بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدى (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   الأهداف التربوية للعبادة (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=383423)

محمد رافع 52 11-11-2011 08:37 AM

- من أدب التعلم :
أ‌- التلطف في الطلب ، فلم يفرض موسى عليه السلام نفسه على الخضر عليه السلام على الرغم أن الله تعالى أخبر الخضر بلقائه ليتعلم منه . إنما تلطف في عرضه بصيغة الاستفهام التي تترك مجالاً للمسؤول أن يتنصل إن أراد .
ب‌- جعل نفسه تابعاً حين سأله " هل أتبعك .." فالتلميذ تابعٌ أستاذه مسلمٌ إليه قياده ، وهذا أدعى إلى التناغم بينهما .
ت‌- العلم يرفع صاحبه . وهذا ما أقرّ به موسى للخضر حين عرض عليه أن يتابعه شرط أن يعلمه " على أن تعلمن .. " وهذه التبعية ترفع المتعلم . أما التبعية من ذل أو لعاعة من دنيا يصيبها فسقوط للمتبوع ، وكبر للتابع .
ث‌- الواقعية في الطلب : فهو لم يطلب منه أن يعلمه كل شيء ، إنما طلب أن يعلمه شيئا مما علمه الله تعالى : " ... مما عُلّمْتَ .. " وهذا تواضع في الطلب فهو عليه السلام لم يكلف أستاذه شططاً ... لقد طلب العلم المفيد الذي تسمح به نفس معلمه .
ج‌- طلب النفيس من العلم : فالله تعالى علم الخضر علماً لدنياً نفيساً يريد موسى بعضه ، ولم يطلب العلم الدنيوي ، وإن كان مفيداً إنما طلب الهدى والرشاد الذي يبلغه المقام الأعلى في الدنيا والآخرة ، وحدد نوع العلم فقال :" مما علمت رشداً " وضد الرشد الهوى والضلال ، وهذا ما لا نريده .
ح‌- قوله تعالى " مما عُلّمْت رشداً " تذكير للمعلم أن الله تعالى أنعم عليه بالرشاد والهدى والسداد . ومن شُكْرِ النعم أن يعلّم عبادالله بعضاً مما أكرمه الله به ، فتزداد حظوته عند خالقه ، ويزيده علماً. ومن دل على خير كان له مثل أجر فاعله .
- وقد يشترط المعلم على تلميذه أن لا يستعجل في السؤال عن أمر من الأمور إلى أن
يحين الوقت المناسب لشرحه " قال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً " . فقد لا يرغب بالتوضيح حتى يستكمل الأمر . وقد يرى المعلم اختبار
تلميذه في الصبر . وقد يكون المعلم نفسه قليل الكلام . وقد يكون ممن يعتمدون في التعليم على الملاحظة ... ولكل شيخ طريقته ، إن جاريته فيها تعلمت منه ، وإن خالفته فارقك وفارقته .
- لابد أن يخطئ الإنسان فقد خلق من عَجَل ، أي من النقصان فوجب أن يترك له فسحة يستدرك فيها خطأه فقد اتفق النبيان في صحبتهما على أن يرى موسى عليه السلام مايجري دون أن يتدخل مستنكراً أو معلقاً على ما يراه إلى أن يرى الأستاذ رأيه في توضيح بعض الأمور . لكن التلميذ لم يف بالوعد فقال في الأولى " لقد جئت شيئاً إمراً " وشدد النكير في الثانية حين قال : " لقد جئت شيئاً نكراً " وقال في الثالئة معترضاً ومقترحاً" لو شئت لاتخذت عليه أجراً " .
ونبهه أستاذه في الأولى " ألم أقل : إنك لن تستطيع عليه صبراً ؟ " وعاتبه في الثانية بزيادة " لك " في قوله : " ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ " وأعلن في الثانية أن الفرصة الممنوحة انتهت فلا بد من الفراق لأنه استنفدها " هذا فراق بيني وبينك " . ولكنه لم يشأ أن يتركه يجهل أسباب الحوادث فأخبره بها " سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً "
- زيادة المبنى لزيادة المعنى : قبل أن يخبره بالأسباب اضاف للفعل تاء التعدية " تستطع " على وزن تفتعل وحين أخبره بها حذف التاء لأن المعنى انتهى " تسطع " على وزن تفعل . وسوف نجد هذا في قصة ذي القرنين " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً " فعلوّ الجدار على صعوبته أسهل من نقبه فحذف التاء مع علو الجدارفي قوله " فما اسطاعوا " وأثبتها في صعوبة النقب " وما استطاعوا " .
- وانظر إلى أدب الأستاذ مع ربه فقد نسب عيب السفينة إلى نفسه " فأردت أن أعيبها " كما فعل إبراهيم عليه السلام ذلك في المرض وأسند الشفاء إلى الله تعالى تأدباً " وإذا مرضْتُ فهو يشفين " . وفي قتل الغلام نسب الخير في البدلية إلى الله تعالى " فأردنا أن يبدلهما ربهماخيراً منه زكاة وأقرب رحماً " ولما كان العمل في الثالثة كله بناء وخيراً نسي تفسه وأفرد الله تعالى بالخير " فأراد ربك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك " مع أن الأمر كله من الله تعالى ، وهو لم يفعل إلا ما أمره الله به " وما فعلته عن أمري " .
- قيل إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى : أوصني : قال : كن بسّاماً ولا تكن ضحّاكاً ، ودع اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تعِب على الخطّائين خطاياهم ، وابك على خطيئتك يابن عمران . وقيل : إن موسى لما أنكر خرق السفينة نودي : يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحاً في اليم ؟! فلما أنكر قتل الغلام قيل له : أين إنكارك هذا من وكزك القبطي وقضائك عليه ؟! فلما أنكر الجدار نودي : أين هذا من رفعك حجر البئر لبنات شعيب دون أجر ؟! .. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " رحمة الله علينا وعلى موسى ، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب ، لكنه قال : " إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً " .
- صلاح الآباء يُرى في الأبناء فقد حفظ الله تعالى الولدين بصلاح أبيهما " وكان أبوهما صالحاً " فأمر الخضر عليه السلام أن يرفعه إلى أن يكبرا فلا يأخذ الكنزَ أحدٌ وهما صغيران ، ويظل بعيداً عن أعين الآخرين حتى يشتد عودهما فيكون لهما . وحين علم الله أن الولد خلق مطبوعاً على الكفر، وانه سيسيء إلى والديه المؤمنَيْن ويجعل حياتهما جحيماً أماته ، وأبدلهما خيراً منه فتاة مؤمنة طيبة كانت زوجة لنبي كريم .
- ونرى التدرج في هذه القصة - وهو أسلوب تربوي راقٍ- في تعامل الخضر مع موسى ،فقد أبى موسى عليه السلام إلا أن يصاحب الخضر عليه السلام فكان التخلص من هذه الصحبة – إن جاز لنا هذا التعبير فصاحب الشريعة غير صاحب الحقيقة – على قول الصوفية – لا بد له من الوضوح والتعليل والتفكير المنطقي . والخضر يفعل اموراً غير مفهومة وغير معللة ، لا تعرف إلا بعد شرحها - ولا بد أن ينفرط عقد هذه الصحبة عاجلاً أم آجلاً ... فكانت اعتراضات موسى وتنبيه الخضر المتسلسلة في إيقاعاتها التي ذكرناها آنفاً تدرّجاً واضحاً في ذهاب كلٍّ منهما في سبيله الذي رسمه الله له في دورة الحياة المنتظمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
- لماذا كان الملك وراءهم؟ " وكان وراءهم ملك " لقد كانت السفينة تحمل أصحابها ومعهم موسى والخضر إلى الميناء التالي .. كانوا متوجهين إلى " أمام " .. فقد كان الملك في الميناء الذي يقصدونه فهم متجهون إلى " الأمام " فلماذا قال القرآن الكريم " وكان وراءهم ملك ؟" .. أعتقد أن الجواب على شقين . أما الأول : فلأنهم متجهون إلى غيب لا يدرون ما ينتظرهم . وكل غيب وإن كان أمامهم فهو " وراء " إن كان لا يُرى ، وأما الثاني فلأن الملك ظالم متجبر مغتصب لحقوق العباد " يأخذ كل سفينة غصباً " والملك ينبغي أن يكون رحيماً برعيته عطوفاً عليها ، يريد بها الخير ويسعى لصلاحها ن فإن كان على عكس ذلك فلا يستحق أن يكون في " الأمام " ومكانه الحقيقي في الخلف ، ولذا كان " وراء وراء " .



محمد رافع 52 14-11-2011 11:40 PM

أهداف العبادة في الإسلام
يقول الدكتور محمد البهي عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر سابقاً :«تستهدف العبادات من الصلاة، والزكاة، والحجّ، والجهاد في سبيل الله تصفية النفس الإنسانية والحيلولة بينها وبين اتباع الشرك والوثنية، وكذلك بينها وبين مباشرة الجرائم الاجتماعية من الفواحش والمنكَرات التي هي الزنا وهتك العِرض، وسرقة الأموال، وقَتْل النفس التي حرَّم الله قتلَها إلا بالحق.
تستهدف هذه العبادات كذلك ـ بجانب الحيلولة دون هذا كله ـ الحَدَّ من أنانية الذات في السلوك والتصرُّفات، وتقوية الإحساس الجماعيّ بالآخرين في المجتمع. حتى يخرج العابد عن طريق عبادته من دائرة الذات في نشاطه وأثر هذا النشاط في الانتفاع بما في هذه الدنيا من مُتع مادِّيّة، إلي دائرة المجتمع أو الأمّة أو الآخرين. فما يُصيبه من أرزاق فهو له وللآخرين، وما يقع من مآسٍ فعليه كما على الآخرين».

محمد رافع 52 14-11-2011 11:42 PM

شروط العبادة في الإسلام
كل عمل يصدر من الإنسان المسلم ممكن أن يكون عبادة في حالة توافر بعض الشروط وهي:
  1. أن يكون العمل خالصاً لله فمن العبادة مثلا أن يعيل العامل أسرته وينفع الناس لأجل أن ينال الأجر من الله تعالى.
  2. أن يكون العمل ضمن حدود الشرع فلا يجوز للمسلم أن يعمل فيما حرم الله، فمثلاً لا يجوز للمسلم أن يسرق ليعطي الفقراء أو يغني أسرته، فينبغي ان يكون العمل على حسب ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله.
  3. أن يكون عمله غير شاغل له عن القيام بما أوجب الله عليه فلا يجوز للمسلم أن يترك فرضاً واجباً عليه ليقوم بعمل آخر بنية العبادة.
فإذا تحققت هذة الشروط الثلاثة يعتبر العمل الصادر من الإنسان عبادة

محمد رافع 52 14-11-2011 11:45 PM

أهداف العبادة

العبادة تجلب للعبد الولاية :
ينبغي أن نعلم بأننا إذا أخلصنا العبادة لله سبحانه و تعالى نفوز بمحبته و نعيش في كنفه و حفظه و هذا ما جاء جليا في الحديث القدسي قال رب العزة : " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله الذي يمشي عليها و لئن سألني لأعطينه و لئن استعاذني لأعيذنه " البخاري و مسلم .
* أخي القاريء أعتذر إليك عن الإطالة في هذه الرسالة و لكني وددت أن أسطر لك هذه الأهداف الجوهرية المجملة لنعبد الله عز وجل و نحن على يقين بأننا سنجني أغلى الثمار من العبادة .
فالعبادة يا أخي تحمي العقيدة و تقوي الجانب الروحي في الإنسان و تجعله ثابتا في معارك الحياة و تنمي عنده شعور المراقبة لله و هي وسيلة شكر و اعتراف بعميم فضل الله تعالي .
*و العبادة تجعل المسلم شخصية إنسانية متكاملة متوازنة عندما تحقق فيه الكمال البشري فهي تطهره ذاته و تقوي روح الإرادة فيه و تجعله يشعر بالعزة و الاستعلاء و التميز فتحمي الفرد و المجتمع من القلق و الأمراض النفسية .
*و لي هنا سؤال : كيف يقلق من يكون دائم الصلة بالله و يلتجيء إليه و يستمد العون منه سبحانه و تعالى ؟
*و العبادة طريق إلى التحلي بالفضيلة و التخلي عن الرذيلة و طريق إلى إصلاح النفس و تزكيتها و ترسيخ مباديء الإسلام في حياة المسلم و تعمل على إيجاد مجتمع متحاب غير متباغض .
*و العبادة تعمل على صيانة قيم الحياة و المساواة و التعاون و التوحيد و تعمل على احترام النظام و احترام الوقت فالوقت هو الحياة .
كما أن للعبادات آثارا طيبة على جسم الإنسان و صحته ففي الغسل و الوضوء و الصوم و الركوع و السجود الشيء الكثير .
و لأهداف العبادة تفصيل لا أتطرق إليه .
*و أخشى عليك أخي القاريء من الملل و السأم فهذا قليل من كثير و أسأل الله أن أكون قد وفقت ، و أسأل الله أن نكون جميعا من الذين يعلمون فيتعلمون و يعملون فيخلصون فلقد ذم الله أقواما فقال في حقهم " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " الصف 2،3.
وقال في حق آخرين " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " البقرة44.
و الله تعالى من وراء القصد


محمد رافع 52 15-11-2011 12:01 AM

ما هي العبادة ؟
ولماذا أمرنا الله بالعبادة مع أنه غني عنا لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية؟
والجواب على السؤال الأول ، ما العبادة ؟
العبادة : أصل معناها الذل ، يقال : طريق معبد أي طريق مذلل قد وطأته الأقدام هذا هو تعريف العبادة .
لكنَّ العبادة التي أمرنا بها تتضمن معني الذل ومعني الحب ، قال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله : فمن خضع لإنسان مع بغضه له فليس عابدا له ، ومن أحب شيئا دون أن ينقاد له فليس عابدا له ، فالعبادة التي أمرنا بها تتضمن معني الذل ومعني الحب .
فبعض الناس يقول نحن نعبد الله بالحب دون أن يمتثل الأمر ودون أن يجتنب النهي ودون أن يقف مع حدود الله تبارك وتعالي .
نقول : أنت كاذب في دعواك ، ليست هذه عبادة على مراد الله سبحانه ولا على مراد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، بل العبادة التي أمرت بها هي كمال الذل لله ، كمال الانقياد ، والخضوع والتسليم والخشوع والرهبة والجلال ، مع كمال الحب .
عرفها شيخ الإسلام رحمه الله بتعريف شامل جامع فقال :
العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
إذن العبادة بشرطين :
الأول أن تصح النية ، والثاني أن يكون عملك هذا موافقاً لسنته سيد البشرية صلي الله عليه وسلم .
ما رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : جاء أناس إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ! ذهب أهل الدثور بالأجور ، ذهب أهل الدثور بالأجور أي ذهب أصحاب الأموال بالأجر كله لماذا ؟ قالوا يصلون كما نصلي أمرتنا بالصلاة فصلوا معنا ويصومون كما نصوم أمرتنا بالصيام فصام أهل المال معنا فأخذوا الأجر كله ذهب أهل الدثور بالأجور فقال يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم أي بما زاد من أموالهم فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (أو ليس الله جعل لكم ما تصدقون به ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة )
والبضع لغة : هو الفرج أو الجماع يعني يصح المعنيان في لفظ البضع .
قال " (وفي بضع أحدكم صدقة ) قالوا : يا رسول الله ! أيأتي أحدنا شهوته فيكون له فيها أجر ؟! قال : ( أرأيتم لو وضعها في الحرام أيكون عليه وزر؟) قالوا: بلي . قال : (وكذلك لو وضعه في الحلال فله بها أجر ) .
مقتضى العبادة : أن يسلم العبد عقله وقلبه وجوارحه كاملة لله سبحانه الذي خلقه لعبادته ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي﴾ الأنعام:162) يعني ذبحي ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾162﴿ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأنعام:162- 163]

محمد رافع 52 15-11-2011 12:04 AM

ومقتضى العبادة : أن يسير العبد ليصل إلي الله تبارك وتعالي خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم ،
نعم قد تصل إلي توحيد الربوبية بالعقل لكن الغاية ليست توحيد الربوبية ، ولكن الغاية هي توحيد الألوهية أن تفرد الله بالعبادة.
- صورة من صور العبادة لغير الله جل وعلا ، روى الإمام الترمذى والإمام البيهقي في سننه بسند حسنه شيخنا الألباني رحمه الله تعالي أن عدي بن حاتم رضي الله عنه لما أسلم وكان نصرانيا لما أسلم دخل على النبي عليه الصلاة والسلام فقرأ النبي قول الله تعالي ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾[التوبة: من الآية31] فقال عدي : لم يعبدوهم يا رسول الله لم يعبدوهم أي لم يعبدوا الأحبار والرهبان . فبين النبي لعدي معني العبادة فقال له صلي الله عليه وسلم : ( ألم يحرموا عليهم ما أحل الله ويحلوا لهم ما حرم الله فأطاعوهم قال بلي قال فتلك عبادتهم إياهم ) هذا تفسير النبي عليه الصلاة والسلام للآية (ألم يحرموا عليهم ما أحل الله ويحلوا لهم ما حرم الله فأطاعوهم ) وفي لفظ (فاتبعوهم ) قال بلي فعلوا ذلك . قال : (فتلك ) هذا القائل سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (فتلك عبادتهم إياهم فتلك عبادتهم إياهم ) .
- ومن الناس من صرف صورا كثيرة من صور العبادة لغير الله فذبح لغير الله نذر لغير الله حلف بغير الله استعان بغير الله استغاث بغير الله طاف بغير بيت الله والله سبحانه وتعالي يقول ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾[آل عمران: من الآية154] .
- ومن الناس من فهم العبادة فهما مبتورا ناقصا جزئيا فالعبادة عنده لا تتعدى أداء الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والزكاة والعمرة والحج هذه العبادة ، فلا حرج بعد ذلك أن ينقل الربا أو أن يعاطن الزنا أو أن يشرب الخمر أو أن يترك بناته متبرجات عاريات أو أن يسب والديه.
هذا خلل ، هذا فهم مبتور منقوص لحقيقة العبادة
والسؤال الخطير ، عرفنا العبادة ، أتريد أن تقول بأن القضية كلها تتلخص في هذه المسألة ؟ نعم تتلخص في العبادة نعم ، الله ما خلق الكون إلا من أجل هذه العبادة نعم ، لماذا ؟

محمد رافع 52 15-11-2011 12:06 AM

لماذا أمر الله الخلق جميعا بعبادته ؟
أقول ابتداء بين يدي الجواب على هذه المسألة : لو تخلي الخلق جميعا في الكون كله ، خلي بالكم من هذا التأصيل ، لو تخلي الخلق جميعا في الكون كله أو في الأرض عن عبادة الله سبحانه ، فالله جل وعلا غني عن كل خلقه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ، بل لا يزيد ملكه توحيد الموحدين ولا حمد الحامدين ولا شكر الشاكرين ، ولا ينقص ملكه كفر الكافرين ولا عصيان العاصين ولا إذناب المذنبين ، أبدا قال الله جل وعلا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾[فاطر: من الآية15] نداء عام ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ﴾[فاطر:15] .
والفقر نوعان ، كما قال بن القيم في كتابه الماتع طريق الهجرتين :
فقر اضطراري وفقر اختياري .
الفقر الاضطراري : هو فقر كل الخلق في الأرض فقر أكثر الكافرين بالله هذا مضطر إلي الله جل وعلا هو فقير اضطرارا إلي الله فقير إلي الشمس إلي النور إلي الهواء إلي الماء إلي الأرض إلي آيات الله وهي خلق الله تبارك وتعالي فقير اضطرارا إلي الله جل جلاله ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ﴾[آل عمران: من الآية83] ولما خلق الله السماوات والأرض ﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾[فصلت : من الآية11].
الفقر الاختياري هو فقر العبودية والذل والانكسار لله تبارك وتعالي وكلما ازددت فقرا من هذا النوع الثاني ازددت عند الله غنى كلما ازددت فقرا اختياريا لله ازددت عند الله غنى فكلما ازدادت عبوديتك لله ازددت عزا عند الله كلما ازداد فقرك لله زادك الله غنى وزادك الله رفعه وزادك الله علوا ومكانة وشأنا عنده في الدنيا والآخرة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾15﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾16﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾[فاطر:15- 17 ]

إذن لماذا امرنا الله بعبادته والجواب :
أولا: لأن العبادة حق الله على عباده روى البخاري ومسلم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت رديف النبي صلي الله عليه وسلم يوما على حمار فقال النبي لمعاذ ( يا معاذ قلت لبيك يا رسول الله وسعديك قال أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله قال معاذ الله ورسوله اعلم فقال صلي الله عليه وسلم حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا قال معاذ قلت أفلا أبشر الناس يا رسول الله قال لا ، لا تبشرهم فيتكلوا)
فأخبر بها معاذ بن جبل عند موته تأثما أي خشية من وقوعه في إثم لكتمان العلم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم .
ثانيا: من أرق وأجل صور الرحمة من الحق بالخلق أن أمرهم بعبادته .
نحن نقول بأن الله رحيم ، من أسماءه الرحيم والرحمن ، ومن صفاته الرحمة ونؤمن بأن رحمته سبقت غضبه ،
لأن العبادة غذاء لأرواحنا وحياة لقلوبنا وسبب لتفريج كروبنا ، لأنها تقربنا من ربنا تبارك وتعالى .
ثم بعد ذلك نعبد الله لذاته لأنه يستحق أن يعبد وطلبا لجنته وخوفا من ناره .
نعبد الله لأن العبادة غذاء للأرواح : أنت بدن وروح ، الإنسان مخلوق بدن وروح ، جسد وروح .
ومن هنا يقول ربنا ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيل﴾ [الإسراء:85] .




aashraf-hussen 18-01-2012 06:11 PM

مشكور علي هذا الموضوع

محمد رافع 52 19-01-2012 12:31 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aashraf-hussen (المشاركة 4231262)
مشكور علي هذا الموضوع

جزاكم الله خيرا اخى الكريم

abdoelged12 18-05-2012 04:53 AM

جزاكم الله خيرا

محمد رافع 52 18-05-2012 08:36 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abdoelged12 (المشاركة 4496749)
جزاكم الله خيرا

بارك الله فيكم

Mohamed..Gamal 25-07-2012 08:03 PM

بارك الله فيكم
علي هذا الطرح الرائع

محمد رافع 52 26-07-2012 12:12 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mohamed765 (المشاركة 4681118)
بارك الله فيكم
علي هذا الطرح الرائع

بارك الله فيك ورضى عنك

نسيــــــم الجنـــــــــة 31-07-2012 03:25 PM

جزاكم الله خيرا


طرح اكثر من راااائع

محمد رافع 52 31-07-2012 05:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسماء خضر (المشاركة 4706043)
جزاكم الله خيرا




طرح اكثر من راااائع



بارك الله فيك وفى والديك

محمد رافع 52 01-08-2012 02:45 PM

من المقاصد التربوية للصيام

عبد العزيز كحيل
رمضان مدرسة تربوية إيمانية فذه لتخريج الربانيين والربانيات إذا صام المسلمون أيامه وقاموا لياليه وتخلقوا بالأخلاق المناسبة له وفقا للأحكام والضوابط الشرعية ، بعيدا عن الرتابة التي تبلّد الحس وتلغي المقاصد
ومازال الشهر الفضيل في حاجة إلى اقتراب مقاصدي يوازي الطرح الشعائري القائم على تناول الجزيئات الفقهية والأخلاقية ليخوض في آفاق الغايات الكبرى ويبرز الأهداف التربوية للفرد والمجتمع والإنسانية كلها،ومعلوم أن الكتابات في المجال ألمقاصدي نادرة بالمقارنة للأبحاث الفقهية المستفيضة لا تتعدى بعض مؤلفات ابن تيمية وابن القيم والعز بن عبد السلام والشاطبي وولي الله الدهولي والطاهر بن عاشور و حسن البنا وأحمد الريسوني وجماعة من أمثالهم من القدامى والمحدثين، لذلك يبذل العلماء الراسخون في عصرنا جهودا كبيرة لاستدراك النقص ودراسة شرائع الإسلام وشعائره وأخلاقه_ ومنها الصوم _ليس دراسة فقهية أو حديثية فحسب وقد أشبعت بحثا من هذه الناحية عبر القرون وإنما دراسة علمية أصولية مقاصدية في إطار البناء الديني المتكامل الجامع بين الالتزام الفردي والمنظومة الاجتماعية وصناعة الحياة في ضوء المرجعية الإسلامية.
وأتناول في هذا المقال المختصر أمثلة من مسائل متعلقة بالصيام نعرفها من ونمارسها لكن من غير أن نعنى بمقاصدها التربوية إلا قليلا.
فتصفيد الشياطين في شهر رمضان - مثلا - مسألة غيبية تثير الجدل لكن يتعلم منها المسلمون أن رمضان فرصة مواتية للدعوة فينشطون في استمالة القلوب وتفتيق الأذهان وكسب النفوس إلى صف الحق بعد أن خف ضغط الشياطين وتوفرت الأجواء الإيمانية ، وبعبارة أخرى يكون داعي الشر خلال هذا الشهر في حالة تراجع مما يتيح لداعية الخير أن يكر ويهاجم ويدمغ الباطل ويرفع راية الهداية
وأما تفطير الصائم الذي يترتب عليه أجر كبير فما ينبغي أن نقصره على مجرد الفعل الفردي الكمالي بل يجب تناوله في إطار العمل التضامني الواعي الذي يستهدف محاربة الفاقة وإشاعة روح الأخوة من خلال تقاسم الأعباء المعيشية ولا يكون ذلك إلا بالتغلب على هوى النفس والتحرر من حظوظها ،وفهم الحديث النبوي بمثل هذه الكيفية يحقق القيمة الأخلاقية وفي الوقت نفسه يعطي صورة من صور البديل الإسلامي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي،وعندما تفقه هذا المعنى جماهير الأمة المتعطشة لنيل الثواب فإنها تكون أكثر بذلا وعطاء وينعكس ذلك إيجابيا على المجتمع وينوّع أساليب الدعوة ويبرز للرأي العام وجها آخر من محاسن الإسلام الكفيلة بأن تجعله يدخل القلوب بغير استئذان.
وإذا انتقلنا إلى مثال ثالث نقف عند عبارة "اللهم إني صائم" التي لا تبرح في الغالب الميدان الفردي الجزئي الضيق بل والشعاراتي أيضا رغم أنها تشكل ضمن النسق الإسلامي العام قاعدة دينية وكلية اجتماعية ودافعا دعويا تعصم المسلمين الواعين من الاستدراج على كل المستويات بحيث يتربون ليس على رد الفعل السريع الأهوج وإنما على رد الفعل المدروس الهادئ ومعاني الحلم والمسامحة والتحكم في العواطف مهما كانت الاستفزازات ، فيكتب لهم الفوز أخلاقيا ودعويا وسياسيا وحضاريا.
أما صلاة التراويح فهي لقاء سنوي حي مع دستور المسلم الأكبر ودليل حياته – القرآن الكريم – في رحلة تتجاوز عدد الركعات لتكون تلقيا مباشرا غضا طريا لكلام الله تعالى وكأنه يتنزّل للتو على المؤمن يخاطب قلبه وعقله وحواسه لتكتمل العبودية لله ويتجدد الإيمان فتدمع العين ويقشعرّ الجلد ثم يطمئنّ القلب لذكر الله وتنتشر بين المسلمين معاني الأخوة والمحبة والرحمة فيزداد ارتباطهم بخالقهم وببعضهم
هذه أربعة أمثلة من قيم رمضانية كان يمكن تجسيدها في أبعادها المقاصدية لمعالجة أدواء الأمة وتكوين الفرد الفعال الصالح وبناء المجتمع المنشود،غير أن الذهنية المتسمة بالشعائرية والجزئية والسلبية اكتفت بالنظر السطحي وفوتت علينا قطف ثمار الصيام الطيبة – وعلى رأسها التقوى كما ورد في آية الصيام " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " - وقد كرس هذه الذهنية الموروثة عن عصور الانحطاط كثير من الدروس المسجدية والإذاعية والتلفزيونية ونحوها التي لا تلتفت إلى رمضان إلا من خلال كلام متكرر يحشد الفروع بدون رابط بينها تضيع في خضمها المقاصد الشرعية والأهداف التربوية ،ولنا أن نقارن بين هذه الدروس- التي تبقى ضرورية من غير شك لتعليم الناس أمور دينهم - وتلك التي يلقيها علماء ودعاةأفذاذ يربطون الفروع بالأصول والجزئيات بالمقاصد فيثلجون الصدور ويحببون الصيام- والإسلام كله -للعباد باعتباره عبادة لله من جهة ومدرسة تربوية سلوكية من جهة أخرى،وهذا هو التناول التربوي الواعي الذي ننشده لدفع الشبهات وإلجام الشهوات ، وإذا لم ندرك نحن ذلك فقد أدركه المتحكمون في الإعلام والتوجيه التربوي والاجتماعي من العلمانيين فعملوا على تقزيم الحصص الدينية في الإذاعة والتلفزيون والمدرسة ليفرغوا الصيام – والشعائر كلها – من الشحنة الإيمانية التي تغير الإنسان وتدفعه نحو الأفضل... إنها دعوة لفقه مقاصد الصيام وغيره من شعائر الإسلام لإصلاح النفوس وبناء المجتمع واستلهام النبع القرآني أكثر ضمن عملية دعوية واعية،وهذا هو الرجوع إلى القرآن والسنة عينه و هو خطوة ضرورية لتكوين القاعدة الصلبة وإيجاد الربانيين واستئناف الحياة الإسلامية.

محمد رافع 52 01-08-2012 02:53 PM

ملامح الفكر التربوي عند الإمام البخاري، علي إبراهيم سعود العجين
يُعدُّ "الجامع الصحيح" للإمام محمد بن إسماعيل البخاري أصحَّ كتاب بعد كتاب الله تعالى، وأجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، ولم يلق كتاب –بعد كتاب الله- العناية التي أولتها الأمة لهذا الكتاب، من حفظ ونشر وشرح وتدريس وتلخيص ودراسة. وبالرّغم من اتفاق الأمة على مكانة "الجامع الصحيح"، وعلى إمامة البخاري، إلا أننا لا نجد عناية واضحة في استجلاء الفكر التربوي للإمام البخاري من خلال جامعه الصحيح، ولا سيّما أنه استقى فكره من صحيح حديث النبي
وتأتي هذه الدراسة لتجلية الفكر التربويّ لدى هذا الإمام الجليل، والبحث في آراء البخاري وتصوّراته التربوية في كتاب "العلم".
فقد ذكر بعض شرّاح كتاب البخاري ودارسيه الجوانبَ التربوية المستنبطة من تراجم "الجامع الصحيح" والأحاديث الواردة فيه. ولم يقف الباحث –حسب اطلاعه- على دراسة متخصصة في بيان الفكر التربوي عند الإمام البخاري. وثمة دراستان تناولتا بشيء من التخصص بعض الجوانب التربوية في "الجامع الصحيح"؛ دون أن تبين الفكر التربوي للإمام البخاري بوجه عام؛ درست إحداهما الجوانب التعليمية في كتاب العلم من صحيح البخاري، ودرست الثانية دلالات الفقه التربوي في بعض تراجم صحيح البخاري.
أولاً: الفكر التربوي عند الإمام البخاري: مفهومه ومصادره وميزاته

محمد رافع 52 01-08-2012 02:54 PM

1. مفهوم الفكر التربوي عند الإمام البخاري:
يختلف تعريف التربية اصطلاحاً باختلاف المنطلقات الفلسفية التي تخضع لها النظرية التربوية. وباختلاف الطرق والوسائل التي تسلكها الجماعات الإنسانية في تدريب أجيالها وإرساء قيمها ومعتقداتها. وباختلاف الآراء في مفهوم العملية التربوية وطرقها ووسائلها.
، والتي تتصل بتربية الإنسان في جوانب شخصيته المختلفة.".والتربية الإسلامية هي: "المفاهيم والقيم والأساليب والاتجاهات المتضمنة في آيات القرآن الكريم وسنة الرسول العظيم
أما الفكر فهو "عمل الذهن تدبُّراً وتأمُّلاً في أي شأن من شؤون الحياة الدنيا أو الدين. وهو نشاط بشري أداؤه العقل، وثمراته الرأي والعلم والمعرفة."
وعلى ذلك فإن على الباحث -الذي يجهد نفسه في سبيل بيان موقف التربية الإسلامية من هذه القضية أو تلك من قضايا التربية والتعليم، من خلال كتابات المفكرين- أن يصحح عبارته وينسب الموقف إلى العالِم الذي يدْرسه، أو المدرسة الفكرية التي يبحث في فكرها. فالقول بأن موقف التربية الإسلامية هو موقف هذا أو ذاك من المفكرين، ربما لا يكون صحيحاً. فالذي يبحث عن موقف التربية الإسلامية من قضية ما، عليه أن يتجه مباشرة إلى مصدري الإسلام الأساسيين وهما: القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وبناء عليه يُعرّف الفكر التربوي الإسلامي بأنه "مجموعة الآراء والأفكار والنظريات التي احتوتها دراسات الفقهاء والفلاسفة والعلماء المسلمين، وتتصل اتصالاً مباشراً بالقضايا والمفاهيم والمشكلات التربوية". وبذلك "فالفكر التربوي الإسلامي" هو رؤية العلماء المسلمين وتفسيراتهم للتربية الإسلامية.
وبهذا يكون الفكر التربوي المقصود في هذه الدراسة، عند الإمام البخاري: "مجموعة الآراء والنظريات التي احتواها كتاب "العلم"من "الجامع الصحيح" مما يتعلق بالقضايا والمفاهيم والمشكلات التربوية". وبذلك "فالفكر التربوي الإسلامي" هو رؤية العلماء المسلمين وتفسيراتهم للتربية الإسلامية.
وبهذا يكون الفكر التربوي المقصود في هذه الدراسة، عند الإمام البخاري: "مجموعة الآراء والنظريات التي احتواها كتاب "العلم"من "الجامع الصحيح" مما يتعلق بالقضايا والمفاهيم والمشكلات التربوية". وإنما ذكرنا كتاب "العلم" لأنه الميدان الأصيل لدراسة الجوانب التربوية، التي تمثل آراء الإمام البخاري وأفكاره. وهذا لا يعني –بأي حال من الأحوال- أن الفكر التربوي للبخاري يقتصر على ذلك، ولكن كتاب العلم يعكس ملامح هذا الفكر بشكل واضح أكثر من غيره.
يحدث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فَكَرِه ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله. قال: فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة." في مجلس يحدِّث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله .فعلى سبيل المثال، بَّوب البخاري أحد أبواب كتابه بـ: "باب: من سئل علماً وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل". وأخرج فيه حديث "أبي هريرة" رضي الله عنه: "بينما النبي
قال ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث: "محصلة التنبيه على أدب العَالِم والمتعلِّم، أما العالم فلِما تضمنه من ترك زجر السائل، بل أدَّبه بالإعراض عنه أولاً حتى استوفى ما كان فيه، ثم رجع إلى جوابه لأنه من الأعراب، وأما المتعلِّم فلِما تضمنه من أدب السائل أن لا يسأل العَالِم وهو مشتغل بغيره، لأن حق الأول مقدّم."

محمد رافع 52 01-08-2012 02:57 PM

2. مصادر الفكر التربوي عند الإمام البخاري:
من تعاليم سماوية وسنة، وما عمل به وأمر صحابته والتابعين له أن يعملوا به، وأيضاً بما جاء به من بعده تنفيذاً لأوامره واجتناباً لما نهى الله عنه ورسوله، واجتهاداً في توضيح منهجه في التربية، وأسلوبه في المعاملة، الذي انطلق من تربية سماوية روحية وجسدية، كانت وما تزال منهج عبادة ومنهج فكر ومنهج عمل..ينطلق الفكر التربوي الإسلامي مما جاء به الرسول
وهذا ما سار عليه الإمام البخاري في فكره التربوي، في اعتماده القرآن الكريم والسنة المطهرة وأقوال الصحابة والتابعين واجتهاد الأئمة من بعدهم، وهو على النحو الآتي:
أ. القرآن الكريم:
لقد أكثر الإمام البخاري من استشهاده بالقرآن الكريم، نصاً وتفسيراً، فاعتنى في صحيحة بآيات الأحكام؛ إذ انتزع منها الدلالات البديعة، وسلك في الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة.
ففي كتاب "العلم" ذكر البخاري عدداً من الآيات في عناوين الأبواب، ومن ذلك:
(الباب الأول): فضل العلم، وقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) "المجادلة: 11"، وقوله عزّ وجل: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ( طه:114)، لتحقيق دافعية المتعلم للعلم، وبيان مصدرية العلم وغايته.
(الباب السادس): باب ما جاء في العلم وقوله تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (طه: 114).
(الباب العاشر): باب العلم قبل القول والعمل، لقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (محمد: 19). فبدأ بالعلم، إشارة لاستناد العمل على العلم، وقال جلّ ذكره: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ" (فاطر: 28)، للتذكير بغاية العلم، وقال ابن عباس: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (آل عمران: 79) علماء فقهاء، ويقال: الرباني: الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، توضيحاً لصفات العالم وأسلوب التعليم الناجح.
ب. السنة النبوية:
يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا." يتخوَّلهم بالموعظة والعلم كي لا ينفِروا." وأورد فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه "كان النبي من المعلوم أن "الجامع الصحيح" للإمام البخاري هو أصح كتاب للسنة النبوية، وأن أي مفكر تربوي إسلامي إذا أراد أن يستدل من السنة النبوية، لا يستغني بوجه من الوجوه عن هذا الكتاب الجليل. وسنلحظ فيما يأتي أن الإمام البخاري جعل السنة النبوية أساساً لفكره التربوي. ومثاله: ما استنبطه البخاري من عدم إيقاع الملل على المتعلم. فقد عنون (الباب الحادي عشر) "ما كان النبي
ت. أقوال الصحابة رضوان الله عليهم:
أودع الإمام البخاري أقوال الصحابة في عناوين كتابه، واستدل منها على آرائه وأفكاره، ومن ذلك ما سبق أن ذكرناه من تفسير ابن عباس –رضي الله عنه- لكلمة "الربانيين".
قبل أن تجيز عليّ لأنفذتها." ففيه تحمل مسؤولية العلم والحرص والشجاعة في تبليغه. وفي (الباب العاشر): نقل عن أبي ذر رضي الله عنه: "لو وضعتم الصمصامة، أي؛ السيف، على هذه، وأشار إلى قفاه، وظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي
: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. أمّا (الباب الخمسون) فخصّصه لموضوع: الحياء في العلم، ونقل فيه عن عائشة رضي الله عنها قال
ث. أقوال التابعين والأئمة من بعدهم:
ومن ذلك ما نقله عن مجاهد في (الباب الخمسون): الحياء في العلم: "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر." ونقل عن الإمام سفيان بن عيينة في (الباب الرابع): باب قول المحدث: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا، قال ابن عيينة: (حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحداً) ليدلّل أنه أي لا فرق بين هذه الصيغ في التحديث، سواء سمع التلميذ من الشيخ أو قرأ عليه.

محمد رافع 52 01-08-2012 02:59 PM

3. ميزات الفكر التربوي عند الإمام البخاري:
، وإن كان هناك من يرى جواز العمل بالأحاديث الضعيفة؛ لأنَّ القائلين بهذا الرأي قيدوا جواز ذلك في "فضائل الأعمال"، ونحن هنا نتحدث عن "التربية" و"بناء الأجيال"، وهي مسألة ليست من فضائل الأعمال، بل هي جوهر الأعمال. أ. الاعتماد على صحيح الحديث النبوي منطلقاً لفكره، فبنى فكره على أساس متين. وهذه قضية مهمَّة نحتاج الوقوف عليها في زماننا؛ إذ إن هناك من التربويين -الذين يتخذون من الإسلام أساساً لفكرهم التربوي- يبنون دعاواهم وأفكارهم على الأحاديث الضعيفة، ويؤصلون مبادئ وأسساً عليها، ثم نرى أن هذه التأصيلات غير سديدة، وتنسب -بغير حق- للنبي
ب. يعد "الفكر التربوي" للإمام البخاري، وليد تجربة تربوية حافلة، مارسها تلميذاً وشيخاً. فالميدان التعليمي هو الذي أفرز هذا الفكر وأنتج هذه التصورات من خلال ما عايشه الإمام البخاري في تجربته التعليمية، فقد طلب العلم وهو صغير السن؛ إذ سئل: "كيف كان بدء أمرك؟ فقال: أُلهمت حفظ الحديث وأنا في الكُتّاب، فقيل: كم كان سنك؟ فقال: عشر سنين."
وفي مرحلة مبكرة، نجده يقوم بدور المعلم "الشيخ"، فيجتمع عليه آلاف الطلبة طلباً للعلم على يديه، فقد كان أهل العلم من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه، ويُجْلِسوه في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف، أكثرهم ممن يكتب عنه، وكان شاباً لم يخرج وجْهُه.
في خضم هذه التجربة، تشكلت آراء البخاري التربوية، ونضجت تصوراته التعليمية. فبعض المشكلات التي كانت تواجهه في ميدان طلب العلم والتدريس، هي التي كوّنت "فكره التربوي". وهذا ما نلمحه في تبويباته وعناوينه في كتاب "العلم". فقد ناقش طرق تحمُّل الحديث كالسماع والقراءة والمناولة والكتابة، ودلَّل على مشروعيتها من السنة النبوية.
كما ذكر موضوع تحمّل الصغير للحديث هل هو صحيح أم لا، وأدرجه في (الباب الثامن عشر): (متى يصح سماع الصغير). وتطرق لمشكلة تربوية عميقة وهي: ما اتهم به رواة الحديث بأنهم نقلة أخبار من غير تدبُّر وفهم، فبوب: (الباب الرابع عشر) بـ(الفهم في العلم)، إلى غير ذلك من القضايا التربوية التي أبرزها في "كتاب العلم".
ت. ومن ميزات الفكر التربوي للإمام البخاري شموليته وترابطه؛ فالقضايا التربوية التي ناقشها الإمام البخاري، شاملة لكل جوانب العملية التعليمية بترابط محكم بين كل باب من أبواب كتاب "العلم" والكتاب الذي يليه. فهو يذكر الأهداف التربوية من خلال ما بدأ به وهو (الباب الأول): "فضل العلم"، ثم ينتقل إلى آداب العلم فيبوب بها (الباب الثاني): "من سئل علماً وهو مشتغل في حديثه"، ثم يتحدث عن البيئة التعليمية الناجحة، وذلك من خلال (الباب الثالث): "من رفع صوته بالعلم". وفي هذه الأثناء يتطرق إلى مسائل متخصصة في رواية الحديث في (الباب الرابع) بقوله: "قول المحدث "حدثنا" و"أخبرنا"... . ويذكر لنا أنواع تحمّل الحديث، كما في (الباب السادس): "القراءة والعرض على المحدث" ونحوها، ثم يعود لذكر آداب العلم وأصناف المتعلمين في (الباب الثامن): "من قعد حيث ينتهي به المجلس"، ثم يذكّر بأهمية العلم بقوله في (الباب العاشر) "العلم قبل القول والعمل".
(اللهم علِّمه الكتاب)." في البحر إلى الخضر". وينتقل إلى مصدر العلم في (الباب السابع عشر): "قول النبي يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفِروا". ويتناول: أوقات التعليم في (الباب الثاني عشر): "من جعل لأهل العلم أياماً معلومة"، كما يذكّر بدافعية العلم بقوله في (الباب الثالث عشر): "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، ويربطه بموضوع الفهم؛ إذ يُعَنوِن (الباب الرابع عشر) بـ: "الفهم في العلم"، ثم بحاجة طالب العلم للرحلة في طلبه فيذكر في (الباب السادس عشر): "ما ذكر في ذهاب موسى .ويتطرق إلى البيئة التعليمية الناجحة في (الباب الحادي عشر): "ما كان النبي
وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وراءهم".ويخصص (الباب الثامن عشر) لتعليم الصغار: "متى يصح سماع الصغير"، ويعود إلى التذكير بأصناف المتعلمين من حيث تأثرهم بالعلم في (الباب العشرين): "فضل من عَلِم وعلَّم"، محذراً بعد ذلك من خطورة رفع العلم وظهور الجهل كما في (الباب الحادي والعشرين): "رفع العلم وظهور الجهل". ثم ينتقل إلى الوسائل التعلمية بقوله في (الباب الرابع والعشرين): "من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس". ثم وجوب تبليغ العلم بقوله في (الباب الخامس والعشرون): "تحريض النبي
"..وينتقل إلى (الباب السابع والعشرين): "التناوب في العلم"، وهو مصطلح تربوي انفرد به الإمام البخاري. ويتحدث عن الغضب في التعليم عند الحاجة إليه، فيقول(الباب الثامن والعشرين): "الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره". وبعد ذلك ينتقل إلى موضوع تعليم المرأة بقوله في (الباب الحادي والثلاثين): "تعليم الرجل أَمَته وأهله، وَعِظة الإمام النساء وتعليمهن". ويذكّر بدافعية التعليم بقوله في (الباب الثالث والثلاثين) "الحرص على الحديث". ويعود إلى بيان خطورة تفشي الجهل بقوله في (الباب الرابع والثلاثين): "كيف يقبض العلم". ثم يكرر وجوب تبليغ العلم، وينتقل إلى أمر خطير ينبغي التنبّه إليه عند تبليغ العلم، وهو الكذب في العلم، فيقول في (الباب الثامن والثلاثين): "إثم من كذب على النبي
وحتى لا يقع في الخطأ والكذب في العلم يذكر أدوات العلم، فيقول في (الباب التاسع والثلاثين): "كتابة العلم". ثم يتطرق لموضوع أوقات التعليم وخاصة في الليل فيذكر في (الباب الأربعين): "العلم والعظة بالليل". ويؤكد على أدوات العلم بقوله في (الباب الثاني والأربعين): "باب حفظ العلم". ويذكر أدباً رفيعاً آخر مبيناً مصدرية العلم بقوله في (الباب الرابع والأربعين): "ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فَيَكِل العلم إلى الله تعالى"، ويُذكِّر بأنه ليس من التكبّر أن يُسأل العالم وهو جالس ويكون السائل قائماً. ويعود إلى بيان مصدرية العلم بقوله في (الباب السابع والأربعين): "قول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء: 85)". ويتناول البخاري موضوع مراعاة الفروق الفردية في التعليم بقوله في (الباب الثامن والأربعين): "من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه". ويخصص (الباب التاسع والأربعين) لـ: "من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا". وينتقل إلى ذكر العوائق النفسية التي تمنع العلم بقوله في (الباب الخمسين): "الحياء في العلم"، ويذكر أماكن التعليم بقوله في (الباب الثاني والخمسين): "ذكر العلم والفتيا في المسجد". ويختم كتاب العلم بـ (الباب الثالث والخمسين) الذي خصّصه لـ: "من أجاب السائل بأكثر مما سأله، تنبيهاً على سعة العلم". وكأن لسان حاله يقول: إن العلم واسع، وهذه أسس التعليم ومبادئه قد ذكرتها في كتاب "العلم".
ومما سبق من بيان مصادر الفكر التربوي عند البخاري وميزاته، يتبين لنا انتماء الإمام البخاري إلى مدرسة الفقهاء والمحدثين التربوية، وهي المدرسة التي تتمسك بالإسلام شرعة ومنهاجاً، نظاماً وتشريعاً، وتتمحور حول الكتاب والسنة وتذود عنهما، وتفسر النص التفسير الذي تحتمله لغة الضاد، من غير سرّية ولا رمزية.
ولقد مرت هذه المدرسة بمرحلتين؛ الأولى: مرحلة الاتفاق بين المحدثين والفقهاء خلال القرن الثالث. والثانية مرحلة تباين الطرفين في الرأي في القرن الرابع. وفي المرحلة الأولى تحددت مفاهيمها التربوية المتمثّله في التزام نصوص القرآن الكريم، والسنة وما كان عليه الصحابة، فالقرآن الكريم والحديث الشريف هما المنهاج الديني، والفقه هو فهم القرآن الكريم والحديث الشريف. ويعد الإمام البخاري –رحمه الله- من رواد هذه المدرسة؛ إذ جمع بين النص والفقه، بل وتميز من غيره بالتزامه النص الصحيح من السنة النبوية، ودقة استنباطه الفقهي.

محمد رافع 52 01-08-2012 03:01 PM

ثانياً: الأهداف التربوية في فكر الإمام البخاري
رسم الإمام البخاري أهدافه التربوية من منطلق توحيد الله تعالى، فبوّب (الباب العاشر) تحت عنوان: "العلم قبل القول والعمل، لقوله تعالى: ": فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ "(محمد: 19)" ويمضي في تفصيل الأهداف بقوله: "ومن سلك طريقاً يطلب به علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة." ومن أهدافه العليا ما جاء في قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ" (فاطر: 28)، بل العلم من أسباب النجاة من النار، فيقول الله تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (الملك: 10) فالغاية النهائية للتربية الإسلامية هي تحقيق العبودية لله في حياة الإنسان الفردية والجماعية، وهذا ما أوضحه الإمام البخاري ضمن رؤيته التربوية. ويدخل في ذلك عدد من الأهداف من أهمها:
1. العلم أساس في صحة القول والعمل: جعل البخاري (الباب العاشر) بعنوان: "العلم قبل القول أو العمل". وأراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به. لقوله تعالى": فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (محمد: 19)، فكلمة التوحيد لا تُقبل بغير العلم.
2. بين العلم والهداية، لأنَّ الهدى هو الدلالة الموصلة للمقصد، والعلم عين المدلول..العلم سبب للوصول إلى الهداية: أورد البخاري في (الباب العشرين) فضل من علِم وعلَّم؛ إذ جاء بحديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير. أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِمَ وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به." فجمع رسول الله

3. إنقاذ الناس من الضلالة: جاء (الباب الرابع والثلاثين) بعنوان: "كيف يُقبض العلم"، وفيه حديثُ عبد الله بن عمرو بن العاص: "إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا". فانتشار العلم وبقاء العلماء يمنع من الوصول إلى هذه النتيجة: "فضلّوا وأضلّوا".
4. تحقيق الخيرية والسمو والرفعة للإنسان: جعل البخاري (الباب الثالث عشر) من كتابه بعنوان: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وأورد حديث معاوية رضي الله عنه "من يُرد الله خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله." وتأمل في تنكير كلمة "خيراً" لتشمل الخير كله في الدين والدنيا.
5. تحقيق التقدير الذاتي للإنسان: جاء (الباب الحادي والعشرين) بعنوان: "باب رفع العلم وظهور الجهل"، ثم نقل عن ربيعة الرأي قوله: "لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه." فلا ينبغي للعالم أن يأتي بعلمه أهل الدنيا ولا يتواضع لهم إجلالاً للعلم، ومما يؤدي إليه من قلة الاشتغال بالعلم والاهتمام به لما يرى من ابتذال أهله وقلة الاحترام لهم، احتراماً للعلم الذي يحمله. ومن كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه، فيترك الاشتغال بالعلم، لئلا يؤدي ذلك إلى رفعه.
6. : "هي النخلة." لقد فهم ابن عمر أن المسؤول عنه النخلة، فالفهم فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل. وبذلك فالتربية الإسلامية تربي الفرد تربية عقلية سليمة..، فأتى بجُمّار –أي ما يكون في لب النخلة- فقال: "إن من الشجرة شجرة مَثَلُها كمَثَل المسلم. فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكتُّ. فقال النبي .التربية العقلية: كما اهتم الإمام البخاري بالبعد الديني للتربية، اعتنى بالبعد العقلي، فهو يجعل (الباب الرابع عشر) بعنوان: "باب الفهم في العلم"، وأورد فيه حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- "كنا عند النبي
7. تحقيق السيادة والريادة الفردية والجماعية: جعل البخاري (الباب الخامس عشر) بعنوان: "الاغتباط في العلم والحكمة"، وأورد فيه قول عمر رضي الله عنه: (تفقهوا قبل أن تسودوا) قال البخاري: (وبعد أن تسودوا)، قال ابن المنيّر: "مطابقة قول عمر للترجمة أنه جعل السيادة من ثمرات العلم، وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة، وذلك يحقق استحقاق العلم بأن يغبط صاحبه، فإنه سبب لسيادته." وقد أدرك عمر بدقيق فقهه دور العلم في الشهود الحضاري وأثره في سيادة الأفراد والأمم وتقدمهم على الآخرين، وهذا هو سر تقدم الغرب في شتى الميادين، فما سادوا الأمم إلا بالعلم.
ملامح الفكر التربوي عند الإمام البخاري: قراءة تحليلية لكتاب "العلم" من "الجامع الصحيح"المصدر: مجلة إسلامية المعرفة "المعهد العالمي للفكر الإسلامي"

محمد رافع 52 01-08-2012 03:10 PM

رمضان والمقاصد التربوية

رمضانُ مدرسةٌ تربوية إيمانية فذة لتخريج الربانيين والربانيات، إذا صام المسلمون أيامه، وقاموا لياليَه، وتخلَّقوا بالأخلاق المناسبة له، وَفقًا للأحكام والضوابط الشرعية، بعيدًا عن الرتابة التي تُبلِّد الحسَّ، وتلغي المقاصدَ.



وما زال الشهر الفضيل في حاجة إلى اقترابٍ مقاصدي يوازي الطرحَ الشعائري القائم على تناول الجزئيات الفقهية والأخلاقية، ليخوض في آفاق الغايات الكبرى، ويبرز الأهداف التربوية للفرد والمجتمع والإنسانية كلها، ومعلوم أن الكتابات في المجال المقاصدي نادرة بالمقارنة بالأبحاث الفقهية المستفيضة، لا تتعدى بعض مؤلفات ابن تيمية، وابن القيم، والعز بن عبدالسلام، والشاطبي، وولي الله الدهلوي، والطاهر بن عاشور، وجماعة من أمثالهم من القدامى والمحدَثين؛ لذلك يبذل العلماء الراسخون في عصرنا جهودًا كبيرة لاستدراك النقص، ودراسة شرائع الإسلام وشعائره وأخلاقه - ومنها الصوم - ليس دراسة فقهية أو حديثية فحسب، وقد أشبعت بحثًا من هذه الناحية عبر القرون؛ وإنما دراسة علمية أصولية مقاصدية، في إطار البناء الديني المتكامل، الجامع بين الالتزام الفردي والمنظومة الاجتماعية، وصناعة الحياة في ضوء المرجعية الإسلامية.


وأتناول في هذا المقال المختصر أمثلةً من مسائلَ متعلقةٍ بالصيام، نعرفها ونمارسها، لكن من غير أن نُعنى بمقاصدها التربوية إلا قليلاً.


فتصفيد الشياطين في شهر رمضان - مثلاً - مسألة غيبية تثير الجدل، لكن يتعلم منها المسلمون أن رمضان فرصةٌ مواتية للدعوة، فينشطون في استمالة القلوب، وتفتيق الأذهان، وكسْب النفوس إلى صف الحق، بعد أن خفَّ ضغط الشياطين، وتوفرت الأجواء الإيمانية، وبعبارة أخرى يكون داعي الشر خلال هذا الشهر في حالة تراجع، مما يتيح لداعية الخير أن يكر ويهاجم، ويدمغ الباطل، ويرفع راية الهداية.


وأما تفطير الصائم الذي يترتب عليه أجرٌ كبير، فما ينبغي أن نَقْصره على مجرد الفعل الفردي الكمالي؛ بل يجب تناوله في إطار العمل التضامني الواعي، الذي يستهدف محاربةَ الفاقة، وإشاعةَ روح الأخوة، من خلال تقاسم الأعباء المعيشية، ولا يكون ذلك إلا بالتغلب على هوى النفس، والتحررِ من حظوظها، وفهمُ الحديث النبوي بمثل هذه الكيفية يحقِّق القيمةَ الأخلاقية، وفي الوقت نفسه يعطي صورةً من صور البديل الإسلامي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وعندما تفقه هذا المعنى جماهيرُ الأمة المتعطشة لنيل الثواب، فإنها تكون أكثر بذلاً وعطاء، وينعكس ذلك إيجابيًّا على المجتمع، وينوع أساليب الدعوة، ويُبرِز للرأي العام وجهًا آخر من محاسن الإسلام، الكفيلة بأن تجعله يدخل القلوبَ بغير استئذان.


وإذا انتقلنا إلى مثال ثالث، نقف عند عبارة: "اللهم إني صائم"، التي لا تبرح في الغالب الميدان الفردي الجزئي الضيق؛ بل والشعاراتي أيضًا، برغم أنها تشكل ضمن النسق الإسلامي العام قاعدةً دينية، وكلية اجتماعية، ودافعًا دعويًّا تعصم المسلمين الواعين من الاستدراج على كل المستويات، بحيث يتربَّوْن ليس على رد الفعل السريع الأهوج، وإنما على رد الفعل المدروس الهادئ، ومعاني الحلم والمسامحة، والتحكم في العواطف مهما كانت الاستفزازات، فيُكتب لهم الفوزُ أخلاقيًّا ودعويًّا، وسياسيًّا وحضاريًّا.


أما صلاة التراويح، فهي لقاء سنوي حي مع دستور المسلم الأكبر ودليل حياته - القرآن الكريم - في رحلة تتجاوز عدد الركعات، لتكون تلقيًا مباشرًا غضًّا طريًّا لكلام الله - تعالى - وكأنه يتنزَّل للتوِّ على المؤمن، يخاطب قلبَه وعقلَه وحواسَّه، لتكتمل العبودية لله، ويتجدد الإيمان، فتدمع العين، ويقشعرُّ الجلد، ثم يطمئنُّ القلب لذِكر الله، وتنتشر بين المسلمين معاني الأخوة والمحبة والرحمة، فيزداد ارتباطهم بخالقهم وببعضهم.



هذه أربعة أمثلة من قيم رمضانية، كان يمكن تجسيدها في أبعادها المقاصدية؛ لمعالجة أدواء الأمة، وتكوين الفرد الفعال الصالح، وبناء المجتمع المنشود، غير أن الذهنية المتسمة بالشعائرية، والجزئية، والسلبية اكتفتْ بالنظر السطحي، وفوَّتتْ علينا قطفَ ثمارِ الصيام الطيبة، وعلى رأسها التقوى؛ كما ورد في آية الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وقد كرَّس هذه الذهنيةَ الموروثة عن عصور الانحطاط كثيرٌ من الدروس المسجدية، والإذاعية، والتلفازية، ونحوها، التي لا تلتفت إلى رمضان إلا من خلال كلام متكرر، يحشد الفروع بدون رابط بينها، تضيع في خضمِّها المقاصدُ الشرعية، والأهدافُ التربويةت.


ولنا أن نقارن بين هذه الدروس- التي تبقى ضرورية من غير شك لتعليم الناس أمورَ دينهم - وتلك التي يلقيها علماء ودعاة أفذاذ يربطون الفروع بالأصول، والجزئيات بالمقاصد، فيثلجون الصدور، ويحببون الصيام - والإسلامَ كله - للعباد، باعتباره عبادة لله من جهة، ومدرسة تربوية سلوكية من جهة أخرى، وهذا هو التناول التربوي الواعي الذي ننشده لدفع الشبهات، وإلجام الشهوات، وإذا لم ندرك نحن ذلك، فقد أدركه المتحكمون في الإعلام والتوجيه التربوي والاجتماعي من العلمانيين، فعملوا على تقزيم الحصص الدينية في الإذاعة والتلفاز والمدرسة؛ ليفرغوا الصيام - والشعائر كلها - من الشحنة الإيمانية التي تغيِّر الإنسان وتدفعه نحو الأفضل.


إنها دعوة لفقه مقاصد الصيام وغيره من شعائر الإسلام؛ لإصلاح النفوس، وبناء المجتمع، واستلهام النبع القرآني أكثر ضمن عملية دعوية واعية، وهذا هو الرجوع إلى القرآن والسنة عينُه، وهو خطوة ضرورية لتكوين القاعدة الصلبة، وإيجاد الربانيين، واستئناف الحياة الإسلامية.




محمد رافع 52 01-08-2012 03:16 PM

رمضان... البُعد التّربوي
لا شكَّ أنَّ رسالة الإسلام في غاياتها النّهائيَّة، ترمي إلى بناء الإنسان تربويّاً وأخلاقيّاً، وهي أتت لتنقل الإنسان من عبادة الشّهوات والعباد، إلى عبادة الله تعالى، بما تعنيه من عزّةٍ وكرامةٍ وسموٍّ وكمال، وإذا تعمَّقنا في المنظومة العباديَّة أكثر، لوجدنا أنَّ هدفها المحوريَّ هو بناء شخصيَّةٍ عنوانها الصَّلاح والتَّقوى، لتزكية النَّفس وتربيتها على أعمال الخير، لتحقِّق وجودها وتسير في كمالها. والصّيام كعبادةٍ يهدف فيما يهدف إلى تزكية النَّفس وتصفيتها مما علق فيها من المفاسد والمهلكات والشَّهوات الّتي تعيق سير النَّفس في خطّ الصّلاح والتّقوى.. لذا علينا أن ننتبه إلى هذا الهدف.. فهل نحن في خطّ الصّلاح والتقوى؟ وهل نحن نعمل على تزكية أنفسنا وتربيتها لتحقّق العبادة أهدافها التربويّة؟
سؤال يطرح نفسه بقوّة على الصّائمين، فالمسألة في هذا الشّهر هي كم حقّقت لنفسك من مكاسب معنويّة تسهم في تقوية صلاحها وتربيتها وتهذيبها، وليست المسألة مجرّد تقطيع الوقت وانتظار الموائد، وكأنّنا تحوّلنا إلى آلاتٍ وعدّاداتٍ لحساب الوقت، فلا مكاشفة ولا مصارحة مع الذَّات، لنرى كم من التّقوى والصَّلاح حصَّلت وسلكت!!
علينا الالتفات ولو قليلاً إلى الأهداف التّربويَّة الحقيقيَّة للصّيام، وعدم الاستغراق في المظاهر الّتي تعمل على سلب روحيَّة الصَّوم وإطفاء جذوته الرّوحيّة، فتحوّلنا إلى الشّكليّات الفارغة من العبادة، على عكس ما هي عليه من حقيقةٍ يفترض أن نحافظ على أهدافها...
فأين نحن اليوم من دروس الصّوم وأهدافه؟ وهل هناك من بيئة تربويّة تتغيير فيها أخلاقنا وسلوكيّاتنا أكثر من هذا الشّهر المبارك؛ شهر الهدى والقرآن؟ إنّ علينا أن نعيش الهداية لنبصر طريقنا بوضوح، لنعرف أين نحن سائرون، فرمضان المبارك كان ولا يزال مدرسة الإسلام العليا في تربية النفس وتزكيتها، إن أحسنّا العمل والالتفات إلى رسالتها، لننتبه إلى أوضاعنا الفرديّة والجماعيّة، ونعمل على تصويبها ما أمكن، في زمنٍ كثرت فيه التحدّيات على كافّة الصّعد..
فالإنسان مهدّدٌ في وجوده الأخلاقيّ والرّوحيّ، وعليه أن يحافظ على توازنه في وجه تلك العواصف، وليس هناك أفضل من هذه الأوقات المباركة ليثبت قيمه الرّوحيّة والأخلاقيّة والإيمانيّة ويرسّخها كي لا يسقط...
فهلاّ توقّفنا ولو يسيراً مع أنفسنا، في عمليّة تأمّلٍ ومصارحة، لنرى هل إنّنا نؤدّي زكاة أنفسنا؟
فالعمل على تهذيب النَّفس وتزكيتها هو الدَّرس الأوَّل والأخير لمدرسة رمضان التّربويَّة، فإذا لم يكن الأمر كذلك، فنحن من الرّاسبين في امتحان هذا الشّهر، وبالتّالي نسقط في امتحان الحياة...

محمد رافع 52 18-09-2012 11:19 AM

العبادة تجلب للعبد الولاية :
ينبغي أن نعلم بأننا إذا أخلصنا العبادة لله سبحانه و تعالى نفوز بمحبته و نعيش في كنفه و حفظه و هذا ما جاء جليا في الحديث القدسي قال رب العزة : " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله الذي يمشي عليها و لئن سألني لأعطينه و لئن استعاذني لأعيذنه " البخاري و مسلم .
* أخي القاريء أعتذر إليك عن الإطالة في هذه الرسالة و لكني وددت أن أسطر لك هذه الأهداف الجوهرية المجملة لنعبد الله عز وجل و نحن على يقين بأننا سنجني أغلى الثمار من العبادة .
فالعبادة يا أخي تحمي العقيدة و تقوي الجانب الروحي في الإنسان و تجعله ثابتا في معارك الحياة و تنمي عنده شعور المراقبة لله و هي وسيلة شكر و اعتراف بعميم فضل الله تعالي .
*و العبادة تجعل المسلم شخصية إنسانية متكاملة متوازنة عندما تحقق فيه الكمال البشري فهي تطهره ذاته و تقوي روح الإرادة فيه و تجعله يشعر بالعزة و الاستعلاء و التميز فتحمي الفرد و المجتمع من القلق و الأمراض النفسية .
*و لي هنا سؤال : كيف يقلق من يكون دائم الصلة بالله و يلتجيء إليه و يستمد العون منه سبحانه و تعالى ؟
*و العبادة طريق إلى التحلي بالفضيلة و التخلي عن الرذيلة و طريق إلى إصلاح النفس و تزكيتها و ترسيخ مباديء الإسلام في حياة المسلم و تعمل على إيجاد مجتمع متحاب غير متباغض .
*و العبادة تعمل على صيانة قيم الحياة و المساواة و التعاون و التوحيد و تعمل على احترام النظام و احترام الوقت فالوقت هو الحياة .
كما أن للعبادات آثارا طيبة على جسم الإنسان و صحته ففي الغسل و الوضوء و الصوم و الركوع و السجود الشيء الكثير .
و لأهداف العبادة تفصيل لا أتطرق إليه .
*و أخشى عليك أخي القاريء من الملل و السأم فهذا قليل من كثير و أسأل الله أن أكون قد وفقت ، و أسأل الله أن نكون جميعا من الذين يعلمون فيتعلمون و يعملون فيخلصون فلقد ذم الله أقواما فقال في حقهم " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " الصف 2،3.
وقال في حق آخرين " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " البقرة44.
و الله تعالى من وراء القصد
الفقير إلي عفو ربه
عبد المجيد دومة


محمد رافع 52 18-09-2012 11:24 AM

اهداف العبادات في الاسلام
ايها الإحبة : يقول الله تعالى في القرآن الكريم { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
هذه العبادة لا يحتاج الله اليها ، فالله ليس بحاجة الى عبادتك ، ولكن عبادتك هي بمثابة دورة تدريبية لك حتى تكون رجل أو امرأة صالحا ، لتنظيم علاقتك بالأخرين ، بأخيك ، بجارك ، بوالدك ، بابنك ، بزوجك ، بزوجتك .
النبي صلى الله عليه وسلم يقول { بعت لأتمم مكارم الأخلاق } فالغاية من عباداتك والهدف منه أن تكون رجل صالحا ، صالحاً لنفسك ، صالحاً في معاملاتك وعلاقاتك مع الأخرين .
قصة الكوجر والشيخ معشوق هذه الكتب تقول كن رجل جيداً .
وهكذا هي العبادات كلها لكي تعلمك هذا الخلق الحسن ، لنأخذ مثالأً :
أنت رجل مسلم ؟ . نعم ، طيب لماذا تصلي ، الله فرضها علي ، طيب ما غاية الصلاة ، ما الذي فعله الصلاة في نفسك ، والله لا شيء ، يعني احنا بنصلي ساعات ، وساعات أخرى نبحث عن ملاذات انفسنا ، هنا خلل .
الله تعالى يقول في القرآن الكريم { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } [ العنكبوت: 45 ] ، معناها ، إذاً أنت مسلم بتصلي يجب أن يعلمك صلاتك كيف تكون رجلاً جيداً ، يجب أن تنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر والاعمال الخسيسة ، اذا لم تمنعك صلاتك عن الافعال الخسيسة ولم تحثك على الاعمال الفاضلة فاعلم ان صلاتك مردودة عليك ، بل إن صلاتك تدعوا عليك فتقول ضيعك الله كما ضيعتني .
نحن الآن في شهر فضيل ، شهر الصوم ، تصوم رمضان لما تصوم ، والله ما اعرف لما هذا الصوم نجوع ونعطش وما اعلم ما الفائدة منها اعرف انها ركن من اركان الاسلام فقط ولذلك اصوم لكن لا افهمها ، هذا خطأ ، نعم اصوم امتثالاً لأمر الله لكن للصوم هدف وغاية ، هي دورة تدريبية تؤهلك حتى تمتنع عن الحرام و كيف تمتنع عن الحرام ، كيف ، انت في رمضان تمتنع عن الاكل والشرب وال*** الحلال فيامن استطعت عن تمتنع عن الحلال ثلاثين يوم امسك عن الحرام .
إذا لم يمنعك صومك من ارتكاب الفحشاء ومن الخداع والكذب والحيل فصيامك مردود ، وهكذا كل العبادات لابد أن تفهمها وتتعرف على اهدافها وتتعلم منها كيف تكون رجلا صالحاً ، وحالما اصبحت عباداتك كاعمال روتينية تؤديها دون هدفه فاعلم انك متعب نفسك ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لامثال هؤلاء
{ رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، ورب قائم ليس له من قيامه الا السهر والتعب } .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه } رواه البخاري
إذا غاية العبادات وهدفها هو لتكون رجلا صالحا وينظم علاقتك مع الآخرين ، وإلا فليس الله بحاجة الى تدع طعامك وشرابك ولن تفيدك اعمالك ، اسمع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقول :
يقول : { في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بينما بغي من بغايا بني إسرائيل تمشي، فمرت على بئر ماء فشربت، وبينما هي كذلك مر بها كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فعادت إلى بئر الماء؛ فملأت موقها، -أي: خفها- ماءً، فسقت الكلب فغفر الله لها) كلب عطشان، وهي امرأة زانية، لكنها رحمته فغفر الله لها }
ويقول : { في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرة)، أي: في قطة. انظر! بغي تدخل الجنة في كلب، وامرأة تدخل النار في قطة، لماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: (حبستها -أي: حبست القطة- فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)، حبستها، فلم تقدم لها الطعام والشراب، ولم تطلقها لتأكل من رزق الله في أرض الله جل وعلا؛ فدخلت النار } .
ويقول : { عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ !إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ .
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ ) رواه أحمد
وروى مسلم من حديث أبى هريرة – رضى الله عنه- قالوا- المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال صلى الله عليه وسم : ولكن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج، ويأتى وقد شتم هذا وقذف هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عليه أخذ من سيئات من ظلمهم ثم طرحت عليه فطرح فى النار } .

محمد رافع 52 18-09-2012 11:30 AM

http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:A...dzEbDYuGV84ehL

التقوى غاية العبادة
إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لأجل عبادته، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56)، لذا أكد القرآن أن من أهم أهداف بعثة الأنبياء والمرسلين، الدعوة إلى عبادة الواحد الأحد، قال تعالى: لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (النحل:36)، وقال: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (مريم:36).
من الواضح أن هذه العبادات ليست هي إلا استكمال الإنسان بها، وإلا فإنه سبحانه لا نقص فيه ولا حاجة، حتى يستكمل بعبادة أحد وترتفع بها درجته. وببيان آخر: إن العبادة كمال للفعل الذي هو الإنسان، لا كمال للفاعل الذي هو الخالق سبحانه. قال تعالى: إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ(إبراهيم:8).
لكن من جهة أخرى نجد أن القرآن لا يجعل العبادة هي الغاية النهائية لخلق الإنسان، بل يجعلها غاية متوسطة، ويرتب عليها غايات أخرى، من قبيل ما ورد في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:21)، بحيث جعلت التقوى هي الغاية والهدف من العبادة التي خلق الإنسان لأجلها، وهذا معناه أن التقوى هي الكمال المطلوب للإنسان، والعبادة هي التي تهيئ الأرضية للوصول إلى هذا الكمال.
لكن مع هذا لا يمكن أن تكون التقوى هي الهدف النهائي والغاية القصوى من خلق الإنسان، لما تقدم بيانه بأن التقوى إنما هي زاد المسير إلى لقاء الله تعالى والقرب منه، ولا يمكن لما هو زاد السفر أن يكون هو الهدف. إن الهدف النهائي والغاية الأخيرة من العبادة والتقوى، هو الوصول إلى لقاء الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (الكهف:110)، لذا نجد القرآن الكريم يعبر عن أولئك الذين كفروا بلقاء ربهم أنهم الأخسرون أعمالا، قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا،الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (الكهف:103-105) ، فإذا استطاع الإنسان أن يصل إلى مقام لقاء الله تعالى، ولا يتحقق ذلك إلى من خلال العبادة والتقوى، فقد انتهى إلى الفلاح الحقيقي، حيث جعل الله تعالى الغاية من التقوى الوصول إلى الفلاح، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (الشمس:9).
من هنا نقف على السبب الحقيقي وراء جعل التقوى هي الملاك في الكرامة الحقيقية عند الله تعالى، لأن التقوى هي التي تؤدي بالإنسان إلى سعادته الحقيقية وحياته الطيبة الأبدية في جوار رب العزة: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ, فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ(القمر:54-55)، وهي الوسيلة الوحيدة إلى سعادة الدار الآخرة: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران:133)، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ، وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (المرسلات:41-44)


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:15 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.