بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 29-04-2013 08:05 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mabrok (المشاركة 5246262)
جزاك الله كل خير

بارك الله فيك

محمد رافع 52 01-05-2013 05:33 PM

أولًا: في القرآن الكريم
لقد حثَّ الإسلام على السَّتْر، ورغَّب فيه، واتَّخذ وسائل من أجل ذلك، فشرع حدَّ القذف، حتَّى لا يُطْلِق كلُّ أحد لسانه، وكذا أمر في إثبات حدِّ الزِّنى بأربعة شهود، ونهى عن أن يتجسَّس المسلم على أخيه، كما توعَّد بالعذاب لكلِّ من يشيع الفاحشة في المؤمنين:
- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النُّور: 19].
قال ابن كثير: (أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا أي: بالحدِّ، وفي الآخرة بالعذاب) .
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12].
عن مجاهد في قوله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا قال: (خذوا ما ظهر لكم، ودعوا ما سَتَر الله) .
وقال الطَّبري: (وقوله: وَلا تَجَسَّسُوا يقول: ولا يتتبَّع بعضكم عَوْرة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظُّهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذمُّوا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره) .
- وقال تعالى: وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ [فصِّلت: 22].
قال القرطبي: (معنى تَسْتَتِرُونَ: تستخفون، في قول أكثر العلماء، أي: ما كنتم تستخفون من أنفسكم حذرًا من شهادة الجوارح عليكم، ولأنَّ الإنسان لا يمكنه أن يُخفِي من نفسه عمله، فيكون الاستخفاء بمعنى ترك المعصية) .
وقال البيضاوي: (أي: كنتم تَسْتَتِرون عن النَّاس عند ارتكاب الفواحش، مخافة الفضيحة، وما ظننتم أنَّ أعضاءكم تشهد عليكم بها، فما اسْتَـتَــرْتم عنها. وفيه تنبيه على أنَّ المؤمن ينبغي أن يتحقَّق أنَّه لا يمرُّ عليه حال إلا وهو عليه رقيب. وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ [فصِّلت: 22] فلذلك اجترأتم على ما فعلتم) .

محمد رافع 52 01-05-2013 05:44 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويِّة

كان النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرَّجل الشَّيء،لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ وهذا مشهور عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من المجَاهرة: أن يعمل الرَّجل باللَّيل عملًا، ثمَّ يصبح وقد سَتَره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يَسْتُره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه)) .
قال ابن الجوزي: (المجَاهرون: الذين يجاهرون بالفواحش، ويتحدَّثون بما قد فعلوه منها سرًّا، والنَّاس في عافية من جهة الهمِّ مستورون، وهؤلاء مُفْتَضحون) .
قال العيني: (أنَّ ستْر الله مستلزم لستْر المؤمن على نفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجَاهرة، فقد أغضب الله تعالى فلم يَسْتُره، ومن قصد التَّسَتُّر بها حياءً من ربِّه ومن النَّاس، مَنَّ الله عليه بِسِتره إيَّاه) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كُرْبة من كُرَب الآخرة، ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)) .
قال المباركفوري: (من سَتَر مسلمًا، أي: بَدَنه أو عيبه بعدم الغيبة له، والذَّبِّ عن معائبه، وهذا بالنِّسبة إلى من ليس معروفًا بالفساد، وإلَّا فيُستحب أن تُــرْفع قصَّته إلى الوالي، فإذا رآه في معصية، فينكرها بحسب القدرة، وإن عَجز، يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتَّب عليه مفسدة) .
- وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عَورَاتهم، فإنَّه من اتَّبع عَوراتهم يتَّبع الله عَوْرته، ومن يتَّبع الله عَوْرته يفضحه في بيته)) .
(فاسْتُر إخوانك، فإنَّه لا طاقة لك بحرب الله، القادر على كشف عيوبك، وفضح ذنوبك، التي لا يعلمها النَّاس عنك، وألْجِم لسانك عن الخوض في الأعراض، وتتبُّع العَورات، وإفساد صِيت إخوانك، وإساءة سُمْعَتهم) .
- وفي قصَّة ماعز بن مالك الأسلمي، عندما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف على نفسه بالزِّنى، وسأله أن يقيم عليه الحدَّ ليطهِّره، فأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم برجمه . فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله مع من زنيت، وكذلك المرأة الغامديَّة ، عندما أقرَّت على نفسها،لم يسألها النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
- وفي إحدى روايات حديث ماعز، أنَّه جاء إلى أبي بكر الصِّديق، فقال له: ((إنَّ الآخر زنى -يريد نفسه- فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ فقال: لا. فقال له أبو بكر: فتُب إلى الله، واسْتَتِر بسِتر الله؛ فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده. فلم تُقْرِره نفسه، حتَّى أتى عمر بن الخطَّاب، فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر. فلم تُقْرِره نفسه حتَّى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: إنَّ الآخر زنى. فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرَّات، كلُّ ذلك يُعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى إذا أكثر عليه، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: أيشتكي، أم به جِنَّة؟ فقالوا: يا رسول الله، والله إنَّه لصحيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبِكْر أم ثيِّب؟ فقالوا: بل ثيِّب، يا رسول الله، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرُجِم)) .
قال ابن عبد البر: (وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ السَّتْر أولى بالمسلم على نفسه -إذا وقَّع حدًّا من الحدود- من الاعتراف به عند السُّلطان، وذلك مع اعتقاد التَّوبة والنَّدم على الذَّنب، وتكون نيَّته ومعتقده ألَّا يعود، فهذا أولى به من الاعتراف، فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده، ويحبُّ التَّــوَّابين) .
- وفي رواية: ((أنَّ رجلًا اسمه هَزَّال، هو الذي أشار على ماعز أن يأتي النَّبي صلى الله عليه وسلم فيخبره، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك)) .
قال أبو الوليد الباجي: (وقوله صلى الله عليه وسلم لـهَزَّال ((يا هَزَّال، لو سَتَــرْته بردائك، لكان خيرًا لك)). هَزَّال هذا هو: هَزَّال بن رئاب بن زيد بن كليب الأسلمي. ويريد بقوله: ((لو سَتَــرْته بردائك، لكان خيرًا لك)). يريد: ممَّا أظهرته من إظهار أمره، وإخبار النَّبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر به، فكان ستْره بأن يأمره بالتَّوبة، وكتمان خطيئته، وإنَّما ذكر فيه الرِّداء على وجه المبالغة، بمعنى أنَّه لو لم تجد السَّبيل إلى سِتْره إلَّا بأن تَسْتُره بردائك ممَّن يشهد عليه، لكان أفضل ممَّا أتاه، وتسبَّب إلى إقامة الحدِّ عليه، والله أعلم وأحكم) .
وقال ابن الأثير: (ومنه حديث ماعز ((ألَا سَتَرْته بثوبك يا هَزَّال)). إنما قال ذلك حبًّا لإخفاء الفضيحة، وكراهيةً لإشاعتها) .

محمد رافع 52 01-05-2013 05:48 PM

أقوال السَّلف والعلماء في الحثِّ على السَّتْر
- قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: (لو أخذت سارقًا لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ، ولو أخذت شاربًا، لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ) .
- وعن أبي الشَّعثاء قال: (كان شُرَحْبِيل بن السِّمْط على جيشٍ، فقال لجيشه: إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب- يعني الخمر- فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فنطهِّره، فأتاه ناس، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب، فكتب إليه: أنت- لا أمَّ لك - الذي يأمر النَّاس أن يهتكوا سِتْر الله الذي سَتَرَهم به) .
- وعن المعْرُور بن سُوَيْد قال: (أُتي عمر بامرأة راعية زنت، فقال عمر: ويح المرِّيَّة، أفسدت حَسَبَها، اذهبا بالمرِّيَّة فاجلداها، ولا تخرقا عليها جلدها، إنَّما جعل الله أربعة شهداء سترًا ستركم به دون فواحشكم، ولو شاء لجعله رجلًا صادقًا أو كاذبًا، فلا يطَّلعنَّ سِتْر الله منكم أحد) .
- وعن الشَّعبي: أنَّ رجلًا أتى عمر بن الخطَّاب، قال: (إنَّ ابنة لي أصابت حدًّا، فعَمَدت إلى الشَّفْرة، فذبَحَت نفسها، فأدركتُها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت، ثم أنَّها نَسَكت، فأقبلت على القرآن، فهي تُخْطب إليَّ، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له عمر: تعمد إلى سِتْر سَتَره الله فتكشفه؟ لئن بلغني أنَّك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنَّك نَكالًا لأهل الأمصار، بل أنكِحها نكاح العفيفة المسلمة) .
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ثلاث أحلف عليهنَّ، والرَّابعة لو حلفت لبَررْت: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولَّى اللهَ عبدٌ في الدُّنيا فولَّاه غيره يوم القيامة، ولا يحبُّ رجل قومًا، إلا جاء معهم يوم القيامة، والرَّابعة التي لو حلفت عليها لبَررْت: لا يَسْتُر الله على عبد في الدُّنيا، إلَّا سَتَر عليه في الآخرة) .
- وعن مريم بنت طارق: (أنَّ امرأة قالت لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمَّ المؤمنين، إنَّ كَرِيًّا أخذ بساقي وأنا مُحْرِمَة، فقالت -رضي الله عنها-: حِجْرًا حِجْرًا حِجْرًا ، وأعرضت بوجهها، وقالت بكفِّها، وقالت: يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكنَّ ذنبًا، فلا تخبرنَّ به النَّاس، ولتستغفر الله تعالى، ولتتب إليه؛ فإنَّ العباد يُعَيِّرُون ولا يُغَيِّرُون، والله تعالى يُغَيِّر ولا يُعَيِّر) .
- وعن أبي عثمان النَّهدي، قال: (إنَّ المؤمن ليُعطى كتابه في سِتْرٍ من الله تعالى، فيقرأ سيِّئاته فيتغيَّر لونه، ثمَّ يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثمَّ ينظر، وإذا سيِّئاته قد بُدِّلت حسنات، فعند ذلك يقول: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: 19]) .
- وقال الحسن البصري: (من كان بينه وبين أخيه سِتْر فلا يكشفه) .
- وعن إبراهيم بن أدهم، قال: (بلغني أنَّ عمر بن عبد العزيز قال لخالد ابن صفوان: عِظْني وأوجز. قال: فقال خالد: يا أمير المؤمنين، إنَّ أقوامًا غرَّهم سِتْر الله عزَّ وجلَّ، وفتنهم حُسْن الثَّناء، فلا يغلبنَّ جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالسِّتْر مغرورين، وبثناء النَّاس مسرورين، وعمَّا افترض الله متخلِّفين مقصرين، وإلى الأهواء مائلين. قال: فبكى، ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتِّباع الهوى) .
- وقال العلاء بن بدر: (لا يعذِّب الله عزَّ وجلَّ قومًا يسترون الذُّنوب) .
- وعن محمود بن آدم قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: (لولا ستْر الله عزَّ وجلَّ ما جالسَنا أحدٌ) .
- وعن شُبَيْل بن عوف الأَحْمَسِي، قال: (كان يقال: من سمع بفاحشة، فأفشاها، كان فيها كالذي بدأها) .
- وعن عبد الله بن المبارك، قال: (كان الرَّجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في سِتْر، ونهاه في سِتْر، فيُؤجر في سِتْره، ويُؤجر في نهيه، فأمَّا اليوم فإذا رأى أحدٌ من أحدٍ ما يكره، استغضب أخاه، وهتك سِتْره) .
- وقال الفضيل بن عياض: (المؤمن يَسْتر وينصح، والفاجر يهتِك ويُعيِّر) .
- وعن عبيد الله بن عبد الكريم الجِيْلِي، قال: (من رأيته يطلب العثرات على النَّاس، فاعلم أنَّه معيوب، ومن ذكر عَورات المؤمنين، فقد هتك سِتْر الله المرخَى على عباده) .
- وقال ابن رجب: (رُوي عن بعض السَّلف أنَّه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب النَّاس، فذكر النَّاس عيوبهم. وأدركت أقوامًا، كانت لهم عيوب فكَفُّوا عن عيوب النَّاس فنُسيت عيوبهم) .
وقال ابن القيِّم: (وأمَّا اكتفاؤه في ال*** بشاهدين دون الزِّنا، ففي غاية الحِكْمة والمصلحة؛ فإنَّ الشَّارع احتاط للقصاص والدِّماء، واحتاط لحدِّ الزِّنا، فلو لم يقبل في ال*** إلَّا أربعة لضاعت الدِّماء، وتواثب العادون، وتجرَّءوا على ال***؛ وأمَّا الزِّنا فإنَّه بَالَغَ في سِتْره، كما قدَّر الله سِتْره، فاجتمع على ستْره شرع الله وقدره، فلم يقبل فيه إلَّا أربعة يصِفُون الفِعْل وصف مشاهدة، ينتفي معها الاحتمال؛ وكذلك في الإقرار، لم يكتف بأقلَّ من أربع مرَّات، حرصًا على سِتْر ما قدَّر الله ستْره، وكَرِه إظهاره، والتَّكلُّم به، وتوعَّد من يحبُّ إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم، في الدُّنيا والآخرة) .
وقال أيضًا: (للعبد سِتْرٌ بينه وبين الله، وسِتْرٌ بينه وبين النَّاس، فمن هتك السِّتْر الذي بينه وبين الله، هتك الله السِّتْر الذي بينه وبين النَّاس) .
وقال أيضًا: (ومن النَّاس من طبعه طبع خنزير: يمرُّ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قَمَّه ، وهكذا كثير من النَّاس، يسمع منك، ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ، فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة، أو كلمة عَوْراء، وجد بغيته، وما يناسبها، فجعلها فاكهته ونقله) .
وقال أبو البركات الغزي العامري في كلامه عن آداب العِشْرة بين المسلمين: (ومنها: الاجتهاد في سِتْر عَورَات الإخوان وقبائحهم، وإظهار مناقبهم، وكونهم يدًا واحدةً في جميع الأوقات) .

محمد رافع 52 01-05-2013 05:53 PM

فوائد السَّتْرِ

1- نشر الحبِّ والألفة بين المؤمنين.
2- أنه يعين العاصي على أن يتدارك نفسه، ويتوب إلى الله توبةً نصوحًا، وبالعكس فلو فُضِح وشُهِّر به، لكان في هذا إعانة للشَّيطان عليه، حيث يدفعه إلى مزيد من المعاصي والآثام.
3- أنَّ فَضْح النَّاس -وخاصة أهل الفضل منهم إن بدت منهم زلَّة أو هفوة- قد يجرِّئ كثيرًا من عوام النَّاس على المعاصي.
4- أنَّ نفس السَّاتر تزكو، ويرضى عنه الله، ويَسْتُره في الدُّنيا والآخرة.
متى ينبغي السَّتْر على المسلم؟
ينبغي على المسلم أن يَسْتر إخوانه المسلمين، وخاصَّةً إذا كانوا من ذوي الهيئات، وممَّن ليسوا معروفين بالأذى والفساد، أمَّا إذا كانوا معروفين بالفساد، ويجاهرون به، فلا يَسْتُر عليهم. يقول ابن تيمية: (فمن أظهر المنكر، وجب عليه الإنكار، وأن يُهْجَر ويُذَمَّ على ذلك. فهذا معنى قولهم: من ألقى جلباب الحياء، فلا غيبة له. بخلاف من كان مُسْتَتِرًا بذنبه، مُسْتَخْفيًا، فإنَّ هذا يُسْتَر عليه؛ لكن يُنْصَح سِرًّا، ويَهْجُره من عرف حاله، حتَّى يتوب، ويَذْكر أمره على وجه النَّصيحة) .
وقال النَّووي: (وأمَّا السَّتر المندوب إليه هنا، فالمراد به: السَّتر على ذوي الهيئات ونحوهم، ممَّن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد، فأمَّا المعروف بذلك، فيُسْتَحبُّ أن لا يُسْتَر عليه، بل تُرْفَع قضيته إلى وليِّ الأمر، إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأنَّ السِّتر على هذا يُطْمِعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله. هذا كلُّه في سِتْر معصية وقعت وانقضت، أمَّا معصية رآه عليها، وهو بعد متلبِّسٌ بها، فتجب المبادرة بإنكارها عليه، ومنعه منها على من قَدر على ذلك، ولا يحلُّ تأخيرها، فإن عجز، لزمه رفعها إلى ولي الأمر، إذا لم تترتَّب على ذلك مفسدة، وأمَّا جَرْح الرُّواة والشُّهود والأُمناء على الصَّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، فيجب جَرْحُهم عند الحاجة، ولا يحلُّ السِّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة، وهذا مُجْمَعٌ عليه، قال العلماء في القسم الأوَّل -الذي يُسْتَر فيه-: هذا السِّتر مندوب، فلو رفعه إلى السُّلطان ونحوه،لم يأثم بالإجماع، لكن هذا خلاف الأولى، وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه، والله أعلم) .
وقال ابن رجب: (واعلم أنَّ النَّاس على ضربين:
أحدهما: من كان مَسْتُورًا، لا يُعْرَف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هَفْوة، أو زلَّة، فإنَّه لا يجوز كشفها، ولا هتكها، ولا التَّحدث بها؛ لأنَّ ذلك غيبة محرَّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النُّور: 19]. والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن المسْتَتِر فيما وقع منه، أو اتُّهم به وهو بريء منه، كما في قصَّة الإفك. قال بعض الوزراء الصَّالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تَسْتُر العصاة، فإنَّ ظهور معاصيهم، عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستْر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائبًا نادمًا وأقرَّ بحدٍّ، ولم يفسِّره، لم يُسْتَفْسَر، بل يؤمر بأن يرجع ويَسْتر نفسه، كما أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامديَّة، وكما لم يَسْتَفْسر الذي قال: أصبت حدًّا، فأقمه علي. ومثل هذا لو أُخِذ بجريمته، ولم يبلغ الإمام، فإنَّه يُشْفَع له، حتَّى لا يبلغ الإمام.
والثَّاني: من كان مُشْتَهِرًا بالمعاصي، معلنًا بها، لا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعْلن، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسن البصري وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره؛ لتقام عليه الحدود. صرَّح بذلك بعض أصحابنا، واستدل بقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها)) . ومثل هذا لا يُشْفَع له إذا أُخِذ، ولو لم يبلغ السُّلطان، بل يُتْرك حتَّى يُقَام عليه الحدُّ، لينكفَّ شرُّه، ويَرْتَدع به أمثاله. قال مالك: من لم يُعرف منه أذى للناس، وإنَّما كانت منه زلَّة، فلا بأس أن يُشْفع له، ما لم يبلغ الإمام، وأمَّا من عُرِف بشَرٍّ أو فساد، فلا أحبُّ أن يشفع له أحد، ولكن يُتْرك حتَّى يُقَام عليه الحدُّ. حكاه ابن المنذر وغيره.
وكره الإمام أحمد رَفْع الفُسَّاق إلى السُّلطان بكلِّ حال، وإنَّما كرهه؛ لأنَّهم غالبًا لا يقيمون الحدود على وجهها، ولهذا قال: إن عَلِمت أنَّه يقيم عليه الحدَّ فارفعه، ثمَّ ذكر أنَّهم ضربوا رجلًا، فمات، يعني: أنَّه لم يكن قَتْلُه جائزًا.
ولو تاب أحد من الضَّرب الأوَّل، كان الأفضل له أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى، ويَسْتُر على نفسه.
وأما الضَّرب الثَّاني، فقيل: إنَّه كذلك، وقيل: بل الأولى له أن يأتي الإمام، ويقرَّ على نفسه بما يوجب الحدَّ، حتَّى يطهِّره) .
السَّتْرُ لا يعني ترك إنكار المنكر:
لا يعني السَّتْر ترك الإنكار على من تَسْتُره فيما بينك وبينه، وإذا أنكرت عليه، ونصحته، فلم ينتهِ عن قبيح فعله، ثمَّ جَاهَر به جازت الشَّهاده عليه بذلك، كما ذكر ذلك العلماء، وقد فرَّق ابن حجر بين مَحَلِّ السَّتر والإنكار، قال: (والذي يظهر أنَّ السَّتر محلُّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حَصل التَّلبُّس بها، فيجب الإنكار عليه، وإلَّا رفعه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة) .
وينبغي أن تكون النَّصيحة سرًّا ولا تكون أمام الملأ.
يقول الشافعي في ذلك:


تَعَمَّدني بنصحك في انفرادي***وجنِّبني النَّصيحة في الجماعهْ



فإنَّ النُّصح بين النَّاس نوع***من التَّوبيخ لا أرضى استماعه



وإن خالفتني وعصيت قولي***فلا تجزع إذا لم تُعط طاعهْ


محمد رافع 52 01-05-2013 05:57 PM

صور السَّتْرِ

1- ستر المسلم نفسه:
(المسلم عليه أن يستر نفسه، فلا يُشْهر خطاياه أمام الخَلْق، ولا يذكر زلَّاته أمام النَّاس، ولو كانوا أصدقاءه، إلَّا على وجه السُّؤال والفتيا، دون تحديد أنَّه الفاعل، سيَّما عند من يعرفه) .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من المجَاهرة أن يعمل الرَّجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يَسْتُره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أيُّها النَّاس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئًا، فليَسْتَتر بسِتْر الله)) .
2- ستْر المسلم لإخوانه المسلمين:
وكما يَسْتُر المسلم نفسه، عليه أن يَسْتُر إخوانه المسلمين، إذا رأى منهم عيبًا أو خطأً، قال صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كُرْبةً من كُرَب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كُرْبةً من كُرَب الآخرة، ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)) .
3- ستْر الميِّت:
إذا غسَّل المسلم ميِّتًا، فرأى فيه شيئًا معيبًا، فعليه أن يَسْتره، ويكتم أمره، قال صلى الله عليه وسلم: ((من غسَّل ميِّتًا، فكتم، غَفَر الله له أربعين مرَّةً)) .
الوسائل المعينة على اكتساب صفة السَّتْر:
1- أن تعلم فضل السَّتْر، وأنَّ من سَتَر أخاه المسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة.
2- أن تستشعر معنى أخوة الإيمان، فقد قال الله عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في تَوَادِّهِم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عُضْو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى)) .
3- أن تضع نفسك مكان أخيك الذي أخطأ وزلَّ، فهل تحبُّ أن تُفْضَح أم تُسْتَر؟ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم، حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه)) ، وعن عكرمة أنَّ ابن عبَّاس، وعمَّارًا، والزُّبير -رضي الله عنهم جميعًا- أخذوا سارقًا، فخلوا سبيله، فقلت لابن عبَّاس: (بئسما صنعتم حين خلَّيتم سبيله، قال: لا أمَّ لك، أما لو كنت أنت، لسرَّك أن يُخَلَّى سبيلك) .
4- أن ينشغل العبد بإصلاح نفسه: قال الحسن البصري: (يا ابن آدم، لن تنال حقيقة الإيمان حتَّى لا تعيب النَّاس بعيب هو فيك، وتبدأ بذلك العيب من نفسك، فتصلحه، فما تصلح عيبًا إلَّا ترى عيبًا آخر، فيكون شغلك في خاصَّة نفسك). وقيل لربيع بن خُثَيْم: ما نراك تعيب أحدًا، ولا تذمُّه! فقال: ما أنا على نفسي براضٍ، فأتفرَّغ من عيبها إلى غيرها) .

نسيــــــم الجنـــــــــة 01-05-2013 06:02 PM

بوركت جهودكم القيمة

محمد رافع 52 01-05-2013 06:03 PM

السَّتْرُ في واحة الشِّعر
قال ثعلب:


ثلاثُ خصالٍ للصَّديقِ جعلتُها***مُضَارِعَةً للصَّومِ والصَّلواتِ



مواساتُه والصَّفحُ عن عثراتِه***وتركُ ابتذالِ السِّرِّ في الخلواتِ



وقيل:


إذا شئتَ أن تحيا ودينُك سالـمٌ***وحظُّك موفورٌ وعرضُك صَيِّنُ



لسانُك لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ***فعندك عَوراتٌ وللنَّاسِ ألسنُ



وعينُك إن أبدتْ إليك معايبًا***لقومٍ فقلْ: يا عينُ للنَّاسِ أعينُ



وصاحبْ بمعروفٍ وجانبْ مَن اعتدَى***وفارقْ ولكن بالتي هي أحسنُ



وقال الشَّاعر:


إذا المرءُ لم يلبسْ ثيابًا مِن الـتُّقَى***تقلَّبَ عريانًا وإن كان كاسيَا



وخيرُ لباسِ المرءِ طاعةُ ربِّه***ولا خيرَ فيمَن كان للهِ عاصيَا



وقال أحمد شوقي:


ومن لم يُقِمْ سِتْرًا على غيرِه***يعِشْ مُسْتَباحَ العرضِ مُنْهَتك السِّتر



وقيل:


شرُّ الورَى مَن بعيبِ النَّاسِ مُشْتَغلٌ***مثلَ الذُّبابِ يراعي موضعَ العللِ



وقال ابن الأعرابي:


إذا المرءُ وفى الأربعين ولم يكنْ***له دونَ ما يأتي حياءٌ ولا سِتْرُ



فدعْه ولا تَنْفَسْ عليه الذي أتى***ولو مد أسباب الحياة له العمر



وقال الشَّاعر:


إذا أنت عِبْتَ النَّاس عابوا وأكثروا***عليك وأبدوا منك ما كان يُسْتَرُ



وقد قال في بعض الأقاويل قائل***له منطق فيه لسان محبر



إذا ما ذكرتَ النَّاسَ فاتركْ عيوبَهم***فلا عيبَ إلا دون ما فيك يُذْكَرُ



فإن عِبْتَ قومًا بالذي ليس فيهم***فذاك عندَ الله والنَّاسِ أكبرُ



وإن عِبْتَ قومًا بالذي فيك مثله***فكيف يَعِيب العُورَ من هو أعورُ





محمد رافع 52 01-05-2013 06:04 PM

http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg

السَّكِينَة
معنى السَّكِينَة لغةً واصطلاحًا

معنى السَّكِينَة لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة.
فالسُّكُونُ ضدُّ الحركة، يقال: سَكَنَ الشَّيء يَسْكُنُ سُكونًا، إذا ذهبت حركته، وكلُّ ما هَدَأَ فقد سَكَن، كالرِّيح والحَرِّ والبرد ونحو ذلك، وسَكَنَ الرَّجل سكت.
والسكينة: الطمأنينة والاستقرار والرزانة والوقار .
معنى السَّكِينَة اصطلاحًا:
قال ابن القيِّم: (هي الطُّمَأنِينة والوَقَار والسُّكون، الذي ينزِّله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدَّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوَّة اليقين والثَّبات) .
وقال الجرجانى: (السَّكِينَة: ما يجده القلب من الطُّمَأنِينة عند تنزُّل الغيب، وهي نور في القلب يَسْكُن إلى شاهده ويطمئن) .

محمد رافع 52 01-05-2013 06:06 PM

الفرق بين السَّكِينَة والوَقَار
السَّكِينَة والوَقَار كلمتان مترادفتان، إلَّا أنَّ هناك فرقًا طفيفًا بينهما، قال أبو هلال العسكري: (إنَّ السَّكِينَة مُفَارَقة الاضطراب عند الغضب والخوف، وأكثر ما جاء في الخوف؛ ألَا ترى قوله تعالى: فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [التَّوبة: 40] وقال: فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 26]، ويُضَاف إلى القلب، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 4] فيكون هيبة وغير هيبة، والوَقَار لا يكون إلا هيبة.
المشهور في الفرق بينهما: أنَّ السَّكِينَة هيئةٌ بدنيَّةٌ تنشأ من اطمئنان الأعضاء.
والوَقَار: هيئةٌ نفسانيَّةٌ تنشأ من ثبات القلب، ذكر ذلك صاحب ((التنقيح))، ونقله صاحب ((مجمع البحرين)) عن بعض المحقِّقين.
ولا يخفى أنَّه لو عُكِس الفرق، لكان أصوب، وأحقَّ بأن تكون السَّكِينَة هيئةً نفسانيَّةً، والوَقَار: هيئةٌ بدنيَّةٌ) .

محمد رافع 52 01-05-2013 06:27 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نسيــــــم الجنـــــــــة (المشاركة 5249492)
بوركت جهودكم القيمة

جزاكم الله خيراً

محمد رافع 52 03-05-2013 12:36 AM

أولًا: في القرآن الكريم
- قوله تعالى: ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [التَّوبة: 26].
أي: أنزل عليهم ما يُسكِّنهم ويُذهب خوفهم، حتَّى اجترؤوا على قتال المشركين بعد أن ولَّوا .
- قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا [التَّوبة: 40].
قال أبو جعفر: (يقول تعالى ذكره: فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله، وقد قيل: على أبي بكر، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا، يقول: وقوَّاه بجنود من عنده من الملائكة، لم تروها أنتم وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ، وهي كلمة الشِّرك السُّفْلَى، لأنَّها قُهِرت وأُذِلَّت، وأبطلها الله تعالى، ومَحَق أهلها، وكلُّ مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب، والغالب هو الأعلى. وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا، يقول: ودين الله وتوحيده وقول لا إله إلَّا الله، وهي كلمته (العُليا)، على الشِّرك وأهله، الغالبة) .
- قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح: 4].
يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ أي: جعل الطُّمَأنِينة. قاله ابن عبَّاس، وعنه: الرَّحمة. وقال قتادة: الوَقَار في قلوب المؤمنين. وهم الصَّحابة يوم الحُدَيبِية، الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلمَّا اطمأنَّت قلوبهم لذلك، واستقرَّت، زادهم إيمانًا مع إيمانهم .
- قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18].
وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ أي: من الصِّدق والوفاء، والسَّمع والطَّاعة، فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ: وهي الطُّمَأنِينة، وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وهو ما أجْرَى الله على أيديهم من الصُّلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتَّصل بفتح خيبر، وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العزِّ والنَّصر والرِّفعة في الدُّنيا والآخرة؛ ولهذا قال: وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح: 18] .
- قوله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 26].
فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي الطُّمَأنِينة والوَقَار.
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وقيل: ثبَّتهم على الرِّضا والتَّسليم، ولم يدخل قلوبهم ما أدْخَل قلوب أولئك من الحَمِيَّة .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:39 AM

ثانيًا: في السُّنَّة النبوية
- عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أُقِيمت الصَّلاة، فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السَّكِينَة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) .
(فيه: النَّدب الأكيد إلى إتيان الصَّلاة بسَكِينة ووَقَار، والنَّهي عن إتيانها سعيًا، سواءً فيه صلاة الجمعة وغيرها، سواءً خاف فَوْت تكبيرة الإحرام أم لا. والمراد بقول الله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] الذَّهاب، يقال: سَعَيْت في كذا أو إلى كذا، إذا ذهبت إليه، وعملت فيه) .
- وعن ابن عبَّاس أنَّهُ دفعَ معَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ عرَفَةَ ، فسمعَ النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ وراءَهُ زَجْرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبِلِ، فأشَارَ بسَوطِهِ إليهمْ، وقالَ: أيُّها الناسُ، عليكم بالسَّكِينَةِ) .
(علَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ) أي: لازموا الطُّمَأنِينة والرِّفق، وعدم المزَاحمة في السَّير.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت أحدًا كان أشبه سَمْتًا وهديًا ودلًّا. وفي رواية: (حديثًا، وكلامًا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه، قام إليها، فأخذ بيدها فقبَّلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته، وأجلسته في مجلسها)) .
قال القاري: (...((سمتًا)). أي: هيئة وطريقة كانت عليها من السَّكِينَة والوَقَار. قال الشَّارح: السَّمت في الأصل القَصْد، والمراد به: هيئة أهل الخير والتَّزيي بزيِّ الصَّالحين. ((وهديًا)) أي: سيرة وطريقة. يقال: فلان حَسَن الهدي، أي: حَسَن المذهب في الأمور كلِّها. ((ودلًّا)): بفتح دال وتشديد لام، فسَّره الرَّاغب بحُسْن الشَّمائل، وأصله من: دلِّ المرأة، وهو شَكْلها، وما يُسْتَحْسَن منها. والكلُّ ألفاظ متقاربة. قال التوربشتي: كأنَّها أشارت بالسَّمت إلى ما يُــرَى على الإنسان من الخشوع والتَّواضع لله، وبالهدي: ما يتحلَّى به من السَّكِينَة والوَقَار، إلى ما يسلكه من المنهج المرضي) .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:43 AM

أقوال السَّلف والعلماء في السَّكِينَة
- قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (تعلَّموا العلم، وتعلَّموا للعلم السَّكِينَة والحلم) .
- قال أبو محمَّد -في حديث علي-: إنَّ ابن عبَّاس -رحمه الله- قال: (ما رأيت رئيسًا مِحْرَبًا يُزَنُّ به ، لرأيته يوم صفِّين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، وكأنَّ عينيه سراجَا سليط وهو يحمش أصحابه إلى أن انتهى إليَّ وأنا في كثف فقال: معشر المسلمين استشعروا الخشية، وعَنُّوا الأصوات، وتجَلْبَبوا السَّكينة، وأكْملُوا اللُّؤَم، وأَخِفُّوا الجُنَن، وأَقْلقُوا السُّيوف في الغُمْد قبل السَّلَّة، والحَظُوا الشَّزْر، واطْعَنُوا الشَّزْر، أو النَّتْر، أو اليَسْر) .
- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كنَّا نتحدَّث أنَّ السَّكِينَة تنطق على لسان عمر وقلبه) .
- وقال ابن القيِّم: (السَّكِينَة إذا نزلت على القلب اطمأن بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوَقَار، وأنطقت اللِّسان بالصَّواب والحِكْمة، وحالت بينه وبين قول الخَنَا والفحش، واللَّغو والهجر وكلِّ باطلٍ. وفي صفة رسول الله في الكتب المتقدِّمة: إنِّي باعث نبيًّا أمِّيًّا، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخَّابٍ في الأسواق، ولا متزيِّنٍ بالفحش، ولا قوَّالٍ للخَنَا. أسدِّده لكلِّ جميلٍ، وأَهَب له كلَّ خُلق كريم، ثمَّ أجعل السَّكِينَة لِبَاسه، والبرَّ شعاره، والتَّقوى ضميره، والحِكْمَة معقوله، والصِّدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خُلُقه، والعدل سيرته، والحقَّ شريعته، والهدي إمامه، والإسلام ملَّته، وأحمد اسمه) .

محمد رافع 52 03-05-2013 12:46 AM

فوائد السَّكِينَة
للتَّحلِّي بهذه الصِّفة فوائد وآثار طيِّبة، تخصُّ الفرد المتَحلِّي بها، وتعمُّ المجتمع من حوله.
قال ابن عثيمين: (السَّكِينَة هي: عدم الحركة الكثيرة، وعدم الطَّيش، بل يكون ساكنًا في قلبه، وفي جوارحه، وفي مقاله، ولا شكَّ أنَّ هذين الوصفين -الوَقَار والسَّكِينَة- من خير الخصال التي يمنُّ الله بها على العبد؛ لأنَّ ضدَّ ذلك: أن يكون الإنسان لا شخصيَّة له ولا هيبة له، وليس وقورًا ذا هيبة، بل هو مَهِين، قد وضع نفسه ونزَّلها، وكذلك السَّكِينَة ضدُّها أن يكون الإنسان كثير الحركات، كثير التَّلفت، لا يُــرَى عليه أثر سَكِينة قلبه، ولا قوله ولا فعله، فإذا مَنَّ الله على العبد بذلك، فإنَّه ينال بذلك خُلُقين كريمين) .
ومن فوائد السكينة ما يلي:
1- السَّكِينَة رداء ينزل فيثبِّت القلوب الطَّائرة، ويهدِّئ الانفعالات الثَّائرة.
2- أنَّ المتَحلِّي بها يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((السَّكِينَة السَّكِينَة)) .
3- متى نزلت على العبد السَّكِينَة: استقام، وصَلحت أحواله، وصَلح بالُه، وإذا ترحَّلت عنه السَّكِينَة، ترحَّل عنه السُّرور والأمن والدَّعة والرَّاحة وطيب العيش، فمِنْ أعظم نعم الله على عبده: تَـنَـزُّل السَّكِينَة عليه، ومن أعظم أسبابها: الرِّضا عنه .
4- المتَحلِّي بالسَّكِينَة يخشع في صلاته.
5- إنَّ من صفة النَّاسك السَّكِينَة؛ لغلبة التَّواضع وإتيان القناعة، ورفض الشَّهوات .
6- السَّكِينَة علامة من علامات رضا الله عزَّ وجلَّ.
7- أنَّ من ثمارها محبَّة الله للعبد، ومن ثمَّ محبَّة النَّاس له.
8- تجعل العبد قادرًا على تحمُّل المصيبة إذا نزلت.
9- تجعل العبد قادرًا على امتصاص غضبه في المواقف الصَّعبة.
وغير ذلك من الفوائد العظيمة، التي يجنيها الفرد والمجتمع المسلم من هذا الخُلِق الكريم.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:11 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.