اقتباس:
بارك الله بحضرتك وجزاك الله الفردوس الاعلى دعواتي |
شكراً جزيلاً لمرور حضرتِك الكريم
ودعوتِك الجميلة جداً ودايماً منوّراني في مواضيعي |
(38) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلًا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَسَأَلَ فَقَالَ: «تَوَضَّأْ، وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 269) ومُسْلِم (1/ 303) وأَبُو دَاوُد (1/ 206) والنَّسَائِيُّ (1/ 438) وأَحمَد (2/ 606) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 22) وابْنُ حِبَّان (3/ 1104) وابْنُ الجَارُود (1/ 6). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوي الحَدِيث: هُـــــوَ: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ/ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ، أَبُو الحَسَن. رَابِعُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وأَحَدُ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ، وابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وزَوْجُ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، وأَبُو الحَسَن والحُسَيْن، وأَحَدُ الشُّجَعَانِ الأَبْطَالِ، ومِنْ أَكَابِرِ الخُطَبَاءِ والعُلَمَاءِ بِالْقَضَاءِ، وأَوَّلُ النَّاسِ إِسْلاَماً بَعدَ خَدِيجَةَ وأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وُلِدَ بِمَكَّةَ، ورُبِّيَ فِي حِجرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَم يُفَارِقُهُ أَبَداً، وشَهَدَ بَدراً والمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَهُ. قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «أَمَا تَرضَى أَنْ تَكُوْنَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ مُوْسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعدِي». وقَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ». وَلِيَ الخِلاَفَةَ سَنَةَ خَمْسٍ وثَلاَثِينَ (35 هـ) واسْتُشْهِدَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَربَعِينَ (40 هــ)، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرح الحَدِيث: - (مَذَّاءً): أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ؛ وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ أَصْفَرُ يَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ الضَّعِيفَةِ كَالْمُلَاعَبَةِ أَوِ النَّظَرِ. - (فَأَمَرْتُ رَجُلًا): طَلَبْتُ مِنْهُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ وهُوَ: المِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. - (لِمَكَانِ ابْنَتِهِ): أَيْ: فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، لِكَوْنِهَا زَوْجَتَهُ. - (فَسَأَلَ): أَيْ: مُبْهِمًا بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ مَذْيٌ مَا الْحُكْمُ فِيهِ...؟! |
(39) عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1/ 181) والتِّرمِذِيُّ (1/ 82) والنَّسَائِيُّ (1/ 444، 445، 446، 447) وابْنُ مَاجَة (1/ 479) ومَالِكٌ (1/ 58) والشَّافِعِيُّ (1/ 58) وأَحمَد (45/ 27294) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ (1/ 411) وابْنُ رَاهَوْيهِ (5/ 2174) وابْنُ أَبِي شَيْبَة (1/ 1724) والطَّيَالِسِيُّ (3/ 1762) والحُمَيْدِيُّ (1/ 355) وابْنُ حُمَيْدٍ (1/ 620) والدَّارِمِيُّ (1/ 752) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 33) وابْنُ حِبَّان (3/ 1114) وابْنُ الجَارُود (1/ 16، 17، 18) والدَّارَقُطْنِيُّ (1/ 527، 528، 529)، والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الكَبِير" (24/ 508) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (8/ 8571) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (2/ 1113)، والحَاكِمُ (1/ 473، 476) والبَيْهَقِيُّ (1/ 622)، وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَد يَبْلُغ حَدَّ التَّوَاتُر... رَوَاهُ جَمْعٌ مِن الصَّحَابَةِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُم؛ وهُم: عَبْدُ اللهِ بْن عُمَرَ وعَبْدُ اللهِ بْن عَبَّاسٍ وأَنَسُ بن مَالِكٍ وأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وأَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ وزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ وجَابِرُ بْنُ عَبْدُ اللهِ وأَبُو هُرَيْرَةَ وعَائِشَةُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، وبُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ. هَذَا وقَد صَحَّحَ الحَدِيثَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ سَلَفاً وخَلَفاً؛ مِنْهُم: مَالِكٌ والشَّافِعِيُّ وأَحمَد وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وإِسْحَاق والبُخَارِيُّ والتِّرمِذِيُّ والدَّارَقُطْنِيّ وابْنُ خُزَيْمَة وابْنُ حِبَّانٍ والحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ. ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (مَسَّ): لَمَسَ. - (فَرْجَهُ): يُطلَقُ عَلَى ذَكَرِ الرَّجُل وفَرجِ المَرأَةِ. - فالْحَدِيثُ الشَّرِيفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَمْسَ الفَرجِ سَوَاء أَكَانَ لِلرَّجُل أَو المَرأَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب وابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وأَبُو هُرَيْرَةَ وابْنُ عَبَّاسٍ وعَائِشَةُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، وسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ والزُّهْرِيُّ وابْنُ الْمُسَيِّبِ ومُجَاهِدٌ وأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ والأَوْزَاعِيُّ ومَالِكٌ والشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وابْنُ مَعِينٍ وإِسْحَاقُ؛ وجُمْهُورُ العُلَمَاءِ. |
(40) عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 227) ومُسْلِم (1/ 291) وأَبُو دَاوُد (1/ 361) والتِّرمِذِيُّ (1/ 138) والنَّسَائِيُّ (1/ 394) وابْنُ مَاجَة (1/ 629) وأَحمَد (44/ 26981) وابْنُ أَبِي شَيْبَة (1/ 1304) والطَّيَالِسِيُّ (3/ 1743) والحُمَيْدِيُّ (1/ 322) وابْنُ حُمَيْدٍ (1/ 620) والدَّارِمِيُّ (1/ 1058) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 275) وابْنُ حِبَّان (4/ 1396) وابْنُ الجَارُود (1/ 120) والبَيْهَقِيُّ (2/ 4083). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِيَـة الحَدِيث: هُـــــيَ: ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ/ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التَّيْمِيَّةُ القُرَشِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، ثُمَّ المَدَنِيَّةُ، السَّيِّدَةُ، الفَاضِلَةُ، التَّقِيَّةُ، السَّخِيَّةُ، الحَسِيبَةُ، المُعَمَّرَةُ؛ وَالِدَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ، وَآخِرُ المُهَاجِرَاتِ وَفَاةً، مَاتَتْ سَنَةَ ثَلاَثٍ وسَبْعِيْنَ (73 هــ) وقَد بَلَغَت مِائَـةَ سَنَةٍ؛ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. ثالثاً: شَرح الحَدِيث: - (تَحُتُّهُ): تَفْرُكُهُ وتُزِيلُهُ. - (تَقْرُصُهُ): تُدَلِّكُهُ بِيَدَيْهَا مَعَ صَبِّ المَاءِ عَلَيْهِ. - (تَنْضَحُهُ): تَغْسِلُهُ بِالمَاءِ حَتَّى يَزُولَ الأَثَر. |
(41) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 228) ومُسْلِم (1/ 333) وأَبُو دَاوُد (1/ 282) والتِّرمِذِيُّ (1/ 125) والنَّسَائِيُّ (1/ 204) وابْنُ مَاجَة (1/ 621) ومَالِكٌ (1/ 104) وأَحمَد (41/ 24523) وابْنُ رَاهَوْيهِ (2/ 567) وابْنُ أَبِي شَيْبَة (1/ 1344) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ (1/ 1165، 1166) والطَّيَالِسِيُّ (3/ 1743) والحُمَيْدِيُّ (1/ 160) وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (1/ 2676) والدَّارِمِيُّ (1/ 801) وأَبُو يَعلَى (7/ 4486) وابْنُ حِبَّان (4/ 1350) والدَّارَقُطْنِيُّ (1/ 788) وابْنُ الجَارُود (1/ 112) والبَيْهَقِيُّ (1/ 1546). ثانياً: شَرح الحَدِيث: - (أُسْتَحَاضُ): الاِسْتِحَاضَةُ هِيِ: سَيَلاَنُ الدَّمِ مِنْ فَرجِ المَرْأَةِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ وهُوَ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ يُقَالُ لَهُ العَاذِل؛ والمَعنَى: يَسْتَمِّرُ بِي الدَّمُ بَعدَ أَيَّامِ الحَيْضِ المَعرُوفَةِ. - (أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ): بَدَأَ دَمُ الحَيْضِ المُتَمَيِّز عَمَّا سِوَاه. - (فَدَعِي الصَّلاَةَ): فَاتْرُكِ الصَّلاَةَ؛ يَعنِي لاَ تُصَلِّي حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُ الحَيْضِ. - (أَدبَرَتْ): اِنْقَطَعَ دَمُ الحَيْضِ المُتَمَيِّز عَنْ غَيْرِهِ. |
(42) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 207) ومُسْلِم (1/ 354) وأَبُو دَاوُد (1/ 187) والنَّسَائِيُّ (1/ 184) وابْنُ مَاجَة (1/ 488) ومَالِكٌ (1/ 19) وأَحمَد (3/ 1988) وابْنُ أَبِي شَيْبَة (1/ 522) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ (1/ 642) والطَّيَالِسِيُّ (4/ 2784) وابْنُ الجَعدِ (1/ 3409) وأَبُو يَعلَى (5/ 2733) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 41) وابْنُ حِبَّان (3/ 1140) والدَّارقطْنِيّ (1/ 788) وابْنُ الجَارُود (1/ 112) والبَيْهَقِيُّ (1/ 711). ثانياً: شَرح الحَدِيث: - (أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ): أَيْ أَكَلَ لَحمَهُ. - (ثُمَّ صَلَّى ولَمْ يَتَوَضَّأ): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الوُضُوءِ مِن أَكْلِ لُحُومِ الغَنَمِ؛ وهُوَ مَذْهَبُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ والأَئِمَّةِ الأَربَعَةِ وجُمْهُورِ العُلَمَاءِ سَلَفاً وخَلَفاً. ولَكِن اخْتَلَفُوا فِي الوُضُوءِ مِن لُحُومِ الإِبِلِ، فَمِنْهُم (وهُم قِلَّة) مَنْ أَوْجَبَ الوُضُوءَ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ». قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ». ومَذْهَبُ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَت النَّارُ مِن اللُّحُومِ بِأَنْوَاعِهَا وغَيْرِهَا مِن سَائِرِ المَأْكُولاَتِ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِجَوَابَيْنِ: فَالأَوَّل: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الآتِي بَيَانُهُ فِي الحَدِيثِ التَّالِي. والثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْفَمِ وَالْكَفَّيْنِ؛ واللهُ أَعلَمُ. |
(43) عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَركُ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1/ 192) والتِّرمِذِيُّ (1/ 80) والنَّسَائِيُّ (1/ 185) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 43) وابْنُ حِبَّان (3/ 1134) وابْنُ الجَارُود (1/ 24)، والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (5/ 4663) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (2/ 671)، والبَيْهَقِيُّ (1/ 721)، وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. ثانياً: شَرح الحَدِيث: - (كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ): قَالَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. - (تَركُ الْوُضُوءِ): عَدَمُ وُجُوبِ الوُضُوءِ. - (مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ): بِنُضْجٍ وطَبْخٍ. |
(44) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 211) ومُسْلِمٌ (1/ 358) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 196) والتِّرمِذِيُّ (1/ 89) والنَّسَائِيُّ (1/ 187) وابْنُ مَاجَة (1/ 498) وأَحمَد (3/ 1951) وابْنُ أَبِي شَيْبَة (1/ 628) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ (1/ 642) وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (1/ 649) وأَبُو يَعلَى (4/ 2418) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 46) وابْنُ حِبَّان (3/ 1158) والبَيْهَقِيُّ (1/ 743). ثانياً: شَرح الحَدِيث: - (فَمَضْمَضَ): غَسَلَ فَمَهُ. - (إِنَّ لَهُ دَسَمًا): الدَّسَمُ هُوَ: مَا يَظْهَرُ عَلَى اللَّبَن مِن الدُّهْنِ. وفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ؛ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْمَضْمَضَةُ، لِئَلَّا تَبْقَى مِنْهُ بَقَايَا يَبْتَلِعُهَا الإِنْسَانُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ. |
(45) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 394) ومُسْلِمٌ (1/ 264) وأَبُو دَاوُد (1/ 9) والتِّرمِذِيُّ (1/ 8) والنَّسَائِيُّ (1/ 20) وابْنُ مَاجَة (1/ 318) ومَالِكٌ (1/ 1) وأَحمَد (1/ 692) وابْنُ أَبِي شَيْبَة في "المُسنَد" (1/ 9) والحُمَيْدِيُّ (1/ 382) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 57) وابْنُ حِبَّان (4/ 1416) والدَّارَقُطْنِيُّ (1/ 170)، والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الكَبِير" (4/ 3935) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (5/ 4874) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (1/ 552)، والبَيْهَقِيُّ (1/ 1601). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ، النَّجَّارِيُّ، الإِمَامُ السَّيِّدُ، المُجَاهِدُ الكَبِيْرُ، الَّذِي خَصَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّزُوْلِ عَلَيْهِ لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ. شَهِدَ أَبُو أَيُّوْبَ بَدْراً والمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ ومَاتَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ غَازِياً سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وخَمْسِيْنَ (52 هــ)؛ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ): أَيْ: جِئْتُمْ وَحَضَرْتُمْ مَوْضِعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. - (فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ): أَيْ: جِهَةَ الْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا. - (وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا): تَكْرِيمًا لَهَا. - (وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا): أَيْ: تَوَجَّهُوا إِلَى جِهَةِ الشَّرْقِ أَوِ الْغَرْبِ. |
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
|
(46) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 142) ومُسْلِمٌ (1/ 375) وأَبُو دَاوُد (1/ 4) والتِّرمِذِيُّ (1/ 5) والنَّسَائِيُّ (1/ 19) وابْنُ مَاجَة (1/ 298) وأَحمَد (19/ 11947) وابْنُ أَبِي شَيْبَة في "المُسنَد" (1/ 1) وأبُو يَعلَى (7/ 3902) وابْنُ حِبَّان (4/ 1407) والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الصَّغِير" (2/ 888)، والبَيْهَقِيُّ (1/ 452). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (الخَلاَء): هُوَ المَكَان الخَالِي؛ والمُرَادُ بِهِ هُنَا: مَوْضِع قَضَاء الحَاجَة، كَالْمِرحَاض والحَمَّام وغَيْرِهِمَا؛ وسُمِّيَ بِذَلِك: لِخُلُوِّه فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ قَضَاءِ الحَاجَةِ. - (الخُبُث): ذُكُور الشَّيَاطِين. - (الخَبَائِث): إِنَاث الشَّيَاطِين. |
(47) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَنَفَّسْ فِى الإنَاءِ، وإِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَمْسَحْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (7/ 5630) واللَّفْظُ لَهُ، ومُسْلِمٌ (1/ 267) وأَبُو دَاوُد (1/ 31) والتِّرمِذِيُّ (1/ 15) مُخْتَصَراً، والنَّسَائِيُّ (1/ 47) وابْنُ مَاجَة (1/ 310) مُخْتَصَراً، وأَحمَد (32/ 19419) وابْنُ أَبِي شَيْبَة في "المُصَنَّف" (5/ 24170) والحُمَيْدِيُّ (1/ 432) مُخْتَصَراً، والدَّارِمِيُّ (2/ 2168) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 78) وابْنُ حِبَّان (4/ 1434) والبَيْهَقِيُّ (1/ 543). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: الحَارِثُ بنُ رِبْعِيٍّ السُّلَمِيُّ، أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ؛ الأَمِيرُ، الكَبِيرُ، المِقْدَامُ، فَارِسُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَهِدَ أُحُداً وَالحُدَيْبِيَةَ، وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ. قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ فُرسَانِنَا: أَبُو قَتَادَةَ». ودَعَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَال: «اللَّهُمَّ احْفَظْ أَبَا قَتَادَةَ». تُوُفِّيَ أَبُو قَتَادَةَ بِالمَدِيْنَةِ سَنَةَ أَربَعٍ وخَمْسِيْنَ (54 هــ)؛ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُم): مَاءً أَوْ غَيْرَهُ كَاللَّبَنِ. - (فَلا يَتَنَفَّسْ): فَلاَ يُخْرِجْ نَفَسَهُ. - (فِى الإنَاءِ): الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ. والعِلَّةُ فِي نَهْي النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الإِنَاءَ: لأَنَّهُ قَد يَقَع فِى الإنَاءِ شَىءٌ مِنْ رِيقِهِ، فَيُعَافَهُ الشَّارِبُ لَهُ مِن بَعدِهِ ويَسْتَقْذِر شُربَهُ. - (فَلاَ يَمْسَح ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ): فَلاَ يَسْتَنْجِي بَيَدِهِ اليُمْنَى. - (وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ): إِكْرَامًا وتَشْرِيفاً لَهَا؛ والأَصْلُ فَي النَّهْي التَّحرِيم. |
(48) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2/ 887) ومُسْلِمٌ (1/ 252) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 47) والتِّرمِذِيُّ (1/ 22) والنَّسَائِيُّ (1/ 7) وابْنُ مَاجَة (1/ 287) ومَالِكٌ (1/ 114) وأَحمَد (13/ 7853) وابْنُ حِبَّان (3/ 1068). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: (لَوْلَا أَنَّ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. والسِّوَاكُ هُوَ: الْعُودِ الَّذِي يُتَسَوَّكُ بِهِ؛ وجَمْعُهُ: سُوُكٌ أوْ سُؤُكٌ. والسِّوَاكُ: سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ. والسِّوَاكُ: مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، ولَكِنْ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ أَشَدُّ اسْتِحْبَاباً: 1. عِنْدَ الصَّلَاةِ. 2. عِنْدَ الْوُضُوءِ. 3. عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. 4. عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنَ النَّوْم. 5. عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ؛ وتَغَيُّرُهُ يَكُونُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَـا: - تَركُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. - أَكْلُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَالْبَصَلِ وغَيْرِهِ. - طُولُ السُّكُوتِ. - كَثْرَةُ الْكَلَامِ. |
(49) عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ: «أُعْ أُعْ». وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ، كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 244) واللَّفْظُ لَهُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 254) بِدُونِ حِكَايَةِ الصَّوْتِ؛ وأَبُو دَاوُدَ (1/ 49) وفِيهِ يَقُولُ: «إِهْ إِهْ». بَدَلاً مِنْ "أُعْ أُعْ"؛ والنَّسَائِيُّ (1/ 3) وفِيهِ يَقُولُ: "عَأْ عَأْ". بَدَلاً مِنْ "أُعْ أُعْ"؛ وأَحمَد (32/ 19737) بِدُونِ حِكَايَةِ الصَّوْتِ؛ والبَيْهَقِيُّ (1/ 142) مُوَافِقاً لِرِوَايَةِ البُخَارِيِّ. ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمِ بنِ حَضَّارِ بنِ حَرْبٍ، أَبُو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ، التَّمِيْمِيُّ. الإِمَامُ الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، الفَقِيْهُ، المُقْرِئُ؛ أَسْلَمَ قَدِيماً بِمَكَّةَ، وَهَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ وَقَدِمَ لَيَالِيَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَغَزَا وَجَاهَدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعدَهَا مِنْ غَزَوَاتٍ؛ وَحَمَلَ عَنْهُ عِلْماً كَثِيْراً. وَوَلِيَ إِمْرَةَ الكُوْفَةِ والبَصْرَةِ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ. ودَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيْماً». وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ أَحْسَنَ صَوْتاً مِنْهُ؛ قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أُعطِيَ أَبُو مُوْسَى مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيْرِ آلِ دَاوُدَ». وكَانَ أَبُو مُوْسَى صَوَّاماً، قَوَّاماً، رَبَّانِيّاً، زَاهِداً، عَابِداً، مِمَّنْ جَمَعَ العِلْمَ وَالعَمَلَ وَالجِهَادَ وَسَلاَمَةَ الصَّدْرِ، لَمْ تُغَيِّرْهُ الإِمَارَةُ، وَلاَ اغْتَرَّ بِالدُّنْيَا؛ وتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَربَعٍ وَأَربَعِينَ (44 هــ)؛ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (يَسْتَنُّ): يُدَلَّكُ أَسْنَانَهُ بِالْسِّوَاكِ. - (أُعْ أُعْ): حِكَايَةٌ لِصَوْتِهِ أَثْنَاءَ الاِسْتِيَاكِ. - (يَتَهَوَّعُ): يَتَقَيَّأُ. |
كل عام وانتم بخير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك
كل عام وانتم بخير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك كل عام وانتم بخير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك |
وانت بالصحة والسلامة
|
(50) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّه مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 202) ومُسْلِمٌ (1/ 264) وأَبُو دَاوُد (1/ 151) والتِّرمِذِيُّ (1/ 94) والنَّسَائِيُّ (1/ 121، 122) وابْنُ مَاجَة (1/ 389) ومَالِكٌ (1/ 41) وأَحمَد (1/ 88) وعبد الرزاق في "المُصَنَّف" (1/ 749) وأَبُو بَكْر ابْنُ أَبِي شَيْبَة في "المُصَنَّف" (1/ 1931) والطَّيَالِسِيُّ (2/ 726) والحُمَيْدِيُّ (2/ 726) وابْنُ الجَعْدِ (1/ 2913) وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (1/ 399) والدَّارِمِيُّ (1/ 740) وأَبُو يَعلَى في "المُسْنَد" (2/ 726) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 182) وابْنُ حِبَّان (4/ 1338) والدَّارَقُطْنِيُّ (1/ 737) والشَّاشِيُّ في "المُسْنَد" (1/ 58)، والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الكَبِير" (20/ 876) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (8/ 8509) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (1/ 607)، والبَيْهَقِيُّ (1/ 1274). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أُهَيْبٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلاَبِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ الزُّهْرِيُّ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَكِّيُّ. الأَمِيْر الكَبِيرُ، وأَحَدُ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ، وأَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وأَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْراً والحُدَيْبِيَةَ، وأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى. أَسْلَمَ وهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ قَالَ عَنْهُ النَّبِيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ». وجَمَعَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ؛ إذْ قَال: «ارمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». ودَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ قَال: «اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إِذَا دَعَاكَ». تُوُفِّيَ سَعْدٌ بِالمَدِيْنَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وخَمْسِيْنَ (55 هــ)؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - المَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الدِّيْنِ، ورُخْصَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ، وقَد أَجْمَعَت عَلَيْهِ الأُمَّةُ سَلَفاً وخَلَفاً مِمَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ؛ ورَوَى المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وهُـــم: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وعَبْدُ اللهِ بْن مَسْعُودٍ وحُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَان وخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتِ الأَنْصَارِيُّ وبِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ وعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وعَبْدُ اللهِ بْن عَبَّاسٍ وعَبْدُ اللهِ بْن عُمَرَ وأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وجَابِرُ بْنُ عَبْدُ اللهِ وأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ والبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وأَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ وأَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ وقَيْسُ بنُ سَعْدِ الأَنْصَارِيُّ وأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وأَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ وأَبُو بَكْرَةَ الثَّقَفِيُّ وجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وعَمْرُو بْنُ العَاصِ وصَفْوَانُ بْنُ عَسَّالِ وسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُم؛ فَبَلَغَ الحَدِيثُ حَدَّ التَّوَاتُر. |
(51) عَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعهُمَا، فَإِنِّي أَدخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ». فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 206) واللَّفْظُ لَهُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 274) وأَبُو دَاوُد (1/ 151) والتِّرمِذِيُّ (1/ 100) والنَّسَائِيُّ (1/ 17) وابْنُ مَاجَة (1/ 545) وأَحمَد (30/ 18141) وعبد الرزاق في "المُصَنَّف" (1/ 750) وأَبُو بَكْر ابْنُ أَبِي شَيْبَة في "المُصَنَّف" (3/ 36101) والطَّيَالِسِيُّ (2/ 726) والحُمَيْدِيُّ (2/ 775) وابْنُ الجَعْدِ (1/ 2913) وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (1/ 399) والدَّارِمِيُّ (1/ 740) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 190) وابْنُ حِبَّان (4/ 1326)، والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الكَبِير" (20/ 864) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (4/ 3525) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (1/ 369)، والبَيْهَقِيُّ (1/ 1336). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: المُغِيْرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ بْنِ مَسْعُوْدِ بْنِ مُعَتِّبٍ الثَّقَفيُّ، أَبُو عِيْسَى؛ أَمِيرُ الكُوفَةِ والبَصرَةِ، مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أُوْلِي الشَّجَاعَةِ والمَكِيْدَةِ؛ شَهِدَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ، وشَهِدَ القَادِسِيَّة واليَمَامَة وفُتُوحِ الشَّامِ، وكَانَ رَجُلاً طُوَالاً، ضَخْمَ الهَامَةِ، مَهِيْباً، يُقَالُ لَهُ: مُغِيْرَةُ الرَّأْيُ؛ وذَهَبَتْ إِحدَى عَيْنَيْهِ يَومَ اليَرمُوكِ، ومَاتَ فِي شَعْبَانَ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ (50 هــ)، ولَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً؛ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (فَأَهْوَيْتُ): مَدَدتُ يَدِي. - (فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْنِ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا لَبِسَهُمَا الشَّخْصُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، بِأَنْ يُفْرِغَ مِنَ الوُضُوءِ بِكَمَالِهِ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا. |
(52) وعَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا". أولاً: تَخْرِيجُ وتَحقِيقُ الحَدِيث: رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ (1/ 98)؛ قال: حدثنا علي بن حجر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة بن شعبة، فذكر الحديث. وقال في عقبه: "حَدِيث حَسَن". قلت: حَسَّنَهُ من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد؛ فإنهم اختلفوا فيه، مِنهم مَن وَثَّقَه؛ ومِنهم مَن ضَعَّفَه؛ وأَجمل ابْنُ حَجَر اختلافهم هذا بقوله: صدوق. (يعني: حسن الحديث). - وقد رُوِيَ الحَدِيثُ مِن وَجه آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما عند أحمد (2/ 737) وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 57) وابن أبي شيبة في في "المصنف" (1/ 1895) والدارقطني في "السنن" (1/ 769) والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 1387) وفي "معرفة السنن والآثار" (1/ 673)، كلهم من طرق عن الأَعمش عن أَبي إِسحاق عن عَبد خَير، عن علي، قال: "كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، حتى رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا". قلت: سنده صحيح، رِجَاله ثِقَات عُدُول؛ إلا أن أبا إسحاق كان قد اختلط في آخر عمره، فلا ندري أَحَدَّث بهذا الحديث قبل إختلاطه أم بعده..؟! - غير أن أبا إسحاق لم ينفرد به، فقد تابعه المسيب بن عبد خير؛ كما عند أحمد (2/ 918) والنسائي في " السنن الكبرى" (1/ 119) والحميدي (1/ 47) والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1/ 2081، 2082، 2083)، جميعاً من طريق أبي السوداء عمرو النهدي، عن المسيب بن عبد خير، عن أبيه، عن علي: به. قلت: وسنده صحيح، رِجَاله ثِقَات، لا مَطعن فيهم. - وقد تابعهما أيضاً عبد الرحمن السدي؛ كما عند أحمد (2/ 943) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 159)، من طريق إسحاق بن يوسف (الأَزرق) عَن شَريك (ابن عبد الله القاضي)، عن السُّدي (إسماعيل بن عبد الرحمن)، عن عَبد خَير عن علي: به. قلت: وسنده حسن، من أجل السُّدي؛ وهو حسن الحديث كما قال الذهبي وابن حجر وغيرهما. - وشريك القاضي: تغير حِفظه واختلط في آخر عُمره، فلم يعتبر الأئمة حديثه إلاَّ بما رواه القدماء عنه، لا سيما إسحاق بن يوسف، فإنه كان من أثبت الناس فيه؛ والحديث ها هنا من روايته عنه؛ فانتفت بذلك شبهة روايته لهذا الحديث في حالة الإختلاط. -إِذَن... فَالحَدِيثُ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ بِمَجمُوعِ هَذِهِ الطُرُق، واللهُ أَعلَمُ. |
(53) وعَنْ عَلَيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1/ 276) والنَّسَائِيُّ (1/ 128، 129) وابْنُ مَاجَة (1/ 552) وأَحمَدُ (1/ 748، 749) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ في "المُصَنَّف" (1/ 789) وابْنُ أَبِي شَيْبَة في "المُصَنَّف" (1/ 1931) والطَّيَالِسِيُّ (1/ 93) والحُمَيْدِيُّ (1/ 46) وابْنُ الجَعدِ (1/ 2556) والدَّارِمِيُّ (1/ 741) وأَبُو يَعلَى في "المُسْنَد" (1/ 5) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 194) وابْنُ حِبَّان (4/ 1331) والدَّارَقُطْنِيُّ (1/ 737) والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (5/ 5190) والبَيْهَقِيُّ (1/ 1303). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ): فِيهِ الحُجَّةُ البَيِّنَةُ والدَّلَالَةُ الوَاضِحَةُ لِمَذْهَبِ الجُمْهُورِ: أَنَّ المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْنِ مُوَقَّتٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي السَّفَرِ وبِيَوْمٍ ولَيْلَةٍ فِي الحَضَرِ؛ وهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ومَالِكٍ والشَّافِعِيِّ وأَحمَدَ وجَمَاهِيرِ العُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ ومَنْ بَعدَهُم. - وابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ: مِنْ حِينِ الحَدَثِ بَعدَ لُبْسِ الْخُفِّ، لَا مِنْ حِينِ اللُّبْسِ ولَا مِنْ حِينِ المَسْح. |
(54) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 214) وأبو دَاوُدَ (1/ 171) والتِّرمِذِيُّ (1/ 60) والنَّسَائِيُّ (1/ 131) وابْنُ مَاجَة (1/ 509) وأَحمَدُ (19/ 12364) والطَّيَالِسِيُّ (3/ 2231) والدَّارِمِيُّ (1/ 747) وأَبُو يَعلَى في "المُسْنَد" (6/ 3708) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 126) والبَيْهَقِيُّ (1/ 761). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذ بِالأَفْضَلِ فِي تَجدِيدِ الوُضُوءِ مِن غَيْرِ حَدَثٍ، لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ الأَحَادِيثِ التَّالِيَة. |
(55) وعَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الحُصَيْبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْم الفَتْح بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ ومَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَد صَنَعتَ اليَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصنَعُهُ. فَقَالَ: «عَمْدًا صَنَعتُهُ يَا عُمَرُ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1/ 277) وأبو دَاوُدَ (1/ 172) والتِّرمِذِيُّ (1/ 61) والنَّسَائِيُّ (1/ 133) وابْنُ مَاجَة (1/ 510) وأَحمَدُ (38/ 22966) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ في "المُصَنَّف" (1/ 158) وابْنُ أَبِي شَيْبَة في "المُصَنَّف" (1/ 1861) والطَّيَالِسِيُّ (2/ 842) مُخْتَصَراً؛ وابْنُ الجَعدِ (1/ 2081) مُخْتَصَراً؛ والدَّارِمِيُّ (1/ 685) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 12) وابْنُ حِبَّان (4/ 1708) والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (5/ 4032) والبَيْهَقِيُّ (1/ 759). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: بُرَيْدَةُ بنُ الحُصَيْبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ بنِ الأَعْرَجِ بنِ سَعْدٍ الأَسْلَمِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ؛ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. أَسْلَمَ عَامَ الهِجرَةِ، وشَهِدَ غَزْوَةَ خَيْبَرَ، وفَتْحَ مَكَّةَ وكَانَ مَعَهُ اللِّوَاءُ يَوْمَئِذٍ؛ وتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وسِتِّيْنَ (63 هــ)؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (صَلَّى الصَّلَوَاتِ): أَيِ: الصَّلَوَاتِ الخَمْس المَعرُوفَة. - (يَوْمَ الفَتْحِ): أَيْ: يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وكَانَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِن الهِجرَةِ. - (بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ): حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَد؛ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ مُسْتَدِلًّا بِحديث أَنَسٍ السَّابِق؛ وأَنَّ الوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاَةٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، مَا لَم يُنْتَقَضُ الوُضُوءُ بِأَيٍّ مِن نَوَاقِضِهِ المَعرُوفَةِ، كَخُرُوجِ الرِّيحِ والبَوْلِ والبِرَازِ ومَسِّ الفَرجِ بِدُونِ حَائِلٍ والجَنَابَةِ والحَيْضِ والنِّفَاسِ والإِغْمَاءِ. - (عَمْدًا صَنَعتُهُ): الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى المَذْكُورِ، وَهُوَ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ والمَسْحُ عَلَى الخُفَّيْن. |
(56) وعَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ، فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 209) والنَّسَائِيُّ (1/ 186) وابْنُ مَاجَة (1/ 492) ومَالِكٌ (1/ 20) وأَحمَدُ (25/ 15990) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ في "المُصَنَّف" (1/ 691) وابْنُ أَبِي شَيْبَة في "المُصَنَّف" (1/ 527) والحُمَيْدِيُّ (1/ 441) وابْنُ حِبَّان (3/ 1155) والطَبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الكَبِير" (7/ 6456) والبَيْهَقِيُّ (1/ 744). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ الأَوْسِيُّ الأنْصَارِيّ، أَبُو عُقْبَة المَدَنِيُّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وهُوَ مِمَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَان، وشَهِدَ أُحُدًا والمَشَاهِدَ بَعدَهَا كُلَّهَا، ولاَ يُعرَفُ لَهُ تَارِيخُ وَفَاةٍ عَلَى وَجهِ التَّحدِيدِ؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (الصَّهْبَاءِ): مَوْضِع قَرِيب مِن خَيْبَر بِالمَدِينَةِ المُنَوَّرَة. - (الأَزْوَادِ): جَمْع زَاد؛ وهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَّخَذ لِلْسَّفَرِ. - (السَّوِيقِ): هُوَ طَعَامٌ يُعمَلُ مِن دَقِيقِ الحِنْطَةِ أَو الشَّعِيرِ. - (فَثُرِّيَ): بِالمَاءِ لِمَا لَحِقَهُ مِنَ اليَبَسِ. - (ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلاَةِ المَرءِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ أَكْثَر مِن صَلاَةٍ، مَا لَم يَأَتِي بِنَاقِضٍ مِن نَوَاقِضِ الوُضُوءِ المَعرُوفَةِ. |
(57) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 168) واللَّفْظُ لَهُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 268) وأبو دَاوُدَ (4/ 4140) والتِّرمِذِيُّ (1/ 608) والنَّسَائِيُّ (1/ 112) وابْنُ مَاجَة (1/ 401) وأَحمَدُ (41/ 24627) وابْنُ رَاهَوَيْه (3/ 1463) والطَّيَالِسِيُّ (3/ 1513) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 179) وابْنُ حِبَّان (3/ 1091) والبَيْهَقِيُّ (1/ 1033). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (يُعْجبُهُ التَيمُّن): يُفَضِّل تَقْدِيم اليَد اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى فِي هَذِهِ المَوَاطِن. - (تَنَعّلِهِ): لُبْس نَعلِ القَدَمَيْن. - (تَرَجُّلِهِ): تَسْرِيحُ شَعرِ رَأْسِهِ ولِحيَتِهِ بِالمُشْط. - (طُهُورِهِ): هُوَ التَّطَهُّر؛ ويَشْمَلُ الوُضُوء والغُسْل وغَيْرِهِمَا. - (وَفِي شَأنِهِ كُلهِ): مِن الأَشْيَاءِ المُسْتَطَابَةِ كَهَذِهِ الأَمْثِلَة المَذْكُورَة. - فَهُنَا تُخْبِرُنَا أَمُّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَن عَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المُحَبَّبَة إِلَيْهِ وهِيَ: تَقْدِيم الأَيْمَن فِي لُبْسِ نَعلِهِ، وتَسْرِيحِ شَعرِهِ، وتَطَهُّرِهِ مِن الأَحدَاثِ، وفِى جَمِيعِ أُمُورِهِ، الَّتِي مِن نَوْعِ مَا ذُكِرَ، كَلُبْسِ القُمُص والسَّرَاوِيل، والنَّوْم، والأَكْلِ والشُّربِ ونَحوِ ذَلِك. فَكُلُّ هَذَا مِن بَابِ التَّفَاؤُل الحَسَن وتَشْرِيف اليَمِين عَلَى اليَسَار. وأَمَّا الأَشْيَاء المُسْتَقْذَرَة فَالأَفْضَلُ والأَحسَنُ أَن تُقَدَّمَ فِيهَا اليَسَار. ولِهَذَا نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَن الاِسْتِنْجَاءِ بِاليَمِين، ونَهَى عَن مَسِّ الذَّكَرِ بِاليَمِين، لأَنَّهَا لِلطَّيِّبَاتِ، واليَسَار لِمَا سِوَى ذَلِك. |
(58) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 159) ومُسْلِمٌ (1/ 226) وأبو دَاوُدَ (1/ 106) والنَّسَائِيُّ (1/ 84) وابْنُ مَاجَة (1/ 285) ومَالِكٌ (1/ 29) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ في "المُصَنَّف" (1/ 139) وأَحمَدُ (1/ 418) وابْنُ رَاهَوَيْه (3/ 1463) والدَّارِمِيُّ (1/ 720) والبَزَّارُ (2/ 429) وابْنُ الجَارُود (1/ 67) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 3) وابْنُ حِبَّان (3/ 1058) والدَّارَقُطنِيُّ (1/ 271) والبَيْهَقِيُّ (1/ 217). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْن/ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي العَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ بْنِ كِلاَب بْنِ مُرَّة بْنِ كَعبِ بْنِ لُؤَي بْنِ غَالِب بْنِ فِهْر بْنِ مَالِكٍ، أَبُو عَمْرٍو الأُمَوِيُّ القُرَشِيُّ ثُمَّ المَدَنِيُّ؛ ذُو النُّورَيْنِ، وثَالِثُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وأَحَدُ العَشَرَة المُبَشَّرِينَ، ومِن كِبَارِ الرِّجَالِ الَّذِينَ اعتَزَّ بِهِم الإِسْلاَمُ، وأَحَدُ أَسْخِيَاءِ العَالَمِ بِأَسْرِهِ سَلَفاً وخَلَفاً. وجَدَّتُهُ لِأُمِّهِ هِيَ: أُمُّ حَكِيمٍ البَيْضَاء بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِب عَمَّة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. وُلِدَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَة بِسَبْعٍ وأَربَعِينَ سَنَةً، وأَسلَمَ قَدِيماً بَعدَ البَعثَةِ بِقَلِيلٍ، وهَاجَرَ الهِجرَتَيْن، وتَزَوَّجَ ابْنَتَي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، رُقَيَّة فَمَاتَت عِنْدَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّ كُلْثُومٍ ومَاتَت عِنْدَهُ أَيْضاً. وكَانَ ثَرِيّاً، شَرِيفاً، حَسِيباً، نَسِيباً، حَيِيّاً، تَقِيّاً، عَابِداً، جَوَاداً، يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الحَيَاءِ والسَّخَاءِ والكَرَمِ؛ فَهُوَ الَّذِي جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ (فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ) بِتِسْعِ مَائَةٍ وخَمْسِينَ بَعِيراً وأَتَمَّ الأَلْفَ بِخَمْسِينَ فَرَساً وتَبَرَّعَ بِأَلفِ دِينَارٍ أَيْضاً؛ فَقَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَهَا: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعدَ اليَومِ». وهُوَ الَّذِي اشْتَرَى بِئَرَ رومة بِعِشْرِينَ أَلْف دِرهَماً، وجَعَلَهَا خَالِصَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَامَ بِتَوْسِعَةِ المَسْجِد النَّبَوِيِّ؛ وكَانَ يُحيِي اللَّيْلَ بِرَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا القُرآنَ كَامِلاً. وَلِيَ الخِلاَفَةَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وعِشْرِينَ (23 هــ)، وتُوُفِّيَ بِالمَدِينَة سَنَةَ خَمْسٍ وثَلاَثِينَ (35 هــ) ودُفِنَ بِالبَقِيعِ، ولَهُ مِن العُمُرِ اثْنَانِ وثَمَانُونَ سَنَةً (82)؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (مِرَار) مَرَّات. - (فَمَضْمَضَ): وكَيْفِيَّتِهَا: أَن يَجعَلَ المَاءَ فِي فَمِهِ ثُمَّ يُدِيرُهُ فِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ. - (اسْتَنْشَقَ): الِاسْتِنْشَاقُ هُوَ: أَن يَجعَلَ المَاءَ فِي أَنْفِهِ ثُمَّ يُخْرِجُهُ بِقُوَّةٍ. - (الكَعْبَيْنِ): العَظمَانِ النَّاتِئَانِ بَيْنَ السَّاقِ والقَدَمِ؛ وفِي كُلِّ رِجلٍ كَعبَانِ. - (نَحوَ وُضُوئِي هَذَا): مِثْلَ هَذَا الوُضُوء. - (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ): فِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ رَكعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ عَقِبَ كُلِّ وُضُوءٍ؛ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. - (لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ): لاَ يَسْتَرسِل مَعَ مَا يَخْطُر عَلَى نَفْسِهِ فِي أُمُورِ الدُّنيَا وفِيمَا لاَ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ. - (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ): مِن صَغَائِر الذُّنُوبِ فَقَط. - فَهَذَا الْحَدِيثُ أَصلٌ عَظِيمٌ فِي صِفَةِ الوُضُوءِ، وقَد أَجمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الوَاجِبَ فِي غَسْلِ الأَعضَاءِ مَرَّةً مَرَّةً وعَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ، وقَد جَاءَتِ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالغَسْلِ مَرَّةً مَرَّةً وثَلَاثًا ثَلَاثًا وبَعضُ الأَعضَاءِ ثَلَاثًا وبَعضُهَا مَرَّتَيْنِ وبَعضُهَا مَرَّةً؛ وقَالَ العُلَمَاءُ: فَاخْتِلَافُهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ،وأَنَّ الثَّلَاثَ هِيَ الكَمَالُ والوَاحِدَةُ تُجزِئُ. - وأَجمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الوَجْهِ واليَدَيْنِ والرِّجلَيْنِ ومَسْحِ الرَّأْسِ. - وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ المَضمَضَةِ والِاسْتِنْشَاقِ عَلَى أَربَعَةِ مَذَاهِبَ: فَالمَذْهَبُ الأَوَّلُ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وأَصْحَابِهِمَا؛ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الوُضُوءِ والغُسْلِ، وهُوَ قَوْلُ الحَسَن البَصْرِيّ والزُّهْرِيّ والحَكَم وقَتَادَة ورَبِيعَة ويَحيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنصَارِيُّ والأَوْزَاعِيُّ واللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وهُوَ فِي إحدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ عَطَاءٍ وأَحمَدَ. والمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ فِي الوُضُوءِ والغُسْلِ، فَلَا يَصِحَّانِ إِلَّا بِهِمَا؛ وَهُوَ المَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وهُوَ مَذْهَب ابْن أَبِي لَيْلَى وحَمَّادٍ وإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ورِوَايَةً عَنْ عَطَاءٍ. والمَذْهَبُ الثَّالِث: أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ فِي الغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ؛ وهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وأَصْحَابِهِ وسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. والمَذْهَبُ الرَّابِع: أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَاجِبٌ فِي الوُضُوءِ والغُسْلِ والمَضْمَضَةُ سُنَّةٌ فِيهِمَا؛ وهُوَ مَذْهَب أَبِي ثَوْرٍ وأَبِي عُبَيْدٍ ودَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وأَبِي بَكْرِ بْنِ المُنْذِرِ ورِوَايَةٌ عَنْ أَحمَدَ. |
(59) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ المَازِنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ، فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثًا، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا، بِثَلاَثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ وَجهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدبَرَ بِهِمَا، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجلَيْهِ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 186) ومسلم (1/ 235) وأبو دَاوُدَ (1/ 118) والتِّرمِذِيُّ (1/ 47) والنَّسَائِيُّ (1/ 97) وابْنُ مَاجَة (1/ 434) ومَالِكٌ (1/ 1) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ في "المُصَنَّف" (1/ 138) وأَحمَدُ (26/ 16431) والطَّيَالِسِيُّ (2/ 1198) وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (1/ 702) والحُمَيْدِيُّ (1/ 421) والدَّارِمِيُّ (1/ 721) وابْنُ الجَارُود (1/ 73) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 154) وابْنُ حِبَّان (3/ 1077) والدَّارَقُطنِيُّ (1/ 270) والبَيْهَقِيُّ (1/ 120). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِمِ بنِ كَعْبٍ النَّجَّارِيُّ الأَنصاريّ ثم المَازِنِيُّ المَدِينِيّ؛ مِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ، شَهِدَ أُحُداً وغَيْرَهَا مِن الغَزَوَاتِ؛ وهُوَ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابَ بِالسَّيْفِ مَعَ رَمْيَةِ وَحشِيٍّ لَهُ بِحَربَتِهِ، قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وسِتِّيْنَ (63 هــ)؛ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (بِتَوْرٍ): التَّوْرُ هُوَ: الطَّسْت؛ وهُوَ إِنَاءٌ صَغِيرٌ. - (فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ): أَمَالَ وصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ المَاء. - (فَمَضْمَضَ): مَرَّت مَعنَاهَا فِي الحَدِيثِ السَّابِق. - (وَاسْتَنْشَقَ): مَرَّت مَعنَاهَا فِي الحَدِيثِ السَّابِق. - (غَرَفَاتٍ): جَمْعُ غَرفَةٍ، وهِيَ: مَلْءُ الكَفِّ مِنَ المَاءِ. - (فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ): يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ مُخَالَفَةِ أَعضَاءِ الوُضُوءِ بِتَفْضِيلِ بِعضِهَا عَلَى بِعضٍ، وأَنَّ التَّثْلِيثَ هُوَ الصِّفَةُ الكَامِلَةُ في الوُضُوءِ، ومَا دُونَهَا يُجْزِئُ، كَمَا دَلَّت بِذَلِك الأَحَادِيث المَذْكُورَة هُنَا. - (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدبَرَ بِهِمَا): يَعنِي: اسْتَوْعَبَ مَسْحَ الرَّأْسِ كَامِلَةً؛ وهُوَ أَحسَنُ أَنْوَاعِ المَسْحِ؛ وفِيهِ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّة وَاحِدَة مِن السُّنَّةِ، وهُوَ الأَفْضَلُ. |
(60) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 158) وأَحمَدُ (26/ 16464) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 170) والدَّارَقُطنِيُّ (1/ 310) والبَيْهَقِيُّ (1/ 375). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ): يَعنِي غَسَلَ جَمِيعَ أَعضَاءِ الوُضُوءِ مَرَّتَيْن. |
(61) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 157) وأبو دَاوُدَ (1/ 138) والتِّرمِذِيُّ (1/ 42) والنَّسَائِيُّ (1/ 80) وأَحمَدُ (3/ 2072) والطَّيَالِسِيُّ (4/ 2883) وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (1/ 702) والدَّارِمِيُّ (1/ 723) وابْنُ الجَارُود (1/ 69) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 171) وابْنُ حِبَّان (3/ 1095) والبَيْهَقِيُّ (1/ 231). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (مَرَّةً مَرَّةً): يَعنِي غَسَلَ جَمِيعَ أَعضَاءِ الوُضُوءِ مَرَّةً واحِدَةً؛ وهُوَ بِاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الوُضُوءَ يُجْزِئ مِن مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وأَنَّ الأَفْضَلَ فِيهِ ثَلاَثُ مَرَّاتٍ. |
(62) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 161) ولَهُ اللَّفْظُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 237) والنَّسَائِيُّ (1/ 88) وابْنُ مَاجَةَ (1/ 409) ومالِكٌ (1/ 2) وأَحمَدُ (12/ 7221) وابْنُ رَاهَوَيْهِ (1/ 325) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المَصَنَّف" (1/ 279) والحُمَيْدِيُّ (2/ 987) والدَّارِمِيُّ (1/ 730) وابْنُ الجَارُود (1/ 39) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 75)؛ والطَبَرَانِيُّ في "الأَوْسَط" (2/ 2238) وفِي "الصَّغِير" (1/ 127)؛ وابْنُ حِبَّان (4/ 1438) والبَيْهَقِيُّ (1/ 235). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (فَلْيَسْتَنْثِر): الِاسْتِنْثَارُ هُوَ: دَفْعُ المَاءِ الحَاصِلِ فِى الأَنْفِ بِالِاسْتِنْشَاقِ، ولَا يَكُونُ الِاسْتِنْثَارُ إِلَّا بَعدَ الِاسْتِنْشَاقِ، والِاسْتِنْشَاق هُوَ: أَخْذُ المَاء بِرِيحِ الأَنْفِ؛ وإِنَّمَا لَم يُذْكَر هَا هُنَا الِاسْتِنْشَاقُ، لأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِنْثَارِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، إِذْ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مِنْهُ، وقَد أَوْجَبَ بَعضُ العُلَمَاءِ الاِسْتِنْثَار بِظَاهِرِ هَذَا الحَدِيثِ، وحَمَلَ ذَلِكَ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ عَلَى النَّدبِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانهُ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بِنْ عَفَّان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. - (وَمَنِ اسْتَجمَرَ): مَنِ اسْتَنْجَى بِالحَجَرِ. - (فَلْيُوتِر): أَيْ: ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعاً، حَتَّى يُزَالَ الأَثَرُ. |
(63) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأُذُنَيْهِ، ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا". أولاً: تَخْرِيج وتَحقِيق الحَدِيث: رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ (1/ 36) وقال: "حَسَن صَحِيح". قلت: وهُوَ كَمَا قَالَ. - فَأَمَّا قَوْلُهُ: "حَسَن". فَمِن أَجلِ ابْنِ عَجلَانَ، فِيهِ كَلاَمٌ يَسْيرٌ مِن قِبَلِ ضَبْطِهِ وإِتقَانِهِ، فَحَدِيثُهُ لاَ يَرتَقِي لِلصَّحِيحِ ولاَ يَنْزل عَن رُتبَةِ الحَسَن. - وأَمَّا قَوْلُهُ: "صَحِيح". بِاعتِبَارِ الشَّوَاهِد الأُخْرَى لِلحَدِيثِ، فَيَصِيرُ صحيحاً. وابْنُ مَاجَة (1/ 439) وأَبُو يَعلَى فِي "المُسْنَد" (4/ 2486) وابْنُ حِبَّان (3/ 1086)؛ كُلُّهُم مِن طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَذَكَرَهُ. قلت: حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، مِن أَجلِ ابْنِ عَجلَانَ فَهُوَ حَسَن الحَدِيثِ؛ وبَقِيَّةُ رِجَالِ السَّنَدِ أَئِمَّة ثِقَات مِن رِجَالِ الصَّحِيحِيْن. - وقَد تابعَ ابنَ عَجلاَنٍ هِشَامُ بْنُ سَعدٍ بِهَذَا الإِسْنَاد، كَمَا عِنْدَ البَزَّارِ (11/ 5281)؛ وهِشَامُ بْنُ سَعدٍ هَذَا حَسَن الحَدِيثِ هُوَ الآخَر؛ فَبِمَجْمُوعِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ يَكُونُ الحَدِيثُ صَحِيحاً. - وهذا غير الطُرُق والشَوَاهِد الكَثِيرَة لِهَذَا الحَدِيثِ المَروِيَّة عَن طَائِفَةٍ مِن الصَّحَابَةِ، مِنْهُم: عُثْمَان بْن عَفَّان والبَرَاء بْن عَازِب والمِقْدَامِ بْنِ مَعدِي الكِنْدِيِّ والرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم. ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (بَاطِنَهُمَا): هُوَ الجَانِبُ الَّذِي فِيهِ ثُقْبُ الأُذُن. - (وَظَاهِرِهِمَا): هُوَ الطَّرَفُ الَّذِي يَلْتَصِقُ بِالرَّأْسِ. |
(64) وعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا». أولاً: تَخْرِيج وتَحقِيق الحَدِيث: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (1/ 142) والتِّرمِذِيُّ (1/ 788) وابْنُ مَاجَة (1/ 448) ومَالِكٌ (1/ 1) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ في "المُصَنَّف" (1/ 138) وأَحمَدُ (26/ 16431) وابن أبي شيبة (1/ 84) والطَّيَالِسِيُّ (5/ 1438) وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (1/ 702) والحُمَيْدِيُّ (1/ 421) والدَّارِمِيُّ (1/ 721) وابْنُ الجَارُود (1/ 80) وابْنُ خُزَيْمَة (1/ 150) وابْنُ حِبَّان (3/ 1054) والحَاكِمُ في "المُسْتَدرَك" (4/ 7094) والبَيْهَقِيُّ (1/ 359)؛ كلهم مِن طَرِيقِ يَحيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: فَذَكَرَ الحَدِيثَ. قلت: حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وهَذَا إٍسْنَادٌ فِيهِ ضَعفٌ يَسِيرٌ مِن أَجلِ يَحيَى بْنِ سُلَيْمٍ، وبَقِيَّةُ رِجَالِ السَّنَدِ ثِقَاتٌ؛ ويَحيَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِن قِبَلِ حِفْظِهِ؛ فَمِنْهُم مَنْ وَثَّقَهُ ومِنْهُم مَنْ ضَعَّفَهُ، وأَجْمَلَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ اخْتِلاَفَهُم فِيهِ بِقَوْلِهِ: صَدُوق سَيىء الحِفْظ. قلت: يَعنِي يِحتَاجُ لِمُتَابِعٍ لِكَي يَصِحّ حَدِيثُهُ؛ وهُوَ مَا حَدَثَ هُنَا، فَقَد تَابَعَهُ إِمَامَان كَبِيرَان وهُمَا: الأول: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؛ كَمَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ (1/ 87) وعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي "المُصَنَّف" (1/ 79) والبَيْهَقِيِّ (1/ 228) والحَاكِمِ في "المُسْتَدرَك" (1/ 522) وقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ". وأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ بِقَوْلِهِ: "صَحِيح". قلت: وهُوَ كَمَا قَالاً. والثاني: عَبْدُ المَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ؛ كَمَا عِنْدَ أَحمَدَ (26/ 16384) والنَّسَائِيِّ في "الكُبرَى" (6/ 6665) والدَّارِمِيِّ (1/ 732) والحَاكِمِ في "المُسْتَدرَك" (1/ 523)؛ وصَرَّحَ ابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَهَم جَمْيعاً بالتَّحدِيثِ. ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: لَقِيطُ بْنُ عَامِرِ بْنِ صَبِرَةَ العُقَيْلِيُّ، نَزِيل مَكَّةَ، لَهُ صُحبَةٌ ورِوَايَةٌ، ولاَ يُعرَف لَهُ تَارِيخُ وَفَاةٍ؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (أَخْبِرنِي عَنِ الْوُضُوءِ): أَيِ أَخْبِرنِي عَنِ الوُضُوءِ الكَامِلِ الزَّائِدِ عَلَى مَا عَرَفْنَاهُ. - (أَسْبِغِ الوُضُوءَ): أَتِمَّ فَرَائِضَهُ وسُنَنَهُ. وَكَمَالُهُ: اتِّصَالُ الْمَاءِ مِنْ فَوْقِ الْغُرَّةِ إِلَى تَحْتِ الحَنَكِ طُولًا، وَمِنَ الْأُذُنِ إِلَى الْأُذُنِ عَرْضًا مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ وَالْمَضْمَضَةِ، هَذَا فِي الْوَجْهِ، وَأَمَّا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَإِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى فَوْقِ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ مَعَ تَخْلِيلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. - (وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ): أَيْ أَصَابِعِ اليَدَيْنِ والرِّجلَيْنِ. - (وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ): بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى بَاطِنِ الْأَنْفِ. - (إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا): فَلَا تُبَالِغْ لِئَلَّا يَصِلَ إِلَى بَاطِنِهِ فَيَبْطُلَ الصَّوْمُ، وَكَذَا حُكْمُ المَضْمَضَةِ. |
(65) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرنَاهَا، فَأَدرَكَنَا وَقَد أَرهَقْنَا العَصْرَ، فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 60) ولَهُ اللَّفْظُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 241) وأبو داودَ (1/ 97) والنَّسَائِيُّ (1/ 111) وابْنُ مَاجَةَ (1/ 450) وأَحمَدُ (11/ 6911) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ (1/ 269) والطَّيَالِسِيُّ (4/ 2404) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المَصَنَّف" (1/ 279) والدَّارِمِيُّ (1/ 733) والبَزَّارُ (6/ 2363) وابْنُ خُزَيْمَةَ (1/ 166) وابْنُ حِبَّان (4/ 1055) والبَيْهَقِيُّ (1/ 320). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (تَخَلَّفَ): تَأَخَّرَ خَلْفَنَا. - (أَرهَقْنَا): أَعجَلَنَا لِضِيقِ الوَقْتِ. - (العَصْرَ): يَعنِي صَلاَة العَصْرِ. - (نَمْسَحُ): نَغْسِلُ غَسْلاً خَفِيفاً كَأَنَّهُ مَسْح. - (وَيْلٌ): هَلَاكٌ عَظِيمٌ وعِقَابٌ أَلِيمٌ. - (لِلْأَعقَابِ): لِأَصْحَابِهَا؛ والأَعْقَابِ: مُفْرَدُهَا: عَقِب، وهُوَ مُؤَخِّر القَدَم؛ وخُصَّ بِالذِّكْرِ لأَنَّهُ مَظَنَّةُ النِّسْيَان ويَغْلُبُ فِيهِ التَّسَاهُل مِن المُتَوَضِّئ. -- فَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجلَيْنِ عَلَى وَجهِ الِاسْتِيعَابِ، وهُوَ المَنْقُولُ مِنْ فِعلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومِنْ فِعلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم أَجمَعِينَ، وعَلَيْهِ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ فِي جَمِيعِ الأَعصَارِ والأَمْصَارِ سَلَفاً وخَلَفاً. |
(66) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟» قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 283) واللَّفْظُ لَهُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 372) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 231) والتِّرمِذِيُّ (1/ 121) والنَّسَائِيُّ (1/ 269) وابْنُ مَاجَةَ (1/ 534) وأَحمَدُ (16/ 10085) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (1/ 1825) وابْنُ الجَارُود (1/ 96) وابْنُ حِبَّانٍ (4/ 1259) والبَيْهَقِيُّ (1/ 908). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ): وإِنَّمَا نَسَبَ اللُّقِيَّ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ لِعَدَمِ قَصْدِ أَبِي هُرَيْرَةَ لُقِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ فِي تِلْكَ الحَالَةِ. - (وَهُوَ جُنُبٌ): جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ؛ يُقَالُ: أَجنَبَ الرَّجُلُ إِذَا صَارَ جُنُبًا، والِاسْمُ: الجَنَابَةُ، وَأَصْلُهَا الْبُعْدُ؛ لِأَنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَقْرَبَ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ، وعَنْ كَثِيرٍ مِنَ العِبَادَاتِ مَا لَم يَتَطَهَّر. - (فَانْخَنَسْتُ): مِن الخُنُوسِ، وهُوَ التَّأَخُّر والاِخْتِفَاء؛ يَعنِي: ذَهَبْتُ بِخُفْيَةٍ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ وأَدَبًا مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. - (فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ): أَيْ: فِي هَذِهِ الحَالَةِ. - (حَتَّى أَغْتَسِلَ): لِأَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ حَقِيقِيَّةٍ. - (سُبْحَانَ اللَّهِ): تَعَجُّبًا مِنْ عَدَمِ عِلْمِ أَبِي هُرَيْرَةَ المَسْأَلَةَ، وهِيَ أَنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسَ عَلَى الإِطلاَقِ. - (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ): لَا يَصِيرُ عَيْنُهُ نَجِساً، حَقِيقَةً، ظَاهِراً وبَاطِناً، حَيّاً ومَيِّتاً؛ بِخِلَافِ الكَافِرِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ بَاطِنًا لِنَجَاسَةِ اعْتِقَادِهِ وخَبَاثَةِ أَخْلَاقِهِ. -- فَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ أُمُورٌ عِدَّةٌ ... مِنْهَـا: - جَوَازُ مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ ومُخَالَطَتِهِ؛ وهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ العُلَمَاءِ. - جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاغْتِسَالِ لِلْجُنُبِ. - تَعظِيمُ أَهْلِ الفَضْلِ والعِلْمِ والصَّلاَحِ، ومُجَالَسَتِهِم عَلَى أَحسَنِ الهَيْئَاتِ. - مَشْرُوعِيِّةُ اِسْتِئْذَانِ التَّابِعِ لِلمَتْبُوعِ فِي الاِنْصِرَافِ. |
(67) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ». فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وَجْهَهَا، وقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ تَحْتَلِمُ المَرْأَةُ...؟! قَالَ: «نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 130) ولَهُ اللَّفْظُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 313) والتِّرمِذِيُّ (1/ 122) والنَّسَائِيُّ (1/ 197) وابْنُ مَاجَةَ (1/ 600) ومَالِكٌ (1/ 85) وأَحمَدُ (44/ 26503) وابْنُ رَاهَوْيَه (4/ 1819) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "المُصَنَّف" (1/ 1094) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (1/ 878) والحُمَيْدِيُّ (1/ 300) وأبو يعلى في "المُسنَد" (12/ 7004) وابْنُ الجَارُود (1/ 88) وابْنُ خُزَيْمَةَ (1/ 235) وابْنُ حِبَّانٍ (4/ 1166)، والطَّبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الكَبِير" (23/ 908) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (1/ 225)، والبَيْهَقِيُّ (1/ 792). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِية الحَدِيث: هِـــــيَ: أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ/ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ المَخْزُوْمِيَّةُ، زَوْجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبِنْتُ عَمِّ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ. السَّيِّدَةُ الجَلِيلَةُ، المُحَجَّبَةُ الطَّاهِرَةُ، مِنْ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، ومِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابِيَّاتِ، وكَانَت مِن أَجمَلِ النِّسَاءِ وأَشْرَفِهِنَّ نَسَباً، وعُمِّرَت، فَكَانَت آخِرَ مَن مَاتَ مِن أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ. كَانَتْ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَخِيْهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُوْمِيِّ؛ فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا أَبُو سَلَمَةَ، تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذَلِكَ فِي سَنَةِ أَربَعٍ مِنَ الهِجرَةِ؛ وتُوُفِّيَت فِي سَنَةِ إِحدَى وسِتِّيْنَ (61 هــ)، ودُفِنَت بِالبَقِيْعِ، وقَد عَاشَت تِسْعِيْنَ سَنَةً؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (أُمُّ سُلَيْمٍ): هِيَ الغُمَيْصَاءُ؛ ويُقَالُ: الرُّمَيْصَاءُ. بِنْتُ مِلْحَانَ بنِ خَالِدِ بنِ زَيْدِ الأَنْصَارِيَّةُ الخَزْرَجِيَّةُ، أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ تَزَوَّجَهَا مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ أَبُو أَنَسٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَنَسًا، ثُمَّ قُتِلَ عَنْهَا؛ فَخَطَبَهَا أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ وهُوَ مُشْرِكٌ، فَرَفَضَتْ، ودَعَتْهُ إِلَى الإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ؛ فَتَزَوَّجَهَا أَبُو طَلْحَةَ، فَوَلَدَت لَهُ أَبَا عُمَيْرٍ وعَبْدَ اللهِ؛ وشَهِدَت هِيَ أُحُداً وحُنَيْناً، وكَانَت مِن أَفَاضِلِ النِّسَاءِ؛ وكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدعُو لَهَا ولأَهْلِ بَيْتِهَا؛ وقَالَ عَنْهَا: «دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ الغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ». (الخَشْفَة هِيَ: صَوْتُ وَقْعِ القَدَمِ). - (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحيِي مِنَ الحَقِّ): قَالَتْهُ اعتِذَارًا عَنِ التَّصْرِيحِ مِمَّا ذَكَرَتهُ فِي حَضرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا لَا تَسْمَحُ طَبِيعَتُهُنَّ بِذِكْرِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ، لِإِشْعَارِهِ بِنُزُولِ مَنِيِّهَا الدَّالِّ عَلَى شِدَّةِ شَهْوَتِهَا لِلرِّجَالِ؛ بِمَعنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ لَنَا أَنَّ الحَقَّ لَا يُسْتَحيَا مِنْهُ، وسُؤَالُهَا مِن ذَلِكَ الحَقِّ الَّذِي أَلجَأَت إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ. - (إِذَا احتَلَمَت): إِذَا رَأَت فِي الحُلْمِ المُجَامَعَةَ. - (قَالَ: نَعَم): أَي يَجِبُ عَلَيْهَا الغُسْلُ فِي هَذِهِ الحَالَةِ. - (إِذَا رَأَتِ المَاءَ): إِذَا رَأَتِ المَنِيَّ فِي بَدَنِهَا أَو ثَوْبِهَا بَعدَ اليَقَظَةِ. - (فَغَطَّت أُمُّ سَلَمَةَ وَجْهَهَا): سَتَرَت وَجهَهَا مِنِ اسْتِحيَاءِ مَا سَأَلَت أُمُّ سُلَيْمٍ. - (أَوَ تَحتَلِمُ المَرْأَةُ؟): أَيْ: يَكُونُ لَهَا مَنِيٌّ ويَخْرُجُ مِنْهَا كَالرَّجُلِ...؟! - (تَرِبَتْ يَمِينُكِ): هُوَ فِي الأَصْلِ كِنَايَةٌ عَن شِدَّةِ الفَقْرِ، أَوْ إِخْبَارٌ أَو دُعَاءٌ. ولَمْ يُرِد بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ عَلَيْهَا، وإِنَّمَا خَرَجَت مَخْرَجَ التَّعَجُّبِ مِن سَلَامَةِ نِيَّتِهَا. - (فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟!): أَيْ: فِي بَعضِ الأَحيَانِ، وهُوَ اسْتِدلَالٌ عَلَى أَنَّ لَهَا مَنِيًّا كَمَا لِلرَّجُلِ، والوَلَدُ مَخلُوقٌ مِنْهُمَا، إِذْ لَو لَم يَكُن لَهَا مَاءٌ وخُلِقَ مِنْ مَائِهِ فَقَط لَم يُشْبِهْهَا. |
(68) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الغَسْلُ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 291) ولَهُ اللَّفْظُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 348) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 216) والنَّسَائِيُّ (1/ 191) وابْنُ مَاجَةَ (1/ 610) وأَحمَدُ (12/ 7198) وابْنُ رَاهَوْيَه (1/ 19) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "المُصَنَّف" (1/ 940) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (1/ 931) والطَّيَالِسِيُّ (4/ 2571) والدَّارِمِيُّ (1/ 788) وأَبُو يَعلَى فِي "المُسنَد" (11/ 6227) وابْنُ الجَارُود (1/ 92) وابْنُ حِبَّانٍ (3/ 1174) والدَّارَقُطْنِيُّ (1/ 398) والطَّبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (3/ 3410) والبَيْهَقِيُّ (1/ 764). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (شُعَبِهَا الأَربَعِ): الشُّعَبُ جَمْعُ شُعْبَة؛ والمُرَادُ بِهَا هُنَا: الرِّجْلَانِ والفَخِذَانِ. - (جَهَدَهَا): أَتعَبَهَا؛ وهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الجِمَاعِ. - (فَقَد وَجَبَ الغَسْلُ): أَي إِيجَابَ الغُسْلِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نُزُولِ المَنِيِّ، بَلْ مَتَى غَابَتِ الحَشَفَةُ فِي الفَرْجِ وَجَبَ الغُسْلُ عَلَى الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ؛ وهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ اليَوم. |
(69) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 239) واللَّفْظُ لَهُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 282) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 69) والتِّرمِذِيُّ (1/ 68) والنَّسَائِيُّ (1/ 58) وابْنُ مَاجَةَ (1/ 344) الشَّطر الأَوَّل مِنْهُ فَقَط؛ وأَحمَدُ (14/ 8558) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "المُصَنَّف" (1/ 299) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (1/ 1504) والحُمَيْدِيُّ (2/ 999) والدَّارِمِيُّ (1/ 757) وأَبُو يَعلَى فِي "المُسنَد" (10/ 6076) وابْنُ الجَارُود (1/ 54) وابْنُ خُزَيْمَةَ (1/ 66) وابْنُ حِبَّانٍ (4/ 1254) والطَّبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الكَبِير" (23/ 1023) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (8/ 8264)، والبَيْهَقِيُّ (1/ 467). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (لَا يَبُولَنَّ): بِالتَّشْدِيدِ لِلتَّأْكِيدِ والتَّحرِيمِ. - (أَحَدُكُم): أَيْ: أَيُّهَا الْأُمَّةُ. - (فِي المَاءِ الدَّائِمِ): الرَّاكِدِ السَّاكِنِ؛ كَالخَزَّانَاتَ والصَّهَارِيجِ وغَيْرِهَا. - (الَّذِي لَا يَجْرِي): صِفَةٌ ثَابِتَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى، وهِيَ تَفْسِيرٌ لِلمَاءِ الدَّائِمِ وإِيضَاحٌ لِمَعنَاهُ. -- فَقَد نَهَى النَّبِيُّ صَلى الله عليه وسلم عَنِ البَوْلِ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ، لِئَلاَّ يُلَوِّثُهُ ويُوَسِّخُهُ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الفَضَلاَتِ القَذِرَةِ سَبَبٌ فِي اِنْتِشَارِ الأَمْرَاضِ الفَتَّاكَةِ؛ وإِنَّمَا يَتَنَاوُلُ مِنْهُ تَنَاوُلاً؛ وإِذَا كَانَ المُغْتَسِلُ جُنُباً فَالنَّهْيُ أَشَدّ. وأَمَّا إِذَا كَانَ المَاءُ جَارِياً، كَمَاءِ البَحرِ والنَّهْرِ وغَيْرِهِمَا، فَلاَ بَأَس مِن الاِغْتِسَالِ فِيهِ والتَّبَوُّلِ، مَعَ أَنَّ الأَحسَنَ تَجنِيبه البَوْلِ لِعَدَمِ الفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ وخَشْيَة التَّلوِيثِ، وضَرَرِ الغَيْرِ. |
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
|
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
|
اقتباس:
عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وشكراً على المرور الكريم |
(70) عَن أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَت: "وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 257) واللَّفْظُ لَهُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 317) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 245) والتِّرمِذِيُّ (1/ 103) والنَّسَائِيُّ (1/ 253) وابْنُ مَاجَةَ (1/ 573) وأَحمَدٌ (44/ 26798) وإِسْحَاق (4/ 2021) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "المُصَنَّف" (1/ 998) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (1/ 684) وابْنُ حُمَيْدٍ (1/ 1550) والدَّارِمِيُّ (1/ 739) وابْنُ خُزَيْمَةَ (1/ 241) وابْنُ حِبَّانٍ (4/ 1254) والدَّارَقُطْنِيُّ (1/ 404) والبَيْهَقِيُّ (1/ 815). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِية الحَدِيث: هِـــــيَ: أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ/ مَيْمُوْنَةُ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَزْنِ بْنِ بُجَيْرِ بنِ الهُزْمِ بنِ رُوَيْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ هِلاَلِ بنِ عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ الهِلاَلِيَّةُ؛ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأُخْتُ أُمِّ الفَضْلِ زَوْجَةِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وخَالَةُ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ.كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَسَمَّاهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَيْمُوْنَةَ؛ وَكَانَتْ مِنْ سَادَاتِ النِّسَاءِ. تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ من الهِجْرَةِ. وتُوُفِّيَت بِمَكَّةَ سَنَةَ إِحدَى وخَمْسِيْنَ (51 هــ) رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (مَذَاكِيرَهُ): جَمْعُ ذَكَر، وهُوَ جَمْع عَلَى غَيْرِ القِيَاس؛ والمُرَادُ بِهِ: الفَرْج. - (مَسَحَ يَدَهُ بِالأَرْضِ): دَلَكَهَا لِيُذْهِبَ مَا عَلَيْهَا مِن أَثَرِ القَذَرِ. - (ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ): أَسَالَ المَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. -- فَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ يَتَبَيَّن لَنَا أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وهُوَ أَقَلُّ مَا يُسَمَّى غُسْلًا؛ وهُوَ مَا تَرْجَمَ لَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إِذْ قَال: "بَابُ الغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً". هَـذَا... وقَد أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ عَلَى أَنَّ شَرطَ الإِغْتِسَال تَعمِيم البَدَن بِالمَاءِ، ولاَ يَشْتَرِطُ العَدَد. |
(71) وعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الحِلاَبِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 258) ومُسْلِمٌ (1/ 318) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 240) والنَّسَائِيُّ (1/ 424). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (الحِلَابِ): هُوَ إِنَاءٌ يَسَعُ قَدرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ؛ وَيُقَالُ لَهُ المِحْلَبُ أَيْضاً. - (بِشِقِّ): بِجَانِبِ. - (فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ): فِيهِ إِطلَاقُ القَوْلِ عَلَى الفِعلِ مَجَازًا؛ ومَعْنَاهُ: صَبَّ الْمَاءَ بِكَفَّيْهِ عَلَى رَأْسِهِ كُلِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. |
(72) وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ هُوَ الفَرَقُ، مِنَ الجَنَابَةِ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1/ 319) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 238) والنَّسَائِيُّ (1/ 228) ومَالِكٌ (1/ 68) وأَحمَدٌ (40/ 24089) وإِسْحَاقُ (2/ 557) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (1/ 369) والحُمَيْدِيُّ (1/ 159) وأَبُو يَعلَى (7/ 4412) والطَّبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (1/ 376) والبَيْهَقِيُّ (1/ 890). ثانياً: شَرحُ الحَدِيث: - (الفَرَقُ): إِنَاءٌ يَسَعُ ثَلاَثَة آصُّع، وهُوَ مَا يُعَادِلُ ثَمَانَيَة كِيلُو ومِائَة جِرَاماً. -- واعلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الغُسْلُ بِالصَّاعِ أَوِ الفَرَقِ لِلتَّحدِيدِ والتَّقْدِيرِ، بَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّاعِ ورُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ القَدرُ المُجزِي مِنَ الغُسْلِ مَا يَحصُلُ بِهِ تَعمِيمُ البَدَنِ عَلَى الوَجهِ المُعتَبَرِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاعًا أَو أَقَلَّ أَو أَكْثَرَ. |
جزاكم الله خيرًا
|
اقتباس:
وجزاك بمثله وشكراً جزيلاً لمرورك الكريم |
جزاكم الله كل خير
|
اقتباس:
وجزاكم مثله وشكراً جزيلاً للمرور العطِر |
(73) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي القَوْمِ، فَقَالَ: «يَافُلاَنُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِيالقَوْمِ؟» فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ. قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ». أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 348) ولَهُ اللَّفْظُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 682) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 216) والنَّسَائِيُّ في "الكُبْرَى" (1/ 306) وأَحمَدُ (33/ 19898) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (1/ 1660) والبَزَّارُ (9/ 3584) وابْنُ الجَارُود (1/ 122) و الرُّوْيَانِيُّ (1/ 87) وابْنُ خُزَيْمَةَ (1/ 271) وابْنُ حِبَّانٍ (4/ 1301) والدَّارَقُطْنِيُّ (1/ 771) والطَّبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الكَبِير" (18/ 276) والبَيْهَقِيُّ (1/ 846). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنِ بنِ عُبَيْدِ بنِ خَلَفٍ الخُزَاعِيُّ، أَبُو نُجَيْدٍ. الإِمَامُ القُدْوَةُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَسْلَمَ هُوَ وأَبُوْهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، سَنَةَ سَبْعٍ من الهِجْرَةِ. وقَد غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وكَانَ يَنْزِلُ بِبِلاَدِ قَوْمِهِ، ويَتَرَدَّدُ إِلَى المَدِيْنَةِ. وكَانَتِ المِلاَئِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ؛ واعتَزَلَ الفِتْنَةَ. بَعَثَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَهْلِ البَصْرَةِ لِيُفَقِّهَهُم؛ فَكَانَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ يَحْلِفُ: مَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ البَصْرَةَ خَيْرٌ لَهُم مِنْ عِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ. ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ البَصْرَةِ بَعدُ. تُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وخَمْسِيْنَ (52 هــ)؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (وَلَا مَاءَ): مَوْجُودٌ هُنَا. - (عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ): اسْمُ فِعلٍ بِمَعْنَى خُذْ والزَمْ، والمَعنَى: يَلْزَمُ عَلَيْكَ التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ، وَهُوَ التُّرَاب. - (فَإِنَّهُ): التُّرَاب. - (يَكْفِيكَ): لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، ويُغْنِيكَ ويُجْزِئُكَ عَنِ المَاءِ. -- والحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ عَدَمَ المَاءِ مِنْ غَيْرِ فَرقٍ بَيْنَ الْجُنُبِ وغَيْرِهِ، وقَد أَجمَعَ عَلَى ذَلِكَ العُلَمَاءُ، ولَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْخَلَفِ ولَا مِنْ السَّلَفِ. |
(74) وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا»، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجهَهُ". أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 347) واللَّفْظُ لَهُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 368) وأَبُو دَاوُدَ (1/ 321) والنَّسَائِيُّ (1/ 316) والتِّرمِذِيُّ (1/ 144) وابْنُ مَاجَةَ (1/ 569) وأَحمَدُ فِي "المُسْنَد" (30/ 18328) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (1/ 435) وعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "المُصَنَّف" (1/ 915) والطَّيَالِسِيُّ فِي "المُسْنَد" (2/ 673) والبَزَّارُ فِي "المُسْنَد" (4/ 1385) وابْنُ الجَارُود فِي "المُنْتَقَى" (1/ 126) وأَبُو يَعلَى فِي "المُسْنَد" (3/ 1607) وابْنُ خُزَيْمَةَ (1/ 269) وابْنُ حِبَّانٍ (4/ 1305) والشَّاشِيُّ فِي "المُسْنَد" (2/ 1025) والدَّارَقُطْنِيُّ "السُّنَن" (1/ 684) والطَّبَرَانِيُّ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (7/ 7121) والبَيْهَقِيُّ في "السُّنَن الكُبْرَى" (1/ 1004). ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: عَمَّارُ بنُ يَاسِرِ بنِ عَامِرِ بنِ مَالِكٍ العَنْسِيُّ؛ أَبُو اليَقْظَانِ. الإِمَامُ الكَبِيْرُ، أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَالأَعْيَانِ البَدْرِيِّيْنَ، ومِن الأُمَرَاءِ الشُّجَعَانِ ذَوْي الَّرأْيِّ. أَسْلَمَ هُوَ، وأَبُوهُ يَاسِرٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، قَدِيماً، فَكَانُوا مِن السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ فِي الإِسْلاَمِ، وأُمُّهُ هُيَ أَوَّلُ شَهِيدَةٍ فِي الإِسْلَامِ. هَاجَرَ عَمَّارٌ إِلَى المَدِينَةِ، وشَهِدَ بَدراً وأُحُداً والخَنْدَق وبَيْعَةَ الرُّضْوَان، والمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم. وهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى مَسْجِداً فِي الإِسْلاَمِ، بَنَاهُ فِي المَدِينَةِ وسَمَّاهُ قباءاً؛ وَلاَّهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ الكُوفَةَ، فَأَقَامَ زَمَناً بِهَا، ثُمَّ عَزَلَهُ عَنْهَا. وشَهِدَ مَوْقِعَة الجَمَل وصِفِّين مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بِنْ أَبِي طَالِبٍ؛ وقُتِلَ فِي الثَّانِيَة. سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطِّيِّبُ الْمُطَيَّبُ، وقَالَ عَنْهُ: (عَمَّارٌ مُلِئَ إِيْمَاناً إِلَى مُشَاشِهِ). وقَالَ أَيْضاً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَادَى عَمَّاراً عَادَاهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ عَمَّاراً أَبْغَضَهُ اللهُ). اسْتُشْهِدَ عَمَّارٌ بِصِفِّينَ، سَنَةَ سَبْعٍ وثَلَاثِينَ (37 هــ)، وقَد عَاشَ ثَلاَثاً وتِسْعِينَ سَنَةً، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ثالثاً: شَرحُ الحَدِيث: - (تَمَرَّغْتُ): تَقَلَّبْتُ. - (نَفَضَهَا): هَزَّهَا أَو نَفَخَ فِيهَا تَخْفِيفَاً لِلْتُرَابِ. -- اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ، فَقَال الجُمْهُورُ: هُوَ ضَربَتَان: ضَربَةٌ لِلْوَجْهِ يِمْسَح بِهَا وَجْهَه، وضَربَةٌ لِليَدِينَ يَمْسَحُهُمَا إِلَى المِرفَقَيْنِ.. اليُمْنَى بِاليُسْرَى، واليُسْرَى بِاليُمْنَى. وقَد رُوِيَ هَذَا عَن ابْنِ عُمَرَ، وسَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، والشَّعبِيِّ، والحَسَن البَصْرِيِّ؛ وهُوَ قُوْلُ الثَّوْرِيِّ، والأَوْزَاعِيِّ، وأَبِى حَنِيفَةَ، ومَالِكٍ، واللَّيْثِ، والشَّافِعِيِّ. وقَالَ أَحمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وأَصْحَابِهِ وبَعضُ الشَّافِعِيَّة: هُوَ ضَربَة وَاحِدَة لِلوَجهِ والكَفَّيْنِ. وهَذَا القَوْلُ الأَخِيرُ مُوَافِقٌ لِلحَدِيثِ؛ وأَمَّا الأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا ذِكْر المِرفَقَيْنِ وذِكْر نِصْف السَّاعِد، فَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ. ولَعَلَّ مَسْح اليَدَيْنِ إِلَى المِرفَقَيْنِ مِن اجْتِهَادِ بَعضِ الصَّحَابَةِ وتَابِعِيهِم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وإِنَّمَا العِبْرَةُ بِمَا جَاءَت بِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛، واللهُ أَعلَمُ. |
جزاك الله خيرا
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:57 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.