بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 01-12-2013 10:39 AM

وسائل النَّجاة مِن كيد الكائدين

1- الصَّبر والتَّقوى:
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران: 120].
2-إخفاء النِّعمة التي رزقك الله بها عن أعين الحاسدين:
كما قال يعقوب ليوسف -عليهما السَّلام-: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يوسف: 5].
3- دعاء الله عزَّ وجلَّ بصدق وإخلاص:
كما قال يوسف -عليه السَّلام-: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف: 33-34].
4- التَّوكُّل على الله عزَّ وجلَّ:
قال تعالى عن نبيِّه هود -عليه السَّلام- وقومه: إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [هود: 54–56].

محمد رافع 52 01-12-2013 10:41 AM

عاقبة مَن يصبر على كيد الكائد

قال ابن القيِّم: (يوسف الصِّدِّيق كان قد كِيد غير مرَّة، أوَّلها أنَّ إخوته كادوا به كيدًا، حيث احتالوا به في التَّفريق بينه وبين أبيه، ثمَّ إنَّ امرأة العزيز كادته بما أظهرت أنَّه راودها عن نفسها، ثمَّ أودع السِّجن، ثمَّ إنَّ النِّسوة كادوه حتى استعاذ بالله مِن كيدهنَّ، فصرفه عنه، وقال له يعقوب: لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا، وقال الشَّاهد لامرأة العزيز: إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف: 28]. وقال تعالى في حق النِّسوة: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ [يوسف: 34]. وقال للرَّسول: قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50]. فكاد الله له أحسن كيدٍ وألطفه وأعدله، بأن جمع بينه وبين أخيه، وأخرجه مِن أيدي إخوته بغير اختيارهم، كما أخرجوا يوسف مِن يد أبيه بغير اختياره، وكاد له عوض كيد المرأة بأن أخرجه مِن ضيق السِّجن إلى فضاء الملك، ومكَّنه في الأرض يتبوَّأ منها حيث يشاء، وكاد له في تصديق النِّسوة اللَّاتي كذَّبنه وراودنه حتى شهدن ببراءته وعفَّته، وكاد له في تكذيب امرأة العزيز لنفسها، واعترافها بأنَّها هي التي راودته، وأنَّه مِن الصَّادقين، فهذه عاقبة مَن صبر على كيد الكائد له بغيًا وعُدْوَانًا) .

محمد رافع 52 01-12-2013 10:44 AM

كيد الشَّيطان

1- كيده لنفسه:
(أمَّا كيده لنفسه: فإنَّ الله -سبحانه- لما أمره بالسُّجود لآدم -عليه السَّلام- كان في امتثال أمره وطاعته سعادته وفلاحه وعزُّه ونجاته، فسوَّلت له نفسه الجاهلة الظَّالمة: أنَّ في سجوده لآدم -عليه السَّلام- غضاضة عليه وهضمًا لنفسه؛ إذ يخضع ويقع ساجدًا لمن خُلِق مِن طين، وهو مخلوق مِن نار، والنَّار -بزعمه- أشرف مِن الطِّين، فالمخلوق منه خيرٌ مِن المخلوق منها، وخضوع الأفضل لمِن هو دونه غضاضةٌ عليه، وهضمٌ لمنزلته، فلمَّا قام بقلبه هذا الهوس، وقارنه الحسد لآدم لـمَّا رأى ربَّه -سبحانه- قد خصَّه به مِن أنواع الكرامة، فإنَّه خَلَقَه بيده، ونفخ فيه مِن روحه، وأسجد له ملائكته، وعلَّمه أسماء كلِّ شيء وميَّزه بذلك عن الملائكة... ثمَّ قرَّر ذلك بحجَّته الدَّاحضة في تفضيل مادَّته وأصله على مادَّة آدم -عليه السَّلام- وأصله، فأنتجت له هذه المقدمات إباءَه وامتناعه مِن السُّجود، ومعصيته الرَّبَّ المعبود) .
2- كيده للأبوين آدم وحوَّاء:
قال ابن القيِّم: (وأمَّا كيده للأبوين فقد قصَّ الله -سبحانه- علينا قصَّته معهما، وأنَّه لم يزل يخدعهما ويَعِدُهما ويمنِّيهما الخلود في الجنَّة، حتى حلف لهما بالله جهد يمينه: إنَّه ناصح لهما، حتى اطمأنَّا إلى قوله وأجاباه إلى ما طلب منهما، فجرى عليهما مِن المحنة والخروج مِن الجنَّة ونَزْع لباسهما عنهما ما جرى، وكان ذلك بكيده ومكره الذي جرى به القلم وسبق به القَدَر، وردَّ الله -سبحانه- كيده عليه، وتدارك الأبوين برحمته ومغفرته، فأعادهما إلى الجنَّة على أحسن الأحوال وأجملها، وعاد عاقبة مكره عليه ولا يحيق المكْر السَّيِّئ إلَّا بأهله) .
3- كيده لأحد وَلَدَي آدم:
قال ابن القيِّم: (ثمَّ كاد أحدَ وَلَدَي آدم، ولم يزل يتلاعب به حتى *** أخاه، وأسخط أباه، وعصى مولاه، فسنَّ للذرِّية *** النُّفوس، وقد ثبت في الصَّحيح عنه أنَّه قال: ((ما مِن نفس تُقْتَل ظُلْمًا إلَّا كان على ابن آدم الأوَّل كِفْلٌ مِن دمها؛ لأنَّه أوَّل مَن سنَّ ال***)) فكاد العدوُّ هذا القاتل بقطيعة رحمه، وعقوق والديه، وإسخاط ربِّه، ونقص عدده، وظُلْم نفسه، وعرَّضه لأعظم العقاب، وحَرَمَه حظَّه مِن جزيل الثَّواب) .
4- كيده بتزيين عبادة غير الله:
لم يقتصر كيده على نفسه ولا على آدم وحوَّاء، حتى كاد ذريَّة نفسه وذريَّة آدم، فكان مشؤومًا على نفسه وعلى ذريَّته وأوليائه وأهل طاعته مِن الجنِّ والإنس .
وكان أوَّل ما كاد به عبادة الأصنام مِن جهة العكوف على القبور وتصاوير أهلها ليتذكَّروهم بها، كما قصَّ الله -سبحانه- قصصهم في كتابه، فقال: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح: 23]، قال البخاريُّ في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: هذه أسماء رجال صالحين مِن قوم نوح، فلمَّا هلكوا أوحى الشَّيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعْبَد حتى إذا هلك أولئك ونُسِخَ العِلم عُبِدت .

محمد رافع 52 01-12-2013 10:46 AM

غاية كيد الشَّيطان

غاية كيد الشَّيطان الوسوسة، فإنَّ شيطان الجِنِّ إذا غُلِب وسوس، وشيطان الإنس إذا غُلِب كذب، والوسواس يعرض لكلِّ مَن توجَّه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، لا بدَّ له مِن ذلك، فينبغي للعبد أن يَثْبُت ويصبر، ويلازم ما هو فيه مِن الذِّكر والصَّلاة، ولا يضجر، فإنَّه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشَّيطان، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النَّساء: 76] .
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال ((إنَّ أحدنا ليجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلَّم به، فقال: الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة)) .

محمد رافع 52 01-12-2013 10:49 AM

الحكم والأمثال في المكْر

- امكر وأنت في الحديد !
- ضرب أخماس لأسداس.
يضرب مثلًا للمُمَاكَرة والخِدَاع، وأصله في إوراد الإبل، وهو أن يُظْهِر الرَّجل أن وِرْدَه سدس وإنَّما يريد الخمس .
وأنشد ابن الأعرابي:

وذلك ضرب أخماس أريدت *** لأسداس عسى ألَّا تكونا


ويقال للذي لا يعرف المكْر والحيلة: إنَّه لا يعرف ضرب أخماس لأسداس؛ وذلك إذا لم يكن له دهاء .
- رُبَّ حيلة كانت على صاحبها وبيلة.
- رُبَّ حيلة أهلكت المحتال.
- مَن حفر مُغَوَّاة وقع فيها .

محمد رافع 52 01-12-2013 10:55 AM

ذم الكَيْد والمكْر في واحة الشِّعر

قال الشَّاعر:

لم يبقَ في النَّاسِ إلَّا المكرُ والملَقُ *** شوكٌ إذا اختبروا زهرٌ إذا رمقوا



فإن دعاك إلى ائتلافِهم قَدَرٌ *** فكن جحيمًا لعلَّ الشوكَ يحترقُ


وقال آخر:

وكم مِن حافرٍ لأخيه ليلًا *** تردَّى في حفيرتِه نهارًا


وقال تقي الدِّين الهلالي:

وليس يحيقُ المكْرُ إلَّا بأهلِه *** وحافرُ بئرِ الغَدْرِ يسقطُ في البئرِ


وكم حافرٍ لحدًا ليدفنَ غيرَه *** على نفسِه قد جَرَّ في ذلك الحفرِ


وكم رائشٍ سهمًا ليصطادَ غيرَه *** أُصِيب بذاك السَّهمِ في ثغرة النَّحرِ

وقال أبو عبد الله محمد بن عثمان المعروف بابن الحداد:

فلا مهجة إلَّا إليك نزاعُها *** وما زال يُطوى عن سواك لها كَشْحُ



وليس يحيقُ المكْرُ إلَّا بأهلِه *** وكم موقدٍ يغشاه مِن وقدِه لفحُ


وقال آخر:

لا تأمننَّ كيدَ العدوِّ *** فأمنُ كيدِهم غرَرْ



كنْ منه إن كان القويَّ *** أو الضَّعيفَ على حذرْ


وقال أبو هلال العسكري: أحسن ما قيل في الكَيْد والحرب قول أبي تمَّام:

هززتَ له سيفًا مِن الكَيْد إنَّما *** تُجذُّ به الأعناقُ ما لم يجرَّدِ



يسرُّ الذي يسطو بهِ وهو مغمدٌ *** ويفضحُ مَن يسطو به غيرَ مُغَمدِ


يقول: إن أخفيت الكَيْد ظفرت وسُرِرْت، وإن أظهرته افتُضِحْتَ وخِبْت .

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:A...LwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52 01-12-2013 10:58 AM

نقض العهد
معنى نقض العهد لغةً واصطلاحًا
معنى النقض:
النقض ضد الإبرام، وهو إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء، نقض الشَّيء نقضًا أفسده بعد إحكامه، يُقال: نقض البناء. هدمه، و: نقض الحبل أو الغزل. حلَّ طاقاته. والنقيض: المنقوض، وأصل هذه المادة يدلُّ على نكث شيء .
وقال الرَّاغب: (النَّقض: انتثار العقد من البناء والحبل والعقد، وهو ضدُّ الإبرام، ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد) .
معنى العهد لغةً:
العهد: الوصية، والأمان، والموثق، والذمة، ومنه قيل للحربي يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وقد عَهِدْتُ إليه، أي أوصيته، ومنه اشتُقَّ العَهْدُ الذي يكتب للوُلاةِ، وأصل هذه المادة يدل على الاحتفاظ بالشَّيء .
معنى العهد اصطلاحًا:
قال الجرجانيُّ: (العهد: حفظ الشَّيء ومراعاته حالا بعد حال. هذا أصله ثمَّ استخدم في الموثق الذي يلزم مراعاته) .
معاني العهد:
ويأتي العهد على عدة معان، وهي :
1- العهد: الموثق واليمين يحلف بها الرجل والجمع كالجمع، تقول: علي عهد الله وميثاقه، وقيل: ولي العهد، لأنه ولي الميثاق الذي يؤخذ على من بايع الخليفة.
2- والعهد: الوصية، يقال عهد إليَّ في كذا: أوصاني.
3- والعهد: التقدم للمرء في الشيء، ومنه العهد الذي يكتب للولاة، والجمع: عهود، وقد عهد إليه عهدًا.
4- والعهد: الوفاء والحفاظ ورعاية الحرمة.
5- والعهد: الأمان، قال شمر: العهد الأمان، وكذلك الذمة، تقول: أنا أعهدك من هذا الأمر، أي: أؤمنك منه، ومنه اشتقاق العهدة.
6- والعهد: الالتقاء، وعهد الشيء عهدًا عرفه، وعهدته بمكان كذا أي لقيته وعهدي به قريب.
7- والعهد: ما عهدته فثافنته، يقال: عهدي بفلان وهو شاب، أي: أدركته فرأيته كذلك.
8- والعهد: المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه، ويقال له: المعهد - أيضًا- وكذلك المنزل المعهود به الشيء يقال له: العهد، قال ذو الرمة:
هل تعرف العهد المحيل رسمه
9- والعهد: أول مطر، والولي الذي يليه من الأمطار، وفي الصحاح: العهد: المطر الذي يكون بعد المطر، وقد عهدت الأرض فهي معهودة أي: ممطورة.
10- والعهد: الزمان، كالعهدان بالكسر.
11- والعهد: التوحيد.
12- والعهد: الضمان.
معنى نقض العهد اصطلاحًا:
هو عدم الوفاء بما أعلن الإنسان الالتزام به، أو قطعه على نفسه من عهد أو ميثاق، سواء فيما بينه وبين الله تعالى، أو فيما بينه وبين النَّاس .

محمد رافع 52 01-12-2013 11:00 AM

الفرق بين العهد والنقض وبعض الكلمات

- الفرق بين العهد والوعد:
قيل: العهد ما يكون من الجانبين، وأمَّا ما يكون من جانب فوعد، ونقضه خلف وعد .
- الفرق بين النَّقض والخيانة:
أنَّ الخيانة تقتضي نقض العهد سرًّا، أمَّا النَّقض فإنَّه يكون سرًّا وجهرًا، ومن ثمَّ يكون النَّقض أعمُّ من الخيانة ويرادفه الغدر، وضدُّ الخيانة الأمانة، وضدُّ النَّقض: الإبرام .

محمد رافع 52 05-12-2013 12:02 PM

ذم نقض العهد والنهي عنه
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة: 12].
قال السدي: (إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام وطعنوا فيه، فقاتلوهم) ((جامع البيان)) للطبري .
وقال القرطبيُّ: (إذا حارب الذمي نقضَ عهدَه، وكان ماله وولده فيئًا معه) ((الجامع لأحكام القرآن)) .
وقال الرازي: (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم أي: نقضوا عهودهم) ((مفاتيح الغيب)) .
- وقوله تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة: 27].
قال الطبري: (وما يضلُّ به إلا التاركين طاعة الله، الخارجين عن اتباع أمره ونهيه، الناكثين عهود الله التي عهدها إليهم في الكتب التي أنزلها إلى رسله، وعلى ألسن أنبيائه باتباع أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به، وطاعة الله فيما افترض عليهم في التوراة من تبيين أمره للناس، وإخبارهم إياهم أنهم يجدونه مكتوبًا عندهم، أنه رسول من عند الله مفترضة طاعته. وترك كتمان ذلك لهم ونكثهم ذلك، ونقضهم إياه هو مخالفتهم الله في عهده إليهم، فيما وصفت أنه عهد إليهم، بعد إعطائهم ربهم الميثاق بالوفاء بذلك، كما وصفهم به جلَّ ذكره) ((جامع البيان)) للطبري .
وقال السدي: (هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به، ثم كفروا فنقضوه) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير.
وقال السعدي: (وهذا يعمُّ العهد الذي بينهم وبينه، والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق؛ بل ينقضونها، ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه؛ وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق) ((تيسير الكريم الرحمن)) .
- وقال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 155].
قال ابن كثير: (وهذه من الذنوب التي ارتكبوها، مما أوجب لعنتهم، وطردهم، وإبعادهم عن الهدى، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم) ((تفسير القرآن العظيم)) .
قال ابن عباس: (هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه) رواه الطبري في ((تفسيره)) .
قال الزمخشري: (وأما التوكيد فمعناه تحقيق أنَّ العقاب، أو تحريم الطيبات، لم يكن إلا بنقض العهد، وما عطف عليه من الكفر و*** الأنبياء وغير ذلك) ((الكشاف)) .
قال الخازن: (فبسبب نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم، وسخطنا عليهم، وفعلنا بهم ما فعلنا) ((لباب التأويل في معاني التنزيل)) .
- وقَوْله تَعَالَى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13].
قال الطبري: (معنى الكلام: فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلَّ سواء السبيل، فنقضوا الميثاق، فلعنتهم، فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم، فاكتفى بقوله: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ من ذكر فنقضوا) ((جامع البيان )) .
قال ابن كثير: (أي: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعنَّاهم، أي: أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى) ((تفسير القرآن العظيم)) .
- وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 10].
قال ابن كثير: (إنَّما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غنيٌّ عنه) ((تفسير القرآن العظيم)) .
قال السمرقندي: (فمن نكث يعني: نقض العهد، والبيعة فإنَّما ينكث على نفسه يعني: عقوبته على نفسه) ((بحر العلوم)) .
وقال ابن عطية: (أنَّ من نكث يعني من نقض هذا العهد، فإنَّما يجني على نفسه، وإيَّاها يهلك، فنكثه عليه لا له) ((المحرر الوجيز)) .
- وقال الله تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ [النحل: 92] الآية.
وقال ابن عطية في تفسير هذه الآية: (شبهت هذه الآية الذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقدة، بالمرأة التي تغزل غزلها وتفتله محكمًا، وشبه الذي ينقض عهده بعد الإحكام، بتلك الغازلة إذا نقضت قوى ذلك الغزل فحلته بعد إبرامه) ((المحرر الوجيز)) .

محمد رافع 52 05-12-2013 11:50 PM

ثانيًا: في السنة النبوية

- عن علي رضي الله عنه قال: (ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم... ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل) .
وفي رواية مسلم: ((ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) .
قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: ((ذمَّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)). المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أنَّ أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمَّنه به أحد المسلمين، حرُم على غيره التعرُّض له، ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)). معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرَّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته) .
وقال ابن حجر: (قوله: ((ذمَّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرُّض له... وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولَّاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أنَّ ذمَّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمَّن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمَّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة، والحرَّ والعبد؛ لأنَّ المسلمين كنفس واحدة... وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمَّنته، وأخفرته نقضت عهده) .
قال ابن تيمية: (جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود، والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر، ونقض العهود، والخيانة، والتشديد على من يفعل ذلك)
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته)) .
قال ابن رجب: (... ((فلا تخفروا الله في ذمته)). أي: لا تغدروا بمن له عهد من الله ورسوله، فلا تفوا له بالضمان، بل أوفوا له بالعهد) .
وقال القاري: (أي: لا تخونوا الله في عهده، ولا تتعرَّضوا في حقِّه من ماله، ودمه، وعرضه، أو الضمير للمسلم أي: فلا تنقضوا عهد الله) ، (ولا تخونوه بانتهاك حقوقه، فإنَّ أي اعتداء عليه هو خيانة لله ورسوله، ونقض لعهدهما، وإهدار لكرامة الإسلام) .

محمد رافع 52 05-12-2013 11:55 PM

أقوال السلف والعلماء في نقض العهد

- قال ابن حجر: (الغدر حرمته غليظة، لا سيَّما من صاحب الولاية العامَّة؛ لأنَّ غدره يتعدَّى ضرره إلى خلق كثير؛ ولأنَّه غير مضطرٍّ إلى الغدر لقدرته على الوفاء) .
- وقال ابن كثير: (إنَّ من صفات المنافقين، أنَّ أحدهم إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدَّث كذب، وإذا ائتمن خان؛ ولذلك كان حال هؤلاء الأشقياء، ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون، كما أنَّهم اتَّصفوا بخلاف صفاتهم في الدُّنيا، فأولئك كانوا يوفون بعهد الله، ويصلون ما أمر الله به أن يوصل، وهؤلاء ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) .
- وقال محمد بن كعب القرظيُّ رحمه اللّه تعالى: (ثلاث خصال مَن كُنَّ فيه كُنَّ عليه: البَغْي، والنُّكْث، والمكر. وقرأ: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم [يونس: 23]، فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10]) .
- وصف أعرابيٌّ قومًا فقال: (أولئك قوم أدَّبتهم الحكمة، وأحكمتهم التَّجارب، ولم تغررهم السَّلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التَّسويف الذي قطع النَّاس به مسافة آجالهم، فقالت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال، كان يقال: آفة المروءة خلف الوعد) .
- (دخل بعض السلف على مريض مكروب فقال له: عاهد الله على التوبة، لعله أن يقيلك صرعتك. فقال: كنت كلَّما مرضت عاهدت الله على التوبة فيقيلني، فلما كان هذه المرة ذهبت أعاهد كما كنت أعاهد، فهتف بي هاتف من ناحية البيت: قد أقلناك مرارًا فوجدناك كذَّابًا. ثم مات عن قريب) .
- وتاب بعض من تقدم ثم نقض فهتف به هاتف بالليل:

سأترك ما بيني وبينك واقفًا *** فإن عدت عدنا والوداد مقيم



تواصل قومًا لا وفاء لعهدهم *** وتترك مثلي والحفاظ قديم


- وقال أبو العالية: (ستُّ خصال في المنافقين، إذا كانت فيهم الظَّهرة على النَّاس أظهروا هذه الخصال: إذا حدَّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظَّهرة عليهم أظهروا الخصال الثَّلاث: إذا حدَّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا) .

محمد رافع 52 06-12-2013 12:00 AM

آثار نقض العهد

كما أنَّ الوفاء بالعهد والميثاق له آثاره النافعة، فإنَّ نقض العهد والميثاق يترك آثارًا ضارة يقع ضررها على الفرد والمجتمع، ومن هذه المضار :
1- كفر من نقض عهد الله:
قرن الله سبحانه وتعالى بين الكفر ونقض العهد في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ولا شك في كفر من نقض عهده مع الله وأخلَّ بميثاقه الذي أخذه عليه، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ [البقرة: 93].
2- الخسران:
الخسران عاقبة من نكث بعهده ونقض ميثاقه، قال تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة: 27].
قال ابن حجر: (كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النَّبي صلى الله عليه وسلم- أن غزاهم المسلمون، حتَّى فتحوا مكَّة، واضطرُّوا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزَّة والقوَّة في غاية الوهن، إلى أن دخلوا في الإسلام، وأكثرهم لذلك كاره) .
3- اللعن وقسوة القلوب والطبع عليها:
قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً [المائدة: 13].
4- الإغراء بالعداوة والبغضاء:
لما نقض النصارى الميثاق والعهود وبدَّلوا دينهم، وضيَّعوا أمر الله، أورثهم الله العداوة والبغضاء، قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 14].
5- تحريم الطيبات:
عندما نقض بنو إسرائيل الميثاق، حرَّم الله عليهم الطيبات، قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا [النساء: 160].
6- ال*** والتشريد:
فنقضُ المواثيق يؤدي إلى ال*** والتشريد، قال تعالى: الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأنفال: 56-57].
7- الضلال عن سواء السبيل:
لما كفر بنو إسرائيل بالله، وخانوا مواثيقه، أضلَّهم الله عن الطريق المستقيم، قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ [المائدة: 12]. ثم قال في آخر الآية بعد تفصيل الميثاق: فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة: 12].
8- الخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة:
لما ذكر الله تعالى المواثيق التي أخذها على بني إسرائيل، ذكر خيانتهم وغدرهم ونكثهم للعهود والمواثيق، ثم هددهم قائلًا: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ[البقرة: 85].
9- الجناية على النفس:
نقض العهود تعود جنايتها على النفس، قال تعالى: فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10] فالناقض لعهده يجني على نفسه ويوبقها، وهذه الآثار هو سببها، وهو حطبها ووقودها.

محمد رافع 52 06-12-2013 12:03 AM

حكم نقض العهد

نقض العهد كبيرة من كبائر الذنوب: وقد أمر الله المؤمنين بالوفاء بالعهود، وحرمَّ عليهم نقضها فقال: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]، وتوجد الكثير من الأدلة في الكتاب والسنة التي تأمر بوجوب الوفاء بالعهد وتحرم نقضه، قال ابن عطية: (وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحلُّ) .
وقد عدَّ بعض العلماء نقض العهود من الكبائر، ومنهم الذهبي، فقد عدها كبيرة من الكبائر حيث قال: الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد .
وقال ابن حجر: (عَدُّ هذا من الكبائر هو ما وقع في كلام غير واحد) .

محمد رافع 52 06-12-2013 12:05 AM

صور نقض العهد

من صور نقض العهد :
1- نقض العهد الذي وصى الله به خلقه من فعل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال، وترك ما لا يحبه الله ولا يرضاه من الأقوال والأفعال، والذي تضمنته كتبه المنزلة، وبلَّغه رسله عليهم الصلاة والسلام، ومعنى نقض هذا العهد ترك العمل به.
2- نقض العهد الذي للإمام ونائبه على المسلمين، من وجوب الطاعة في المعروف، ونصرة دين الله عزَّ وجلَّ دون مبرر شرعي يقتضي ذلك.
3- نقض العهد الذي أعطاه الشارع الحكيم للكفار غير المحاربين، من أهل الذمة والمستأمنين، وكذلك المعاهدين، دون مبرر شرعي يقتضي ذلك، قال صلى الله عليه وسلم ((ألا من *** نفسًا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا)) .
4- خلف الموعد بأن يعطي موعدًا وفي نيته عدم الوفاء، أما إذا أعطى موعدًا وفي نيته الوفاء ولم يف لأمر خارج عن إرادته فلا يعد ذلك نقضًا للوعد.
نقض الحكام والولاة عهد الله بعدم تطبيقهم لشرعه والسير على منهجه.

محمد رافع 52 06-12-2013 12:06 AM

أسباب الوقوع في نقض العهد

1- ضعف الإيمان بالله.
2- النسيان.
3- الحرص على المصالح الدنيوية.
4- طول الأمد قد يتسبب في نقض العهد، كما حصل مع قوم موسى.
5- عدم وفاء الطرف الآخر بالعهد.
6- خوف الإنسان من المخلوق، ومراعاته دون خالقه.

محمد رافع 52 06-12-2013 12:09 AM

مثل لناقض العهد في القرآن

وضرب الله في ناقض العهد مثلًا فقال: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل: 92]. فقال مثل الَّذي نقض العَهْد كَمثل الْغَزل الَّتِي نقضت تِلْكَ الْمَرْأَة الحمقاء. كان لعمرو بن كعب بن سعد بنت، تسمى ريطة، وكانت إذا غزلت الصوف أو شيئًا آخر نقضته لحمقها، فقال: ولا تنقضوا أي: لا تنكثوا العهود بعد توكيدها كما نقضت تلك الحمقاء غزلها، من بعد قوة من بعد إبرامه أنكاثًا، يعني نقضًا، فلا هو غزل تنتفع به، ولا صوف ينتفع به، فكذا الذي يعطي العهد ثم ينقضه لا هو وفى بالعهد إذا أعطاه، ولا هو ترك العهد فلم يعطه، وضرب مثلًا آخر لناقض العهد فقال: وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 94] أي: عهودكم بالمكر والخديعة، فتزل قدم بعد ثبوتها، يقول: إنَّ ناقض العهد يزل في دينه عن الطاعة كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة .

محمد رافع 52 06-12-2013 12:10 AM

نار الحلف في الجاهلية

كانوا في الجاهلية إذا أرادوا عقد حلف، أوقدوا النَّار وعقدوا الحلف عندها، ويذكرون خيرها، ويدعون بالحرمان من خيرها على من نقض العهد، وحلَّ العقد. قال العسكري: (وإنَّما كانوا يخصُّون النار بذلك؛ لأنَّ منفعتها تختص بالإنسان، لا يشاركه فيها شيءٌ من الحيوان غيره) .
قال الزمخشري: (كانوا يوقدون نارًا عند التحالف، فيدعون الله بحرمان منافعها، وإصابة مضارها على من ينقض العهد، ويخيس بالعقد، ويقولون في الحلف: الدم الدم، والهدم الهدم، لا يزيده طلوع الشمس إلا شدًّا، وطول الليالي إلا مدًّا، ما بلَّ بحر صوفة، وما أقام رضوى بمكانه) .

محمد رافع 52 06-12-2013 12:12 AM

نقض العهد عند اليهود

إنَّ تاريخ اليهود مليءٌ بصفحاته السوداء، التي تبين حالهم تجاه العهود والمواثيق، فكم مرةً نقض اليهود عقودًا عقدوها، ومواثيق أبرموها، فلا يحفظون لأحد عهدًا، ولا يرعون له وعدًا، والقرآن الكريم سطر لنا الكثير من المواقف التي نقض فيها اليهود، العهود والمواثيق مع الأنبياء والمرسلين، ولم يحترموا عهودهم مع النَّبي صلى الله عليه وسلم بل نقضوها وحاولوا ***ه أكثر من مرة، كما حاولوا إشعال نار الفتنة بين صفوف المسلمين.
قال ابن تيمية: (إن المدينة كان فيما حولها ثلاثة أصناف من اليهود، وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكان بنو قينقاع والنضير حلفاء الخزرج، وكانت قريظة حلفاء الأوس، فلما قدم النَّبي صلى الله عليه وسلم هادنهم، ووادعهم مع إقراره لهم، ولمن كان حول المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على حلفهم، وعهدهم الذي كانوا عليه، حتى أنه عاهد اليهود على أن يعينوه إذا حارب، ثم نقض العهد بنو قينقاع، ثم النضير، ثم قريظة) .
وقال ابن إسحاق: (حدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنَّ بني قينقاع كانوا أوَّل يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد. قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أنَّ امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصَّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلمَّا قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصَّائغ ف***ه، وكان يهوديًّا، وشدَّ اليهود على المسلم ف***وه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشَّرُّ بينهم وبين بني قينقاع) .

محمد رافع 52 06-12-2013 12:14 AM

من أقوال الحكماء

- قالوا: من نقض عهده، ومنع رفده ، فلا خير عنده .
- وقالوا: من علامات النفاق، نقض العهد والميثاق .
- وقالوا: الغالب بالغدر مغلول، والناكث للعهد ممقوت مخذول .

محمد رافع 52 06-12-2013 12:20 AM

ذم نقض العهد في واحة الشعر

قال كعب بن زهير:

لشتَّانَ مَن يدعو فيوفي بعهدِه *** ومَن هو للعهدِ المؤكدِ خالعُ


وقال المعري:

تجنبِ الوعدَ يومًا أن تفوهَ به *** فإن وعدتَ فلا يذممك إنجازُ



واصمتْ فإنَّ كلامَ المرءِ يهلكُه *** وإن نطقتَ فإفصاحٌ وإيجازُ



وإن عجزتَ عن الخيراتِ تفعلُها *** فلا يكنْ دونَ تركِ الشرِّ إعجازُ


وقال الغطفاني:

أسميَّ ويحكِ هل سمعتِ بغدرةٍ *** رُفِع اللِّواءُ لنا، بها في مجمعِ


وقال كعب بن مالك:

فدونك واعلمْ أنَّ نقضَ عهودِنا *** أباه الملا منا الذين تبايعوا



أباه البراءُ وابنُ عمروٍ كلاهما *** وأسعدُ يأباه عليكَ ورافعُ


وقال آخر:

نقض العهدَ خائسٌ بالأمانِ *** مستحلُّ محارمِ الرحمنِ



سلبتنا الوفاءَ والحلمَ طوعًا *** فاعتلينا به بنو مروانِ



ليتني كنتُ فيهم حسب العيـ *** ـشِ طليقًا أجرُّ حبلَ الأماني



كلُّ عتبٍ تُعيرُنِيه الليالي *** فبسيفي جنيتُه ولساني


وقال آخر:

النَّاسُ من الْهوَى على أَصْنَافِ *** هَذَا نقض العَهْدِ وهذَا وافِ



هَيْهَاتَ مِن الكدورِ تبغي الصافي *** لَا يصلحُ للحضرةِ قلبٌ جَافِ


وقال آخر:

يا بني الإسلامِ مَن علَّمكم *** بعد إذ عاهدتم نقضَ العهود



كلُّ شيءٍ في الهوى مستحسنٌ *** ما خلا الغدرَ وإخلافَ الوعود

محمد رافع 52 06-12-2013 12:23 AM

http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg
النَّمِيمَة

معنى النَّمِيمَة لغةً واصطلاحًا

معنى النَّمِيمَة لغةً:
النَّمُّ: رَفْع الحديثِ على وجه الإشاعةِ والإفْسادِ. وقيل: تَزْيينُ الكلام بالكذب. من نمَّ يَنِمُّ ويَنُمُّ، فهو نَمومٌ ونَمَّامٌ ومِنَمٌّ، ونَمٌّ، من قَوْمٍ نَمِّينَ وأنِمَّاءَ ونُمٍّ، وهي نَمَّةٌ، ويقال للنَّمَّام القَتَّاتُ، ونَمَّامٌ مُبَالَغَةٌ، والاسمُ النَّمِيمَة، وأصل هذه المادة يدلُّ على إظهار شيء وإبرازه .
معنى النَّمِيمَة اصطلاحًا:
النَّمِيمَة: (نَـقْلُ الحديث من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرِّ) .
وعرفها الغزالي بقوله: (إفشاء السرِّ، وهتك الستر عما يكره كشفه) .
وقيل هي: (التحريش بين النَّاس والسعي بينهم بالإفساد) .

محمد رافع 52 06-12-2013 12:25 AM

الفرق بين النَّمِيمَة وبعض الصفات

- الفرق بين الغيبة والنَّمِيمَة:
قال ابن حجر: (اختُلِفَ في الغيبة والنَّمِيمَة، هل هما متغايرتان أو متَّحدتان، والراجح التغاير، وأن بينهما عمومًا وخصوصًا وجيهًا؛ وذلك لأنَّ النَّمِيمَة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه، سواء كان بعلمه أم بغير علمه.
والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النَّمِيمَة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة.
وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركا في ما عدا ذلك.
ومن العلماء من يشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائبًا، والله أعلم) .
وقال ابن حجر الهيتمي: (كل نميمة غيبة، وليس كل غيبة نميمة، فإن الإنسان قد يذكر عن غيره ما يكرهه، ولا إفساد فيه بينه وبين أحد، وهذا غيبة، وقد يذكر عن غيره ما يكرهه وفيه إفساد، وهذا غيبة، ونميمة معًا) .
- الفرق بين القتَّات والنَّمَّام:
(القتَّات والنَّمام بمعنى واحد.
وقيل: النمام الذي يكون مع جماعة يتحدثون حديثا فينم عليهم.
والقتَّات: الذي يتسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم) .

محمد رافع 52 10-12-2013 08:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alea2009 (المشاركة 5511330)
جزاك الله خيرآ على هذه الموسوعة الراااااااائعة.

بارك الله فيك

محمد رافع 52 12-12-2013 10:13 AM

ذم النَّمِيمَة والنهي عنها
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ [القلم: 10-13].
قال ابن كثير في قوله تعالى: (مَّشَّاء بِنَمِيمٍ يعني: الذي يمشي بين الناس، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة) .
- وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
(قيل: اللُّمزة: النَّمَّام. عن أبي الجوزاء، قال: قلت لابن عباس: من هؤلاء؟ هم الذين بدأهم الله بالويل؟ قال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون أكبر العيب) .
وقال مقاتل: (فأما الهمزة فالذي ينمُّ الكلام إلى الناس، وهو النَّمَّام) .
- وقال تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد: 4].
(قيل: كانت نمَّامة حمَّالة للحديث إفسادًا بين النَّاس، وسمِّيت النَّمِيمَة حطبًا؛ لأنَّها تنشر العداوة بين النَّاس، كما أنَّ الحطب ينشر النَّار.
قال مجاهد: يعني حمَّالة النَّمِيمَة، تمشي بالنَّمِيمَة) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:16 AM

ثانيًا: في السنة النبوية

- عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة نمَّام))، وفي رواية ((قتَّات)) .
وبيَّن ابن الملقن المراد بعدم دخول الجنة للنَّمام بقوله: (وحمل على ما إذا استحل بغير تأويل مع العلم بالتحريم، أو لا يدخلها دخول الفائزين) .
قال ابن بطَّال: (قال أهل التأويل: الهمَّاز الذي يأكل لحوم الناس، ويقال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت. والقتَّات: النَّمام عند أهل اللغة) .
- وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال: إنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أُنبئكم ما العضة؟ هي النَّمِيمَة القالة بين النَّاس)). وإنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الرَّجل يصدق حتَّى يكتب صدِّيقًا، ويكذب حتَّى يكتب كذَّابًا)) .
قال المناوي: (... ((القالة بين النَّاس)). أي: كثرة القول، وإيقاع الخصومة بينهما، فيما يحكى للبعض عن البعض، وقيل: القالة بمعنى المقولة، وزعم بعضهم أنَّ القالة هنا جمع، وهم الذين ينقلون الكلام، ويوقعون الخصومة بين الناس) .
وقال ابن عثيمين: (هي النَّمِيمَة: أن ينقل الإنسان كلام النَّاس بعضهم في بعض، من أجل الإفساد بينهم، وهي من كبائر الذنوب) .
- وعن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: ((مرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنَّهما ليعذَّبان، وما يعذَّبان في كبير أمَّا أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأمَّا الآخر: فكان يمشي بالنَّمِيمَة فأخذ جريدة رطبة، فشقَّها نصفين، فغرز في كلِّ قبر واحدة فقالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: لعلَّه يخفِّف عنهما ما لم ييبسا)) .
قال ابن بطَّال: (ومعنى الحديث: الحض على ترك النَّمِيمَة) .
وقال ابن دقيق العيد: (في الحديث دليل على عظم أمر النَّمِيمَة، وأنَّها سبب العذاب، وهو محمول على النَّمِيمَة المحرَّمة) .
وقال الشوكاني: (الحديث يدلُّ على نجاسة البول من الإنسان، ووجوب اجتنابه، وهو إجماع، ويدلُّ أيضًا على عظم أمره وأمر النَّمِيمَة، وأنَّهما من أعظم أسباب عذاب القبر) .
وقال السيوطي: (قد ذكر بعضهم السرَّ في تخصيص البول، والنَّمِيمَة، والغيبة بعذاب القبر، وهو أنَّ القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب، والثواب. والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حقٌّ لله، وحقٌّ لعباده، وأوَّل ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله، الصلاة، ومن حقوق العباد، الدِّماء، وأمَّا البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصَّلاة الطهَّارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدَّماء النَّمِيمَة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما.) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:18 AM

أقوال السلف والعلماء في النَّمِيمَة

- قال رجل لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (يا أمير المؤمنين، احذر قاتل الثَّلاثة، قال: ويلك، من قاتل الثَّلاثة؟ قال: الرَّجل يأتي الإمام بالحديث الكذب، في*** الإمام ذلك الرَّجل بحديث هذا الكذَّاب، ليكون قد *** نفسه، وصاحبه، وإمامه) .
- وقيل لمحمد بن كعب القرظي: أي خصال المؤمن أوضع له؟ فقال: كثرة الكلام، وإفشاء السرِّ، وقبول قول كلِّ أحد .
- وروي أنَّ سليمان بن عبد الملك كان جالسًا وعنده الزهري، فجاءه رجل فقال له سليمان: بلغني أنَّك وقعت فيَّ، وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، فقال له الزهري: لا يكون النَّمام صادقًا. فقال سليمان: صدقت، ثُمَّ قال للرجل: اذهب بسلام .
- وقال الحسن: من نمَّ إليك نمَّ عليك .
- وعن عطاء بن السَّائب، قال: قدمت من مكَّة، فلقيني الشَّعبيُّ، فقال: يا أبا زيدٍ! أطرفنا ممَّا سمعت بمكَّة، فقلت: سمعت عبد الرَّحمن بن سابطٍ يقول: لا يسكن مكَّة سافك دمٍ، ولا آكل ربًا، ولا مشَّاءٍ بنميمةٍ، فعجبت منه حين عدل النَّمِيمَة بسفك الدَّم وأكل الرِّبا، فقال الشَّعبيُّ: وما يعجبك من هذا؟! وهل يسفك الدَّم وتركب العظائم إلَّا بالنَّمِيمَة؟! .
- وقال أبو موسى الأشعري: (لا يسعى على الناس إلا ولد بغي) .
- وسعى رجل إلى بلال بن أبي بردة برجل، وكان أمير البصرة، فقال له: (انصرف حتى أكشف عنك. فكشف عنه، فإذا هو لغير رشده، يعني ولد زنا) .
- وقال قتادة: (ذكر لنا أنَّ عذاب القبر ثلاثة أثلاثٍ: ثلثٌ من الغيبة، وثلثٌ من البول، وثلثٌ من النَّمِيمَة) .
- وقال ابن حزم: (وما في جميع الناس شرٌّ من الوشاة، وهم النَّمَّامون، وإنَّ النَّمِيمَة لطبع يدلُّ على نتن الأصل، ورداءة الفرع، وفساد الطبع، وخبث النشأة، ولابد لصاحبه من الكذب؛ والنَّمِيمَة فرع من فروع الكذب، ونوع من أنواعه، وكلُّ نمام كذاب) .
- وقال أبو موسى عمران بن موسى المؤدب: (وفد على أنوشروان حكيم الهند، وفيلسوف الروم، فقال للهندي: تكلم. فقال: يا خير الناس، من ألقى سخيًّا، وعند الغضب وقورًا، وفي القول متأنيًا، وفي الرفعة متواضعًا، وعلى كل ذي رحم مشفقًا. وقام الرومي، فقال: من كان بخيلًا ورث عدوه ماله، ومن قلَّ شكره لم ينل النجاح، وأهل الكذب مذمومون، وأهل النَّمِيمَة يموتون فقراء، فمن لم يرحم سُلِّط عليه من لا يرحمه) .
- ويقال: (عمل النَّمام أضرُّ من عمل الشيطان، فإنَّ عمل الشيطان بالوسوسة، وعمل النَّمام بالمواجهة) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:20 AM

آثار النَّمِيمَة

1- طريق موصل إلى النَّار.
2- تُذْكي نار العداوة بين المتآلفين.
3- تؤذي وتضرُّ، وتؤلم، وتجلب الخصام والنُّفور.
4- عنوان الدَّناءة، والجبن، والضِّعف، والدَّسُّ، والكيد، والملق، والنِّفاق.
5- مزيلة كلُّ محبَّة، ومبعدة كلُّ مودَّة، وتآلف، وتآخ .
6- عار على قائلها، وسامعها.
7- تحمل على التجسس، وتتبع أخبار الآخرين.
8- تُؤدي إلى قطع أرزاق الآخرين.
9- تُفرِّق وتُمزِّق المجتمعات الملتئمة.
10- النَّمِيمَة تحلق الدين:
قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البيِّن، فإن فساد ذات البيِّن هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّين)) .
11- النَّمِيمَة تمنع نزول القطر من السماء:
روى كعبٌ: أنَّه أصاب بني إسرائيل قحطٌ، فاستسقى موسى صلَّى الله عليه وسلم مرَّاتٍ فما أجيب، فأوحى الله تعالى إليه أنِّي لا أستجيب لك ولا لمن معك، وفيكم نمَّامٌ، قد أصرَّ على النَّمِيمَة، فقال موسى: يا رب من هو حتَّى نخرجه من بيننا؟ فقال: يا موسى أنهاكم عن النَّمِيمَة، وأكون نمَّامًا؟! فتابوا بأجمعهم فسُقُوا .
12- النَّمِيمَة تجعل صاحبها ذليلًا محتقرًا:
اتبع رجل حكيمًا سبعمائة فرسخ في سبع كلمات، فلما قدم عليه قال: إنِّي جئتك للذي آتاك الله تعالى من العلم، أخبرني عن السماء وما أثقل منها؟ وعن الأرض وما أوسع منها؟ وعن الصخر وما أقسى منه؟ وعن النَّار وما أحرَّ منها؟ وعن الزمهرير وما أبرد منه؟ وعن البحر وما أغنى منه؟ وعن اليتيم وما أذلَّ منه؟ فقال له الحكيم: البهتان على البريء أثقل من السموات، والحق أوسع من الأرض، والقلب القانع أغنى من البحر، والحرص والحسد أحرُّ من النار، والحاجة إلى القريب إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير، وقلب الكافر أقسى من الحجر، والنَّمام إذا بان أمره أذل من اليتيم .
13- النَّمِيمَة تحرم صاحبها دخول الجنة.
14- النَّمِيمَة تفسد الدين والدنيا:
قال أبو الفرج ابن الجوزي: (النَّمِيمَة تفسد الدين والدنيا، وتغيِّر القلوب، وتولِّد البغضاء، وسفك الدماء، والشتات) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:22 AM

حكم النَّمِيمَة

النَّمِيمَة محرَّمة في الكتاب، والسُّنة، والإجماع، وهي من كبائر الذنوب.
قال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نَمَّام).
وقال ابن باز: (هي من الكبائر ومن أسباب البغضاء والشحناء بين المسلمين، فالواجب الحذر منها) .
وقال ابن عثيمين: (النَّمِيمَة من كبائر الذنوب، وهي سببٌ لعذاب القبر، ومن أسباب حرمان دخول الجنة) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:25 AM

أقسام النَّمِيمَة

للنَّميمة ثلاثة أقسام، وهي كما يلي:
1- النَّمِيمَة المحرمة:
هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد والإيقاع بينهم، دون وجود مصلحة شرعية في نقل الكلام.
2- النَّمِيمَة الواجبة:
وهي التي تكون للتحذير من شرٍّ واقع على إنسان ما، فيُخبر بذلك الشر ليحذره.
وقال ابن الملقن وهو يتحدث عن النَّمِيمَة: (أمَّا إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر، وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة، بل قد تكون واجبة أو مستحبة) .
قال النووي: (وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية، وإلا فهي مستحبة، أو واجبة، كمن اطلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذَّره منه) .
3- النَّمِيمَة المباحة:
قال ابن كثير وهو يتحدث عن النَّمِيمَة: (فأمَّا إذا كانت على وجه الإصلاح بين النَّاس وائتلاف كلمة المسلمين، كما جاء في الحديث: ((ليس بالكذاب من يَنمَّ خيرًا)) ، أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة، فهذا أمر مطلوب، كما جاء في الحديث: ((الحرب خدعة)) ، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة، وجاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت، وإنَّما يحذو على مثل هذا الذَّكاء والبصيرة النافذة) .
قال النَّووي: (فلو دعت إلى النَّمِيمَة حاجةٌ فلا منع منها، كما إذا أخبره أنَّ إنسانًا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام أو من له ولايةٌ بأنَّ فلانًا يسعى بما فيه مفسدةٌ، ويجب على المتولِّي الكشف عن ذلك) .
وقسَّم النَّبي صلى الله عليه وسلم قسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار: والله ما أراد محمدٌ بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتمعَّر وجهه، وقال: ((رحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)) .
قال ابن بطَّال: (في هذا الحديث من الفقه أنَّه يجوز للرجل أن يخبر أهل الفضل والستر من إخوانه بما يقال فيهم مما لا يليق بهم؛ ليعرفهم بذلك من يؤذيهم من الناس وينقصهم، ولا حرج عليه في مقابلته بذلك وتبليغه له. وليس ذلك من باب النَّمِيمَة؛ لأنَّ ابن مسعود حين أخبر النَّبي عليه السلام بقول الأنصاري فيه وتجويره له في القسمة، لم يقل له: أتيت بما لا يجوز، ونممت الأنصاري، والنَّمِيمَة حرام، بل رضي ذلك عليه السلام، وجاوبه عليه بقوله: ((يرحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)) ، وإنَّما جاز لابن مسعود نقل ذلك إلى النَّبي عليه السلام؛ لأنَّ الأنصاري في تجويره للنَّبي عليه السلام استباح إثمًا عظيمًا، وركب جرمًا جسيمًا، فلم يكن لحديثه حرمة، ولم يكن نقله من باب النَّمِيمَة) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:26 AM

أسباب الوقوع في النَّمِيمَة

1- أن ينشأ الفرد في بيئة دأبها النَّمِيمَة والوقيعة بين الناس، فيحاكيها ويتأثر بها.
2- الإساءة للآخرين وإيقاع الإيذاء بهم.
3- الخوض في الباطل وفضول الحديث، للترويح عن النفس.
4- عدم ردع النَّمام وزجره بل استحسان عمله ومسايرته.
5- وجود الفراغ في حياة الفرد، فيشغل وقته بالحديث عن الآخرين وذكر مساوئهم.
6- الغضب والرغبة في الانتقام.
7- تتبع عورات الناس.
8- العمل لصالح أفراد أو جهات مشبوهة.
9- ضعف الإيمان في قلب النَّمَّام وعدم الخوف من الله ونسيان عذاب القبر وعذاب النار.
10- جهل النَّمَّام بالعواقب السيِّئة للنَّميمة التي تعود على الفرد والمجتمع.
11- الحسد للآخرين، وعدم حبِّ الخير لهم.
الوسائل المعينة على ترك النَّمِيمَة:
1- توعية النَّمام بخطورة النَّمِيمَة.
2- استشعار عظمة هذه المعصية وأنَّها من الكبائر.
3- حفظ اللسان.
4- تصور خطر المصيبة التي يقترفها بإفساده للقلوب وتفريقه بين الأحبة.
5- التَّقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة، وتقديم رضاه على رضا المخلوقين.
6- استشعار الفرد أنَّ حفظ اللسان عن النَّمِيمَة يكون سببًا في دخوله الجنة.
7- تقوية الإيمان بالعلم النافع، والعمل الصالح.
8- عدم السماع لكلام النَّمَّام الذي ينمُّ به عن الآخرين.
9- تربية الفرد تربية إسلامية سليمة، قائمة على الآداب والتعاليم الإسلامية.
10- استغلال وقت الفراغ، بما ينفع الفرد.
11- كظم الغيظ والصبر على الغضب.
12- التأمل في سيرة السلف والاقتداء والتأسي بهم.
13- أن يعلم الفرد أنَّ الذين ينمُّ عليهم اليوم هم خصماؤه عند الله يوم القيامة.

محمد رافع 52 12-12-2013 10:27 AM

موقف المسلم من سماع النَّمِيمَة

عندما نسمع أحدًا يتكلم في أعراض الناس، وينمُّ عليهم فيجب علينا نصحه وزجره عن ذلك، فإن لم ينته فعلينا عدم الجلوس معه؛ لقول الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
وقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) .
(ثم احذر النَّمِيمَة وسماعها، وذلك أنَّ الأشرار يدخلون بين الأخيار في صورة النصحاء فيوهمونهم النصيحة، وينقلون إليهم في عرض الأحاديث اللذيذة أخبار أصدقائهم محرَّفة مموَّهة، حتى إذا تجاسروا عليهم بالحديث المختلق يصرحون لهم، بما يفسد مودَّاتهم ويشوه وجوه أصدقائهم، إلى أن يبغض بعضهم بعضًا) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:30 AM

ماذا يفعل من حملت إليه النَّمِيمَة؟

قال الغزالي: (كل من حملت إليه النَّمِيمَة وقيل له: إنَّ فلانًا قال فيك كذا وكذا، أو فعل في حقك كذا، أو هو يدبر في إفساد أمرك، أو في ممالاة عدوك أو تقبيح حالك، أو ما يجري مجراه؛ فعليه ستة أمور:
الأوَّل: أن لا يصدقه؛ لأنَّ النَّمام فاسق، وهو مردود الشهادة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات: 6].
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصح له، ويقبح عليه فعله، قال الله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ [لقمان: 17]
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنَّه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من يبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا تظنَّ بأخيك الغائب السوء، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ [الحجرات: 12].
الخامس: أن لا يحملك ما حكي لك على التجسس والبحث لتحقق اتباعًا لقول الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12].
السادس: أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النَّمام عنه ولا تحكي نميمته؛ فتقول: فلان قد حكى لي كذا وكذا، فتكون به نمَّامًا ومغتابًا، وقد تكون قد أتيت ما عنه نهيت) .
(جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنهما فنمَّ له عن شخص، فقال: اذهب بنا إليه، فذهب معه، وهو يرى أنه ينتصر لنفسه، فلما وصل إليه قال: يا أخي، إن كان ما قلت فيَّ حقًّا يغفر الله لي، وإن كان ما قلتَ فيَّ باطلًا يغفر الله لك) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:31 AM

قصَّة نمَّام

قال حماد بن سلمة: باع رجل عبدًا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النَّمِيمَة. قال: رضيت. فاشتراه، فمكث الغلام أيَّامًا، ثم قال لزوجة مولاه: إنَّ سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات، حتى أسحره عليها فيحبَّك. ثم قال للزَّوج: إنَّ امرأتك اتخذت خليلًا، وتريد أن ت***ك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك. فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنَّها تريد ***ه، فقام إليها ف***ها، فجاء أهل المرأة ف***وا الزَّوج، ووقع القتال بين القبيلتين .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:33 AM

النَّمِيمَة ت*** صاحبها

كان رجل يغشي بعض الملوك، فيقوم بحذاء الملك، ويقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء ستكفيه مساوئه، فحسده رجل على ذلك المقام والكلام، فسعى به إلى الملك، فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك، ويقول ما يقول يزعم أن الملك أبخر . فقال له الملك: وكيف يصحُّ ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك، فإذا دنا منك وضع يده على أنفه؛ لئلا يشمَّ ريح البخر. فقال له الملك: انصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله، فأطعمه طعامًا فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء ستكفيه مساوئه. فقال له الملك: ادن مني، فدنا منه، فوضع يده على فيه، مخافة أن يشتمَّ الملك منه ريح الثوم. فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانًا إلا وقد صدق، وكان الملك لا يكتب بخطه إلا جائزة أو صلة، فكتب له كتابًا بخطه إلى عامل من عماله: إذا أتاك حامل كتابي هذا، فا***ه، واسلخه، واحش جلده تبنًا، وابعث به إليَّ. فأخذ الرجل الكتاب، وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خط الملك لي بصلة، فقال: هبه لي. فقال: هو لك، فأخذه، ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك: أن أ***ك، وأسلخك، قال: إنَّ الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أرجع إلى الملك، فقال: ليس لكتاب الملك مراجعة. ف***ه، وسلخه، وحشا جلده تبنًا، وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ قال: لقيني فلان، فاستوهبني إيَّاه، فوهبته له، فقال الملك: إنَّه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر. قال: ما فعلت، قال: فلم وضعت يدك على فيك؟ قال: كان أطعمني طعامًا فيه ثوم، فكرهت أن تشمه. قال: صدقت، ارجع إلى مكانك، فقد كفاك المسيء مساوئه .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:36 AM

خدمٌ في بريد الشيطان

سعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبد الملك، فجمع بينهما للموافقة، فأقبل زياد على الرجل وقال:

فأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليًا --- فخنت وإما قلت قولًا بلا علم



فأنت من الأمر الذي كان بيننا --- بمنزلة بين الخيانة والإثم


وقال رجل لعمرو بن عبيد: إن الأسواري ما يزال يذكرك في قصصه بشرٍّ. فقال له عمرو: يا هذا، ما رعيت حق مجالسة الرجل، حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدَّيت حقِّي، حين أعلمتني عن أخي ما أكره، ولكن أعلمه أنَّ الموت يعمُّنا، والقبر يضمُّنا، والقيامة تجمعنا، والله تعالى يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين.
ورفع بعض السعاة إلى الصاحب بن عبَّاد رقعة نبَّه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته، فوقع على ظهرها: السعاية قبيحة، وإن كانت صحيحة، فإن كنت أجريتها مجرى النصح، فخسرانك فيها أفضل من الربح، ومعاذ الله أن نقبل مهتوكًا في مستور، ولولا أنَّك في خفارة شيبتك، لقابلناك بما يقتضيه فعلك في مثلك، فتوق يا ملعون العيب، فإنَّ الله أعلم بالغيب، الميِّت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمره الله، والساعي لعنه الله .
وصيَّة:
(قال لقمان لابنه يا بني، أوصيك بخلال، إن تمسكت بهن لم تزل سيدًا، ابسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم، واحفظ إخوانك، وصل أقاربك، وآمنهم من قبول قول ساع، أو سماع باغ، يريد فسادك، ويروم خداعك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك، لم تعبهم ولم يعيبوك) .
فائدة:
قال بعض العلماء: (يُفسدُ النَّمَّام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر، ولترغيب الشارع في الإصلاح بين الناس أباح الكذب فيه، ولزجره على الإفساد حرم الصدق فيه) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:38 AM

حكم وأمثال في النَّمِيمَة

- النَّمِيمَة أرثة العداوة
الأرثة والإراث: اسم لما تؤرث به النَّار، أي: النَّميمة وقود نار العداوة
- (وقيل في منثور الحكم: النَّمِيمَة سيفٌ قاتلٌ.
- وقال بعض الأدباء: لم يمش ماشٍ شرٌّ من واشٍ.
- وقال بعض الحكماء: السَّاعي بين منزلتين قبيحتين: إمَّا أن يكون صدق فقد خان الأمانة، وإمَّا أن يكون قد كذب فخالف المروءة.
- وقال بعض الحكماء: الصِّدق يزيِّن كلِّ أحدٍ إلَّا السَّعاة، فإنَّ السَّاعي أذمُّ وآثم ما يكون إذا صدق) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:49 AM

ذم النَّمِيمَة في واحة الشعر
قال أحد الشعراء:


تنحَّ عن النَّمِيمَةِ واجتنبْها --- فإنَّ النمَّ يحبطُ كلَّ أجـرِ



يثيرُ أخو النَّمِيمَةِ كلَّ شرٍّ --- ويكشفُ للخلائقِ كلَّ سرِّ



وي***ُ نفسَه وسواه ظلمًا --- وليس النَّمُّ مِن أفعالِ حُرِّ



ولقد أحسن من قال:


عجبتُ لواشٍ ظلَّ يكشفُ أمرَنا --- وما بسوى أخبارِنا يتنفسُ



وماذا عليه من عنائي ولوعتي --- أنا آكلُ الرمانَ والوُلدُ تضرسُ



ورحم الله من قال:


وفي النَّاس من يغري الورَى بلسانِه --- وبين البرايا للنَّميمةِ يحملُ



يرى أنَّ في حملِ النَّمِيمَةِ مكسبًا --- تراه بها بين الورَى يتأكَّلُ



وقال آخر:


ويحرمُ بهتٌ واغتيابٌ نميمةٌ --- وإفشاءُ سرٍّ ثم لعنٌ مقيد



وقال آخر:


لا تقبلـنَّ نميمـةً بُلِّغتَهـا --- وتحفَظَّنَّ مِن الذي أنبأكها



إنَّ الذي أهدى إليك نميمةً --- سينمُّ عنك بمثلِها قد حاكها



ورحم الله من قال:


من نمَّ في الناسِ لم تؤمنْ عقاربُه --- على الصديقِ ولم تؤمنْ أفاعيه



كالسيلِ بالليلِ لا يدري به أحدٌ --- من أين جاء ولا من أين يأتيه



الويلُ للعهدِ منه كيف ينقضُه --- والويلُ للودِّ منه كيف يُفنيه



وقال آخر:


إذا الواشي نعى يومًا صديقًا --- فلا تدعِ الصديقَ لقولِ واشي



وقال آخر:


يسعى عليك كما يسعى إليك فلا --- تأمنْ غوائلَ ذي وجهين كياد



وقال صالح بن عبد القدوس:


من يخبرك بشتمٍ عن أخٍ --- فهو الشاتمُ لا مَن شتمك



ذاك شيءٌ لم يواجهْك به --- إنَّما اللومُ على مَن أعلمك



وقال آخر:


إن يعلموا الخيرَ أخفوه وإن علموا --- شرًّا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا



وقال آخر:


إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحًا --- مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا



صمٌّ إذا سمعوا خيرًا ذكرت به --- وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا

محمد رافع 52 12-12-2013 10:52 AM

http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg
الوَهن
معنى الوَهن لغةً واصطلاحًا

معنى الوَهن لغةً:
الوَهن: الضَّعف في العَمَل والأمر، وكذلك في العَظْم ونحوه، تقول: قد وَهَنَ العَظْمُ يَهِن وَهْنًا وأَوْهَنَه يُوْهِنُه، ورجلٌ واهِنٌ في الأمر والعَمَل، ومَوْهُون في العَظْم والبَدَن، وقد وَهَنَ الإنسانُ، ووَهَنَهُ غيره. يتعدَّى ولا يتعدَّى. ووَهِنَ -أيضًا- وَهْنًا، أي ضَعُفَ. وأَوْهَنْتُهُ -أيضًا- ووَهَّنْتُهُ تَوْهينًا .
معنى الوَهن اصطلاحًا:
(الوَهْن والوَهَن- مُحرَّكة- الضَّعف في العَمَل، وقيل: الضَّعف مِن حيثُ الخَلْق والخُلُق) .
وقيل: (الوَهَن: استيلاء الخوف على النَّاس) .
وقيل: (الوَهَن: ضعف يلحق القلب، والضَّعف مطلقًا اختلال القوَّة الجسمية) .

محمد رافع 52 12-12-2013 10:56 AM



الفرق بين الضَّعف والوَهَن

هناك فرق بين الضَّعف والوَهَن، وفي ذلك قال أبو هلال العسكري:
(إنَّ الضَّعف ضدُّ القوَّة، وهو مِن فعل الله تعالى، كما أنَّ القوَّة مِن فعل الله، تقول: خلقه الله ضعيفًا، أو خلقه قويًّا. وفي القرآن: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النَّساء: 28]، والوَهَن: هو أن يفعل الإنسان فِعْل الضَّعيف، تقول: وَهَن في الأمر يَهِن وَهْنًا. وهو وَاهِن إذا أخذ فيه أخذ الضَّعيف، ومنه قوله تعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ [آل عمران: 139]، أي: لا تفعلوا أفعال الضُّعفاء وأنتم أقوياء على ما تطلبونه بتذليل الله إيَّاه لكم.
ويدلُّ على صحَّة ما قلنا أنَّه لا يُقَال: خلقه الله واهِنًا، كما يقال: خلقه الله ضعيفًا، وقد يُسْتَعمل الضَّعف مكان الوَهَن مجازًا في مثل قوله تعالى: وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ [آل عمران: 146]، أي: لم يفعلوا فعل الضَّعيف.
ويجوز أن يقال: إنَّ الوَهَن هو انكسار الجسد بالخوف ونحوه، والضَّعف نقصان القوَّة، وأما الاستكانة فقيل: هي إظهار الضَّعف، قال الله تعالى: وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ أي:لم يضعفوا بنقصان القوَّة ولا استكانوا بإظهار الضَّعف عند المقاومة.) .

Dark Tulip 12-12-2013 11:34 AM

http://www.al-7up.com/vb/imgcache/2/179346love.gif

محمد رافع 52 12-12-2013 08:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dark tulip (المشاركة 5628182)

شكراااااااً
جزاك الله عنا خيراً

أبو سارة وأميرة 15-12-2013 04:18 PM

بارك الله فيكم

محمد رافع 52 16-12-2013 01:02 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سارة وأميرة (المشاركة 5632967)
بارك الله فيكم

جزاكم الله عنا خيراً

محمد رافع 52 23-12-2013 10:34 PM

ذَمُّ الوَهَن والنَّهي عنه
أولًا: في القرآن الكريم


وردت آيات في القرآن الكريم تنفي صفة الوَهَن عن المؤمنين، وآيات في ذَمِّ الوَهَن، ومِن ذلك ما يلي:
- قال تعالى: وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ [آل عمران: 146].
قال الطَّبري في تفسير هذه الآية: (يعني بقوله -تعالى ذكره-: فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ، فما عجزوا لما نالهم مِن أَلَم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا ل*** مَن قُتِل منهم، عن حرب أعداء الله، ولا نَكَلوا عن جهادهم: وَمَا ضَعُفُواْ، يقول: وما ضَعُفَت قواهم ل*** نبيِّهم: وَمَا اسْتَكَانُواْ، يعني وما ذَلُّوا فيتخشَّعوا لعدوِّهم بالدُّخول في دينهم ومداهنتهم فيه خِيفَة منهم، ولكن مضوا قُدُمًا على بصائرهم ومنهاج نبيِّهم، صبرًا على أمر الله وأمر نبيِّهم، وطاعة لله واتِّباعًا لتنزيله ووحيه) .
وقال البيضاوي: (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ [آل عمران: 146]، فما فتروا ولم ينكسر جِدُّهم لما أصابهم مِن *** النَّبيِّ أو بعضهم. وما ضعفوا عن العدو أو في الدِّين. وما استكانوا وما خضعوا للعدو) .
(وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة. فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم مِن البلاء والكرب والشِّدَّة والجراح. وما ضَعُفَت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء.. فهذا هو شأن المؤمنين، المنافحين عن عقيدة ودين..
وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146].. الذين لا تضعف نفوسهم، ولا تتضَعْضَع قواهم، ولا تلين عزائمهم، ولا يستكينون أو يستسلمون.. والتَّعبير بالحبِّ مِن الله للصَّابرين له وقعه، وله إيحاؤه؛ فهو الحبُّ الذي يأسو الجراح، ويمسح على القَرْح، ويعوِّض ويَـرْبُو عن الضُّرِّ والقَرْح، والكفاح المرير) .
- وقال تعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (قال الله تعالى مسلِّيًا للمؤمنين: وَلاَ تَهِنُوا أي: لا تضعفوا بسبب ما جرى، وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ أي: العاقبة والنُّصرة لكم أيُّها المؤمنون) .
(فقوله سبحانه: وَلاَ تَهِنُوا (مِن الوَهَن والضَّعف، وَلاَ تَحْزَنُوا لما أصابكم ولما فاتكم، وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ.. عقيدتكم أعلى؛ فأنتم تسجدون لله وحده، وهم يسجدون لشيء مِن خلقه أو لبعضٍ مِن خلقه! ومنهجكم أعلى؛ فأنتم تسيرون على منهج مِن صنع الله، وهم يسيرون على منهج مِن صنع خلق الله! ودَوْرُكم أعلى، فأنتم الأوصياء على هذه البشريَّة كلِّها، الهداة لهذه البشريَّة كلِّها، وهم شاردون عن النَّهج، ضالُّون عن الطَّريق. ومكانكم في الأرض أعلى، فلكم وِرَاثة الأرض التي وعدكم الله بها، وهم إلى الفناء والنِّسيان صائرون.. فإن كنتم مؤمنين حقًّا فأنتم الأعلون. وإن كنتم مؤمنين حقًّا فلا تهنوا ولا تحزنوا. فإنَّما هي سنَّة الله أن تُصَابوا وتُصِيبُوا، على أن تكون لكم العقبى بعد الجهاد والابتلاء) .
- ويقول تبارك وتعالى:فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35].
قال الكيا الهراسي: (فيه دليل على منع مهادنة الكفَّار إلَّا عند الضَّرورة، وتحريم ترك الجهاد إلَّا عند العَجْز عن مقابلتهم، لضعفٍ يكون بالمسلمين) .
(فهذا هو الذي يحذِّر المؤمنين إيَّاه، ويضع أمامهم مصير الكفَّار المشاقِّين للرَّسول؛ ليحذروا شبحه مِن بعيد! وهذا التَّحذير يشي بوجود أفراد مِن المسلمين كانوا يستثقلون تكاليف الجهاد الطَّويل ومشقَّته الدَّائمة، وتهن عزائمهم دونه، ويرغبون في السِّلم والمهادنة ليستريحوا مِن مشقَّة الحروب. وربَّما كان بعضهم ذوي قرابة في المشركين ورحم، أو ذوي مصالح وأموال وكان هذا يجنح بهم إلى السِّلم والمهادنة. فالنَّفس البشريَّة هي هي؛ والتَّربية الإسلاميَّة تعالج هذا الوَهَن وهذه الخواطر الفطريَّة بوسائلها. وقد نجحت نجاحًا خارقًا. ولكن هذا لا ينفي أن تكون هناك رواسب في بعض النُّفوس، وبخاصَّة في ذلك الوقت المبكِّر مِن العهد المدني. وهذه الآية بعض العلاج لهذه الرَّواسب. فلننظر كيف كان القرآن يأخذ النُّفوس. فنحن في حاجة إلى تحرِّي خطوات القرآن في التَّربية، والنُّفوس هي النُّفوس:
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35].. أنتم الأعلون. فلا تهنوا وتدعوا إلى السِّلم. وأنتم الأعلون اعتقادًا وتصوُّرًا للحياة. وأنتم الأعلون ارتباطًا وصلةً بالعلي الأعلى. وأنتم الأعلون منهجًا وهدفًا وغايةً. وأنتم الأعلون شعورًا وخلقًا وسلوكًا.. ثمَّ.. أنتم الأعلون قوَّة ومكانًا ونصرةً. فمعكم القوَّة الكبرى: وَاللَّهُ مَعَكُمْ.. فلستم وحدكم. إنَّكم في صحبة العلي الجبَّار القادر القهَّار. وهو لكم نصير حاضر معكم. يدافع عنكم. فما يكون أعداؤكم هؤلاء والله معكم؟! وكلُّ ما تبذلون، وكلُّ ما تفعلون، وكلُّ ما يصيبكم مِن تضحيات محسوبٌ لكم، لا يضيع منه شيء عليكم:
وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ.. ولن يقطع منها شيئًا لا يصل إليكم أثره ونتيجته وجزاؤه.
فعلام يهن ويضعف ويدعو إلى السِّلم مَن يقرِّر الله سبحانه له أنَّه الأعلى، وأنَّه معه، وأنَّه لن يفقد شيئًا مِن عمله؟! فهو مكرَّم منصور مأجور) .

محمد رافع 52 23-12-2013 10:36 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

وردت أحاديث في السُّنَّة النَّبويَّة في ذَمِّ الوَهَن، منها:
- عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت)) .
قال العظيم آبادي في شرح هذا الحديث: (... ((يوشك الأمم)). أي يَقْرُب فِرَق الكفر وأمم الضَّلالة. ((أن تداعى عليكم)). أي: تتداعى، بأن يدعو بعضهم بعضًا لمقاتلتكم، وكسر شوكتكم، وسلب ما ملكتموه مِن الدِّيار والأموال. ((كما تداعى الأكلة)). أي: يَقْرُب أنَّ فِرَق الكفر وأمم الضَّلالة... يدعو بعضهم بعضًا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم؛ ليغلبوا على ما ملكتموها مِن الدِّيار، كما أنَّ الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضًا إلى قصعتهم التي يتناولونها مِن غير مانع، فيأكلونها صفوًا مِن غير تعب. ((ومِن قلَّة)). أي: أنَّ ذلك التَّداعي لأجل قلَّة نحن عليها يومئذ. ((كثير)). أي: عددًا، وقليل مددًا. ((ولكنَّكم غُثَاء كغُثَاء السَّيل)). ما يحمله السَّيل مِن زَبَد ووَسَخ؛ شبَّههم به لقلَّة شجاعتهم ودناءة قدرهم. ((ولينزعنَّ)). أي: ليخرجنَّ. ((المهابة)). أي: الخوف والرُّعب. ((وليقذفنَّ)). أي: وليرمينَّ الله. ((الوَهن)). أي: الضَّعف، وكأنَّه أراد بالوَهن ما يوجبه، ولذلك فسَّره بحبِّ الدُّنيا وكراهة الموت. ((وما الوَهن؟)) أي: ما يوجبه وما سببه؟ قال الطيبيُّ رحمه الله: سؤالٌ عن نوع الوَهن، أو كأنَّه أراد منِ أي وجه يكون ذلك الوَهن. ((قال: حبُّ الدُّنيا وكراهية الموت)). وهما متلازمان، فكأنَّهما شيء واحد، يدعوهم إلى إعطاء الدَّنيَّة في الدِّين مِن العدو المبين، ونسأل الله العافية) .
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزَّرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) .
قال المناويُّ شارحًا هذا الحديث: (... ((إذا تبايعتم بالعينة)). أن يبيع سلعةً بثمن لأجَل ثمَّ يشتريها منه بأقلَّ منه. ((وأخذتم أذناب البقر)). كناية عن الاشتغال بالحرث. ((ورضيتم بالزَّرع)). أي: بكونه همَّتكم ونهمتكم. ((وتركتم الجهاد)). أي: غزو أعداء الدِّين. ((سلَّط الله عليكم ذلًّا)). ضعفًا واستهانةً. ((لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)). أي: إلى الاهتمام بأمور دينكم، جعل ذلك بمنزلة الرِّدَّة والخروج عن الدِّين لمزيد الزَّجر والتَّهويل) .

محمد رافع 52 23-12-2013 10:37 PM

آثار الوَهن

1- سببٌ مِن أسباب التَّعرُّض لبغض الله سبحانه وتعالى وبغض رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- سببٌ لتسلُّط العدوِّ على الأمَّة وتكالبه عليها، وإذلالها، ونهب خيراتها، والتَّعرُّض لمقدَّساتها.
3- الوَهن ي*** الغيرة، ويهوِّن أمرها، ويسهِّل هتك الأعراض و****** الحقوق، والتَّعدِّي على الحرمات والأموال.
4- سببٌ في ضياع الأمَّة وتشرذمها وذهاب ريحها، وتفرُّق أبنائها، واختلاف قادتها.
5- الوَهن سبب لدمار الأرض، وخرابها، وإهلاك الحرث والنَّسل؛ وذلك بسبب تسلُّط المتجبِّرين وطغيانهم.

محمد رافع 52 23-12-2013 10:39 PM

أسباب الوَهَن

1- ضعف الإيمان، فهو سببٌ لاستمراء الهوان، والرِّضا بالذُّلِّ.
2- حبُّ الدُّنيا والتعلُّق بها والحرص عليها، والانغماس في ملذَّاتها وشهواتها، كلُّ ذلك يولِّد الوَهَن في القلب؛ لذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوَهن قال: ((حبُّ الدُّنيا وكراهية الموت)).
3- كراهية الموت.. والحرص على حياة، أي حياة كانت، حتى لو غُمِسَت بذُلٍّ، وكُسِيت بعارٍ، وهذه صفةٌ مِن صفات اليهود الأذلَّة، ومَن اتَّصف بها كان مشابهًا لهم فيها، قال الله تبارك وتعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة: 96].
4- التَّنازع والاختلاف سببٌ قويٌّ مِن أسباب بثِّ الوَهن والضَّعف في قلب الأمَّة.
5- التَّربية السَّيِّئة، والتَّنشئة الخاطئة، على الرضا بالذُّل والضَّعف والوَهَن.
6- اليأس مِن الوضع المرير الذي تعيشه الأمَّة، والقنوط مِن واقعها مِن الأسباب التي تؤدِّي إلى وهن العزائم وضعف الهمم.
7- مصاحبة المخذِّلين، والاستماع للمرجفين.

محمد رافع 52 23-12-2013 10:41 PM

الأسباب المعينة على التخلص من الوهن

1- تقوية الإيمان وزيادته، فالإيمان جذوة تتَّقد في قلب المؤمن فتطرد منه الوَهن، وتشدُّ مِن عزمه وعزيمته.
قال الواحديُّ في تفسيره: (إنَّ الإيمان يوجب ما ذُكِر مِن ترك الوَهن والحزن، أي: مَن كان مؤمنًا يجب أن لا يَهِن ولا يحزن لثقته بالله عزَّ وجلَّ) .
2- الزُّهد في الدُّنيا وعدم التَّعلُّق بها، والتَّزوُّد منها بزاد المسافر، فذلك حريٌّ أن يقوِّي القلب، ويُبْعِد عنه الوَهن.
3- الاستعداد للموت بالعمل الصالح، وتحديث النفس بالشهادة في سبيل الله.
4- عدم استعجال النَّصر والتَّمكين، والصَّبر على الابتلاء، واليقين بنصر الله وإعزازه لجنده، وتمكينه لأوليائه.
5- مقارنة الحال -عند الإصابة والابتلاء- بأحوال الأعداء، ومعرفة أنَّ ما أصاب المسلمين مِن الألم قد أصاب الأعداء مثله، إلَّا أنَّهم يتميَّزون عنهم أنَّهم يرجون مِن الله ما لا يرجون، فالمؤمنون عند تساويهم مع أعدائهم في درجة الألم، يتمتَّعون بقوَّة إيمانهم، ونُبْل مسلكهم، وانتظار الظَّفر أو الجنَّة، قال تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [النَّساء: 104].
6- طرد الخوف مِن القلب، والتَّحلِّي بالشَّجَاعَة، مهما كانت قوَّة العدو، وتفوُّقهم عُدَّة وعتادًا، فكيد الكافرين مهما كان قويًّا فإنَّ الله عزَّ وجلَّ مُوهِنه ومُضْعِفه: ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [الأنفال: 18].
اليقين بعلوِّ هذا الدِّين، علوًّا بنصرة الله له، وتمكينه لأهله، فإذا عرف المؤمن ذلك استنكف أن يعطي الدَّنيَّة في دينه، أو أن يدعو إلى السِّلم والموادعة، أو أن يَذِلَّ لعدوٍّ مهما كانت قوَّته وجبروته: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35].

محمد رافع 52 23-12-2013 10:42 PM

أقوال وأمثال عن الوَهَن

- قال بعض الحكماء: (لا تشاور إلَّا الحازم غير الحسود، واللَّبيب غير الحقود، وإيَّاك ومشاورة النِّساء؛ فإنَّ رأيهنَّ إلى الأَفْن ، وعزمهنَّ إلى الوَهن) .
- ويقال: (لا تخلط يقينك بالشَّكِّ؛ فيفسد عليك العزم، ولا توقف عملك على الشَّكِّ؛ فيدخل عليك الوَهن) .
- ومِن أمثالهم في الوَهِن الضَّعيف قولهم:
- ما له بِذْمٌ. وما له صَيُّورٌ. وما له أكلٌ. أي: ليس له رأي ولا قوَّة .
- (رأس اللَّئيم يحتمل الوَهن، ولا يحتمل الدهن) .

محمد رافع 52 23-12-2013 10:56 PM

ذم الوَهن في واحة الشِّعر
قال الملتمس:


مَن كان ذا عَضُدٍ يدرك ظلامتَه --- إنَّ الذَّليلَ الذي ليست له عَضُدُ



تنبو يداه إذا ما قلَّ ناصرُه --- ويمنعُ الضَّيمَ إن أثرى له عددُ



ولا يقيمُ على ضيمٍ يُسَامُ به --- إلَّا الأذلَّان: عِيرُ الحيِّ والوتدُ



هذا على الخسفِ مربوطٌ برمَّتِه --- وذا يُشَجُّ فلا يرثي له أحدُ



إنَّ الهوانَ حمارُ الأهلِ يعرفُه --- والحرُّ ينكرُه والجَسْرَةُ الأجُد



وقال الشَّريف المرتضى:


يا طالبَ الدُّنيا على ذلٍّ بها --- اعززْ عليَّ بأن أراك ذليلًا



ما لي أراك حَلُمتَ في طلبِ الغنى --- ولربَّما صغرتْ يداك ثقيلًا



لو كنتَ تعقلُ أو تشاورُ عاقلًا --- كان الكثيرُ وقد ذللت قليلًا



ذَلَّ امرؤٌ جعل المذلَّةَ دهرَه --- طلبَ المغانمِ منزلًا مأهولًا



عدَّ المطامعَ كيف شئتَ وخذْ بها --- ملءَ اليدين مِن العفافِ بديلًا



وإِذا فجعْتَ بماءِ وجهِكَ لم يُفدْ --- إن نلتَ مِن أيدي الرِّجالِ جزيلًا



وقال -أيضًا-:


إذا شئتَ أن تلقَى الهوانَ فلُذْ بمن --- يُرْجَى لنفعٍ أو لدفعِ مضرَّةِ



فهامُ الرِّجالِ الآنفين عزيزةٌ --- إن حُمِّلتَ منًّا لذي المنِّ ذلَّتِ



وعدِّ عن الأطماعِ فهي مذلَّةٌ --- ولو خالطتْ شُمَّ الجبالِ لخَرَّتِ



فويلٌ لنفسٍ حُلِّئَت عن مرامِها --- وويلٌ لنَفسٍ أُعطيت ما تمنَّتِ



وليس بخافٍ قبحُ حرصٍ على غنى --- ولكنْ عقولٌ بالضَّراعةِ جُنَّتِ .



وقال آخر:


إنَّ الأذلَّةَ واللِّئامَ معاشرٌ --- مولاهم متهضَّمٌ مظلومُ



فإذا أهنتَ أخاك أو أفردتَه --- عمدًا فأنت الواهِنُ المذمومُ .

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:A...LwPBmUxBgwO-4h


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:47 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.