بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=79)
-   -   كل ما تريد معرفته عن الديمقراطية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=512011)

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:48 PM

الصحافة والديمقراطية

لا يمكن ممارسة الديمقراطية دون صحافة حرة ومستقلة، مكتوبة كانت أو مرئية أو مسموعة. الصحافة الحرة هي مدنية وليست حكومية في تكوينها. تعكس بمختلف اتجاهاتها وجهات نظر الناس وتفكيرهم وتطرح عليهم آراء ومواضيع كثيرة للنقاش وتوضح وتشرح مشاكل المجتمع. كل هذا يؤدي إلى توعية كبيرة للمواطنين وتطور للديمقراطية.

المصدر الأهم للثقافة السياسية لأكثر الناس تأتي غالبا من الصحافة. هذه المدرسة الديمقراطية حيوية لشحذ عقول الناس وضمائرهم للدفاع عن حقوقهم أمام جبروت الحكومة وغيرها من أصحاب السلطات المتنوعة من مالية إلى دينية...

يمكن أن تتحول حرية الصحافة من الايجابية إلى السلبية. إن الصحافة غير الملتزمة سياسيا، يمكن أن تعرض الأمور المعالجة لصالح المواطن الحاضرة والمستقبلية دون مواربة وحسابات كسبية وخسارات سياسية . لكن من جهة أخرى عدم الالتزام هذا قد يؤدي إلى إهمال العمل النقدي الجاد، أو متابعة الأحداث بشكل سطحي ومغري للجماهير دون فائدة إعلامية ودون مسؤولية اجتماعية.


الصحافة الحرة تضع فاصلا واضحا بين الصحافيين ومالكي الصحافة. لا دخل للمالك بما ينشر في الصحيفة. المسؤولية المباشرة تعود بالدرجة الأولى إلى الصحفي الذي يكتب تبعا لقناعته. وبما أنه من الصعب الوصول إلى استقلالية كبيرة لكل الصحافيين، فمن المفضّل أن تكون ملكية الصحيفة للصحافيين أنفسهم كما هو الحال مثلا في الجريدة الفرنسية "لوموند". أو أن تكون لهيئة مستقلة عن الدولة كهيئة الإذاعة البريطانية أو راديو كندا. هذه الإذاعات الوطنية مستقلة عن الحكومة والأحزاب السياسية وتوجهاتها.

تعدد مصادر الأخبار والتعليقات والمناقشات ضروري للحصول على معلومات صحيحة وسهلة الفهم. الصعوبة اليوم هو الوصول إلى اقرب مسافة من الحقيقة في بحر من المعلومات المتنوعة من حيث الكمية والنوعية.

وجود وزير للإعلام، كما هو الوضع في كثير من الدول العربية الديكتاتورية هو تعد سافر على حرية الرأي في هذه الدول. لأن "ضمانة" الحرية الأساسية للصحافة لا يمكن وضعها في يد الحاكم!

بزوغ الانترنيت والصحافة العالمية وجملة المحطات التلفزيونية المحلية والفضائية فتحت أمام كافة الشعوب وخاصة المستعبدة منها من قبل حكامها، إمكانيات هائلة لا يمكن التكهن بتأثيرها على مدى بضع سنوات. المواطن في هذه الدول في حال وصوله إلى هذه الوسائل سوف تتبدل نظرته إلى كثير من "بديهيات" سياسات بلاده بمقارنتها مع سياسات دول تحترم مواطنيها وتقدم لهم خدمات وشروط عمل وتتقيد بأخلاقيات تسيير الدولة دون نهبها وتخريبها عن عمد أو جهل,

يستطيع أي مواطن عربي مهما قلت ثقافته، أن يقارن بين حياته وحياة الآخرين والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظر وزراء الإعلام!

أما الاتصالات الفردية عن طريق الانترنيت، رغم محدوديتها، فهي تحدّ من سيطرة الدولة على ضمائر الناس وغسل أدمغتهم. من الملاحظ عالميا أن نسبة الاشتراك بالانترنيت منخفضة في البلاد الديكتاتورية وهي تحت مراقبة مشددة.

لكل وسيلة حسناتها وسيئاتها. هناك ما ينشر في صحف عالمية أو إذاعات معروفة بموضوعيتها ونزاهتها وجدية عملها واستقلالها عن السياسيين والمنتفعين ماليا أو مذهبيا أو دينيا...ولكن هناك بالمقابل "فضائيات" لم تزل تعيش تحت مظلة رئيسها القائد الملهم أو تحت تأثر رجال الدين تبث جهلها ونفاقها لكل أطراف المعمورة. هناك أيضا زحمة التداخلات والمداخلات الهائلة العدد بالانترنيت. الضياع وإضاعة الوقت في هذه الحالة يؤدي إلى خمول في البحث الجدي والابتعاد عن النقد والتمحيص.

ولكن مع الوقت يمكن للمواطن تحديد الطريق والمواقع والوسائل الأكثر نفعا والاستفادة منها ايجابيا. المهم الانفتاح الفكري دون متاهة ودون تحرك عشوائي أمام الانترنيت وغيرها من وسائل الإعلام.

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:49 PM

الشفافية والحوار في الديمقراطية

للإنسان كل الحق في تحكيم عقله دون خوف أو محاسبة عشوائية من الحاكم أو المجتمع. حرية التفكير جوهر العمل الديمقراطية، الحد منه يفرغ الديمقراطية ويجعل منها شكلا دون مضمون.

المجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح. تعرض فيه الأفكار وتناقش علنا من المواطنين تحت حماية القانون. هذه الشفافية وعدم رهبة الحاكم هي عناصر حيوية في مجال الديمقراطية. الإنسان المنفتح والمحاور والمدافع عن حقوقه لا يبقي لنفسه حصيلة أفكاره ومواقفه بل يود نقلها إلى الآخرين لاقتناعه بما يفكر فيه وبما يفعله. إذا دخلت هذه العقلية الانفتاحية في مجالات السياسة والنشر والصحافة والفنون وغيرها، قد تتجلّى صحوة نوعية عند المواطنين يتجاوزون فيها حدود إمكانياتهم الضيقة لإيجاد حلول جماعية أفضل من الحلول "المنزلة" من دماغ السلطان مهما كان قادرا وقديرا. فحصيلة مجموعة الأفكار هائلة بالنسبة لأفكار فرد واحد.

أما السرية وعدم الحوار والانغلاق والصحافة الموجه أو ما يسمى خبثا الصحافة "الملتزمة". واتخاذ القرارات ضمن حدود ضيقة وأقل ما يمكن من النقاش تؤدي إلى سياسات هزيلة لا تخدم المواطنين بل تخدم شلة من الحكام ومن يدور حولهم، كما يحدث غالبا في الأنظمة الديكتاتورية.

الحوار بين أناس أحرار، عامل أساسي لنضجهم الفكري. الحوار هو نقاش مفتوح بين الأفراد تبعا لبعض الأصول لعرض أفكار المشاركين وتجاربهم لتجاوز الانعزالية الفردية. الدخول في حوار مع الآخرين يغذي أفكار الفرد والجماعة معا وتصبح محصلة النقاش والحوار أكثر وأكبر وأعمق من مجموع الأفكار المطروحة قبل نقاشها ومقارنتها.

أثناء الحوار تنمو الأفكار وتتطور بسبب دخولها في مجابهة سلمية ومقصودة مع أفكار مناقضة أو موازية أو متقاربة أو مكملة. هذه الحركة بين الفكرة وغيرها ترفع المتحاورين إلى مستوى أرقى من حيث فهم الأمور المطروحة.

لكي يصل المتحاورون إلى نتائج إيجابية، على كل واحد أن يعرض أفكاره بشكل واضح وبكل حرية، دون أن يقاطع. عليه أن يلتزم في البداية بموقفه مما طرحه دون تغيير مفاجئ لألا يتحول الحوار إلى متاهات لا يعرف الأفراد موقف بعضهم البعض. في حال الاقتناع من وجهة نظر ما. يجب إعلان ذلك ليتفهم الآخرون الموقف الجديد ليتفاعلوا معه.

على المحاور عدم استعمال البلاغة الكلامية أو رفع الصوت أو احتكار الوقت للتأثير على الآخرين. عليه أن يلتزم بحدود اللياقة الكلامية بعرض أفكاره بشكل مترابط ومفهوم. عليه سماع الرأي الآخر بكل انتباه. فالسماع أصعب من الكلام. من المفضل للمحاور كتابة بعض النقاط الشخصية لمساعدة الذاكرة في جولة عامة حول الموضوع.

حقيقة الفرد الواحد المنعزل هي حقيقة هزيلة في عقل صاحبها. أما الحقيقة المطروحة للنقاش والحوار في جلسات ديمقراطية يحترم فيها رأي الجميع، تغني صاحبها والمجتمع. كما يحدث غالبا في المؤتمرات العلمية والفكرية والفنية المحضرة جيدا.

قد لا يخرج المتحاورون باتجاه واحد ولكنهم يخرجون بوعي أكبر للأمور المطروحة وبوعي أوضح لما يجمعهم ويفرقهم.

المهم في الحوار أن يدور حول نقاط محددة دون تشعب كبير كي لا يتحول الحوار إلى متاهة مقصودة أو غير مقصودة تكون أسوأ مما لو لم يبدأ. الأساس في الحوار هو فتح آفاق جديدة لتوضيح الأفكار والتجارب وإغنائها.

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:51 PM

النقد في الديمقراطية

النقد عملية عقلية للكشف عن حسنات وسيئات أمر ما. النقد يفتح بابا واسعا لرؤية الموضوع المطروح من كل أوجهه بشكل منهجي أي بشكل منظم وجدي يبدأ بالتحليل والربط بين الأمور دون إغفال. النقد يتطلب الحذر الشديد لكي لا يتحول من العقل إلى العاطفة حيث ينزلق في متاهات وظلمات لا تمس الموضوع المطروح.

النقد عملية صعبة لا ضوابط دقيقة وشاملة لها. فالناقد رغم انفتاحه وحذره ينطلق من مكوناته الثقافية المحددة لكي يحلل الموضوع ويطلق حكما عليه. لذا فالإطلاع الكبير وتنوع النقاد ضرورة أساسية في مجتمع ديمقراطي. فمطالعة وجهات نظر متعددة يساعدنا على تخطي حدودنا الضيقة لفهم أعمق وأوسع وانضج لأي موضوع كان، ويساعد الناس في أكثر الأحيان بالكشف على النقد الأكثر قربا من الحقيقة.
القول أن النقد يجب أن يكون ايجابيا وليس سلبيا كلام يؤدي غالبا ما إلى نبذ النقد. فالنقد السلبي في بعض الأحيان قد يكون أكثر ايجابية لأنه يظهر سيئات مخفية وهذا بحد ذاته عملية ايجابية. هذا القول يشابه بشكل آخر مقولة أن النقد يجب أن يكون بناء وليس هداما. هذه المقولة تصدر غالبا عن جماعة القبول بالأمر الواقع والمحافظين. فالبنّاء أو الهدّام، تصور ذاتي وليس واقعا موضوعيا لا يتبدل. كل نقد يوجه لسياسة ديكتاتورية مثلا يقال عنه من قبل أعوانها أنه هدام، ولكن هدام لمن؟ هو هدام لهذه الديكتاتورية بالذات ولكنه قد يكون عاملا بناء لنظام ديمقراطي. فالسلبية والايجابية، البنّاءة والهدامة هي انطباعات ذاتية تعكس غالبا ما مصالح قائليها.المهم في موضوع النقد أن يستند إلى العقل والصدق والوقائع دون تحجيم وتضخيم.

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:52 PM

الديمقراطية وحل الصراعات في المجتمع

ستبقى التناقضات المتعددة موجودة في كل المجتمعات البشرية. تضارب المصالح لفئات الشعب الواحد موجودة حتى في أصغر خلية اجتماعية. لحل هذه الصراعات، إما العودة إلى شريعة الغاب؛ الأكبر والأقوى والأغنى هو الذي ينتصر وله " الحق" لأنه يملك القدرة على السيطرة؛ فالقوة هي التي تصنع الحق. وإما التحول إلى سلوك أسلم يأخذ بالقانون العادل للتحكم في الخلافات الاجتماعية. سيادة القانون هذه لا يمكن تطبيقها إلاّ في الأنظمة الديمقراطية فقط. لأن الجميع سواسية أمام القانون، لا امتياز لأحد على الآخر ولأن هناك آليات لحصول الفرد على حقوقه بشكل مشروع.

إطاعة القانون في الأنظمة الديمقراطية لا تلغي الصراعات بل تحد من عــنــفــها وتقلل من سلبياتها المضرة والعقيمة. لأن الناس يلجأون إلى تحكيم قوة القانون وليس إلى قوة الأفراد.

إطاعة القانون في المجتمع الديمقراطي فضيلة اجتماعية وأخلاقية لأن للقانون قيمة تعلو على الفرد لأنها لمصلحة كل الأفراد في المجتمع. القانون يحدد أصول معاملات الناس ما بينهم وكيفية حل خلافاتهم بشكل سلمي. إطاعة القانون يرفع من قيمة المواطن لأنه يشارك الآخرين في الحفاظ على السلام الاجتماعي وهو دليل قاطع على حسن سير الديمقراطية. فتربية المواطنين على سلوك وأخلاقية ديمقراطية تهذبهم لمعرفة حدودهم في معاملاتهم مع الآخرين.

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:53 PM

الديمقراطية والدين

المسلّمات أو المبادئ الأولية للحكم الديمقراطي العلماني والحكم الديني " التيوقراطي" مختلفة كليا. نحن أمام منظومتين مختلفتين من حيث التكوين والشرعية والأهداف. في الحكم الديني، تعتبر الحقائق منزلة، لها الأولوية على التفكير الفلسفي وحتى على الحقائق العلمية. التشريع في التيوقراطية، يستند أساسا على نصوص دينية "مقدسة" لا يمكن تغييرها. كل ما فيها صالح لكل مكان وزمان وحقائقها مطلقة غير قابلة للتأويل أو التحريف.

في الدولة الدينية أي التيوقراطية، الشعب تحت وصاية الله. هذه الوصاية تتم بواسطة الأوصياء على الدين الذين غالبا ما يوكلون أنفسهم بأنفسهم ويشرحون للناس دينهم وجملة حقوقهم وواجبا تهم الخاصة والعامة. لكن في الواقع كل شرح للدين يعكس عقلية وثقافة شارحها واهتماماته وكذلك ثقافة عصره، يفرضها على المواطنين-المؤمنين فرضا دون أي نقاش أو نقد. يحق للناس في التيوقراطية ممارسة نوع محدود جدا من "الديمقراطية" تتعلق بشكليات الحكم وليس في أسسه. أي اجتهاد "ديمقراطي" يجب أن يدور داخل إطار التشريع الإلهي المفترض، لا يمكن قبول أي تشكيك بأصوله أو الخروج عنه.

الحكم الديني يستند الى عقائدية مطلقة وشمولية. يحاول تفسير كل شيء، بماضيه وحاضره ومستقبله ويرى أن "الدين هو الحل" الأمثل لتسيير شؤون العالم. لذا فلا مكان لغيره من الأفكار التي لاتنسجم معه، مما يؤدي حتما إلى صراع دائم مع "الآخرين" وإلى ديكتاتورية وطغيان واستعباد. فكل خلاف معه يصبح كفرا وخروجا عن الصراط المستقيم. هذا الفكر الديني السياسي والشمولي والمتكبر والمتعجرف، يحرّم كل من لا يسير في رحابه. يستعمل الغلو والتزمت والانغلاق ويأمر بالطاعة الكاملة. فهو غير قادر على قبول التعددية لا بالفكر ولا بالسلوك، لا يقبل تداول السلطة بشكل شرعي بين أحزاب متعددة، إلا إذا كانت مرحلية وفي مصلحة وصوله إلى الحكم، ومن ثم القضاء النهائي على التعددية الديمقراطية. فالتعامل مع غير "المؤمنين" به يصبح بحكم المنطق التيوقراطي تعاملا بمعايير غير التي تعامل به جماعاتهم. فالقوانين تصبح مجحفة بحق "الملل" والمذاهب الأخرى والأقليات وغير المؤمنين الكفّار ... وتزول نهائيا المساواة بين المواطنين.

التعنت والتعصب الديني ناتج أيضا عن الصراع على السلطة بين التيوقراطيين الذين يتحركون غالبا ما تبعا لطموحاتهم الخاصة بتسخير الدين لغايات سياسية، مما يؤدي إلى شرذمة في الدين الواحد لظهور مذاهب متعددة وشيع وأحزاب دينية مختلفة والتي تصل في أغلب الأحيان، وهذا هو الخطر الأكبر، إلى صراع وحرب معلنة على بعضها البعض. كل فريق يدعي ملكية "الحقيقة الإلهية" الكاملة لتسيير أمور الناس في هذا العالم وفي العالم الآخر. يرى في الآخرين " خوارج" إن لم يكن كفارا يجب محاربتهم أو على الأقل ضبطهم بالقوة ليعوا الحقيقة. هم يميلون إلى المزايدات في دعوا تهم لدرجة الخروج عن بديهيات العلاقات الإنسانية والتي تؤدي في بعض الظروف إلى جرائم وحشية. كل هذا تحت شعارات دينية. حركة الطالبان وحركة القاعدة وكثير من الحركات الجهادية الدينية المنتشرة في كثير من البلاد العربية والإسلامية وحتى الغربية أطهرت وجها بشعا للدين. وعراق اليوم بعد الغزو الأمريكي مثلا فاضحا لهذا التعصب الناتج خاصة عن اقحام الدين بالسياسة.

المؤشرات الصادرة عن الحكومات العربية ذات الطابع الديني للإخوان المسلمين وغيرهم من الاصوليين، التي وثبت على ثورة الشباب لعام 2011 في تونس وليبيا ومصر والمغرب، بسبب خبرتهم التنظيمية ودعايتهم المدعومة بأموال هائلة من أهل البترول، تبين بشكل واضح أن الربيع العربي الديمقراطي سوف يمرّ في شتاء قارص وجامد لعقود قادمة. يعيد الديكتاتوريات تحت غطاء ديني سيكون أكثر هولا مما سبق. إحياء الربيع الديمقراطي العربي يحتاج حتما الى وعي الشبيبة التي بدأت الثورة. من الضروري تكوين أحزاب سياسية ديمقراطية غير دينية وتوعية الجماهير العربية وخاصة الطبقات الاجتماعية الفقيرة التي يحاول الاخوان وأعوانهم السيطرة عليها بسبب بعض المعونات والخدمات الاجتماعية التي قدموها لهم خارج نطاق الدولة، من أموال الوهابيين ومن بعض دول الخليج ومن حركات اسلامية متزمتة خارج العالم العربي.

الحكم الديني من الناحية السياسية والعملية،بسبب جموده العقائدي، لا يستطيع تسيير أمور الدولة. تعقد مشاكل الدولة الحديثة من سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية وعلاقات دولية تحتاج بالأحرى إلى عقليات منفتحة ومرنة للتعامل مع دول وشعوب ذات معتقدات وديانات مختلفة. وتحتاج خاصة إلى أخلاقيات عامة متعارف عليها في القوانين الدولية لتحسين رفاهية الشعب وضمانة استقلاله والعمل لحسن الجوار وللسلام العالمي.

الكلام عن ديمقراطية دينية هو نفاق لأنه غير صحيح، غير ممكن، غير منطقي وغير واقعي. كيف يمكن الكلام عن ديمقراطية "أي حكم الشعب" عندما يصبح الشعب تحت سيطرة رجل الدين-السياسي، أو السياسي الذي يجعل من الدين هوية المواطنة، الذي يحدد ما يجب وما لا يجب فعله في الحياة الخاصة والعامة؟ الانتخابات الإيرانية النيابية (2005) والرئاسية (2009) مثلا أثبتت عن عدم احترام المبادئ الأساسية للديمقراطية. السلطة الدينية اختارت المرشحين تبعا لعقليتها وعقيدتها ورفضت مئات غيرهم وتم تزوير أوراق الانتخابات الرئاسية بشكل فاضح. وجود انتخابات بهذا الشكل لا علاقة له بالديمقراطية ولكنها منسجمة مع الحكم التيوقراطي .لأن أساس السلطة لا تصدر عن الشعب ولكن عن سلطة "غيبية " تعلو عليه، يتحكم بها أوصياء الدين ومن يدور في فلكهم، والذين يدّعون أنهم يمثلون الله على الأرض.

التجارب التيوقراطية في العصور الوسطى في الغرب وفي العصور الحديثة في أفغانستان والسودان والصومال والسعودية وإيران واليمن وباكستان وفي دول يلعب الدين دورا أساسيا في وضع الدساتير والقوانين المدنية، أسفرت كل هذه التجارب عن تعد فاضح على حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة. وشّلت حركة المجتمع وتطوره وأبقت على عقلية رجعية متزمتة غير متأقلمة مع العصر وغير متطورة ثقافيا وفكريا وإنسانيا. وقد ظهر في هذه الدول حركات إرهابية تربت على كراهية الآخر مهما كان وفي أي مكان كان.

الدولة الدينية تسقط المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وتضع لها قالبا محددا تنسبه للمشروع الإلهي والى "طبيعة" المرأة، لا يجوز الخروج عنه. وتبعد الأخيرة عن المشاركة الفعالة والكاملة في شؤون الدولة والمجتمع فهي تابعة لإرادة الرجل , ولنزواته ال***ية الأنانية. ومصيرها يتم حسب رغباته الرجولية، لأنها "طبيعيا"أدنى منه .

يبين واقع المجتمعات المتقدمة أن الفوارق بين الرجل والمرأة مصطنعة تعود إلى العادات والى التربية وليست إلى "طبيعة المرأة" . هذا التخلف الجذري في عقلية التيوقراطيين "الذكور" ينعكس سلبا على المجتمع ككل. ليس من الأخلاق والمعقولية والفعالية أن يوضع نصف المجتمع (النساء) خارج التقدم الاجتماعي والسياسي دون ضرر عميق بالنساء وبكل الأجيال الحالية والقادمة. تبين دراسة الأمم المتحدة أن تخلف "التنمية الإنسانية العربية" تعود بشكل أساسي إلى عدم إشراك المرأة في المجتمع وعدم مساواتها بالرجل و"حجبها" عن المجتمع الفعاّل.

رغم وعود وآمال الربيع العربي بتحرير المواطن العربي من كافة أنواع العبودية، فإن الواقع بعد عام من ثورة الكرامة العربية لم يتحسن وضع للمرأة في الساحة السياسية بل على عكس ذلك. البرلمانات العربية، حسب تقرير للأمم المتحدة 2012، تحوي 10،7% لمقاعد السيدات. المنطقة العربية هي الوحيدة في العالم التي لم تصل فيها نسبة السيدات كحد أدنى الى 30% من مقاعد المجالس النيابية. تبعا للتقرير الأممي هناك مثلا تحسنا في حالة المملكة المغربية التي حددت نسبة 16،7% للسيدات. بالمقابل خسر البرلمان التونسي لعام 2011 مقعدين لهن. والاغرب من ذلك تدنت نسبتهم في برلمان مصر " أكبر دولة عربية" من 12% قبل الثورة الى 2% ! بينما يلاحظ تقدما عالميا في نسبة النساء في هذه المجالس النيابية. بالمقارنة، نسبة السيدات مثلا في نيكاراكوا، الدولة الصغيرة ذات الدخل القومي المتواضع، هي 40% ، تقترب نسبتهن الى معدلات الدول الاسكندنافية 42%. مما يظهر جليا أن وصول الاحزاب ذات الاتجاهات الدينية تحد من تحرر المرأة وتعيد العالم العربي الى عصور مظلمة وظالمة لهنّ بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام.

الخلفية الثقافية- الدينية-السياسية في مجتمعاتنا العربية عميقة الجذور. عقليتنا وتصرفاتنا مرهونة بماضينا. ثقافتنا العربية اليوم اجترار لهذا التراث الماضي، الذي أخذ مع الوقت نوعا من القدسية، غير قابل للنقاش أو للنقد أو للبحث التاريخي العلمي .تراثنا لا يشجع على الاختلاف والرأي الحر. وعينا التاريخي يضعنا بشكل غير عقلاني في صراعات مع ماض لا علاقة له مع حياة الناس في الواقع الحالي. هذه الخلفية الدينية ترفض الاختلاف معها لأن مواقفها صحيحة منذ البداية لأن المقدس لازمني حسب منظريها ، عندهم الحقائق محددة ثابتة وأزلية.

أما الديمقراطية العلمانية فهي تستند إلى فصل الدين عن الدولة وتميز بين الدنيوي والمقدس بشكل واضح. وتجعل من الدولة ومؤسساتها بما فيها معاهد التدريس مؤسسات حيادية بعيدة عن الروابط الطائفية أو الدينية أو الغيبية. الديمقراطية العلمانية ترفض تدخل رجال الدين والحركات الدينية في مصير الدولة وتفسح المجال لحرية الإيمان الديني أو عدم الإيمان دون أي إكراه لآن الدولة لا علاقة لها بمعتقدات الأفراد. هذه الدولة مفتوحة لكل المواطنين ذوي المؤهلات دون تمييز ما.

الجمهورية العلمانية الديمقراطية تريد حلولا لمشاكل المجتمع المعقدة صادرة عن تفكير عقلاني وعلمي وتجريبي. لآن الحلول لا يمكن أن تكون جاهزة سلفا في "الكتب الدينية المقدسة".

في الديمقراطية العلمانية، الفكر البشري هو الذي يولّد الدستور والقوانين ويحدد سير الدولة ومعاملاتها مع المواطنين ومع الدول الأخرى. وحقائقه نسبية تتطور في الزمان والمكان بعقلانية علمية تجريبية. سيادة الدولة تنبثق عن الشعب. حيث النقاش والحوار والنقد مفتوح دون قيود ملزمة ومتحجرة. في الديمقراطية لا يحق للأغلبية إسكات أقلية ما مناقضة ومخالفة للرأي العام. لأن حقيقة الأمور لا تظهر دون حرية الرأي. أهم مقدسات الديمقراطية تكمن في الدرجة الأولى في احترام حقوق الإنسان التي هي غاية الديمقراطية وذروة تطور الحضارة الإنسانية. إعلان حقوق الإنسان تعطي قيمة مطلقة للناس وتحرّم استغلالهم وتدافع عن كرامتهم وحقوقهم في مجتمع أكثر عدلا. في الديمقراطية العلمانية قبول وتسامح لكافة المعتقدات الدينية والعقائدية والمذاهب الاجتماعية.

العلمانية ليست مرادفة للديمقراطية. العلمانية يمكن أن تكون غير ديمقراطية كما هو الحال في بعض ديكتاتوريات الدول النامية. ولكن من الضروري أن تكون الديمقراطية علمانية ومحايدة دينيا وعنصريا حيث المواطنة مفتوحة للجميع دون تمييز.

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية (1966) وغيرها من الاتفاقات الدولية التي أقرتها أغلب الدول العربية المنتسبة إلى هيئة الأمم المتحدة، تعبر تعبيرا واضحا عن علمانية الدولة والتزام هذه الدول بتطبيق مبادئها في بلادهم. لكن الدول العربية هي اليوم في مزايدات دينية ، غاياتها سياسية. فكل سياسي يتمسك ظاهريا بالفضيلة وبمظاهر الدين لخداع الناس والحصول على شعبية ما للسيطرة على الحكم.

في المجال العام (الدولة ومؤسساتها)

في المجال الخاص (الأفراد والجمعيات الدينية)





أصبح من الصعب في مجتمع حقوق الإنسان، العمل بمبدأ؛ على الدين أن يسيّر أمور المواطنين في كافة معتقداتهم ونشاطاتهم . الدولة الحديثة أخذت على عاتقها أمور المجتمع لإرضاء حاجات المواطنين المادية والمعنوية. أخذت عن الدين كثيرا من مهام كان يقوم بها رجال الدين من جمع الأموال للمحتاجين إلى رعاية الأطفال والمرضى والتعليم...

للحفاظ على مقومات الدين الأساسية يجب قبوله في مجال الإيمان بالعقيدة وممارسة الشعائر فقط وبشرط ألا يكون إكراها للضمائر. كإكراه الناس على الإيمان بالدين وممارسة طقوسه كما هو الحال في السعودية مثلا وقريبا في كثير من الدول العربية. في الدولة الديمقراطية من الضروري التسامح مع بقية الأديان والمعتقدات ومن غير المؤمنين بالدين واحترام الاستقلالية الأخلاقية للفرد. الإيمان أو عدم الايمان قناعة فردية يعود إلى حرية ضمير الفرد، لا دخل للسياسة والمجتمع فيه. المجتمع الذي يدفع الإنسان للإيمان قسرا أو عن طريق الدعاية المغرية والمغرضة ينزع قيم الدين ويشوه إيمان الفرد. مثل هذا الإيمان السطحي هو إيمان "خارجي" يرضي الآخرين ويدخل في مجال الطقوس و"التمثيل" والتظاهر الاجتماعي.

اجتماع الناس حول عقيدة دينية واحدة لا يعطيهم الحق بفرض إيمانهم على الآخرين أو توجيه سياسة الدولة والمجتمع حسب معتقداتهم. من الملاحظ تاريخيا أن الغرب نهض نهضة جبّارة عندما فصل الدين عن الدولة وحدد حقوق وواجبات المواطن بعيدا عن أوامر رجال الدين الذين كانوا يتدخلون في مجمل حياة الناس. "الطغيان" الديني يؤدي إلى اضطهاد غير المؤمنين بهذا الدين والى عصبية تضر الدولة والدين معا ويولد انقسامات وعداوات بين المواطنين. بهذا تُصبغ الدولة ككل بصبغة دينية ضيقة الأفق ويصبح "الدين-الدولة" ومؤسساته بؤرة لإرهاب الناس والتعدي على ضمائرهم وحرياتهم العامة وحتى على حياتهم.
الديمقراطية دعوة للعيش المشترك استنادا إلى مفاهيم إنسانية محددة بشكل واضح في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. علاقتنا مع الآخر يجب إخراجها من نطاق الدين الضيق، الشبيه بالعنصرية ،الرافض للآخر، وإدخالها في المجال الإنساني الرحب.

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:54 PM

دور المثقفين والفنانين في التوعية الديمقراطية
الفلسفة والعلوم الإنسانية والفن تمكّن ممارسيها المستقلين والأحرار، فهم المشاكل الإنسانية فهما متعمقا وجليا ومتعدد الجوانب. هم قادرون على نقل رؤيتهم وتصورهم للأحداث بشكل أكثر وضوحا. دورهم الثقافي هام للغاية لمساعدة مواطنيهم ليخرجوا من انعزالهم المفروض عليهم قسرا في أغلب دولهم ومجتمعاتهم العربية وخاصة في ميدان الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. حرية المواطنين يجب أن يكون لها القيمة المطلقة في الدولة واعتبارها يتجاوز حدود البلد والسيادة الوطنية.

وجود الانترنيت أعطى للمفكر العربي داخل بلاده إمكانية ممتازة لنشر أفكاره بشكل واسع وطرح أفكار جديدة واستراتيجيات لتغيير ديمقراطي بطرق سلمية. لكن الكلام بحرية داخل الأنظمة الاستبدادية، يحتاج إلى شجاعة كبيرة. لأن "مخابرات" هذه الدول هي دائما "ساهرة" وجاهزة لإسكات الأحرار، بالإرهاب والسجن والــتـعذيــب وحتى القــتــل.

بالنسبة إلى المثقفين والفنانين العرب الذين يعيشون خارج العالم العربي، فهم يستطيعون توعية المواطنين العرب سجناء الأنظمة الاستبدادية، بالكلام والنشر، للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان على كل منبر وفي كل مناسبة. هم أكثر حرية من إخوانهم داخل البلاد العربية ولهم إطلاع وعلم وتجارب واقعية في مجتمعاتهم المتقدمة. شهاداتهم عن ميّزات الديمقراطية لها تأثير كبير على المحرومين منها.

دساتير الديمقراطيات تحمي المفكرين والفنانين العرب فيها من أي تعد على حرية آرائهم. هذا التعدي يظهر فقط من قبل "عملاء" الأنظمة العربية المستبدة المتغلغلين في أوساط الجاليات العربية. من الضروري فضح المخبرين ليكفوا عن تخويف الأحرار. وفي حال الضرورة إطلاع السلطات المختصة في هذه البلاد الديمقراطية لأخذ الإجراءات اللازمة بحقهم. مع العلم أن تجــنـــس المخبرين لا يسعفهم في حال ثبات تهمة العمالة والتآمر على المواطنين. ويمكن في بعض البلدان سحب الجــنــسية عنهم. من الضروري أيضا فضح أي موظف في بعثات الدول الديكتاتورية في تجسسه على المفكرين الأحرار.

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:55 PM

العولمة والديمقراطية

العولمة هدف مرموق وأساسي لخير البشر. العولمة "الإنسانية" هي في تقارب الشعوب والدول للعيش في سلام ايجابي يستند إلى انفتاح سياسي واجتماعي واقتصادي وعلمي وثقافي وتكنولوجي وأخلاقي وديني. بهذا المسار للعولمة يمكن القضاء على الجوع والتخلف والجهل والفقر والمرض بتحويل بعض طاقات الدول المتقدمة لمعونة الدول الفقيرة والنامية للخروج من مآزقها ورفع مستوى معيشتها.

لكن العولمة في وضعها الحالي تعمل لترسيخ تسلط المنظمات والشركات المالية الدولية والدول الكبرى لفرض شروطها غير العادلة على الدول والمجتمعات الفقيرة والضعيفة. العولمة الحالية تهدد السيادة الوطنية وحرية القرارات الاقتصادية. الدول التي لا تنصاع لشروط صندوق القرض الدولي مثلا لن تحصل على قروض الأموال اللازمة لتنميتها الذاتية. رغم أن هذا الصندوق هو مؤسسة عامة دولية، من المفروض أنها تعمل لمصلحة مموليها من كل دول العالم بهدف الاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة للدول النامية . لكن الدول المتقدمة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أيّام الرئيس ريغان وبوش والتأثير الدائم لليمين الأمريكي ، حولت العولمة إلى عولمة أمريكية الأهداف. فهي التي تسيّر أمور الصندوق الدولي والبنك الدولي لمصلحتها الذاتية بالدرجة الأولى وتفرض إرادتها على العالم. لقد تبين في التسعينات من القرن العشرين أن سياسات الصندوق الدولي لعب دورا سلبيا في تفقير وإفلاس كثير من الناس في الدول النامية وإدخال الفوضى في المجتمع والسياسة كما حدث مثلا في المكسيك وروسيا وإندونيسيا وتايلاند والأرجنتين.

لقد دفع الصندوق الدولي والبنك الدولي، الدول النامية إلى إدخال الخصخصة بشكل متسرع دون أي تمهيد ملائم وبعقلية عقائدية دون الأخذ بالنتائج السلبية على المواطنين. ومن الملاحظ أن مدراء هذه المؤسسات المالية الدولية هم أوروبيون أو أمريكيون بالصدفة!

الشركات متعددة ال***يات تحاول التحكم بسياسات الدول النامية لاحتكار أسواقها وفرض شروطها لمنافسة البضائع المحلية بشكل غير متعادل من حيث القوة الاقتصادية التي تملكها. فهي تسهل تحرك السلع والخدمات لصالحها وتساهم بتكوين طبقة غنية بشكل فاحش في الدول الفقيرة تكون تحت سيطرتها وعميلة لها، مقابل أغلبية ساحقة من الناس تحت مستوى الفقر بكثير. كذلك الحال في حرية دخول رؤوس الأموال إلى هذه الدول الفقيرة نسبيا وإمكانية الخروج منها بين ليلة وضحاها تبعا لسوق العملات وغيرها من الأسباب دون أي اعتبار لمصلحة البلد. هذه المؤسسات والشركات الدولية تطلب من الدول النامية التلاعب سلبيا بخطط العدالة الاجتماعية وحماية البيئة وحماية العمّال كما حدث في كثير من دول أمريكا الجنوبية. الديمقراطية في كل هذه المعمعة هي الضحية مع هذه الشعوب المستضعفة.

العولمة الإنسانية والمعقولة لخير البشر لا يمكن أن تكون تسلط من قبل دولة أو بعض الدول على مصير بقية شعوب الأرض. هذه العولمة "الإمبريالية" تزيد من متاعب البلاد الضعيفة وتخلق توترات هائلة للسلام العالمي وحقوق الإنسان. فكرامة الناس وعيشهم في عصر الاتصالات والعلم لا يمكن تجاهله. هذه العولمة يصعب قبولها من الشعوب الواعية باستقلالها وكرامتها. إن استغلال الشعوب بشكل متواصل وبهذه الطريقة لن يدوم. فالرد على هذه العولمة الإمبريالية بدأ فعلا في كثير من دول العالم؛ في آسيا وأمريكا الجنوبية مثلا. وسوف يكبر ويشتد بكل الوسائل لتحرير الشعوب من نير القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

أحادية القطب (الأمريكي) ليست من مصلحة الأغلبية الساحقة من الدول. لأن عنجهية السيطرة تؤدي إلى الغرور بالإقدام على أعمال متهورة كحرب العراق مثلا أو استغلال خيرات الدول المادية والإنسانية وبأبخس الأسعار. أحادية السيطرة لن تدوم طويلا لأن تكتلات كبيرة أخرى هي في طور التكوين لتحد من الإمبريالية الأمريكية وتخلق توازنا لخير السلام العالمي؛ كالمجموعة الأوروبية وتكتلات بعض دول أمريكا الجنوبية والآسيوية. هذه السيطرة الأمريكية وأيضا سيطرة الشركات متعددة ال***يات وعملائهم تناقض بشكل فاضح مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومبادئ الأمم المتحدة. لأنها تفرض على الشعوب شروطا سياسية واقتصادية وثقافية غير عادلة تحد من مصالح الآخرين المشروعة. وتأخر بذلك التحول الديمقراطي في هذه الدول.

التشدق بالعولمة والتكهن بنهاية القوميات ،ومنها طبعا القومية العربية، وسقوط الحدود بين الدول وفتح الاسواق بلا رادع وتحرك رؤوس الاموال بحرية كبيرة... كلام يخدم بالدرجة الأولى القوى المسيطرة على الساحة الدولية اقتصاديا وعسكريا وثقافيا وعلميا. وجود الاتصالات والمواصلات السريعة واختصار المسافات والتجمعات الاقليمية لا يوجد مجتمعا أو وطنا جديدا "معولما" على أرض الواقع. البلاد الحقيقية الواقعية هي دول ذات سيادة موجودة على أرض محددة. توفر الاتصالات بين الافراد والجماعات في العالم وخلق علاقات إنسانية متعددة معهم، لا يضمن تقدم المواطنين في بلدهم. التسارع الكبير في الاتصالات الحديثة نبهتنا الى ضرورة تضامن قومي للحفاظ على اللغة والثقافة والهوية الخاصة لمجتمعاتنا. من مظاهر الامبريالية الثقافية مثلا طغيان اللغة الانجليزية على عالم الاتصالات والثقافة المعولمة على حساب باقي اللغات. كل هذه الاتصالات بين الأفراد والجماعات على كافة المستويات يجب تشجيعها وتنميتها فهي وسيلة من وسائل التقدم والنمو نحو مزيد من الديمقراطية.

من جهة أخرى، على المجتمعات المدنية محاربة هذه العولمة الرأسمالية الاحتكارية وجبروت دولها التي تحميها. من الضروري توسيع المنظمات المدنية المستقلة عن الدول للدفاع عن حقوق الانسان واختراق مقاومة الحكومات غير المبالية بهذا الموضوع في أي مكان كان. هذه الحقوق تعلى على سيادة الدولة. فالإنسان وجد قبل خلق الدولة وقبل الكلام عن السيادة.

هناك مواضيع أخرى، لا حصر لها يمكن لهذه المنظمات المدنية الدولية أن تنشطها وتدفعها لتتدخل في نطاق سياسات الدولة لإيجاد حلول لها، مثل نزع السلاح النووي والتلوث والانحباس الحراري أو القضاء على الامراض والفقر... هذا الانفتاح على كل بلاد العالم يخدم التعايش السلمي ويكسر الحواجز النفسية المبنية أساسا عن عدم معرفة الآخر وعن جملة أحكام مسبقة تكونت منذ التاريخ القديم ولم تزل مترسخة في عقول الناس. تجاوز حدود القوميات المتعنتة والمتعصبة بين البشر تساعد الحكومات على تعايش أفضل ما بينها. تدخل الناس في الامور الدولية ضرورة أساسية للجم نزعات بعض الحكام الذين يتعالون على شعوبهم ويحاولون عزلهم عن التفاعل مع المجتمعات المدنية لبقية الشعوب. لكن تحديد السياسات ووضعها موضع التنفيذ لخير المواطنين يعود الى حكومات شرعية ديمقراطية ومسؤولة في دول ذات سيادة.
لا ينتظر من الدول الكبرى مساهمة نزيهة في الدفاع عن الديمقراطية في البلاد العربية. أمريكا مثلا، تتحالف مع دول كالمملكة السعودية، البعيدة كل البعد عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. هدف أمريكا هو الهيمنة الامبريالية، العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، والسيطرة على خيرات العرب وخاصة البترول والبيترو- دولار؛ أي عائدات البترول التي تنفق في السوق الغربية. الكلام عن شرق أوسطي جديد وديمقراطي، لا علاقة له بالديمقراطية، هو يعني كما نراه ، تخريب البلاد العربية بتقسيمها إلى دويلات طائفية ودينية ضعيفة. هذا المخطط يخدم بشكل واضح مصلحة إسرائيل بهيمنتها العسكرية على الشرق الأوسط وبالتلاحم الكامل مع الولايات الأمريكية وتبرير وجودها العنصري كدولة يهودية. ثورات الشعوب العربية ضد الاستبداد التي بدأت في تونس ومصر وليبي وسوريا في عام 2011 هو الطريق الصحيح والمستقل لبدء المسيرة الصعبة والشاقة لبناء دول ديمقراطية حديثة سوف تساعد على تقارب وتضامن عربي رغم السيطرة الحالية للإتجاهات الدينية السياسية على هذه الثورات . المستقبل مفتوح أمام خيارات ديمقراطية أكثر نضجا من التيارات الدينية التي سوف تبرهن مع الوقت محدوديتها في تحرير مجتمعاتنا العربية من التخلف .

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:56 PM

بدائل الديمقراطية


ما البديل عن النظام الديمقراطي؟ بديل الديمقراطية نقيضها أي النظام الديكتاتوري الشمولي والسلطوي، علمانيا كان أو دينيا، الذي يملي على الناس في كافة أنشطتهم نوع التفكير والسلوك. هذا النظام يدوم بدوام أصحابه وسلالتهم من عشيرة أو ملّة أو طائفة أو فئة...

رغم كل سلبيات الديمقراطية فهي أرقى من النظام الديكتاتوري وأقرب إلى أماني الشعوب المتعطشة إلى الحرية والحياة الكريمة. سلبيات حكم الفرد والفئة ظاهرة بوضوح، هذا النوع من الحكم يعمل لصالح فئة صغيرة بالدرجة الأولى، ويضع بقية الشعب تحت الوصاية ولا يعتبره راشدا لتسيير أموره وتقرير مصيره. ولكن هذا النظام، عن طريق غسل دماغ المواطنين عن طريق أبواقه الإعلامية، يدعي بهتانا الإصلاح والعمل لخدمة الشعب!

عندما تُستبعد الرقابة على الحاكم يصبح من السهل الانزلاق الى ميدان التعسف وهدر طاقات البلد والعنجهية والسياسات غير المعقولة، كما رأينا في عراق صدّام وفي رومانيا شاوشيسكو وفي كثير من بلادنا العربية وفي بقية العالم الثالث.

الديكتاتورية مكتفية بنفسها ومشبعة من ذاتها تملك الحقيقة والرشد والمؤهلات للحكم المطلق لصالح الشعب! في هذه الاجواء المغلقة يصبح الكذب وتلفيق الحقائق والنفاق والمحسوبية، الثقافة المنتشرة عند الحاكم ومن يدور حوله من المنتفعين.

موضوع التحول إلى الديمقراطية في الأنظمة الديكتاتورية تكمن أساسا في إرادة الناس وشجاعتهم. كل تحول ما، يتطلب مجازفة وتضحيات كبيرة . إرادة التغيير عند شعوب أوروبا "الشرقية" في التسعينات من القرن العشرين مثلا، تمت ونجحت بشكل سلمي، تبعا لإستراتيجية التثقيف الديمقراطي المتواصل والعصيان المدني والمظاهرات والإضرابات.

أما في دول العالم الثالث فالطريق أكثر صعوبة لقلة وضعف الثقافة الديمقراطية. لأن تبديل أو تطوير الفكر والسلوك عملية شاقة وطويلة تحتاج إلى وعي كبير وصمود أكبر. فالقوى الفاشية التي "تملك" البلد وتستفيد من تسلطها السياسي والاقتصادي لن تتنازل عن "مكاسبها" وامتيازاتها بل سوف تقاوم بكل ما تتيحه لها الدولة من جبروت للبقاء و ستحاول القضاء على المطالبين بالتغيير والإصلاح. رغم هذه الصعوبات الجّمة، هناك بوادر ايجابية مساعدة لتسريع الوعي الديمقراطي للشعوب المقهورة. فالإعلام العالمي، بلا حدود، أصبح متوفرا لكافة سكان الارض لمساعدتهم لمقارنة الأنظمة ما بينها وتبيان الفروق الكبيرة في احترام حقوق الإنسان.

العيش في نظام ديمقراطي حديث العهد، لا يعني أن مشاكل البلد سوف تحل تلقائيا وبشكل سحري، بل قد تتحول الامور، في بداياتها غالبا ، إلى صراعات طبقية ودينية... تبعا لمصالح أصحابها. ومن المحتمل أيضا، بسبب سوء الإدارة السياسية والاقتصادية، إلى إحباط الناس من الديمقراطية التي لم تجلب معها تغييرا مرتجى.

الديمقراطية تحتاج إلى عمل متواصل وإلى وقت طويل وصبر أطول. ثمار الديمقراطية لا تجنى على المدى القريب. فهي ثقافة تهذب الفكر والسلوك للعيش مع الآخرين واحترامهم رغم الخلافات العميقة بين طبقات المجتمع سياسيا واجتماعيا. وقبول مبادئ تحول السلطة من فريق إلى آخر بشكل سلمي. تحرر العقول من الخوف يخلق أجواء أكثر ملاءمة لمقاومة إعادة الاستبداد والعمل لإصلاح الامور في الدولة الديمقراطية الفتيّة.

إن كان من الصعب إيجاد حلول شاملة وسريعة في النظام الديمقراطي فإنه من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل، كما يبرهن لنا التاريخ الحديث، إيجاد حلول سليمة ودائمة في ديكتاتوريات سياسية وعسكرية تفرض حكم الأقلية عن طريق الأقلية ولصالح هذه الأقلية.

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:57 PM

الديمقراطية بين السياسة والأخلاق

دون رادع أخلاقي، يتحول العمل السياسي غالبا إلى مجابهة للوصول إلى السلطة، إما طمعا بها وإما لغايات فردية أو فئوية. الرادع الأخلاقي العقلاني المستند على قيم العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان يرسم طريقا واضحا للسياسي ليكون عمله منسجما مع مصلحة المواطنين. الأخلاق في السياسة هي الرابطة بين الحاكم والمحكوم. هو"عقد اجتماعي" يستند إلى قيم مشتركة ملزمة للأطراف. التصرف غير الأخلاقي للسياسي، في عدم احترام حقوق المواطنين واستغلال منصبه لغايات شخصية، يفصم العلاقة بينه وبين المواطنين ويضعه في موقع اللاشرعية واللامصداقية. بهذا يصبح التفويض الديمقراطي غير معقول، في حالة تناقض. لا أحد يفوض أحدا للعمل ضد مصلحته. إن عمل السياسي لصالح المواطنين تبعا للدستور المؤسس على مفاهيم العدل والمساواة والمساءلة هو الشيء المعقول والأخلاقي لضرورية العيش في دولة ديمقراطية. لقد انتخب الشعب ممثلين عنه لتنفيذ سياسات عادلة لخير الجميع. فالديمقراطية من حيث أنها آلية حقوقية لحكم الشعب، عن طريق ممثلين عنه، لها علاقة بالقيم الأخلاقية المتعلقة بالتمثيل والعمل السياسي.

الأخلاق هي حجر الزاوية في بناء ديمقراطية قوية وفعّالة. يمكن تلخيصها بالنسبة للسياسي بالنقاط التالية:

· قبول المسؤولية في حال المقدرة

· الاعتراف بالمساواة بين المواطنين والانفتاح على كافة فئات الشعب

· الإخلاص لمبادئ ووعود الحملة الانتخابية المستندة على العدالة وحقوق الإنسان وباقيالشرائع الدولية

· دعم العدالة الاجتماعية

· إدارة الشؤون العامة إدارة عقلانية دون استعمال السلطة لغايات شخصية أو فئوية

· قبول الاعتراف بالخطأ وإفساح المجال للنقد والمساءلة والشفافية

· العمل لسلام ورفاهية المواطنين

· المساهمة الفعّالة لحسن الجوار والسلام دون التضحية بالمصالح الوطنية والقومية والتعاون والتضامن مع الدول الأخرى لخلق عالم أكثرانفتاحا ومساواة بين الأمم.

على المواطنين بدورهم واجب أخلاقي تجاه السياسي المنتخب ديمقراطيا. عليهم احترامه ومساعدته عند المقدرة لأداء واجباته. حكم الشعب يستند هو أيضا على قيم لسلوك أخلاقي متحضّر، مثل التقيّد بالقوانين والعمل تبعا للعدل والمساواة في حدود جماعته السياسية وبقية الجماعات السياسية الأخرى. بين الأغلبية التي ستحكم وبين الأقليات المتعددة المعارضة.

الرادع الأخلاقي يبقى في حدود المبادرة الفردية، من الضروري تشجيعه وتنميته بشكل متواصل بالتربية والمثل الصالح . لكن من السذاجة تصور احترام القوانين والسلوك المهني "الاخلاقي" من قبل كل السياسيين والمسؤولين عن الشؤون العامة ، بشكل اختياري وبعيدا عن المراقبة والمساءلة. يجب وضع قوانين ملزمة للتقيد بهذه الواجبات "الأخلاقية-السياسية" لحسن سير مؤسسات الدولة لخدمة المواطنين. علم الواجبات هذا ليس لائحة ثابتة ودائمة . بل هي لوائح تحتاج الى تعديلات متلاحقة تتأقلم مع تطور المجتمع ومؤسساته الاجتماعية والسياسية.

في ديمقراطيات اليوم، من الصعب الحصول على أغلبية مطلقة في الانتخابات (50%+1) من عدد المواطنين الذين يحق لهم التصويت ، بسبب تعدد الأحزاب وخاصة في الدول ذات الديمقراطيات الحديثة. حتى في الديمقراطيات العريقة، هناك تجاوز ظاهر لثنائية الأحزاب، ذلك يعود إلى تنوع أكبر في الرؤية السياسية للمواطنين وتعدد الجمعيات المدنية التي تحاول التأثير على سياسة الدولة بخلق أحزاب سياسية جديدة وصغيرة مثل الاحزاب التي تدافع عن البيئة مثلا. تعدد الاحزاب السياسية في الدولة يضعف من شرعية الحكومة المنتخبة لأن "أغلبيتها " أغلبية نسبية، اقترانا بعدد المواطنين. لذا فالرادع الأخلاقي والتقيّد بالقوانين حيوي وضروري لكي لا يتحول "حكم الحزب الحاكم" المنتخب إلى ديكتاتورية رافضة للاستماع إلى بقية المواطنين ذات الأغلبية العددية.

Mr. Ali 1 12-04-2013 08:59 PM

متى يتحول الدين إلى مخدر للشعوب





· عندما نضع العقل بين قوسين ليصبح فقط أداة لتبرير أقوال رجال الدين وأعوانهم من العقائديين الذين يقحمون الدين في السياسة للسيطرة على الحكم والتحكم بالناس وتسييرهم حسب عقليتهم.



· عندما يُؤخذ الدين كحل لكل المشاكل الإنسانية وحتى العلمية، مناقضا بذلك واقع الأمور. لأن حلول المشاكل المتنوعة من اجتماعية إلى سياسية وعلمية... لا وجود لها في الماضي، ليست منزلة وجاهزة. الحلول تستنبط بالتفكير المنهجي الجاد، وبالعلم وبالتجارب المتواصلة. هذه الحلول رغم التطور،تبقى في كثير من المجالات، تقريبية يمكن إعادة صياغتها وتركيبها وإجراء أبحاث جديدة. تفكيرنا يتطور ومادة التفكير تتحول والظواهر تتعدل بحيث لا يمكن التكهن سلفا بما سيأتي.



· عندما تدخل روح الإتكالية في عقول الناس: الاتكال على رجال الدين وعلى الحركات الدينية . هؤلاء القيمون على الدين، الذين "يعلمون" ما يجب اعتقاده وعمله في هذه الدنيا للوصول الى الحياة الآخرة! وبما أن الدين كما يدّعون يجب أن يتدخل في كل مرافق الحياة فعليهم واجب إرشاد المؤمنين في الحياة العائلية والاجتماعية وحتى السياسية، وخاصة السياسية، ليسيروا وراءهم، وراء "علمائهم" بانصياع كامل دون جهد أو نقد.

التلفزيونات العربية من شرقها إلى غربها تتحفنا بمداخلات رجال الدين يوميا وعلى مدار الساعة واصلة إلى كل القارّات. هذه التحف والحلول يستنبطها هؤلاء العلماء من تصورات شخصية وغيبية محدودة الفهم تستند إلى مزاجهم وعلومهم المحدودة، وتفسيرات دينية من العصور الخالية يُؤخذ بها كمقدسات لا شك بها ، تحمل كل "الاضاءات " والمعارف اللازمة للعيش في عالمنا الحديث! يتم تفسير النصوص الدينية أكثر مما تتحمل عندما تؤخذ كعلوم اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو طبيعية وحتى طبية. هذه التفسيرات-التبريرات لا علاقة لها بالدين بقدر ما لها علاقة بأفكار وغايات دعاتها.

التنوع الهائل في تبرير وتفسير النصوص الدينية وإلحاقها بفتاوى خارقة والتي يدعو بعضها إلى الرجوع إلى قرون غابرة كوضع المرأة والجهاد وحتى *** الآخر المخالف، كل هذا نراه في وسائل الإعلام وحتى في مراكز المعرفة من معاهد وجامعات! هذه الأوضاع تدعونا إلى الشك بنوايا هؤلاء المتزمتين دينيا والذين ينصبون أنفسهم "عقلاء" يريدون خير الأمة.

هذه الإتكالية جعلت الناس يتقبلون أي شيء دون نقاش. مثلا مفهوم الأمة لا تحديد واضح لأبعادها، فهي مفهوم مطاطي نضع فيه ما نشاء. هل الأمة هي جماعة المؤمنين؟ أو جماعة المواطنين؟ أين نضع الذي لا يؤمن من هذه الجماعة ؟ أين نضع غير المؤمنين أو الكفّار؟هل تنتمي جماعة المؤمنين إلى عقيدة واحدة؟ أين توجد هذه العقيدة الواحدة؟ هل عقائد الفرق الدينية في نفس الدين متساوية في الحقوق؟ ما هي أهداف هذه الأمة الدينية سياسيا؟ ما علاقة الأمّة بالمواطنة الحديثة؟ هل يمكن أن تكون في الواقع حزبا واحدا أو جبهة واحدة؟ أم أن الواقع يظهر لنا "أحزابا لله" مختلفة جذريا مع بعضها ... حتى التكفير والاقتتال؟

كل حزب ديني يدّعي الحقيقة المطلقة بغية احتكار السلطة دون منازع. عقيدته وحدها الصالحة لخير ما يتصورونه كأمّة. يطلب من أفراده الطاعة العمياء. الأفكار المغايرة تعتبر تحريضا وخروجا عن الجماعة. التفكير محتكر من قبل الموكلين عن هذه الأمّة. أي خروج عنها خيانة والحاد. الصراع العلني أو الخفي بين السنة والشيعة اليوم في العراق وغيرها برهان ساطع ومتوقع ومؤسف لهذه العقلية الدينية الشمولية.

· عندما نضع على تراثنا الديني هالة من القدسية رغم تناقضاته وتبريراته الخرقاء دون أي محاولة للفهم والتنقيح العلمي عما قيل ونقل. عندما نقبل اليوم مثلا عادات الأقدمين عن الحجاب ونصبغه بصبغة دينية غير مبررة. ونضع المرأة تحت سيطرة الرجل القوام على حقوقها ونقبل تعدد الزوجات كشيء "طبيعي"، مقبول شرعا في عصر حقوق الإنسان وتحرر المرأة في كثير من الدول. عندما نبرر الزواج العرفي أو ما يسميه منتقديه بزواج المتعة، الذي هو في واقع الأمر بغاء وأفظع احتقار للمرأة. هل شهوة الرجل أكثر جموحا "بطبيعته" من شهوة المرأة ؟ أم أن النساء العوانس "عليها" أن ترضى برجل متزوج أفضل من أن تبقى عانس وعالة على أهلها؟



· عندما يشتري الحاكم طاعة وولاء "حكماء الدين" ليبرر سياساته. كل المؤسسات الدينية "الرسمية" في العالم العربي تنطق، لا باسم الدين دائما ولكن باسم الدين الذي يرغبه الحاكم. النفاق وتسويف وتسويق قيم الدين لغايات سياسية هي العملة الرائجة اليوم في عالمنا العربي وفي كثير من الدول المتخلفة وذات الديانات المختلفة.



· عندما تبرر المؤسسة الدينية غناء أصحاب السلطة السياسية والاقتصادية والمالية واحتكارهم وسيطرتهم على خيرات شعوبها. وتبقى ساكتة على البذخ والترف وهدر الأموال الهائل لملوك البترول وغيرهم من الذين "رزقهم الله"!

بهذه الثقافة وهذه العقلية وهذا السلوك الديني-السياسي، وعلى مدى سنوات، تتخدر عقول الناس فيقبلون بواقعهم لأن هذا الواقع هو الوحيد الممكن لخيرهم كمواطنين- مؤمنين! واقع يظنون أنهم لا يمكن قهره ، كشيء مقدر عليهم. يتحول الكثيرون منهم إلى عالم الطلاسم والشعوذات و"الاتكال على الله" كليا دون أي تفكير فردي ونقاش عقلي للتغيير ونقد ومقاومة الشذوذ الدينية والسياسية. ميزة هذه المخدرات ، إن كان لها ميّزة! أنها تخفف نفسيا عن الناس وتدخلهم في عالم الأحلام والظلال.
الإنسان في المجتمع المتقدم نسبيا والديمقراطي يستنبط الحلول الملائمة لا من عقول العقائديين الدينيين ولكن من الجهد العقلي الواعي والعمل الفعّال الجماعي لتجاوز المحن وتحسين أوضاع البلد وخلق مجتمع عادل يحترم الإنسان كإنسان دون أي تمييز ديني أو عقائدي.

Mr. Ali 1 12-04-2013 09:00 PM

الديمقراطية بين السياسة الداخلية والخارجية
الديمقراطية التي تعني باختصار أن الشعب هو مصدر السيادة والسلطة في حدود الدولة الواحدة، تبقى معزولة، لا "يحق" لها التدخل للدفاع عن حقوق الإنسان في غيرها من الدول الديمقراطية أو الديكتاتورية.

رغم الانسجام بين الديمقراطيات العريقة بسبب الفلسفات السياسية التي انبثقت عنها، يبقى التدخل في الأمور الداخلية لهذه الديمقراطيات شيء غير مقبول، يترك عند حكامها امتعاضا لأي نقد خارجي لسياساتها الداخلية وكأن هذا تعد على سيادتها "المطلقة ".

أما بالنسبة إلى الدول الديكتاتورية التي تتعدى على شعوبها ولا تحترم حقوق الإنسان بشكل فاضح. فإن النقد الموجه إليها، له حسابات اقتصادية ومالية وإيديولوجية، تحجّم وتخفّف من الدفاع عن حقوق "الآخرين" من البشر. قليل من الدول تنتقد مثلا الصين أو السعودية أمام التعديات الجائرة على حقوق مواطنيهم. أغلب الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لا تنتقد مثلا إسرائيل باضطهاد للفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين وتسكت عن احتلال الجولان السورية، رغم كل قرارات الأمم المتحدة!

كلّما كانت مفاهيم ومعايير الديمقراطية واضحة أمام الشعوب وخاصة المقهورة في حقوقها الإنسانية، كلّما تيسر لها نقد التصرفات غير الديمقراطية لحكامها ولحكام بقية الدول. مع التقدم الهائل للاتصالات أصبح الفكر السياسي للناس في العالم، أكثر وعيا وانفتاحا وتحررا. أصبح عند سكان الأرض رغبة باستجواب السياسيين في كل أنحاء العالم. الرسائل المنشورة على الانترنيت مثلا، أظهرت ولادة وعي عالمي يدخل في معمعة الأفكار واتخاذ المواقف.

لا يوجد حاليا أية نية سياسية دولية لإعطاء سكان الأرض حيزا جماعيا للتأثير الفعلي والشرعي على سياسات الدول والأحداث العالمية للقضاء على الفقر والتخلف والمجاعة والأمراض والصحة والتعلم والتلوث وتوزيع عادل لخيرات الأرض وتحديد أسعار عادلة للمواد الخام والمنتجات الزراعية والصناعية للمجتمعات الفقيرة.

ما العمل عندما يستتب الحكم للطغاة دون منازع؟ ينهبون البلد ويستعبدون المواطنين دون رحمة كما هو الحال في أكثر الدول العربية؟ بكثير من التفاؤل الساذج! يمكن أن نتخيل تحول الأنظمة العربية ولو تدريجيا وجزئيا وعلى مدى عشرات وعشرات السنين، إلى نظام له شيء من المضمون الديمقراطي. من الرائع أن نتخيل رئيسا لدولة عربية وصل إلى الحكم هو وحزبه عن طريق انتخابات نزيهة ديمقراطية، وهو يعمل بكل طاقاته لتحسين معيشة المواطنين دون غايات شخصية!

الشيء الممكن عمليا وواقعيا لتحريك الديمقراطية يكمن أساسا في المجتمع المدني الذي يستعمل العصيان والإضرابات والمظاهرات والمناشير والنقد المتواصل بكافة الوسائل لإحراج السلطات الطاغية ودفعها للتنازل وفتح طريق أوسع لمزيد من الديمقراطية.

من جهة أخرى على الدول والمجتمعات الديمقراطية، العمل بشكل جماعي ضمن المنظمات العالمية والتكتلات السياسية لإحراج الدول الديكتاتورية وتهديدها اقتصاديا ومقاطعتها سياسيا حتى تحترم مواطنيها حسب مواثيق حقوق الإنسان. التصرف العالمي ضد سياسة التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا كان نموذجا ناجعا أدى إلى وصول الأغلبية إلى الحكم بدءا بالرئيس منديلا.

أما العمل الفردي من قبل الدول لتغيير الأنظمة عن طريق التدخل العسكري سيؤول إلى كارثة. غزو العراق وتدميره قوميا واقتصاديا وماديا وثقافيا بشكل هائل ووحشي من قبل الأمريكان برهن على نيّات الغزاة وتلفيقهم للحقائق. لقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية على العراق "ديمقراطية" مطبوخة لصالحها ولصالح إسرائيل. أدخل العراق بشكل رسمي في نظام عشائري-قبلي-شعوبي-عنصري-ديني، بعيد كل البعد عن الديمقراطية والحداثة والشعور الوطني والانتماء العربي. هذا النظام في العراق في تعامله مع أقلياته ومنها مثلا المسيحيين الذين هم مواطنون فيها منذ القدم، يعطي لإسرائيل مبررات لخلق دولة لليهود فقط ! لا يترك للفلسطيين العرب أي حقوق إنسانية وسياسية معقولة.

التدخل الفردي يتم غالبا ما بشكل إنتقائي لغايات لا علاقة لها بتحرير الشعوب ودون أي نية حقيقية لتفعيل الديمقراطية. مشروع الرئيس بوش لإدخال الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط عن طريق التهديد، بما فيه العسكري، خير دليل على هذا الفشل الذريع. الهدف غير المعلن للولايات المتحدة هو السيطرة على سياسات البلاد العربية لضمان البترول لأجيال قادمة واستغلال البترودولار لبيع منتجاتها وخاصة السلاح الذي يضمن بقاء هذه الأنظمة العربية العميلة.

كذلك الحال في تصرف الولايات المتحدة في تحيزها الكامل لإسرائيل، وبأقل مرتبة، للرجعية العربية، فهي تغض الطرف عن جرائم حلفائها وأتباعهم ولا تمنح أي فرصة فعلية وأي مساعدة للشعوب للسير في طريق الديمقراطية. كل هذا لا يخدم ولا يقوي تعاطف الناس لمزيد من الديمقراطية وتحسين أوضاعهم المعيشية وحقوقهم الإنسانية. لأن من يدعون أنهم روّاد الديمقراطية ينحازون للحكام الديكتاتوريين ضد إرادة الشعوب المغلوبة على أمرها.

للعيش في سلام، من الضروري تحديد القيم والسلوكيات الأخلاقية التي يمكن الأخذ بها في العلاقات الدولية لتصحيح المسار لتعاون أكبر وأكثر معقول لتقوية أسس السلام العالمي لمنفعة الجميع. التكتلات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي ورابطة شرقي آسيا والكومنولث ودول عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية ومنظمة الدول الأمريكية والمنظمة العالمية الفرنكوفونية وخاصة الأمم المتحدة... كل هذه التكتلات توجد توازنا سياسيا يساعد على تدعيم السلام العالمي أفضل مما لو كانت الدول منفصلة عن بعضها البعض ومنطوية على نفسها. كل هذه التحركات الدولية تخلق بيئة عالمية ضاغطة تؤثر أفضل من قبل على اتخاذ القرارات السياسية. الاضواء الكاشفة على سياسات الدول عالميا،عامل ايجابي لسلوكيات أفضل.

Mr. Ali 1 12-04-2013 09:01 PM

وبعد أيها القاريء الكريم

هل نحن نعرف الديمقراطية ونمارسها ونطبقها بالفعل , أم أننا نجهلها ونأخذ منها ما يتوفق مع الأهواء والمصالح الخاصة فقط ؟!

هل الديمقراطية هي هذا المفهوم الضيق جداً جداً جداً الذي نتشدق به , أم أنها أوسع وأشمل بكثير بما يحتاج منا جميعاً إلي أن نعمل ونتضافر علي ارساءها وترسيخها وتأصيلها في نفوس وسلوكيات الشعب المصري بمختلف طبقاته وانتماءاته والمسئولين في الدولة أيضاً بمختلف درجاتهم ؟!

تقديري واحترامي للجميع

الرابط هو :


http://pages.videotron.com/moubayed/introduction.html

aymaan noor 24-04-2016 02:37 PM

موضوع مميز مستر على

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

Mr. Ali 1 12-08-2016 10:23 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aymaan noor (المشاركة 6417897)
موضوع مميز مستر على

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك




وجزاك مثله إن شاء الله تعالي أ/ أيمن

شكراً علي المرور الكريم






محمد محمود بدر 13-08-2016 09:48 AM

جزيل الشكر والتقدير لحضرتك

موضوع متميز

تسجيل متابعة


جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:48 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.