الموازين باختلاف الأزمان والأماكن والأحوال ولكل حالة لبوسها ووصفها الذي يقدره أهل الشأن من الأمناء الصادقين.
رابعاً:كم يعاني أهل الإسلام من خيانات الرخاء وهجمات الشدائد من غير عبرة تؤخذ أو فائدة تكتسب أو سياسة تتبع لجلب نفع أو دفع مضرة! فمن الرخاء أن تكون بلاد الإسلام عزيزة منيعة ثم تأتي سنون يصير منها المحتل والمهدد والمضطرب والمحصور والمقهور فلم نستفد من رخائنا ولم نتفاعل مع شدتنا بالحكمة والحزم الذي يتطلبه الموقف. ومن الرخاء أن تكون الشريعة مصانة والدين حمى مقدس والفضيلة حصن مكين ثم تذهب الهيبة من النفوس بتلعب السفلة وظهور الفسقة فيلغ كل جاهل ومتعالم في منهل الشريعة المطهرة ويصير الدين والمتدينون كلئاً مباحاً سائغاً لكل عيي وغاو وشيطان مريد، وينادى على الرذيلة بصوت جهير وراية مرفوعة؛ ويصبح حملة الشرع المطهر والذابين عنه من السابقين أو المعاصرين مادة سهلة التناول من الصحفيين والكتبة بغير تؤدة ولا تحقق أو استحياء. ومن الرخاء أن يكون للفتيا جهابذتها وأشياخها الكبار حتى إذا ما مضوا لربهم _ عليهم رحمة الله _ تصدى للتوقيع عن رب العالمين طلاب الدنيا والشهرة بفتاوى تصف الغرور والتدليس والبهتان ويضج من قبحها عامة المسلمين بله أهل العلم والمعرفة. ومن الشدة عقب الرخاء الاضطراب في مفهوم التدين ما بين الغلاة والجفاة حين يقصى أتباع الوسط والقسطاس المستقيم فينجم النفاق ويظهر الغلو وفيهما من الشناعات والمخازي مالا يخفى.
خامساً: ومن واجب أهل البصيرة من المسلمين الاتحاد في رابطة عالمية لدراسة تاريخ المسلمين ومراقبة حاضرهم واستشراف مستقبلهم لاستنباط السنن ومقارنة الأحداث ببعضها مستفيدين من حالات الرخاء والشدة ليصنعوا _ بعد فضل الله وتوفيقه _ رؤية مستقبلية طموحة يخرج بها أهل الدين الحق من التيه والهوان والتأخر إلى حيث مكانهم الذي أراده الله لهم حين يتبعون أمره ويسعون في مرضاته ويجتنبون نهيه ويبتعدون عن مساخطه فيكونوا سادة الدنيا وقادة البشرية وحماة الحق والفضيلة.
سادساً: أن على كل واحد من المسلمين واجب لا انفكاك من أدائه على الوجه الأكمل؛ ويشمل هذا الواجب العالم والحاكم والجندي والعامل والتاجر والرجل والمرأة والطفل وصاحب المهارة والحرفة وذا الفكر والأدب والثقافة؛ فيجب على كل فرد منهم أن يكون مشروع نهضة ورمز مقاومة وممانعة وديوان عزة وسجل كرامة ومجد ولن يمضي الواحد من هؤلاء إلى ربه راشداً مرضياً إلا بأداء ما استوجبه الله عليه؛ فالله الله في نفوسكم وفي أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبلاد المسلمين.
وأخيراً؛فالتحدي يوجد الاستجابة؛ والحاجة أم الاختراع؛ غير أن التفوق يتحقق حين تكون التحديات غير مفاجئة ولا مباغتة؛ بل متوقعة ومستعد لها بالتصرفات الملائمة والحلول العملية بما يجعلها فرصة لمزيد من المكاسب لا مصدراً للشقاء والتعاسة، وكم من شدة كانت طريقاً للرخاء؛ وكم من رخاء كان سبباً للشدة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


أحمد بن عبد المحسن العساف.

عمروعبده 17-08-2010 11:11 PM

زادُ المُربي الإيماني


زادُ المُربي الإيماني
-قَالَ سعيدُ بنُ المُسَيَّب-رحمةُ اللهِ عليهِ-: ( مَا لقيتُ النَّاسَ منصرفين مِنْ صلاةٍ منذُ أربعينَ سنة )(1).
-وقَالَ أيضاً:( مَا دَخَلَ عليّ وقتُ صلاةٍ إلاّ وقد أخذتُ أهبتها، ولا دَخَلَ عليّ قضاء فرضٍ إلاّ وأنا إليه مشتاقٌ ).
-وقَالَ أيضاً: ( مَا فاتتني التكبيرةُ الأولى منذُ خمسينَ سنة، وما نظرتُ في قَفَا رجلٍ في الصلاةِ منذُ خمسينَ سنة ).
-وقَالَ بُرْدُ مولى ابنِ المُسَيَّب: ( مَا نُودي للصلاةِ منذُ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد)(2).
-وقَالَ رَبِيعةُ بنُ يزيد -رحمةُ اللهِ عليهِ-: ( مَا أذّن المؤذنُ لصلاةِ الظهر منذُ أربعين سنة إلا وأنا في المسجدِ، إلاّ أنْ أكونَ مريضاً أو مسافراً) (3).
-وقَالَ يحيى بنُ مَعِين -رحمةُ اللهِ عليهِ-: ( أقامَ يحيى بنُ سعيد(4) عشرين سنة يختم القران في كلِّ ليلةٍ(5)، ولم يفته الزوالُ في المسجد أربعين سنة، وما رؤى يطلب جماعة قط )(6).
قرأتُ هذه الأقوال ووقفتُ عند "خمسين سنة "، و"أربعين سنة"، و"عشرين سنة" متعجباً من هذه الهمّة والقوة في تربية النفس على الإيمان وأسبابه -في ضَوءِ هدي رسولِ الله  وصحابتِهِ الكرام!.
ثمَّ تأملتُ في حالي وحالِ كثيرٍ من أبناء هذا الزمان في هذه المسائل الإيمانية العظيمة فذهلتُ من النتيجة إذ لا يخلو يوم فضلاً عن أسبوع -دعْ الشهرَ والسّنة- من نَظَرٍ في قفا المصلين أو وجوههم.
إنّ هذا التأخر والتفويت نوعٌ من الضعف، ينبغي أنّ يقابل بالقوة والحزم والعزم قَالَ تعالى:
( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة:63.
( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ) البقرة: 93.
( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ) الأعراف: 145.
( يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) مريم:12.
وإذا حققنا هذه القوة على أنفسنا تحقق النصر الذي وعدنا الله إياه في كتابه الكريم.
أخي:
آمل أنْ تعاهدَ نفسَك مِنْ الآن على المحافظةِ على الصلاة كما حَافظَ عليها أولئكَ..فكنْ في المسجدِ مع الآذان أو قبله ولا تتأخرْ !.
وفقنا اللهُ وإيّاك للعلم النافع والعمل الصالح.

عمروعبده 17-08-2010 11:14 PM

مرونة المربي في عالم متغير


مرونة المربي في عالم متغير
لا تزال أسئلة التقدم والتخلف تلح على أذهان المهتمين بالشأن الاجتماعي العام ، إذ ينشط هؤلاء دائما لإيجاد مفتاح شفرة النهوض للوصول -بعد ذلك- إلى حل ممكن يتجاوز أزمة الضعف ، ودوار التخلف.
ومع الإيمان العميق بتشعبات شروط النهضة سواء تلك التي تتجه نحو الشرط الفكري أو الشرط البشري أو الشرط الزماني أو المكاني .. ؛ إلا أن هذا لا يمنع من التأكيد على بعض الشروط الجزئية النفسية المهمة التي تمنع من تصور وجود النهوض أصلا .
إن من أهم العوامل النفسية المانعة للتطور لدى مصلحي المجتمع هو افتقادهم للمرونة الكافية في التكيف النفسي السريع لمواكبة التطور المذهل للمجتمع ، مما يؤدي بهم لأن يكونوا معايشين للنصوص اللفظية التاريخية القبلية ، محجوبين عن الواقع العملي الآني .
ومن خلال الملاحظة يتبين أن فقدان هذا العامل أدى إلى نتائج غير مرضية حشر هؤلاء الإخوة المصلحين في زاوية حرجة من خارطة المجتمع ، فما إن تأتي نازلة اجتماعية أو ثقافية ... حتى تُعلَن -مباشرة- أحكام الرفض والتحذير والخوف والتوجس ، حتى إذا ما استطال الوقت واتخذ الوافد الجديد مكانه الواسع من المجتمع يبدأ أولئك الرافضون برحلة التراجع أسرابا أسرابا متنازلين عن آرائهم السابقة ومسايرين للواقع لا لسبب إلا لأنهم افتقدوا الرؤية والمرونة الكافية لمعايشة الوافد الجديد حين ظهر بصيغته الأولى .
ولست أتحدث هنا عن أمر محرم صار حلالا وإنما الأمر يتعلق بنوازل محايدة تمت مصادرتها في البداية لأن النفس لا تميل إليها، أو أن السلف لم يستخدموها ، أو لأنها غزو مبطن لا يعلم خفاياه إلا هم !!
إنه ليخالط المرء الأسى أن تستمر أوجه التشابه في الجمود بين المصلحين الاجتماعيين وبعض الحكام العرب ، إذ كلهم يجمد على أفكاره ويصدر الأحكام ، ثابتا على رؤاه لا يريم ، مؤمنا بعدم المساومة والثبات على المبدأ !! حتى إذا ما دارت عجلة التطور .. وانطلقت المجتمعات في التقدم .. وتغيرت السياسات المحيطة .. انتبه فإذا هو وحيد في الساحة يصارع الفراغ .. فيحفِّز -حينئذ- جواده للحاق بالركب .. ولكن هيهات .
إن عدم المرونة ، والجمود والتحجر ، والتحفز للرد ، والمبادرة نحو المصادرة ، كلها مؤشرات فكرية توحي بأن الرافض للتطور يفكر في موقعه الآني ، دون استخدام مسبار الفكر لاكتشاف ما ورائيات الواقع والتطلع نحو المستقبل .
أما حين نسمح للمرونة أن تكون دعامة التفكير الأساسية فإننا نستطيع أن نعيش الأزمنة منعتقين من المثبطات الحضارية ، ومتحللين من عقدة النوم على ذراع الماضي وأمجاد القرون الأولى حين كانت راية الموحدين تفرد جناحيها على مجمل العالم القديم .
واستناداً إلى الرؤية التي تقول إن الأفعال الحركية الماثلة هي انعكاس للتصورات النظرية الكامنة ؛ فإنني أرى أن مفتاح الحل هو في تعزيز اللياقة العلمية لقراءة المستقبل ، والتأسيس لغرس مفهوم المرونة الذهنية القابلة للتشكل حسب الحراك الزمني ومواضعات المجتمع ، بعيدا عن التوجس المريب ، والتشكك الحابس ، والمصادرة قبل المبادرة ، وبذلك نحتوي جزءا من المشكلة ولا يقع بيننا وبين المجتمع ما وقع للشاعر الصمة القشيري مع زوجته من وحشة حين لم تسايره في تفكيره ورؤاه ، فحل مشكلته معها بالبينونة الكبرى ؛ فولى عنها وهو يقول:
كلي التمر ..
حتى يُصرم النخل ...
واضفري خطامك ..
ما تدرين ما اليوم من أمس .
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 11:17 PM

تحديد مسار الأجيال


تحديد مسار الأجيال
إن من أهم أسباب النجاحات التي تشهدها الصحوة المباركة وجود منابع ومحاضن تربوية تحرص على تربية الأجيال وصقل شخصياتهم ورسم مسار لحياتهم يصب في النهاية في خدمة أمتهم ودينهم، ولما كان لهذه المحاضن من أثر في توجيه حياة الشباب ورسم مسارها فأنه يحسن بنا أن نسلط الضوء على هذه العملية وكيف تتم، حتى نكشف عن ثغراتها ونتمكن من إيجاد الحلول لها.
إن المتأمل لشخصية من يتخرج من هذه المحاضن يلحظ أن لشخصية المربي المباشر أكبر الأثر في رسم معالم شخصيته وبلورة اهتماماته، حتى ولو لم تتناسب شخصية الشاب مع المجال الذي سيطر على حياة المربي وتفكيره، فنرى من نتاج ذلك توجه البعض لمجالات غير مناسبة لهم فيتسبب ذلك إما في قلة الإنتاجية أو عدم الارتياح ومن ثم الانقطاع أو التسبب والوقوع في بعض الأخطاء في بيئة عمل لا تتناسب معه.
والسبب في ذلك يرجع إلى أمور منها أن عملية رسم الشخصية قد تتم بدون عناية من المربي. ولنا هنا وقفة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختلفت توجيهاته لأصحابه باختلاف قدراتهم فتجده ينهي أبا ذر عن الإمارة لأنه لا يصلح لها، ويوجه آخرين لطلب العلم كابن عباس الدعاء له بأن يفهمه الله التنزيل وأن يعلمه التأويل. وقد كان لهذا التوجيه النبوي الكريم أثرا واضحا في تكامل جهود أصحابه ونشاطاتهم ونفع كل واحد منهم في مجاله.
ولعل من لحلول التي تساعد في حل المشكلة أن تتم العملية التربوية تحت ضوء أهداف يراعى فيها التكامل، مما يجعل البرامج المطروحة بمجموعها تبني شخصية متكاملة يستطيع صاحبها أن يجد له جانبا يتخصص فيه ويكون ملائما له فيكون النجاح حليف العمل والعامل.
ومن الحلول أن نهتم بهذا الموضوع وندرس شخصية طلابنا ويتم توجيه الواحد منهم بما يناسبه، وقد يتم ذلك التوجيه بصورة غير مباشرة بشرط أن يكون الطالب مقتنعا بالمجال الذي يناسبه ويصلح له. ولا يعني بالطبع تخصيص الطالب وتوجيهه لأحد المجالات إغفال المجالات الأخرى بل نريد شخصية شاب يأخذ شيئا منكل شيء وقدرا أكبر من شيء.
ومما يعين على الحل أيضا أن يراعى التكامل في شخصية المربي أو شخصية المربين بمجموعهم وأن لا يبقى الطالب تحت عناية مرب واحد فقط بل ينتقل من واحد لآخر حتى لا تطبع شخصيته بطابع أحدهم مما يضيع عليه فرصة اختيار المجال الأنسب له.
ولابد أولا وآخرا من قناعة المربي بخطأ فكرة أن تقييم الطالب يكون جيدا إذا كان سائرا على خطى مربيه وإن لا فلا.
أسأل المولى أن يبارك في الجهود وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى اله على نبينا محمد.
موقع المربي

عمروعبده 17-08-2010 11:23 PM

النجباء والموهوبون


النجباء والموهوبون تعنى الأمم التي تحرص على بناء نهضتها ورفعة مكانتها بالموهوبين والنجباء، وهذه العناية والاهتمام لم تكن وليدة العصر الحاضر، ولا نتاج الدراسات الإنسانية المعاصرة؛ ففي قصة أصحاب الأخدود يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكاهن قال للملك: "انظروا لي غلاما فهماً أو قال فطناً لقناً فأعلمه علمي هذا؛ فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه، قال: فنظروا له على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه... "( رواه الترمذي (3340) وأصل الحديث في مسلم (3005)دون موضع الشاهد.). وقد برزت العناية بالموهوبين اليوم في الدراسات النفسية والتربوية، وظهرت مدارس ونظريات تفسر الموهبة والتفوق، وتطرح برامج لرعاية الموهوبين والاهتمام بهم؛ لما لهم من أثر في مجتمعاتهم . لذا كان لا غنى للأمة وهي تسعى اليوم لاستعادة مجدها عن الاعتناء بالنجباء والموهوبين، وكان حرياً بالغيورين من المصلحين أن يولوا هؤلاء ما يستحقون من عناية ورعاية. ومن هنا جاء تناول هذا الموضوع الذي لا يمثل دراسة علمية، بل هو لا يعدو أن يكون آراء وأفكاراً شخصية. التعريف بالنجباء والموهوبين وخصائصهم قال ابن الأثير:"النجيب: الفاضل من كل حيوان. وقد نجب ينجب نجابة إذا كان فاضلاً نفيساً في نوعه" ( النهاية في غريب الحديث والأثر (5/17). وقال في اللسان -نقلا عن ابن سيده - :" النجيب من الرجال الكريم الحسيب...وقد تكرر في الحديث ذكر النجيب من الإبل مفرداً ومجموعاً، وهو القوي منها الخفيف السريع" (لسان العرب (1/748). وقد شاع في العرف المعاصر إطلاق لفظ الموهوبين على النجباء، ويعرف المختصون الموهوب بتعريفات عدة، منها: أنه الذي يظهر تفوقاً مستمراً في أي ميدان من ميادين الحياة، وعرفت الجمعية الوطنية للدراسات التربوية في الولايات المتحدة الطفل الموهوب بأنه: ذلك الطفل الذي يظهر أداءً مرموقاً بصفة مستمرة في أي مجال من المجالات ذات الأهمية (انظر : الموهوبون: أساليب اكتشافهم وسبل رعايتهم في التعليم الأساسي الصادر عن مكتب التربية العربي،). ومن المقاييس الشهيرة للموهوبين مقياس رونزويللي ويتضمن المجالات الآتية: خصائص التعلم: كبناء الثروة اللفظية، نمو عادات القرار المستقلة، الإتقان السريع للمادة المتعلمة وتذكر المعلومات، استخلاص المباديء العامة. خصائص الدافعية: مثل المبادأة الذاتية، الإصرار على استكمال الواجبات والأعمال، والمعاناة من أجل الوصول إلى مستوى أفضل، الشعور بالملل عند أداء الأعمال الروتينية. الخصائص الابتكارية: كحب الاستطلاع الشديد لعدد متنوع من الأشياء، قدر أكبر من الأصالة في حل المشكلات والاستجابة للأفكار، درجة أقل من الاهتمام بالمسايرة. الخصائص القيادية: كالثقة بالنفس، والنجاح في العلاقات مع جماعات الرفاق، الاستعداد لتحمل المسؤوليات، سهولة التكيف مع المواقفالجديدة (الموهوبون، مصدر سابق (46). ومن خصائصهم العقلية التعليمية - التي توصلت إليها بعض الدراسات - أنهم أكثر قدرة من العاديين على القراءة السليمة والمحادثة الذكية، ويتميزون بالقدرة على التذكر ودقة الملاحظة، والقدرة على التفكير المنظم. ومن خصائصهم في سمات الشخصية أنهم لا يبالغون في أقوالهم، وتدل تصرفاتهم على النضج، ويتمتعون بالاتزان الانفعالي. وليس هذا ميدان دراسة متخصصة حول الموهوبين وما يتعلق بهم، إنما إشارات سريعة يمكن أن تخدمنا فيما نحن بصدده من الحديث عن النجباء. ماذا نعني بالنجباء؟ حين نتحدث عن النجباء في إطار اهتمامات جيل الصحوة، فلا بد أن تفرض علينا خصوصيتنا قدراً من الاختلاف في النظرة والمعايير، ولا يسوغ أن نستورد الدراسات الاجتماعية - التي هي أحد إفرازات وضع اجتماعي لا نتفق وإياه - دون تمحيص أو مراجعة. والعناية بالموهوبين قدر مشترك بين العقلاء، ومن ثم فلابد من نقاط اتفاق واسعة، لكننا قد نختلف مع هؤلاء في بعض السمات والخصائص المنطلقة من اختلاف النظرة للحياة الدنيا والآخرة، والنظرة لقيمة الإنسان وغاية خلقه. ومن ثم فقد لا نحفل كثيراً ببعض من تصنفهم الدراسات المعاصرة من الموهوبين، كمن يتميزون بالقدرات في الفن والرسوم والتمثيل ونحو ذلك، فهم - مع عدم اعتراضنا على مالا يخالف الشرع من أنشطتهم - لا يمكن أن يرقوا لمستوى القدوة والريادة في الأمة، فضلاً عن النابغين في أنشطة محرمة كالموسيقى والغناء وغير ذلك. ونشعر أيضاً أن عنايتنا بالموهوبين لا يسوغ أن تتناقض مع أصل التفاضل بالصلاح والديانة والتقوى. ومن رزقه الله الجمع بين العلم والفهم في مقاصد الشرع، وفق لسلوك الطريق الوسط والمنهج الأقوم في ذلك. وانطلاقاً من هذه المقدمة يمكن أن نقترح خصائص للنجباء الذين ينبغي أن يعنى بهم جيل الصحوة، ومن ذلك: 1- الذكاء المرتفع، والقدرة العقلية العالية. 2- الشخصية القيادية. 3- الشخصية المتميزة في الجد والبذل والإنتاجية والمثابرة. 4- الشخصية التي تملك المهارات الاجتماعية والقدرة على كسب قلوب الناس. 5- القدرة والمواهب الأدبية كالشعر والقصة وسائر فنون الأدب. حاجتنا إلى النجباء إن الحديث عن النجباء وما يتعلق بهم فرع عن الاقتناع التام بالحاجة إليهم، واعتبار كسبهم في صفوف الدعوة من الأولويات والمطالب الملحة، فهل هذا الأمر داخل ضمن نطاق اهتماماتنا الدعوية ؟ إن الأولى أن تكون هذه المراحل قد تجاوزها الدعاة إلى الله عز وجل وعادت أموراً بدهية مقررة، ولذا فسنشير إشارة عاجلة إلى مبررات الحاجة إليهم، ليدفعنا ذلك إلى الحرص على كسبهم في قطار المستجيبين للدعوة، ولندرك عمق الخسارة التي نجنيها، والمعاناة التي تعانيها الدعوة من جراء سقوط أمثال هذه العناصر. 1 - قدر مشترك عند العقلاء: لا اختلاف بين العقلاء في أن الناس معادن وقدرات متفاوتة، وتسمع في مجالس كثير من الناس الحديث عن فلان بأنه رجل مؤهل، والآخر يملك قدرة فائقة، والثالث ذكي سريع البديهة. ويتفق الناس جميعاً على أن الرجل الغبي البليد لا يمكن أن يتحول يوماً من الأيام إلى رجل ذكي عبقري، وأن الرجل الجبان ضعيف الشخصية لا يمكن أن يوصله التعليم والتدريب والتربية لأن يكون قائداً محنكاً، وقديماً قيل: والناس ألف منهم كواحد **** وواحد كالألف إن أمر عنى ولا يزال أصحاب الأعمال والتجار يحرصون على كسب عناصر معينة من الناس تملك القدرة والمواهب الفذة التي تؤهلها للقيام بأدوار مهمة في إدارة أعمالهم، ويمنحون رواتب مجزية لأمثال هذه العناصر. 2 - الناس معادن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يرفعه قال: "الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " (رواه مسلم (2638) ورواه البخاري بنحوه.). فيقرر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هذا المعنى فيبين أن الناس يتفاوتون كما تتفاوت معادن الذهب والفضة، وأن خيرهم في الإسلام، هو الذي كان خيرهم في الجاهلية، أي الذي كان من معدن نفيس. 3 - هديه صلى الله عليه وسلم: إننا حين نتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته نجد أنه كان يولي هذا الجانب اعتباراً وعناية؛ فمن ذلك: 1 - حرصه على إيمان نفر من المشركين أكثر من غيرهم، وعنايته بدعوتهم وقد كان يقول:"اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب" (رواه أحمد (5363) 2/95 والترمذي (5681). وقد ظهر أثر ذلك واضحاً؛ فكل من يقرأ السيرة لا يمكن أن يخفى عليه كيف كان أثر إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولهذا قال عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه-:"ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر" ( رواه البخاري (3863). 2 - عنايته صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من أصحاب الطاقات الفاعلة والمواهب، ويصور لنا ذلك قول عمرو بن العاص -رضي الله عنه-:"ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد في حربه أحداً منذ أسلمنا" (رواه الطبراني والبيهقي.). 3 - توجيه أصحابه توجيهات خاصة دليل على أن هناك جوانب في النفس قد لا يمكن للمرء أن يتجاوزها لذا فقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:" يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم" (رواه مسلم (1826) ، وهي مقولة خاصة بأبي ذر -رضي الله عنه- دون غيره من أصحابه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم علم منه ما لم يعلمه من غيره، أما عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد تولوا المسؤوليات والولايات. 4 - مكاتبته صلى الله عليه وسلم للملوك ودعوته إياهم، أليس هذا دليلا على أن من الناس من إذا اهتدى اهتدى بهدايته أمم؟ فلئن كان هذا يصدق على الملوك آنذاك، فهو يصدق أيضاً على قادة الفكر والرأي، وعلى من يملكون قدرة على إقناع الناس ومقارعة الحجة. 4 - هدي السلف: وقد أدرك أصحابه رضوان الله عليهم هذا الأمر فحرصوا عليه في دعوتهم؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} ؟ حتى ختم السورة فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يا ابن عباس، أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة فذاك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم (رواه البخاري (4294). وهاهو مصعب بن عمير -رضي الله عنه- وقد أرسله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يأتيه سعد بن معاذ - رضي الله عنه - ليسلم فيقول له أسيد بن حضير: هذا رجل إن تبعك لم يتخلف من قومه أحد، وفعلاً كان لسعد البلاء المشهود في الإسلام، ومن بلائه - رضي الله عنه - موقفه في غزوة بدر، وحكمه في بني قريظة حتى اهتز له عرش الرحمن حين مات، كل ذلك مما يفسر لنا حرص أسيد -رضي الله عنه- على دعوة سعد وهدايته. ومن نماذج عناية السلف بالنجباء ما رواه الخطيب في الجامع بإسناده عن إسماعيل بن عياش قال: كان ابن أبي حسين المكي يدنيني، فقال له أصحاب الحديث: نراك تقدم هذا الغلام الشامي وتؤثره علينا؟ فقال إني أؤمله، فسألوه يوماً عن حديث حدث به عن شهر : إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل، فذكر ثلاثاً ونسي الرابعة، فسألني عن ذلك، فقال لي: كيف حدثتكم؟ فقلت: حدثتنا عن شهر أنه إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل: إذا كان أوله حلالاً، وسمي عليه الله حين يوضع، وكثرت عليه الأيدي، وحمد الله حين يرفع. فأقبل على القوم، فقال: كيف ترون؟ ( الجامع 1/312). 5 - تاريخ الإسلام خير شاهد: إن من يقرأ في السيرة النبوية يدرك تماماً أن هناك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من كان في إسلامه خيرٌ كثيرٌ للأمة، وأثر يوازي آثار غيره، فهذا عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه-منذ أن أسلم لم يزل المسلمون في عزة ومنعة، وهذا خالد بن الوليد -رضي الله عنه-لم يمض على إسلامه أشهر معدودة حتى قاد المسلمين في غزوة مؤته وأنقذ المسلمين من مهلكة، وهو مع ذلك دون كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً وقد قال له صلى الله عليه وسلم:"لا تسبوا أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" (رواه البخاري (3673) ومسلم (2541)، بل إن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من لا يعرف، ومنهم من طبقت شهرته الآفاق. 6 - ضخامة الأدوار المناطة بالصحوة: إن الصحوة تتحمل مسؤولية ضخمة أمام الأمة في قيادتها والنهوض بها، مما يتطلب منها إعداد قيادات للأمة في مجالات شتى من مجالات الحياة، تسهم هذه القيادات في إقناع الأمة بالمشروع الإسلامي وتأهله للقيادة. والصحوة نفسها تفتقر إلى طاقات وقدرات توجهها وتضبط لها مسيرتها وتقودها في هذا الطريق الطويل. وتفتقر إلى طائفة ممن يحملون العلم الشرعي ويفقهونه حق الفقه، ليكونوا قيادة راشدة للأمة، ولتستغني بالطاقات التي تعيش همومها ومشكلاتها. إن هذه الأدوار وتلك لا يمكن أن يقوم بها فرد عادي، ومن ثم كانت الصحوة بحاجة إلى كسب النجباء الذين يملكون التأهيل لتولي المسؤوليات القيادية على مستوى الصحوة، وعلى مستوى الأمة أجمع. إن تلك الاعتبارات وغيرها تفرض على المربين المخلصين إعادة النظر في موقفهم من النجباء وعنايتهم بهم. أخطاؤنا تجاه النجباء 1 - الإهمال وذلك أننا قد لا نعيرهم الاهتمام اللائق بهم؛ إما في دعوتهم ابتداءً، أو في إعطائهم الجهد التربوي الذي يستحقونه بعد استقامتهم؛ فلا نفرق بين نجيب وغيره، والجهد المبذول له قد يساوي الجهد المبذول لضعاف العقول والشخصية. وترك أمثال هؤلاء يعيشون في أجواء لا تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم يتسبب في انقطاعهم عن المسيرة، أو في بقائهم داخل الصف بعد أن تذبل قدراتهم وتموت ملكاتهم. كما أن كثيراً من المعلمين والمربين التقليدين لا يعطونهم الاهتمام اللائق، بل يتضايقون منهم "لأنهم لا يحبون الانقياد والتبعية، كما أنهم مندفعون ومن ذوي الأفكار الغريبة، وغير تقليدين، ويبحثون عن التغيير في المجالات التي تتطلب إظهار روح المغامرة، ويميلون إلى الفوضى وعدم النظام" (رعاية الموهوبين والمبدعين. رمضان القذافي ص (123). 2 - وهم الغرور: وهذا من أكثر الأخطاء التي يقع فيها بعض المربين؛ فإنه يملك حرصاً على طلابه، وحساسية مرهفة، فيقف عند الإشارة، والكلمة، والحركة، ويغرق في التحليلات، ويبالغ في التوقعات - والحرص ما لم يخرج عن حد الاعتدال مطلوب - ونتيجة لحرص المربي على طالبه، فإنه يرى أن العناية به والاهتمام به، بل وضعه في موضعه الطبعي يدعوه إلى التميز عن أقرانه مما يدخل العجب والغرور إلى نفسه، ويمكن هنا أن نسجل بعض الملحوظات: 1 - إن حرص المربي على طلبته ما لم يتجاوز حد الاعتدال أمرٌ مطلوب ولا شك، والعناية بإصلاح أعمال القلوب وتفقدها ومدافعة أمراض النفس مسلكٌ لا جدال فيه. 2 - لا شك أيضاً أن الغرور والعجب داء قاتل، - وسيأتي الحديث عنه إن شاء الله-. 3 - لا شك أن العناية بالطالب النجيب، ورعايته لا بد أن ينتج عنها تميزه على زملائه وأقرانه. ولكن: لماذا لا ننظر إلى المسألة إلا من جانب واحد هو الخوف عليه من الغرور؟ فلماذا ننسى أن من حقه التربية والعناية والرعاية ؟ ولماذا نغلب الخوف وحده دون الرجاء ؟ بل إن هناك خوفٌ آخر يجب أن نحكمه هنا، ألا وهو أن إهمال النجيب، وترك العناية به ورعايته مدعاة لأن نخسر طاقة كان يمكن أن تستثمر. ومن يتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لن يعدم الشواهد العديدة من اهتمامه صلى الله عليه وسلم وعنايته بذوي القدرات من أصحابه، وأن هذا الاعتبار لم يكن عائقاً عن الاهتمام بهم وإنزالهم المنـزلة اللائقة، ومن ذلك: 1 - ثناؤه صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه في مواقف عديدة بعبارات حفظت وسطرها علماء التراجم ضمن مناقبهم رضوان الله عليهم، ولا شك أن هذه العبارات تحمل من التزكية والثناء مالا تحمله أي عبارة من غيره صلى الله عليه وسلم، وأي عبارة ثناء وتقدير يسمعها من بعدهم لن تبلغ منـزلة ثناء صاحب الرسالة، أفلم يكن صلى الله عليه وسلم حريصاً على حماية أصحابه من العجب والغرور؟ 2 - تكليفه صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بل والشباب منهم بمهام لا يقوم بها إلا الأكابر، ومن ذلك: أ - تكليف زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بكتابة الوحي وهو غلام. ب - تأميره أسامة بن زيد -رضي الله عنه- وهو دون العشرين من عمره على جيش يغزو الروم وفيه كبار أصحابه. ج - توليته عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- على الصلاة بقومه (رواه أحمد 5/30 (20355). د - حين قدم عليه وفد ثقيف وكان فيهم عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- وهو أصغر الوفد سناً ولاَّه عليهم وأمره بإمامتهم، ووجهه قائلاً:"أم قومك، فمن أم قوماً فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء" ( الحديث في مسلم (468) وأصل القصة عند الطبراني كما في المجمع (9/371) وعند ابن سعد (6/47). هـ وولى عتاب بن أسيد -رضي الله عنه- أميراً على مكة وكان عمره حين استعمل نيفاً وعشرين سنة (الإصابة (4/356). 3 - إطلاع بعض الشباب من الصحابة على بعض الأمور المهمة التي لا يطلع عليها إلا الكبار، ومن ذلك: أ - تكليف زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بتعلم السريانية وائتمانه على كل ما يكتبه صلى الله عليه وسلم لليهود وما يكتبونه له وهو لما يزال غلاماًبع د(رواه أحمد (5/186) والترمذي (2715) وأبو داود (3645). ب - اختياره صلى الله عليه وسلم دار الأرقم لتكون مكاناً لاجتماع المسلمين في مكة مع أنه شاب لم يبلغ العشرين بعد. ج - حين شاع الحديث في الإفك دعا النبي صلى الله عليه وسلم شابين من أصحابه فاستشارهما في قضية خاصة وحرجة ألا وهي فراق أهله، كما تحدثنا صاحبة الشأن -رضي الله عنها-:"...ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله" (رواه مسلم (2770). والاستطراد في سرد الشواهد يطول، ولعل فيما أوردنا كفاية. 3 - وضعه في غير موضعه: وذلك بأن يوجه لمجالات وجوانب، ويكلف بأعمال يمكن أن يقوم بها من دونه، فهذا إهدار للطاقة النادرة ابتداءً، ومدعاة إلى شعوره بأن هذا العمل لا يليق بأمثاله، فيرى أنه لم يقدر قدره مما يؤدي إلى تسربه وإعراضه. وإنه لمن الإهدار للطاقة والقدرة، ومن التوجيه غير السليم أن يكلف مثل هذا الطالب بأعمال صحفية وفنية في الجمعية المدرسية تستهلك عليه وقته واهتماماته، في حين يقوم بها غيره ويتفرغ هو لأعمال فكرية وعلمية وقيادية تنمي المواهب الهامة التي تحتاجها الأمة. ومن وضعه دون موضعه أن يتولى تربيته طاقات غير مؤهلة تربوياً للقيام بأمثاله، فإن استمر في المشوار التربوي فسيكون دون ما هو عليه، فنخسر طاقته وقدرته، ولست أدري إلى متى ونحن نمارس الأوهام والمخادعة لأنفسنا، فيتخيل المربي أنه قادر على التعامل مع كافة المستويات وسائر الطبقات؟ ولم لا يتجرأ المربي فيفكر أنه دون هذا العمل، وأقل من أن يقوم بفلان، وأي ضير في ذلك أو نقص عليه؟ إنك حين تطلب من رجل أن يرفع حجراً لا يطيقه يبادرك بالاعتذار وأن هذا فوق إمكانه وطاقته، فما باله لا يملك الشجاعة على الاعتذار عن تحمل هذه الأعمال التي لا يطيقها؟ إن من تقدير النجيب حق قدره أن يوجه له أمثاله ممن يملكون القدرة التربوية، ويقتنع أنهم يملكون ما يقدمونه له. مشكلات النجباء لئن كانت هناك أخطاء نقع فيها في تربية النجباء، فهناك مشكلات تقع منهم أنفسهم، ومنها: 1 - الغرور والعجب: النجيب المتميز يحمل بذرة تعينه على الغرور؛ إذ هو يدرك تميزه على أقرانه في سرعة فهمه وإدراكه، وسبقه لهم في كثير من الأنشطة التي يشاركهم فيها، وحين يضاف إلى ذلك تعامل الناس معه وإعلاؤهم لشأنه وثناؤهم عليه يزيد ذلك من شعوره بالغرور والعجب. ولهذا رعى النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى؛ عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال:"لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله عز وجل" ( رواه أحمد (24721). وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك" مراراً ثم قال:"من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه" (رواه البخاري (2662) ومسلم (3000). قال ابن بطال :"حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنـزلة ، فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالاً على ما وصف به "( فتح الباري (10/585). وقال ابن حجر:"ولكن تبقى الآفة على الممدوح ، فإنه لا يأمن أن يحدث فيه المدح كبراً أو إعجاباً أو يكله على ما شهره به المادح فيفتر عن العمل ، لأن الذي يستمر في العمل غالبا هو الذي يعد نفسه مقصراً ، فإن سلم المدح من هذه الأمور لم يكن به بأس ، وربما كان مستحباً" ( فتح الباري (10/586). وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إياكم والتمادح فإنه ال***" (رواه ابن ماجه (3743). وحين يحل العجب والغرور قلب امريء فهذا يعني بداية العطب والهلاك، قال الغزالي:"والقلب بيت هو منـزل الملائكة ومهبط أثرهم، ومحل استقرارهم، والصفات الرديئة مثل: الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها، كلاب نابحة، فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب" ( إحياء علوم الدين (1/49). 2- الإفراط في النقد: ومن المشكلات التي تكثر عند بعض النجباء والموهوبين الإفراط في النقد، ذلك أن القدرات التي يملكونها تؤهلهم أكثر من غيرهم لاكتشاف الأخطاء، ويتراكم تأثير ذلك حتى يصبح النقد سلوكاً مستقراً لدى أحدهم، فينتقد الأشخاص والبرامج والأعمال، وبعضهم من فرط نقده قلما يرى شيئاً أو أحداً يعجبه. والنقد بحد ذاته ليس صفة ذميمة، لكنه حين ينشأ لدى الشاب في وقت مبكر فقد يولد آثاراً غير محمودة، خاصة أن خبرة الشاب لا تزال تقصر عن مؤهلاته وقدراته. وينشأ عن ذلك أيضاً المثالية في النقد، نظراً للإفراط في التجريد لدى الشاب وقلة الخبرة. وقد ينشأ من الإفراط في النقد في هذه المرحلة المبكرة حرمان الشاب من الاستفادة من كثير من الأشخاص، أو البرامج والفرص المتاحة نظراً لأنها قد لا تروق له ولا تعجبه. 3 - احتقار الآخرين: وقد ينشأ من غرور الشاب وإعجابه بنفسه أن يحتقر الآخرين؛ ذلك أنه يرى أنه أسد منهم تفكيراً، وأكثر اطلاعاً، وأسرع فهما واستيعاباً، فيولد ذلك لديه احتقارهم واستصغار شأنهم. ويزيد من ذلك الشعور قدرته على النقد واكتشاف أخطاء الآخرين. 4 - الشذوذ وتتبع الغرائب: يدفع بعضَ النجباء شعورُهم بالتميز وتطلعهم للتفرد إلى الشذوذ في الآراء، وتتبع الغرائب، ويغذي ذلك شهوة خفية توحي إليهم أن ذلك أمارة على دقة فهمهم وسعة اطلاعهم، وأنهم يدركون ما لا يدركه الآخرون. وهذا المسلك إنما هو نتيجة للثقة المفرطة بالنفس والاعتداد بها، لذا فكثيرٌ ممن انحرفوا في ميدان الفكر وأتوا بالغرائب والشواذ هم من الأذكياء والنجباء. ومما يعوق أمثال هؤلاء عن الرجوع للحق والاستماع للمخالف، شعورهم بأن ذلك يعني اعترافهم بنقص قدرهم وتميز الآخرين عليهم. 5 - سرعة الملل والسأم: يتسم الموهوبون -كما سبق - بالشعور بالملل عند أداء الأعمال الروتينية، ويتطلعون كثيراً للتجديد والتطوير، وهي سمة إيجابية. لكنها تولد مشكلات لدى كثير من المربين تتمثل في مللهم وسأمهم من البرامج التي تقدم لهم، وقد لا يستطيع كثير من المربين الوفاء بمطالبهم وملاحقة تطلعاتهم، خاصة التقليدين منهم الذين لا يستوعبون التطوير والتجديد، وتمثل الأساليب التقليدية التي اعتادوها ثوابت لا يفكرون في تجاوزها. وقد ينتج عن هذه المشكلة انقطاع هؤلاء، أو جنوحهم إلى الكسل والعجز، أو إلى العبث والشغب. وصايا للاعتناء بالنجباء : أنتجت الدراسات المعاصرة برامج ووسائل للاعتناء بالموهوبين ورعايتهم، وثمة مدارس عدة تتفاوت فيما بينها في وسائل الرعاية والاهتمام. لكن لما كان هذا الحديث حديثاً خاصاً للمربي والمعلم الذي لا يملك التغيير في بنية التعليم وهيكليته رأيت الاقتصار على بعض المقترحات التي يمكن أن يطبقها المعلمون والآباء. وقبل ذلك أشير باختصار شديد إلى أهم وسائل رعاية الموهوبين في البرامج التعليمية: 1 - التجميع أو العزل وهو تجميع المتميزين من الطلاب في فصول خاصة بالمدرسة الواحدة جزءاً من اليوم الدراسي أو طوال اليوم، أو تجميعهم في مدارس خاصة. 2 - الإثراء ويقوم هذا الأسلوب على أساس إغناء المنهج في إطار الصفوف العادية، أو في مجموعات خاصة، ومن أساليب الإثراء المستخدمة: أ - أن تكون هناك مقررات إضافية، أو أجزاء من المقررات لا يلزم بها الطالب العادي. ب - إضافة أجزاء في كل وحدة أو موضوع في الكتاب الدراسي كقراءات إضافية أو بحوث أو نحو ذلك. ج - إعداد كتب إضافية تصحب الكتاب المدرسي. 3 - الإسراع ويتضمن القبول المبكر في المراحل التعليمية بالنسبة لعمر الطالب الزمني، أو السماح له بتخطي بعض الصفوف الدراسية، أو إنهاء دراسته في مدة أقل مما تتطلبه مرحلته الدراسية (انظر: الموهوبون 22-29 ، 61-63، 180-181.). وقد تكون الاستفادة المباشرة لبعض المربين من هذه الوسائل محدودة، وإن كنا ننتظر من المربين ألا يقفوا عند حدود ما يقدم لهم جاهزاً بل يسعوا لتوظيف خبرات الآخرين بالطريقة المناسبة، وحين يكون المربون غير قادرين على ذلك فهذا يعني الشك في تأهلهم وقدرتهم على التربية ابتداءً. لذا نقدم هذه الوصايا التي نأمل أن يستفيد منها المربون في الاعتناء بالنجباء والموهوبين: 1 - الحرص على التعرف عليهم واكتشافهم ابتداء، وإن كانت الاختبارات والمقاييس العلمية قد لا تتيسر في ذلك، إلا أنه يمكن أن تُستخدم الوسائل الآتية التي قد تعد مؤشرات قوية: أ - الملاحظة المباشرة، وتفتقر إلى خبرة المعلم وقدرته على التقويم. ب - تطوير طرق التدريس وأساليبه، والبعد عن الطريقة التي تعتمد على الإلقاء، والحرص قدر الإمكان على زيادة تفاعل الطلاب ومشاركتهم. مع ملاحظة أن المشاركة المطلوبة هنا ليست ما يفعله كثير من المعلمين من خلال طرح أسئلة في ثنايا الدرس عما سبق أن قدمه لهم، فهذه تقيس التذكر والاستدعاء، إنما ينبغي أن تكون المشاركة في التعرف على المشكلات، والوصول إلى النتائج، مع الاعتناء بالمستويات المتقدمة من التفكير. ج - تطوير أساليب التقويم لتقيس كافة مستويات التحصيل ولا تكون مقتصرة على التذكر والاستدعاء وحده. د - تطوير البرامج والأنشطة، والبعد عن الأساليب والأنماط التقليدية الجامدة. هـ - تنظيم المسابقات والمنافسات والبرامج المنوعة التي تسهم في اكتشاف الطاقات والخبرات، مع مراعاة أن تصاغ بطرق تخدم في التعرف على الموهوبين والنجباء، دون أن تكون مركزة على اكتشاف المعلومات والمهارات السابقة لدى الطلاب. و- الاستعانة بالنتائج الدراسية، مع الحذر من الاعتماد عليها وحدها، فهي تعد مؤشراً من المؤشرات. 2 - الحرص على إصلاحهم وهدايتهم، فهذه هي الركيزة الأولى للاستفادة منهم، وتوظيف قدراتهم في سبيل الخير ونصرة الحق. 3 - الاعتناء بتربيتهم وتوجيههم، والحرص على تحقيق النمو المتوازن لديهم، ويمكن الاستفادة بصورة أو أخرى من وسائل الرعاية التي أشرنا إليها قبل قليل، مع ضرورة التوازن وعدم المبالغة في إظهار الاهتمام الزائد؛ فينشأ عن ذلك نتائج عكسية. 4 - تطوير البرامج التربوية والارتقاء بها؛ بحيث تسهم في تقديم خبرات متنوعة، وتتعامل مع كافة مستويات التحصيل، وعدم التركيز على الجانب المعرفي وحده، كما هو الواقع في البرامج التربوية التي تقدم اليوم للناشئة(المؤلف بصدد إعداد كتاب يتناول الأهداف التربوية في مرحلة الشباب ووسائل تحقيقها، لعله أن يقدم بعض). 5 - مراجعة محتوى البرامج والأنشطة التربوية ووسائلها وأهدافها بحيث تراعي الفروق الفردية، وتضمينها قدراً أكبر من المرونة. 6 - الاعتناء باختيار من يولى تربية الموهوبين ورعايتهم، فليس كل المعلمين والمربين يجيدون التعامل مع الموهوبين ورعايتهم. 7 - علاج المشكلات المتولدة لديهم، كالعجب والاعتداد بالنفس، قبل أن تنمو وتستفحل فيصعب علاجها. لا بد من الاعتدال: إنه ومع ضرورة الاعتناء بالنجباء والموهوبين فلا بد من الاعتدال في ذلك، وأن يوضع الأمر في الإطار الطبيعي، بحيث لا يؤدي إلى: 1 - إهمال دعوة سائر الناس وتربيتهم، فدين الله تعالى جاء خطاباً للجميع، وليس ديناً خاصاً بالنخبة. 2 - الإعراض عمن أقبل من غير هؤلاء وإهماله؛ فقد أنكر الله تبارك وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إعراضه عن ابن أم مكتوم حين جاء مقبلاً وانشغاله بصناديد قريش {عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءهُ الأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}. 3 - احتقار من سواهم والنظرة إليهم نظرة قاصرة، وقد يكون فيهم من هو أزكى وأفضل عند الله تعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم : "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" (رواه مسلم (2622) .وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم :"ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل جواظ زنيم متكبر". ( رواه البخاري (4918) ومسلم (2853). وأعـلى النبي صلى الله عليه وسلم منـزلة الضعفاء وشـأنـهم؛ فقد قال لسعـد بن أبي وقـاص - رضي الله عنه- حين رأى أن له فضلاً على من دونه: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟" ( رواه البخاري (2896) ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "أبغوني ضعفاءكم فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" ( رواه أحمد (21224) وأبو داود (2594) والترمذي (1702) والنسائي(3179) . وقال صلى الله عليه وسلم : "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع" (رواه البخاري (2887). بل والصحوة اليوم تحتاج لطائفة من الصالحين الصادقين الذين لا يأبه لهم الناس، ولو لم يتولوا مسؤوليات وأعباء، علها أن تنصر وتوفق بدعائهم وصدقهم مع الله تعالى. نسأل الله تعالى أن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يحشرنا في زمرة عباده الصالحين، إنه سميع مجيب،،،
المصدر : كتاب مقالات في التربية للشيخ / محمد الدويش

عمروعبده 17-08-2010 11:32 PM

أيها المعلمون : الطلاب طاقات مهدرة


بسم الله الرحمن الرحيم
يفيض كثير من الكتاب في هذه الآونة في الكتابة حول المسؤلية الملقاة على عاتق المعلم وما ينبغي عليه من آداب التعليم وهو موضوع مهم وجدير بالعناية ولكنني لن أتحدث عنه لأنني أعتقد أن غيري قد كفاني مؤنة الحديث عنه.
ولكن ثمة أمر يحتاج إلى طرق واهتمام لأهميته ولكثرة من يتغافل أو يتكاسل عنه وهو ما ينبغي على المعلم من تمكين هم الدعوة في قلبه واستغلاله للموارد المتاحة له قبل أن تنضب أو تشوبها شوائب البطالة أو تكتسحها أيدي السفالة.
نعم أيها المعلمون الأماجد لماذا لا نذكي في قلوبنا هم دعوة طلابنا إلى الاستقامة ؟ ألسنا نوجههم إلى ما فيه خيرهم ، لماذا يأخذ التلقين المجرد كل أوقاتنا ؟ مع أنه الوسيلة لا الغاية ، لماذا يخرج طلابنا من فصولهم كما دخلوا إليها ؟ لماذا لا نستغل هذا الصرح العلمي ليكون ميدانا لتخريج النشء المستقيم على دينه ؟ لماذا لا نوجه علمنا الذي نلقنه لطلابنا أيا كان ذلك العلم ليكون خادما لشرع الله ؟.
هذه التساؤلات هي التي ينبغي أن نهتم بها وأن نعد الإجابة عليها قبل أن نعد كشوف الدرجات ودفاتر التحضير.
أيها المعلمون إن دعوة طلابنا تكون عبر طريقين: أولهما أقوالنا ، وثانيهما:أفعالنا ابتسامتنا وتواضعنا وحسن تعاملنا ولين قولنا وتغاضينا عن الأخطاء وشرح صدورنا لهموم طلابنا،ولعمر الله إن هذا الطريق لهو أنجع الطريقين.
وثم طريق ثالث وهو تفعيل تلك الطاقة واستغلالها عبر خطة محكمة ونشاط متزن
إن إذكاء روح الإسلام في الطالب و مخاطبة وجدانه مع حسن التعامل معه كفيلان بأن يخرجا لنا جيلا يعتمد عليه ولست أحكي هذا القول لأستاذ مستوى دون آخر بل يتساوى في ذلك أستاذ المرحلة الإبتدائية وما بعدها.
وهاك يا رعاك الله بعض الطرق المجربة في استغلال طاقات الطلاب:
1ـ حثهم على حفظ شيء من القرآن أو السنة
2ـ حثهم على المراسلة ، ولي معها حديث آخر إن شاء الله.
3ـ حثهم على المشاركة في الشبكة العنكبوتية بطريقة معينة لاسيما طلاب الجامعات
4ـ وضع قائمة بالعمالة في الحي
5ـ جمع مجلات إسلامية وتوزيعها في المستوصفات وصالونات الحلاقة
6ـ جمع الأشرطة والكتيبات المفروغ من سماعها وقرآتها وتوزيعها
7ـ التعاون مع مكاتب الجاليات وتوزيع الكتب على المسلمين وغيرهم
8ـ جمع مبلغ زهيد كل شهر من الطلاب ـ كريال مثلا ـ وتكليفهم بشراء كتيبات أو أشرطة وتوزيعها
9ـ تكليفهم باختصار كتيب أو تدوين شريط
هذه جملة من الطرق علما أن لكل مستوى ما يناسبه ، ولا بأس بأن يرغب الأستاذ الطلاب بالدرجات سيما في بداية الأمر، مع أن الطلاب يتقبلون ويبذلون ولو بدون ذلك إذا تيسر لهم الأستاذ المربي .
ولعل الإخوة الكرام يشاركون في تدوين ما يرون من طرق استثمارية . والله أعلم
أخوكم
أبو عبيد

عمروعبده 17-08-2010 11:36 PM

وسائل الثبات في زمن التقلبات


وسائل الثبات في زمن التقلبات
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشد .
ومن هذا المنطلق احببت ان انقل مقتطفات وباختصار شديد من رسالة من الشيخ الفاضل / محمد صالح المنجد عن هذا الموضوع
وضع المجتمعات الحالية التي يعيش فيها المسلمون،وأنواع الفتن والمغريات التي بنارها يكتوون، وأصناف الشهوات والشبهات التي بسببها أضحى الدين غريباً ، فنال المتمسكون به مثلاً عجيباً ( القابض على دينه كالقابض على الجمر ) .
ومن وسائل الثبات:
أولاً : الإقبال على القرآن :
القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى ، وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم .
ثانياً : التزام شرع الله والعمل الصالح :
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } إبراهيم /27 .
قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر " . وكذا روي عن غير واحد من السلف تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/421 . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .
ثالثاً : تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :
والدليل على ذلك قوله تعالى :{ وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود /120 .
فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله  للتلهي والتفكه ، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله  وأفئدة المؤمنين معه .
- فلو تأملت يا أخي قول الله عز وجل : { قالوا حرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ، قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين }الأنبياء /68-70 قال ابن عباس: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل" الفتح 8/22
ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة ؟
- لو تدبرت قول الله عز وجل في قصة موسى : { فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، قال كلا إن معي ربي سيهدين } الشعراء /61-62 .
ألا تحس بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين ، والثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين وأنت تتدبر هذه القصة ؟ .
وغيرها كثير من قصص القرآن الكريم.
رابعاً : الدعاء :
من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم :
{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } ، { ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا } . ولما كانت ( قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء )رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعاً .
خامساً : ذكر الله :
وهو من أعظم أسباب التثبيت .
- تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } الأنفال /45 . فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد
سادساً : الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً :
والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة ، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل ، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل ..
سابعاً : التربية :
التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات .
ثامناً : الثقة بالطريق :
لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم ، كان ثباته عليه أكبر ..
تاسعاً : ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :
النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن ، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) . وليس يصح شيء يقال فيه " فلان لا يتقدم ولا يتأخر " فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، والإيمان يزيد وينقص .
عاشراً : الالتفاف حول العناصر المثبتة :
تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر )حسن رواه ابن ماجة
البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات . وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فيها المسلمين برجال .
الحادي عشر : الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :
نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة }آل عمران /146-148 .
الثاني عشر : معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :
في قول الله عز وجل:{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} آل عمران /196تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم.
وفي قوله عز وجل : { فأما الزبد فيذهب جفاء } الرعد /17 عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .
الثالث عشر : استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :
وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر )رواه البخاري في كتاب الزكاة - باب الاستعفاف عن المسألة ، ومسلم في كتاب الزكاة - باب فضل التعفف والصبر . وأشد الصبر عند الصدمة الأولى ، وإذا أصيب المرء بما لم يتوقع تحصل النكسة ويزول الثبات إذا عدم الصبر .
الرابع عشر : وصية الرجل الصالح :
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه ، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكون كلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله ، ولقائه ، وجنته ، وناره .
الخامس عشر : التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت .
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.
أسأل الله العلي العظيم لي ولكل قارئ الثبات في الحياة الدنيا والآخرة انه على ذلك قدير .
والحمد لله رب العالمين

عمروعبده 17-08-2010 11:41 PM

فلذات الأكباد وحفظ كتاب الله


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فإن الله عز وجل أنعم علينا بنعم عظيمة وآلاء جسيمة؛ من أعظمها نعمة الأبناء الذين تقر بهم الأعين، وتهنأ بهم النفوس، وهم يتراوحون بين قول الله تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [الكهف:46]، وبين قوله تعالى: { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [الأنفال:28]، وبين قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنفال:27].
ومن فضل الله علينا أن يسر حفظ القرآن العظيم في مدارس تحفيظ القرآن النظامية، أو عبر حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد للأبناء، وفي دور تحفيظ القرآن المسائية للنساء. وقد قامت الحُجة وتيسّرت السبل ليكون أبناؤنا وبناتنا من حملة كتاب الله عز وجل، فهنيئاً لك أيها الأب أن يكون فلذة كبدك غداً إماماً للمسجد الحرام أو للمسجد النبوي أو لمسجد من المساجد، فما خرج هؤلاء الأئمة إلا من هذه الحلق المباركة التي نفع الله بها.
قال خباب بن الأرت لرجل: ( تقرب إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه ) [رواه الحاكم].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ( من أحي القرآن فهو يحب الله ورسوله ) [رواه الطبراني].
قال الحافظ السيوطي: ( تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام به ينشأ على الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال ).
وقال ابن تيمية رحمه الله: ( وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً وهو إما باطل أو قليل النفع ).
وحتى تكتمل فرحة الآباء بما لأبنائهم في طَرْقِ هذا الباب العظيم، فإن الله عز وجل تكفل ووعد لحفظة كتابه بثمرات كثيرة منها:
1 - الرفعة في الدنيا والآخرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين » [رواه مسلم]، فهنيئاً لك أن يكون ابنك أو ابنتك ممن يرفعهم هذا القرآن العظيم ويعلي شأنهم.
2 - إرادة الله عز وجل بأبنائك الخير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » [رواه البخاري] وأعظم الفقه في الدين قراءة وحفظ كتاب الله عز وجل حيث هو مصدر التشريع الأول.
3 - أنهم من أهل الله وخاصته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن لله تعالى أهلين من الناس، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته » [رواه أحمد والنسائي].
4 - أن إجلالهم من إجلال الله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه » [رواه أبو داود].
5 - تقديمه في الإمامة للصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله تعالى » [رواه مسلم].
6 - تقديمه في القبر، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من ***ى أحد، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: « أيهما أكثر أخذاً للقرآن ، فإن أشير إلى أحدهما قدّمه في اللحد » [رواه البخاري].
7 - أن أولادك ذكوراً وإناثاً في حرز من الشيطان وكيده، قال صلى الله عليه وسلم: « إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة » [رواه مسلم].
8 - أنهم في مأمن من فتنة الدجال ، قال صلى الله عليه وسلم: « من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال » [رواه مسلم].
9 - أما منازل ذريتك في الآخرة فهي أعظم المنازل وأرفعها، قال صلى الله عليه وسلم: « يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها » [رواه أبو داود والترمذي].
10 - يلبس حلة الكرامة قال صلى الله عليه وسلم: « يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يارب حَلِّه، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يارب زده، فيُلبس حُلة الكرامة، ثم يقول يارب أرضىََ عنه، فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارقَ ويزاد بكل آية حسنة » [رواه الترمذي].
11 - القرآن شفيع لمن تحب يوم الفزع الأكبر، قال صلى الله عليه وسلم: « اقرؤا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه » [رواه مسلم].
12 - يُلبس تاجاً من نور يوم القيامة: قال صلى الله عليه وسلم: « من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس » [صحيح الحاكم].
13 - القرآن حجة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: « يؤتى يوم القيامة بالقرآن، وأهله الذين يعملون به، تقدمهم سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما » [رواه مسلم].
14 - أن ابنك من خيار هذه الأمة وكفى بها منزلة قال صلى الله عليه وسلم: « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » [رواه البخاري].
15 - بلوغ منزلة السفرة الكرام البررة قال صلى الله عليه وسلم: « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة.. » [رواه مسلم].
16 - أن ابنك يعيش وينشأ في مجالس ذكر عظيمة قال صلى الله عليه وسلم: « وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده » [رواه مسلم].
17 - رجاء الثواب العظيم: قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } [فاطر:29].
18 - كثرة الثواب على قلة العمل ، قال صلى الله عليه وسلم: « من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ( ألم ) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف » [رواه الترمذي].
19 - أن ذريتك من المغبونين بهذا العمل العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: « لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار... » [متفق عليه].
20 - السلامة والنجاة من النار قال صلى الله عليه وسلم: « لو جُمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار » [رواه البيهقي في الشُعب وحسّنه الألباني].
21 - سلامة قلبه من الخراب قال صلى الله عليه وسلم: « إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب » [رواه الترمذي].
22 - أن له بكل غدوة أجر حجة تامة لقوله صلى الله عليه وسلم : « من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلّم خيراً أو يُعلّمه، كان له كأجر حاج تاماً حجته » [رواه الطبراني وصححه الألباني].
23 - أن ابنك يتأدب بآداب حملة القرآن، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبورعه إذ الناس يخلطون، وبتواضعه إذ الناس يختالون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون ) فأنعم بها من محاسن الأخلاق ومكارمه. ويكفي ابنك وابنتك فخراً أنهم يحملون في صدورهم كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، في زمن امتلأت فيه صدور الشباب والفتيات بما هو تافه محرم.
24 - أن ابنك من حملة راية هذا الدين. قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( حامل القرآن حامل راية الإسلام.. ).
أما أنت أيها الأب وأنتِ أيتها الأم فلكم من الأجر والمثوبة الشيء الكثير ومن ذلك:
1 - تلبس يوم القيامة حلتين. قال صلى الله عليه وسلم : « من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به، أُلبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل الشمس، ويُكسى والديه حُلتين لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان، بم كسينا؛ فيقال بأخذ ولدكما القرآن » [صححه الحاكم ووافقه الذهبي].
2 - لكما أجر الدلالة على الخير صلى الله عليه وسلم : « الدال على الخير كفاعله » [رواه مسلم].
3 - استمرار ثواب غرس الإسلام في قلوبهم ومحبة هذا الدين وكتاب الله، قال صلى الله عليه وسلم : « من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.. » [رواه مسلم].
4 - اقامة معالم الإسلام وسننه في الأهل والجيران والمعارف، فإن الناس يتبعون بعضهم بعضاً، قال صلى الله عليه وسلم : « من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده.. » الحديث.
5 - تنشئة الابن على الخير والصلاح ليكون لكما ذخراً بعد موتكما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط الصلاح في الولد فقال صلى الله عليه وسلم : « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث » وذكر صلى الله عليه وسلم منها « أو ولد صالح يدعو له » [رواه مسلم].
6 - إبعاد الابن عن مواطن الفتن والشبه ووقايته من النار يقول الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم:6].
7 - تقرُّ عينك وأنت تسمع وترى اهتمامات ابنك وابنتك وكلها منصبة في حفظ القرآن وكم حفظ، وإلى أي آية قرأ؟ وهم بهذا ينشأون في طرق الخير بعيداً عن الانحراف ودواعيه، وهذه نعمة عظيمة.
8 - الأجر العظيم الذي تناله من الله عز وجل على الصبر على حسن التربية والتنشئة قال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت:69].
9 - براءة الذمة من عدم التفريط في التربية ، قال صلى الله عليه وسلم : « كلكم راع ومسئول عن رعيته... والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته » [متفق عليه].
10 - نفع الأمة والإسهام في تقديم جيل صالح حافظ لكتاب الله ليكونوا صالحين مُصلحين.
وبعض الآباء يتعذر بأن ملَكَات ابنه ضعيفة، أو أن مواهبه قليلة، وهو ضعيف الحفظ، قليل الفهم، ولهذا الأب بعض النقاط التي توضح ما غاب من أمره ومنها:
1 - يكفي ابنك أن يحضر كل يوم حلق التحفيظ وهي مجالس ذكر عظيمة تغشاها الرحمة وتتنزل فيها الملائكة ويذكرهم الله عز وجل فيمن عنده.
2 - الملائكة تستغفر لابنك، والله عز وجل يُسهِّل له أمر هذا الطريق ، قال صلى الله عليه وسلم : « من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يطلب، وإن العالم ليستغفر له من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء.. » [رواه أحمد].
3 - ابنك ممن يحملون ميراث النبوة ، قال صلى الله عليه وسلم : « وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر » [رواه أحمد].
4 - إنه في عبادة عظيمة ، قال صلى الله عليه وسلم مخاطباً أبا ذر: « يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة.. » [رواه ابن ماجة بإسناد حسن].
5 - تعويدهم على ارتياد أماكن العبادة وربطهم بها، وحتى لا يكون بينهم وبين المساجد وحشة إذا كبروا وشبّوا، ولتكون قلوبهم منذ الصغر معلقة بالمساجد وأهلها.
6 - الصحبة الطيبة التي يجدونها في طلبة حِلَقِ التحفيظ فهم من صفوة الصغار الذين نراهم وهؤلاء هم زملاؤه وصحبته إذا كبر.
7 - إن هذا القرآن ميسر قراءته وحفظه للكبير والصغير قال تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } [القمر:40] وهناك رجال ونساء كبار في السن يحفظون القرآن الكريم كاملاً بالرغم من أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة، إنما حفظوا عن طريق السماع.
8 - في بقائهم بعد صلاة العصر مثلاً حفظ لهم من المؤثرات الخارجية: كالشارع والشاشة والصحبة السيئة، وفي ذلك حفظٌ لأوقاتهم وعقولهم واستثمارها فيما ينفع.
9 - لا يشترط في التحاق ابنك لحلق التحفيظ أن يحفظ القرآن كاملاً، بل دعه يسير مع الركب ولا تحرمه أجر المشاركة ويكفي أن يحفظ ما تيسر ففي هذا فضل عظيم.
10 - بعض الآباء يتعذر بأن حفظ أولاده للقرآن الكريم يقلل من تحصيلهم العلمي، والتجربة أكبر برهان على عكس ذلك ولك أن تسأل عن الطلاب النابغين في إدارات التعليم لترى أنهم من حفظة كتاب الله عز وجل.
11 - فترة الطفولة والشباب فرصة ذهبية لحفظ القرآن بعيداً عن المشاغل وكثرة الأعمال مع ثبوت الحفظ في هذه السن. ومن قرأ القرآن في صغره حسنت لغته وتعرف على شواهد القرآن وبلاغته وسَلِمَ من اللحن.
12 - أن ابنك الذي يجد مشقة في القراءة والحفظ له أجر عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «.. والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران » [رواه مسلم].
أيها الأب المبارك: إن فاتك أمر حفظك لكتاب الله عز وجل فلا تحرم أبناءك وبناتك من ذلك، واحرص على أن يكون لك سهم من سهام الخير بدعم هذه الحلق والمدارس المباركة بما تراه من طيِّب مالك فهم أحق وأولى بالدعم، وليكن لجماعات تحفيظ القرآن جزء من أوقافك فإنها من أكثر المصارف نفعاً وأعظمها أجراً، وأسهم بإسداء الرأي والتوجيه للرفع من مستوى الحلق، فإن ذلك من التعاون على البر والتقوى وفيه إعانة لهم على الاستمرار.
أيها الأب الموفق: أما وقد انشرح صدرك لهذا الأمر العظيم وسمت همتك للعلياء لا يفوتك الحرص على اختيار الحلق الجيدة حتى يستفيد أبناؤكم الفائدة المرجوة، وذلك عن طريق السؤال عن حسن تعامل القائمين على الحلق، ومدى انضباط الأبناء في الحضور والانصراف، ومعرفة وقت بدء الحلقة ونهايتها، ومقدار الحفظ والمراجعة، وابذل لهم الجوائز وكن خير مشجع ومساند لهم.
يا أمة محمد :
اجعلوا بيوتكم دوحات إيمانية ولتكن شجرة أسرتكم أوراقاً خضراء مورقة، فأنتم تحفظون كتاب الله عز وجل وأبناؤكم يسعون في حلقات التحفيظ، وأما أزواجكم وبناتكم فهن في رياض الجنة يتقلبن ويغدين إلى دور التحفيظ النسائية المسائية يحفظن كتاب الله عز وجل.. إنها أسر مباركة. فلا تحرموا أنفسكم من هذا الخير..
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( إن هذا القرآن مأدبة الله فخذوا منه ما استطعتم، فإني لا أعلم شيئاً أصغر من بيت ليس فيه من كتاب الله شيء، وإن القلب الذي ليس فيه من كتاب الله شيء خرب كحجرات البيت الذي لا سكن له ) [رواه الدارمي].
قال تعالى: { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [الفرقان:30] قال ابن كثير رحمه الله: ( فتركُ تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وفهمه من هجرانه وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجه من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء من هجرانه.. ).
أصلح الله لنا الذرية وجعلهم ممن يحملون راية هذا الدين، وجعلنا ممن يستعمله في طاعته ومرضاته .

عمروعبده 17-08-2010 11:52 PM

صفات المربي


من صفات المربي من البدهيات المقررة لدى الناس أجمع أنه لابد لكل وظيفة وعمل يقوم به الإنسان من إعداد وتهيئة، فالبناء لا يمكن أن يقوم به إلا متخصص، والصيانة لأعمال المنـزل، أو السيارة لا يمكن أن تتم إلا على يد من يعرف هذا العمل ويدرك أصوله، فكيف ببناء الإنسان وإعداده؟ والتربية عملية مهمة وصعبة، إنها إعداد للإنسان وغرس للقيم والمعاني، وهي وسيلة لإزالة الرواسب السيئة التي ترسخت لدى الإنسان بفعل عوامل ومؤثرات شتى. إنها تعامل مع عالم الإنسان، العالم الغريب بأحواله ومشاعره وعواطفه وسائر أموره. إن من يتعامل مع غير الإنسان يتعامل مع آلة صماء، أو حتى كائن حي يمكن السيطرة عليه وترويضه، أما التعامل مع الإنسان فهو أمر عسير؛ إنه التعامل مع الند والقرين، فإذا كانت التربية كذلك فلا يمكن ولا يسوغ أن تتاح لكل إنسان، بل وليس حمل المفاهيم الصحيحة، والخلفية العلمية والقدرة على الحديث والحوار، ليس ذلك وحده كاف في أن يتأهل الشخص للتربية. ومن ثم يأتي الحديث عن صفات المربي وتحديد هذه الصفات لأمور عدة: فالأمر الأول: أن هذا يسهم في وضع ضوابط ومعايير يمكن أن يختار المربون على أساسها؛ فلا يتولى التربية إلا من يملك هذه الصفات ويتمثلها؛ فليست الأقدمية وطول الخبرة، ولا المؤهل العلمي وحده كافياً في تأهل الشخص للتربية. الأمر الثاني: أن تكون منطلقاً لتربية وتوجيه من يُعدُّون للتربية، بحيث يُسعى إلى تحقيق وتكوين هذه الصفات لديهم؛ فالمربون ليسوا هم الأفراد الذين يحفظون كماً من المعلومات أكثر من غيرهم، ولا أفراداً يجيدون الحديث أكثر من الآخرين، إنهم القادرون على أداء تلك المهمة العالية: مهمة بناء النفوس وإعدادها. الأمر الثالث: أن ذلك يقود المربين إلى مراجعة أنفسهم على ضوئها حتى يزداد عطاؤهم وترتفع قدرتهم ويعظم أثرهم ونتاجهم بإذن الله. الأمر الرابع: أن هناك مفاهيم واقتناعات غير صحيحة ترسخت اليوم عن العمل التربوي لدى طائفة من جيل الصحوة، ومنها: أ - اعتقاد أن كل الناس يجيدون التربية، وأن من استكمل مرحلة معينة في البناء التربوي وحصل قدراً من العلم الشرعي والمفاهيم فهو مؤهل لتربية غيره، ولو لم يكن يملك تلك الصفات الشخصية التي تؤهله لذلك. ب - اعتقاد أن الميدان التربوي هو وحده أفضل الميادين، وأنه ميدان الناجحين، وأن الفشل فيه دليل على ضعف تربية صاحبه أو ضعف قدراته . ومع الإيمان بأهمية هذا الميدان فليس هو الميدان الوحيد، وقد يفشل فيه من ينجح فيما سواه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم تفاوت أصحابه وتباين قدراتهم، ومع ذلك لم يكن هذا مدعاة لانتقاص ما امتاز به فرد على آخر. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" ( رواه أحمد (12493) 3/183 والترمذي (3790) وابن ماجه (154). وكتب عبدالله ‏القمري العابد إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل فكتب إليه مالك رحمه الله: " إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، ‏وآخر فتح له في الصدقة‏ ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد . فنشر العلم أفضل أعمال البر ، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر". فلابد أن نملك الجرأة التي نواجه بها أنفسنا حين نرى أنها لا تصلح لهذا الميدان فننأى بها عنه، وأن نملك الجرأة التي تدفعنا لمصارحة من نراه غير مؤهل لذلك. ومع أهمية الحديث عن صفات المربي فإن السعي لاستجماعها يطول، ويدعو الكاتب للحديث عن بدهياتٍ وقتُ المربي أثمن من أن يقرأها، خاصة أن كثيراً من المخاطبين بهذا الخطاب على قدر من العلم والوعي، ومن ثم رأيت الاقتصار على بعض الصفات التي أحسب أن هناك من القراء من يحتاج للتنبيه عليها، لكونها لم تخطر بباله، أو أنها قد خطرت لكنها تحتاج للوقوف عند بعض جوانبها. لذا فهذه الصفات هي أهم الصفات التي يرى الكاتب أن المربي يحتاج إلى أن يُحَدَّث عنها، لا الصفات التي يجب أن يتحلى بها. 1 - العلم: والعلم الذي يحتاجه المربي يشمل جوانب عدة، منها: أ - العلم الشرعي: فالتربية في الإسلام إعداد للمرء للعبودية لله تبارك وتعالى، وذلك لا يُعرف إلا بالعلم الشرعي، والعلم الشرعي يعطي المرء الوسيلة للإقناع والحوار، ويعطيه القدرة على مراجعة المسائل الشرعية وبحثها، وهو يمنعه من الانزلاق أو الوقوع في وسائل يمنعها الشرع. والعلم الشرعي الذي يراد من المربي لا يعني بالضرورة أن يكون عالماً أو طالب علم مختص، لكن أن يملك القدرة على البحث والقراءة والإعداد للموضوعات الشرعية، وأن يملك قاعدة مناسبة من العلوم الشرعية، ويبقى بعد ذلك التطلع لمزيد من التحصيل لزيادة رصيده من العلم الشرعي. ب - الثقافة العامة المناسبة، وإدراكه لما يدور في عصره. ج - العلم بما يحتاج إليه من الدراسات الإنسانية، كطبيعة المرحلة التي يتعامل معها (أطفال، مراهقين، رجال....) ، وطبيعة الإنسان ودوافعه وغرائزه واستعداداته، واطلاعه على عدد من الدراسات التي تخص الفئة التي يتعامل معها. وهذا أيضاً لا يلزم منه أن يكون مختصاً بعلم النفس أو التربية، لكن أن يملك الأسس العامة، وأن يكون قادراً على فهم الدراسات والبحوث المتخصصة في هذا المجال. د - المعرفة بالشخص نفسه من حيث قدراته واستعداداته وإمكاناته، ويظهر هذا الأمر لمن يتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته لأصحابه. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" ( رواه الترمذي (3790) وابن ماجه (154) وأحمد (12493) 3/183) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه "(رواه البخاري (6570). وأوصى صلى الله عليه وسلم صاحبه أبا ذر -رضي الله عنه- بوصية تنبيء عن معرفته به، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" (رواه مسلم (1826). هـ - المعرفة بالبيئة التي يعيشها المتربي بصفة عامة؛ إذ هي تترك آثارها الواضحة على شخصيته، ومعرفة المربي بها تعينه على التفسير الصحيح لكثير من المواقف التي يراها.

عمروعبده 18-08-2010 12:14 AM

تابع
2- أن يكون أعلى من المتربي: فالتربية عطاء وإعطاء، وأداء وتلقٍّ، ومن ثم كان لابد أن يكون المربي أعلى ممن يربيه، وليس بالضرورة أعلى سناً - وإن كان عامل السن له أهميته- لكن أن يكون أعلى قدرات وخبرات وإمكانات. "وتلك حقيقة نفسية تعمل عملها في النفوس، فأنت لكي تتلقى لابد أن تقتنع أنك في موقف المتلقي، وإلا فلو أحسست أنك في الموقف الأعلى فما الذي يدفعك أن تتلقى من شخص بعينه من الناس؟" (منهج التربية الإسلامية (2/44). ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك أعلى صفات البشرية في كل جانب من الجوانب فهو من خير الناس نسباً ومنـزلة، وهو أوسعهم خلقاً فكان أحلم الناس، وأكرم الناس، وأشجع الناس. وهاهم أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ يسجلون هذه الشهادة: عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قِبَل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: "لن تراعوا لن تراعوا" وهو على فرس لأبي طلحة عري، ما عليه سرج، في عنقه سيف فقال: "لقد وجدته بحراً أو إنه لبحر" (رواه البخاري (6033) ومسلم (2307). وهو صلى الله عليه وسلم أتقاهم لله وأعبدهم له عز وجل، كما قال عن نفسه: "قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم" (رواه البخاري (7367). ولهذا يتفاوت الناس في مدى قدرتهم على التربية، فمعظم الآباء نظراً لفارق السن والخبرة يجيدون تربية أبنائهم، أو بمعنى أدق: يتجاوب معهم أبناؤهم في الصغر لشعورهم بأنهم أعلى، لكن كلما تقدم السن ازداد الأمر صعوبة، وقلَّ أولئك الذين يستجيب لهم أبناؤهم. ولهذا فمن الناس من تكون طاقته أن يربي أبناءه الصغار، ومنهم من يجيد تربية مجموعة محددة من الناس، ومنهم من تكون أكثر من ذلك، ومنهم من يربي مجتمعاً بأسره، أما الأمة كلها على امتداد الزمان والمكان فاختار الله لها المربي الأول صلى الله عليه وسلم.

عمروعبده 18-08-2010 12:15 AM

تابع
3 - أن يملك المربي ما يقدمه: "وينبغي أن يحس المتلقي ثانياً أن مربيه -بالإضافة إلى أنه أكبر شخصية منه - عنده ما يعطيه، فليس يكفي أن تكون شخصية المربي أكبر من شخصية المتلقي - وهي البديهية الأولى في عالم التربية - إنما ينبغي أن تكون عنده حصيلة يعطيها الآخرين في صورة تجربة واقعية" (منهج التربية الإسلامية (2/44) . وتتمثل هذه الحصيلة في جوانب عدة منها: أ ـ الرصيد العلمي الشرعي وهو أمر له أهميته وسبقت الإشارة إلى ذلك. ب ـ القدرة على الإجابة على التساؤلات الملحة التي يطرحها المتربون والمتلقون. ج ـ القدرة العقلية والخبرة العملية التي تعينه على مساعدة من يربيهم على تجاوز مشكلاتهم فيجيد التعامل معها، ويجيد طرح الرأي المناسب لحلها. وحين يفقد المربي هذا وذاك يشعر المتربون، أنه ليس ثمة ما يدعوهم للارتباط بفلان من الناس، وليس عنده ما يؤهله لأن يتولى تربيتهم. 4 - أن يملك القدرة على العطاء: "هناك شخصيات كبيرة لا تستطيع أن تعطي، ومن ثم لا تستطيع أن تربي، هو في ذاته شخصية فائقة التكوين، متفوق عقلياً أو روحياً أو نفسياً أو عصبياً أو أخلاقياً... ولكنه لسبب ما لا يستطيع أن يعطي التجربة الواقعية لأنه عزوف عن الناس، لأنه صاحب تجربة فكرية فقط بغير رصيد من التجربة الواقعة، لأنه رجل مثالي حالم، يحلم بالمثل ولا يمارس التطبيق الواقعي، أو لا يحسنه.... ومن الأمثلة المعهودة أن تجد أستاذاً جامعياً ممتازاً في علمه، ممتازاً في خلقه، ممتازاً في محاضرته...ومع ذلك فهو لا يستطيع أن يربي، ولا أن يُكوِّن جيلاً من التلاميذ بمعنى الحواريين والأتباع" (منهج التربية الإسلامية (2/44-45) . إنهم كثير أولئك الذين نراهم في المجالس والملتقيات يجيدون الحديث، ويجيدون التنظير والنقاش، وربما يملكون من الخبرة والعلم والمعرفة، لكن ذلك وحده لا يؤهلهم لأن يتولوا التربية، فقد لا يستطيعون العطاء، وكثيراً ما تأسرنا شخصيات أمثال هؤلاء، ونظن أنهم أفضل الطاقات المؤهلة للتربية دون النظر إلى الجوانب الأخرى. وكونه أيضاً قادراً على الإعطاء لا يكفي بل لابد من أمر آخر ألا وهو: 5 - أن يكون حسن العطاء: "فمجرد أن يكون لديه ما يعطيه ليس كافياً في شؤون التربية، إنما ينبغي أن يعطيه بطريقة حسنة كذلك، وإلا ضاع الأثر المطلوب أو انقلب إلى الضد حين يعطي المربي ما عنده بطريقة منفرة" (منهج التربية الإسلامية (2/45).‎ إن التربية ليست مجرد معلومات أو توجيهات تقال للناس، وليست مجرد أوامر أو نواهي، بل هي عطاء واسع يشمل جوانب النفس شتى، ويتعامل معها في أحوالها وأطوارها المختلفة والمتفاوتة. ومن ثم فالذي يتولى هذه المهمة لابد أن يملك القدرة على التعامل مع هذا الواقع، وبناء النفس في هذه الأطوار المتفاوتة. إن البائع الذي يسعى لترويج سلعته يدرك أن مجرد عرضها على الناس للبيع ليس كافياً في ترويجها، فهو يحتاج لحسن عرضها، ويحتاج للحديث عنها مع الناس بالطريقة التي تشعرهم بحاجتهم إليها، وإلى وسائل للدعاية والإعلان....إلخ. ويتحدث المختصون اليوم عن أساليب لتسويق الأفكار وترويجها، ووسائل للإقناع والتأثير على الناس. فكيف بالتربية التي هي فوق ذلك كله؟ ولقد تحدث من كتب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طائفة من صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ومنها أن يكون: رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه. وقد يشعر المربي أنه يكفيه إثبات حبه لمن يربيه، ووجود الحب أمر ضروري للتلقي لكن الحب وحده "لا يكفي، فقد تحب طفلك وتحب له الخير، ولكن طريقتك في تقديم الخير إليه تشككه في حبك له، وتوهمه أنك تكرهه "(منهج التربية الإسلامية (2/45). إن المربي الذي يملك حسن الإعطاء هو الذي يجيد استخدام الأسلوب الأمثل، وأن يحقق لكل مقام مقاله المناسب

عمروعبده 18-08-2010 12:17 AM

القدرة على القيادة: والتربية كما أنها إعطاء وتلقٍ، فهي تتضمن جوانب أخرى لها أهميتها، تتمثل في قيادة الناس وإدارتهم، وهي صفة لا يملكها كل الناس، فالناس يستطيعون اتخاذ قرارات إدارية، وقد يستطيع بعضهم إدارة عمل أو مؤسسة، لكن القيادة فوق ذلك كله. خاصة إذا علمنا أن التلقي والتربية يصعب فرضها على الناس فرضاً، فقد يستطيع العسكري أو السلطان أن يسوق الناس بعصاه، أما المربي فما لم يكن قائداً قادراً على القيادة والإقناع فلن يستطيع تربية الناس. 7 - القدرة على المتابعة: "فالتربية عملية مستمرة لا يكفي فيها توجيه عابر -مهما كان مخلصاً ومهما كان صواباً في ذاته- إنما يحتاج الأمر إلى المتابعة والتوجيه المستمر" (منهج التربية الإسلامية (2/46-47). "والشخص الذي لا يجد في نفسه الطاقة على المتابعة والتوجيه المستمر شخص لا يصلح للتربية، ولو كان فيه كل جميل من الخصال، وليس معنى التوجيه المستمر هو المحاسبة على كل هفوة! فذلك ينفر ولا يربي فالمربي الحكيم يتغاضى أحياناً أو كثيراً عن الهفوة وهو كاره لها، لأنه يدرك أن استمرار التنبيه ضار كالإلحاح فيه، وحكمة المربي وخبرته هي التي تدله على الوقت الذي يحسن فيه التغاضي، والوقت الذي يحسن فيه التوجيه، ولكن ينبغي التنبه دائماً من جانب المربي إلى سلوك من يربيه، سواء قرر تنبيهه في هذه المرة أو التغاضي عما يفعل؛ فالتغاضي شيء، والغفلة عن التنبيه شيء آخر أولهما قد يكون مطلوباً بين الحين والحين، أما الثاني فعيب في التربية خطير" (منهج التربية الإسلامية (2/47-4http://www.elostaz.com/montada/image.../icon_cool.gif. 8 - القدرة على التقويم: التقويم لا يفارق التربية ولا تستغني عنه، بل هو لا يفارق أي عمل جاد مستمر، ويحتاج المربي للتقويم حتى: أ ـ يُقوِّم الأفراد ويحدد قدراتهم ليعطي كلشخص ما يناسبه. ب ـ يُقوِّم الأفراد بعد تلقيهم للتربية ليقيس مدى ما تلقوه وأثره عليهم. ج ـ ويُقوِّم الأعمال والبرامج والحلول. د ـ ويُقوِّم المشكلات ليضعها في إطارها وموقعها الصحيح دون مبالغة أو تهوين من شأنها. والتقويم الذي يحتاجه المربي هنا هو التقويم العلمي الموضوعي الذي ينطلق من أسس محددة موضوعية، لا الانطباع الشخصي لديه تجاه عمل أو فرد ما. ومن ثم يحتاج المربي إلى أن يتعرف على العوامل والعناصر الموضوعية التي يُقوِّم من خلالها ويعطي كل عامل نسبته ووزنه المناسب. ثم يحتاج ثانياً إلى أن يملك القدرة على التحقق من وجود هذه المعايير ودرجة ذلك. والخبرة والتجربة بالإضافة إلى المناقشات الجماعية مع الاطلاع والممارسة، كل ذلك مما يسهم في زيادة قدرة المربي على التقويم. 9 - القدرة على بناء العلاقات الإنسانية: التلقي فرع عن المحبة، وللعلاقة بين التلقي والمحبة من الاتصال قدر أكبر مما قد نتصور أحياناً، فمن لم يغرس المحبة له في نفوس الطلاب فكثير مما يقوله ستكون نهايته عندما يتلفظ به، ولن يأخذ طريقه نحو القلوب، فضلاً عن أن يتحول إلى رصيد عملي. وهب أن إنساناً بلغ الغاية في التأثير وقوة المنطق ورصانة الحجة، أتراه يكون أعلم، أو أفصح، أو أكثر تأثيراً من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ومع ذلك قال الله سبحانه في شأنه }فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ{ (آل عمران:159) . فالنبي صلى الله عليه وسلم مع ما آتاه الله سبحانه من وسائل التأثير، ومع شعور الناس أن الحق معه وحده، مأمور بأن يلين لأصحابه وإلا انفضوا عنه، فكيف بغيره ممن يحمل قائمة طويلة من صفات القصور والنقص؛ فهو حين لا يحظى بقبول تلامذته له سيرون فيه من القصور ما يبررون به رفضهم وإهمالهم لما يقول؛ بل تفسير نصحه وتوجيهه على غير وجهه. لذا يؤكد الأستاذ محمد قطب على هذا الارتباط فيقول:"والضمان لذلك هو الحب... فما لم يشعر المتلقي أن مربيه يحبه، ويحب له الخير، فلن يقبل على التلقي منه، ولو أيقن أن عنده الخير كله بل لو أيقن أنه لن يجد الخير إلا عنده؛ وأي خير يمكن أن يتم بغير حب" (منهج التربية الإسلامية ( 2 /45 ). ولأجل ذلك عني من كتب في أدب العالم والمتعلم من الأسبقين بالتأكيد على حسن الخلق وجميل الرعاية، فيوصي ابن جماعة المربي بذلك فيقول: "وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو والشفقة عليه، والإحسان إليه، والصبر على جفاء ربما وقع منه نقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه، وسيء أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بحسب الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصداً بذلك حسن تربيته، وتحسين خلقه، وإصلاح شأنه، فإن عرف ذلك لذكائه بالإشارة فلا حاجة لصريح العبارة، وإن لم يفهم إلا بصريحها أتى بها وراعى التدريج في التلطف" (تذكرة السامع والمتكلم ( 50 ). ويكرر الغزالي الوصية نفسها فيرى أن من آداب المعلم:"أن يزجر المتعلم عن سيء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ" (إحياء علوم الدين ( 1/57 ). ويؤكد الإمام النووي هذا المعنى فيقول:"ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في سوء أدب وجفوة تعرض منه في بعض الأحيان فإن الإنسان معرضٌ للنقائص" (المجموع شرح المهذب (1/30) . 10 - الاستقرار النفسي: حيث إن المربي يتعامل مع الناس، ومع الطبيعة الإنسانية المعقدة فلابد أن يملك قدراً من الاستقرار النفسي، فلا يكون متقلب المزاج سريع التغير مضطرباً، أو يعاني من حدة انفعالات أو سوء ظن وحساسية مفرطة، فضلاً عن كونه غير مصاب بمرض نفسي. إن المتربي بحاجة إلى أن يتعامل مع إنسان مستقر، بحاجة إلى أن يتعامل مع شخص يتوقع ويتنبأ بتصرفاته، أما حين لا يكون مربيه كذلك فلن يعيش هذا الفرد في جو مريح، وسوف يسيطر عليه الخوف والقلق. 11 - التوازن الاتصالي: إن التربية ليست عملاً من طرف واحد، وليست تعاملاً مع آلة صماء، ومما لا يقبل أن يحول المربي المتلقي إلى شخص مهمته أن يحسن الاستماع والاستقبال فحسب، بل لابد من قدر من التوازن الاتصالي فالتربية عملية اتصال من طرفين لا من طرف واحد. ومن ثم فلابد من العناية بحسن الخطاب والحوار مع المتربي، وحسن الإنصات والاستماع له، وكذلك كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم جامعاً بين الأمرين. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ -والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم- فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبدالمطلب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"قد أجبتك" فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك، فقال: "سل عما بدا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك أالله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: "اللهم نعم"، قال: أنشدك بالله أالله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ فقال : "اللهم نعم"، قال: أنشدك بالله أالله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ فقال : "اللهم نعم"، قال: أنشدك بالله أالله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"اللهم نعم"، فقال: الرجل آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام ابن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر (رواه البخاري (63). فانظر إلى عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالإنصات والاستماع لهذا الرجل، ومثل ذلك استماعه صلى الله عليه وسلم للشاب الذي جاء يستأذن بالزنا. وكما كان يعتني صلى الله عليه وسلم بالاستماع والإنصات، فقد كان يعتني بالخطاب والحديث، فكان حسن الحديث، تصفه عائشة -رضي الله عنها- بقولها : "لم يكن يسرد الحديث كسردكم" (رواه البخاري (356http://www.elostaz.com/montada/image.../icon_cool.gif وفي لفظ "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام بينه فصل يحفظه من جلس إليه " (رواه الترمذي (3639) وانظر في الحديث حول التوازن الاتصالي علم النفس الدعوي (304-307). 12 - السمت والهدي الحسن: إن المربي قدوة بأعماله وسلوكه قبل أن يكون موجهاً للناس بقوله، والفعل والهدي يترك أثراً على النفس أعظم من أثر القول؛ وفي حديث جرير بن عبدالله البجلي -رضي الله عنه- ما يؤيد هذا المعنى، فعنه -رضي الله عنه- قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: "}يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ{ إلى آخر الآية }إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْرَقِيبا ً{ والآية التي في الحشر }ا تّقُواْ اللّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مّا قَدّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله{ تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره حتى قال: "ولو بشق تمرة" قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (رواه مسلم (1017). فالناس قد سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته وتأكيده، لكنهم لما رأوا هذا الموقف من هذا الرجل تتابعوا في الإنفاق. ولهذا عني السلف بالتأكيد على جانب الهدي والسمت الحسن لدى المربي؛ روى الرامهرمزي بإسناده عن أبي العالية قال:"كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن أساء الصلاة لم نأخذ عنه" ( المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي (409). وقال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" ( رواه مسلم في مقدمة صحيحه. والخطيب في الكفاية 121. والرامهرمزي في المحدث الفاصل(437). وقال حماد بن زيد: دخلنا على أنس بن سيرين في مرضه فقال:"اتقوا الله يا معشر الشباب، وانظروا عمن تأخذون هذه الأحاديث فإنها دينكم" (رواه الخطيب في الكفاية (122). والرامهرمزي في المحدث الفاصل (440). وقال الإمام مالك رحمه الله:"إن هذا العلم هو لحمك ودمك، وعنه تسأل يوم القيامة فانظر عن من تأخذه" (رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (444). وقال مجالد:" لا يؤخذ الدين إلا عن أهل الدين" (رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (445). فما أحوج المربين اليوم إلى تحقيق السمت الحسن والهدي الصالح في نفوسهم. 13- الاعتدال والاتزان: سنة الله تبارك وتعالى في خلقه قائمة على الاعتدال والتوازن، وهي سنة مطردة لا يشذ عنها شيء؛ فالشمس والنجوم والأفلاك والأرض بما فيها قائمة على أساس ذلك، وحياة الإنسان الجسمية والعقلية قائمة على أساس هذا الاعتدال والتوازن. والغلو والشذوذ أمر ممقوت أياً كان مصدره، حتى لو كان دافعه الاستزادة من الخير والاجتهاد في العبادة، لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم طائفة ممن شددوا على أنفسهم في العبادة بالاعتدال وإعطاء كل ذي حق حقه. وكما يبدو الغلو والتشدد في مواقف محددة، فهناك فئة من الناس يصبح الخروج عن الاعتدال سمتاً لهم وصفة ملازمة لتصرفاتهم وأحكامهم. ويبدو أثر تلك السمة في الأحكام التي يصدرها الشخص على الناس والجهود البشرية؛ فتدور بين الثناء والذم المبالغ فيهما، وفي المواقف التي يتخذها؛ فتتسم بالحسم والقطع في الأمور النسبية التي تحتمل الرأي الآخر. ومن آثار فقدان الاعتدال لدى المربي: أ - أن يغرس هذه الصفة لدى طلابه فيربيهم على الغلو والتطرف في التفكير والآراء والمواقف؛ إذ هم لا يسمعون إلا رأياً واحداً يمثل الحق المطلق في كل قضية صغيرة وكبيرة، وكل ما خالف هذا الرأي فهو باطل بكل حال، وما لم يتمثل الاعتدال لدى المربي في صورة واقعية فلن يبقى أثر لما يطرحه من جوانب معرفية ونظرية. ب - ويبدو ذلك أيضاً في تقويمه لأعماله وبرامجه، ولطلابه وتلامذته فيتسم بالتطرف والخروج عن الاعتدال. ج - عدم القدرة على التعامل المتزن مع تصرفات طلابه وتلامذته؛ فيقف منها موقف المتشنج، وتزداد مساحة ردة الفعل في تعامله مع أخطائهم، أو مع ما يصنفه على أنه أخطاء، ولو لم يرق لذلك.

عمروعبده 18-08-2010 12:19 AM

تابع
14- التفاؤل: إن الشعور بالنجاح وإمكانية تحقيق نتائج مرضية شرط لابد منه في أي عمل يعمله الإنسان؛ فالتاجر الذي يفقد الأمل في الربح يرى من العبث وإضاعة المال أن ينفق أمواله في التجارة، والكاتب الذي لا ينتظر رواجاً لفكرته وتحقيقاً لأهدافه من نشرها لن يسطر حرفاً...وهكذا سائر العاملين أياً كانت أهدافهم ومشاربهم. ولما كان الجهد التربوي جهداً مضنياً وشاقاً، ويحتاج لطول نفس وصبر، ونتائجه حين تقاس بالمعايير الكمية تبدو ضئيلة لأول وهلة، أصبح التفاؤل سمة مهمة في من يتصدون للقيام بهذا الجهد. ويزداد الاقتناع بأهمية هذه السمة حين ندرك أن نتائج التربية لا تبدو آثارها في الرقعة الزمنية المحدودة، وتحتاج إلى فترة قد لا يصل إلى مداها المتسرعون والمتشائمون. إن هناك فئة من الناس يسيطر عليهم التشاؤم، ويسبق هاجس الفشل قيامهم بأي جهد أو عمل، فالأولى بهؤلاء أن يسلكوا الميادين التي تبدو نتائجها سريعة ومغرية. إنهم حين يتصدون للتربية فلن تقنعهم النتائج والآثار التي يرونها على تلامذتهم لأنهم يتطلعون لما هو أكبر وأسرع من ذلك، وتسيطر عليهم النظرة للهفوات والأخطاء ليبرهنوا بها على فشل استجابة الناس، أو فشلهم هم في جهدهم وتربيتهم. كما تبدو تلك الآثار في تفكيرهم وحوارهم وأحكامهم، فيغرسون الروح المتشائمة لدى من يتلقون عنهم، ويفشلوا في إقناع من تحت أيديهم بقدرتهم على النمو وتجاوز الأخطاء. 15 - القدرة على النمو: قد يملك المربي قدرات ومعارف وخبرات جيدة، لكن هذا وحده لا يكفي؛ فلابد من أن يملك القدرة على النمو، وتبدو هذه الصفة ضرورية للمربي للأمور الآتية: الأول: أن الحياة متجددة متطورة، فالوعي السياسي الذي يملكه شخص ما يصبح بعد عام أو أعوام قليلة مجرد ذاكرة تاريخية، وقل مثل ذلك في سائر المجالات المتطورة، بل حتى ميدان العلم الشرعي تتجدد فيه أمور عدة، فثمة كتب تطبع حديثاً، وثمة مؤلفون جدد ومحققون ومؤسسات علمية، كل ذلك يحتاج إليه طالب العلم المربي، فضلاً عن المسائل والنوازل المستجدة، وما لم يكن متابعاً قادراً على النمو فسوف تضمر لديه هذه الجوانب. الثاني: أن تطور مجالات الحياة المتسارع -خاصة في هذا العصر- يترك آثاراً واضحة على المجتمع الذي ينشأ فيه، وما لم يدرك المربي ذلك ويعيه فإنه سيعيش مع جيل غير جيله، وسيضع مرآة أمام عينه مستوردة من الجيل السابق ينظر بها كل ما أمامه. وما نراه اليوم من إصرار بعض المربين على تكرار تلك الأساليب والبرامج التي عهدوها وتلقوها إنما يمثل صورة من صور التعامل مع الجيل الحاضر بعقلية الجيل السابق. الثالث: أن زاد المربي محدود لابد أن ينفد، ففي مبدأ الأمر يدرك المتربون على يديه أنه يملك رصيداً هائلاً لا يملكونه، وأنهم يلقون لديه الكثير، ثم ما يلبث هذا الشعور أن يتناقص تبعاً لما حصلوه منه، حتى يروا أنه لم يعد لديه شيء ذي بال يذكر، وأنهم قد استوعبوا كل ما لديه من خبرات. الرابع: أن المتربين ينمون ويتطورون، بل هم في موقف يشعرهم بأن المهمة الأساسة لهم هي التلقي، ولابد أن يكون لهم مصادر ذاتية أخرى غير ما يقدمه لهم من يربيهم، ومن ثم فهذا النمو ما لم يقابله نمو من المربي فإنه سيخل بمعادلة التفوق المفترضة، وسيجعل موقفه تجاههم أقل من ذي قبل. والمربي الناجح الورع، الذي يتقي الله في الأمانة التي حمله الله إياها، والذي يسعى لمصالح تلامذته أكثر من سعيه لبناء المجد الشخصي والهالة الزائفة حول نفسه؛ الذي يكون بهذه الصفة يكون واقعياً ويشخص المشكلة بوضوح، ويسمح لأمثال هؤلاء أن ينتقلوا إلى بديل أفضل. لكننا اليوم نرى فئاماً من الشباب يصبحون ضحية لطائفة من المربين أصحاب قدرات محدودة، ومع ذلك يتهمون الآخرين بالتمرد وعدم معرفة قدرهم، ويسعون لصنع هالة ضخمة لأنفسهم. الخامس: أن انشغال المربي بالمهمة التربوية يجعله يشعر بأن الدور الأساس له هو العطاء والتوجيه، وأن مرحلة النمو والتلقي والأخذ قد انتهت وتجاوزها، فما أن يقضي وقتاً في هذا الميدان حتى يرى أن الآخرين قد فاقوه وسبقوه. وكان السلف يؤكدون على من يتولى التعليم والتوجيه ألا يقف عند هذا الحد، فقد ذكر ابن جماعة من آداب المعلم : "ألا يستنكف عن أن يستفيد ما لا يعلمه ممن هو دونه، بل يكون حريصاً على الفائدة حيث كانت، والحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها، قال سعيد بن جبير: "لا يزال الرجل عالماً ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون" وأنشد بعض العرب: وليس العمى طول السؤال وإنما **** تمام العمى طول السكوت على الجهل وكان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم" ( تذكرة السامع والمتكلم (60). والقدرة على النمو صفة مهمة قد تكون فطرية في النفس، فمن الناس من تؤهله قدراته إلى مستوى معين يقف عنده ويصعب عليه تجاوزه، ومن هنا تأتي مسؤولية أولئك الذين يختارون المربين في مراعاة تحقق هذا الجانب لدى من يؤهلون لتولي التربية. ومع هذا الأمر الفطري تبقى هناك جوانب عدة تسهم في تحقق هذا النمو لدى المربي، ينبغي للمربين أن يسعوا لتحقيقها في أنفسهم، ومنها: 1- التحصيل الذاتي، من خلال القراءة والمطالعة، والتعامل مع أوعية المعلومات ومصادرها المختلفة، وينبغي أن يكون حازماً مع نفسه ويضع لها برنامجاً لا يخل به، وسيجد من أوقات الفراغ والإجازات، وتقليل الروابط الاجتماعية غير الضرورية، وإعادة تنظيم أوقاته مع طلابه، سيجد من ذلك كله ما يعينه على تحقيق هذا الجانب. 2- العناية بما يقدمه لطلابه من مشاركات ودروس، بحيث يعتني بالإعداد، ولا يقف إعداده على مجرد ما سوف يلقيه ويقدمه لهم، بل يجعل من إعداده لموضوع ما فرصة لاستيعاب أطرافه وما طرح وكتب فيه. 3- اللقاء مع المربين الأعلى منه قدرة، واستشارتهم والاستفادة من خبرتهم والحرص على السماع منهم. 4- اللقاء مع أقرانه بشكل مستمر ودائم؛ فهذا يسهم في تبادل الهموم والخبرات والتجارب، ويسهم في رفع مستوى تفكيره؛ ذلك أنه حين يعيش في أوساط من يربيهم وهم دونه سناً وخبرة، فلابد أن يتأثر باهتماماتهم وخبراتهم، فيسهم حديثه معهم وتلقيه لمشكلاتهم وتساؤلاتهم في حصر تفكيره وهمومه داخل هذه الدائرة، بل يشعر بالتفوق والأستاذية، لكنه حين يعيش مع أقرانه وطبقته فإن ذلك سوف يسهم في تحقيق التوازن لديه في هذا الجانب. الكمال عزيز: النقص من صفات البشر ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها، وحين نسعى لاستجماع هذه الصفات في كل من يربي وبالقدر الأمثل فنحن نبحث عن عناصر نادرة لا يمكن أن تفي بجزء من متطلبات الجهد التربوي المنوط بالصحوة اليوم. لكنها منارات نسعى للتطلع إليها والاقتراب منها، متذكرين أن النقص والقصور سمة بشرية، وأن الكمال عزيز، وما لا يدرك كله لا يترك جله. ومتخذ القرار الحصيف الذي يجمع بين الواقعية وبين رعاية الأمانة والمسؤولية تجاه الجيل، لن يجهل أن هناك قدراً من الخلل في الصفات يغتفر ويسعى لعلاجه، ويكون احتماله خير من تعطيل الجهد والطاقات، وأن هناك قدراً لا يمكن اغتفاره. ونختم حديثنا بالوصية للمربين والعاملين للإسلام بأمر بالغ الأهمية، وبدونه يصبح كل ما يقومون به من عمل وما يبذلونه من جهد غير ذي بال، ألا وهو الإخلاص لله تبارك وتعالى وإرادة وجهه. ونحن ندرك أن عامة من يتصدون لتربية شباب الصحوة اليوم يدفعهم لذلك حسن النية والرغبة في تحصيل الثواب؛ إذ لانتائج دنيوية ترجى من وراء هذا العمل. لكن ما نؤكد عليه هو استحضار النية الخالصة، وتذكرها واستشعارها، فهذا بإذن الله علاوة على ما يحقق لصاحبه من الثواب ورضا الله عز وجل، فهو يزيد الهمة ويعلي الحماسة للعمل، ويعين صاحبه على احتمال ما يواجه من مشاق وعقبات. وفي النهاية يدرك المخلصون ثواب عملهم حين تسعر النار بأولئك الذين كانوا يبحثون عن عاجل حطام الدنيا ويبتغون رضا الناس بأعمالهم الصالحة. عن شفي الأصبحي أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة، قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا، قلت له: أنشدك بحق... وبحق.... (حُذفت من الراوي.) لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكث قليلا ثم أفاق، فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق فمسح وجهه فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق ومسح وجهه فقال: أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في هذا البيت ما معه أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خاراً على وجهه فأسندته علي طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يارب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله: بل أردت أن يقـال إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يارب. قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق. فيقول الله له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك. ويؤتى بالذي *** في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا ***ت؟ فيقول: أمرتَ بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى ***ت، فيقـول الله تعـالى له: كـذبت، وتقول له الملائكة: كذبت ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذاك. ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة و قال الوليد أبو عثمان فأخبرني عقبة ابن مسلم أن شفياً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا قال أبو عثمان وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافاً لمعاوية فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية: قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس، ثم بكى معاوية بكاءً شديداً حتى ظننا أنه هالك، وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشرٍّ، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه وقال: صدق الله ورسوله {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} ( رواه الترمذي (2382) وأصله عند مسلم (1905) بأخصر من هذا.) . نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المخلصين، العاملين له ابتغاء وجهه، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد،،،،
من كتاب / مقالات في التربية للشيخ محمد الدويش

عمروعبده 18-08-2010 12:23 AM

طرق تدريس القرآن الكريم للكبار وغير المتعلمين


طرائق تدريس القرآن للكبار وغير المتعلمين

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلم أصحابه الأدعية الضرورية والآيات القرآنية تعليماً عملياً والصحابي لا يقرأ ولا يكتب، فكان يردد ها الصحابي أمام الرسول حتى يحفظها، وفي ذلك ورد حديث فيه تعليم كلمات تقال قبل النوم: عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتيت لمضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: " اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت " فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به " قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت " ورسولك " قال لا ونبيك الذي أرسلت ).
أما تعليم القرآن: فقد أشار إليه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن .... الحديث )
والشاهد قول جابر: " كما يعلمنا السورة من القرآن " فدل على أن لتعليم القرآن أسلوباً نبوياً خاصاً.

** الطرق العملية لتحفيظ الكبار.
الطريقة الأولى: طريقة العرض للطلاب الكبار الذين يعرفون القراءة والكتابة.
بالنسبة للطلاب الذين يعرفون القراءة من المصحف تستخدم معهم طريقة العرض من المعلم وذلك كما يلي:
1 - تحديد المقدار الذي يستطيع الطالب حفظه في جلسة واحدة ، مراعياً في تحديده لهذا المقدار ما يلي:
أ- تناسبه مع قدرة الطالب.
ب- نشاطه وهمته ودرجة إقباله.
ج- وقته وانشغاله لا سيما إن كان مسؤولاً أو صاحب أسرة.
د- زمن الحلقة ومدى سهولة الآيات.
2 - يقرأ المدرس ذلك المقدار أمام الطالب والطالب يردد خلفه مع المتابعة في المصحف، ويمكن أن يدع المدرس الطالب يقرأ عليه المقطع من المصحف وهو يستمع إليه، ويصوب خطأه ويُقوّم أداءه.
3 - في حالة تبين المدرس صعوبة الكلمات على الطالب، وعجزه عن قراءتها من المصحف فإنه يقوم بتلقينه إياها؛ حتى يتمكن الطالب من قراءتها بشكل جيد.
4 - بعد التأكد من صحة قراءة الطالب يُوجَّه الطالب إلى تنفيذ الخطوات الآتية:
أ- قراءة المقدار المحدد للحفظ من المصحف عدة مرات حتى يتمكن من إجادتها.
ب- إذا كانت الآية طويلة كآية الدَّين قسمها إلى مقاطع وحفظها مقطعاً مقطعاً مع الربط بينها.
ج- يحفظ آيات المقطع آية آية ويقوم بربط الآية الثانية بالأولى والثالثة بالأولى والثانية ... وهكذا.
د- أن يرفع صوته بتوسط أثناء الحفظ ؛ لكي يتم استخدام حاسة السمع والبصر والنطق في عملية الحفظ.
* تلاوة الآيات في بداية الحفظ بترتيل وتمهل ، ثم يسترسل في القراءة ليسهل الحفظ والربط.
* أن يُسمِّع على نفسه ما حفظ بعد إتمام حفظه عدة مرات.
* أن يقوم بقراءة المقدار المحفوظ من المصحف بتركيز بعد تسميعه على نفسه للتأكد من سلامة الحفظ.
5 - بعد إجادة الحفظ وإتقانه يقوم المدرس بالتسميع للطالب و يمكن تكليف أحد إخوانه بالتسميع له.
6 - ثم بعد ذلك يقوم بربط أول السورة بآخرها، أو أول الصفحة بآخرها؛ حتى يتم إتقان الحفظ.

الطريقة الثانية: طريقة التلقين للطلاب الذين لا يعرفون القراءة من المصحف.
أولاً: تعريف التلقين.
اللقن: هو الفهم، تلقنه أي فهمه، لقن أي فهم، لقنني فلان كلاماً أي فهمني منه ما لم أكن أفهم و اللقن هو سرعة الفهم، التلقين هو سرعة التفهيم.

ثانياً: أهمية التلقين.
لما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الله إليه سيدنا جبريل عليه السلام فلقنه أول خمس آيات من سورة العلق. وهذه تعتبر الطريقة المثلى في تعليم القرآن الكريم خاصة وهي الطريقة الأجدر لإعداد الطالب الجيد مع الرغم أنها أكثر استغراقاً للوقت فمن لقن لم يلحن، قال الله تعالى: { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } أي تُلقّن وتُفهّم وتأخُذ وتحفظ، قال ابن الجزري: " لا شك أن هذه الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن الكريم وإقامة حدوده متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم
"، والتلقين يكون بإحدى طريقتين:

1 - التلقين الفردي:
وهو التلقين لطالب واحد أي يقرأ المعلم الآية ويرددها الطالب بعده، وهذه الطريقة هي الأصلح للطالب بلا شك فإن كان لدى المعلم عدد قليل من الطلاب فالأصلح لهم أن يقرئ المعلم كلا منهم على انفراد حتى يتم الضبط والإتقان.
2 - التلقين الجماعي:
وهي قيام المعلم بتلقين مجموعة من الطلاب بأن يقرأ لهم الآية ثم يرددها الطلاب خلفه حتى يضبطونها وهكذا حتى يتم الحفظ والإتقان.

ثالثاً: ضوابط تنفيذ طريقة التلقين.
1 - أن يكون عدد الطلاب قليلاً.
2 - أن يقرأ المعلم قراءة نموذجية متأنية موجهاً إياهم إلى دقة الاستماع، وحسن الترديد.
3 - أن تكون المقاطع المقروءة قصيرة نسبياً حتى يتم تلافي انقطاع نفس الطلاب أثناء القراءة.
4 - إلزام جميع الطلاب بإمرار أيديهم على الكلمات المقروءة وملاحظة ذلك باستمرار.
5 - الوقوف على رؤوس الآي، والالتزام بعلامات الوقف وضبط الحركات والسكنات.
6 - أن يكون صوت الطلاب في الترديد معتدلاً ومنظماً حتى لا يتعبهم وليتمكنوا من النطق بالتجويد.
7 - المتابعة الدقيقة من المعلم لأفواه الطلاب عند الترديد.
8 - تكرير الكلمات الصعبة حتى يتم ضبطها.
9 - التأكد من سلامة النطق لكل طالب على حدة بعد الانتهاء من التلقين.
10 - يستمر المعلم في الترديد ولا يقتصر على مرة أو مرتين، حتى يتم الإتقان.
11 - يعاود المعلم قراءة سطر سطر، ثم سطرين ثم ثلاثة وهكذا.
12 - بعد الانتهاء من القراءة الترديدية يبدأ المعلم بالاستماع إلى بعض الطلاب.
ملحوظة: يمكن استخدام مرسم والتأشير على الكلمات الصعبة لكل طالب في مصحفه.

رابعاً: أهداف هذه الطريقة .
1 - تخليص ألسنة الطلاب من عيوب النطق ومنع سريان اللهجة العامية على ألفاظ القرآن الكريم.
2 - تعريف الطلاب باصطلاحات الضبط كعلامات المد، والوقف، ورؤوس الأحزاب والأرباع والأجزاء.
3 - تمكين ضعاف القراءة من إتقان القراءة من المصحف، وخاصة الكلمات التي يجدون صعوبة في نطقها.
4 - تعويد الطلاب على تدبر الآيات من خلال الوقف على بعض الآيات المؤثرة ولفت أنظار الطلاب إليها.
5 - تعريف الطلاب بأحكام التجويد الأساسية وكيفية تطبيقها عند المرور على أمثلة منها أثناء القراءة.

الطريقة الثالثة: طريقة الحفظ على مدار اليوم ( طريقة عملية مُجربة ): وهي طريقة الخمس آيات.
إن أول ما نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن خمس آيات من سورة العلق ولذلك أقترح بأن يكون الدرس خمس آيات في بداية الأمر هذا بالنسبة للسور الطويلة، وأما إذا كانت بداية الحفظ من جزء النبأ، فتكون سورة قصيرة كل يوم، ولكن بعض الناس يقول الوقت ضيق ولا أستطيع الحفظ فقد اقترحت على بعض الطلاب هذه الطريقة وهي طريقة حفظ آية واحدة في كل صلاة من الصلوات الخمس.
هل حفظ آية واحدة قبل أو بعد كل صلاة من الصلوات الخمس تشغل الطالب عن قضاء مصالحه؟ كلا ... فإذا حفظ الطالب آية واحدة في كل صلاة يكون مجموع ما يحفظ في اليوم خمس آيات وذلك بعد تصحيح نطقها على المعلم، ثم يقرأ الآيات الخمس التي حفظها في الركعة الأولى بعد الفاتحة من راتبة العشاء ويكررها في الركعة الثانية. وهكذا كل يوم، فيكون مجموع ما يحفظ في 7 أيام بدون أي كُلفة ولا مشقة 35 آية، ثم يأتي يوم الجمعة ويذهب إلى المسجد مبكراً لينال أجر التبكير إلى الجمعة ويراجع ما حفظه خلال الأسبوع وهو 35 آية، وهكذا ... فتحفظ في الثلاثين يوماً بعون الله 150 آية.
بذلك حفظ سورة البقرة كاملة في شهرين تقريباً، حيث أنها 286 آية. وسورة آل عمران مثلاً 200 آية سوف يحفظها في أربعين يوماً تقريباً، وسورة النساء في 35 يوماً. هذا إن التزم الطالب بحفظ آية واحدة في كل صلاة بشرط ألا يترك اليوم يمر بدون حفظ الآيات الخمس.
وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. والمهم الاستمرار والمواظبة، وهذه الطريقة نجحت ولله الحمد وآتت ثمارها بحلقة الكبار ( متعلمين وغير متعلمين ) بمسجد السديس بالحوية وقد وصل بعض الطلاب إلى حفظ 26 جزءاً ولله الحمد، وأقوم الآن بتطبيقها في دورة الحفظ الكامل لغير المتفرغين ومقرها الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في الطائف يومي السبت والثلاثاء - بعد المغرب - وإن كان من الصعب الالتقاء بالمعلم يومياً يمكن تصحيح خمس عشرة آية كل ثلاثة أيام. أو ما يعادل ربع الحزب.
ملاحظة : لا شك أن هذه الطريقة لا تصلح لجميع الطلاب، فبعض الطلاب يستطيع أن يحفظ الآيات الخمس دفعة واحدة، وللطالب الاختيار حسب وقته وظروفه.

الطريقة الرابعة: اتباع هدي السلف في تدريس القرآن.
كان لمدارسة القرآن الكريم عند الصحابة والسلف الصالح أهمية خاصة ومن التطبيقات التربوية على قيامهم بهذه المهمة، مهمة تعليم القرآن ما ذكره مسلم بن مشكم إذ يقول: قال لي أبو الدرداء - رضي الله عنه -: اعدد من في مجلسنا قال: فجاء ألف وست مائة ونيفاً فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح انفتل وقرأ جزءا فيحدثون به ، ويسمعوا ألفاظه، وكان ابن عامر مقدماً فيهم.
فهذا مؤسس الحلقات القرآنية أبو الدرداء رضي الله عنه قسم طلابه عشرة عشرة ، ولكل عشرة منهم ملقن، وكان يطوف عليهم قائماً فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء وقرأ عليه.
وهذا ابن الأخرم رحمه الله كانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق، يقرأ عليه الطلبة من بعد الفجر إلى الظهر، وقد قال محمد بن على السلمي: قمت ليلة لأخذ النوبة على ابن الأخرم، فوجدت قد سبقني إلى حلقته ثلاثون قارئاً وقال: لم تدركني النوبة إلا بعد العصر.
كان العلامة شمس الدين الشيخ محمد بن الجزري لما قدم القاهرة وازدحمت عليه الخلق لم يتسع وقته لقراءة الجميع، فكان يقرأ عليهم الآية ثم يعيدونها عليه دفعة واحدة، فلم يكتفِ بقراءته. وقد كان الشيخ السخاوي يقرأ عليه اثنان وثلاثة في أماكن مختلفة ويرد على كل منهم ( أي يصحح خطأهم إذا أخطأوا ).

وطرق تعليم القرآن عند هؤلاء الأعلام من السلف كانت بإحدى ثلاث:
1 - أن يقرأ المعلم ويردد خلفه المتعلم بعد السماع ليصحح له الشيخ إذا أخطأ.
2 - أن يسمع المتعلم من الشيخ إلا إذا شك المتعلم بقدرته على أداء جملة فيستوقف الشيخ ليقرأها عليه.
3 - أن يقرأ المتعلم ويسمع له الشيخ ثم يصحح له إذا أخطأ ، ثم ينطلق يحفظ ما قرأ ، ثم يسمع للشيخ.

عمروعبده 18-08-2010 12:27 AM

علامات تنير للمعلم الطريق


علامات تنير للمعلم الطريق
1- اكتب أهدافك التي ترنو الوصول إليها في تدريس القرآن؛ ولا شك أن هدفك الأسمى: تحفيظ الطلاب كتاب الله وتعليمهم إياه والعمل به، لكن هناك أهداف صغرى أو خاصة من مثل أن يحفظ الطلاب خلال هذا الفصل الدراسي ثلاثة أجزاء، أو أن يتصف الطلاب بهذا الخلق ونحو ذلك.

2- ضع خطة مكتوبة تحقق أهدافك وفق زمن محدد واعمل على تحقيقها خلال تدريسك، ثم حاسب نفسك في نهاية الفصل أو نهاية العام، وعدل في خطتك المستقبلية وفق ملاحظاتك على خطتك السابقة، وإنما أحضك على هذا التنظيم؛ لأن كثيراً من الحلقات القرآنية تمر بها السنوات لم يتجاوز طلابها الجزأين أو الثلاثة.

3- احرص على أن تكون حلقتك ضمن الحلقات التابعة للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن، ففي ذلك فوائد جمة منها على سبيل المثال: استفادتك من تجارب الآخرين، وحصولك على الدعم المادي، وتنظيم عملك ومتابعته، وإعطاء الحلقة صبغة رسمية تجعلك تعمل في جو من الطمأنينة.
4- استفد من خبرات من سبقك في هذا المجال وتعاون معهم، وليكن بينكم تلاقح أفكار وتبادل تجارب، لا سيما القريبين من حيّك.

5- لتكن علاقتك بأولياء الأمور متينة وحسنة، وليكونوا على علم ببرامجك ونشاطاتك.

6- احرص على تحسين علاقتك بتلاميذك وتحبيبهم فيك وترغيبهم في حفظ كتاب الله _تعالى_ بالحوافز والجوائز والكلام الطيب.

7- لتكن قدوة صالحة لتلاميذك في فعل الخير والإكثار من الطاعات واتباع السنة وخفض الصوت وعدم جعل أسلوب التهديد والوعيد هو الأسلوب الأمثل لردع التلاميذ، فإن القدوة تفعل ما لا تفعله عشرات الدروس والنصائح.

8- احرص على متابعة تلاميذك وسلوكهم وتعاملهم وحفظهم، وانظر في أسباب ضعفهم وراع الفروق الفردية بينهم ولا تترك العمل يسير كيفما اتفق، بل يكون لك بصمة مميزة للعمل.
9- اجتهد في المسابقات التنافسية التي تشحذ همم التلاميذ للفوز بالنصيب الأكبر من الحفظ المتقن والكم الأكثر.

10- اجعل لك معيناً أو أكثر في عملك فإن اليد الواحدة لا تصفق، ولكي لا تكل أو تمل.

11- اجعل للمراجعة نصيباً من جهد تلاميذك، ولا يكن آخر عهد تلاميذك بالمحفوظ يوم انتهوا من تسميعه، فإن القرآن أشد تفلتاً من الإبل في عقلها، وليكن لك برنامج مخصص للمراجعة.

12- وأيضاً ليكن اهتمامك بالتلقين وتصحيح القراءة والتلاوة كبيراً، فإن من الملاحظ أن بعض الحلقات لا تولي هذا الأمر اهتماماً، مما يخرج لنا تلاميذ قد يقرؤون خطأ حتى ما حفظوه، ولأن يتخرج الطالب عارفاً بالتلاوة مجوداً لا يخطئ نظراً - تلاوة - خير من أن يتخرج يحفظه ويخطئ في حروفه، يهذّه هذّ الشعر، والتلميذ إذا حفظ الكلمة خطأ صعب تعديلها فيما بعد؛ لا سيما في هذه المرحلة - الابتدائية -.

وفقك الله وسدد خطاك وأعانك وسهل على الخير طريقك.

فهد بن إبراهيم السيف

عمروعبده 18-08-2010 12:30 AM

نظرات في ضعف الالتزام


نظرات في ضعف الالتزام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : هذا الموضوع يحتاجه السائر إلى الله تبارك وتعالى، وينبغي أن يكون محل اهتمام كل عبدٍ من عباد الله ؛ وذلك أن الإيمان يزيد وينقص، لاسيما في هذه الأزمان التي غلب عليها سمة الضعف لكثرة الملهيات والمشغلات ولكثرة الصوارف عن طريق الله المستقيم، لهذا وغيره من الأسباب أحببتُ أن أوصي نفسي وشباب الدعوة ورجالها بهذه الكلمات لعلّ الله أن ينفع بها، كما أسأله تبارك وتعالى أن يرزقنا إيماناً راسخاً، ولذة بالأنس به تبارك وتعالى .
وسوف يكون الكلام حول العناصر التالية :
أولاً : معنى الالتزام . وما يرادف الكلمة .
ثانياً : حقيقة الالتزام .
ثالثاً : لماذا الالتزام ؟ .
رابعاً : ضعف الالتزام :
* أسبابه * آثار ومظاهر ضعف الالتزام * علاج ضعف الالتزام .
وأسأل الله التوفيق والسداد .
أولاً : معنى الالتزام :
الالتزام في اللغة : من مادة لزم يلزم والفاعل لازم والمفعول به ملزوم ولزم الشيء يلزمه لزْما ولزوما ولازمه ملازمة ولزاما ، والتزم الشيء أي : لم يفارقه .
فمن معاني الالتزام : الاستمساك بالشيء وعدم تركه والالتصاق به وعدم مفارقته
ويعني الالتزام أيضا الاعتناق اهـ لسان العرب .
ومما يدل على مجيئه بمعنى الاستمساك والالتصاق ما جاء في مسلم في قصة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بدر فجاء أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من روائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك[1]
ومثله قول (التزمته) أي : في السلام والمعانقة ، ويأتي بمعنى التعهد والإيجاب على النفس في أي أمر من الأمور ويكون هنا لازماً ومتعدياً فتقول التزمت العهد والأمر والتزمت بالأمر وبالعهد .
أما معناه في الاصطلاح : فهو بحسب استعماله فينقل المعنى اللغوي إلى ما يراد الالتزام به والمراد به :الالتزام بالسنة والشريعة عقيدةً وعبادةً وأخلاقاً وسلوكاً .
ويقارب هذا اللفظ أو هذا المصطلح لفظ : (الاستقامة) ، لكنه أوسع وأشمل تضمناً لما يلتزم به . وإن كان الأخير هو اللفظ الوارد في الكتاب والسنة .
فمن كتاب الله قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) (فصلت: 30) .
وقوله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) (الأحقاف : 13) .
وقوله تبارك وتعالى : ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً )) (الجن : 16).
وقوله عز وجل : ((فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (هود : 112) .
ومن السنة ما جاء في صحيح مسلم من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي قال قلت يا رسول الله : (( قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا بعدك قال : قل آمنت بالله فاستقم )) [2].
وجاء في صحيح البخاري من حديث حذيفة - رضي الله عنه -قال: (( يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً )) [3].
ثانياً : حقيقة الالتزام :
الالتزام هو : حالة قلبية قولية علمية تحمل صاحبها على التزام الشرع والسنة والاستمساك بهما علماً وعملاً ودعوةً وتعليماً .
وباعثها : معرفة الله حق المعرفة وتقديره حق قدره وإجلاله في القلب وتعظيم أمره ونهيه ومعرفة آلائه ومننه وشهود التقصير والذنب .
ونلحظ هذه المعاني في دعاء الصالحين الملتزمين المستقيمين في دعاء سيد الاستغفار كما في حديث شداد بن أوس كما في البخاري ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )) [4] .
ثالثاً : لماذا الالتزام ؟
فإن الالتزام بالإسلام عقيدةً وعبادةً وسلوكاً ليس نفلاً أو خياراً من الخيارات التي هي أمام الشاب ، وليس الالتزام مرحلة انتقائية للشاب أن يتراخى في وصولها ، وليس الالتزام موجة عصرية تركب لمسايرة الركب دون استشعار لمعانيها .
وليس الالتزام مظهراً تكتسب به الثقة بين الناس والتمكين في قلوبهم ويكسبه شهادة حسن السيرة والسلوك، وليس هو ترنح بين مسلكين لإمساك العصا من الوسط وإظهار التباكي على الواقع بما فيه من مآسي وويلات، وما فيه من انحراف وتقصير، وليس الالتزام كذلك مجالاً للتنعم في الدنيا فيسلكه السالك ليكون مطمئن البال هادئ النفس مكفول المعيشة .
فالالتزام ليس شيئا مما سبق استقلالاً وابتداءً وإن كان بعض ما ذكر من آثاره ونتائجه .
وإنما الالتزام هو واجبُ الدين ومقتضى الإيمان وهو معنى تحقيق الشهادتين الشهادة لله بالعبودية والإخلاص لله تبارك وتعالى في جميع ما يفعل الإنسان وما يذر ،كما يستلزم
الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة والبلاغ الذي مقتضاها طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع وذلك يورث أعظم الثمرات في الدنيا والآخرة .
يقول ابن القيم رحمه الله: ( الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين ، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء، وهي تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والثبات. والاستقامة وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله ... قال: وسمعنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: ( أعظم الكرامة لزوم الاستقامة ) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب [5].
أيها الإخوة في الله :
إن أعظم أسس الالتزام والاستقامة التحقق بتلك المسائل التي سطرها يراع الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حين قال : اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :
الأولى : العلم وهو المعرفة أي : معرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة دين الإسلام بالأدلة .
الثانية : العمل به .
الثالثة : الدعوة إليه .
الرابعة : الصبر على الأذى فيه .
ثم قال - رحمه الله - : اعلم أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن :
الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا بل أرسل إلينا رسولا فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار والدليل قوله تعالى : ((إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً)) (المزّمِّل: 15)
الثانية : أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل والدليل قوله تعالى : (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً )) (الجن : 18) .
الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب والدليل قوله تعالى: (( لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (المجادلة : 22).
رابعاً : ضعف الالتزام أو الالتزام النسبي :
عرفنا أن مجال الالتزام وجهاته عدة :
الالتزام في الاعتقاد،
الالتزام في العبادة،
الالتزام في السلوك والتعامل وفي الأقوال والأفعال
الالتزام في التفكير،
الالتزام في الغرائز والعواطف
الالتزام في القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها
والمطلوب القيام بها جميعاً على نحو السداد والمقاربة ، كما جاء في صحيح البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل )) 6]].
والمرء دائماً بين شرة وفترة بين قوة واندفاع ، بين ضعف وفتور .
والخير في القوة والمسارعة في الأعمال الصالحة بلا شطط أوغلوا وإن عرض ضعف فضعف لا يخرج إلى ترك المأمور وفعل المحظور، وهو ضعف لا يلبث صاحبه أن يستعيد قواه مرة أخرى ليجدد نشاطه بدأً بتجديد الإيمان في القلب وإمرار الآيات الشرعية والكونية على القلب والروح وانتهاء بالنشاط في جميع المجالات والأمور .
فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة -أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل فقال: ((يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل ))[[7].
والذي يعرض للالتزام ويشوبه أحد شيئين وقبل ذكرها أشير إلى أن المعني هنا بالملتزم الذي تعرض له مثل هذه الأمور وهو مسلم الاختيار وهو الذي حصلت له استقامة وهداية وتربية وصلاح بسبب خاص أو عام خطبة أو محاضرة أو موعظة أو صحبة أو حدث معين أو مجموع هذه الأمور كلها الملتزم هم أولئك الشباب الأخيار الذين انخرطوا في سلك الدعوة والتربية وتهيأت لهم مجالاتها أكثر من غيرهم وتنتظر منهم الأمة عملاً وإنتاجاً وقيادةً وتربيةً للأجيال القادمة ... ويدخل في هؤلاء أيضا قطاع كبير ممن التزم الاستقامة من غير طبقة الشباب وقام على نفسه وأولاده ونحوهم بالتربية والتنشئة الطيبة .
بعد هذا نعود إلى ما يعرض للالتزام وهما أمران :
الأمر الأول : أن يكون التزامه في البداية ناقصاً أو مقصوراً على بعض المجالات السابقة كأن يكون قوي الالتزام في العبادات مثلاً ، لكنه ضعيف أو عديم الالتزام في السلوك والتعامل مع الآخرين سيء الأخلاق .
أو يكون ملتزماً ببعض الجوانب كالعبادات الظاهرة والشكل الخارجي لكنه ضعيف الالتزام في رصيدها من أعمال القلوب من جهة العلم والمعرفة واللهج بذكر الله تبارك وتعالى .أو يكون غير ملتزم بالأمور المالية ومسائل الأمانات وهذا أمر موجود وهو باب واسع وكثير من الناس يعتريهم هذا الأمر وهو من نتائج ضعف الإيمان و الكلام فيه طويل و نكتفي منه بذلك .
الأمر الثاني : الضعف الطارئ على جميع ما يجب الالتزام به أو على بعضه وذلك بعد أو وصول المرء في الالتزام والخير إلى درجات عالية من التدين والاستقامة حيث درّب نفسه وروضها على معالي الأمور وحاسب نفسه عليها وتابع فيها أحواله ثم لما كان في مرحلة يظن فيه الازدياد والتقدم بدأ يحصل له شيء من الضعف والاسترخاء والتراجعات الموحشة وكما سبق لا نعني بالضعف الوقتي الذي لا يلبث صاحبه أن يرجع ويجدد يقينه وإيمانه ويحاسب نفسه عليها فهذه نوع من الضعف البشري والغفلة التي لا يسلم منها أحد كما قال صلى الله عليه وسلم "إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم مائة مرة [8].
وهذا وإن كان ضعفاً في الالتزام لكن يُرجى زواله بإذن الله مع ملاحظة النفس ومحاسبتها ولكن الذي يقلق كثيرا ذلك الضعف المسيطر الدائم الذي صاحبه لا تنقم عليه فيه مظهر ولا في شعور فياض في أهمية إصلاح الأمة ودعوتها ولكنك لا تحصل منه على نموذج حيّ فاعل ولهذا ترى الكثرة الكاثرة في صفوف الصحوة وكثير منهم يمر بمرحلة الغثائية
وأسباب ذلك كثيرة وأهمها في نظري ضعف الالتزام وخصوصا الالتزام القلبي العبادي .
أ - مظاهر ضعف الالتزام:
* الاستعجال والتسرع في طلب النتائج في المعنويات والماديات .
* قلة التحمل والصبر على البلاء والمصائب .
* ندرة القيادات والكفاءات في شيء من المجالات .
* الإتكالية والاعتماد على الغير .
* إلقاء التبعة والمسؤولية على الغير أياً كان .
* التخلي عن المسؤولية بل والابتعاد عن مواطنها .
هذه مظاهر عامة أما المظاهر الخاصة بالشخص فمنها :
* الضعف في أداء العبادات وإقامتها والفرح بالانتهاء منها .
* التوسع في المباحات إلى حد التزيد والإسراف فيها .
* التوسع في التأويلات والتوريات لحاجة وغير حاجة بل والكذب أحياناً.
* الإكثار من الجدل والترك العمل .
* الانتصار للنفس والعناد .
* حب الظهور والمدح بين الناس .
* إطلاق العنان للظنون بالناس وخاصة رفقاء الدرب وصفوة الصحبة .
* الانهماك في المغريات وعدم الثبات أمام مطامع الحياة الدنيا .
* التدخل فيما لا يعني .
* محاولة إضاعة الوقت أو التشاغل عنه بما لا يفيد مع إقناع النفس أنه في عمل صالح
ب - أسباب ضعف الالتزام ومنها :
* ضعف عبودية القلب ومنه ينشأ كل ضعف وضمور :
فيضعف الإخلاص والتجرد وتضعف المراقبة لله في قلب المؤمن ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم )) [9].
وقال عليه الصلاة والسلام : ((إنما القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن)) \[10].
وفي رواية : (( مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة يقلبها الريح ظهراً لبطن )) [11].
وهو شديد التقلب كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ((لقلب ابن آدم أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً )) [12].
وفي رواية : ((أشد تقلباً من القدر إذا اجتمعت غلياناً)) [13].
والله سبحانه وتعالى هو مقلب القلوب ومصرفها كما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك )) [14].
* البعد عن تدبر كلام الله : قال تعالى : ((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً )) (النساء : 82) .
وقوله تعالى : ((أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ)) (المؤمنون : 68) .
* البعد عن الاعتبار بالآيات الكونية والاعتبار بالحوادث السالفة واللاحقة قال عز وجل: ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) (غافر: 82) .
(( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) (الأنعام : 11) .
((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (فصلت: 53).
* عدم فقه ودراسة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى .
* التعلق بالدنيا، وقد حذرنا ربنا تبارك وتعالى من التعلق والركون للدنيا فقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)) (فاطر: 5) .
* البيئة المحيطة من البيت والشارع والأصدقاء .
* الاستجابة للوساوس والشبهات الشيطانية .
* الحماس الشديد والاندفاع غير المنضبط في بداية الاستقامة .
* الوهم والتخيلات الباطلة من تبعات الالتزام والاستقامة وتخذيل البعض من رفقاء السوء وتخويفه من العواقب والحرمان من المجالات .
* بعض الأحداث المحلية أو العالمية أو تخلف بعض التوقعات والتحليلات فتكون سببا لانتكاسته وزهده في الدعوة وروادها لمثل هذا السبب .
ج - علاج ضعف الالتزام :
مراجعة الأسباب والعلم بأضدادها .
ومن أنواع العلاجات النافعة، أذكر منها ما يلي :
1- الجدية في الالتزام وتربية النفس على الجد والحزم في التمسك والأخذ بهذا الدين ، قال تعالى: ((يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)) (مريم : 12) .
وقال تعالى : ((وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)) (الأعراف : 145) .
2- دعاء الله والاستعانة به تبارك وتعالى: فالله سبحانه وتعالى بيده ملكوت كل شيء ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ثمّ إن الله تبارك وتعالى قريب سميع مجيب الدعوات .
قال سبحانه : ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) (البقرة : 186) .
3- معرفة حقيقة الدنيا : وأن مصيرها إلى الزوال والفناء ، وأن كل هذه الشهوات تفنى وتنتهي وتزول إلا ما كان خالصاً لوجه الله الكريم ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) (الرحمن : 26 ، 27 ) .
وقد حذرنا الله تبارك وتعالى من النظر إلى زينة الحياة رغبةً فيها ، كما أوضح الله لعباده حقيقة هذه الدار الفانية فقال تعالى : ((لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)) (آل عمران : 197،196) .
وقال تبارك وتعالى موصياً نبيه محمد عليه الصلاة والسلام : ((لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)) (الحجر: 88) .
وقال تعالى محذراً لعباده من الافتتان بالدنيا: ((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (يونس : 24) .
4- تذكر الموت، وما بعد الموت من شدائد وأهوال : فهذا الأمر يجعل العبد والسائر إلى الله دائماً ما يتذكر ما أعده الله لأهل طاعته فيجتهد، ويتذكر ما أعده الله لأهل معصيته فيخاف ويبتعد، لذا أمر عليه الصلاة والسلام بتذكر الموت، وأمر أصحابه وأمته بزيارة المقابر ففي سنن الترمذي من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت)) .
وفي صحيح مسلم من حديث ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) .
5- مخالفة الهوى : وقد بين لنا ربنا حقيقة النفس فقال : ((إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) ( يوسف:53) .
فالنفس قد تكون طاغوتًا يعبد من دون الله دون أن يدري الإنسان منا ، قال تعالى: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )) (الجاثية :23) .
لذلك قال تعالى في عاقبة من يخالف نفسه في هواها ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )) (النازعات :40-41) .
6- تعاهد النفس على الأعمال الصالحة : من الإكثار من تلاوة القران، وكثرة ذكر الله تبارك وتعالى، والحرص على الصدقة، وعلى صلة الأرحام والأقارب، وقيام الليل، والمداومة على السنن الرواتب، وطلب العلم الشرعي، ومساعدة الفقراء وذوي الحاجة والفاقة، وتدبر كتاب الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وصلاة الضحى التي هي صلاة الأوابين التائبين، وصوم التطوع - وهذا بابه واسع - ، والذهاب للعمرة، وتعلق القلب بالله تبارك وتعالى، وببيوت الله تعالى، إلى غير تلك الأعمال .
المهم لا بد من الإكثار من القربات والتطوعات والأعمال الصالحة، ولا يصح إيمان بلا عمل .
قال الحسن البصري - وقد صح عنه موقوفًا وهو ضعيف مرفوعاً - : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، وإن قومًا خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا : نحسن الظن بالله . وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحه صدقة وكل تحميده صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) .
وهكذا العبد فلا يزال يترقى في درجات العبادة والتعبد لله تبارك وتعالى حتى يصل لمنزلة عالية القدر، رفيعة المكانة عند الرب تبارك وتعالى.
ومما جاء في ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)) .
ويقول سبحانه وتعالى : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) (النحل : 97) .
7- البحث عن البيئة الصالحة : وهذه البيئة هي التي تعين بعد فضل الله وتوفيقه على الثبات .
ولا أدلّ على هذا المعنى من قصة قاتل المائة التي قصّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا قصتهم .
ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجل *** تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه *** تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة ؟ فقال لا ف***ه فكملّ به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجل عالم فقال إنه *** مائة نفس فهل له من توبة ؟ فقال : نعم ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء . فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب . فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلا بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي حكماً - فقال : قيسوا ما بين الأرضيين فإلى آيتهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة)) [15].
وفي رواية في الصحيحين : ((فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها )) .
وفي رواية في الصحيحين : ((فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي وقال قيسوا ما بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له )).
وفي رواية عند البخاري في صحيحة (( فنأى بصدره نحوها)) .
8- عدم التسويف في الأعمال الصالحة والمبادرة الفورية للصالحات :
قال الله تعالى: ((فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)) (البقرة 148) .
وقال تعالى: ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)) (آل عمران 133).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم : يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا )) .
9- ضبط النفس في الأمور المباحة : وعدم إغراق النفس في المباحات والتوسع فيها
فالتوسع في الأمور المباحة يشغل العبد عن مراده من عمارة الكون بطاعة الله تبارك وتعالى .
فالدنيا متاع : (( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)) (غافر : 39 ) .
ويقول ابن القيم - رحمه الله - متحدثا عن عقبات الشيطان ومنها : (عقبة المباحات التي لا حرج على فاعلها فشغله بها عن الاستكثار من الطاعات وعن الاجتهاد في التزود لمعاده ثم طمع فيه أن يستدرجه منها إلى ترك السنن ثم من ترك السنن إلى ترك الواجبات وأقل ما ينال منه تفويته الأرباح والمكاسب العظيمة والمنازل العالية ولو عرف السعر لما فوت على نفسه شيئا من القربات ولكنه جاهل بالسعر ، فإن نجا من هذه العقبة ببصيرة تامة ونور هاد ومعرفة بقدر الطاعات والاستكثار منها وقلة المقام على الميناء وخطر التجارة وكرم المشتري وقدر ما يعوض به التجار فبخل بأوقاته وضنّ بأنفاسه أن تذهب في غير ربح) [16].
10- قصر الأمل .
11- عدم احتقار الصغائر من الذنوب : ففي مسند أحمد من حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعنّ على الرجل حتى يهلكنه ، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها)) .
قال ابن الجوزي - رحمه الله -: ( كثير من الناس يتسامحون في أمور يظنونها قريبة و هي تقدح في الأصول كاستعارة طلاب العلم جزءاً لا يردونه، وقصد الدخول يتسامحون على من يأكل ليأكل معه، والتسامح بعرض العدو التذاذاً بذلك واستصغاراً لمثل هذا الذنب، وإطلاق البصر استهانة بتلك الخطيئة وأهون ما يصنع ذلك بصاحبه أن يحطه من مرتبة المتميزين بين الناس، أو فتوى من لا يعلم لئلا يقال : هو جاهل و نحو ذلك مما يظنه صغيرا وهو عظيم [17].
قال بعض السلف: ( تسامحت بلقمة فتناولتها فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف ) انتهى .
هذا وأسأل الله أن يحي فساد قلوبنا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهّاب .
وصلى الله وسلم على محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .

ايه كمال 22-08-2010 10:52 PM


MR : ABO BATTA 27-08-2010 05:41 PM

جزاكم الله خيرا
موضوع رائع

علاء كامل علي 02-09-2010 05:04 PM

بارك الله فيكم وجزاكم خيرا ووفقكم الي الخير دائما

أخوكم / علاء الاسلام

وائل محرز النقيب 09-03-2011 03:12 PM

عمل رائعععععععععععععععععععععععع
جزاك الله خيرا

محمد الكريم 06-01-2012 12:50 AM

ربنا يزيدك علم ويكرمك كمان وكمان

طلال سلومه 30-10-2012 10:36 PM

كلمات الشكر قليلة جدا فى حقك أخى الفاضل عمرو

تلك وجبة دسمة لطرق التربية الصحيحة جزاك الله كل الخير

واسمح لى أن أحول بعضها لمستندات وورد منسقة للطباعة وعمل بعضها لمطويات حتى تعم الفائدة

بأذن الله تعالى سيتم طرح ذلك قريبا

محمد محمود بدر 31-10-2012 12:25 AM

جزاك الله خير ا وشكرا على الموضوع

البطل السيناوي 03-10-2013 02:20 AM

جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥

بنت الأزهـر 06-10-2013 09:21 PM

جزاك الله خيرا. تحتاج للقراءة بتدبر لي عودة بإذن الله.

الربيع المصري 21-10-2013 09:38 PM

جزيت خيرا على مل قدمته وما ستقدمه

أمير عرش الدموع 15-02-2014 12:53 AM

مشكوووووووووووور

أ/رضا عطيه 01-04-2014 05:35 PM

شكرااااااااااااااااااا

مندو عثمان 11-04-2014 07:26 PM

شكرا على الموضوع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:07 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.