مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها خصائص الشريعة الإسلامية: 1- جاءت الشريعة الإسلامية بالتشريع التام الكامل الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، الذي نظم جميع العلاقات، نظم علاقة الإنسان بربه (العبادات) وعلاقة الإنسان بنفسه وأهله، وعلاقة الإنسان بالإنسان فرداً كان أو جماعة، وعلاقة مادية أو اجتماعية، كما نظم علاقة المواطن بالدولة والدولة بالمواطنين في جميع أنواع العلاقات، كما نظم علاقة الدول بعضها ببعض في السلم والحرب وعلاقة الدول برعايا الدول الأُخر في الحالين أيضاً. كما نظم علاقة الإنسان بالكائنات الأُخر التي تعيش مع الإنسان، أو التي تعيش معها وعليها من حيوان ونبات وجماد ما في السماء وما في الأرض وما بينهما، فالشريعة الإسلامية جاءت بنهج اجتماعي وحياتي كامل. فهي عقيدة وسلوك ونظام.. إذن ليس الشريعة الإسلامية عقيدة دينية فحسب، بل هي أيضاً وبآن واحد سلوك أخلاقي ونظام تشريعي قانوني. 2- جاءت الشريعة الإسلامية للناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]، [قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا]. وهذا التشريع خاتماً للشرائع ومصدقاً لما سبقه. 3- جاءت الشريعة الإسلامية موحدة تحقق للبشرية فوائد جمة، وذلك بتوحيد معايير الخير والشر في ربوع العالم فالحق حق هنا وهناك وبالأمس واليوم وغداً، في مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها، والباطل كذلك وينتج عن هذا التوحيد تقارب المجتمع الإنساني كله في أفكاره وتصرفاته وفي عاداته وتقاليده. وهذه هي أول لبنة من لبنات الوحدة الكبرى التي ينشدها الإسلام، ويرسي دعائمها بتشريعه الخالد المستقر البعيد عن نزعات الهوى حيث تهيأت للإنسان المؤمن وحدة في التشريع، فلهذا أحدث الإسلام ثورة اجتماعية تامة في حياة العرب، وفي حياة سائر الشعوب التي تأثرت في تعاليمه وحضارته، فجعلت من دويلات قبائل العرب دولة حقيقية موحّدة قوية مبنية على فكرة دينية دنيوية شاملة ومبادئ ديمقراطية وعدالة اجتماعية بدلاً من فكرة العصبية القبلية الضيقة المشحونة بالتعصب الذميم وبالتنافر والبغضاء، وأبدلت بعاداتهم الوثنية والجاهلية شرائع وأحكام مرتكزة على الإيمان الصحيح والعمل الصالح والحق والنظام والمصلحة العامة. 4- يترتب على وحدة التشريع انتشار الطمأنينة، وتنمية المحبة بين الناس جميعاً وتدفق الاخاء تحت ظلال المحبة الكبرى محبة الله، فالشريعة الإسلامية تتصف بالبساطة والوضوح وسهولة الفهم والقناعة، ولا تنطوي على عقائد غامضة ولا ألغاز سرية، ولا تعقيدات لاهوتية، بل هي دين الفطرة. 5- إن الشريعة الإسلامية ترتب الثواب الآخروي لكل عمل من أعمال التي يؤديها الإنسان سواء أكان ذلك في دائرة العبادات أم المعاملات أم الأحكام الشاملة لكل أبواب الفقه بل ترتب الثواب حتى على نية المرء. بينما القوانين الوضعية ترتبط المسؤولية فيها بالقيام بالفعل وتنتهي عند تنفيذ الحكم، مما يترك المجال واسعاً للمحتالين والمغامرين لنيل أغراضهم والتملص من الأحكام بغفلة من القانون. |
مميزات الشريعة الإسلامية: امتازت الشريعة الإسلامية بأمور يعرفها كل من قارن بين الشرائع الدينية والبارز منها: 1- هو تكفلها لسائر الأحكام التي تخص حياة الإنسان الفردية والاجتماعية الدينية والدنيوية، فلا تجد واقعة من الوقائع تخص الإنسان نفسه أو مع غيره أو المجتمع نفسه أو مع غيره إلاَّ ويظهر حكمها من نص أو ظاهر أو قاعدة أو أصل وهذه الميزة تفقدها سائر الشرائع السماوية والنظم الحزبية والقوانين الدولية. 2- تساير الزمن مهما تقلبت الأحوال وتعالج شؤون الحياة في العالم مهما اختلفت الأوساط فكانت النتيجة الحتمية إن صارت خاتمة الشرائع الإلهية والأديان السماوية. 3- جاءت أحكامها تباعاً وتدريجاً حتى كملت قواعدها وأصولها وتمت أحكامها وأسسها في غدير خم في حجة الوداع عندما نزلت الآية الكريمة: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا]. 4- حثت على العمل لكسب المغنم في هذه الحياة وتحصيل المعرفة بأسرار هذه الكائنات ووعدت الصالحين بالميراث. 5- حررت العقل البشري من الأساطير والخرافات ووجهته نحو المنطق الحر والدليل والبرهان في العقيدة والإيمان، ولم تأخذ بالجريمة والجريرة بمجرد التفكير فيها، وإنما تأخذ بها بعد ارتكابها فلم تأخذ بالتفكير بالزنا وإنما تعاقب على ارتكابه كما ينسب ذلك لبعض الشرائع. أحكام الشريعة الإسلامية: الشريعة الإسلامية مجموعة أحكام نزّل بها الوحي على محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- ما يتعلق بالعقائد الأساسية كالأحكام المتعلقة بذات الله وصفاته، وبالإيمان به وبرسله وكتبه واليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء، وقد تكفل بهذا النوع علم الكلام. 2- ما يتعلق بتهذيب النفوس وإصلاحها. كالأحكام المبينة للفضائل التي يجب أن يتحلى بها الإنسان كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد والشجاعة والإيثار والتواضع والإحسان والعفو والصفح، والأحكام المبينة للرذائل التي يتحتم على المرء أن يتخلّى عنها كالكذب والخيانة وخلف الوعد والجبن والأنانية والتكبر والإساءة إلى الغير والانتقام وما إلى ذلك مما تكفل ببيانه علم الأخلاق. 3- ما يتعلق ببيان أعمال الناس وتنظيم علاقاتهم بخالقهم كأحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج، وتنظيم علاقات بعضهم ببعض كأحكام البيوع والهبة والإجارة والرهن والزواج وغيرها. وقد انفرد بهذا النوع علم خاص يسمى علم الفقه. |
إتمام الشريعة الإسلامية: تذهب الشيعة إن القرآن والسنة النبوية والمأثورة من العترة الطاهرة الزكية قد أظهرت الأحكام الشرعية لكل حادثة من الحوادث النازلة والوقائع المستجدة إلى يوم القيامة إما بالنص عليها بالخصوص أو بنحو العموم شأن الأنظمة والقوانين الدولية فإنها تشرع أحكام الحوادث النازلة والوقائع المتجددة بموادها الكلية وأصولها العامة ومبادئها الشاملة، تاركة فهم الجزئيات واستنباط التفاصيل وما تهدف إليه من حقائق ومقاصد لأهل البصيرة وحسن السليقة ومعتمدة على استخراج أحكام الوقائع من نصوصها وظواهرها ومفهومها وسياق بيانها ولوازمها على أهل المعرفة والتفكير المستنير. فكذلك هو الاجتهاد عند الشيعة. كما قام الإجماع عند المسلمين إن كل واقعة أو حادثة على مختلف أنواعها وأزمانها وظروفها لا تخلو عن الحكم الشرعي. وجوب تشريع الأحكام ووجه حسنه: ذهبت الإمامية والمعتزلة إلى وجوب التكليف على الله تعالى عقلاً. والمراد بالوجوب على الله تعالى في هذا المقام وغيره كما يقال اللطف واجب عليه تعالى ــ هو كون الفعل موافقاً للحكمة ــ أي أن حكمته تعالى تقتضي ذلك الفعل لا أن غيره أوجبه عليه تعالى كما توهمه بعضهم وشنع على القائلين بالوجوب. وأما الأشاعرة فقد نفوا ذلك وزعموا أن التكليف والتشريع للأحكام ليس بواجب بل هو تفضل منه تعالى إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعل. والحق هو الأول لأن جعل التكليف على نوع الإنسان إنما هو لإصلاح المعاش وتنظيم الحياة، فهو أمر حسن يحكم بوجوبه العقل على من بيده ملكوت الإنسان وله عليه سلطان. وعليه سيرة العقلاء من قديم الزمان فلا تجد حكومة إلاَّ وقد سنت قوانين لإصلاح أمور أتباعها وتنظيم حياة رعاياها، وذلك لجلب السعادة إليهم ودفع الشقاء عنهم في أدوار حياتهم الفردية والاجتماعية وفي أطوار نشأتهم الأولية والآخروية. فإنه تعالى لو تركهم سدى لأحاطت بهم المهالك، ولضاقت بهم المسالك لقصور عقل الإنسان عن إدراك ما ينفعه وما يضره، ولغلبة الشهوة فيه على سلطان العقل، وحبه للسطوة والسيطرة على أفراد النوع، والتنازع على وسائل العيش. وهو أعز مخلوق لدى الله وأشرف موجود عنده. فلا يعقل أنه يهمل أمره ولا يصلح شأنه وهو الرب الرحيم الرؤوف بمخلوقاته المدير لمصنوعاته، فأرسل الرسل مبلغين ومنذرين بقوانين وأحكام ترشدهم لصالحهم الخاص والعام، وتنظم لهم أمور الحياة في السراء والضراء، وتوصلهم إلى الكمال وتجنبهم عن الضلال وتربطهم بخالق الكون ومدبره، فكلفهم بالمعرفة بأصول الدين ليطلعوا على عظيم شأنه وكمال قدرته على خلقه. ويطاع في أمره ونهيه، وكلفهم بالعبادات في عدة من الأوقات وفي كثير من المناسبات ليخرجهم من مقام الحيوانية إلى مقام الإنسانية، ومن ظلمات النفس إلى نورها وروحانيتها، ويقوي فيهم الشعور الديني حتى تلتهب النفس بالعاطفة الدينية، ويصبح الشعور الديني فيها وازعاً نفسياً يسوقها الإتيان ما يريده تعالى منها، ورادعاً قلبياً عن فعل ما يبغضه عزَّ أسمه منها، وكلفهم بما يصلح شؤون حياتهم في جميع أدوارها وأطوارها لئلا يترك الناس سدى، ويسودهم الهرج والمرج، فقنن لهم قوانين الاختصاص في الأموال، وسنَّ لهم قسمة المواريث وموجبات الإنفاق وتوزيع الغنائم والصدقات. وألزمهم بالعقود لئلا تختلف النيات وتجهل أو تتجاهل المقاصد في المعاملات والإيقاعات وندبهم لما فيه صلاحهم ونجاحهم، وجعل القصاص والحدود والتعزيرات والضمانات حفظاً للنفوس والأموال، وخوفاً من المروق عن طاعة الرحمن، ووعدهم بالثواب على حسب مقادير الإطاعة، وأوعدهم بالعقاب على حسب مقادير المعصية، وبالغ في الإنذارات، وأكثر من التحذيرات والترغيبات والترهيبات حرصاً منه تعالى عليهم أن لا يقصروا في ذلك فتفوت عليهم المصالح ويقعوا في المفاسد فيبؤوا بالخسران المبين والضرر العظيم. وقد وقع التنبيه من أئمتنا على محاسن التكليف في مواضع كثيرة منها ما في الاحتجاج أنه أتصل بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب قوماً من أصحابه خاضوا في التعديل والتجريح فخرج حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس إن الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق أراد أن يكون على آداب رفيعة وأخلاق شريفة فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلاَّ بأن يعرفهم مالهم وما عليهم، والتعريف لا يكون إلاَّ بأمر ونهي، والأمر والنهي لا يجتمعان إلاَّ بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون إلاَّ بالترغيب، والوعيد لا يكون إلاَّ بالترهيب، والترغيب لا يكون إلاَّ بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم، والترهيب لا يكون إلاَّ بضد ذلك، ثم خلقهم في داره وأراهم طرفاً من اللذات ليستدلوا به على ما ورائهم من اللذات الخاصة التي لا يشوبها ألم ألاَّ وهي الجنة، وأراهم طرفاً من الآلام ليستدلوا به على ما ورائهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبها لذة ألاَّ وهي النار، من أجل ذلك يرون نعيم الدنيا مخلوطاً بمحنها، وسرورها ممزوجاً بكدرها وغمومها). وأمثال تلك الأحاديث الشريفة كثيرة. والحاصل إن الغاية والمصلحة في تكليف العباد هو التعريض للثواب وحفظ نظام العالم. وهذا غرض صحيح فيكون التكليف حسناً بل واجباً لأن الترك للإحسان بالنسبة إلى من يستحقه مع عدم المانع قبيح، بل لولا صدور التكليف والتشريع للأحكام لكان الله تعالى فاعلاً للقبيح لأنه بتركه للتشريع يكون مغرياً للعبد بالقبيح والإغراء بالقبيح قبيح. ومعلوم لا يصدر من الله تعالى القبيح لعدله وحكمته فوجب صدور التشريع منه. |
أهداف الشريعة الإسلامية: الشريعة الإسلامية هي مجموعة الأوامر والأحكام الاعتقادية والعملية التي يوجب الإسلام تطبيقها لتحقيق أهدافه الإسلامية في المجتمع. 1- تحرير العقل البشري من رق التقليد والخرافات وذلك من خلال العقيدة الصادقة الحقة من الإيمان بالله، وتوحيد معايير الخير والشر في ربوع العالم، وتوجيه العقل نحو الدليل والبرهان. 2- إصلاح الفرد نفسياً وخلقياً وتوجيه نحو الخير والإحسان لكي لا تطغى شهواته ومطامعه على عقله من خلال العبادة المشروعة التي تذكره بخالقه وبعقيدة الثواب والعقاب في الآخرة، لكي يكون المؤمن في مراقبة دائمة لأعماله، حريصاً على عدم التقصير في واجباته. 3- إصلاح المجتمع بصورة يسود فيه الأمن والعدل وصيانة الحريات والكرامة الإنسانية، ونشر الطمأنينة والمحبة في ربوع العالم. ومن الأهداف الثلاثة في الإسلام يتحدد معنى الشريعة وتقوم على ثلاث دعائم وهي: 1- عقيدة عقلية 2- عبادة روحية 3- نظام قانوني قضائي لهذا يقال إن الإسلام دين ودولة. ويجب التفريق بين النظام والتطبيق، إذ لا ينكر أنه في الواقع العملي والتاريخي كثيراً ما يساء فهم الحقيقة الإسلامية في بعض هذه النواحي الثلاث، أو يساء تطبيقها فتظهر الصورة مشوهة. كما إنَّ التشريع مرَّ بأطوار متعاقبة، ويتميز كل دور عن الآخر نتيجة الأحداث متعددة متجددة متغايرة، والتشريع لابد من أن يواجه هذه الأحداث بوضع الأحكام الملائمة. نصوص الكتاب والسنة متناهية الحوادث متجددة الاجتهاد |
خصائص الشريعة الإسلامية: للشريعة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها وهي: 1- الشريعة من عند الله. 2- الجزاء في الشريعة دنيوي وآخروي. 3- عموم الشريعة وبقاؤها. 4- شمول الشريعة. وسنتكلم عن كل خصوصية من الخصوصيات المذكورة آنفاً: 1- الشريعة من عند الله: إن مصدر الشريعة الإسلامية هو الله تعالى، وهي وحيه إلى رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) باللفظ والمعنى، وكون هذا اللفظ معجزاً ومتواتراً نقله وهو القرآن أو باللفظ والمعنى إلاَّ أنه غير معجز فهو الحديث القدسي أو بالمعنى دون اللفظ وهو السنة الشريفة، وهي تختلف عن جميع الشرائع الوضعية لأن مصدرها البشر، ويترتب على هذه الخصلة جملة نتائج منها: 1- إن مبادئ الشريعة وأحكامها خالية من الجور والنقص والهوى لأنها من صنع الله والله له الكمال المطلق الذي هو لوازم ذاته، بخلاف القوانين الوضعية التي لا تنفك عن النقص والجور والهوى لأنها صادرة من الإنسان والإنسان لا يخلو من هذه النقائص. 2- جاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ المساواة بين الناس بغض النظر عن اختلافهم في اللون أو ال*** أو اللغة، وجعلت أساس التفاضل بينهم العمل الصالح ومقدار ما يقدمه الفرد من الخير. قال تعالى: [يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ]، وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم): (فلا فضل لعربي على أعجمي إلاَّ بالتقوى)، فالجميع أمام أحكام الشريعة الإسلامية متساوون. 3- هيبة واحترام نفوس المؤمنين لأحكام الشريعة الإسلامية حكاماً كانوا أو محكومين لأنها صادرة من عند الله تعالى فلها صفة دينية فتؤمن بها النفوس ولا يقسر عليها الإنسان قسراً بخلاف القوانين الوضعية فليس لها سلطان على النفوس، فترى إن النفوس تجرأ على مخالفة القانون الوضعي كلما استطاعت الإفلات من رقابة القانون وسلطة القضاء، (كمسألة الخمر). 2- الجزاء في الشريعة دنيوي وأخروي: أولاً:إن الشريعة الإسلامية تتفق مع القوانين الوضعية في أن قواعدها وأحكامها تقترن بجزاء يوقع على المخالف، ولكنها تختلف معها في أن الجزاء فيها أُخروي ودنيوي. بل أن الأصل في أجزيتها هو الجزاء الأُخروي. وإنما ترتب الجزاء الدنيوي لمقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع. ثانياً:الجزاء الدنيوي منه ما كان جنائياً ومنه ما يكون مدنياً كما هو الحال في القوانين الوضعية وإن كان نطاقه أوسع من نطاق الجزاء في القانون الوضعي نظراً إلى شمول الشريعة الإسلامية لجميع شؤون الأفراد ومنها الدنيوية والأخلاقية خلافاً للقانون الوضعي. ثالثاً:الجزاء الأُخروي يترتب على كل مخالفة لأحكام الشريعة، سواء أكانت من أعمال القلوب أم من أعمال الجوارح ما لم تقترن مخالفته بتوبة نصوح وتحلل من حق الغير. وهذا ما تشير إليه النصوص الكثيرة منها: [وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ]. رابعاً:إن المسلم يخضع لأحكام الشريعة خضوعاً اختيارياً في السر والعلن خوفاً من عقاب الملك الجبار، وحتى لو استطاع أن يفلت من عقاب الدنيا، فتنزجر النفوس عن مخالفة الشريعة الإسلامية أما بدافع الاحترام أو استشعار للحياء من الله تعالى، أو بدافع الخوف من العقاب الآجل الذي ينتظر المخالفين [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا]، قوله تعالى: [فَمَنْ يعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه]. لذا فإن الإيمان أساس الشريعة الإسلامية، وهو الوازع الداخلي المتين الذي يوقظ الضمير ليراقبه ويحاسبه على أعماله وهو الضمانة لاحترام أحكام الشريعة وتنفيذها، فلا يمكن أن يعوّل على سلطة القانون فقط والدليل ما نراه في العصر الحاضر من أثر ضعف الإيمان ومن شدة صرامة القانون وإمكانات تنفيذه وشدة المراقبة على المتعدي والمخالف له ومع هذا فإن الانحلال الخلقي قد تفش وتفاقم المشكلات الاجتماعية وازدياد الجرائم وأعمال العنف والإدمان على المخدرات والمسكرات والانغماس في الفجور والملذات والانهيار في الأباحية ال***ية وقلة الحياء، وتفشي الكسل والقذارة والشغب والفوضى وتفكيك الروابط التقليدية الانضباطية في المجتمع والمدرسة والعائلة جميعاً وما شاكل ذلك. 3- عموم الشريعة وبقاؤها: أولاً:الشريعة الإسلامية عامة لجميع البشر في كل مكان وزمان، فلم تكن ضيقة المرمى أو تكن قومية اللون ولا محصورة بالعرب أو بشعب مختار بل هي رسالة شاملة ودعوة عالمية موجهة إلى جميع الناس في جميع الأقطار والأمصار ولذا خاطب القرآن الكريم النبي (ص) بقوله تعالى: [قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا]، [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا]. ثانياً:إن الشريعة الإسلامية لا تنسخ ولا تبدل لأنها خاتمة الشرائع، ويستلزم أن تكون أحكامها وقواعدها على نحو تحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان وتفي بحاجاتهم. قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]والرحمة تتضمن رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم. ثالثاً:تشريع الرخص عند وجود مشقة في تطبيق الأحكام من ذلك إباحة النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها حفاظاً لبقاء النفس. وإباحة أكل المحرم عند الضرورة كأكل الميتة وإباحة الفطر في شهر رمضان للمسافر والمريض ونحو ذلك. ولا شك إن دفع المشقة ضرب من ضروب رعاية المصلحة ودرء المفسدة وكذا التدرج في التشريع. رابعاً:إن المتتبع لأحكام الشريعة يجد بالاستقراء أن المقصد العام للشريعة الإسلامية هو تحقيق مصالح الناس بجلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم، وإن مصالح العباد تحقق بتحقيق الأمور الضرورية لهم وضمان الأمور الحاجية وتوافر الأمور التحسينية أي الكماليات: فالأولى الضرورية:هي التي لا قيام لحياة الناس من دونها وإذا غابت حل الفساد وعمّت الفوضى واختل نظام الحياة. وتسمى بمقاصد الشريعة وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وبعضهم يجعل مع العرض النسل. وقد بنيت عليها مسائل العبادات والعقوبات والمعاملات الضرورية جميعاً وترمي إلى قيام مصالح الدين والدنيا الأساسية. أما الدين وهو مجموعة العقائد والعبادات والقوانين التي شرعها الله تعالى، وأوجب المحافظة عليه بالجهاد، وفرض العقوبة على كل من يصد الناس عن دينه أو من يرتد عن دينه أو من يبتدع ويحدث في الدين ما ليس منه. أما النفس فقد شرع لإيجادها الزواج للتوالد، وشرع لحفظها وبقائها ما يقيم الحياة من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وأباح الطيبات وأحل المعاملات. وشرع لمنع الاعتداء عليها القصاص والدية والكفارة وحرم الإلقاء بها إلى التهلكة، كما أوجب دفع الضرر عنها. وشرّع الله تعالى لإيجاد النسل النكاح لبقاء النوع وأباح في الزواج كل ما به حفظه، كما شرع لحفظ النسل تحريم الزنا والحد على الزاني والزانية وتحريم الإجهاض إلاَّ عند الضرورة. وأما حفظ العقل فيتم عن طريق ما أوجبه الله لكفالة سلامته وزيادة قدرته وعن طريق ما حرّمه مما يفسده ويضعف قوته، فأجزل الثواب للمعلم. وحرّم تناول الخمر وكل مسكر ومخدر وأوجب العقوبة على من يقدم على إذهاب عقله. وأما المال فقد شرّع الله لإيجاده وكسبه السعي للرزق وإباحة المعاملات والمبادلات والتجارة والمضاربة، وشرع لمنع الإعتداء عليه وصيانته تحريم السرقة وحد السارق والسارقة وتحريم الغش والخيانة والربا وأكل أموال الناس بالباطل وتحريم إتلاف مال الغير وفرض ضمان المتلفات ومراعاة المماثلة في الضمان وغيرها من الأحكام. والثانية الحاجيات:وهي التي يحتاج إليها الناس ليعيشوا بيسر وسعة وإذا فاتتهم لم يختل نظام الحياة ولكن يصيب الناس ضيق وحرج عند المشقة كالافطار للمريض، وفي المعاملات بيع السلم، وشرّع الطلاق للخلاص من حياة زوجية لم تعد تطاق، وفي العقوبات شرّعت الدية (الضمان المالي) في القتل الخطأ على أقارب القاتل الذكور تخفيفاً عن المخطئ. والثالثة التحسينيات:فهي ترجع إلى محاسن العادات ومكارم الأخلاق، وإذا غابت لا يختل نظام الحياة ولا يصيب الناس حرج ولكن تخرج حياتهم عن النهج الأقوم وما تستدعيه الفطرة السليمة والعادات الكريمة ولبيان التحسينات فقد شرعت الطهارة للبدن والثوب، وستر العورة والنهي عن بيع الإنسان أخيه الإنسان، والنهي عن قتل الأطفال والنساء في الحروب وقلع الأشجار والدعوة إلى الضيافة والشجاعة والكرم وآداب الطعام والشراب وحسن الجوار. وإذا اجتمعت المصالح الضرورية والحاجية والكمالية ولم يكن الجمع بينها كلها، قدمت الأولى على الثانية، والثانية على الثالثة، ثم في الطبقة ذاتها كما في اجتماع المصالح الضرورية المتعددة قدم حفظ الدين باعتباره الأصلح والأفضل على جميع المصالح الدنيوية. أما بين المصالح الدنيوية فيقدم حفظ النفس على حفظ المال وهكذا. وكذلك إذا تعارضت المصالح من النوع الواحد من الفئة ذاتها وتعذر الجمع بينها قدم الدفع عن النفس على الدفع عن العضو، وقدم حفظ الإنسان على حفظ الحيوان، وقدمت صيانة المال الخطر على المال الوضيع وهكذا تطبق قاعدة تقديم الأفضل فالأفضل والأصلح فالأصلح من المصالح المتزاحمة. وإذا تعارضت المفاسد والمصالح رجح أعظمها فإن كان الأعظم مفسدة شرّع الحكم لدفعها وإن كان الأعظم مصلحة شرع الحكم لجلبها مثاله قتل القاتل مفسدة لأن فيه تفويت حياته ولكنها جازت لأن فيها تحقيق مصلحة أعظم وهي حفظ حياة الناس على العموم والدفاع عن البلاد يعرض النفوس للقتل وهذه مفسدة، ولكن ترك الأعداء يدخلون البلاد ويستعمرونها مفسدة أعظم فشرّع الجهاد. |
مقاصد الأحكام القانونية: كانت مقاصد القانون الوضعي بين أركان ثلاثة أساسية وهي: العدل، والأمن أو النظام العام، والتقدم الاجتماعي، وقام حول هذه المقاصد جدال ومناظرات ونظريات بين علماء القانون، فمنهم من أعطى الأولوية للأمن العام وكان ذلك مذهب الشكليين، ومنهم من أكّد العدل وهو مذهب المثاليين، ومنهم أخيراً مَنْ أصرَّ على ركن التقدّم الإجتماعي والرخاء والازدهار، وهو مذهب الاجتماعيين الواقعيين. والحقيقة إنها جميعاً تتركز على العدل، فالعدل يرمي إلى حماية الفرد في المجتمع، بإعطاء كل ذي حقٍ حقه ويمنع الاعتداء عليه من الغير. وأما الأمن العام والنظام فهو من ضرورات الحياة الاجتماعية ومن ضمانات حماية الحقوق الفردية. فينبغي له أن يبنى بدوره على العدل وإلاَّ انقلب إلى تعسف وظلم ودكتاتورية. وكذلك التقدّم الإجتماعي فإنه لا يتحقق إلاَّ عند توافر العدل الصحيح الذي يحمي النفوس والأعراض والأموال، والذي يؤمن الأمل والطمأنينة الاقتصادية وينشط المبادرة الشخصية ومن ثم الجد في العمل والنتاج. خامساً:طبيعة أحكام الشريعة جعلها عامة وباقية وهي نوعان: النوع الأول: أحكام تفصيلية:وهذه إما تتعلق بالعقيدة أو بالعبادات أو بالأخلاق أو ببعض المسائل الخاصة بعلاقات الأفراد فيما بينهم: أ- فأحكام العقيدة: كالإيمان بالله واليوم الآخر ونحو ذلك لا يتصور مجيء عصر يستغني فيه البشر عنها لأنها تبين حقائق ثابتة، وأحكام العبادة تنظم علاقة الفرد بربه على شكل معين وهذا التنظيم يحتاج إليه الإنسان في كل زمان، فإنه لا إشكال بأن العبادة لها فائدة دنيوية تظهر في صلاح النفس وما ينتج من صلاح المجتمع. فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ب- والأخلاق: فالشريعة أكدت على جانب الأخلاق لإرساء قواعد المجتمع على أسس قويمة. جـ- الأحكام الفقهية التفصيلية: وهي الأحكام المتعلقة ببعض علاقات الأفراد فيما بينهم فهي غير قابلة للتغير والتبديل لأن تشريعها بني على أساس أن الحاجة إليها تبقى قائمة في كل زمان ولكل جماعة مثل حق الحضانة وكيفية الزواج وتنظيم الميراث وتحريم الربا، والعقوبات في الشريعة الإسلامية من حدود. النوع الثاني: أحكام على شكل قواعد ومبادئ عامة:وهي أحكام توسع على حاجات الناس ولا تضيق بها. ويمكن أن نذكر أمثلة منها: 1- جاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ الشورى في الحكم بعد انتهاء عصر النص في الخلافة، قال تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]، وقوله تعالى: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ]، ومبدأ الشورى أسمى نظام للحكم يمكن أن يصل إليه النوع البشري بعد نضوج العقل البشري في الفكر السياسي. 2- مبدأ المساواة وهو مبدأ عظيم صالح لكل زمان ومكان. 3- مبدأ العدالة، الشريعة تأمر بتحقيق العدالة في الأرض والحكم بالعدل حتى مع الأقربين والأبعدين والأصدقاء والأعداء [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ]فهو مبدأ صالح لكل زمان ومكان. 4- قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وهو رفع الضرر في الشريعة الإسلامية فلا يجوز لأحد إيقاع الضرر بنفسه أو بغيره. كما أنه لا يجوز مقابلة الضرر بضرر آخر لأنه عبث وفساد. 5- مسؤولية المرء الفردية بحيث يسأل وحده عن أعماله ولا يسأل عن أعمال غيره مبدئياً، قال تعالى: [وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى] وخاصة في العقوبات. 6- لا يؤاخذ الإنسان بالقصد الباطني غير مقرون بالعمل، فالهاجس والخاطر في المعاصي والمنكرات لا يعاقب عليها الإنسان فلا يوجبان المسؤولية، وكذلك أنَّ الهم وهو ترجيح قصد الفعل على تركه فإنه إن همَّ بالحسنة كتبت له وإن همَّ بالسيئة لم تكتب عليه سيئة وهذا من باب التسامح لتشجيع الناس على العمل الصالح والكف عن المنكرات. وأما العزم هو الجزم بالقصد والثبات عليه ففي القول المشهور يؤخذ المرء به ديانة وإن لم يقترن بالعمل لقوله تعالى: [وإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ]، والحاصل إن الله يعاقب والمسؤولية توجب عند العمل فقط. سادساً:مصادر الأحكام الشرعية التي تتصف بالمرونة، فالكتاب والسنة الشريفة المصدران الأصليان للشريعة جاءت أحكامها على نحو ملائم لكل زمان ومكان، كما أن دليل الإجماع والعقل كلها مصادر مرنة دلت عليها الشريعة. وهذا مما يجعل الشريعة لها الصلاحية للعموم والبقاء. |
- شمول الشريعة: إن الشريعة الإسلامية نظام شامل لجميع شؤون الحياة فهي ترسم للإنسان سبيل الإيمان وتبين أصول العقيدة وتنظم صلته بربه، وتأمره بتزكية نفسه، وتحكم علاقاته مع غيره، فلا يخرج من حكم الشريعة شيء. ويمكن تقسيم أحكام الشريعة إلى ثلاث مجموعات: الأولى:الأحكام المتعلقة بالعقيدة كالإيمان بالله واليوم الآخر وهذه الأحكام الاعتقادية محل دراستها علم الكلام. الثانية:الأحكام المتعلقة بالأخلاق كوجوب الصدق والأمانة والوفاء بالعهد وحرمة الكذب والخيانة ونقض العهد، وهذه هي الأحكام الأخلاقية ومحل دراستها علم الأخلاق. الثالثة:الأحكام المتعلقة بأقوال وأفعال الإنسان في علاقاته مع غيره وهذه هي الأحكام العملية وسميت بالفقه ومحل دراستها علم الفقه. وتنقسم الأحكام العملية بالنسبة إلى ما تتعلق به إلى قسمين: القسم الأول:العبادات كالصوم والصلاة والمقصود بها تنظيم علاقة الفرد بربه. القسم الثاني:المعاملات وهي التي يقصد بها تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، وهذه تشمل جميع روابط القانون العام والخاص في الاصطلاح الحديث. وهي تنقسم إلى ما يأتي: أ- الأحكام المتعلقة بالأسرة من نكاح وطلاق ونفقة ونسب وتسمى بقانون الأسرة أو الأحوال الشخصية. ب- الأحكام المتعلقة بعلاقات الأفراد المالية ومعاملاتهم كالبيع والإجارة والرهن والكفالة ونحو ذلك وهي ما يسمى حالياً بقانون المعاملات أو بالقانون المدني، ومن هذه الأحكام ما يتعلق بالشركات والتسليف والأمور التجارية الأُخر التي ينظمها في الوقت الحاضر القانون التجاري. جـ- الأحكام المتعلقة بالقضاء والدعوى والشهادة واليمين وهي تدخل فيما يسمى اليوم بقانون المرافعات. د- الأحكام المتعلقة بمعاملة الأجانب غير المسلمين في الدولة الإسلامية أو مع الرعايا الأجانب وتسمى بالقانون الدولي الخاص. شبهات عصرية للشريعة الإسلامية: هنالك من يدعي عدم قابلية التطبيق للشريعة الإسلامية في العصر الحاضر، لأن هنالك مشكلات زمنية تعترض سبيل هذا التطبيق ولا تتسع الشريعة لحلها في نظرهم وهي: 1- مشكلة الصفة الدينية والأحكام الثابتة التي لا تقبل التطور. وهذا وَهمْ منشؤه عدم معرفة بأحكام الشريعة الإسلامية، فإن الصفة الفقهية لا تنافي كونها متطورة وكفيلة بوفاء الحاجات العصرية وحل المشكلات. 2- بعض العقوبات المحددة شرعاً كعقوبة الزنا بالجلد والسارق بالقطع. والجواب إن هذه الحدود مشروطة بشرائط يجعل في تطبيقها نادرة التطبيق، على إن إقامة حد يمنع آلاف الآخرين من ارتكاب هذه الجريمة التي توجب الحد، ومن المعلوم إن هذه الحدود تقام عندما يكون المجتمع إسلامياً وتعليمه وتربيته إسلامية. 3- نظام الفائدة في المعاملات التجارية والأعمال المصرفية وتحرير الربا. والجواب بأنَّ هنالك أنظمة وشركات في الشريعة الإسلامية كالمضاربة فيها الربح المشروع بدلاً من الربا والفائدة. 4- الأوضاع القانونية والنظم الاقتصادية كعقد التأمين لم يكن موجوداً في الفقه الإسلامي. والجواب على ذلك إن المبادئ الحقوقية في الفقه الإسلامي ذات سعة ومرونة للاستيعاب وباب الاجتهاد مفتوح. المستقبل للشريعة الإسلامية: وذلك للأسباب التالية: 1- تطبيق الشريعة الإسلامية يعتبر في نظر المسلمين من الدين وجزء من عقيدتهم. 2- الشريعة الإسلامية هي القانون الصحيح لهذه الأمة لأنه يمثل مصالحها وأفكارها في الحياة ومستقر تقاليدها ومثلها العليا. 3- الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان. 4- النهضة الفقهية لدراسة الشريعة وبيان مبادئها وقواعدها وأحكامها |
الهدنة هي مصالحة أهل الحرب علي ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره، سواء أكان فيهم من يقر علي دينه ومن لم يقر، دون أن يكونوا تحت حكم الإسلام، والذي يعقد الهدنة هو الإمام أو نائبه، فإذا عقدها أحد الأفراد، عُدَّ ذلك خروجًا علي الإمام أو نائبه، ولم يصح العقد عند الجمهور. وتجب الهدنة في (حالتين): الحالة الأولي: إذا طلبها العدو، فإنه يجاب إلي طلبه، ولو كان العدو يريد الخديعة، مع وجوب الحذر والاستعداد، قال تعالي: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} [الأنفال: 61- 62]. ولقد هادن رسول الله ( مشركي مكة علي أن يدخلها فيقيم بها ثلاثًا، ولا يدخلها إلا بجُلُبَّان السلاح: السيف وجرابه، ولا يخرج بأحد من أهلها، ولا يمنع أحدًا يمكث بها ممن كان معه. الحالة الثانية: الأشهر الحرم، فإنه لا يجوز فيها أن يبدأ المسلمون القتال، إلا إذا بدأ العدو، فإنه يجب عندئذ القتال، حتى ولو كان ذلك في المسجد الحرام مع ما له من حرمة، لأن حرمة المسلم أشد حرمة عند الله من حرمة المسجد الحرام، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب. قد أذن الله للمسلمين بالقتال فيها إذا بدأ الأعداء القتال، قال تعالي: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله} [البقرة: 217] . وقال تعالي: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} [البقرة: 191]. ركن الهدنة : ركن الهدنة الإيجاب والقبول بين الإمام أو نائبه والأعداء. حكم الهدنة: يترتب علي الهدنة إنهاء الحرب بين المتحاربين، ويأمن الأعداء علي أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، لأن الهدنة عقد أمان أيضًا. |
الأحكام الاقتصادية والمالية الأحكام الاقتصادية والمالية تختص بالموارد المالية التي تدخل الدولة عن طريق الأنفال والفيء والغنيمة والنذور والزكاة وغير ذلك. الأنفال: قد يترتب على الحروب بعض المكاسب المادية، عرفها الفقهاء بأموال الفىء والغنيمة، وقد يخص الإمام بعض المجاهدين ببعض الأموال تحريضًا على القتال، وحثًا لهم على الحمية في الجهاد، وهو جائز لقوله تعالى:{يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال : 65]. وأما السلب الذي هو ثياب المقتول وسلاحه ودابته وما كان معه من مال فيرى الحنفية والمالكية أنها من الغنيمة، فتكون لجماعة الغانمين، ويرى الشافعية والحنابلة أن السلب حق للقاتل في كل حال بدون إذن الإمام، لقول الرسول (: (من قتل قتيلاً فله سلبه) [رواه الجماعة إلا النسائي]. والحنفية والمالكية استدلوا على رأيهم بأن الرسول الله ( جعل السلب حقًا للقاتل بوصفه إمامًا،وأما الشافعية والحنابلة، فيرون أن جعل السلب نفلاً كان تصرفًا من الرسول الله ( بطريق الفُتيا، ويشترط لجواز التنفيل أن يكون قبل أن تكون الغنيمة في أيدي الغانمين، فإن حصلت في أيديهم فلا نفل إلا في الخمس. الفىء: هو المال الذي يؤخذ من أهل الحرب من غير قتال عن طريق الصلح والجزية، وكان الفىء لرسول الله ( خاصة، لقول الله تعالى: {وما أفاء الله علي رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله علي من يشاء والله علي كل شيء قدير} [ الحشر : 6]. وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - قال :( كانت أموال بني النضير مما أفاء الله - عز وجل - على رسوله (، وكانت خالصة له،وكان ينفق فيها على أهله نفقة سنة، وما بقى جعله في الكراع (الخيل والبغال والحمير) والسلاح ) [متفق عليه]. والفىء لجماعة المسلمين بعد وفاة رسول الله ( وليس للأئمة، وذلك لأن الأئمة ينصرون بقوة قومهم المعنوية، أما رسول اله ( فقد كان يُنصر بما أعطاه الله من مهابة، لقوله (: (نُصرت بالرعب مسيرة شهر) [ متفق عليه ]. الغنيمة: هي ما أخذ من أموال أهل الحرب عنوة بطريق القهر والغلبة،وتقسم أموال الغنيمة كما في قوله تعالى: {واعلموا أن ما غنتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شيء قدير} [الأنفال :41] . فتقسم الغنيمة خمسة أقسام، قسم لمن ذكرتهم الآية، وأربعة أخماس الغنيمة الباقية للغانمين، فيعطى للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم واحد، لقول الرسول (: (للفارس ثلاثة أسهم: للفرس سهمان، وللراجل سهم) [ متفق عليه ]. أما حديث: (للفارس سهمان، وللراجل سهم) فهو ضعيف السند، ويسهم لمن دخل الحرب بغرض الجهاد، ولو دخل بفرسه، ثم مات فرسه فيسهم له بسهم الفرسان، ويستحق الراجل ما دام قد دخل أرض المعركة بنية الجهاد وإن لم يجاهد لقول أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: (إنما الغنيمة لمن شهر الوقعة). [البخاري]. ويجوز أن يقسم الإمام الغنائم في دار الحرب لما في ذلك من رفع الروح المعنوية للجنود، وقد قسم رسول الله ( الغنائم في حنين ولم يكن قد رجع. [البخاري]. وقسم غنائم بني المصطلق في ديارهم. هذا هو رأي الجمهور، ورأي الأحناف أن الغنائم تُقسم في دار الإسلام. |
إدارة الدولة الإدارة في عهد الخلفاء الراشدين: تميز المسلمون في مجال إدارة الدولة، وكانت النواة في عهد النبي (، فقد كان يبث الدعوة، ويجاهد العدو، ويأخذ الغنائم والصدقات والعشور، ويقسمها بين المجاهدين وأهل البلاد الفقراء والمهاجرين والأنصار، ويوزع العمل بين عماله، ويرسل القضاة والمعلمين إلي بعض البلدان . وسار أبو بكر علي نهج النبي ( ، وزاد أن قسم جزيرة العرب إلي ولايات وأعمال، مثل مكة، والمدينة، والطائف.. إلخ ،فقسمت الحجاز إلي ثلاث ولايات ، واليمن إلي ثمانٍ، والبحرين وما يتبعها ولاية، وكان يهتم بمراقبة الموظفين والإداريين. ووضحت صورة التنظيم الإداري في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لاتساع رقعة الدولة الإسلامية، فعين العمال وراقبهم، وأحصي القبائل، وفرض الفروض والعطايا، ودوَّن الدواوين التي تشبه الوزارات اليوم، فوضع أول ديوان للخراج في الإسلام وكان أول من استقضي القضاة، وأحدث التاريخ الهجري، وكان يحدد راتب العامل بحسب حاجته وبلده، وغير ذلك من التقسيمات والتنظيمات الإدارية. وحافظ عثمان بن عفان-رضي الله عنه- علي هذا النظام وإن حدث اضطراب في نهاية عهده، بسبب الخارجين عليه. وكان علي -كرم الله وجهه- كسابقيه في الإدارة. 319 - 331 |
الأمان هو عقد يفيد ترك القتل والقتال مع المحاربين، وهو إحدى طرق ترك الحرب، فإذا طلب الأمان أي فرد من الأعداء المحاربين قُبل منه، وصار بذلك آمنًا، لا يجوز الاعتداء عليه، بأي وجه من الوجوه، يقول تعالي: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} [التوبة: 5]. نوعا الأمان: وللأمان نوعان؛ عام وخاص، فالعام: هو ما يكون لجماعة غير محصورين، ولا يعقده إلا الإمام أو نائبه. والخاص: هو ما يكون للواحد أو لعدد محصور كعشرة فما دون، ولا يجوز لأكثر من ذلك كأهل بلدة كبيرة، لما فيه من افتئات علي الإمام، وتعطيل الجهاد، والأمان العام إما مؤقت وهو الهدنة، أو مؤبد وهو عقد الذمة. شروط الأمان: يشترط للأمان شروط هي: - أن يكون لمصلحة أو علي الأقل دفع ضرر عن المسلمين. - أن يكون المسلمون في حالة ضعف ، والكفار في حالة قوة. - العقل؛ فلا يجوز إعطاء الأمان للمجنون والصبي غير المميز. - البلوغ وسلامة العقل. -الإسلام، فلا يصح أمان الكافر ولو ذميا، وإن كان يقاتل مع المسلمين، لأنه متهم، بالنسبة للمسلمين، فلا تؤمن خيانته، والأمان مبني علي مراعاة مصلحة المسلمين، والكافر يشك في تقريره للمصلحة. وأجاز جمهور الفقهاء إجازة العبد، ولم يجز أبو حنيفة إجازة العبد المحجور، كما لا تشترط الذكورة، فيصح أمان المرأة. لحديث النبي(:قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء [متفق عليه]. ويصح أمان الأعمي، والمريض، ولا يجوز أمان التاجر في دار الحرب، والأسير فيها. حكم الأمان: يثبت بعقد الأمان الأمن والطمأنينة لمن استأمنهم المسلمون، فيحرم قتل رجالهم وسبي نسائهم وأولادهم، واسترقاقهم، واغتنام أموالهم، كما لا يجوز فرض الجزية عليهم، ويدخل في أمان الرجل أمن أولاده الصغار، وماله وأهله، بلا شرط إذا كان الإمام هو الذي أعطي الأمان. والأمان عقد لازم من المسلمين، يجب الوفاء بما اتفق عليه، إذا أمن عدم الضرر، لأن عقد الأمان حق علي المسلم فليس له نبذه إلا لتهمة أو مخالفة. نواقض الأمان: ينتقض الأمان بأمور، أهمها: -أن يكون الأمان غير مقيد بوقت، فيري الإمام من المصلحة نقضه، فيخبرهم بالنقض، ثم يقاتلهم. -وإذا طلب العدو نقض الأمان، فيدعوهم الإمام إلي الإسلام، فإن رفضوا فيدعوهم إلي عقد الذمة، فإن رفضوا ردهم إلي مأمنهم ثم قاتلهم. -وإذا حصل ضرر للمسلمين،فللإمام نقض الأمان؛ لقول الله تعالي: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم علي سواء}[الأنفال: 58]. -وإذا كان الأمان محددًا بوقت معين، وانتهي الوقت، فينتقض الأمان بانقضاء الوقت. مدة الأمان: لا تزيد مدة الأمان عن سنة إذا كان المحارب قد دخل دار الإسلام مستأمنًا، وذلك حتى لا يصير جاسوسًا وعونًا علي المسلمين، ولا يضع الإمام علي المستأمن الجزية، فإن أقام تمام سنة، أخذت منه الجزية، وصار ذميا لالتزامه ذلك، ولم يترك بعضها أن يرجع إلي دار الحرب، لأن عقد الذمة لا ينتقض. |
الحرابة أو قطع الطريق الحرابة: هى خروج الفرد أو الجماعة بالسلاح على الناس في بلد إسلامى لأخذ أموالهم. وقد يجنحون إلى القتل وهتك العرض وغير ذلك. حد الحرابة: الحرابة جريمة كبيرة، بل هى من أكبر الكبائر، ولذلك وضع لها الإسلام عقابًا رادعًا حتى لا تنتشر في المجتمع، فتكثر الفوضى والاضطرابات، فينهار المجتمع. قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحارون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} [المائدة:33-34]. وقد اختلف الفقهاء في هذا الحد، فقالوا إن كلمة (أو) في الآية للتخيير بمعنى أن للحاكم أن يختار حُكْمًا من أحكام أربعة يوقعها على المحارب والمفسد في الأرض، وهذه الأحكام هى: القتل، أو الصلب، أو قطع الأيدى والأرجل من خلاف فتقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، فإن عاد للحرابة مرة ثانية تقطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى، أو النفي من الأرض. فالحاكم يختار إحدى هذه العقوبات، فيطبقها على الجانى. ومن الفقهاء من قال إن (أو) في الآية للتنويع. بمعنى أن تتنوع العقوبة بمقدار الجريمة. فإن قَتَل ولم يأخذ مالا قتل، ويقتل جميع المحاربين وإن كان القاتل واحدًا منهم، وإن قتل وأخذ المال قتل، ومن الفقهاء من قال يقتل أولا ثم يصلب ليكون عبرة، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإن أخاف الناس، ولم يقتل، ولم يأخذ أموالهم عُزِّرَ بالحبس أو النفي من البلد. شروط إقامة حد الحرابة: ولكى يقام حد الحرابة على الجانى لابد من أن يكون الجانى بالغًا عاقلا، فإن كان صبيَّا صغيرًا، واشترك مع غيره في قطع الطريق أو كان مجنونًا فلا حد عليه. ويقام الحد على من تنطبق عليهم الشروط واشتركوا مع هؤلاء في الجريمة! - أن يكون قد حمل سلاحًا في تعدِّيه على الناس أو في قطع الطريق عليهم. - أن يقع التعدى خارج البلد في الصحراء مثلا، لأنه لو كان في داخل البلاد لم يُعد هذا حرابة. - أن يكون تعديه هذا مجاهرة وفي العلانية، فإن هجم على قافلة مثلا وسرق منها في الخفاء وهرب، فهو سارق يقام عليه حد السرقة ولا يقام عليه حد الحرابة، وإن أخذ جهرًا وهرب فهو ناهب ولا يطبق عليه حد الحرابة. دفاع الإنسان عن نفسه وعن غيره: وليس معنى ذلك أن يستسلم الإنسان لقاطع الطريق، وإنما عليه أن يدافع عن نفسه إلا أن يخشى الهلاك. فإن دافع عن نفسه وقتل فهو شهيد، وإن قتل المعتدى فلا شىء عليه لقوله (: (من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد...) [الترمذي]. وإذا استطاع أن يدافع الإنسان عن غيره، وجب عليه ذلك، فإن كان غير قادر فلا شىء عليه. سقوط حد الحرابة بالتوبة: يسقط حد الحرابة بتوبة الجانى أو قاطع الطريق، وذلك قبل أن يقبض عليه الحاكم، فإذا قدر عليه الحاكم بعد ذلك عفي عنه ما ارتكبه في حق الله، أما ما ارتكبه في حق العباد فلا يعفي عنه، وتكون العقوبة من قبيل القصاص، والأمر في ذلك يرجع إلى المجنى عليهم لا إلى الحاكم؛ فإن كان قد سرق فقط يرد ما أخذه إلى صاحبه، وإن هلك رَدَّ مثله أو قيمته، ولكن لا يقام عليه الحد. وإن كان قد قتل يقتص منه، فيقتل لا على الحرابة ولكن على القصاص إن رأى المجنى عليهم ذلك. كما يسقط بتكذيب المقطوع عليه القاطع في إقراره بقطع الطريق ويسقط برجوع القاطع عن إقراره بقطع الطريق، وبتكذيب المقطوع عليه البينة، وبملك القاطع الشيء المقطوع له، وهو المال. حكم من يساعد قاطع الطريق: إن ساعد أحد قاطع الطريق في هجومه المسلح على الناس، ولكنه لم يقتل ولم يأخذ مالا؛ فحكمه حكم قاطع الطريق ويقع عليه حد الحرابة، وقيل: بل يعزر فيحبس. قتال البغاة: البغى لغة هو التعدى أو هو الامتناع عن طاعة الإمام في غير معصية والخروج عليه بالسلاح أو بدون سلاح وهو مُحرَّم لقول النبي (: "من حمل علينا السلاح فليس منا" [متفق عليه]. ولقوله (: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية" [مسلم والنسائى]. وهؤلاء البغاة لا يأخذون حكم قطاع الطريق. وإنما يحاربون بقصد ردعهم وردهم إلى طاعة الإمام، وليس بغرض قتلهم، قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله}[الحجرات: 9]. أى حتى ترجع إلى أمر الله وتخضع للحق. فهم يقاتلون بهدف إخضاعهم لأمر الله، فإن أُسِرَ منهم أحد لا يقتل، وإن جرح منهم أحد لا يجهز عليه بالقتل. وإن كانت جماعة البغاة لا تملك سلاحًا تخرج به على الحاكم؛ فإنهم يحبسون حتى يخضعوا لأمر الله ويتوبوا ولا يقتلون، فإن استعدوا للقتال، وكان لهم مكان يتحصنون فيه، وسلاح يحاربون به، دعاهم الإمام إلى التزام الطاعة، ودار العدل، وعدم الخروج على الجماعة،فإن رفضوا ذلك قاتلهم، ولكن لا يبدأ بالقتال، ولا حرج من أن يُقتَل البغاة بسلاحهم، ويؤخذ خيلهم لحربهم إذا احتاج المسلمون إلى ذلك، لأن للإمام أن يفعل ذلك في مال المسلمين العدول إذا اقتضى الأمر ذلك، فكأن الاستعانة بمال البغاة أولى، ويحبس الإمام عنهم أموالهم حتى يردهم ويتوبوا إلى ربهم، فإن تابوا: أعاد الإمام إليهم أموالهم. والبغاة ليس عليهم ضمان ما أتلفوه من الأنفس والأموال، لأنهم إنما بنوا بتأويل القرآن، ولأن تضمينهم ينفرهم عن الرجوع إلي طاعة الإمام، فلا يشرع كتضمين أهل الحرب، ولاضمان على أهل العدل من المسلمين بقتلهم أهل البغى، ولا يضمنون ما أتلفوه عليهم، وإذا أتلف البغاة أو العادلون مال بعضهم بعضًا، قبل تمكن المنعة للبغاة، أو بعد انهزامهم، فإنهم يضمنون ما أتلفوه من الأنفس والأموال، لأنهم حينئذ أهل دار الإسلام، فتكون الأنفس والأموال معصومة. |
الصكوك الإسلامية الصكوك هي جمع( صك)وتعني شهادة ائتمانية وتقابل (شيك)باللغة الانجليزية، والفرق بين (الصكوك الإسلامية) والسندات ( الصكوك التقليدية) ،هو أن (الصك الإسلامي) ملكية شائعة في أصول أو منافع، وبالتالي فهي متوافقة مع القاعدة الاقتصادية الإسلامية التي تحرم الربا المتمثل في ضمان عوائد ثابتة بغض النظر عن الربح أو الخسارة (فالصكوك الإسلامية) تعطي دخل لمالكيها مقابل تجارة معينة أو تأجير لأصل أو غيره من أنواع الصكوك المتاحة، و هي عبارة عن أوراق (صكوك) تثبت حق ملكية في أصل معين ،و(الصكوك) في الاقتصاد الإسلامي يقابلها (السندات المالية) في الاقتصاد التقليدي، و يتميز (الصك) بضرورة وجود الأصل فإن (السندات التقليدية) قد تصدر بضمان المنشأة فقط، وعرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمصرفية الإسلامية (الصكوك الإسلامية)أنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أو نشاط استثماري، وذلك بعد تحصيل قيمة (الصكوك) وقفل باب الاكتتاب واستخدامها فيما أصدرت من أجلها، وقد وصل عددها إلى أربعة عشر نوعا. أنواع الصكوك الإسلامية 1- مالك موعود باستئجارها، بغرض بيعها و استيفاء ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح مملوكة لحملة الصكوك. 2- صكوك ملكية المنافع، هي وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك عين موجودة بغرض إجارة منافعها، واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب وتصبح منفعة مملوكة لحملة الصكوك. 3- صكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة أو (الموصوفة في ألذمه): هي وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك منفعة موجودة(مستأجر) بغرض إعادة إجارتها و استيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة مملوكة لحملة الصكوك. 4- صكوك ملكية الخدمات من طرف معين أو(من طرف موصوف في ألذمه): هي وثائق متساوية القيمة تصدر بغرض تقديم الخدمة من طرف معين واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح تلك الخدمات مملوكة لحملة الصكوك. 5- صكوك السلم: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لتحصيل رأس مال السلم، وتصبح سلعة السلم مملوكة لحامل الصكوك. 6- صكوك الاستصناع: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تصنيع سلعة، ويصبح المصنوع مملوكاً لحامل الصكوك. 7- صكوك المرابحة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لتمويل شراء سلعة مرابحة، وتصبح سلعة المرابحة مملوكة لحامل الصكوك. 8- صكوك المشاركة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلتها في إنشاء مشروع، أو تمويل نشاط على أساس المشاركة، ويصبح المشروع ملكاً لحامل الصكوك، وتدار صكوك المشاركة على أساس الشركة أو على أساس المضاربة. 9- صكوك الشركة: هي وثائق مشاركة تمثل مشروعات تدار على أساس الشركة بتعيين أحد الشركاء لإدارتها. 10- صكوك المضاربة: هي وثائق مشاركة تمثل مشروعات تدار على أساس المضاربة بتعيين مضارب من الشركاء لإدارتها. 11- صكوك الوكالة بالاستثمار: هي وثائق مشاركة تمثل مشروعات تدار على أساس الوكالة بالاستثمار ويعين وكيل من حملة الصكوك لإدارتها. 12- صكوك المزارعة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تمويل مشروع للمزارعة، ويصبح لحملة الصكوك حصة في المحصول. 13- صكوك المساقاة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام الاكتتاب فيها في سقي أشجار مثمرة، ورعايتها على أساس عقد المساقاة، ويصبح لحملة الصكوك حصة من الثمرة. 14- صكوك المغارسة: هي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام الاكتتاب فيها في غرس أشجار على أساس عقد المغارسة، ويصبح لحملة الصكوك حصة في الأرض و الغرس. ازدهار الصكوك الإسلامية ظهرت (الصكوك الإسلامية) قبل عدة سنوات،وانتشرت هيكلة (الصكوك الإسلامية) في السنوات الخمس السابقة ،وقد تطورت صناعة (الصكوك الإسلامية)،وتوقع مركز دبي المالي العالمي أن تقفز قيمة الإصدارات إلى 001بليون دولار في غضون خمس سنوات من 31بليون دولار حاليا وقال المركز إن معظم النمو سيقوده مصدرو النفط في الخليج العربي (عن مجلة المستثمرون) وكذلك أعلن بنك دبي الإسلامي مؤخرا عن إغلاق أكبر إصدار (للصكوك الإسلامية) في العالم مع زيادة القيمة الأساسية للإصدار من 2.8بليون دولار إلى 3.5بلايين دولار نتيجة للإقبال الكبير للمشاركة في الإصدار الذي طرح لصالح مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، حيث جمع الإصدار أكثر من 11بليون دولار وذلك لأنه يتناسب مع تمويل القطاع النفطي وقطاع الإنشاءات التي باتت تشكل تحديا في الخليج العربي، كما إن قطر تدرس اللجوء إلى سوق السندات الإسلامية لتمويل ما يصل إلى 06بليون دولار من مشروعات الطاقة بحلول عام 0102، وتقول الكويت إنها تحتاج إلى استثمار 46بليون دولار على الأقل في السنوات المقبلة لتطوير صناعة الطاقة. خصائص الصكوك الإسلامية 1- هي وثائق تصدر باسم مالكها بفئات متساوية القيمة لإثبات حق مالكها فيما تمثله من حقوق في الأصول والمنافع الصادرة مقابلها. 2- تمثل حصة شائعة في ملكية أصول أو منافع أو خدمات يتعين توفيرها، ولا تمثل ديناً على مصدرها لحاملي الصكوك. 3- إنها تصدر بعقد شرعي بضوابط شرعية بين طرفيها وآلية إصدارها وتداولها والعائد عليها. 4- يكون تداول الصكوك بناء على الشروط والضوابط الشرعية لتداول الأصول والمنافع والخدمات التي تمثلها. وقد حققت (الصكوك الإسلامية) قفزات نوعية من حيث العوائد، وحازت على اهتمام السوق الإسلامي والغربي، وأحيطت هذه الإصدارات برقابة شرعية تضمن سلامة الإجراء والتنفيذ من حيث موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة، ومع ذلك فهي تعاني من بعض الصعوبات و من المؤكد التغلب عليها في السنوات القادمة ،ومن المشاكل التي تواجهها هو عدم وجود سوق ثانوية متكاملة لهذه الإصدارات ويرجع السبب إلى قلة عدد الصكوك المصدرة في الوقت الراهن مقارنةً بسوق السندات التقليدي،وبمتابعتنا للوضع الحالي لسوق (الصكوك الإسلامية) نستنتج طفرة كبيره في الإصدارات لم تكن موجودة في السابق، ونستنتج مستقبل واعد للسوق الثانوية (للصكوك الإسلامية)على مدى العشر سنوات القادمة ومن المتوقع ظهور شركات جديدة تنظم عمل السوق مما يجعله أداه ممتازة لعمليات الخزانة وعمليات المبادلة،والصكوك كبديل للسندات التقليدية هي تطور جديد وواسع للمستثمرين الذين يرغبون في منتجات استثمارية تراعي التقاليد الإسلامية،وإن تطوير هذا القطاع لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من كافه علماء المسلمين في سبيل استحداث أدوات تمويلية إسلامية حديثة لخدمة المجتمع الإسلامي و الغربي، وكل من يهتم بالفكر المالي الإسلامي لما يتميز به من عدالة ومساهمة واضحة في تحقيق التنمية الدائمة والمتوازنة ولله الموفق. |
التنمية الاقتصادية قال تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 46]. وقال جل شأنه: {ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} [الأعراف: 129]. خلق الله الإنسان واستخلفه في الأرض للقيام بإعمارها، ونشر الخير والسلام فيها، فقال تعالى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود: 61]. وقال النبي (: (من أحيا أرضًا ميتة فهي له) [أبو داود]. وخلق الله للإنسان الوسائل التي تعينه على تحقيق هذه الغاية، فمنحه القوة على العمل، ووهبه المال اللازم لقضاء حاجاته ولأن المال شيء هام في حياة الأفراد، فقد وضع له الإسلام من الضوابط ما يجعله خادمًا للبشر، وعنصرًا مشاركًا في الإنتاج، وليس مسيطرًا على النفوس، فالمال -إذن- وسيلة وليس غاية. ماذا نفعل بالمال؟: من الوظائف التي بينها الإسلام للمال: - الاستثمار في الوجوه المشروعة لتحقيق مقاصد الشريعة. - إشباع الاحتياجات المشروعة مع مراعاة الطرق المشروعة في الإنفاق، فلا يميل الفرد إلى الشح والاكتناز أو يتجه نحو الإسراف والتبذير. - أداء حقوق الله في المال من الصدقات والزكاة والإنفاق في سبيل الله. - الكسب ويكون إما من عائد العمل أو عوائد حقوق الملكية. ومن هنا كان الكسب والعمل من أهم وسائل محاربة الفقر في النظام الإسلامي. ومن ذلك يتبين أهمية التنمية وضرورتها، فالتنمية إصلاح لمعاش الأفراد وتحسين لمستواهم الاقتصادي والاجتماعي بما يكفل لهم الحياة الطيبَّة. ومعيار التنمية في الإسلام هو توفير الضروريات اللازمة لحياة الأفراد والعمل على تحقيق زيادة في الدخل. كيف تتحقق التنمية الاقتصادية؟: وضع الإسلام بعض الضوابط التي تحقق التنمية الاقتصادية، ومن ذلك: - تكليف الإنسان بإعمار الأرض والاستفادة من ثرواتها وخيراتها. - أداء حقوق الله -تعالى- في المال من صدقات وزكاة وإنفاق في سبيل الله. - تحريم الربا والاكتناز والاحتكار. التنمية الاقتصادية.. لماذا؟: والغرض من هذه الضوابط السابقة هو الوصول إلى التنمية وتحقيق أهدافها، الأساسية كما وضعها الإسلام ومن هذه الأهداف : - تحقيق الحياة الطيبة التي تقوم على وفرة الإنتاج وعدالة التوزيع وسيادة الأمن. - توفير عناصر القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية اللازمة لحماية المجتمع وأمنه. - تحقيق التوازن بين الإشباع المادي لحاجات الأفراد وشعورهم بالرضا والسعادة. - التكافل الاجتماعي وتنمية مبدأ الانتماء الذي يقوم على مسئولية المجتمع تجاه الفرد ومسئولية الفرد تجاه مجتمعه. - تحقيق الفائض عن الاحتياجات واستخدامه في الإنفاق على غير القادرين على الكسب أو استثماره بما يجعل المستقبل مشرقًا للجميع. وهكذا وضع الإسلام من المبادئ ما يضمن سعادة الفرد واستقراره وبالرغم من ذلك فهناك كثير من الدول الإسلامية تعاني من التخلف والفقر؛ لأنها تركت الطريق الذي رسمه الإسلام لها، وأهملت في واجباتها، فترتب على ذلك ما يلي: 1- سوء استخدام الموارد وتوجيهها للأمور الترفيهية، وليس لسد الاحتياجات الأساسية. 2-تبعية الدول الإسلامية للدول الغربية واتباع سياساتها وبرامجها التي لا تناسب المجتمعات الإسلامية. 3- عدم الأخذ بالأساليب العلمية والتكنولوجية في التنمية. 4- سعي الأفراد وراء المكاسب الشخصية وإهمال حاجات المجتمع. 5- عدم توفير الأعمال اللازمة للأشخاص، وانتشار البطالة، ورحم الله عمر بن الخطاب الذي قال لأحد نوابه في أحد الأقاليم: ماذا تفعل إذا جاءك سارق؟ قال: أقطع يده. قال عمر: فإني إن جاءني منهم جائع أو عاطل فسوف أقطع يدك. لأن الله -سبحانه وتعالى- استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها. يا هذا إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية. |
استخدام الطاقة النووية بدأت قصة الطاقة النووية مع بداية التفكير فى المادة واللبنات التي تتكون منها، والنظام الذى يربط بين هذه اللبنات. وكانت البداية قبل 2500 سنة أى فى العصر اليونانى عندما قام فلاسفة اليونان بتصنيف المادة ودراسة كل نوع حتى وصلوا إلى الخصائص التي تميز كلا منها، ومرت الرحلة الطويلة حتى وصلت إلى الكشف العظيم، والذى جاء بعد عشرات الحلقات من الاكتشافات مثل اكتشاف الأشعة المهبطية، والإلكترون، والأشعة المصعدية والسينية، ثم اكتشاف النواة. وكانت أعظم النظريات فى هذا المجال: النظرية النسبية لأينشتاين (1879م-1955م)، والنظرية الكوانتية لماكس بلانك (1858م-1947م)، والتي تفسر طيف الإشعاع الصادر عن الأجسام. ثم جاءت سلسلة دراسات العالم الإيطالى "فرص" (1901م-1954م)، والتي انتهت عام 1945 ببناء أول قنبلة نووية. حدث أول انفجار تجريبى فى صحراء يور نادودى موتيروز فى ولاية مكسيكو سيتى فى الساعة الخامسة والنصف صباح السادس عشر من يوليو 1945م، وقد نجح الانفجار نجاحًا باهرًا، وتولدت منه الكرة النارية والسحابة التي تشبه الفطر، والتي نشرتها وسائل الإعلام، وتولد عن الانفجار ومضة من النور الساطع أشد ضوءًا من الشمس بمراحل، ثم تبعت الومضة هبة مخيفة من الضغط لحقها زئير هائل من الرعد بقى هديره يتداوله الصدى بين التلال والوديان عدة دقائق، وكانت الطاقة التي تولدت معادلة لخمسة آلاف طن من الديناميت. وفى الرابع والعشرين من يوليو 1945م أمر ترومان الذى كان قد تولى رئاسة أمريكا بإلقاء قنبلة نووية على اليابان فى أول موعد يسمح به الطقس بعد الثالث من أغسطس وتم إنذار اليابان بالاستسلام فى السادس والعشرين من يوليو، ولكن رئيس وزراء اليابان رفض الاستسلام فتم إلقاء قنبلة الفتى الصغير على مدينة هيروشيما اليابانية رفض فى السادس من أغسطس، فتهدم ما يقرب من نصف المدينة، وبلغ عدد الضحايا 70 ألفًا. وتمكن السوفيت من تفجير قنبلتهم الأولى فى أغسطس 1949م، وفى 1952م فجرت بريطانيا أول قنبلة لها، وفى 13 فبراير 1960م قامت فرنسا بتفجير أول قنابلها الذرية. وهكذا لم ينته عام 1960م إلا وكان النادى الذرى يضم فى عضويته بريطانيا وفرنسا، وبعد ذلك انضمت لعضوية النادى الصين والهند وغيرهما، وارتبط بالخبرة الأليمة النووية ثلاث حوادث نووية كبيرة، كان لها تأثيرها الإشعاعى على شتى مظاهر الحياة لمسافات طويلة وهذه الحوادث هى: 1- حادث مفاعل ثري مايل آيلاند بالولايات المتحدة 28/3/1979م. 2- حادث مفاعل ويند سكيل فى المملكة المتحدة 8/10/1979م. 3- حادث مفاعل تشرنوبيل فى الاتحاد السوفيتى 26/4/1986م. وترتب على هذه الحوادث والتجارب آثار تدميرية هائلة، وبعدها تزايدت المخاوف من الطاقة النووية حتى فى المجالات السلمية. أخطار الطاقة النووية: ومن صور الأخطار التي تنجم عن استخدام الطاقة النووية: نشوب الحرائق الهائلة فى الغابات والبرارى وآبار البترول والغاز وخزانات الوقود والمناطق الصناعية والحضرية، وهنا سترتفع كميات ضخمة من الدخان إلى طبقات الجو العليا، فتحجب أشعة الشمس عن الأرض، وتحد من سقوط المطر، ومع حجب أشعة الشمس ستنخفض درجة الحرارة تدريجيًّا. وكذلك يحدث عند الاستخدام السيئ للطاقة النووية سقوط المواد المشعة فوق مساحات شاسعة، ونضوب طبقة الأوزون التي تحمى الأرض من الأشعة الضارة، وكذلك تركز الغازات السامة الناتجة عن الحرائق فى طبقات الجو السفلى قريبًا من الأرض مما يؤدى إلى انتشار العديد من الأمراض والأوبئة. ويجب أن نعرف أن الطاقة النووية ما هي إلا وسيلة من الوسائل التي وهبها الله للإنسان لخدمته ورفاهيته. فإن استغلت الوسيلة بصورة غير صحيحة من بعض الجهلاء فهذا لا ينفى إمكانية حسن استغلالها، وإذا كانت مساوئ الطاقة النووية كثيرة، فإن ذلك لا يعني عدم إمكانية استغلالها بصورة محدودة عندما تفرض الضرورة عليها هذا الاستخدام. فإن الطاقة النووية فتح هائل فى مجال القوى المحركة، ولابد أن يوضع لها من الضوابط ما يجعلها لرفاهية الإنسان لا لشقاء الأبدان والأكوان. |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:04 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.