بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 07-09-2013 09:53 AM

حسد المنافقين

المنافقون يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر والعداوة، وتكاد قلوبهم تشقق حسدًا وغيظًا وحقدًا، قال تعالى: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران: 120] قال ابن كثير: (وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين، وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد، وكثروا وعز أنصارهم؛ ساء ذلك المنافقين، وإن أصاب المسلمين سنة أي جدب، أو أديل عليهم الأعداء لما لله تعالى في ذلك من الحكمة كما جرى يوم أحد، فرح المنافقون بذلك) . وقال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ [محمد: 29] قال ابن كثير: (أيعتقد المنافقون أنَّ الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين، بل سيوضح أمرهم، ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة، فبيَّن فيها فضائحهم، وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم، ولهذا كانت تسمى الفاضحة، والأضغان: جمع ضغن، وهو ما في النفوس من الحسد، والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره) .

محمد رافع 52 07-09-2013 09:55 AM

علامات الحاسد

قال الجاحظ: (وما لقيت حاسدًا قط إلا تبين لك مكنونه بتغير لونه، وتخوُّص عينه، وإخفاء سلامه، والإقبال على غيرك، والإعراض عنك، والاستثقال لحديثك، والخلاف لرأيك) .

محمد رافع 52 07-09-2013 09:56 AM

من أخبار التحاسد

- كان الخليفة الناصر الأندلسي قد وشح ابنه الحكم، وجعله ولي عهده، وآثره على جميع ولده، ودفع إليه كثيرًا من التصرف في دولته، فحسده أخوه عبد الله، فأضمر في نفسه الخروج على أبيه، وتحدث مع من داخله شيء من أمر الحكم من رجالات أبيه، فأجابه بعضهم، ثم إنَّ الخبر بلغ الخليفة الناصر، فاستكشف أمرهم، وقبض على ابنه عبد الله وعلى جميع من معه، و***هم أجمعين سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة .
- كان جنكيز خان سنَّ لقومه الياسق يتحاكمون إليه، وقرر فيه *** من رعف وسال منه الدم وهو يأكل، وقرر لهم أن من لم يمضِ حكم الياسق ***، وأراد أن ي*** بعض من حوله من كبار قومه للتحاسد الذي يظهر منهم، فتركهم يومًا وهم على سماطه ورَعَّف نفسه، فلم يجسر أحد أن يمضي فيه حكم الياسق لمهابته وجبروته، فتركوه ولم يطالبوه بما قرره، وهابوه في ذلك، فتركهم أيامًا، ثم جمع مقدميهم وأمراءهم، وقال: لأي شيء ما أمضيتم فيَّ حكم الياسق، وقد رعفت وأنا آكل بينكم؟ قالوا: لم نجسر على ذلك، فقال: لم تعملوا بالياسق ولا أمضيتم أمره، وقد وجب ***كم، ف***هم أجمعين .

محمد رافع 52 07-09-2013 09:58 AM

من نوادر التحاسد

قال الشعبي: (وجهني عبد الملك إلى ملك الروم، فلما انصرفت دفع إليَّ كتابًا مختومًا، فلما قرأه عبد الملك رأيته تغير، وقال: يا شعبي، أعلمت ما كتب هذا الكلب؟ قلت: لا، قال: إنه كتب: لم يكن للعرب أن تملك إلا من أرسلت به إليَّ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه لم يركَ، ولو رآك لكان يعرف فضلك، وإنه حسدك على استخدامك مثلي! فَسُرِّي عنه) .
وقال الأصمعي: (كان رجل من أهل البصرة بذيئًا شريرًا، يؤذي جيرانه ويشتم أعراضهم، فأتاه رجل فوعظه، فقال له: ما بال جيرانك يشكونك؟ قال: إنهم يحسدونني؛ قال له: على أي شيء يحسدونك؟ قال: على الصلب، قال: وكيف ذاك؟ قال: أقبل معي. فأقبل معه إلى جيرانه، فقعد متحازنًا، فقالوا له: ما لك؟ قال: طرق الليلة كتاب معاوية: أني أصلب أنا ومالك بن المنذر وفلان وفلان - فذكر رجالًا من أشراف أهل البصرة - فوثبوا عليه، وقالوا: يا عدو الله، أنت تصلب مع هؤلاء ولا كرامة لك؟! فالتفت إلى الرجل فقال: أما تراهم قد حسدوني على الصلب، فكيف لو كان خيرًا!) .

محمد رافع 52 07-09-2013 10:01 AM

تحاسد بعض طلبة العلم والأقران

قد يجرُّ التنافس بين بعض طلبة العلم إلى الوقوعِ في بعض التحاسد، قال الذهبي: (كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤف رحيم) .
وذكر الغزالي حال بعض أولئك الحسدة؛ فقال: (واحذر مخالطة متفقهة الزمان، لا سيما المشتغلين بالخلاف والجدال واحذر منهم؛ فإنهم يتربصون بك- لحسدهم- ريب المنون، ويقطعون عليك بالظنون، ويتغامزون وراءك بالعيون، ويحصون عليك عثراتك في عشرتهم، حتى يجابهوك بها في حال غيظهم ومناظرتهم، لا يقيلون لك عثرة، ولا يغفرون لك زلة، ولا يسترون لك عورة، يحاسبونك على النقير ، والقطمير ، ويحسدونك على القليل والكثير، ويحرضون عليك الإخوان بالنَّمِيمَة، والبلاغات، والبهتان، إن رضوا فظاهرهم الملق، وإن سخطوا فباطنهم الحنق، ظاهرهم ثياب، وباطنهم ذئاب. هذا ما قطعت به المشاهدة على أكثرهم، إلا من عصمه الله تعالى؛ فصحبتهم خسران، ومعاشرتهم خذلان. هذا حكم من يظهر لك الصداقة، فكيف من يجاهرك بالعداوة) .
وقد نهى العلماء عن الخوض في أهل العلم بلا برهان واضح وبينة ساطعة، قال ابن عبد البر: (لا يقبل فيمن صحت عدالته، وعلمت بالعلم عنايته، وسلم من الكبائر، ولزم المروءة والتصاون ، وكان خيره غالبًا، وشرُّه أقل عمله، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به، وهذا هو الحقُّ الذي لا يصحُّ غيره إن شاء الله، قال أبو العتاهية:

بكى شجوه الإسلام من علمائه *** فما اكترثوا لما رأوا من بكائه



فأكثرهم مستقبح لصواب من *** يخالفه مستحسن لخطائه



فأيهم المرجو فينا لدينه *** وأيهم الموثوق فينا برأيه)

محمد رافع 52 07-09-2013 10:07 AM

وصف البلغاء والحكماء للحسد

قد أكثر الكتاب والبلغاء والحكماء من وصف الحسد والتحذير منه، وما ذاك إلا لشديد قبحه ودناءته؛ ومن ذلك:
قال بعض الحكماء: (ما أمحق للإيمان، ولا أهتك للستر، من الحسد، وذلك أنَّ الحاسد معاند لحكم الله، باغٍ على عباده، عاتٍ على ربه، يعتدُّ نعم الله نقمًا، ومزيده غيرًا، وعدل قضائه حيفًا ، للناس حال وله حال، ليس يهدأ ولا ينام جشعه، ولا ينفعه عيشه، محتقر لنعم الله عليه، متسخط ما جرت به أقداره، لا يبرد غليله ، ولا تؤمن غوائله ؛ إن سالمته وَتَرك ، وإن واصلته قطعك، وإن صرمته سبقك) .
وسئل بعض الحكماء: أي أعدائك لا تحبُّ أن يعود لك صديقًا؟ قال: (الحاسد الذي لا يرده إلى مودتي إلا زوال نعمتي) .
وقيل: (من صغر الهمة الحسد للصديق على النعمة) .
وقيل: (ليس من الحسد سرور) .
وقيل: (من علامات الحاسد أن يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة إذا نزلت) .
وقيل: (الحاسد إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت) .
وقيل: (الحاسد يعمى عن محاسن الصبح) .
وقيل: (الناس حاسد ومحسود، ولكل نعمة حسود)

محمد رافع 52 07-09-2013 10:22 AM

ذم الحسد في واحة الشعر

أكثر الشعراء من ذكر الحسد والحساد، وأطنبوا في وصف ذلك الخلق الذميم والتندر بأصحابه، ومن ذلك:
قال ابن المعتز:


ما عابني إلا الحسو *** دُ وتلك من خيرِ المعايب



وإذا فقدتُ الحاسديـ *** ن فقدتُ في الدنيا المطايب



وقال محمود الوراق:


أعطيت كلَّ الناسِ من نفسي الرضا *** إلا الحسودَ فإنَّه أعياني



لا أنَّ لي ذنبًا لديه علمتُه *** إلَّا تظاهر نعمةِ الرحمنِ



يطوي على حنقٍ حشاه لأن رأى *** عندي كمالَ غنى وفضلَ بيانِ



ما إن أرى يرضيه إلا ذلَّتي *** وذهابُ أموالي وقطعُ لساني



وقال الطغرائي:


جاملْ عدوَّك ما استطعتَ فإنَّه *** بالرفقِ يطمع في صلاح الفاسدِ



واحذرْ حسودَك ما استطعت فإنَّه *** إن نمت عنه فليس عنك براقدِ



إنَّ الحسودَ وإن أراك توددًا *** منه أضرُّ من العدو الحاقدِ



ولربما رضي العدوُّ إذا رأى *** منك الجميلَ فصار غير معاندِ



ورضا الحسودِ زوالُ نعمتك التي *** أوتيتها من طارف أو تالدِ



فاصبرْ على غيظِ الحسود فنارُه *** ترمي حشاه بالعذابِ الخالدِ



تضفو على المحسودِ نعمةُ ربِّه *** ويذوبُ من كمدٍ فؤادُ الحاسدِ



وقال المعافى بن زكريا النهرواني:


ألا قلْ لمن كان لي حاسدًا *** أتدري على من أسأت الأدبْ



أسأتَ على الله في فعلِه *** لأنَّك لم ترضَ لي ما وهبْ



فأخزاك عنه بأن زادني *** وسدَّ عليك وجوهَ الطلبْ



وقال الطائي:


وإذا أراد الله نشرَ فضيلةٍ *** طُويت أتاح لها لسانَ حسودِ



لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ *** ما كان يُعرفُ طيبُ عرفِ العودِ



لولا التخوفُ للعواقبِ لم تزلْ *** للحاسدِ النعمى على المحسودِ



وقال أبو الأسود:


حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَه *** فالقومُ أعداءٌ له وخصومُ



كضرائرِ الحسناءِ قلنَ لوجهِها *** حسدًا وبغيًا إنَّه لدميمُ



والوجهُ يشرقُ في الظلامِ كأنَّه *** بدرٌ منيرٌ والنساءُ نجومُ



وترَى اللبيبَ محسدًا لم يجترمْ *** شتمَ الرجالِ وعرضُه مشتومُ



وكذاك مَن عظمتْ عليه نعمةٌ *** حسادُه سيفٌ عليه صرومُ



فاتركْ محاورةَ السفيهِ فإنَّها *** ندمٌ وغبٌّ بعدَ ذاك وخيمُ



وقال آخر:


إن يحسدوني فإني غيرُ لائمِهم *** قبلي مِن الناسِ أهلِ الفضلِ قد حُسدوا



فدامَ لي ولهم ما بي وما بهم *** ومات أكثرُنا غيظًا بما يجدُ



أنا الذي يجدوني في صدورِهم *** لا أرتقي صدرًا منها ولا أردُ



وقال أبو الحسن التهامي:


إني لأرحمُ حاسديَّ لحرِّ ما *** ضمَّت صدورُهم من الأوغارِ



نظروا صنيعَ الله بي فعيونُهم *** في جنةٍ وقلوبُهم في نارِ



وقال آخر:


كلُّ العداواتِ قد تُرجَى مودتُها *** إلا عداوةَ مَن عاداك مِن حسدِ



وقال آخر:


ما يُحسدُ المرء إلا مِن فضائلِه *** بالعلمِ والظرفِ أو بالبأسِ والجودِ



وقال آخر:


اصبرْ على حسدِ الحسو*** دِ فإنَّ صبرَك قاتلُه



النارُ تأكلُ بعضَها *** إن لم تجدْ ما تأكلُه


محمد رافع 52 07-09-2013 10:25 AM


الحقد
معنى الحقد لغةً واصطلاحًا

معنى الحقد لغةً:
الحِقْدُ: الضِغْن، وهو إمساك العداوة في القلب، والتربص لفرصتها، والجمع أَحْقادٌ وحُقود وحقائد. وتقول: حَقَدَ عليه يَحْقِد حِقْدًا، وحَقِد عليه بالكسر حَقَدًا لغةً. وأَحْقَدَهُ غيره صيره حاقدًا. ورجل حَقود .
معنى الحقد اصطلاحًا:
هو إضمار الشر للجاني إذا لم يتمكن من الانتقام منه، فأخفى ذلك الاعتقاد إلى وقت إمكان الفرصة .
وقال الجرجاني: الحقد هو (سوء الظنِّ في القلب على الخلائق لأجل العداوة) .

محمد رافع 52 07-09-2013 10:29 AM

الفرق بين الموجدة والحقد

ذكر ابن القيم فروقًا بين الموجدة والحقد فقال: (أن الوجد: الإحساس بالمؤلم، والعلم به، وتحرك النفس في رفعه؛ فهو كمال.
وأما
الحقد فهو إضمار الشرِّ، وتوقعه كلَّ وقت فيمن وجدت عليه، فلا يزايل القلب أثره.
وفرق آخر: وهو أن الموجدة لما ينالك منه، والحقد لما يناله منك، فالموجدة وجد ما نالك من أذاه، والحقد توقع وجود ما يناله من المقابلة، فالموجدة سريعة الزوال، والحقد بطيء الزوال، والحقد يجيء مع ضيق القلب، واستيلاء ظلمة النفس، ودخانها عليه، بخلاف الموجدة فإنها تكون مع قوته، وصلابته، وقوة نوره، وإحساسه) .

احمد الشحات 08-09-2013 02:06 AM

جزاك الله خيرا
 
جزاك الله خيرا

محمد رافع 52 10-09-2013 08:52 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد الشحات (المشاركة 5482916)
جزاك الله خيرا

بارك الله فيك اخى الكريم

محمد رافع 52 10-09-2013 08:56 PM

ذم الحقد في الكتاب والسنة



أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة: 204-205]
- وقال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ [الأعراف: 43].
- وقال عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47-48].
قال الطبري: (وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍوعداوة، كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة) .


وقال القرطبي: (ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة؛ نزع الغل من صدورهم. والنزع: الاستخراج والغل:
الحقد الكامن في الصدر. والجمع غلال) .
وقال السعدي: (وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة، أن الغل الذي كان موجودًا في قلوبهم، والتنافس الذي بينهم، أن الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانًا متحابين، وأخلاء متصافين ... ويخلق الله لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض، لأنه قد فقدت أسبابه) .
(ولما كانت الجنة دار سعادة ونعيم عام وشامل كان لا بد لأصحابها من أن يكونوا مبرئين من كل حقد وغل، ومن كل علة خلقية تسبب لهم آلامًا وأكدارًا، وقد وصف الله أهل دار النعيم يوم القيامة بأنهم مبرؤون من كلِّ غلٍّ، وما كان من غلٍّ في صدورهم في الدنيا، فإن الله ينزعه منها متى دخلوا الجنة) .

محمد رافع 52 10-09-2013 08:58 PM

ثانيًا: في السنة النبوية

- عن جابر رضي الله عنه قال: ((تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا)). قال المنذري: الضغائن: هي الأحقاد .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعارَّ –تقلَّب على فراشه- ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. وفي رواية البزار- سمى الرجل المبهم سعدًا- وقال في آخره: فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي؛ إلا أني لم أبت ضاغنًا على مسلم. أو كلمة نحوها)) .
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد)) .

محمد رافع 52 10-09-2013 09:00 PM

أقوال السلف والعلماء في الحقد

- قال: عثمان رضي الله عنه: (ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله- عز وجل- على صفحات وجهه وفلتات لسانه) -
وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه: (دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا) .
- وقال ابن حجر الهيتمي: (الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب) .
- وقال أبو حاتم: (الحقد أصل الشرِّ، ومن أضمر الشر في قلبه أنبت له نباتًا مرًّا مذاقه، نماؤه الغيظ، وثمرته الندم) .
و(كان يقال: الحقد داء دوي. ويقال: من كثر حقده، دوي قلبه. ويقال: الحقد مفتاح كلِّ شرٍّ. ويقال: حلَّ عقد الحقد، ينتظم لك عقد الود. ويقال: الحقود والحسود لا يسودان) .

محمد رافع 52 10-09-2013 09:02 PM

آثار الحقد

إنَّ الحقد حمل ثقيل يتعب حامله، يحمله الجاهل في صدره فيشقي به نفسه، ويفسد به فكره، ويشغل به باله، ويقض به مضجعه، ويكثر به همه وغمه، إنه كحمل من أحمال الشوك الملتهب الحار، المحشو بصخور ثقيلة محمية تنفث السموم التي تلتهب منها الصدور، ويظل الجاهل الأحمق يحمل هذا الحمل الخبيث مهما حل أو ارتحل، حتى يشفي حقده بالانتقام ممن يحقد عليه
ومن آثاره:
1- أنه (يثمر الحسد، وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه؛ فتغتم بنعمة إن أصابها، وتسر بمصيبة إن نزلت به.
2- الشماتة بما أصابه من البلاء.
3- الهجران والمقاطعة.
4- الإعراض عنه استصغارًا له.
5- التكلم فيه بما لا يحل من كذب، وغيبة، وإفشاء سر، وهتك ستر، وغيره.
6- محاكاته استهزاء به، وسخرية منه.
7- إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه.
8- منعه من حقه من قضاء دين، أو صلة رحم، أو رد مظلمة) .
9- الحقد من مظاهر دنو الهمة، فهو لا يصدر من النبلاء، ولا يليق بالعقلاء.
10- الحقد ينبت سوء الظن، وتتبع العورات، والهمز واللمز، والغيبة والنَّمِيمَة.
11- ومن مضار الحقد أيضًا أنه يقتضي التشفي والانتقام.
12- جحد الحق وعدم اتباعه.

محمد رافع 52 10-09-2013 09:04 PM

حكم الحقد
ذكر العلماء أنَّ الحقد من الكبائر وأورد ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر) أن من الكبائر الغضب بالباطل والحقد والحسد، وذكر سبب جمعه لهذه الكبائر الثلاث بقوله: (لما كانت هذه الثلاثة بينها تلازم وترتب، إذ الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب كانت بمنزلة خصلة واحدة، وذم كل يستلزم ذم الآخر، لأن ذم الفرع وفرعه يستلزم ذم الأصل وأصله وبالعكس) .

محمد رافع 52 10-09-2013 09:06 PM

ما يباح من الحقد

لا يجوز أن يحقد المسلم على أخيه المسلم، أما الحقد على اليهودي الذي ي*** المسلمين في فلسطين، والنصراني الحاقد، والشيوعي الملحد، والهندوسي الذين يحرق مساجد المسلمين وي***هم، فالحقد في حقهم محمود مطلوب، قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [التوبة: 14-15].
ولا يزول حقد المسلم على الكافر إلا أن يسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله، لينزلن ابن مريم حكمًا عادلًا، فليكسرن الصليب، ولي***ن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص، فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعونَّ إلى المال فلا يقبله أحد)) .
(قال الأشرف: إنما تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد يومئذ؛ لأن جميع الخلق يكونون يومئذ على ملة واحدة، وهي الإسلام، وأعلى أسباب التباغض وأكثرها هو اختلاف الأديان) .

محمد رافع 52 10-09-2013 09:10 PM

أسباب الحقد

1- المماراة والمنافسة:
قال الغزالي: (وأشدُّ الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة والمنافسة، فإنها عين التدابر والتقاطع، فإن التقاطع يقع أولًا بالآراء، ثم بالأقوال ثم بالأبدان).
2- كثرة المزاح:
المزاح الذي يخرج عن حدِّه يغرس الحقد في القلوب، قال الأبشيهي: (المزاح يخرق الهيبة، ويذهب بماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الإيمان والود).
3- الخصومة:
قال النووي: (والخصومة توغر الصدور، وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءة الآخر، ويحزن بمسرته، ويطلق اللسان في عرضه).
4- الكراهية الشديدة.
5- الرغبة في الانتقام، وإنزال السوء بمن يكرهه الحاقد .
6- إذا فات الشخص ما يتمناه لنفسه وحصل لغيره:
فـ(المسلم يجب أن يكون أوسع فكرة، وأكرم عاطفة، فينظر إلى الأمور من خلال الصالح العام، لا من خلال شهواته الخاصة.
وجمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما يتمنونه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكف أخرى، وهذه هي الطامة التي لا تدع لهم قرارًا!!
وقديمًا رأى إبليس أن الحظوة التي يتشهاها قد ذهبت إلى آدم، فآل ألا يترك أحدًا يستمتع بها بعد ما حرمها. قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 16-17].
هذا الغليان الشيطاني هو الذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم. وقد أهاب الإسلام بالناس أن يبتعدوا عن هذا المنكر، وأن يسلكوا في الحياة نهجًا أرقى وأهدأ) .

محمد رافع 52 10-09-2013 09:14 PM

وسائل علاج الحقد

1- الدعاء:
المسلم يدعو الله أن يجعل قلبه طاهرًا نقيًّا من الحقد والغل قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: ((رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدي لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مطواعًا، إليك مخبتًا أو منيبًا، تقبل توبتي، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي))

. والسخيمة هي الحقْدُ في النفسِ.
2- سلامة الصدر:
وسلامة الصدر تكون بعدم الحقد والغل والبغضاء، فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((دبَّ إليكم داء الأُمم قبلكم:... البغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم)).
3- تقوية رابط الأخوة الإيمانية:
إن الأخوة الإيمانية والغل لا يجتمعان في قلب واحد، إن عاطفة المؤمن نحو إخوانه المؤمنين تتدفق بالمحبة، فكيف يجد الغل إلى هذه العاطفة الكريمة سبيلًا؟! إنهما أمران لا يجتمعان.
قال تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 8-9].
4- التواضع:
لا شك أنَّ تواضع المسلم لأخيه المسلم يدفع بالأغلال والأحقاد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد)) .
وقال أبو حاتم: (التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويذهب الصد) .
5- ملء القلب بالمحبة وإرادة الخير للآخرين.
6- اعتذار المرء لأخيه:
قال أبو حاتم: (الاعتذار يذهب الهموم، ويجلي الأحزان، ويدفع الحقد، ويذهب الصدَّ... فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي التعجب عن النفس في الحال، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة) .
7- تقديم الهدية:
قال صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا)).
(وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحث عليه خلفاؤهم الأولياء، تؤلف القلوب، وتنفي سخائم الصدور) .


8- ترك
الغضب الذي هو سبب للأحقاد:
الغضب يعتبر من الأسباب التي تؤدي إلى الحقد، فإذا اختلف شخص مع آخر في أمر ما غضب عليه، ثم الغضب يتحول إلى الحقد وإرادة الانتقام.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: للرجل الذي أمره أن يوصيه: ((لا تغضب فردد مرارًا، قال: لا تغضب)) .
9- الإخلاص والمناصحة ولزوم الجماعة:
فعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم))
قال ابن تيمية: (ويغل: بالفتح هو المشهور ويقال: غلى صدره فغل إذا كان ذا غش وضغن وحقد).
وقال ابن القيم: (أي: لايحمل الغل، ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة، فإنها تنفى الغل والغش، وهو فساد القلب وسخايمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش).

محمد رافع 52 12-09-2013 12:24 PM

سلامة القلب من الأحقاد
القلب السليم سبب من أسباب النجاة يوم القيامة؛ قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 87-89]، والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والنفاق، ومن الغلِّ والحقد والحسد.
ووصف الله عزَّ وجلَّ أهل الجنة بسلامة القلب فقال: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47]، و(ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرَّ لعينه من أن يعيش سليم القلب، مبرأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحس فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر)) .
(وإذا رأى أذى يلحق أحدًا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرج كربه، ويغفر ذنبه... وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات
الحقد الأعمى، فإنَّ فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم!..والإسلام يحارب الأحقاد وي*** جرثومتها في المهد، ويرتقي بالمجتمع المؤمن إلى مستوى رفيع من الصداقات المتبادلة، أو المعاملات العادلة، وقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة، أن يرسب الغل في أعماق النفس فلا يخرج منه، بل يظل يموج في جوانبها، كما يموج البركان المكتوم، وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم، يتلمسون متنفسًا له في وجوه من يقع معهم، فلا يستريحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا، وآذوا وأفسدوا) .

محمد رافع 52 12-09-2013 12:27 PM

نماذج في سلامة القلب من الحقد
النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في الأخلاق الحسنة، ومنها سلامة الصدر من الحقد والضغائن، وقد ذكر ابن القيم سلامة الصَّدر، من منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فقال: (ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يجدها بعينها) .
وهكذا كان أصحاب رسول لله قلوبهم سليمة من الأحقاد والضغائن، ومن تلك النماذج ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه، قال: ((كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامرفسلم، وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟! مرتين، فما أُوذي بعدها)) .
وعن عائذ بن عمرو، ((أنَّ أبا سفيان، أتى على سلمان، وصهيب، وبلال في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، قال فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟! فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك. فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي)) .
وقد تأسى العلماء الربانيون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فتخلقوا بأخلاقه، فأصبحت قلوبهم سليمة لا تحمل حقدًا على أحد، حتى على من آذاهم، ومن هؤلاء ابن تيمية يقول ابن القيم: (وما رأيت أحدًا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له؛ فنهرني وتنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسُرُّوا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه) .

محمد رافع 52 12-09-2013 12:28 PM

أحوال المحقود
قال الغزالي: (للمحقود ثلاثة أحوال عند القدرة:
أحدها: أن يستوفي حقه الذي يستحقه من غير زيادة أو نقصان، وهو العدل.
الثاني: أن يحسن إليه بالعفو والصلة، وذلك هو الفضل.
الثالث: أن يظلمه بما لا يستحقه وذلك هو الجور وهو اختيار الأراذل، والثاني هو اختيار الصديقين، والأول هو منتهى درجات الصالحين) .

محمد رافع 52 12-09-2013 12:30 PM

الألفاظ المترادفة للحقد

هناك ألفاظ عديدة وردت بمعنى الحقد بمعناه الاصطلاحي، فيقال مثلًا: (في صدره: حقد، وضغن، وضغينة، وإحنة، ودمنة، وغل، وغمر، ووغر، ووغم، وحزازة، وطائلة، وغائلة، وحسيفة، وحسيكة، وسخيمة) .

محمد رافع 52 12-09-2013 12:32 PM

حكم وأمثال في الحقد
- أحقد من جمل.
العرب تصف البعير بالحقد، وغلظة الكبد.
- ظاهر العتاب خير من باطن
الحقد.
- ويقال: ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش،
الحقد والحسد وسوء الخلق .

محمد رافع 52 12-09-2013 12:34 PM

ذم الحقد في واحة الشعر

الحقدُ داءٌ دفينٌ لا دواء له *** يبري الصدور إذا ما جمرُهُ حرثا



فاستشفِ منه بصفحٍ أو معاتبةٍ *** فإنما يُبرئُ المصدورَ ما نفثا



واجعل طلابَك بالأوتارِ ما عظمت *** ولا تكنْ لصغيرِ الأمرِ مُكْترثا

وقال محمد بن مقيس الأزدي:

فإنَّ الذي بيني وبين عشيرتي *** وبين بني عمي لمختلفُ جدا



إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندِهم *** قدحتُ لهم في كلِّ مكرمةٍ زندا



وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهم *** وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا



ولا أحملُ الحقدَ القديمَ عليهم *** وليس رئيسُ القومِ مَن يحملُ الحقدا



وأعطيهم مالي إذا كنت واجدًا *** وإن قلَّ مالي لم أُكلفْهم رفدا

وقال هلال بن العلاء: (جعلت على نفسي ألا أكافئ أحدًا بشرٍّ ولا عقوق؛ اقتداء بهذه الأبيات:

لما عفوت ولم أحقد على أحد *** أرحت نفسي من غم العداوات



إني أحيي عدوي حين رؤيته *** لأدفع الشر عني بالتحيات



وأظهر البشر للإنسان أبغضه *** كأنه قد حشى قلبي مسرات


وأنشد أحمد بن عبيد عن المدائني:

ومن لم يغمض عينه عن صديقه *** وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب



ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة *** يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب)

وقال عنترة:

لا يحملُ الحقدَ مَن تعلو به الرُّتبُ *** ولا ينالُ العلا مَن طبعُه الغضبُ

وقال ابن الرومي:

(وما الحقدُ إلا توأمُ الشكرِ في الفتى *** وبعضُ السجايا ينتسبن إلى بعضِ



فحيث ترى حقدًا على ذي إساءةٍ *** فثمَّ ترى شكرًا على حسنِ القرضِ



إذا الأرضُ أدَّت ريعَ ما أنت زارعٌ *** مِن البذرِ فيها فهي ناهيك من أرضِ)



محمد رافع 52 12-09-2013 01:17 PM


الخُبْث



معنى الخُبْث لغةً واصطلاحًا
معنى الخُبْث لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الطَّــيِّب، يقال: خبيثٌ، أي ليس بطيِّب، وخَبُثَ الشَّيء يَخْبُث خَبَاثة وخُبْثًا: صار فاسدًا رديئًا مكروهًا، فهو خَبِيث وبه خُبْثٌ وخَبَاثة، وأَخْبَث فهو مُخْبِث إذا صار ذا خُبْث وشَرٍّ، والمخْبِث الذي يعلِّم النَّاس الخُبْث .
معنى الخُبْث اصطلاحًا:
الخُبْث: هو إضمار الشَّرِّ للغير، وإظهار الخير له، واستعمال الغِيلة والمكر والخديعة في المعاملات .
وقال الكفوي: (الخُبْث هو ما يُكره رداءةً وخسَّةً، محسوسًا كان أو معقولًا، وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبح في الفعال) .

الأستاذة ام فيصل 12-09-2013 07:52 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد رافع 52 (المشاركة 5490690)


الخُبْث



معنى الخُبْث لغةً واصطلاحًا
معنى الخُبْث لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الطَّــيِّب، يقال: خبيثٌ، أي ليس بطيِّب، وخَبُثَ الشَّيء يَخْبُث خَبَاثة وخُبْثًا: صار فاسدًا رديئًا مكروهًا، فهو خَبِيث وبه خُبْثٌ وخَبَاثة، وأَخْبَث فهو مُخْبِث إذا صار ذا خُبْث وشَرٍّ، والمخْبِث الذي يعلِّم النَّاس الخُبْث .
معنى الخُبْث اصطلاحًا:
الخُبْث: هو إضمار الشَّرِّ للغير، وإظهار الخير له، واستعمال الغِيلة والمكر والخديعة في المعاملات .

وقال الكفوي: (الخُبْث هو ما يُكره رداءةً وخسَّةً، محسوسًا كان أو معقولًا، وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبح في الفعال) .


جزاك الله خيرا استاذنا الفاضل
وجنبنا الله وجنبكم الخبث والخابيثين

تحياتي وتقديري

محمد رافع 52 12-09-2013 09:25 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأستاذة ام فيصل (المشاركة 5491251)
جزاك الله خيرا استاذنا الفاضل
وجنبنا الله وجنبكم الخبث والخابيثين

تحياتي وتقديري

آمين
اشكر حضرتك
بارك الله فيك
وفى كل من له حق عليك

محمد رافع 52 13-09-2013 11:17 PM

ذَمُّ الخُبْث والنهي عنه
أوَّلًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور: 26].
قال قتادة في تفسير هذه الآية: (الخبيثات من القول والعمل للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والعمل) .
وقال مجاهد: (القول السيئ للخبيثين من الرجال والنساء، والقول الحسن للطيبين من الرجال والنساء) .
(وقيل في الخبيثات للخبيثين ثلاثة أوجه:
الأول: الخبيثات من الكلام من الخبيثين من الرجال، عن ابن عباس ومجاهد والحسن.
والثاني: الخبيثات من السيئات للخبيثين من الرجال.
والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال).
- قوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [الأعراف: 157].
قال ابن عباس: (هو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله) .
- قوله تعالى: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران: 179].
قال الطبري: (يعني بقوله: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ما كان الله ليدع المؤمنين عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ من التباس المؤمن منكم بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ، يعنى بذلك: حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ وهو المنافق المستسر للكفر مِنَ الطَّيِّبِ، وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان، بالمحن والاختبار، كما ميز بينهم يوم أحد عند لقاء العدو عند خروجهم إليهم) .
- قوله تعالى: قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 100].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي، وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ، يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصى فعجبت من كثرتهم؛ لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا).

محمد رافع 52 13-09-2013 11:20 PM

ثانياً: في السُّنَّة النَّبويَّة
- قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى)) .
قال ابن القيم: (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ الخبث؛ لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه، وإن كان بمعناه تعليمًا للأدب في المنطق، وإرشادًا إلى استعمال الحسن، وهجر القبيح من الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال) .
- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا قام فتوضأ، انحلت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلت عقده كلها، فيصبح نشيطًا طيب النفس قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كسلًا خبيث النفس لم يصب خيرًا)) .
قال ابن حجر: ( قوله: ((خبيث النفس)). أي: رديء النفس غير طيبها أي مهمومًا، وقد تستعمل في كسل النفس، وفي الصحيح ((لا يقولن أحدكم خبثت نفسي)) كأنه كره اللفظ، والمراد بالخطاب المسلمون) .
- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((..وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا. ثم قرأ: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 31] فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة)) .
قال الملا الهروي: (... ((ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة)) أي: خبيثة الخصال غير مرضية الأعمال) .

محمد رافع 52 13-09-2013 11:28 PM

أقوال السلف والعلماء في الخُبْث
- قال أبو الدَّرداء: (ما لكم عباد الله لا تحابُّون وأنتم إخوانٌ على الدِّين، ما فرَّق بين أهوائكم إلَّا خُبْث سرائركم، ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم، ما هذا إلَّا مِن قلَّة الإيمان في صدوركم، ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرِّها، كما توقنون بأمر الدُّنيا، لكنتم للآخرة أطْلَب، فبئس القوم أنتم إلَّا قليلًا منكم، ما حقَّقتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ، فنبرأ منكم) .
- وقال ابن جماعة الكِنَاني: (لا يصحُّ العلم -الذي هو عبادة القلب- إلَّا بطهارته عن خُبْث الصِّفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها) .
- وقيل: (مَن طابت نفسه طاب عمله، ومَن خَبُثَت نفسه، خَبُثَ عمله) .
- وقيل: (آفة الملوك سوء السِّيرة، وآفة الوزراء خُبْث السَّريرة، وآفة الجُنْد مفارقة القادة).
- وقيل -أيضًا-: (أربعة لا يثبت معها مُلْكٌ: غِشُّ الوزير، وسوء التَّدبير، وخُبْث النِّيَّة، وظُلْم الرَّعيَّة).
- وقالوا: (سوء الخُلُق يدلُّ على خُبْث الطَّبع ولُؤْم العنصر، ويكاد سيِّئ الخُلُق أن يُعَدَّ مِن البهائم) .
- وقال منصور بن الحسين الرَّازي: (مَن كَرُم مَحْتده ، حَسُن مَشْهَده. ومَن خَبُث عنصره، ساء محضره. ومَن خان هان، ومَن أدمن قَرْعَ الباب وَلَجَ) .
- وقال ابن القيم: (وأما النار فإنها دار
الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث) .
- وقال أيضاً: (إن الله سبحانه وتعالى جعل للسعادة والشقاوة عنوانًا يعرفان به، فالسعيد الطيب لا يليق به إلا طيب، ولا يأتي إلا طيبًا، ولا يصدر منه إلا طيبًا، ولا يلابس إلا طيبًا، والشقي الخبيث لا يليق به إلا الخبيث، ولا يأتي إلا خبيثًا، ولا يصدر منه إلا الخبيث، فالخبيث يتفجر من قلبه
الخبث على لسانه وجوارحه، والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه) .
- وممَّا قيل: (إذا كان الخليلُ كريمَ الأخلاق، حَسَن السِّيرة، طاهر السَّريرة، فبه في محاسن الشِّيم يُقْتَدَى، وبنجم رُشْدِه في طُرُق المكارم يُهْتَدَى، وإذا كان سيِّئ الأعمال، خَبِيث الأقوال، كان المعتبط به كذلك) .
- وقال ابن الأعرابى: (وأصل
الخبث فى كلام العرب المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من المِلَلْ فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار) .

محمد رافع 52 13-09-2013 11:31 PM

آثار الخُبْث
1- الخُبْث سببٌ لبذاءة اللِّسان والفُحْش:
إنَّ السَّبَّ والفُحْش وبذاءة اللِّسان مذمومة، ومنهيٌّ عنها، ومصدرها الخُبْث واللُّؤم، قال الغزَّالي: (والباعث على الفُحْش: إمَّا قصد الإيذاء، وإمَّا الاعتياد الحاصل مِن مخالطة الفسَّاق وأهل الخُبْث واللُّؤم ومَن عادتهم السَّبُّ) .
2- الخُبْث سببٌ للحسد:
قال المناوي: (سبب
الحسد خبث النَّفس، وأنَّه داء جِبِلِّيٌّ مُزْمِن، قلَّ مَن يسلم منه) .
3- خَبِيث النَّفس لا يحبُّ الخير لغيره، فيكره لهم الخير، ويحبُّ لهم الشَّرَّ والأذى:
(وأمَّا خُبْث النَّفس وشُحُّها على عباد الله، فإنَّك تجد مِن النَّاس مَن لا يشتغل برئاسة ولا تَكَبُّر، وإذا وُصِف عنده حُسْن حال عبدٍ مِن عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شَقَّ عليه ذلك، وإذا وُصِف له اضطراب أمور النَّاس وإدبارهم، وتنغيص عيشهم، فرح به، فهو أبدًا يحبُّ الإدبار لغيره، ويَبْخَل بنعمة الله على عباده، كأنَّهم يأخذون ذلك مِن ملكه وخزانته‏.‏
وقد قال بعض العلماء‏:‏ البخيل مَن يبخل بمال نفسه، والشَّحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعم الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلَّا خُبْثُ النَّفس ورَدَاءة الطَّبع، وهذا معالجته شديدة؛ لأنَّه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلَّة، فيعسر إزالته) .
4 - الخُبْث سبب للعداوات بين أفراد المجتمع.
قال أبو طالب المكي: (مع
الخبث والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يذهب الألفة، وينقص المحبة، ويبطل فضيلة الأخوة) .
5 - خبيث النَّفس غير مرتاح البال، فهو مهمومٌ مغمومٌ دائمًا.
6 - الخَبِيث منشغل بتتبُّع عورات النَّاس وأخطائهم.
7- الخبيث لا يدخل الجنة.
قال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: ((إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا. - قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ-. قَالَ: وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ، صَلَّى الله عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ - قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا - وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا)).
قال ابن القيم:
(فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شىء من الخبث. فمن تطهر فى الدنيا ولقى الله طاهرًا من نجاساته دخلها بغير معوق، ومن لم يتطهر فى الدنيا فإن كانت نجاسته عينية، كالكافر،لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر فى النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينقون من بقايا بقيت عليهم، قصرت بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة) .

محمد رافع 52 13-09-2013 11:36 PM

‏الوسائل المعينة على التَّخلُّص مِن خُبْث النَّفس
هل يستطيع أن يغيِّر خَبِيث النَّفس طبعه؟
يرى المناويُّ أنَّ مَن تمحَّضت فيه مادَّة الخُبْث لا مطمع في تبدُّله، فيقول: (يقال: إذا حُدِّثت أنَّ جبلًا زال عن مكانه فصدِّق، وإذا حُدِّثت أنَّ رجلًا زال عن خُلُقِه فلا تصدِّق؛ وذلك لأنَّ مَن تمحَّضت فيه مادَّة الخُبْث، فقد طُبِع على الخُلُق المذموم، الذي لا مطمع في تبدُّله، ومَن تمحَّضت فيه مادَّة الطِّيب، فقد طُبِع على الخُلُق الحسن المحمود، الذي لا مطمع في تبدُّله. قال الشَّريف السَّمهودي: وقد جرَّبت مصداقه الآن، فكم أظهر الواحد منهم التَّوبة عن أخلاقٍ ذميمةٍ بعد بذل الجهد في أسباب إزالتها، ثمَّ نكص على عقبيه ، راجعًا لما كان عليه؛ لاقتضاء خبثهم المستحكم، وعظيم بغضهم لأهل الخير.
وأنشد بعضهم:


وما هذه الأخلاق إلَّا طبائع *** فمنهنَّ محمود ومنهنَّ مذمَّم



ولن يستطيع الدَّهر تغيير خُلُقه *** لئيم ولن يستطيعه متكرم)


ولكن مَن اجتهد وجاهد نفسه على التَّخلُّق بالأخلاق الفاضلة، يستطيع أن يعوِّد نفسه عليها؛ وعليه أن يأخذ بالأسباب والوسائل التي تعين على التَّخلُّص مِن هذا الخُلُق، وهي كثيرة، ومِن هذه الوسائل:
1 - الدُّعاء بأن يرفع الله منه هذا الخُلُق السَّيِّئ:
والدُّعاء مِن أقوى الأسباب المعينة للتَّخلُّص مِن هذه الصِّفة المذمومة.
2 - الرَّغبة في الأجر والثَّواب الذي يحصل بسبب سلامة الصَّدر:
وقد جاء الحديث في فضل سلامة الصدر ونقاء الطوية، من كون صاحبها من أهل الجنة.
3 - أن يجاهد نفسه على أن يكون نقيَّ القلب:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! أيُّ النَّاس أفضل؟ قال: ((كلُّ مَخْمُوم القلب صدوق اللِّسان، قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخْمُوم القلب؟ قال: هو التَّقيُّ، النَّقيُّ، لا إثم فيه، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَدَ)) .
4 - التَّربية منذ الصِّغر على حبِّ الخير للنَّاس.
5 - مصاحبة أهل الخير وذوي الأخلاق الفاضلة.
6- ذكر الله والحفاظ على الطاعات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))
7- معرفة أن دخول الجنة متعلق بطهارة النفس وصفائها من الخبث:
وأنه لن يدخل الجنة من دنست نفسه بهذه الصفة، وأن من أصابته لوثة خبث وضع في النار؛ حتى يطهر ويصفو ثم يدخل الجنة بعد ذلك.
قال ابن تيمية: (فالنفوس الخبيثة لا تصلح أن تكون في الجنة الطيبة التي ليس فيها من الخبث شيء، فإن ذلك موجب للفساد، أو غير ممكن.
بل إذا كان في النفس خبث طهرت وهذبت، حتى تصلح لسكنى الجنة) .
8- اجتناب الخبيث في المطعم والمشرب والدواء:
ومن ذلك ما جاء عن رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِىِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ)) .
ونهى عن الدواء الخبيث. (ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان) .

محمد رافع 52 13-09-2013 11:42 PM

أقسام الناس من حيث الطيب والخبث

قال ابن القيم: (ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض) .

محمد رافع 52 13-09-2013 11:44 PM

ما قيل في أوصاف خَبِيث الطَّوِيَّة

يوصف مَن كانت طويَّته خَبِيثة بقولهم: (قلب فلانٍ نَغْل، وصدره دَغلٌ ، طويَّةٌ مَعْلولَةٌ،... صفوه رَنَقٌ ، وبِرُّه لَمَقٌ، وودُّه مُزَأبقٌ، خَبِيث النِّيَّة، واكدُ الطَّويَّة، موجود عند الرَّخاء، مفقود عند البلاء، يَبثُّ حَبائل الزُّور، وينصب أشراك الغرور، يدَّعي ضروب الباطل، ويتحلَّى بما هو عاطِلٌ، يُبدي وجه المطابق الموافق، ويخفي نَظَرَ المسَارق المنافق، ضمير قلبه خَبِيث، ويمينه حِنْث، وعهده نَكْث) .
وممَّا قيل -أيضًا- في مَن يتَّصف بهذه الصِّفة الذَّميمة قولهم: (فلانٌ عُصارةُ لُؤْمٍ، في قرَارة خُبْثٍ، أَلأَمُ مُهْجَةٍ، في أخسِّ جُثةٍ، خَبيثُ الطعَمَةِ، حديث النِّعمة، هو كالكَمأةِ ، لا أصلٌ ثابِتٌ، ولا فرعٌ نابِتٌ.
فلانٌ خبيثُ المركب، لئيم المنْسَب، يكادُ مِن لؤمه يُعْدي مَن يتسمَّى باسمه، أو يجلس إلى جَنْبِه، قَدْ أُرضع بلبان اللُّؤم، ورُبِّي في حِجر الشَّرِّ، وفُطِم عن ثدي الخير، ونشأ في عَرْصَة الخُبْث ، لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
فلانٌ قصير الشِّبر ، صغير القَدر، قاصر القَدر، ضيِّق الصَّدرِ) .

محمد رافع 52 13-09-2013 11:47 PM

بعض الحيوانات وُصِفَت بالخُبْث
يوصف الثَّعلب بالخُبْث، وهو حيوان جبان، مستضعف ذو مكرٍ وخديعةٍ، لكنَّه لفرط الخُبْث والخديعة، يجري مع كبار السِّباع .
وكذلك يُوصَف القنفذ والأرنب والظَّبي بالخُبْث، يقول الجاحظ: (وإنَّما تفزع هذه الأجناس إلى الخُبْث، وإلى ما في طبعها مِن شدَّة الحُضْر إذا عدمت السَّلاح؛ فعند ذلك تستعمل الحيلة: مثل القنفذ في إمكان عدوِّه مِن فروته، ومثل الظَّبي واستعمال الحُضْر في المستوي، ومثل الأرنب واستعماله الحُضْر في الصَّعداء).

محمد رافع 52 13-09-2013 11:49 PM

الأمثال في الخبث
- فلانٌ عُصارة ، لُؤْمٍ، في قرَارة خُبْثٍ.
- فلانٌ خَبِيثُ الطعَمَة .
- فلانٌ خَبِيثُ المركب .
- ويقال: هو في الخُبْث كالذِّئب وقع في المعْزَى .
- ويقال: أقْـرَفُ عَيْنًا والنُّجَارُ مُذَهَّبٌ .
يُضْرَب لمن طاب أصله، وهو في نفسه خبيث القول والفعل .

محمد رافع 52 13-09-2013 11:56 PM

ذم الخُبْث في واحة الشِّعر
قال الشاعر:

عذرتُك يا إنسانُ إن كنت مغرمًا *** بعذرٍ ومغرى بالتَّحيلِ والنَّكثِ



وكيف ألومُ المرءَ في خبثِ فعلِه *** وأوَّل شيءٍ قد غذاه دمُ الطَّمثِ

وقال جرير يذكر شفاعته للفرزدق:

وهل لك في عانٍ وليس بشاكرٍ *** فتطلق عنه عضَّ مَسِّ الحدائد



يعودُ وكان الخُبْث منه سجيَّةً *** وإن قال إنِّي مُنْتَهٍ غَيْرُ عائد

وقال آخر:

ولم تنسَ حقَّ الحلمِ حين أسرتهم *** ومقلتهم عبرى وأنفاسُهم حرَّى



ظـفــرتَ بــأربــابِ الحفـائــظِ بعـدمـا *** عـفــوتَ وبـعـدَ الـعـفـوِ أوليتـهـم بــرا



فخانوا وعادوا بالخسارِ تجارةً *** وحاق بهم مكرٌ وقد أمنوا المكرا



لقـد نكثـوا بالعـهـدِ مَن خبـثِ نفسِهـم *** ألا إنَّ خـبثَ النَّفسِ داؤُه لن يـَــبْــرَا


وقال آخر:

وأولُ خبثِ الماءِ خبثُ ترابِه *** وأولُ خبثِ المرءِ خبثُ المناكحِ

وقال الشاعر:

ألم ترَ أنَّ الماءَ يخبثُ طعمُه *** وإن كان لونُ الماءِ أبيضَ صافيا

وقال آخر:

ما كلُّ أصفرَ دينارٌ لصفرتِه *** صفرُ العقاربِ أرداها وأنكرُها


http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:A...LwPBmUxBgwO-4h


محمد رافع 52 13-09-2013 11:59 PM

الخِدَاع
معنى الخِدَاع لغةً واصطلاحًا
معنى الخِدَاع لغةً:
أصل هذه المادة يدل على إخفاء الشيء، فالخَدْعُ: إِظْهَارُ خِلَافَ مَا تُخْفيه، يقال: خَدَعَهُ يَخْدَعُهُ خَدْعًا وخِداعًا أي: خَتَلَه، وأراد به المكروه مِن حيث لا يعلم. والاسم الخَدِيعَةُ، وقيل: الاسم هو الخداع، وقيل غير ذلك.
معنى الخِدَاع اصطلاحًا:
قال الرَّاغب: (الخِدَاع: إنزال الغير عمَّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه) .
وقال البقاعي: (الخِدَاع: إظهار خيرٍ يُتَوَّسل به إلى إبطان شرٍّ، يؤول إليه أمر ذلك الخير المظْهَر) .
وقال ابن القيِّم: (والمخادعة: هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخَاِدع) .

محمد رافع 52 14-09-2013 12:05 AM

الفرق بين الخِدَاع وبعض الصِّفات
الفرق بين الخِدَاع والغُرُور: </span>
أنَّ الغُرُور إيهامٌ يحمل الإنسان على فعل ما يضرُّه، مثل أن يرى السَّراب فيحسبه ماءً فيضيِّع ماءه، فيهلك عَطَشًا، وتضييع الماء فِعْلٌ أدَّاه إليه غرور السَّراب إيَّاه، وكذلك غَرَّ إبليسُ آدم، ففعل آدم الأكل الضَّار له. والخِدَاع: أن يستر عنه وجه الصَّواب، فيوقعه في مكروه، وأصله مِن قولهم: خَدَع الضَّبُّ، إذا توارى في جحره. وخَدَعَه في الشِّراء أو البيع، إذا أظهر له خِلَاف ما أبطن، فضرَّه في ماله. وقال علي بن عيسى: الغُرُور: إيهام حال السُّرور فيما الأمر بخلافه في المعلوم، وليس كلُّ إيهامٍ غُرُورًا؛ لأنَّه يوهمه مَخُوفًا ليحذر منه، فلا يكون، قد غَرَّه. والاغْتَرَار: تَرْكُ الحزم فيما يمكن أن يتوثَّق فيه، فلا عُذرَ في ركوبه، ويقال في الغُرُور: غَرَّه، فضيَّع ماله وأهلك نفسه. والغُرُور قد يُسمَّى خِدَاعًا، والخِدَاع يُسمَّى غُرُورًا على التَّوسُّع، والأصل ما قلناه، وأصل الغُرُور الغَفْلَة .
الفرق بين الخِدَاع والكَيْد: </span>
أنَّ الخِدَاع هو: إظهار ما يُــبْطَن خلافه، أراد اجتلاب نفعٍ أو دفع ضرٍّ، ولا يقتضي أن يكون بعد تدبُّرٍ ونَظَرٍ وفِكرٍ؛ أَلَا ترى أنَّه يقال: خَدَعَه في البيع، إذا غشَّه مِن جَشَعٍ، وأوهمه الإنصاف، وإن كان ذلك بديهة مِن غير فِكْرٍ ونَظَرٍ، والكَيْد لا يكون إلَّا بعد تدبُّرٍ وفِكْرٍ ونَظَرٍ؛ ولهذا قال أهل العربيَّة: الكَيْد: التَّدبير على العدو، وإرادة إهلاكه. وسُمِّيت الحيل -التي يفعلها أصحاب الحروب بقصد إهلاك أعدائهم- مكايد؛ لأنَّها تكون بعد تدبُّرٍ ونَظَرٍ. ويجيء الكَيْد بمعنى الإرادة، وقوله تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف: 76]، أي أردنا، ودلَّ على ذلك بقوله: إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [يوسف: 76]، وإن شاء الله بمعنى المشيئة، ويجوز أن يقال: الكَيْد: الحيلة التي تُقرِّب وقوع المقصود به مِن المكروه، وهو مِن قولهم: كاد يفعل كذا، أي: قَرُب، إلَّا أنَّه قيل: هذا يَكَاد، وفي الأولى يَكِيد؛ للتَّصرُّف في الكلام، والتَّفرقة بين المعنيين. ويجوز أن يقال: إنَّ الفرق بين الخِدَاع والكَيْد، أنَّ الكَيْد: اسم لفعل المكروه بالغير قهرًا، تقول: كايَدِني فلان، أي: ضرَّني قهرًا، والخَدِيعَة: اسم لفعل المكروه بالغير مِن غير قهرٍ، بل بأن يريد بأنَّه ينفعه، ومنه الخَدِيعَة في المعاملة، وسمَّى الله تعالى قصد أصحاب الفيل مكَّة كيدًا في قوله تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل: 2]؛ وذلك أنَّه كان على وجه القَهْر .
الفرق بين الخِدَاع والمكر: </span>
قال الرَّاغب: (المكر والخَدِيعَة متقاربان، وهما اسمان لكلِّ فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره، وذلك ضربان: أحدهما مذمومٌ، وهو الأشهر عند النَّاس والأكثر، وذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه بالمخْدُوع، ... والثَّاني: بعكسه، وهو أن يقصد فاعلهما إلى استجْرَار المخْدُوع والممكور به إلى مصلحة بهما، كما يفعل بالصَّبي إذا امتنع مِن فعل خير. وقد قال بعض الحكماء: المكْر والخَدِيعَة يُحْتَاج إليهما في هذا العالم؛ وذلك أنَّ السَّفيه يميل إلى الباطل، ولا يميل إلى الحقِّ، ولا يقبله لمنافاته لطبعه، فيحتاج أن يُخْدَع عن باطله بزخارف مموَّهة، كخَدِيعَة الصَّبي عن الثَّدي عند الفطام) .

محمد رافع 52 14-09-2013 01:32 PM

ذَمُّ الخِدَاع والنهي عنه
أولًا: في القران الكريم
الخِدَاع مِن خُلُق المنافقين، وهو متأصِّل فيهم، فهم يخادعون الله ويخادعون المؤمنين، ويخادعون أنفسهم، قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9].
قال الشوكاني: (والمراد مِن مخادعتهم لله: أنَّهم صنعوا معه صُنْع المخادعين، وإن كان العالم الذي لا يخفى عليه شيء لا يُخْدَع.
وصيغة فاعل تفيد الاشتراك في أصل الفعل، فكونهم يخادعون الله والذين آمنوا، يفيد أنَّ الله سبحانه والذين آمنوا يخادعونهم.
والمراد بالمخادعة مِن الله: أنَّه لـمَّا أجرى عليهم أحكام الإسلام مع أنَّهم ليسوا منه في شيء، فكأنَّه خادعهم بذلك كما خادعوه بإظهار الإسلام وإبطان الكفر، مُشَاكَلة لما وقع منهم بما وقع منه.
والمراد بمخادعة المؤمنين لهم: هو أنَّهم أجروا عليهم ما أمرهم الله به مِن أحكام الإسلام ظاهرًا، وإن كانوا يعلمون فساد بواطنهم، كما أنَّ المنافقين خادعوهم بإظهار الإسلام وإبطان الكفر.
والمراد بقوله تعالى: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم [البقرة: 9]، الإشعار بأنَّهم لـمَّا خادعوا مَن لا يُخْدَع كانوا مخادعين أنفسهم، لأنَّ الخِداع إنَّما يكون مع مَن لا يَعْرِف البواطن. وأمَّا مَن عَرف البواطن: فمَن دخل معه في الخِدَاع، فإنَّما يَخْدَع نفسه وما يشعر بذلك) .
- وقوله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النِّساء: 142].
قال السعدي: (يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه، مِن قبيح الصِّفات وشنائع السِّمات، وأنَّ طريقتهم مخادعة الله تعالى، أي: بما أظهروه مِن الإيمان وأبطنوه مِن الكفران، ظنُّوا أنَّه يروج على الله، ولا يعلمه، ولا يبديه لعباده، والحال أنَّ الله خادعهم، فمجرَّد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها، خداعٌ لأنفسهم. وأيُّ خِدَاعٍ أعظم ممَّن يسعى سعيًا يعود عليه بالهوان والذُّل والحرمان؟) .
-وقال تعالى مخاطبًا نبيَّه: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 62].
قال ابن عاشور: (لـمَّا كان طلب السِّلم والهدنة مِن العدوِّ قد يكون خَدِيعَة حربيَّة، ليُغْرُوا المسلمين بالمصالحة، ثمَّ يأخذوهم على غِرَّة، أيقظ الله رسوله لهذا الاحتمال، فأمره بأن يأخذ الأعداء على ظاهر حالهم، ويحملهم على الصِّدق؛ لأنَّه الخُلُق الإسلامي، وشأن أهل المروءة، ولا تكون الخَدِيعة بمثل نَكْثِ العهد، فإذا بَعَث العدوَّ كفرُهم على ارتكاب مثل هذا التَّسَفُّل، فإنَّ الله تكفَّل -للوفيِّ بعهده- أن يقيه شرَّ خيانة الخائنين. وهذا الأصل، وهو أخذ النَّاس بظواهرهم) .

محمد رافع 52 14-09-2013 01:34 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن عبد الله بن عمر، أنَّ رجلًا ذكر للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يُخْدَع في البيوع، فقال: ((إذا بايعت فقل: لا خِلابة)) .
قال النَّوويُّ: (معنى لا خِلَابة: لا خَدِيعَة، أي: لا تحلُّ لك خَدِيعتي، أو لا يلزمني خديعتك) .

محمد رافع 52 14-09-2013 01:36 PM

أقوال السَّلف والعلماء في الخِدَاع
- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان لأبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه غلام يُخْرِج له الخَراج، وكان أبو بكر يأكل مِن خَرَاجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنت لإنسان في الجاهليَّة، وما أُحْسِن الكهانة، إلَّا أَنِّي خدعته، فلقيني، فأعطاني لذلك هذا الذي أكلتَ منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كلَّ شيء في بطنه)) .
- وكان ابن عمر يقول: (مَن خدعنا بالله انخدعنا له) .
-وقال أيوب: (يخادعون الله كأنَّما يخادعون آدميًّا، لو أتوا الأمر عيانًا كان أهون عليَّ) .
- وقال ابن أبي أوفى: (النَّاجش آكل ربًا خائن، وهو خِدَاع باطلٌ لا يحلُّ) .
- وقال البخاري: (باب النَّهي عن تلقِّي الـركبان، وأنَّ بيعه مردودٌ؛ لأنَّ صاحبه عاص آثم إذا كان به عالـمًا، وهو خِدَاعٌ في البيع، والخِدَاع لا يجوز) .
- قال الماوردي: (إنَّ مَن قال ما لا يفعل فقد مَكَر، ومَن أمر بما لا يأتمر فقد خَدَع، ومَن أسرَّ غير ما يُظْهِر فقد نافق. وقد رُوي عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((المكْرُ والخَدِيعَة وصاحباهما في النَّار)) . على أنَّ أمره بما لا يأتمر مطَّرح، وإنكاره ما لا ينكره مِن نفسه مُسْتَقْبَح .

محمد رافع 52 14-09-2013 01:39 PM

آثار الخِدَاع
الخِدَاع له آثارٌ وأضرارٌ تعود على المخَادِع نفسه، وعلى المجتمع الذي مِن حوله، ومِن هذه المضَار:
1- أنَّ الخِدَاع دليلٌ على ضعف إيمان صاحبه.
2- الخِدَاع سببٌ مِن أسباب الفُرْقَة بين المسلمين.
3- أنَّه طريق موصل للنَّار.
4- أنَّه صفة مِن صفات المنافقين.
5- يتسبَّب في أكل أموال النَّاس بالباطل.
6- يولِّد ضعف الثِّقة بين أفراد المجتمع.
7- المخَادِع يكون منبوذًا عند النَّاس.
8- الخِدَاع يولِّد الشَّحناء والبغضاء بين النَّاس.
9- أنَّ الخِدَاع يترتَّب عليه نقض المواثيق والعهود بين النَّاس.

محمد رافع 52 14-09-2013 01:42 PM

حُكْمُ الخِدَاع
عده بعض أهل العلم -ومنهم ابن حجر الهيتمي- مِن الكبائر، ويقصدون بذلك النَّوع المذموم منه، قال ابن حجر الهيتمي: (عُدَّ هذا كبيرةٌ، صرَّح به بعضهم، وهو ظاهرٌ مِن أحاديث الغشِّ ... إذ كون المكْر والخَدِيعَة في النَّار ليس المراد بهما إلَّا أنَّ صاحبهما فيها، وهذا وعيد شديد) .
وقال ابن تيمية: (فإذا كان الله تعالى قد حرَّم الخِلَابة وهي الخَدِيعَة، فمعلومٌ أنَّه لا فَرْق بين الخِلَابة في البيع وفي غيره؛ لأنَّ الحديث إن عمَّ ذلك لفظًا ومعنًى فلا كلام، إن كان إنَّما قصد به الخِلَابة في البيع، فالخِلَابة في سائر العقود والأقوال وفي الأفعال بمنزلة الخِلَابة في البيع، ليس بينهما فَرْقٌ مؤثر في اعتبار الشَّارع، وهذا القياس في معنى الأصل، بل الخِلَابة في غير البيع قد تكون أعظم، فيكون مِن باب التَّشبيه وقياس الأولى) .
لكن استُثْنِي مِن الخِدَاع إذا كان لمصلحة شرعيَّة كالحرب، والإصلاح بين النَّاس، فعن جابر بن عبد الله قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الحرب خَدْعَة)) .
قال النَّووي: (واتَّفق العلماء على جواز خِدَاع الكفَّار في الحرب، وكيف أمكن الخِدَاع، إلَّا أن يكون فيه نقض عهدٍ أو أمانٍ فلا يحلُّ، وقد صحَّ في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء، أحدها: في الحرب؛ قال الطَّبري: إنَّما يجوز مِن الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب، فإنَّه لا يحلُّ. هذا كلامه، والظَّاهر إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التَّعريض أفضل) . وقد استخدم الصَّحابة الخِدَاع في الحرب في مواقف عديدة.

محمد رافع 52 14-09-2013 01:46 PM

أقسام الخِدَاع
ينقسم الخِدَاع إلى قسمين: خِدَاع محمودٌ، وخِدَاع مذمومٌ، يقول ابن القيِّم: الخِدَاع (ينقسم إلى محمود ومذموم، فإن كان بحقٍّ فهو محمود، وإن كان بباطل فهو مذموم. ومِن النَّوع المحمود: قوله -صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم-: ((الحرب خَدْعَة)) . وقوله في الحديث الذي رواه التِّرمذي وغيره: ((كلُّ الكذب يُكْتَب على ابن آدم، إلَّا ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب بين اثنين ليصلح بينهما، ورجل كذب في خَدْعَة حرب)).
ومِن النَّوع المذموم: قوله في حديث عياض بن حمار، الذي رواه مسلم في صحيحه: ((أهل النَّار خمسة، ذكر منهم رجلًا لا يصبح ولا يمسي إلَّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك)) ، وقوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9]. وقوله تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ [الأنفال: 62].
ومِن النَّوع المحمود: خِدَاع كعب بن الأشرف وأبي رافع، عدوَّي رسول الله -صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم- حتى قُتِلا، و*** خالد بن سفيان الهذلي.
ومِن أحسن ذلك: خَدِيعَة معبد بن أبى معبد الخزاعي لأبي سفيان وعسكر المشركين حين همُّوا بالرُّجوع ليستأصلوا المسلمين، وردَّهم مِن فورهم.
ومِن ذلك: خَدِيعَة نعيم بن مسعود الأشجعي ليهود بني قريظة، ولكفَّار قريش والأحزاب، حتى ألقى الخُلْف بينهم، وكان سبب تفرُّقهم ورجوعهم. ونظائر ذلك كثيرة) .

محمد رافع 52 14-09-2013 01:49 PM

صور الخِدَاع
1- خِدَاع المنافقين بإظهارهم للإسلام وإبطانهم للكفر:
قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9].
2- الخِدَاع في المعاملات الماليَّة، كالبيع والشِّراء:
وذلك بأن يُخَادع النَّاس، ويتحصَّل على الأمول بطُرُقٍ محرَّمةٍ، إمَّا عن طريق الكذب، أو كتمان عيب السِّلعة، أو البخس في ثمنها، أو التَّطفيف في وزنها، أو خلط الجيِّد بالرَّديء، أو النجش وغيرها مِن الطُّرق المحرَّمة.
3- خِدَاع الرَّعيَّة للرَّاعي:
خِدَاع الرَّعيَّة للرَّاعي يكون بمدحه وإطرائه بما ليس فيه؛ كأن يذكروا له إنجازات لم يعملها، أو بعدم نصحه إذا رأوا منه منكرًا، وغير ذلك.
4- خِدَاع الرَّاعي للرَّعيَّة:
ويُقْصَد بالرَّاعي؛ الرَّئيس، أو الحاكم، والمدير، والرَّجل في أهله، وغيرهم ممَّن لهم الرِّعاية على غيرهم، ويكون الخِدَاع في حقِّهم بظلمهم، وعدم إعطائهم ما يستحقُّونه، وعدم النُّصح لهم.
5- خِداع المرَائين بالأعمال:
فهم يشابهون المنافقين في عملهم لأجل النَّاس.
6- خِداع العمَّال:
بعدم إعطائهم أجرهم المتَّفق عليه، أو تكليفهم مِن الأعمال فوق طاقتهم.
7- خداع المتسولين والشحَّاذين:
بعض المتسولين يخدعون من يسألونه المال بحيث يظهرون بمظهر المرضى، والمعتوهين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وهم ليسوا كذلك، ليستجلبوا عطف الناس عليهم، ويأخذوا أموالهم بلا وجه حق.
8- خداع النفس لصاحبها.
قد تخدع النفس الأمارة بالسوء صاحبها إذا هو همَّ بالخير، فتقعده وتثبطه.


9-
الخداع بالمدح والإطراء لشخص ما، ووصفه بالصفات الحميدة، وهو ليس كذلك .

محمد رافع 52 14-09-2013 01:50 PM

الوسائل المعينة على ترك الخِدَاع
1- التَّربية على الأخلاق الفاضلة، والالتزام بأحكام الشَّرع الحنيف.
2- الثِّقة بالله واستشعار مراقبته.
3-
القناعة بما رُزِق.
4- مجالسة الرُّفقة الصَّالحة.
5- معاقبة مَن يُخَادِع؛ لرَدْعِه عن ذلك.
6- العلم بالحكم الشَّرعي بأنَّ الخِدَاع منهيٌّ عنه.
7- تعليم النَّاس حقيقة الخِدَاع وتبيين صوره ليحذروه.
8- النَّظر للعواقب الوخيمة للمُخَادِع في الدُّنيا والآخرة.

محمد رافع 52 14-09-2013 01:52 PM

مَن يُظْهر الانخِدَاع مع التَّفطُّن للحيلة
انخِدَاع الشَّخص للمُخَادِع يُعْتَبر مِن البَلَه، إلَّا إذا كان المخْدُوع متفطِّنٌ للحيلة التي حيكت ضدَّه، ففي هذه الحالة يُعْتَبر الانخِداع مِن الكَرَم، قال ابن عاشور: (إظهار الانخِدَاع مع التَّفطُّن للحيلة إذا كانت غير مُضِرَّة فذلك مِن الكرم والحِلْم، قال الفرزدق:

استمطروا مِن قريش كلَّ مُنْخَدِع **** إنَّ الكريم إذا خادعته انخدعا


و((المؤمن غِرٌّ كريم))، أي: مِن صفاته الصَّفح والتَّغاضي، حتى يُظَنَّ أنَّه غِرٌّ، ولذلك عقَّبه بكريم لدفع الغِرِّيَّة المؤذنة بالبَلَه، فإنَّ الإيمان يُزِيد الفِطْنَة؛ لأنَّ أصول اعتقاده مبنيَّة على نبذ كلِّ ما مِن شأنه تضليل الرَّأي وطمس البصيرة) .
وقال المناوي: (إذا رأيت مَن يخدعك، وعَلِمتَ أنَّه مُخَادِعٌ، فمِن مكارم الأخلاق أن تنخدع له، ولا تفهمه أنَّك عرفت خِدَاعه، فإنَّك إذا فعلت ذلك فقد وفَّيت الأمر حقَّه؛ لأنَّك إنَّما عاملت الصِّفة التي ظهر لك فيها، والإنسان إنَّما يعامل النَّاس لصفاتهم لا لأعيانهم، أَلَا تراه لو كان صادقًا مُخَادِعًا، فعامله بما ظهر منه، وهو يَسْعَد بصدقه ويَشْقَى بخداعه، فلا تفضحه بخداعه، وتَجَاهل، وتَصَنَّع له باللَّون الذي أراده منك، وادْعُ له وارحمه) .

محمد رافع 52 14-09-2013 01:54 PM

الأمثال في الخداع
- قولهم: فلانٌ يُقَرِّد فلانًا .
- وقولهم: تَرَك الخِدَاع مَن كَشَف القناع .
- وقولهم: أَخْدَع مِن ضَبٍّ .
- قولهم: إذا لم تَغْلِب فاخْلِب.
أي: فاخْدَع، ورجل خلَّاب، أي: خدَّاع .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.