![]() |
ليلة القدر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإن ليلةَ القدرِ ليلةٌ كثيرة ُالخيرِ، شريفةُ القدرِ، عميمةُ الفضلِ، متنوِّعةُ البركات. فمن بركاتها أنها أفضل من ألف شهر، قال الله عز وجل : { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3]. أي أفضل من ثلاث وثمانين سنة، وأربعة أشهر. ومن بركاتها أن القرآن العظيم أنزل فيها قال عز وجل: { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } [الدخان:3]. ومن بركاتها أن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. هذه بعضُ بركاتِ تلك الليلة، وهي غيض من فيض من البركات التي خصَّ الله بها هذه الأمة، فهي أمةٌ مباركةٌ، وكتابُها كتابٌ مباركٌ، ونبيها نبيٌّ مبارك. والبركات التي أفاضها الله على هذه الأمة ببركة نبيها لا تعد ولا تحصى. ومن ذلك أنه قد بورك لهذه الأمة في بكورها، وبورك لها في أعمالها، وعلومها؛ فهي خير الأمم، وأكرمها على الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحدَّ وأسدَّ عقلاً، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعافَ ما يناله غيرهم في قرون وأجيال". وقال في موضع آخر: "فهدى الله الناس ببركة نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من البيِّنات والهدى هدايةً جلَّت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته - المؤمنين عموماً، ولأهل العلم منهم خصوصاً - من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة ما لو جُمِعَتْ حكمةُ سائرِ الأمم علماً وعملاً، الخالصةُ من كلِّ شوبٍ إلى الحكمة التي بعث بها لتَفَاوَتا تَفَاوُتاً يمنع معرفةَ قَدْرِ النسبة بينهما؛ فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى، ودلائل هذا وشواهده ليس هذا موضعها" انتهى كلامه. والدرس المستفاد معاشر الصائمين من هذا المعنى أن نتعرَّض لتلك النفحات، وأن نلتمس تلك البركات، وذلك بالإيمان، والعمل الصالح، والإخلاص، واتباع السنَّة، واحتساب الأجر، والبعد عن المعاصي. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. |
منجم الكنوز الثمينة
د. علي بن عمر بادحدح الحمد لله ما تَرطَّبتْ الألسن بذكره، وما عَملَتْ الجوارح بشكره، وما خَفقَتْ القلوب بحبه، وما سجدت الجباه لعظمته، وما رُفعَتْ الأيدي لمسألته، وما سارت الأقدام لطاعته، والصلاة والسلام على معلم البشرية، ومنقذ الإنسانية، منار الهدى، وعلم التُّقى، النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن بهم اقتدى، وبعد : المنجم يرتبط في الأذهان باستخراج بعض خيرات الأرض وحصول النعمة والثراء، والغالب أن يكون المنجم مختصاً بنوع واحد من تلك الخيرات، فكيف إذا احتوى أكثر من نوع، وكلُّها غالية الثمن نفيسة القيمة عظيمة النفع؟! وكيف إذا كان استخراج تلك الكنوز سهلاً ميسوراً لكل أحدِ دون حاجة لتخصص دقيق، ولا جهد كبير !! لا شك أن الجميع سيكونون حريصين على أن يكون لهم النصيب الأعظم من كنوز المنجم الثمينة . المنجم أمام عينيك، وتحت قدميك، وبين يديك، وهو طوع أمرك، ورهن إشارتك، ألست تراه؟، ألا تبدو لك كنوزه المتنوعة؟، ألا تغريك ثروته الغالية؟، انتبه... ما لك؟! ألا تُبصر الجموع الغفيرة تُقبل عليه وتأخذ منه؟، ألم يتكرر هذا المشهد أمامك كثيراً؟!، إنه منجمُ...لا لن أسميه لك بل سأنتقل إلى عرض بعض كنوزه فذلك أولى وأجدى. كنز الفضائل والخصائص : * مغفرة : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) [ متفق عليه ] . * تكفير : ( فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدق ) [ متفق عليه ] . * وقاية : ( الصيام جنة وحصن حصين من النار ) [ رواه أحمد ] . * مثوبة : ( الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها ) [ رواه البخاري ] . * خصوصية : ( إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم ) [ متفق عليه ] . * شفاعة : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ) [ رواه أحمد ] . * فرحة : ( للصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه ) [ رواه مسلم ] . * تفرد : ( عليك بالصوم فإنه لا مثل له ) [ رواه النسائي ] . كنز القرآن والتلاوة : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [ البقرة:185] ،عن عبدالله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعا ) [ رواه أحمد ] . كنز الصلاة والقيام : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً } [ الإسراء:79 ]، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) [ متفق عليه ] . كنز الذكر والدعاء : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة:186] ، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم ) [ رواه الترمذي ] . كنز الجود والإنفاق : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة ) [ متفق عليه ] . كنز الإرادة والصبر : « من حكم الصيام وفوائده العظيمة تقوية الإرادة في النفوس تلك الركيزة العظيمة التي عمل رجال الاجتماع وأصحاب التنظيم العسكري على تقويتها في المجتمع هذا الزمان، وقد سبقهم الدين الإسلامي على ذلك منذ أربعة عشر قريناً تقريباً، وما أحوج المسلم إلى أن يكون قوي الإرادة صادق العزيمة » (1) « الصوم تقوية للإرادة، وتربية على الصبر، فالصائم يجوع وأمامه شهي الغذاء، ويعطش وبين يديه بارد الماء، ويعفُّ وبجانبه زوجته، لا رقيب عليه في ذلك إلا ربه، ولا سلطان إلا ضميره، ولا يسنده إلا إرادته القوية الواعية، يتكرر ذلك نحو خمس عشرة ساعة أو أكثر في كل يوم، وتسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين في كل عام، فأي مدرسة تقوم بتربية الإرادة الإنسانية وتعليم الصبر الجميل، كمدرسة الصيام التي يفتحها الإسلام إجبارياً للمسلمين في رمضان، وتطوعاً في غير رمضان ؟! » . (2) كنز القوة والحرية : « صوم رمضان من هذا الوجه إن هو إلا منهاج يتدرب به المرء على تحرير نفسه والانسحاب بها من أَسْر المادة وظلمة الشهوة، ليحيا ما شاء الله في ملكوت الحياة الحق ويكون له ما شاء الله من خصائص الخير والفضيلة، فالحرية الصحيحة لا يذوقها ولا يقدرها إلا من حيي هذه الحياة » (3) « فرض الله الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان غرائزه، وينطلق من سجن جسده، وتغلب على نزعات شهوته، ويتحكم في مظاهر حيوانيته، ويتشبه بالملائكة » (4) كنز الرحمة والمساواة : « رمضان الذي تتحقق فيه معاني الإنسانية، وتكون المساواة بين الناس، فلا يجوع واحد ويتخم الآخر، بل يشترك الناس كلهم في الجوع وفي الشبع، غنيهم وفقيرهم، فيحس الغني بألم الجوع ليذكره من بعد إذا جاءه من يقول له: أنا جوعان، ويعرف الفقير نعمة الله عليه، حين يعلم أن الغني يشتهي - على غناه - رغيفاً من الخبز أو كأساً من الماء » (5) « فقرٌ إجباريٌ يراد به إشعار الإنسانية بطريقة عملية واضحة كلَّ الوضوح، أن الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يختلفون، وحين يَتعاطَفُون بإحساس الألم الواحد، لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة » ، « ويجعل الناس فيه سواءً : ليس لجميعهم إلا شعور واحد وحس واحد وطبيعة واحدة ويُحكِم الأمر فيحول بين هذا البطن وبين المادة » (6) كنز الخلق والسلوك : « المقصود منه السمو بالنفس إلى المستوى الملائكي، وصون الحواس عن الشرور والآثام، فالكف عن الطعام والشراب ما هو إلا وسيلة إلى كف اللسان عن السب والشتم والصخب، وإلى كف اليد عن الأذى، وإلى كف البصر عن النظرة الخائنة، وإلى كف السمع عن الإصغاء للغيبة والنميمة والقول المنكر » (7) « فألزمه سبحانه الصوم حتى إذا جاع وظمئ ذلّت نفسه، وانصدع كبره وفخره، وأحس أنه - مهما أوتي - فهو مسكين تُقعده اللقمة إذا فُقدت، وتُضعفه جرعة الماء إذا مُنعت، هنالك يُطامن من غروره، ويعترف بفضل الله عليه حتى في كسرة الخبز ورشفة البحر، ومتى عرف الله خافه، ومتى خافه استقام على الطريقة، وسار على الجادة، وترك ما كان فيه من بغي واستطالة وعلو في الأرض بغير الحق، وآثر رضوان الله على ترضية نفسه وصار رسول رحمة وسلام لكل من حوله من أبناء الإنسانية » (8) وخذ أخيراً هذه الكلمات الجامعة: « للصوم فوائد: رفع الدرجات، وتكفير الخطيئات، وكسر الشهوات، وتكثير الصدقات، وتوفير الطاعات، وشكر عالم الخفيات، والانزجار عن خواطر المعاصي والمخالفات » (9) ثم ماذا أيها الأخ الحبيب ؟ دونك الكنوز تتلألأ، والثروة تتهيأ، فماذا أنت فاعل؟! إليك هذه الومضات : * أخلص نيتك، واستحضر عزيمتك، وزكِّ نفسك، وطهر قلبك، وأجج أشواقك، وأعلن أفراحك . * بادر بالتوبة، وأكثر من الاستغفار، وتحلَّ بالإنابة، واذرف دموع الندامة، واستعد لموسم النقاء بغسل الذنوب . * احرص في الصلوات على التبكير وإدراك التكبير، والمواظبة على الرواتب، والاستكثار من الرغائب . * خذ حظك من قيام الليل، ودعاء القنوت، وطول القيام والسجود، وارفع دعاء الأسحار، واملأ الثلث الأخير بالاستغفار . * أدمن التلاوة، ورطب لسانك بالقرآن، وانهل من مائدة الرحمن، ونوِّر الليالي بالتجويد، وعطَّر الأيام بالترتيل . * صل رحمك، وزر أقاربك، واعف عمن أخطأ، وتجاوز عمن هفا، واجمع أهل حي، وتقرب من جيرانك، وكرر اللقاء بإخوانك، وخص بمزيد من الود والحب والوصل أهلك وزوجك وأبناءك . * اجعل لنفسك مع أهل بيتك برنامجاً إيمانياً لاغتنام الكنوز الثمينة، فجلسة للتلاوة، ولقاء للتاريخ، ورحلة للعمرة، ووقت للقيام، وحلقة للذكر، وفرصة للدرس، ولا تنس أن في الوقت بركة . * احسب زكاتك، واجمع من زكاة أهلك وأقاربك، واستعن بإخوانك على وضعها في مصارفها، وتوصيلها لمستحقيها، واحرص على أن تُبادر وتُنافس في الإنفاق فهذا ميدان السباق . * تذكر إخوانك المسلمين المضطهدين والمشردين والمظلومين في العراق وفلسطين وغيرهما، لا تنسهم من دعواتك وزكواتك، وعرِّف بأحوالهم وبين مكر وجرم أعدائهم، واكشف زيف الدعاوى المتعلقة بقضاياهم . |
لأرباح والخسائر
د. علي بن عمر بادحدح جل ما في هذه المقالة خارج عن رمضان، وبعيد عن فريضة الصيام، لكثرة ما يكتب عن فضائل رمضان وحِكَم الصيام، ولأنني رأيت أن هذا التركيز على الموضوعات ذات الصلة بهذا الموسم كأنما تختزل الزمان فيه، وتحصر العمل والبذل والأجر والفضل فيه، فأردت أن أبتعد عن رمضان إلى المدى الأوسع من الزمان، وأن أنأى عن الحديث عن الصيام إلى الآفاق الأرحب في معاني العبادة الواسعة، وأحسب أنك - أيها القارئ - ستوافقني على هذه الفكرة التي أعرضها . نحن في رمضان نجتهد في الطاعات، ونحرص على اغتنام الأوقات، ونستحضر في أعمالنا ما ورد في شأنها من الأجور والحسنات، ومن ثم نشعر بأننا نجني الكثير من الأرباح، ونعظم رصيد الحسنات، فهناك أداء الفرائض من الصلوات، والسنن الرواتب من التطوعات، إضافة إلى قيام الليل وصلاة الوتر، فضلاً عن تلاوة القرآن والإكثار من الذكر، مع البذل والإنفاق، وحسن الصلة والارتفاق وغير ذلك من الأعمال، وذلك يشيع في نفوسنا فرحة غامرة وسعادة ظاهرة. إن السؤال المطروح هنا هو : هل هذه الأعمال وأجورها العظام مقصورة على رمضان ؟، وهل المسلم عموماً والدعاة والصالحون خصوصاً معنيون بتلك الأعمال في هذا الموسم فحسب ؟، ويدور في خاطري بقوة أين بقية العام؟، وأين أحد عشر شهراً من الزمان ؟ ومن هنا لفتت نظري واسترعت انتباهي وشغلت فكري كلمات ليحيى بن معاذ يقول فيها :" الدنيا حانوت المؤمنين، والليل والنهار رؤوس أموالهم، وصالح الأعمال بضائعهم، وجنة الخلد أرباحهم، ونار الأبد خسرانهم" (1) ، هذه الكلمات تلخص قصة الحياة كلها، وهي كلمات في غاية الوضوح والبساطة، رغم أن معانيها عميقة، ودلالاتها دقيقة، إنها كلمات تهزنا بقوة، وتوقظنا من الغفلة، لننظر إلى الآفاق الأوسع والأرحب، إلى الزمان كله لا شهر واحد منه، إلى الأعمال الصالحة كلها لا إلى الصوم وحده، حتى نعرف حقيقة الصفقة ورأس المال والبضاعة والأرباح والخسائر. والآن أنتقل بك - أيها القارئ - إلى غيض من فيض من نصوص الأعمال الصالحة التي ليس لها خصوصية في رمضان سوى فضيلة الزمان ومزيد من مضاعفة الأجر، وهي عند المؤمنين الصادقين من برنامج حياتهم اليومي الذي يتوافر فيه الحرص والجد والاستمرار كما هو الشأن في رمضان، وإليك هذه الأمثلة : - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (صلاة الرجل في جماعة تُضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحُط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه : اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ) متفق عليه، أليس هذا في سائر الأيام من العام ؟. - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم – وهو أعلم بهم – كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون ) متفق عليه، فهل هذه الشهادة مقتصرة على أيام وليالي رمضان ؟ فأين الجموع الغفيرة من شهود صلاة الفجر في سائر أيام العام ؟ . - عن أنس رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ) رواه الترمذي، فهل هذه الغنيمة العظيمة مقصورة على هذه الأيام الفاضلة ؟. ومثل ذلك يقال في ما وردت به النصوص من فضائل الذكر وتلاوة القرآن وإنفاق المال وصلة الرحم وإطعام الطعام وكل عمل من الأعمال التي نحرص عليها في رمضان، فبقدر ما نفكر في عظمة الأرباح في رمضان - وهو شهر من العام – بقدر ما يجب أن نفكر في فداحة الخسارة وضياع الغنائم التي نفرط فيها على مدى بقية أيام العام، وهنا يخطر ببالي أسئلة شديدة لإيقاظنا من الغفلة، هل هناك مدرسة أو جامعة تكتفي بالتعليم شهراً كل عام ؟ وهل هناك أسواق وشركات لا تعمل إلا شهراً في العام ؟ وهل هناك مستشفيات لا تستقبل المرضى إلا شهراً في العام ؟ وما هي حال أي مجتمع يمكن أن نتصور فيه مثل ذلك ؟ إن العمل مستمر لا ينقطع وهناك حدود دنيا أساسية لا تتوقف، والمواسم ليست – في الجملة - لاستحداث أعمال لا وجود لها، بل جلها زيادة ومضاعفة في الأعمال المعروفة ومزيد من اغتنام الأوقات للحصول على أرباح أكثر، وهنا حديثي عن الفرائض وعن أساسيات من التطوعات خاصة بالنسبة للدعاة، أين هي في غير رمضان ؟ وكم هو الخسران في تركها وهجرانها ؟ وهل خسائر أحد عشر شهراً يكفي دائماً أن تعوضها أرباح شهر واحد ؟ أليست المساجد تشكو – في غير رمضان – قلة المصلين ؟ أليست المصاحف تشكو قلة التالين ؟ أليست الأرحام تشكو قلة الواصلين ؟ أليس ذوو الحاجات يشكون قلة المنفقين ؟ كم هي الخسائر فادحة وعظيمة ؟ ألسنا نلحظ هذه الصورة تتكرر في كل الأعوام ؟ وتقع من جماهير غفيرة من أهل الإسلام ؟ وهنا يثور سؤال حزين يمكن التحفظ عليه وهو: ما فائدة رمضان وما جدواه إن لم يبق أثره ولم يدم نفعه، بل إن جاء بعده عكسه، وخلفه وراءه ما ينقضه ؟! . دعوني من حالنا المزرية هذه واسمحوا لي أن أنقلكم إلى أجواء كلمة يحيى بن معاذ، فهذا أبو محمد الجريري يقول: قصدت الجنيد فوجدته يصلي فأطال جداً فلما فرغ قلت : قد كبرت ووهن عظمك ورق جلدك وضعفت قوتك ولو اقتصرت على بعض صلاتك، فقال: اسكت ، طريق عرفنا به ربنا، لا ينبغي لنا أن نقتصر منه على بعضه، والنفس ما حملتها تتحمل، والصلاة صلة والسجود قربة ولهذا قال تعالى:}وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ{، ومن ترك طريق القرب يوشك أن يُسلَك به طريق البعد، ثم أنشد : صبرت عن اللذات حتى تولت *** وألزمت نفسي هجرها فاستمرتِ وكانت على الأيام نفسي عزيزة *** فلما رأت صبري على الذل ذلتِ وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ***فإن تُوِّقَتْ تاقت وإلا تسلتِ (1) فهل لكم – معاشر الدعاة – من هذا الموقف وتلك الكلمات من تذكرة لنعمر الحياة كلها بالطاعة ونغمرها بحسن الصلة بالله ؟. إن السر في تلك الصلة المستمرة هو حسن الفقه والفهم من جهة، ولذة الطاعة وحلاوتها من جهة أخرى، وإليك في كل جهة إيضاح : ففي الفهم نقف مع قوله تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }، حيث قال بعض المفسرين: الحياة الطيبة هو ما يفتح عليه من لذة العبادة وطيب المناجاة وبرد الرضا بقضاء الله... وهذا باب من فتح له فيه يجب عليه أن يلزمه وأن يتعلق بالأسباب المثبتة له ويستعين بالله عز وجل ويسأله التأييد فيه ، ويصبر ويصابر فعسى ولعل وما ذاك على الله بعزيز وإنه عليه ليسير (3). وفي اللذة إليك ما أجاب به (حممة العابد) عندما سأل ما أفضل عملك ؟ فقال:" ما أتتني صلاة قط إلا وأنا مستعد لها ومشتاق إليها، وما انصرفت من صلاة قط إلا كنت إذا انصرفت منها أشوق إليها مني حيث كنت فيها، ولولا أن الفرائض تقطع لأحببت أن أكون ليلي ونهاري قائماً راكعاً ساجداً " (4). فهل ندرك - بعد كل ما ذكرت – دلالة العبارة التي نكررها: أن رب رمضان هو رب سائر أيام العام، فهل تدركون أيها الدعاة بل أيها المسلمون كم هي الخسائر العظيمة على مدى هذه الأيام التي تنقطع فيها الأعمال؟ . وأخيراً هل ندرك أن دوام الأعمال وعظمة الأرباح مقرون بروح العبادة وخشوعها ولذتها وحلاوتها ؟، فمن لم يجد ذلك ويجتهد في تحصيله فإنه يفقد سبباً من أعظم أسباب الاستمرار والدوام، واستحضروا معي دائماً كلمة يحي بن معاذ . |
مرحباً رمضان د.علي بن عمر بادحدح غرة رمضان في يوم الأربعاء الأغر، وختامه جمعة غراء، وفيه خمس جُمع، نور على نور، والله يضاعف لمن يشاء، فالفرحة برمضان والفاتحة بالجمعة أزهى، والخاتمة بالجمعة أبهى. حق علينا لك يا رمضان، أن نرحب بك ضيفاً كريماً، وموسماً عظيماً، وخيرات تتوالى، وبركات تتعاظم، وحسنات تتضاعف، وسيئات تتناثر، وحري بنا أن نفرح بحلولك والقلوب فيك - بذكر الله - تطمئن، والنفوس تسعد وتأنس، والأرواح ترق وتسمو، والعزائم تقوى وتعلو، والأرحام تُوصل، والزكوات تُخرج، والآيات تُتلى، والعبرات تُسكب. نهارك - بالصوم والعبادة - سكينة وطمأنينة، وليلك - بالدعاء والقيام - ضياء وأنوار، من كل وجه وفي كل ناحية خير وعطايا تستحق الشكر والتعظيم، وتستوجب الترحيب والتكريم .. مرحباً بك رمضان مقرباً للجنان، ومباعداً من النيران ... مرحباً بك رمضان منقذاً من الغفلة والنسيان، وموجهاً للذكر والقرآن ... مرحباً بك رمضان صارفاً عن الشهوات، وسائقاً إلى الطاعات ... مرحباً بك رمضان معالجاً للشح والبخل، ومحفزاً للجود والكرم ... رمضان إن الأنفس الجرداء تز *** كو حين تُوفِي كالربيع وتورِقُ أهلاً بيومك صائمين عن الأطا *** يب راغبين إلى الرضا نتشوقُ أهلاً بليـلك قائـمين لـربنا *** وقلوبنا بالحب نشوى تخـفقُ حسب الموفق فرحتان أجلُّ من *** هذي الحياة وإن كساها رونقُ مرحباً ألف بل مرحباً مليون يا رمضان، مرحباً بك من كل ذرة في كياننا، ومن كل خلية في أبداننا، ومن كل خفقة من جناننا.. أقبل وأحي نفوسنا بهداية *** تُمسي لأدواء النفوس دواءَ آسي الخيار المصْطَفين فإنهم ***يَحيَون في أوطانهم غرباءَ قطعوا إلى الله السبيل لعلهم *** يَرِدون في رضوانه النعماءَ أقبلت بالنور السماوي الذي *** بهر الوجود وعطّر الأجواءَ أسهرت ليل الصائمين تعبداً *** وتهجداً وتلاوة ودعاءَ فهجرتُ نومي في هواك توسلاً *** لله كي أزداد فيك صفاءَ مرحباً بترك الطعام والشراب، مرحباً بسهر الليل في القيام، مرحباً بإتلاف المال بالإنفاق في سبيل الله، مرحباً بك يا رمضان بكل ما فيك من مشقة مرغوبة، وتعب لذيذ، وجهد مريح، نعم فنحن المؤمنون الصائمون لا نرى فيك ثقلاً ولا في صومك عبئاً، بل العكس هو الصحيح ... يا أيها الشهر الذي يُلقى به ***عن كاهل الأرواح نيرٌ مرهقُ لمرارة الحرمان فيك حلاوة *** ولـزهمة الأفواه عطرٌ يـعبقُ قد ذاقها مستروحاً نفحاتها *** من أدركوا حكم الشريعة واتقوا ليت الذين استثقلوك فأعرضوا *** وَرَدوا ينابـيع الـتقى وتذوقوا ما سَرَّهم إذ ذاك أن ممالك الدنـ *** يا لـهم من دون ذلك مِرْفقُ وصايا البدايات : وبعد الترحيب ونحن في يوم الجمعة الأغر، غرة هذا الشهر،لابد من الحديث عن البداية، والسؤال الوارد هو : كيف نبدأ ؟ 1- البدء بقوة : إن طبيعة البدايات القوة والعزيمة، والتهيؤ والاستعداد، فكل أمر في أوله وبدايته يكون أكثر قوة، وأحسن انتظاماً، فبدء العام الدراسي ينتظم الطلاب ولا يغيبون، وكل منهم يعزم على الجد ويبدأ به، والموظف الجديد عندما يبدأ يباشر عمله يكون منضبطاً نشطاً ومؤدياً للواجب وحريصاً على عدم التفريط، وفي البداية تكون الهمة عظيمة، والعزيمة كبيرة، ثم مع مرور الأيام وتتابع الأعمال يتسلل الضعف ويحصل النقص، ولذا فلابد من الحرص على قوة البداية إلى منتهى الغاية، لتكون الانطلاقة القوية موصلة إلى أبعد مدى، حتى إذا عرض بعض الفتور أو التقصير فإن تأثيره يكون قليلاً، وأما إن كانت البداية ضعيفة ؛فإن أي نقص يطرأ عليها يعيدها إلى نقطة الصفر أو قريباً منها . 2- الاستعداد للعوارض : إن كل بداية لابد أن تكون مصحوبة بتوقع العقبات ومعرفة الصعوبات حتى تكون بداية صحيحة لا تفاجؤها ظروف غير متوقعة تحول دون استمرارها، ونحن في رمضان نعرف مسبقاً كثيراً من العوارض التي تنقض البدايات أو تضعفها، فهناك في المجتمع السهر العابث، والنوم المفرط، والطعام الكثير، والإعلام الهابط، والتسوق الشره وغير ذلك مما لا تبقى معه قوة الهمة في الطاعات، فيقل ورد التلاوة، ويضعف الحرص على إتمام التراويح، ويغيب الجد في الاستثمار الوقت، ولذا نرى الناس يعزمون على أمور من أول الشهر ثم لا يلبثون أن يخفقوا في تحقيقها ويلتمسون لأنفسهم أعذاراً واهية من تلك العوارض . 3- معركة العادات : كثير من الناس أسرى عاداتهم ومألوفاتهم، وغالباً ما يضعفون عن تغيير القبيح منها تحت الاستسلام لسلطان العادة، ومع بداية كل رمضان يعقد كثيرون العزم على التغيير لكن كثيراً منهم يخفقون في النجاح ويهزمون في معركة العادات، ولعل من أبرز الأمثلة في ذلك حال المدخنين، كما أن هناك من يحتاج ويتمنى أن يكتسب عادات حميدة في الطاعات والعبادات ويبدأ ثم يضعف، ومن الأمثلة الجلية في ذلك الرغبة في الانشغال بالذكر والتلاوة إلى الإشراق وترك النوم في هذا الوقت الثمين، ومن هنا يحسن أن تكون البداية مشتملة على عزم أكيد وحزم فريد يوفر أعظم الأسباب للانتصار بدلاً من الهزائم المتتابعة في كل رمضان. وخلاصة ذلك يتركز من تلك الجوانب السالفة الذكر، ونخرج منها بالتوجيهات العملية التالية : 1- ضع الأعلى من البرامج واجعله البداية حتى إذا وقع النقص كان محدود التأثير، فإن أردت ختم القرآن فلا تقرر جزءاً لكل يوم، لأنك إن قصرت - والتقصير حاصل ولابد - فستنخرم الختمة، ولكن قرر جزأين في كل يوم، وحينئذ ستختم مرتين، ولو قصرت وضعفت فإنك ستضمن الختمة بإذن الله . 2- قاطع بحزم عوارض الطاعات، فلا مشاهدة للقنوات، ولا قبول لكثرة الطعام والوجبات، ولا تساهل مطلقاً لكثرة النوم، ولا استسلام لطبيعة العادات، وليكن ذلك بلا هوادة ولا تنازل . 3- استعن بالله وأكثر من الدعاء، وتعاون مع إخوانك في التزام بعض البرامج والتعاهد عليها والتذكير بها والمراجعة لها، ليكون ذلك جبراً لأي نقص وتداركاً لأي ضعف، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه . عسى الله أن يقوي في الطاعات عزائمنا، ويعيننا في هذا الشهر على الاستزادة من الخير، والبراءة من النقص والضعف. |
رمضان والتوحيد
التوحيد هو أساس هذا الدين ، وركنه الركين وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله هي جوهر الإسلام، وهي خلاصة إخلاص العبودية لله رب العالمين، وثمرة صدق الاتباع لخاتم الأنبياء والمرسلين . ومن المعلوم أن أخفي أنواع الشرك هو الرياء الذي وصف النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - خفاؤه فقال : ( إنه أخفى من دبيب النمل )، وخاف - عليه الصلاة والسلام - على أمته منه فقال:( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : ومالشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : الرياء ) . ونحن نعلم أن أخص خصائص الصوم التدريب على الإخلاص والتعويد على المراقبة ، وأنه يبعد العبد عن الرياء ، ويجنّبه عدم الحياء ، ففريضة الصيام من أعظم العبادات التي يتحقق فيها العبد بخلوص التوحيد بالإخلاص ، وحياة التوحيد بالمراقبة ، فهو في صيامه لا يبتغي إلا وجه الله ، وخير دليل على ذلك الحديث القدسي المشهور الذي يرويه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة والجلال أنه قال: ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) . فالصوم"ينمي في نفوس رعاية الأمانة والإخلاص في العمل،وأن لا يراعي فيه غير وجه الله،وهذه فضيلة عظمى تقضي على رذائل المداهنة والرياء والنفاق ". وتعليل اختصاص الصوم وجزائه بما ذكر في الحديث القدسي فيه كلام نفيس للعلماء، ومن ذلك : 1-أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره . 2-أن الصوم لا يظهر من ابن آدم بفعله إنما هو شئ في القلب، وذلك أن الأعمال لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم ؛ فإنه بالنية التي تخفى عن الناس . 3-جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شائبة بخلاف الصوم . 4-أعمال بني آدم لما كان يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم، بخلاف الصوم فإن الممسك شبعاً مثل حال الممسك تقرباً أي في الصورة الظاهرة لذا أضافه الله إليه . 5-دخول الرياء في الصوم لا من جهة الإخبار بأن يقول للناس: إني صائم، بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها . 6- لأن الصوم لا يدخله الرياء لخفائه ولأن الجوع والعطش لا يتقرب بهما إلى أحد من ملوك الأرض ولا يتقرب بهما إلى الأصنام . فالصوم "سر بين العبد والله تعالى يفعله خالصاً ويعامله به طالباً لرضاه " ، فهو " لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئاً وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته " . فهذا الصوم الذي تتحقق فيه – أخي المسلم – بالإخلاص لله بعيداً عن الرياء ، فيتعمق في قلبك اليقين ويزيد رصيدك من الإيمان ، وتتجلى في نفسك معاني التوحيد ، فإذا أضيفت إلى ذلك ما يثمره الصوم من استشعار مراقبة الله، واستحضار عظمته تبين لك كم هي عظيمة آثار الصوم في مجال التوحيد، وما أعظم الإشارة القرآنية البليغة التي أوجز فيها المولى سبحانه وتعالى خلاصة آثار الصوم ومنتهى غايته وحكمته في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }، وأجلُّ معاني التقوى مراقبة الله التي تملأ النفس والقلب، وتنتصب شاهداً على عظمة الإيمان وصدق التوحيد . والصوم "يعد نفس الصائم لتقوى الله بترك شهواته الطبيعية الميسورة التناول عليه والعزيزة إليه بحيث لو لا تقوى الله وحسن مراقبته لما تركها، ولو كان تركها بأنفس الأثمان ولكن تقوى الله جعلته يعي أمانة الله في حال خفائه عن الناس واختلائه بنفسه " ، فما أجلّها من فائدة في تحقيق جوهر الإيمان، وحصول حقيقة التوحيد ! وما أكبر الأثر المترتب على ذلك من الخوف والرجاء إذ أن الصائم يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلوته ، وقد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة، فأطاع ربه، وامتثل أمره، واجتنب نهيه، خوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه . وإن "من علامات الإيمان أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكرهه فتصير لذاته فيما يرضي مولاه وإن كان موافقاً لهواه "، وهذا من شأنه " أن يورث خشية الله، وينمي ملكة المراقبة، ويوقظ الضمير " ، وقد جعل الله لهذه المحامد وتلك المآثر التي يتحقق بها الصائمون في معاني تجريد الإخلاص وتعميق المراقبة جهل لها ثواباً متميزاً إذ جعل للصائمين باباً خاصاً من أبواب الجنة يدخلون منه لا يشاركهم فيه سواهم ، كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ) ، فتأمل هذه الخصوصية وهذا الإعلان الذي يظهر فبه الصائمون ويُعرفون على رؤوس الأشهاد، إنه جزاء من جنس العمل، ألم يكن خالصاً لله ؛ فإن "الصيام لما كان سراً بين العبد وربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة علانية للخلق ليشتهر بذلك أهل الصيام ويُعرفوا بصيامهم بين الناس جزاءً لإخفائهم الصيام في الدنيا . والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين د. علي بن عمر بادحدح |
الطريق إلى الفتح عندما يذكر الفتح تتبادر إلى الذهن أجواء المعارك بما فيها من قصف عنيف، وقتال شديد، وتبدو في المخيلة صورة جيش منتصر ، و آخر مندحر، وأسرى أذلاء ، وفاتحون أشداء ، والكل يرى شلالات الدماء ، ومنظر الجثث والأشلاء ، ويقال حينئذ : تحقق النصر وتمّ الفتح .. وكثير من الناس لا يعرفون من الفتح إلا هذا المعنى ، مع أنه لا يعدو أن يكون إحدى صور الفتح ، وتبقى هناك صور للفتح أعمق تأثيراً ، فهناك فتح القلوب بالترغيب والاستمالة، وهناك فتح العقول بالحجة والبرهان ، وهناك فتح في مجال المبادئ والأفكار، وآخر في مجال السلوك والأخلاق ، ولقد أثبت التاريخ أن الفتح العسكري وحده لا يحقق تحولاً عقائدياً ، ولا تغيراً سلوكياً، ولا تفوقاً حضارياً ، وفي ضوء هذه الحقيقة ندرك طبيعة المعركة بين الإسلام وأعدائه، كما ندرك المفهوم الشامل للجهاد بمعناه الواسع الذي يعبر عن الصراع العقائدي ، و المواجهة الحضارية، والذي يستلزم أن يكون لجهاد الدعوة وجهاد التربية دوره المعروف ، وأهميته المطلوبة ، والزمن اللازم لتحقيقه. وعندما نتأمل في سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ندرك تماماً أن الصحابة الذين انتصروا في ساحات المعارك وتفوقوا في ميادين القتال، كانوا قبل ذلك قد خاضوا معارك كثيرة وانتصروا فيها ، وربما كانت تكاليف وجهود تلك الانتصارات أكبر، فجيل الصحابة الذي تخرّج من مدرسة النبوة ، على منهج الإسلام انتصر في معركة الإيمان ، فأخلص التوحيد ، ووطد اليقين ، وجعل العقيدة تهيمن على كل شئ في حياة الفرد والأمة ، ثم انتصر على النعرات الجاهلية ، والنزاعات النفسية ، والنظرة الأنانية ، فانصهر الجميع في بوتقة واحدة ، ووحدة جامعة تستعصي على معاول الفرقة ، وتسد أبواب الفتنة ، وانتصروا كذلك على النفس وأهوائها ، والدنيا وملذاتها ، فكان الانتصار العسكري بعد ذلك متوقعاً ، بل بدهياً بعد ما سبقه من الانتصارات التي استغرقت زمناً طويلاً ، وتربية متأنية ، وصياغة جديدة جذرية لمجتمع كامل . ونحن في أفياء ذكرى فتح مكة أودّ أن أشير إلى الحقائق السابقة من خلال الوقائع الناطقة، وأول ما يلفت النظر أن قريشاً بسمعتها العظيمة ، وقوتها الضاربة ، لم تبدِ مقاومة تذكر في فتح مكة، مع أننا نعلم حميتها واستعلاءها في بدر، ونرى فورتها ونقمتها في عودها للقتال في أحد، ونعرف حلفها وتحزبها يوم الخندق ، فما بالها وهي تُغزى في عقر دارها من أعظم أعدائها لا تبدي مقاومة تذكر؟ إنها بكل وضوح قد هزمت قبل المعركة ، واندحرت قبل المواجهة ، وفتحت قبل الفتح ، ولذا كان لابد لنا أن ننظر إلى الطريق إلى هذا الفتح ، ذلك الطريق الذي امتد ثمانية عشر عاماً كانت خلالها الدعوة والتربية ، ثم التميز والمفاصلة ثم الهجرة والتجمع ، ثم الدولة والمجتمع ، ثم المواجهة والجهاد، وكل ذلك كان له دوره في فتح مكة ، ولكنني سأشير إلى بعض ملامح الطريق من خلال صلح الحديبية الذي نرى فيه ما يأتي: 1-فتح وتأمين طريق الدعوة وذلك من خلال الهدنة المؤقتة " فإن الناس أمن بعضهم بعضاً واختلط المسلمون بالكفار وبادؤهم بالدعوة وأسمعوهم وناظروهم على الإسلام " [زاد المعاد لابن القيم ] وبهذا تكسرت الحواجز النفسية الناشئة من العداء والمواجهة، ففكرت العقول بتدبر، وأقبلت النفوس برغبة ودخل الناس في الإسلام بقناعة، وكان العدد في الحديبية ( 1400) وصار في الفتح(10.000). 2-تقديم نموذج باهر للمجتمع المسلم رآها المفاوضون الذين ترددوا على الرسول حتى قال عروة بن مسعود: " لقد رأيت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه ، والنجاشي في ملكه ، وإني والله ما رأيت ملكاً في قومه قط مثل محمد في أصحابه ، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً ". وهكذا نظرت قريش إلى المسلمين بإعجاب وانبهار وتعظيم وتقدير ، ودفعهم ذلك للمقارنة بمجتمعهم الذي صاروا يزهدون فيه ويحتقرون مبادئه وقيمه . 3-قوة التربية المنهجية وظهر ذلك في موافقة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأن يردّ من جاءه من قريش مسلماً ، وألا تردّ قريش من جاءها مسلماً ، وذلك لقناعة المصطفى بصدق المنهج ، ووضوح الرؤية ، وعمق اليقين في صفوف المسلمين ، فلم يكن يخشى على أصحابه أن يتأثروا فيرتدوا ، وكان يدرك أن من أسلم من قريش سيثبت وإن اضطهد وعذب،وهذا إعلان لقوة المنهج وقوة الأفراد. 4-الالتزام الأخلاقي العملي حتى مع العدو فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ردّ من جاءه من المسلمين إلى قريش ولم يجف مداد العهد بعد ، فظهرت صورة مشرفة لتعامل الدولة المسلمة { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا } . 5-خصائص المجتمع المسلم الذي كان فيه الشورى والحوار واختلاف وجهات النظر الذي لا يفسد للودّ قضية ، ولا يغيّر القلوب ، ولا يفرّق الصفوف ، كما أن فيه انضباط الفرد بالجماعة وموقفها ، كما ظهر ذلك من مراجعة عمر - رضي الله عنه – للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت هناك أيضاً القوة والحمية في حماية الدين ونصرته عندما بايع المسلمون بيعة الرضوان ، وكانوا على قلب رجل واحد حتى الموت . نعم تلك خطوات على طريق الفتح الذي تمّ بلا مواجهة ، فقريش فيما بين الحديبية والفتح هزمت عقائدياً وفكرياً وسلوكياً ، قبل أن تنهزم عسكرياً ، فهل يعي المسلمون وخاصة المتحمسون أن للنصر متطلبات وأن للفتح خطوات ، وأن هناك حاجة للزمن ، وافتقاراً للحكمة، وضرورة للتربية والدعوة ؟. د.علي بن عمر بادحدح |
لفحة رمضانية إن الفرائض الإسلامية كلها عظيمة النفع، جليلة الأثر، تعود بالفوائد على الفرد تطهيراً لقلبه، وتهذيباً لنفسه من جهة ، وتقويماً لسلوكه، وتحسيناً لأخلاقه من جهة أخرى، فهي إصلاح للفرد باطناً وظاهراً كما أنها تنعكس على المجتمع تقوية للروابط، وزيادة للتآلف ، وبعثاً على التراحم ، وحثاً على التعاون ،ومن ثم فهي تحقق المصالح للأفراد والمجتمعات، إضافة إلى كونها تحقق الهدف الأعظم وهو عبودية الله، ودوام وحسن صلة العبد بمولاه. وعندما يؤدي المسلمون الفرائض كاملة كما أمرهم الله، وكما علمهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فإنهم يجنون ثمارها ومنافعها كما كان أسلافنا عليهم رحمة الله، وعندما يتركونها أو يؤدونها أداءً قاصراً لا تستكمل فيه الشروط والأركان، ولا تستحضر فيه القلوب والذهان ؛ فإن كثيراً من الخير يفوتهم، وتضيع عليهم تلك المنافع العظيمة بقدر ما يفرطون . وأما المسلمون اليوم فإن بعضهم غيروا فغيّر الله عليهم وفق سنته الجارية:{إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} . فأنت ترى – وللأسف – قلوباً عن الحق لاهية، وأسنة الباطل لاغية، وآذاناً للمحرمات مصغية، وأعيناً للعورات ناظرة، وصوراً من الشحناء ظاهرة، ولك أن تسأل أين أثر الصوم ؟ وأين ثمار رمضان ؟ وأقول لك : إن الصوم إذا " لم يؤت ثمرته النافعة فليس النقص منه، إنما النقص من سوء تصرف الصائم وعدم صحة قلبه، وطهارة ضميره، وعدم حسن تفكيره". ولك أن تسأل عن سر إعراض البعض عن الطاعات، وتلبسهم بالمنكرات ومقارفتهم للمحرمات رغم اختصاص رمضان بتصفيد الشياطين، ولعلك تقول :" كيف نرى الشرور والمعاصي في رمضان واقعة في رمضان كثيراً فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك ؟ والجواب :أنها إنما تقل عن الصائمين الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، والمصفد بعض الشياطين لا كلهم، أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس ؛ فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره،إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية" . ولا تنس أن بعض الناس جعلوا العبادات عادات، ومن كان هذا حاله كان" صيامه كتقليد موروث لا ينتفع به ولا يتأثر في أي ناحية من نواحي سلوكه، فيكون قد خرق الحكمة الناشئة من الصوم الصحيح ". وقد أحدث بعض الناس من محدثات ومخالفات، وما تعارفوا عليها من رسوم وعادات تُضعف الصوم وتقلل فائدته ،وتهب على نفحاته الندية بلفحات تبددها، فينقلب الأمر رأساً على عقب ، وهذا الأمر- وللأسف - واقع من عدد غير قليل من الناس يخبرك حالهم أنهم لم ينتفعوا برمضان، ولم يستفيدوا بما فيه من صيام ولا قيام، جعل الله الصوم للقلب والروح وجعلوه للبطن والمعدة،وجعله الله للحلم والصبر، فجعلوه للغضب والطيش، جعله الله للسكينة والوقار، فجعلوه شهر السباب والشجار، جعله الله ليغيروا فيه من صفات أنفسهم، فما غيروا إلا مواعيد أكلهم، جعله الله تهذيباً للغني الطاعم ومواساة للبائس المحروم،فجعلوه عرضاً لفنون الأطعمة والأشربة، تزداد فيه تخمة الغني قدر ما تزداد فيه حسرة الفقير . اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا ،واجعلنا في كل الأزمان لك عابدين ،وفي كل الأحوال بك موصولين، وفي كل مكان عليك متوكلين ، والحمد لله رب العالمين . د. علي بن عمر بادحدح |
رمضان ودقة الاستجابة
دعا الله عباده المؤمنين إلى الطاعة الدائمة والاستجابة الفورية فقال جل وعلا : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } والمطلوب من المسلم المبادرة إلى الخيرات والمسارعة لأداء الواجبات تحققاً بقوله تعالى : { فاستبقوا الخيرات } ، كما أنه مطالب بالبعد عن المحرمات ومجانبة المنكرات ولابد أن يتطابق سلوكه العملي في الحياة اليومية مع القرآن الكريم كما وصفت عائشةرضي الله عنها خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه " كان خلقه القرآن " . وهكذا ينبغي أن يكون المسلم وقافاً عند حدود الله مستجيباً لأمر الله {وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا } ، ولكن في هذا العصر أصيب كثير من المسلمين بضعف الاستجابة وعدم المبادرة للطاعة . ويأتي رمضان فتهب نفحات الطاعة وترفع أعلام الاستجابة ؛ لأن لرمضان مزية واختصاصاً ويتجسد ذلك في : 1- ترك المباح الصائم يترك الطعام والشراب والمعاشرة الزوجية وهذه تربية في ترك المباح وينتج عنها المزيد من الطاعة والاستجابة في ترك المحرم والمكروه . 2- الحرص على صحة الصوم فأكثر الناس نجد عنده حرصاً شديداً ، ومراعاة دقيقاً لأوقات الإمساك والإفطار كل ذلك يأتي بالأمر على وجهه ، ويؤدي العبادة بكمالها ، ومن ثم يكتسب الدقة في الاستجابة ، والحساسية المرهفة فيما يتعلق بأوامر الله ، فلا تساهل ولا ترخص ولا غفلة ولا تفريط . 3- الحذر من المخالفة تشاهد كثرة أسئلة الصائمين عن أمور يخشون أن تكون مما يجرح الصيام ، هذه الأسئلة إن دل على شيء فإنما يدل على الشفافية المرهفة " على أن هذه العبادات أوامر ونواه أمر بها الإله الذي له أن يأمر بما شاء وينهى عما شاء ، ولا يسأل عما يفعل " . ونحن ندرك أن المخالفة في الأمر اليسير لا تختلف عن المخالفة في الأمر الكبير من حيث حصول التجاوز لأمر الله ، وعدم الاستجابة لما أمر به أو نهى عنه . 4- ضعف نوازع الشر " الإنسان إذا جاع بطنه اندفع جوع كثير من حواسه فإذا شبع جاع عينه ولسانه ويده وفرجه فكان تشبيع النفس تجويعاً لهذه المذكورات ، وفي تجويع النفس تشبيعها فكان هذا التجويع أولى " . تسكن النفس ويصفو القلب وتتحقق أهلية الاستجابة ، وكما أن الصيام " يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر سورة الشهوة والغضب ". " وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ، ويسكن كل عضو منها ، وكل قوة عن جماحه ، وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين، وجنة المتحاربين ، ورياضة الأبرار المقربين " . ومن خصائص رمضان " تصفيد الشياطين " ومعناه " أن الشياطين لا يخلصون من افتنان المسلمين مثل ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي قمع الشهوات " . وبالتالي يقل إغوائهم فيصيرون كالمصفدين ". وأهم من ذلك " صوم القلوب ، وتطهيرها عن كل مالا يناسب الإيمان ، ويلائم الإخلاص " ، فهذه العوامل كلها تجعل صوم رمضان دورة تدريبية على امتثال الأوامر واجتناب النواهي وشدة الحرص على القيام بالواجبات والاستكثار من الطاعات وشدة الحذر من الوقوع في المنكرات والاقتراب من المحرمات . د. علي بن عمر بادحدح |
تأملات رمضانية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد: فهذه تأملات إيمانية ، وخواطر تربوية ، وأحوال اجتماعية ، تتعلق بشهر رمضان المبارك وفريضة الصوم العظيمة :{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } . وهو نفحة من الزمان طويلة المدى لاستمرارها شهراً كاملاً ، وما عداه من الأزمان الفاضلة إما مفرد كيوم عرفة ، أو لا يتجاوز عشرة أيام كعشر ذي الحجة. وفي شهر رمضان نفحات عظيمة وأعطيات جزيلة يحسن بالمسلم أن يتعرض لها وينتفع بها ، وقد أخرج ابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعاً : ( اطلبوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ، ويأمن روعاتكم ). وفي رواية الطبراني من حديث محمد ابن سلمة مرفوعاً : ( إن لله في أيام الدهر نفحات فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى أبداً ). ومن ثم ؛ فإن المسلم تقوى في نفسه البواعث لاغتنام الأجر واقتناص الخير ، ما يوضح لنا ما يكون عليه غالب المسلمين من استجابة وإنابة وإقبال على الطاعة ، وحرص على أداء الصلوات في الجماعة ونحو ذلك ، مع ما يحرصون عليه من ترك المكروهات ، واجتناب المحرمات ، والترفع عن التفاهات " والسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه من تلك نفحات ". إن الله - جل وعلا - شرع الصوم " إيقاظاً للروح ، وتصحيحاً للجسد ، وتقوية للإرادة ، وتربية لمشاعر الرحمة ، وتدريباً على كمال التسليم لله رب العالمين ". ولقد ساق الله في رمضان خيراً كثيراً فهو للمسلمين " ربيع القلوب ، ونعيم الأنفس ، وصيام الجوارح عن الأذى وفطام المشاعر عن الهوى ، بعد أحد عشر شهراً قضوها في صراع المادة ، وجهاد في العيش تكدر فيها القلب وتبلد الحس ، وتلوث الضمير ، فيجلوا صدورهم بالذكر ، ويطهر نفوسهم بالعبادة ، ويزود قلوبهم من مذخور الخير ما يقويها على احتمال الفتن والمحن في دنيا الآمال والآلام بقية العام كله ". وبعض الناس يخبرك حالهم أنهم لم ينتفعوا برمضان ، ولم يستفيدوا بما فيه من صيام ولا قيام " جعله لله للقلب والروح فجعلوه للبطن والمعدة ، جعله الله للحلم والصبر ، فجعلوه للغضب والطيش ، جعله الله للسكينة والوقار ، وجعلوه شهر السباب والشجار ، جعله الله ليغيروا فيه صفات أنفسهم ، فما غيروا إلا مواعيد أكلهم ، جعله الله تهذيباً للغني الطاعم ومواساة للبائس المحروم ، فجعلوه عرضاً لفنون الأطعمة والأشربة ، تزداد فيه تخمة الغني قدر ما تزداد فيه حسرة الفقير ". ولعلنا في هذه التأملات نوجه الخيرات ونحث على اغتنامها ، ونكشف الأخطاء ونحذر من ارتكابها. د. علي بن عمر بادحدح |
رمضان والتغيير عدد غير قليل من الناس مقيدون بسلاسل المعصية ، وكثيرون – أيضاً – أسرى لعادات سيئة يعلمون ضررها ويدركون خطرها ولكنهم يظلون في أسْرِها وقد استولت عليهم العوائد ، وأحاطت بهم العوائق ، ووهت عزائمهم ، وضعفت إرادتهم لأنه كما هو معلوم أن " للعادات سلطاناً على النفوس ، وهيمنة على القلوب ، وهي تتركز في الإنسان فتصبح كأنها طبيعة من طبائعه ، لا يستطيع التخلص منها ولا يقدر على مفارقتها " وصدق الرصافي حين قال : إن العوائد كالأغلال تجمعنا **** على قلوب لنا منهن أشتات مقيدين بها نمشي على حذر **** من العيون فنأتي بالمداجـاة والتخلص من العادات السيئة أساسه قوة الإرادة و"شهر رمضان مدرسة تربية رحمانية يتدرب بها السلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء "، " والصوم هو مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة، ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد، كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، واحتمال ضغطها وثقلها، إيثاراً لما عند الله من الرضى والمتاع ". فالصوم إذن فرصة ذهبية للتخلص من العادات الرديئة وإليك إيضاح العوامل التي تعين على ذلك : 1- قوة الإرادة والعزيمة كما أسلفت لك، "وبقدر ما تقوى الإرادة يضعف سلطان العادة " . 2- طول مدة التغيير فالصائم يلزم بحكم الشرع وبحرصه على الطاعة بترك عوائده وذلك لمدة ثلاثين يوماً، وهي مدة كافية، إذا صدقت نية التغيير. 3-شمول نواحي التغيير فإن الصائم يغير في رمضان مواعيد نومه واستيقاظه وأوقات طعامه وشرابه، وطرائق شغل أوقاته، وترتيب أولوياته واهتماماته، بل حتى مشاعره وانفعالاته وبالتالي فإن القدرة على التغيير تكون أكبر وأقوى. 4- عموم أفراد التغيير إن الصوم في شهر رمضان يوجد نمطاً تغييراً عاماً يشمل جميع أفراد المجتمع المسلم، فكل مسلم ينطبع بهذا التغيير الباطني والظاهري، وهذا عامل من أعظم العوامل المساعدة على التغيير، فالذي يعزم على التغيير لا يكون وحده، بل يجد التغيير في كل الناس من حوله. وإذا لم تنجح في التغيير مع وجود الجم الغفير، والزمن الطويل أظنك لن تقدر على التغيير، بل أظنك لا تريد التغيير، وإذا لم تغير قبائح العوائد في رمضان فأنت من المحرومين، ومن ضمن الذين خالفوا حكمة رب العالمين، لأنه جعل الصوم للعباد " ليغيروا فيه من صفات أنفسهم فما غيروا إلا مواعيد أكلهم" ، فلا ترض أن تكون من هؤلاء، وكن من العقلاء الأتقياء الذين يدورون مع مراد الله، ويحققون مقاصد شرع الله، إذ "المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات" واعلم بأن " الوصول إلى المطلوب موقوف على هجر العوائد وقطع العلائق".والعادات عبودية: والحر من خرق العادات منتهجاً**** نهج الصواب ولو ضد الجماعات د. علي بن عمر بادحدح |
رمضان والروحانية الحمد لله وكفى والصلاة على عباده الذين اصطفى وعلى من سار على طريقهم واقتفى ، وبعد: لا شك أنك تشعر بفرق ظاهر بين أدائك للعبادات والطاعات في رمضان وأدائك لها في غير رمضان ، إنك تتساءل عن سر خشوعك في الصلاة، وعن تأثر مشاعرك بالتلاوة ، وعن دموع عينك عند التضرع والدعاء وعن الطاقة الروحانية الجديدة التي تجعلك تُصلى وتتلو وتدعو أضعاف ما تفعل في غير رمضان ، ومع ذلك لاتشعر بالملل والتعب. إنني أحسب أنك وكثيرين معك تستغربون هذه الروحانية الإيمانية، وتقولون : أين نحن من هذا قبل رمضان ؟ وأين تمضي هذه المشاعر بعد رمضان ؟ إنك تشعر بطعم آخر للعبادة، إنك تذوق لذة المناجاة ، وتحوز حلاوة الطاعة فتتمثل قول المصطفى عليه الصلاة والسلام : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) ، وهو إطلاق بليغ ، يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - يجد فيها طمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وكمال اللذة ،وتمام السعادة ، فلا شئ عنده أحب منها ،ومن ثم يقبل عليها مشتاقاً،ويخف إليها راغباً ، ويدخل فيها خاشعاً ،فلا يستطيل في أدائها وقتاً، ولا يستشعر تعباً، وهذا هو الشأن في كل ما كان محبوباً إلى النفس . وسبب كل ذلك مرده إلى صفاء القلب وخلوصه من الأكدار، وحياته وسلامته مما يمرضه أو يميته، وبراءته مما يطفئ أنواره ويذهب إشراقه . ومن المعلوم أن كثرة الطعام والكلام والمنام وكثرة مخالطة الأنام لها آثار سلبية فكثرة الكلام تدخل في اللغو والهذر، والقول الباطل، والانشغال عن ذكر الله . ومما كانت الحكماء تقوله: لسان المرء من تبع الفؤاد وكثرة الطعام تصيب بالبطنة التي تُذهب الفطنة ، وتفضي إلى الكسل الذي يقعد عن العمل وكثرة المنام مظنة الغفلة والتفريط ، ومن أسباب الضياع والتخليط . وكثرة مخالطة الأنام بغير حاجة ولا فائدة يحصل بها كثرة في الكلام والطعام إضافة إلى بعض الآثام ، وكل ذلك له أثره على روحانية المؤمن ، وشفافية نفسه ، وطهارة قلبه . وكل هذه الأكدار تزول أو تقل في رمضان لأن في رمضان تأكيداً للنهي عن لغو القول ، وباطل الكلام ، فهذا حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - القائل : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه )، وهناك منع من الاسترسال مع موجب الغضب من غلطة القول وسوء المنطق كما في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم ). كما " اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب و يستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى ". وبالصوم يحصل " تخلي القلب للفكر والذكر فإن تناول هذه الشهوات قد تقسي القلب وتعميه وتحول بين العبد وبين الذكر والفكر وتستدعي الغفلة ، وخلو الباطن من الطعام والشراب ينور القلب ، ويوجب رقته ويزيل قسوته ، ويخليه للذكر والفكر ". وأما بالنسبة لفضول المنام وكثرته ؛ فإنه جل وعلا من فضله على المسلمين " شرع لهم من قيام الليل ما هو أفضل السهر وأحمده عاقبة ، وهو السهر المتوسط الذي ينفع القلب والبدن ، ولا يعوق عن مصلحة العبد " وفضول مخالصة الأنام جاء علاجها في رمضان بما شرعه الله فيه من " الاعتكاف الذي مقصودة وروحه عكوف القلب على الله تعالى ، وجمعيته عليه ، والخلوة به ، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق ، والاشتغال به وحده سبحانه ، بحيث يصير ذكره وحبه ، والتفكير في تحصيل مراضية ،فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق " . ففي رمضان يقل لغو الكلام ، وتزول آثار كثرة الطعام ، ويكون القيام موضع المنام ، ويخيم بالاعتكاف،إضافة إلى ما ورد من تصفيد الشياطين وما ورد أيضاً من تضييق مجاري الشيطان بالصوم ، فحينئذٍ يكون القلب في أكمل صورة للتأثر بكلام الله والخشوع في العبادة لله ، فيالها من نفحة يعيش فيها المسلم حلاوة المناجاة ، ولذة عبوديته لمولاه ، وتلهفه على تتبع رضاه . والحمد لله رب العالمين . د. علي بن عمر بادحدح |
القادم المنتظر
د. علي بن عمر بادحدح الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد .. مرت الليالي وتوالت الأيام، وتعاقبت الأشهر وتصرّم العام، ودار الزمان دورته وها نحن في انتظار شهر الصيام، شهر الذكر والقرآن، شهر البر والإحسان، شهر الإرادة والصبر، شهر الإفادة والأجر، شهر الطاعة والتعبد، شهر القيام والتهجد، شهر صحة الأبدان، شهر زيادة الإيمان .. ننتظر رمضان والنفوس إليه متشوقة، والقلوب إليه متلهفة، تمر بالذاكرة صور كثيرة، مساجد ممتلئة بالمصلين، وذاكرين ومرتلين، ومنفقين ومتصدقين، ونكاد نسمع ترتيل القرآن في المحاريب، وبكاء المبتهلين في الدعاء، فيزداد لذلك الشوق ويعظم العزم، وتتهيأ النفس . " ويستقبل المسلمون في رمضان ثلاثين عيداً من أعياد القلب والروح، تفيض أيامها بالسرور، وتشرق لياليها بالنور" (1) ، "وتقبل علينا أيام لها في القلوب مكان، ولها في النفوس منازل، أيام خلدها القرآن، وباركها الله سبحانه وتعالى، أيام يزاد فيها العطاء ، ويرفع فيها الدعاء، وتغفر فيها الذنوب، أيام تكثر فيها الصلاة، وتفرض فيها الزكاة" (2) ، وكأنني في رمضان وهو ينادي الزمان ويخاطب الدهر قائلاً :" قف – يادهر – بأبناء البشرية رويدا، فقد أرهقتهم بمفاتنك، وخدعتهم ببهارجك، واستعبدتهم بغرورك، وشغلتهم حتى عن علاج أنفسهم، وتغذية أرواحهم ، وسلخت من عامهم أحد عشر شهراً كاملاً تشابهت أيمامها ولياليها، وطفحت أحداثها بمآسيها، كفى كفى يادهر ، فقد أجعتهم من كثرة ما أكلوا، وأظمأتهم من طغيان ما شربوا، وأرقتهم من طول ما ناموا، وأضعفتهم أضعاف أضعاف ما استراحوا ، قف - يادهر - بأمر من خلقني وخلقك، فإن الناس أكرم على الله من أن يتركهم فريسة لختلك وخداعك، وهو سبحانه أرحم بهم من أن يغرقهم بشهواتك وأحداثك" (3) ، وآن الأوان أن تسطع شمس الإيمان، وأن تحيا القلوب بالقرآن، وأن تصح الأرواح والأبدان، وأن تقوى الإرادة من بعد ضعف، وأن تعلوا الهمة من بعد انتكاس، وأن يشتد العزم من بعد فتور. أخي المسلم رمضان مختص بأمور كثيرة وعظيمة، تجعل له خصوصية عظيمة، فهو : 1- صومه فريضة من فرائض الإسلام { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }. 2- شهر نزول القرآن { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }. 3- اختصاصه بمزايا في الصلة بدخول الجنان والنجاة من النيران : (أ) قال صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل فيها غيرهم ). (ب) قال صلى الله عليه وسلم : ( الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القيام : أي رب منعته النوم في الليل فشفعني فيه، فيشفعان فيه ). (ج) يقول صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلن يغلق منها باب، وينادي مناد ياباغي الخير أقبل، وياباغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة ). (د) يقول صلى الله عليه وسلم : ( إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد ) . (هـ) قال صلى الله عليه وسلم : ( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ) ويقول: ( الصيام جنة يستجن بها العبد من النار ) . وفي شهر رمضان عبادات كثيرة : (أ) الصوم وهو فريضة الوقت . (ب) الصلاة محافظة على الفرائض، واستكثاراً من النوافل الرواتب، ومواظبة على قيام الليل في التراويح والتهجد. (ج) أداء الزكاة، وإخراج الصدقات، ومواساة القرابات، وتفطير الصائمين. (د) أداء العمرة بثواب الحج،كما قال صلى الله عليه وسلم : ( عمرة في رمضان تعدل حجة معي ). (هـ) الإخلاص لله وتجريد العمل ابتغاء وجهه، ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم وأنا أجزي به ). (و) الدعاء بتحري وقت السحر وعند الفطر، وفي قنوت الصلوات . (ز) تلاوة القرآن لاختصاص رمضان بنزول القرآن . ولذا فإليك هذه الوصايا بين يدي انتظار القادم العزيز : أولاً: أهمية التخطيط والإعداد لكل موسم خطة ومتطلبات وإعداد، فعندما بدأت الدراسة كان الجميع منشغلاً قبلها بالاستعداد لها، وكل استعداد وإعداد يتناسب مع طبيعته، وتخطيط رمضان للعبادة والاستفادة. ثانياً : أهمية العزم والمعاهدة في طبيعة النفس فتور وضعف، ولها بمشاغل الحياة ارتباط وتعلق، وفي الشهوات والملذات هواها ومبتغاها، والصوم فطامها وحسن قياد زمامها، فاجعل بداية ذلك عزم ومعاهدة تقطع طريق التسويف، وتبطل حجج التأجيل، وتمنع أسباب الضعف . ثالثاً : أهمية التجديد والابتكار والمقصود التجديد في طرق اغتنام الأوقات، والابتكار في المبادرات والمشروعات، والغرض مزيداً من العمل الصالح والأجر العظيم، ودفعاً للرتابة المضعفة للعزم والمقعدة عن العمل. وإليك هذه الشعارات التي أنصح برفعها وكتابتها واستحضارها وتذكرها : 1- رمضان على هدي المصطفى العدنان . 2- وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . 3- مقاطعة المنكرات والترفع عن الشبهات والاستكثار من الطاعات . وأخيراً : احرص في الصلوات في التبكير وإدراك التكبير، وفي السنن على الرواتب والتكثير، وفي التلاوة على الختم والزيادة، وفي القيام على الخشوع والدوام، وفي الخير على كثرة الإنفاق وصلة الأرحام، وفي الوقت على دوام الذكر والاغتنام، وفي القلب على التطهير والتحرير، وفي النفس على التزكية والتعلية، وفي العقل على الإدِّكار والاعتبار، وليكن لك زاد - من بدر - في الانتصار، ومن - الفتح - في التوسع والانتشار، وأسأل الله أن يبلغنا جميعاً وأن يعيننا على الصيام والقيام . |
جزاك الله خيراً وبارك فيك
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:05 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.