بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 19-07-2013 02:36 AM

إفشاء الغاسل حال الميت

قال الخطيب الشربيني: (فإن رأى الغاسل من بدن الميت خيرًا كاستنارة وجهه، وطيب رائحته، ذكره ندبًا؛ ليكون أدعى لكثرة المصلين عليه، والدعاء له، أو غيره كأن رأى سوادًا، أو تغير رائحة، أو انقلاب صورة حرم ذكره؛ لأنه غيبة لمن لا يتأتَّى الاستحلال منه) .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)) .

محمد رافع 52 19-07-2013 02:39 AM

صفات من يفشي سرَّ نفسه

قال الماوردي: وفي الاسترسال بإبداء السرِّ دلائل على ثلاثة أحوال مذمومة:
إحداها: ضيق الصدر، وقلة الصبر، حتى أنَّه لم يتسع لسرِّ، ولم يقدر على صبر.
والثانية: الغفلة عن تحذر العقلاء، والسهو عن يقظة الأذكياء. وقد قال بعض الحكماء: انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزل، ولا جاهلًا فيخون.
والثالثة: ما ارتكبه من الغدر، واستعمله من الخطر. وقال بعض الحكماء: سرُّك من دمك، فإذا تكلمت به فقد أرقته.

محمد رافع 52 19-07-2013 02:40 AM

ضوابط في إفشاء السر
قال الماوردي: واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم. فليختر العاقل لسرِّه أمينًا إن لم يجد إلى كتمه سبيلًا، وليتحرَّ في اختيار من يأتمنه عليه، ويستودعه إياه. فليس كلُّ من كان على الأموال أمينًا كان على الأسرار مؤتمنًا. والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار؛ لأنَّ الإنسان قد يذيع سرَّ نفسه ببادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشحُّ باليسير من ماله، حفظًا له وضنًّا به، ولا يرى ما أذاع من سرِّه كبيرًا في جنب ما حفظه من يسير ماله، مع عظم الضرر الداخل عليه. فمن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال. وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛ لأنَّ أحراز الأموال منيعة، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق .

محمد رافع 52 19-07-2013 02:43 AM

أكثر من يذيع السر
قال الجاحظ: وأكثر ما يذيع أسرار الناس أهلوهم وعبيدهم، وحاشيتهم وصبيانهم، ومَن لهم عليهم اليد والسلطان. فالسرُّ الذي يودعه خليفة في عامل له يلحقه زينه وشينه، أحرى ألا يكتمه. وهذا سبيل كلِّ سرٍّ يستودعه الجلة والعظماء، ومن لا تبلغه العقوبة ولا تلحقه اللائمة.
وقال سليمان بن داود في حكمته: ليكن أصدقاؤك كثيرًا، وصاحب سرِّك واحدًا من ألف.

محمد رافع 52 20-07-2013 02:36 PM

أكثر الأمور عرضة لإفشاء السر

وإفشاء السرِّ إنما يوكَّل بالخبر الرائع، والخطب الجليل، والدفين المغمور، والأشنع الأبلق، مثل سرِّ الأديان لغلبة الهوى عليها، وتضاغن أهلها بالاختلاف والتضاد، والولاية والعداوة. ومثل سرِّ الملوك في كيد أعدائهم ومكنون شهواتهم ومستور تدبيراتهم، ثم من يليهم من العظماء والجلة، لنفاسة الملوك على العوام، وأنهم سماء مظلة عليهم، أعينهم إليها سامية، وقلوبهم بها معلقة، ورغباتهم ورهباتهم إليها مصروفة. ثم عداوات الإخوان، فإنما صارت العداوة بعد المودة أشد لاطلاع الصديق على سرِّ صديقه، وإحصائه معايبه، وربما كان في حال الصداقة يجمع عليه السقطات، ويحصي العيوب، ويحتفظ بالرقاع، إرصادًا ليوم النبوة، وإعدادًا لحال الصريمة .

محمد رافع 52 20-07-2013 02:37 PM

وصية في عدم إفشاء السر

وصية أُمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس بنت عوف بن محلم الشيباني لما حان زفافها بعمرو بن حجر ملك كندة، وفيها: (فلا تعصينَّ له أمرًا، ولا تفشينَّ له سرًّا، فإنَّك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سرَّه لم تأمني غدره) .

محمد رافع 52 20-07-2013 02:39 PM

حكم وأمثال في إفشاء السر

- صدرك أوسع لسرِّك.
أي: فلا تفشه إلى أحد. ومنه قول أكثم بن صيفي:
- لا تفش سرَّك إلى أمةٍ، ولا تبل على أكمة.
- اجعل هذا في وعاءٍ غير سَرِبٍ. يقوله الرجل لأخيه في الأمر يسره إليه.
وأصله في السقاء السائل، وهو السرب يقول: فلا تبد سري كإبداء السقاء ماءه سائل.
- سرُّك من دمك. يقال: ربما أفشيته فيكون سبب حتفك .
- الحاج أسمعت. وذلك إذا أفشى السر. أي إنك إذا أسمعت الحجاج فقد أسمعت الخلق .
- وقال دعامة بن يزيد الطائي:


إذا ما جعلت السِّر عند مضيع***فإنَّك ممَّن ضيَّع السِّر أذنب



- وقيل لعدي بن حاتم: أيُّ الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كثرة الكلام، وإضاعة السرِّ، والثقة بكلِّ أحدٍ .

محمد رافع 52 20-07-2013 02:41 PM

من أقوال الحكماء والبلغاء

- قال بعض الأدباء: (من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه) .
- وقال بعض البلغاء: ما أسرَّك؛ ما كتمت سرَّك) .
- وقال بعض الفصحاء: (ما لم تغيبه الأضالع، فهو مكشوف ضائع) .
- وقال المأمون: (ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها: شرب السمِّ للتجربة، وإفشاء السرِّ إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى) .
- ويروى: (أصبر الناس من لا يفشي سرَّه إلى صديقه مخافة التقلُّب يومًا ما) .
- وقال بعض الحكماء: (القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلٌّ منكم مفاتيح سرِّه) .
- وقَالَ بعض الحكماء: (من أفشى سرَّه كثر عليه المتآمرون) .
- وقال حكيم لابنه: (يا بني، كن جوادًا بالمال في موضع الحقِّ، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق، فإنَّ أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البرِّ، والبخل بمكتوم السرِّ) .
- قَالَ بعض البلغاء: (إِذا وقفت الرعية على أسرار الملوك؛ هان عليها أمرها) .
- وقال بعض الحكماء: (لا تطلع واحدًا من سرِّك إلا بقدر ما لا تجد فيه بُدًّا من معاونتك) .
- وَفِي منثور الحكم: (من ضَاقَ صَدره اتَّسع لِسَانه) .

محمد رافع 52 20-07-2013 02:49 PM

ذم إفشاء السر في واحة الشعر
قال أبو الشيص:


ضعِ السرَّ في صماءَ ليست بصخرةٍ***صلود كما عاينت من سائر الصخرِ



ولكنها قلبُ امرئٍ ذي حفيظةٍ***يرى ضيعةَ الأسرارِ هترًا من الهترِ



يموتُ وما ماتت كرائمُ فعلِه***ويبلى وما يبلى نَثاه على الدهرِ



وقال محمد بن إسحاق الواسطي:


إذا المرءُ لم يحفظْ سريرةَ نفسِه***وكان لسرِّ الأخ غيرُ كتومِ



فبعدًا له من ذي أخ ومودةٍ***وليس على ودٍّ له بمقيمِ



وقال قيس بن الخطيم:


وإن ضيَّع الإخوانُ سرًّا فإنني***كتومٌ لأسرارِ العشيرِ أمينُ



يكونُ له عندي إذا ما ائتمنته***مكانٌ بسوداءِ الفؤادِ مكينُ



وقال الكريزي:


إذا أنت لم تحفظْ لنفسِك سرَّها***فأنت إذا حملته الناسَ أضيعُ



ويضحكُ في وجهي إذا ما لقيتُه***وينهشني بالغيبِ يومًا ويلسعُ



وقال قيس بن الخطيم الأنصاري:


إذا جاوز الاثنين سرٌّ فإنه***بنثٍّ وتكثير الوشاة قمينُ



وقال الكريزي:


اجعل لسرِّك مِن فؤادك منزلًا***لا يستطيعُ له اللسانُ دخولا



إنَّ اللسانَ إذا استطاع إلى الذي***كتم الفؤادُ من الشؤونِ وصولا



ألفيتَ سرَّك في الصديقِ وغيرِه***من ذي العداوة فاشيًا مبذولا



وقال البغدادي:


صُنِ السرَّ بالكتمانِ يُرضيك غبُّه***فقد يظهرُ المرءُ المضِيعَ فيندمُ



فلا تلجئنْ سرًّا إلى غيرِ حرزِه***فيُظهرَ حرزَ السوءِ ما كنتَ تكتمُ



وقال آخر:


لا تودعنَّ ولا الجماد سريرةً***فمِن الجوامدِ ما يشير وينطقُ



وإذا المحكُّ أذاع سرَّ أخٍ له***وهو الجمادُ فمن به يستوثقُ



وقال المنتصر بن بلال الأنصاري:


سأكتمُه سرِّي وأكتمُ سرَّه***ولا غرَّني أني عليه كريمُ



حليمٌ فيفشي أو جهولٌ يذيعُه***وما الناسُ إلا جاهلٌ وحليمُ



وقال آخر:


ونفسُك فاحفظْها ولا تفشِ للعدَى***مِن السرِّ ما يُطوي عليه ضميرُها



فما يحفظُ المكتومَ من سرِّ أهلِه***إذا عُقدُ الأسرارِ ضاع كثيرُها



مِن القومِ إلا ذو عفافٍ يعينُه***على ذاك منه صدقُ نفسٍ وخيرُها



وقال عامر الخزرجي:


إذا أنت لم تجعلْ لسرِّك جُنَّةً***تعرضتَ أن تُروَى عليك العجائبُ



وقال آخر:


إذا ما ضاق صدرُك عن حديثٍ***فأفشته الرجالُ فمن تلومُ



إذا عاتبتُ مَن أفشى حديثي***وسرِّي عنده فأنا الظلومُ



وإني حين أسأم حملَ سرِّي***وقد ضمَّنته صدري سئومُ



ولست محدثًا سرِّي خليلًا***ولا عرسي إذا خطرت همومُ



وأطوي السرَّ دون الناسِ إني***لما استودعتُ من سرِّي كتومُ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpK...(2)_-_Copy.jpg

محمد رافع 52 20-07-2013 02:51 PM

الانتِقَام

معنى الانتِقَام لغةً واصطلاحًا
معنى الانتِقَام لغةً:
الانتقام مصدر انتقم، وأصل هذه المادة يدلُّ على إنكارِ شيءٍ وعَيبه، يقال: لم أَرْض منه حتى نَقِمْت وانتَقَمْت، إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. والنِّقْمَةُ العقوبة، وانْتَقَمَ الله منه أي: عاقَبَه، والاسم منه: النَّقْمة، ونَقَمْت ونَقِمْتُ: بالَغْت في كراهة الشَّيء .
معنى الانتِقَام اصطلاحًا:
الانتقام هو: إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حدِّ السَّخط .
وقال أبو هلال العسكريُّ: (الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب) .

محمد رافع 52 20-07-2013 02:52 PM

الفرق بين الانتِقَام وبعض الصِّفات

- الفرق بين الانتِقَام والعقاب:
أنَّ الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب..
والعقاب: جزاء على الجُرم بالعذاب، لأنَّ العقاب نقيض الثَّواب، والانتِقَام نقيض الإنعام .

محمد رافع 52 20-07-2013 02:57 PM

الانتِقَام في الكتاب والسنة
أولًا: في القرآن الكريم

قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194].
قال السعدي: (ولما كانت النُّفوس -في الغالب- لا تقف على حدِّها إذا رُخِّص لها في المعاقبة لطلبها التَّشفِّي -أي: الانتِقَام-، أمر تعالى بلزوم تقواه، التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها، وأخبر تعالى أنَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194]، أي: بالعون، والنَّصر، والتَّأييد، والتَّوفيق) .
- قال الله تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشُّورى: 37].
قال ابن جرير الطَّبري: (وقوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جُرمًا، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه، ويصفحون عنه عقوبة ذنبه) .
وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم ي***ون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛ فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر) .


(وتأتي هذه الصِّفة أي في قوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ . بعد الإشارة الخفيَّة إلى سماحة الله مع الإنسان في ذنوبه وأخطائه، فتُحَبِّب في السَّماحة والمغفرة بين العباد. وتجعل صفة المؤمنين أنَّهم إذا ما غضبوا هم يغفرون. وتتجلَّى سماحة الإسلام مرَّةً أخرى مع النَّفس البشريَّة، فهو لا يكلِّف الإنسان فوق طاقته. والله يعلم أنَّ
الغضب انفعال بشريٌّ ينبع مِن فطرته. وهو ليس شرًّا كلَّه. فالغضب لله ولدينه وللحقِّ والعدل غضبٌ مطلوب وفيه الخير. ومِن ثمَّ لا يُحَرِّم الغضبَ في ذاته، ولا يجعله خطيئةً. بل يعترف بوجوده في الفطرة والطَّبيعة، فيعفي الإنسان مِن الحيرة والتَّمزُّق بين فطرته وأمر دينه. ولكنَّه في الوقت ذاته يَقُودُه إلى أن يغلب غضبه، وأن يغفر ويعفو، ويحسب له هذا صفةً مُثْلَى مِن صفات الإيمان المحبَّبة. هذا مع أنَّه عُرِف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه لم يغضب لنفسه قطُّ، إنَّما كان يغضب لله، فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء. ولكن هذه درجة تلك النَّفس المحمَّديَّة العظيمة، لا يكلِّف الله نفوس المؤمنين إيَّاها. وإن كان يحبِّبهم فيها. إنَّما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب، والعفو عند القُدْرَة، والاستعلاء على شعور الانتِقَام، ما دام الأمر في حدود الدَّائرة الشَّخصيَّة المتعلِّقة بالأفراد) .
بيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ العفو عن المعتدي -والتَّغاضي عن خطئه- أفضل مِن الانتِقَام منه.
- قال تعالى:لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة: 28-29].
فهابيل كان أقوى وأقدر على الانتِقَام والبطش؛ لكن منعه خوف الله.

محمد رافع 52 20-07-2013 02:59 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: ((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تُنتَهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها)) .
- وعنها رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نِيل منه شيء قطُّ، فينتقم مِن صاحبه، إلا أن يُنْتَهك شيء مِن محارم الله، فينتقم لله عزَّ وجلَّ) .
قال علي القاري: (... ((وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم)) أي: ما غاضب أحدًا لنفسه، أي: لأجل حظِّها، ((إلَّا أن يُنْتَهك حُرْمَة الله)) أي: يُرْتَكَب، فينتقم أي: فيعاقب حينئذ لغرض آخر، أي بسبب تلك الحُرْمَة، ثمَّ انتهاك الحُرمة تناولها بما لا يحلُّ. يقال: فلان انتهك محارم الله، أي: فعل ما حرَّم الله فعله عليه) .
قال النَّوويُّ: (قولها: ((إلَّا أن تُنْتَهك حُرْمَة الله)) استثناء منقطع، معناه: لكن إذا انتُهِكت حُرْمَة الله، انتصر لله تعالى، وانتقم ممَّن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديث الحثُّ على العفو والحِلْم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى ممَّن فعل محرَّمًا أو نحوه، وفيه أنَّه يُسْتَحبُّ للأئمَّة والقُضَاة وسائر وُلاة الأمور التَّخلُّق بهذا الخُلُق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله تعالى) .
وقال ابن عثيمين: (حديث عائشة رضي الله عنها، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحدًا -لا خادمًا ولا غيره- بيده، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله، وهذا مِن كرمه صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّه لا يضرب أحدًا على شيءٍ مِن حقوقه هو الخاصَّة به؛ لأنَّ له أن يعفو عن حقِّه، وله أن يأخذ بحقِّه. ولكن إذا انتُهِكت محارم الله؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشدَّ ما يكون أخذًا بها؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يُقرُّ أحدًا على ما يُغضِب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي مِن أحوال النَّاس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلَّا إذا انتُهِكَت محارم الله، فإنَّه لا يقرُّ أحدًا على ذلك) .

محمد رافع 52 20-07-2013 03:00 PM

أقوال السَّلف والعلماء في الانتِقَام

- قال معاوية لابنه -وقد رآه ضرب غلامًا له-: (إيَّاك -يا بُنيَّ- والتَّشفِّي ممَّن لا يمتنع منك، فو الله لقد حالت القُدْرة بين أبيك وبين ذوي تِرَاته، ولهذا قيل: القُدْرة تُذْهِب الحفيظة) .
- وقال المنصور لولده المهديِّ: (لذَّة
العفو أطيب مِن لذَّة التَّشفِّي) .
- عن الأصمعي قال: (أُتِي المنصور برجل يعاقبه، فقال: يا أمير المؤمنين، الانتِقَام عدلٌ، و التَّجاوز فضلٌ، ونحن نُعِيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأَوْكَس النَّصيبين دون أن يبلغ أرفع الدَّرجتين. فعفا عنه) .
- وقال ابن تيمية: (وقد يُهجر الرَّجل عقوبةً وتعزيرًا، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله، للرَّحمة والإحسان، لا للتَّشفِّي والانتِقَام) .
- وقال ابن القيِّم: (وفي الصَّفح والعفو والحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة، والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها ورفعتها عن تشفِّيها بالانتِقَام ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام) .
- وقال -أيضًا-: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة) .
- وقال أعرابي: (أقبح أعمال المقتدرين الانتِقام) .
- وقال بعض البلغاء: (ليس مِن عادة الكرام سرعة الانتِقَام، ولا مِن شروط الكَرِم إزالة النِّعم) .
- ويُحْكَى عن عنان بن خريم أنَّه دخل على المنصور، وقد قدَّم بين يديه جماعةً -كانوا قد خرجوا عليه- لي***هم، فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه، ومَن شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه لم يجب شُكره، ولم يَحُسن في العالمين ذِكْرُه، وإنَّك إن انتقمت فقد انتصفت، وإذا عفوت فقد تفضَّلت، على أنَّ إقالتك عِثَار عباد الله موجبة لإقالته عَثْرتك، وعفوك عنهم موصولٌ بعفوه عنك، فقَبِل قوله، وعفا عنهم .

محمد رافع 52 20-07-2013 03:02 PM

آثار الانتِقَام

للانتقام آثارٌ سيِّئةٌ تعود على المنتقم نفسه، ومِن هذه الآثار:
1- أنَّ صاحب هذه الصِّفة لا ينال السِّيادة والشَّرف:
عن داود بن رشيد قال: قالت حكماء الهند: (لا ظفر مع بغي... ولا سؤدد مع انتقام) .
وعن ابن الكلبيِّ عن أبيه، قال: (كان سلم بن نوفل الدِّيليُّ سيِّد بني كِنَانة، فخرج عليه ذات ليلة رجل مِن قومه، فضربه بالسَّيف، فأُخِذ بعد أيامٍ، فأُتِيَ به سلم بن نوفل، فقال: ما الذي فعلت؟! أما خشيت انتقامي؟! قال: له فلِمَ سوَّدناك إلَّا أن تكَظْم الغَيْظ، وتعفو عن الجاني، وتَحْلُم عن الجاهل، وتحتمل المكروه في النَّفس والمال. فخلَّى سبيله، فقال فيه الشَّاعر:


يُسوَّد أقوام وليسوا بقادة *** بل السَّيِّد المعروف سلم بن نوفل



2- أنَّ الانتِقَام ليس مِن عادة الكرام:
قال بعض البلغاء: (ليس مِن عادة الكِرَام سرعة الانتِقَام، ولا مِن شروط الكَرَم إزالة النِّعم) .
3- أنَّ المنتقم لا يجب شُكْرُه ولا يُحْمَد ذِكْرُه:
قال الأبشيهي: (قيل: مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكرُه، ولم يُحمَد في العالمين ذِكْرُه) .
4- أنَّ الانتِقَام يعقبه النَّدامة:
قال ابن القيِّم: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة) .
5- يُوَلِّد بين النَّاس الأحقاد والضَّغائن.

محمد رافع 52 20-07-2013 03:05 PM

حكم الانتِقَام

الانتِقَام جائزٌ إذا انتُهِك شيءٌ مِن محارم الله، وأمَّا في غير ذلك العفو والصَّفح أولى وأفضل، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّها قالت: ((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلَّا أن تُنْـتَهَك حُرْمَة الله، فينتقم لله بها)) .
والله سبحانه وتعالى قد أذن لمن اعتُدي عليه أن يردَّ بالمثل على مَن اعتدى عليه، قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى [البقرة: 194]، وقال أيضًا: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [الشُّورى: 40]، ومع هذا فقد بيَّن سبحانه وتعالى أنَّ
العفو عن المعتدي والتَّغاضي عن خطئه، أفضل مِن الانتِقَام منه، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشُّورى:40]، وهذا فيما يتعلَّق بحقوق العباد مِن ضربٍ وتعدِّي أو تجنِّي ونحو ذلك.
وأمَّا إن كان الاعتداء حاصلًا في شيء مِن حقوق الله، كالجور في الحكم بين الخصوم، أو
الخيانة في الأهل ونحو ذلك، فإنَّ الاعتداء بالمثْل حينئذ لا يجوز.
فليس لك أن تجور في الحكم، ولا أن تخونه في أهله؛ لأنَّ ذلك اعتداء على حقوق الله وحدوده.
قال القرطبيُّ في تفسير قوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشُّورى: 40].
وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا قال العلماء: جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنفٌ يعفون عن الظَّالم، فبدأ بذكرهم في وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشُّورى: 37] وصنفٌ ينتصرون من ظالمهم. ثمَّ بيَّن حدَّ الانتصار بقوله: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فينتصر ممَّن ظلمه مِن غير أن يعتدي.
قال مقاتل وهشام بن حُجَير: هذا في المجروح ينتقم مِن الجارح بالقِصَاص دون غيره مِن سبٍّ أو شتمٍ) .
قال ابن رجب الحنبليُّ: (وأما قوله: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ [الشُّورى: 39]، فليس منافيًا للعفو، فإنَّ الانتصار يكون بإظهار القُدْرة على الانتِقَام، ثمَّ يقع
العفو بعد ذلك، فيكون أتمَّ وأكمل) .
قال الأبشيهي: (والذي يجب على العاقل إذا أَمْكَنه الله تعالى أن لا يجعل العقوبة شيمته، وإن كان ولا بدَّ مِن الانتِقَام، فليرفق في انتقامه، إلَّا أن يكون حدًّا مِن حدود الله تعالى) .

محمد رافع 52 20-07-2013 03:06 PM

أسباب الوقوع في الانتِقَام

مِن أسباب الوقوع في الانتِقَام:
1- عدم التَّحلِّي بالحِلْم والصَّبر.
2- عدم التَّحلِّي بالعفو والصَّفح.
3- عدم القُدْرَة على كَظْم الغَيْظ.
4- الغضب، وهو مِن أهمِّ الأسباب المؤدِّية إلى إيقاع الأذى بالشَّخص المنتقم منه، فالإنسان عندما يغضب، تدعوه نفسه إلى البطش والانتِقَام.
5- العداوة والبغضاء والحقد:
قال الغزَّالي: (فإنَّ مَن آذاه شخصٌ بسببٍ مِن الأسباب، وخالفه في غرضٍ بوجهٍ مِن الوجوه، أبغضه قلبه وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد، والحقد يقتضي التَّشفِّي والانتِقام، فإن عجز المبْغِض عن أن يتشفَّى بنفسه، أحبَّ أن يتشفَّى منه الزَّمان، وربَّما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما أصابت عدوَّه بليَّةٌ فرح بها، وظنَّها مكافأة له مِن جهة الله على بغضه، وأنَّها لأجله، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك؛ لأنَّه ضدُّ مراده، وربَّما يخطر له أنَّه لا منزلة له عند الله، حيث لم ينتقم له مِن عدوِّه الذي آذاه، بل أنعم عليه) .
6- تسمية بعض الجهَّال الانتِقَام شجاعةً ورجولةً وعزَّة نفسٍ وكِبر همَّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوةً وجهلًا، حتى تميل النَّفس إليه وتستحسنه.
7- وقوع أذية أو إساءة تدفع إلى الرغبة في الانتقام.

محمد رافع 52 20-07-2013 03:09 PM

الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام

مِن الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام:
1- تذكُّر انتقام الله مِن أهل معاصيه:
قال تعالى: أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5]. قال: (أيَّامه التي انتقم فيها مِن أهل معاصيه مِن الأمم، خوَّفهم بها، وحذَّرهم إيَّاها، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين مِن قبلهم) .


2-
العفو والصَّفح:
الإنسان إذا عفا وأحسن، أورثه ذلك مِن سلامة القلب لإخوانه، ونقائه مِن طلب الانتِقَام وإرادة الشَّرِّ، وحصل له مِن حلاوة العفو ما يزيد لذَّته ومنفعته عاجلًا وآجلًا .
قال ابن حبَّان: (ولم يُقْرَن شيءٌ إلى شيءٍ أحسن مِن عفوٍ إلى مَقْدِرة. والحِلْم أجمل ما يكون مِن المقتدر على الانتِقَام) .
وعن ابن السَّمَّاك أنَّ رجلًا مِن قريش -عظيم الخطر في سالف الدَّهر- كان يطالب رجلًا بذَحْلٍ، وألحَّ في طلبه، فلمَّا ظفر به، قال: لولا أنَّ المقدرة تُذْهِب بالحفيظة لانتقمت منك، ثمَّ عفا عنه .
3- كَظْم الغَيْظ:
قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133-134].
قال السعدي: (قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم مِن غيرهم أذيَّةٌ توجب غيظهم، وهو امتلاء قلوبهم مِن الحَنْق الموجب للانتقام بالقول والفعل، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطِّباع البشريَّة، بل يكظمون ما في القلوب مِن الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) .
4- تجنُّب السُّخرية والاستهزاء بين أفراد المجتمع:
فشيوع أمثال هذه الأخلاق يبْذُر بذور العداوة والبغضاء بين الناس، ويوَلِّد الرَّغبة في الانتِقَام.
5- الخوف مِن ضياع الزَّمان والعمر، وتفرُّق القلب وفَوْت المصالح:
أن يعلم أنَّه إذا اشتغلت نفسه بالانتِقَام وطلب المقَابَلة، ضاع عليه زمانه، وتفرَّق عليه قلبه، وفاته مِن مصالحه ما لا يمكن استدراكه .
6- التَّفكير بأنَّ في الانتِقَام زيادة شرِّ الخصومة:
فإذا انتقم لنفسه، تسبَّب إلى زيادة شرِّ خصمه.
7- فراغ القلب مِن الاشتغال به والفِكْر فيه:
وأن يقصد أن يمحوه مِن باله كلَّما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفِكر فيه .
8- الإقبال على الله والإخلاص له، وذلك في كلِّ وقت وحين.
9- دفع أسباب الانتِقَام: ومنها الغضب: ولا يأتي إلَّا عند هيجانه، فلا بدَّ مِن معرفة العلاج للغضب عند هيجانه؛ حتى يتسنَّى للمرء التَّخلُّص مِن هذه المعضلة، وقد ذكر الغزَّالي أسباب علاج الغضب، فقال: (وإنَّما يُعَالَج


الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل، وأمَّا العلم فهو أمور:
الأوَّل: أن يتفكَّر فيما ورد في فضل كَظْم الغَيْظ والعفو والحِلْم والاحتمال، فيرغب في ثوابه، وتمنعه الرَّغبة في الأجر عن الانتِقَام، وينطفئ عنه غيظه.
الثَّاني: أن يخوِّف نفسه بعقاب الله لو أمضى غضبه، وهل يأمن مِن غضب الله يوم القيامة، وهو أحوج ما يكون إلى العفو.
الثَّالث: أن يحذِّر نفسه عاقبة العداوة والانتِقَام، وتشمُّر العدو لمقابلته، والسَّعي في هدم أغراضه، والشَّماتة بمصائبه، وهو لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه بعواقب الغضب في الدُّنيا، إن كان لا يخاف مِن الآخرة.
الرَّابع: أن يتفكَّر في قُبْح صورته عند الغضب، بأن يتذكَّر صورة غيره في حالة الغضب، ويتفكَّر في قُبْح الغضب في نفسه، ومشابهة صاحبه للكلب الضَّاري والسَّبع العادي، ومشابهة الحليم الهادي التَّارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء، ويخيِّر نفسه بين أن يتشبَّه بالكلاب والسِّباع وأراذل النَّاس، وبين أن يتشبَّه بالعلماء والأنبياء في عادتهم؛ لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مُسْكَةٌ مِن عقل.
الخامس: أن يتفكَّر في السَّبب الذي يدعوه إلى الانتِقَام، ويمنعه مِن كَظْم الغَيْظ، مثل قول الشَّيطان له: إنَّ هذا يحمل منك على العجز والذِّلَّة وتصير حقيرًا في أعين النَّاس. فيقول لنفسه: (ما أعجبك! تأنفين مِن الاحتمال الآن، ولا تأنفين مِن خزي يوم القيامة، ولا تحذرين مِن أن تصغري عند الله والملائكة والنَّبيين). فمهما كَظَم الغَيْظ فينبغي أن يكظمه لله، وذلك يعظِّمه عند الله، فما له وللنَّاس؟!
السَّادس: أن يستشعر لذَّة العفو، فلو علم النَّاس أنَّ لذَّة العفو خيرٌ مِن لذَّة التَّشفِّي؛ لأنَّ العفو يأتي بالحمد، والتَّشفِّي يأتي بالنَّدم، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان، لأنَّه لو فعل كلُّ إنسان هذا، وانتقم لنفسه لانحطَّ عالم الإنسان إلى دَرْك السِّباع والوحوش.
وأمَّا العمل: فأن تقول بلسانك: أعوذ بالله مِن الشَّيطان الرَّجيم، وإن كنت قائمًا فاجلس، وإن كنت جالسًا فاضطجع، ويُستحبُّ أن يتوضأ بالماء البارد؛ فإنَّ الغضب مِن النَّار، والنَّار لا يطفئها إلا الماء .

محمد رافع 52 20-07-2013 03:12 PM

الحِكَم والأمثال في الانتِقَام
- أَلْأَم أعمال المقتدرين الانتِقام .
- قولهم: لا قرارَ عَلى زَأرٍ مِن الأَسَد.
يُضْرَب مثلًا للمتوعِّد القادر على الانتِقَام، وقولٌ مِن قول النَّابغة.


نُبِّئت أنَّ أبا قابوس أوعدني *** ولا قرارَ على زأرٍ مِن الأَسَد



- ضَغا مِنِّي وهو ضَغَاء.
يُضْرَب لمن لا يقدر مِن الانتِقَام إلَّا على صِياح .
- لَم يُشْطِط مَن انتَقَم.
هذا منتزعٌ مِن قوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ [الشُّورى: 41] .


-
العفو أشدُّ أنواع الانتِقَام .
- وقال بعض الحكماء: (إذا ظَلَمْتَ فاحذر الانتِقَام؛ فإنَّ الظُّلم لا يُكسبك خيرًا، إنَّك لا تجد عند أصحاب السُّوء جميلًا) .
- وقال بعضهم: (لا يحملنَّك الحَنَق على اقتراف إثم؛ يشفي غيظك، ويسقم دينك) .
- وقيل: (مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظَه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكره، ولم يُحْمَد في العالمين ذِكْرُه) .
- والعرب تقول: (لا سؤدد مع الانتِقَام) .

محمد رافع 52 20-07-2013 03:19 PM

ذم الانتِقَام في واحة الشِّعر
قال الشَّاعر:


إذا انتقموا أعلنوا أمرَهم *** وإن أنعموا أنعموا باكتتامِ



يقومُ القعودُ إذا أقبلوا *** وتقعدُ هيبتُهم بالقيامِ



وقال المأمون لإبراهيم بن المهدي: إنِّي شاورت في أمرك فأشاروا عليَّ ب***ك، إلَّا أنِّي وجدتُ قَدْرَك فوق ذنبك، فكرهت ال*** للازم حُرْمَتك. فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ المشار أشار، ممَّا جرت به العادة في السِّياسة، إلَّا أنَّك أبيت أن تطلب النَّصر إلَّا مِن حيث عوَّدته مِن العفو، فإن ***ت فلك نظير، وإن عفوت، فلا نظير لك، وأنشأ يقول:


البرُّ بي منك وَطَّا العذرَ عندكَ لي *** فيما فعلتَ فلم تعذِلْ ولم تَلُمِ



وقامَ عذرُك لي فاحتجَّ عندك لي *** مقامُ شاهدِ عدلٍ غيرَ متَّهمِ



لئن جحدتُك ما أوليتَ مِن نعمٍ *** إنِّي لفي اللَّومِ أولى منك بالكَرِم



تعفو بعدلٍ وتسطو إن سطوتَ به *** فلا عَدِمْنَاك مِن عافٍ ومنتقمِ



وقال الشَّاعر مبينًا سبب تركه للانتقام ممَّن يتعدَّى عليه:


إذا كان دوني مَن بُليت بجهلِه *** أبيتُ لنفسي أن أقابلَ بالجهلِ



وإن كان مثلي في محلِّي مِن العُلا *** هويت إذَا حِلْمًا وصَفْحًا عن الْمَثْلِ



وإن كنتُ أَدنَى منه في الفضلِ والحجا *** فإن له حقَّ التَّقَدُّمِ والفضلِ



وقال آخر:


إن يُمْكِنِ الدَّهرُ فسوف أنتقمُ *** أوْ لا فإنَّ العفو أولى للكَرَم



وقال جرير:


عوى الشُّعراءُ بعضُهم لبعضٍ *** عليَّ فَقَدْ أصابهم انتقامُ



إذا أرسلتُ صاعقةً عليهم *** رأوا أخرى تحرقُ فاستداموا



وقال معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه في ترك الانتِقَام ممَّن تعدَّى عليك بالشَّتم:


وما قَتَلَ السَّفاهةَ مثلُ حِلْمٍ *** يعودُ به على الجهلِ الحليمُ



فلا تسفهْ وإن مُلِّيتَ غيظًا *** على أحدٍ فإنَّ الفحشَ لُومُ



ولا تقطعْ أخًا لك عندَ ذنبٍ *** فإنَّ الذَّنبَ يعفوه الكريمُ

محمد رافع 52 20-07-2013 03:24 PM



البخل والشح

معنى البخل والشح لغةً واصطلاحًا

معنى البخل لغةً:
البُخْلُ ضِدُّ الكَرَمِ والجُودِ، وقد بَخِلَ بكذا: أي ضنَّ بما عنده ولم يجُدْ، ويقال: هو بخيل وباخل، وجمعه بخلاء، والبَخَّال: الشَّديد: البُخْل .
معنى البخل اصطلاحًا:
قال الراغب الأصفهاني: (البُخْلُ: إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه) .
وقال الجرجاني: (البخل هو المنع من مال نفسه) .
وقال ابن حجر: (البخل هو منع ما يطلب مما يقتنى، وشره ما كان طالبه مستحقًّا، ولا سيما إن كان من غير مال المسئول) .
وقال الفيومي: (البخل في الشرع: منع الواجب) .
معنى الشح لغةً:
الشُّحُّ: البُخْل مَع حِرْصٍ. تقول: شَحَّ يَشُحُّ مِن باب قَـتَل، وفي لُغة مِن بابَيْ ضَرَب وتَعِب، ورجل شحيح وقوم شِحاح وأشِحَّة وأشحاء، وتَشاحَّ القوم: إذا شَحَّ بعضهم على بعض .
معنى الشحِّ اصطلاحًا:
قال النووي: (الشحُّ: هو البخل بأداء الحقوق، والحرص على ما ليس له) .
وقال الطبري: (الشحُّ: الإفراط في الحرص على الشيء) .
وقال الراغب الأصفهاني: (الشحُّ: بخل مع حرص، وذلك فيما كان عادة) .

محمد رافع 52 20-07-2013 03:28 PM

الفرق بين البخل والشح
اختلف أهل العلم في البخل والشح، هل هما مترادفان أم لكلِّ واحد منهما معنى غير معنى الآخر، وقد بين الطِّيبي أن الفرق بينهما عسير جدًّا وسنعرض هنا بعضًا من أقوال العلماء في الفرق بينهما:
- يرى ابن مسعود رضي الله عنه: أن البخل هو البخل بما في اليد من مال، أما الشح فهو أن يأكل المرء مال الآخرين بغير حقٍّ، فقد (قال له رجل: إني أخاف أن أكون قد هلكت قال: وما ذاك قال: إني سمعت الله يقول: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]. وأنا رجل شحيح، لا يكاد يخرج مني شيء، فقال له ابن مسعود رضي الله عنه: ليس ذاك بالشحِّ، ولكنه البخل، ولا خير في البخل، وإنَّ الشحَّ الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلمًا) .
- وفرَّق ابن عمر بين الشحِّ والبخل، فقال: (ليس الشحيح أن يمنع الرجل ماله، ولكنه البخل، وإنه لشرٌّ، إنما الشحُّ أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له) .
- وقيل أنهما مترادفان لهما نفس المعنى .
- (وقيل: البخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك، والشحُّ: الحرص على تحصيل ما ليس عندك) .
- وقيل: (البخل منع الواجب، والشحُّ منع المستحب) . وهؤلاء قالوا: إن منع المستحب لا يمكن أن يكون بخلًا لعدة أمور:
أحدها: أن الآية دالة على الوعيد الشديد في البخل، والوعيد لا يليق إلا بالواجب.


وثانيها: أنه تعالى ذم
البخل وعابه، ومنع التطوع لا يجوز أن يذمَّ فاعله، وأن يعاب به.
وثالثها: وهو أنه تعالى لا ينفك عن ترك التفضل؛ لأنه لا نهاية لمقدوراته في التفضل، وكلُّ ما يدخل في الوجود فهو متناه، فيكون لا محالة تاركًا التفضل، فلو كان ترك التفضل بخلًا لزم أن يكون الله تعالى موصوفًا بالبخل لا محالة، تعالى الله عز وجل عنه علوًّا كبيرًا.
ورابعها: قال عليه الصلاة والسلام: ((وأيُّ داء أدوأ من البخل)) . ومعلوم أن تارك التطوع لا يليق به هذا الوصف.
وخامسها: أنه لو كان تارك التفضل بخيلًا لوجب فيمن يملك المال كلَّه العظيم أن لا يتخلص من


البخل إلا بإخراج الكلِّ.
وسادسها: أنه تعالى قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة: 3] وكلمة من للتبعيض، فكان المراد من هذه الآية: الذين ينفقون بعض ما رزقهم الله، ثم إنه تعالى قال في صفتهم: أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5]. فوصفهم بالهدى والفلاح، ولو كان تارك التطوع بخيلًا مذمومًا لما صحَّ ذلك. فثبت بهذه الآية أن البخل عبارة عن ترك الواجب .
- وقيل: (البخل هو المنع من مال نفسه، والشحُّ هو بخل الرجل من مال غيره ...).
- وقيل: (البخل هو نفس المنع، والشحُّ الحالة النفسية التي تقتضي ذلك المنع) .
- وقيل: إنَّ الشحَّ هو البخل مع زيادة الحرص، وهو ما رجَّحه القرطبي، فقال: (وقيل: إنَّ الشحَّ هو البخل مع حرص. وهو الصحيح لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال: ((اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ؛ فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم)) . وهذا يردُّ قول من قال: إنَّ البخل منع الواجب، والشحُّ منع المستحب. إذ لو كان الشحُّ منع المستحب لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم، والذمِّ الشديد الذي فيه هلاك الدنيا والآخرة. ويؤيد هذا المعنى ما رواه النسائي عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم أبدًا، ولا يجتمع شحٌّ وإيمان في قلب رجل مسلم أبدًا)) ).
- ويرى ابن القيم أنَّ (الفرق بين الشحِّ والبخل: أنَّ الشحَّ هو شدة الحرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله، وحبه، وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشحِّ، والشحُّ يدعو إلى البخل، والشحُّ كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحَّه، ومن لم يبخل فقد عصى شحَّه ووقي شرَّه، وذلك هو المفلح وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]) .

mabrok 20-07-2013 10:05 PM

http://www8.0zz0.com/2013/02/16/00/997280603.gif

محمد رافع 52 21-07-2013 12:25 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mabrok (المشاركة 5392886)

جزاكم الله عنا خيراً
وبارك فيكم ورضى عنكم

محمد رافع 52 23-07-2013 12:19 AM

أولًا: في القرآن الكريم

1- الآيات الواردة في ذم البخل:
البخل خلق مكروه ذمَّه الله تبارك وتعالى في غير آية من كتابه الكريم، وتوعَّد أصحابه بوعيد شديد، وعقوبات تلحقهم في الدنيا والآخرة، وسنذكر بعضًا من تلك الآيات الكريمة.
- قال الله تبارك وتعالى:وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 180].
(أي ولا يظنُّ الذين يبخلون، أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله، من المال والجاه والعلم، وغير ذلك مما منحهم الله، وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرُّهم منه لعباده، فبخلوا بذلك، وأمسكوه، وضنُّوا به على عباد الله، وظنُّوا أنَّه خير لهم، بل هو شرٌّ لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] أي: يجعل ما بخلوا به طوقًا في أعناقهم، يعذَّبون به) .
- وقال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء: 36-37].
قال ابن تيمية: (قَدْ تُؤُوِّلَتْ في البُخْل بالمال والمنع والبخل بالعلم ونحوه، وهي تَعُمُّ
البخل بكلِّ ما ينفع في الدِّين والدُّنيا مِن علم ومال وغير ذلك) .
(والمراد بالبخل في الآية
البخل بالإحسان الذي أمر به فيما تقدم، فيشمل البخل بلين الكلام، وإلقاء السلام، والنصح في التعليم، وإنقاذ المشرف على التهلكة، وكتمان ما آتاهم الله من فضله يشمل كتمان المال، وكتمان العلم) .
- وقال تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد: 24].
(أي: يجمعون بين الأمرين الذميمين، اللذين كلٌّ منهما كافٍ في الشرِّ: البخل: وهو منع الحقوق الواجبة، ويأمرون الناس بذلك، فلم يكفهم بخلهم، حتى أمروا الناس بذلك، وحثوهم على هذا الخلق الذميم، بقولهم وفعلهم، وهذا من إعراضهم عن طاعة ربهم، وتوليهم عنها...) .
2- الآيات الواردة في ذم الشح:
- قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [ النساء: 128 ].
قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وأُحضرت أنفس النساء الشحَّ على أنصبائهنَّ من أنفس أزواجهنَّ وأموالهم ... وقال آخرون: معنى ذلك: وأُحضرت نفس كلِّ واحد من الرجل والمرأة، الشحَّ بحقِّه قبل صاحبه ... وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: أحضرت أنفس النساء الشحَّ بأنصبائهنَّ من أزواجهنَّ في الأيام والنفقة. والشحُّ: الإفراط في الحرص على الشيء، وهو في هذا الموضع: إفراط حرص المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها. فتأويل الكلام: وأُحضرت أنفس النساء أهواءهنَّ، من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهنَّ، والشح بذلك على ضرائرهنَّ) .
قال السعدي: (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ أي: (جبلت النفوس على الشحِّ، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحقِّ الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضدَّه وهو السماحة، وهو بذل الحقِّ الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحقِّ الذي لك. فمتى وُفِّق الإنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهَّلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشحِّ من نفسه، فإنَّه يعسر عليه الصلح والموافقة؛ لأنَّه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتدَّ الأمر) .
- وقال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
قال الطبري: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ. يقول تعالى ذكره: من وقاه الله شح نفسه فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالمخلدون في الجنة... وأما العلماء فإنهم يرون أنَّ الشحَّ في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حقٍّ) .
قال ابن كثير: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] أي: من سلم من الشحِّ فقد أفلح وأنجح) .
قال السعدي: (من رزق
الإيثار فقد وقي شح نفسه وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ووقاية شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعًا منقادًا، منشرحًا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبًا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شح نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر ومادته) .

محمد رافع 52 23-07-2013 12:23 AM

ثانيًا: في السنة النبوية


- عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال)) .


يقول ابن القيم تعليقًا على هذا الحديث: (...ثم ذكر

الجبن والبخل فإنَّ الإحسان المتوقَّع من العبد إما بماله؛ وإما ببدنه؛ فالبخيل مانع لنفع ماله، والجبان مانع لنفع بدنه ...) .

وقال: (والجبن والبخل قرينان: فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل) .

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه، حتى تغشي أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة مكانها، قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: بإصبعه في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا توسع)) .
قال ابن القيم تعليقًا على هذا الحديث: (لما كان البخيل محبوسًا عن الإحسان، ممنوعًا عن البرِّ والخير، وكان جزاؤه من *** عمله؛ فهو ضيق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهمِّ والغمِّ والحزن، لا يكاد تقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب، فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه، بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة؛ لزمت كلُّ حلقة من حلقها موضعها، وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو) .
- وعن جابر رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا بني سلمة من سيدكم قالوا: الجدُّ بن قيس وإنا لنبخِّله. قال: وأيُّ داء أدوأ من البخل؟! بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح)). قال: وكان على أضيافهم في الجاهلية، قال: وكان يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوَّج .
قال المناوي: (أيُّ عيب أقبح منه؛ لأنَّ من ترك الإنفاق خوف الإملاق لم يصدق الشارع، فهو داء مؤلم لصاحبه في الآخرة، وإن لم يكن مؤلمًا في الدنيا) .
- وعن جابر بن عبد الله، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظلم، فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم)) .
قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: (واتقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم). قال القاضي: يحتمل أنَّ هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنَّه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة) .
- وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقَى الشحُّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)). قالوا: يا رسول الله، أيُّمَ هو؟ قال: ((ال*** ال***)) .
قال ابن حجر: (أما قوله: ويلقى الشح. فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم؛ حتى يبخل العالم بعلمه، فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد وجود أصل الشحِّ؛ لأنَّه لم يزل موجودًا) .
وقال ابن الجوزي: (قوله: يلقى الشح. على وجهين: أحدهما يلقى من القلوب، يدل عليه قوله: ويفيض المال. والثاني: يلقى في القلوب، فيوضع في قلب من لا شحَّ عنده، ويزيد في قلب الشحيح. ووجه هذا أنَّ الحديث خارج مخرج الذمِّ، فوقوع الشحِّ في القلوب مع كثرة المال أبلغ في الذمِّ) .



مستر محمد سلام 23-07-2013 01:17 AM

جزاااااااااااااااااكم الله خيراااااااااااااااااااااااا
استاذ محمد


محمد رافع 52 25-07-2013 01:52 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستر محمد سلام (المشاركة 5397864)
جزاااااااااااااااااكم الله خيراااااااااااااااااااااااا
استاذ محمد

بارك الله فيك
اخى وحبيبى فى الله

محمد رافع 52 28-07-2013 12:58 AM


أقوال السلف والعلماء في البخل والشح
- قال علي رضي الله عنه: (البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخيُّ بسخائه الجنة) .
- وقال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء؛ لكننا نتصبر) .
- وسئل الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما عن
البخل فقال: (هو أن يرى الرجل ما ينفقه تلفًا، وما يمسكه شرفًا) .
- وعَن طاووس قال: (البخل: أن يبخل الإنسان بما في يديه) .
- وقال محمد بن المنكدر: (كان يقال: إذا أراد الله بقوم شرًّا أمَّر الله عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم) .
- وقال أبو حنيفة: (لا أرى أن أُعدِّل بخيلًا؛ لأنَّ
البخل يحمله على الاستقصاء؛ فيأخذ فوق حقه خيفة من أن يغبن، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة) .
- وقال بشر بن الحارث: (البخيل لا غيبة له؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إنك إذًا لبخيل)) . ومدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ((صوَّامة قوَّامة إلا أن فيها بخلًا، قال: فما خيرها إذن؟)).) .
- وقال: (النظر إلى البخيل يقسي القلب، ولقاء البخلاء كرب على قلوب المؤمنين) .
- وقال: (لا تزوِّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أن يكون بخيلًا) .
- قالت أمُّ البنين أخت عمر بن عبد العزيز: (أفٍّ للبخيل.. لو كان
البخل قميصًا ما لبسته، ولو كان طريقًا ما سلكته) .
- وقال الشعبي: (لا أدري أيهما أبعد غورًا في نار جهنم البخل، أو الكذب) .
- قال حبيش بن مبشر الثقفي الفقيه: (قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، والناس متوافرون فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلًا صالحًا بخيلًا) .
- وقال يحيى بن معاذ: (ما في القلب للأسخياء إلا حبٌّ؛ ولو كانوا فجارًا، وللبخلاء إلا بغض؛ ولو كانوا أبرارًا) .
- وقال ابن المعتز: (أبخل الناس بماله أجودهم بعرضه) .
- وقال أيضًا: (بشِّرْ مال البخيل بحادث، أو وارث) .
- وقال ابن القيم: (والجبن والبخل قرينان: فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل) .
- وقال الماوردي: (الحرص والشحُّ أصل لكلِّ ذم، وسبب لكلِّ لؤم؛ لأنَّ الشحَّ يمنع من أداء الحقوق، ويبعث على القطيعة والعقوق) .

محمد رافع 52 28-07-2013 01:04 AM

آثار البخل والشح

أولًا: آثار البخل
1- الحرمان من الأجر المترتب على الإنفاق في أبواب الخير.
2- سبب في ضعف الإيمان واضمحلاله؛ لما فيه من سوء الظنِّ بالله.
3- كراهية الناس له، فهو مبغوض مكروه حتى من أقرب الناس إليه كزوجته وأبنائه وأقربائه، بل قد يصل بهم الحد إلى أن يدعوا عليه، ويتمنوا موته؛ حتى يستطيعوا التنعم بما حرمهم منه من أموال.
4- سبب لحرمان الرزق، فكما أن الإنفاق سبب في زيادة الرزق وسعته، فإنَّ البخل والشح سبب في تضييقه.
5- الوقوع في الإثم بسبب منعه لما يجب عليه من حقوق وواجبات.
6- حرمان البخيل الشحيح لنفسه ولغيره من لذائذ الدُّنيا المباحة.
7- ومن ضررهما في الدنيا تعريض مال الغني للضياع والنهب والسرقة والأحقاد، وفي عصرنا وغيره ظهور الحملات الشنيعة على الأغنياء المترفين، وانتشار الأفكار والنظريات المسماة بالاشتراكية التي ظهرت لتقويض أركان الرأسمالية .
8- سبب لكشف عيوب المرء، وإظهارها للخلق.
قال شمس الدين السفيري: (والسخاء والكرم سبب لستر العيوب، والبخل والشح سبب جالب لكشفها كما أشار إليه بعضهم بقوله:

ويظهر عيب المرء في الناس بخله ***ويستره عنهم جميعًا سخاؤه



تغطَّ بأثواب السخاء فإنني ***أرى كلَّ عيب والسخاء غطاؤه)



9- الحرص على ملازمة الأسواق لجمع المال، والأسواق هي معشش الشياطين .
10- البخل صنو لعدد من الأخلاق السيئة التي يجر بعضها بعضًا، كالجهل والحسد وسوء الظنِّ بالله وغيرها من الأخلاق الرديئة، (ولهذا قيل في حدِّ البخل: جهل مقرون بسوء الظن) .
11- والبخل صفة غير لائقة بأهل الإسلام، بل هي سجية عرف بها اليهود قديمًا وحديثًا، قال الشوكاني: (البخل قد لزم اليهود لزوم الظلِّ للشمس، فلا ترى يهوديًّا، وإن كان ماله في غاية الكثرة، إلا وهو من أبخل خلق الله) .
12- (البخل محو صفات الإنسانية، وإثبات عادات الحيوانية) .
13- ما ينتظر البخيل والشحيح من عقاب أخروي وطول حساب، خاصة إذا كان بخله قد أداه إلى عدم تأدية ما فرض الله عليه من زكاة، وإنفاق على من تجب نفقتهم عليه.
14- إفساد العلاقات بين الناس وإعاقة الصلح بينهم:
قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 128].
قال السعدي: (اعلم أنَّ كلَّ حكم من الأحكام لا يتمُّ ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبَّه على أنَّه خير، والخير كلُّ عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع ذلك- قد أمر الله به وحثَّ عليه ازداد المؤمن طلبًا له ورغبة فيه.وذكر المانع بقوله: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ أي: جُبلت النفوس على الشحِّ، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحقِّ الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضدَّه وهو السماحة، وهو بذل الحقِّ الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحقِّ الذي لك. فمتى وُفِّق الإنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنَّه يعسر عليه الصلح والموافقة؛ لأنَّه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدِّي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتدَّ الأمر) .

محمد رافع 52 28-07-2013 01:08 AM

ثانيًا: آثار الشح
1- الشحُّ من صفات المنافقين:
قال تعالى -في وصف المنافقين-: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [ الأحزاب: 19].
قال الطبري: (إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشحِّ، ولم يخصص وصفهم من معاني الشحِّ، بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به: أشحَّة على المؤمنين بالغنيمة، والخير، والنفقة في سبيل الله على أهل مسكنة المسلمين) .
2- الإنسان الشحيح لا خير فيه ولا عنده:

قوله تعالى أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ قال ابن كثير: (وهم مع ذلك أشحة على الخير، أي: ليس فيهم خير، قد جمعوا
الجبن والكذب وقلة الخير) .

3- الشحُّ أسوأ صفات الإنسان:
قوله تعالى أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ قال السعدي: (أشحَّة على الخير: الذي يُراد منهم، وهذا شرُّ ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله، شحيحًا بجاهه، شحيحًا بعلمه، ونصيحته ورأيه) .
4- الشحُّ سبب في الهلاك وفساد المجتمع:
عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم)) .
5- يوقع الإنسان في كبائر الذنوب:
ومن ذلك سفك الدماء واستحلال المحارم، كما مرَّ في حديث جابر بن عبد الله السابق.
6- سبب في الخسران في الدنيا والآخرة:
قال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
قال السعدي: (لعلَّ ذلك -الوقاية من الشحِّ- شامل لكلِّ ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنَّه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة) .

محمد رافع 52 28-07-2013 01:11 AM

حكم البخل والشح
ليس للبخل حكمًا واحدًا ينطبق على جميع صوره وأنواعه، وإنما لكل صورة من صور البخل حكمًا خاصًّا بها، وإن كان البخل في عمومه مذمومًا مكروهًا، يقول ابن تيمية: (والبخل *** تحته أنواع كبائر وغير كبائر) .
فإن كان المنع بخلًا بواجب فهو محرم شرعًا، بل هو كبيرة من الكبائر توعَّد الله صاحبها بالعقوبة والعذاب،كمن منع الزكاة الواجبة بخلًا بالمال وحرصًا عليه، قال ابن تيمية: (فإنَّ البخل من الكبائر، وهو منع الواجبات: من الزكاة، وصلة الرحم، وقرى الضيف، وترك الإعطاء في النوائب، وترك الإنفاق في سبيل الله) .
أشد درجات البخل:
قال ابن قدامة المقدسي: (وأشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل. فكم بين من يبخل على نفسه مع الحاجة، وبين ما يؤثر على نفسه مع الحاجة، فالأخلاق عطايا يضعها الله عزَّ وجلَّ حيث يشاء) .

محمد رافع 52 28-07-2013 01:15 AM

صور البخل والشح
للبخل صور شتى ومظاهر متعددة فمن صوره ما يأتي:
1- البخل بالمال والمقتنيات: وهذا بدوره ينقسم إلى أقسام عدة ذكرها الراغب فقال: (البخل ثلاثة:
- بخل الإنسان بماله.
- وبخله بمال غيره على غيره.
- وبخله على نفسه بمال غيره، وهو أقبح الثلاثة، والباخل بما بيده باخل بمال الله على نفسه وعياله؛ إذ المال عارية بيد الإنسان مستردة، ولا أحد أجهل ممن لا ينتقذ نفسه وعياله من العذاب الأليم بمال غيره، سيما إذا لم يخف من صاحبه تبعة ولا ملامة، والكفالة الإلهية متكفلة بتعويض المنفق، ففي الخبر: اللهم اجعل لمنفق خلفًا، ولممسك تلفًا، ومن وسَّع وسَّع الله عليه) .
2- البخل بالنفس: كمن يبخل بنفسه أن يقدمها في سبيل الله رخيصة، وذلك تعلقًا منه بالدنيا وحرصًا عليها، وكراهية الموت، وهو على عكس من يجود بنفسه لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، قال الشاعر:


يجود بالنفس إن ضنَّ البخيل بها***والجود بالنفس أعلى غاية الجود



ونقل ابن القيم عن بعض الحكماء أنه قال: (إنَّ الإحسان المتوقع من العبد؛ إما بماله، وإما ببدنه، فالبخيل مانع لنفع ماله، والجبان مانع لنفع بدنه، المشهور عند الناس أنَّ البخل مستلزم الجبن من غير عكس؛ لأنَّ من بخل بماله فهو بنفسه أبخل، والشَّجاعَة تستلزم الكرم من غير عكس؛ لأنَّ من جاد بنفسه فهو بماله أسمح وأجود). ثم قال: (وهذا الذي قالوه ليس بلازم أكثره، فإنَّ الشَّجاعة والكرم وأضدادها أخلاق وغرائز، قد تجمع في الرجل، وقد يعطى بعضها دون بعض، وقد شاهد الناس من أهل الإقدام والشَّجاعة والبأس من هو أبخل الناس، وهذا كثيرًا ما يوجد في أمة الترك، يكون أشجع من ليث، وأبخل من كلب، فالرجل قد يسمح بنفسه، ويضنُّ بماله، ولهذا يقاتل عليه حتى يُ***، فيبدأ بنفسه دونه، فمن الناس من يسمح بنفسه وماله، ومنهم من يبخل بنفسه، ومنهم من يسمح بماله ويبخل بنفسه، وعكسه، والأقسام الأربعة موجودة في الناس) .
3- البخل بالجاه:
فترى صاحب الجاه والمنصب العلي يبخل بالمنفعة التي سيقدمها لمن يحتاجها، فلا يشفع إن طلبت منه الشفاعة، ولا يصلح إن طلب منه الصلح، ولا يسعى في حاجة الضعيف والمسكين وذي الحاجة.
4- البخل بالعلم:
وهو من أسوأ أنواع البخل وأقبحها، بحيث يكتم صاحب العلم علمه عمن يحتاجه، فلا يُعلِّم ولا ينصح ولا يوجِّه، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء: 37].
قال ابن عباس: (هي في أهل الكتاب يقول: يكتمون، ويأمرون الناس بالكتمان) .
وقال حضرمي: (هم اليهود بخلوا بما عندهم من العلم، وكتموا ذلك).
وقال سعيد بن جبير: (كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم، وينهون العلماء أن يعلموا الناس شيئًا؛ فعيَّرهم الله بذلك، فأنزل الله الَّذِينَ يَبْخَلُونَ. وقال: هذا في العلم ليس للدنيا منه شيء) .


وقال الطبري: (إنَّ بخلهم الذي وصفهم الله به إنما كان بخلًا بالعلم الذي كان الله آتاهموه، فبخلوا بتبيينه للناس، وكتموه دون
البخل بالأموال) .
وقال السعدي: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أي: يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة. وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بأقوالهم وأفعالهم وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ أي: من العلم الذي يهتدي به الضالون، ويسترشد به الجاهلون، فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحقِّ، فجمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم، وهذه هي صفات الكافرين) .

محمد رافع 52 28-07-2013 01:17 AM

أسباب الوقوع في البخل والشح
1- ضعف إيمان البخيل وسوء ظنِّه بالله، فهو يستثقل أمر الإنفاق، ويغفل عن تعويض الله له على ما أنفق، كما أنَّه يغيب عنه أنَّ هذا المال هو مال الله، وأنَّه لم يأتِ إلى الدُّنيا وبيده شيء منه.
2- الظلم سبب آخر من أسباب البخل، حيث ينتج عنه تعطيل لحقوق الآخرين.
3- حب المال والتعلق به يورث هذه الصفة الدنيئة، والسجية القبيحة.
4- الظنُّ بأنَّ البخل نوع من الذكاء والفطنة والتدبير لأمور الدنيا.
5- الخوف من المستقبل، والهلع من الفقر والحاجة التي يعد بها الشيطان الرجيم.
6- الخوف على الأبناء؛ فالأبناء مبخلة مجبنة.
7- النشأة والتربية، فقد ينشأ الشخص بين والدين بخيلين، أو مجتمع يتصف بالبخل؛ فيتشرب هذه الصفة ممن حوله، وتصبح سجية له.
8- عدم استشعار ما ينتظر البخيل من العقوبة يوم القيامة.
9- الغفلة عن الأجور المترتبة على الإنفاق، والقيام بالحقوق الواجبة.
10- طول الأمل، والتشبث بالحياة.

محمد رافع 52 28-07-2013 01:20 AM

الوسائل المعينة على ترك البخل والشح
1- أن يحسن المرء الظنَّ بالله عزَّ وجلَّ، وليعلم أنَّ الله الذي أمره بالإنفاق قد تكفَّل له بالزيادة. وقد قيل: (قلة الجود سوء ظنٍّ بالمعبود).
2- الإكثار من الصدقة، وإن كان ذلك ثقيلًا على من اتصف بهذه الصفة، وبذلك يعتاد على صفة الكرم والإنفاق، قال ابن القيم: (فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل، كالحجام يستخرج منك الدم المهلك) .
3- معرفة أن الإيحاء بالفقر والتخويف منه إنما هو وعد شيطاني، وأن وعد الله هو المغفرة للذنوب وزيادة الفضل، يقول الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 268].


4- الاستعاذة بالله من البخل، كما كان يفعل أكرم الخلق وأجودهم صلى الله عليه وسلم، حيث كان يستعيذ من
البخل فيقول: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرذل العمر)) .
5- معالجة طول الأمل بالإكثار من ذكر الموت، والنظر في مت الأقران.
6-التأمُّل في حال البخلاء الذين تعبوا في جمع المال، والحرص عليه ثم تركهم له يتقاسمه الورثة، وربما استخدموه في غير طاعة الله، فكان وبالًا عليهم.
7- التأمل في الآيات الواردة في ذمِّ البخل، وما أعده الله للمتصفين بهذه الصفة القبيحة.
8- صرف القلب إلى عبادة المولى تبارك وتعالى، حتى لا ينشغل بعبادة المال والحرص عليه.
9- معرفة أن المستقبل بيد الله إن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن كنت أحرص الناس.
10- عدم الخوف على مستقبل الأبناء، والتيقن أنَّ من خلقهم قد خلق أرزاقهم معهم، ولن يضيعهم. فكم من ولد لم يرث من والده مالًا صار أحسن حالًا ممن ورث الأموال الطائلة.
11- علاج القلب بكثرة التأمل في الأخبار الواردة في ذمِّ البخل، ومدح السخاء وما توعد الله به البخيل من العقاب العظيم.
12- التأمل في أحوال البخلاء، ونفرة الطبع منهم، وبغض الناس لهم، وبقاء الذكر السيئ من بعدهم.

محمد رافع 52 28-07-2013 01:22 AM

ترتيب أوصاف البخيل

يقال: رجل بخيل، ثم مُسُك إذا كان شديد الإمساك لماله، ثم لَحِز إذا كان ضيق النفس شديد البخل، ثم شحيح إذا كان مع شدة بخله حريصًا، ثم فاحش إذا كان متشدِّدًا في بخله، ثم حِلِزٌّ إذا كان في نهاية البخل

محمد رافع 52 28-07-2013 01:24 AM

من أخبار البخلاء

- وصية بخيل:
قال أحد البخلاء وهو يوصي ابنه:
أي بنيَّ! إنَّ إنفاق القراريط يفتح عليك أبواب الدوانيق، وإنفاق الدوانيق يفتح عليك أبواب الدراهم، وإنفاق الدراهم يفتح عليك أبواب الدنانير. والعشرات تفتح عليك أبواب المئين، والمئون تفتح عليك أبواب الألوف، حتى يأتي ذلك على الفرع والأصل ويطمس على العين والأثر، ويحتمل القليل والكثير .
- وقال المكي: كان لأبي عم يقال له سليمان الكثري سمِّي بذلك لكثرة ماله. وكان يقرِّبني وأنا صبي إلى أن بلغت. ولم يهب لي مع ذلك التقريب شيئًا قط. وكان قد جاوز في ذلك حد البخلاء. فدخلت عليه يومًا، وإذا قدَّامه قطع دار صيني لا تسوى قيراطًا؛ فلما نال حاجته منها، مددت يدي لآخذ قطعة، فلما نظر إليَّ قبضت يدي، فقال: لا تنقبض وانبسط واسترسل وليحسن ظنك، فإن حالك عندي على ما تحب، فخذه كله، فهو لك بزوبره، وبحذافيره، وهو لك جميعًا؛ نفسي بذلك سخيَّة. والله يعلم أني مسرور بما وصل إليك من الخير. فتركته بين يده، وقمت من عنده وجعلت وجهي، كما أنا، إلى العراق. فما رأيته وما رآني حتى مات.
- واشترى رجل من البخلاء دارًا وانتقل إليها، فوقف ببابه سائل فقال له: فتح الله عليك. ثم وقف ثان، فقال له مثل ذلك، ثم وقف ثالث، فقال له مثل ذلك، ثم التفت إلى ابنته، فقال لها: ما أكثر السُّؤال في هذا المكان. قالت: يا أبت، ما دمت مستمسكًا لهم بهذه الكلمة فما تبال كثروا أم قلُّوا .
- وقال دعبل: كنا عند سهل بن هارون، فلم نبرح حتى كاد يموت من الجوع، فقال: ويلك يا غلام آتنا غداءنا، فأتي بقصعة فيها ديك مطبوخ تحته ثريد قليل، فتأمل الديك فرآه بغير رأس، فقال لغلامه: وأين الرأس؟ فقال: رميته، فقال: والله إني لأكره من يرمي برجله، فكيف برأسه؟ ويحك أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه فرقه الذي يتبرك به، وعينه التي يضرب بها المثل، فيقال: شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم نر عظمًا أهشَّ تحت الأسنان من عظم رأسه، وهبك ظننت أني لا آكله، أما قلت: عنده من يأكله. انظر في أي مكان رميته فأتني به. فقال: والله لا أدري أين رميته، فقال: ولكني أنا أعرف أين رميته. رميته في بطنك، الله حسبك .

محمد رافع 52 28-07-2013 01:27 AM

الأمثال في البخل والشح
- يقال: أبخل من صبيٍّ ومن كَسع: قالوا: هو رجل بلغ من بخله أنه كوى اسْتَ كلبه حتى لا ينبح، فيدل عليه الضيف .
- ويقال: أبخل من الضَّنِينِ بنائل غيره.
هذا مأخوذ من قول الشاعر:


وإن امرأ ضنت يداه على امرئ ***بنيل يد من غيره لبخيل



- ويقال: أبخل من ذي مَعْذِرَة: وهذا مأخوذ من قولهم في مثل آخر: المعْذِرة طرف من البخل.
- ويقال: أبخل من كلب.
- ويقال: أبخل من مادِرٍ: وهو رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة، وبلغ من بخله أنه سقى إبله، فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه، ومدر الحوض به، فسمِّي مادرًا لذلك، واسمه مخارق .
- ويقال: أبخل من أبي حباحب ومن حباحب: قالوا هو رجل من العرب كان لبخله يوقد نارًا ضعيفة، فإذا أبصرها مستضيء أطفأها .
- ويقال: أَلأم من راضع اللبن: هو رجل من العرب كان يرضع اللبن من حلمة شاته، ولا يحلبها مخافة أن يسمع وقع الحلب في الإناء، فيطلب منه .
- ويقال: ما يَبِضُّ حَجَرُهُ: وهو أدنى ما يكون من السيلان، يضرب للمتناهي في البخل

محمد رافع 52 28-07-2013 01:30 AM

البخل والشحُّ في أقوال الحكماء
- قال بعض الحكماء: (لا تحمل على نفسك همَّ ما لم يأتك، ولا تعدنَّ عدة ليس في يديك وفاؤها، ولا تبخلنَّ بالمال على نفسك، فكم جامع لبعل حليلته) .
- قال بعض الحكماء: (من برئ من ثلاث نال ثلاثًا: من برئ من السرف نال العزَّ، ومن برئ من البخل نال الشرف، ومن برئ من الكبر نال الكرامة) .
- قال بعض الحكماء: (البخيل ليس له خليل) .
- وقال آخر: (البخيل حارس نعمته، وخازن ورثته) .
- وقال آخر: (عجبًا للبخيل المتعجِّل للفقر الذي منه هرب، والمؤخر للسَّعة التي إيَّاها طلب، ولعلَّه يموت بين هربه وطلبه، فيكون عيشه في الدنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء، مع أنَّك لم ترَ بخيلًا إلا غيره أسعد بماله منه؛ لأنَّه في الدنيا مهتمٌّ بجمعه، وفي الآخرة آثم بمنعه، وغيره آمن في الدنيا من همِّه، وناج في الآخرة من إثمه) .

محمد رافع 52 28-07-2013 01:36 AM

ذم البخل والشح في واحة الشعر

قال المقنع الكندي:


إني أحرِّضُ أهلَ البخل كلَّهم *** لو كان ينفعُ أهلَ البخلِ تحريضي



ما قلَّ مالي إلا زادني كرمًا *** حتى يكونَ برزقِ اللهِ تعويضي



والمالُ يرفعُ مَن لولا دراهمُه *** أمسى يقلِّب فينا طرفَ مخفوضِ



لن تخرجَ البيضُ عفوًا مِن أكفِّهمُ *** إلا على وجعٍ منهم وتمريضِ



كأنها مِن جلودِ الباخلين بها *** عندَ النوائبِ تحذى بالمقاريضِ



وقال أبو دلامة:


ما أحسنَ الدينَ والدُّنيا إذا اجتمعا *** وأقبحَ الكفرَ والإفلاسَ بالرجلِ



وقال آخر:


فلا الجودُ يفني المالَ والجدُّ مقبلٌ *** ولا البخلُ يبقي المالَ والجدُّ مدبرُ



وقال إسحاق الموصلي:


وآمرةٌ بالبخلِ قلتُ لها اقصري *** فليس إلى ما تأمرين سبيلُ



أرى الناسَ خلانَ الجوادِ ولا أرى *** بخيلًا له في العالمين خليلُ



ومن خيرِ حالاتِ الفتى لو علمته *** إذا قال شيئًا أن يكون ينيلُ



فإني رأيتُ البخلَ يُزري بأهلِه *** فأكرمتُ نفسي أن يقالَ بخيلُ



عطائي عطاءُ المكثرين تجمُّلًا *** ومالي كما قد تعلمين قليلُ



وقال عمرو بن الأهتم:


ذريني فإنَّ البخلَ يا أُمَّ هيثمٍ *** لصالحِ أخلاقِ الرجالِ سروقُ



لعمرُك ما ضاقتْ بلادٌ بأهلِها *** ولكنَّ أخلاقَ الرجالِ تضيقُ



وقال ابن الزقاق:


لا يحمدُ البخلُ أن دان الأنامُ به *** وحامدُ البخلِ مذمومٌ ومدحورُ
وقال علي بن ذكوان:

أنفقْ ولا تخشَ إقلالًا فقد قُسمتْ *** بين العبادِ مع الآجالِ أرزاقُ



لا ينفعُ البخلُ معْ دنيا موليةٍ *** ولا يضرُّ مع الإقبالِ إنفاقُ


وقال عبد الله بن المعتز:

أعاذلُ ليس البخلُ مني سجيةً *** ولكن رأيتُ الفقرَ شرَّ سبيلِ



لموتُ الفتى خيرٌ مِن البخلِ للفتى *** ولَلبخلُ خيرٌ من سؤالِ بخيلِ


وقال العثماني:

فلا الجودُ يفني المالَ قبل فنائِه *** ولا البخلُ في مالِ الشحيحِ يزيدُ



فلا تلتمسْ رزقًا بعيشٍ مقتَّرٍ *** لكلِّ غدٍ رزقٌ يعودُ جديدُ


وقال قيس بن الخطيم:

وليس بنافعٍ ذا البخلِ مالُ *** ولا مزرٍ بصاحبِه السخاءُ



وبعضُ الداءِ مُلتمَسٌ شفاهُ *** وداءُ النَّوكِ ليس له شفاءُ


وقال آخر:

ويظهرُ عيبَ المرءِ في الناسِ *** بخلُه ويسترُه عنهم جميعًا سخاؤُه



تغطَّ بأثوابِ السخاءِ فإنني *** أرَى كلَّ عيبٍ فالسخاءُ غطاؤُه


وقال آخر:

وهبني جمعتُ المالَ ثم خزنتُه *** وحانتْ وفاتي هل أُزادُ به عُمرا



إذا خزن المالَ البخيلُ فإنَّه *** سيورثُه غمًّا ويُعقبُه وِزرا

محمد رافع 52 28-07-2013 01:46 AM


البغض والكراهية
معنى البغض والكراهية
معنى البُغْض:
البغض ضِدُّ الحُب، من بغَض الشيء بُغضًا: مقته وكرهه، فهو باغض وبغوض، والشيء مبغوض وبغيض، وبَغُضَ الشَّيء بَغاضة، فهو بَغِيض، وأبْغَضته إبغاضًا، فهو مُبْغَض، والاسم البُغْض، وبَغَّضَه الله تعالى للنَّاس فأَبْغَضُوه، والبِغَضَة والبَغْضاء: شِدَّة البُغْض، وتَباغض القوم: أبْغَض بعضهم بعضًا .
والبغض هو نفور النَّفس عن الشَّيء الذي يرغب عنه .
وقال الكفوي: (البُغْضُ: عبارةٌ عن نفرة الطَّبع عن المؤْلِم المتْعِب، فإذا قوي يُسمَّى مَقْتًا) .
معنى الكَراهِية:
الكراهية خِلاف الرِّضا والمحبَّة، يقال: كَرِهْتُ الشَّيء أَكْرَهُه كَرَاهَةً وكَرَاهِيةً، فهو شيءٌ كَرِيهٌ ومَكْرُوهٌ. والكُرْهُ الاسم. ويقال: بل الكُرْهُ: المشَقَّة، والكَرْهُ: أن تُكَلَّف الشَّيء فتعمله كارهًا. ويقال: مِن الكُرْه الكَرَاهِيَة والكَرَاهِيَّة وأكْرَهتُه على كذا: حملته عليه كَرْهًا .
وقال ابن عاشور: (الكُرْه: الكَرَاهِية ونفرة الطَّبع مِن الشَّيء، ومثله الكَرْه على الأصحِّ) .

محمد رافع 52 28-07-2013 01:50 AM

الفرق بين الكَرَاهَة وبعض الصِّفات

- الفرق بين الإِبَاء والكَرَاهَة:
قال أبو هلال العسكري: (إنَّ الإِبَاء هو أن يمتنع، وقد يَكْرَه الشَّيء مَن لا يقدر على إبائه، وقد رأيناهم يقولون للملك: أبيت اللَّعن، ولا يعنون أنَّك تكره اللَّعن؛ لأنَّ اللَّعن يكرهه كلُّ أحدٍ، وإنَّما يريدون أنَّك تمتنع مِن أن تلعن وتشتم؛ لِمَا تأتي مِن جميل الأفعال، وقال الرَّاجز:
ولو أرادوا ظلمه أبينا
أي امتنعنا عليهم أن يظلموا، ولم يَرِدْ أنَّا نَكْرَه ظلمهم إيَّاه؛ لأنَّ ذلك لا مدح فيه، وقال الله تعالى: وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ [التَّوبة: 32]، أي: يمتنع مِن ذلك، ولو كان الله يأبى المعاصي كما يكرهها، لم تكن معصيةٌ ولا عاصٍ) .
- الفرق بين البُغْض والكَرَاهَة:
قال أبو هلال العسكري: (الفرق بين البُغْض والكَراهة أنَّه قد اتَّسع بالبُغْض ما لم يتَّسع بالكَراهَة، فقيل: أُبْغِض زيدًا أي: أُبْغِض إكرامه ونفعه، ولا يقال: أكرهه بهذا المعنى، كما اتَّسع بلفظ المحبَّة، فقيل: أُحِبُّ زيدًا، بمعنى: أحبُّ إكرامه ونفعه، ولا يقال: أريده، في هذا المعنى، ومع هذا فإنَّ الكَرَاهَة تُسْتَعمل فيما لا يُسْتَعمل فيه البُغْض، فيقال: أَكْرَه هذا الطَّعام. ولا يقال: أَبْغُضه، كما تقول: أُحِبُّه. والمراد أنِّي أكره أكله، كما أنَّ المراد بقولك: أريد هذا الطَّعام، أنَّك تريد أكله أو شراءه) .
- الفرق بين الكَراهَة ونُفُور الطَّبع:
قال أبو هلال: (إنَّ الكَرَاهَة ضدُّ الإرادة، ونُفُور الطَّبع ضدُّ الشَّهوة، وقد يريد الإنسان شرب الدَّواء المرِّ مع نُفُور طبعه منه، ولو كان نُفُور الطَّبع كراهةً، لَمَا اجتمع مع الإرادة، وقد تُسْتَعمل الكَراهَة في موضع نُفُور الطَّبع مجازًا، وتُسمَّى الأمراض والأسقام: مكاره؛ وذلك لكثرة ما يَكْرَه الإنسان ما يَنْفِر طبعه منه) .

محمد رافع 52 30-07-2013 12:43 AM


- قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة: 91].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح، ويحسن ذلك لكم؛ إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام، ويصدكم عن ذكر الله) .

محمد رافع 52 30-07-2013 12:48 AM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة


- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا)) .
قال السعدي: (فعلى المؤمنين أن يكونوا متحابِّين، متصافِّين غير متباغضين ولا متعادين، يسعون جميعهم لمصالحهم الكليَّة التي بها قوام دينهم ودنياهم، لا يتكبَّر شريف على وضيع، ولا يحتقر أحدٌ منهم أحدًا) .
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((إذا فُتِحَت عليكم فارس والرُّوم، أيُّ قوم أنتم؟ قال عبد الرَّحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثمَّ تتحاسدون، ثمَّ تتدابرون، ثمَّ تتباغضون، أو نحو ذلك، ثمَّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض)) .
- عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم)) .
قال ملا علي القاري: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دبَّ...أي: نقل وسَرَى ومَشَى بخِفْيَة. إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد. أي: في الباطن. والبَغْضَاء. أي: العداوة في الظَّاهر... وسُمِّيا داءً؛ لأنَّهما داء القلب. هي. أي: البَغْضاء، وهو أقرب مبنًى ومعنًى، أو كلُّ واحدة منهما. الحالقة. أي: القاطعة للمحبَّة والألفة والصِّلة والجمعيَّة. والخصلة الأولى هي المؤدِّية إلى الثَّانية، ولذا قُدِّمت. لا أقول: تحلق الشَّعر. أي: تقطع ظاهر البدن، فإنَّه أمرٌ سهل. ولكن تحلق الدِّين. وضرره عظيم في الدُّنيا والآخرة. قال الطِّيـبيُّ: أي: البَغْضاء تُذْهِب بالدِّين كالموسى تُذْهِب بالشَّعر، وضمير المؤنَّث راجعٌ إلى البَغْضَاء) .
- وعن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((سيصيب أمَّتي داء الأمم، قالوا: يا نبيَّ الله، وما داء الأمم؟ قال: الأشَرُ والبَطَرُ، والتَّكاثر والتشاحن في الدُّنيا، والتَّباغض، والتَّحاسد حتى يكون البغي ثمَّ الهرج)) .
قال المناوي شارحًا هذا الحديث: (... ((الأَشَر)). أي: كُفر النِّعمة. ((والبَطَر)): الطُّغيان عند النِّعمة، وشدَّة المرَح والفرح، وطول الغنى. ((والتَّكاثر)). مع جمع المال. ((والتَّشاحن)). أي: التَّعادي والتَّحاقد. ((في الدُّنيا والتَّباغض والتَّحاسد)). أي: تمنِّي زوال نعمة الغير. ((حتى يكون البغي)). أي: مجاوزة الحدِّ، وهو تحذيرٌ شديدٌ مِن التَّنافس في الدُّنيا؛ لأنَّها أساس الآفات، ورأس الخطيئات، وأصل الفتن، وعنه تنشأ الشُّرور) .

محمد رافع 52 30-07-2013 12:51 AM

أقوال السَّلف والعلماء في الكَراهَة


- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أَحْبِب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما) .
- وقال بعض الصَّحابة: (مَن أراد فضل العابدين، فليصلح بين النَّاس، ولا يوقع بينهم العداوة والبَغْضاء) .
- وقال أبو حاتم: (حاجة المرء إلى النَّاس مع محبَّتهم إيَّاه خيرٌ مِن غناه عنهم مع بغضهم إيَّاه، والسَّبب الدَّاعي إلى صدِّ محبَّتهم له هو التَّضايق في الأخلاق وسوء الخُلُق؛ لأنَّ مَن ضاق خُلُقه سَئِمَه أهله وجيرانه، واستثقله إخوانه، فحينئذٍ تمنَّوا الخلاص منه، ودعوا بالهلاك عليه) .
- وقال: (الواجب على النَّاس كافةً: مجانبة الإفكار في السَّبب الذي يؤدِّي إلى البَغْضَاء والمشاحنة بين النَّاس، والسَّعي فيما يفرِّق جمعهم، ويُشتِّت شملهم) .
- وقال ابن القيِّم: (البُغْض والكَرَاهَة أصل كلِّ ترك ومبدؤه) .
- وقال الغزَّالي: (اعلم أنَّ الأُلفة ثمرة حسن الخُلُق، والتَّفرُّق ثمرة سوء الخُلُق، فحُسْن الخُلُق يُوجِب التَّحابَّ والتَّآلف والتَّوافق. وسوء الخُلُق يثمر التَّباغض والتَّحاسد والتَّدابر، ومهما كان المثْمِر محمودًا كانت الثَّمرة محمودة) .
- وكان يقال: (أقبح الأشياء بالسُّلطان اللَّجَاج، وبالحكماء الضَّجر، وبالفقهاء سَخَافة الدِّين، وبالعلماء إفراط الحِرْص، وبالمقاتِلة الجُبْن، وبالأغنياء البخل، وبالفقراء الكِبْر، وبالشَّباب الكسل، وبالشُّيوخ المزاح، وبجماعة النَّاس التَّباغض والحسد) .

محمد رافع 52 30-07-2013 12:52 AM

آثار البُغْض والكَرَاهِية


1- سببٌ في الوقوع في الافتراء والبهتان على النَّاس، والتَّحامل عليهم عند الخصومة.
2- يتولَّد عنه
الحقد الشَّديد للمَبْغُوض.
3- يتسبَّب في انتشار بعض الأمراض الاجتماعيَّة الخطيرة، التي تفتك بالمجتمع وتهدِّد لُحْمَته وتماسكه، كانتشار الإشاعات المغرضة، والتَّحاسد والتَّنافس غير المحمود.
4- سببٌ في فقدان الأمن والأمان في المجتمع؛ فإذا سادت الكَرَاهِية والبَغْضَاء، أحسَّ الفرد أنه يعيش في غابة بين وحوش يتربَّصون به، ويتحيَّنون الفرص لأذيَّته، فيعيش في قلقٍ دائمٍ لا ينتهي.
5- يتسبب في فقدان الحبِّ في المجتمع الواحد، بل في العائلة الواحدة.
6- بسببه تضيع الثِّقة بين أفراد المجتمع، فلا تكاد تجد أحدًا يثق في أحدٍ.
7- انتفاء
العدل في المجتمع المتَبَاغِض، ولهذا قيل للعادل: هو الذي إذا غضب لم يُدْخِله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يُخْرِجه رضاه عن الحقِّ.
8- البُغْض يتسبَّب إلى سوء الخُلُق، يقول الماورديُّ: (البُغْض الذي تنفر منه النَّفس فتُحْدِث نفورًا على المبْغَض، فيؤول إلى سوء خُلُق يخصُّه دون غيره) .

محمد رافع 52 30-07-2013 12:56 AM

أقسام البَغْضاء والكَراهِية


تنقسم البَغْضَاء إلى قسمين:
الأوَّل: منهيٌّ عنه، محرَّمٌ مذموم.
الثَّاني: مأمورٌ به، مُثابٌ صاحبه، ومِن صوره:
1- بُغْضُ وكَرَاهِية الباطل:
فإنَّ حُبَّ الحقِّ وبُغْضَ وكَرَاهِيةَ الباطل فضيلةٌ خُلقيَّة، فعن عائشة: ((أنَّها أخبرته أنَّها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلمَّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكَراهِية، فقالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله؛ ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ قالت: اشتريتها لتقعد عليها وتَوَسَّدَها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أصحاب هذه الصُّور يوم القيامة يعذَّبون، يقال لهم: أَحْيُوا ما خلقتم. وقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ البيت الذي فيه الصُّور لا تدخله الملائكة)) .
2- بُغْضُ وكَرَاهِية الكُفَّار والفُسَّاق:
قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[الممتحنة: 4]، قال ابن عاشور: (والبَغْضَاء: نُفْرَة النَّفس والكَراهِية، وقد تُطْلَق إحداهما في موضع الأخرى إذا افترقتا، فذِكْرُهما معًا هنا مقصودٌ به حصول الحالتين في أنفسهم: حالة المعاملة بالعُدْوَان، وحالة النُّفْرَة والكَراهِية، أي نُسِيء معاملتكم، ونُضْمِر لكم الكَراهِية حتى تؤمنوا بالله وحده دون إشراك) .

محمد رافع 52 31-07-2013 01:02 AM

أسباب الوقوع في البُغْض والكَرَاهِية


1- الغيبة والنَّمِيمَة مِن الأسباب الرَّئيسة للكَرَاهِية والبَغْضَاء والتَّشاحن.
قال بعض الحكماء: (النَّمِيمَة تهدي إلى القلوب البَغْضَاء، ومَن واجهك فقد شتمك، ومَن نقل إليك فقد نقل عنك، والسَّاعي بالنَّمِيمَة كاذبٌ لمن يسعى إليه، وخائن لمن يسعى به) .
2- الكذب والغِشُّ؛ فإنَّه يترك أثر الكَرَاهِية بين الغاشِّ والمغشوش.
3- قسوة القلب والغِلظَة والفَظَاظَة: فهذه الأخلاق تنفِّر بين القلوب، وتشيع الكَرَاهِية والبَغْضَاء. قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159].
4- التَّجسُّس: فالتَّجسُّس سبيل إلى الكَرَاهَة والبُغْض بين النَّاس. قال ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذَّى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة) .


5- الغيرة: قال ابن القيِّم: (إنَّ
الغيرة تتضمَّن البُغْض والكَرَاهَة) .
6- عدم العدل عمومًا سببٌ مِن أسباب البغض، فعدم العدل بين الزَّوجات يولِّد الحقد والكَراهِية بين الزَّوجات، وبين الزَّوج وزوجاته، وعدم العدل بين الأبناء يولِّد الشَّحناء والبَغْضاء، وتسود بينهم روح الكَرَاهِية.
7- التَّعدِّي على حقوق الإنسان بأي نوعٍ مِن أنواع التَّعدِّي.
8- الاستئثار بالمنافع، وعدم إعطائها لمن يستحقُّها.
9- الجدال والمراء: حيث يورِث البَغْضَاء والكَرَاهِية.
10- الخيانة وعدم الأمانة.
11- الكِبْر سببٌ مِن أسباب البُغْض، فالمتكبِّر يبغض النَّاس ويبغضونه.
12- الحسد مِن أهمِّ وأقوى الأسباب التي تُثِير البُغْض بين النَّاس، لذا قال الشَّاعر:

ليس للحاسد إلَّا ما حسد ***وله البَغْضَاء مِن كلِّ أحد



وأرى الوحدة خيرًا للفتى ***مِن جليس السُّوء فانهض إن قعد


13- كثرة العتاب واللوم، ومن أمثال العرب: (كثرة العتاب توجب البَغْضاء) .

محمد رافع 52 31-07-2013 01:05 AM

الوسائل المعينة على تجنُّب البُغْض والكَرَاهِية


1- الإحسان:
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصِّلت:34].
2- الإنصاف: فبالإنصاف تُنْـتَزَع صفات
الحقد والكَرَاهِية، لتحلَّ محلَّها صفات الاحترام والحبِّ والتَّنافس في الخيرات.
3- المعاتبة دون إكثار: فالمعاتبة تنقِّي النُّفوس مِن الشَّرِّ والكَرَاهِية، وتزيد المحبَّة والألفة، إذا كانت برفق ولين، دون جدال، مع حسن انتقاء الألفاظ، وبعد عن اللوم الشديد والتجريح.
4- الصَّبر.
5- البعد عن كلِّ ما مِن شأنه أن يكدِّر الصَّفو، ويشحن النُّفوس بالكَرَاهِية: كالجدال، والشَّتم والغيبة والنَّمِيمَة والحسد، وغيرها مِن الأدواء والأمراض.
6- الإتيان بالوسائل التي توطِّد العلاقات، وترسِّخ الصِّلات، وتحبِّب المؤمنين إلى بعضهم: كإفشاء السَّلام، والتَّهادي بين النَّاس، والتَّعاون والتَّكافل وغيرها.
قال أبو حاتم البستي: (الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السَّلام على العام... والسَّلام ممَّا يذهب إفشاؤه بالمكْتَنِّ مِن الشَّحناء، وما في الخَلِد مِن البَغْضَاء، ويقطع الهجران ويصافي الإخوان) .
7- البعد عن التَّنافس المذموم على الدُّنيا الفانية؛ فإنَّه مِن أكبر أسباب البَغْضاء والكَراهِية.

محمد رافع 52 31-07-2013 01:07 AM

الأمثال في البُغْض والكَراهِية


- شاهد البُغْض اللَّحْظُ .
- وقالوا: الحَاجَةُ مع المحَبَّة خَيْر مِن الغِنَى مع البِغْضَة .
- وقالوا:
الكبر قائد البُغْضِ .
- وجاء في المثل: كثرة العتاب توجب البَغْضاء .
- وجاء -أيضًا-: إذا أبغضك جارك، حوِّل باب دارك .
- وقيل لبعضهم: ما التَّواضع؟ قال: أخلاق المجد واكتساب الوُدِّ. فقيل ما الكِبْر؟ قال: اكتساب البُغْض .
- ويقولون: هو أزرق العين. يُضْرَب في الاستشهاد على البغض .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.