بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 16-06-2013 10:44 PM

حكم النَّصِيحَة
أولًا: اتفق العلماء على أنها واجبة.
ثانيًا: اختلفوا في نوع فرضيتها؛ فذهب بعضهم إلى أنها فرض عين، وذهب البعض الآخر إلى أنها فرض كفاية .
والدليل على وجوب النَّصِيحَة: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي سبق ذكره ((الدين النَّصِيحَة...)) .
وما ورد في حديث جرير رضي الله عنه، حيث قال: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة...)) ، وغيره من الأحاديث.
قال ابن مفلح: (ظاهر كلام أحمد والأصحاب وجوب النصح للمسلم، وإن لم يسأله ذلك كما هو ظاهر الأخبار) .
وقال ابن بطال: (النَّصِيحَة فرض يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين. قال: والنَّصِيحَة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة) .

محمد رافع 52 16-06-2013 10:54 PM

صور النَّصِيحَة

أ- النَّصِيحَة لله تعالى:
من صور النَّصِيحَة لله تعالى:
1- (الإيمان به ونفي الشريك عنه.
2- ترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها.
3- تنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص.
4- القيام بطاعته واجتناب معصيته.
5- الحب فيه، والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به.
6- الاعتراف بنعمته وشكره عليها.
7- الإخلاص في جميع الأمور.
8- الدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها والتلطف في جميع الناس أو من أمكن منهم عليها، قال الخطابي: وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فالله تعالى غني عن نصح الناصح) .
9- (الخضوع له ظاهرًا وباطنًا، والرغبة في محابه، بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه، بترك معصيته، والجهاد في رد العاصين إليه) .
ب- النَّصِيحَة لكتابه سبحانه وتعالى:
وتشمل صورًا عدة منها:
(الإيمان بأنَّه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق.
تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة.
الذب عنه لتأويل المحرِّفين، وتعرض الطاعنين.
التصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله.
الاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه.
البحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه) .
ج- النَّصِيحَة لرسوله صلى الله عليه وسلم:
من صور النَّصِيحَة لرسوله صلى الله عليه وسلم:
(1- تصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به.
2- طاعته في أمره ونهيه.
3- نصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه.
4- إعظام حقِّه وتوقيره.
5- إحياء طريقته، وسنته، وبثُّ دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها والدعاء إليها.
6- التخلُّق بأخلاقه والتأدب بآدابه.
7- محبة أهل بيته، وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته، أو تعرض لأحد من أصحابه، ونحو ذلك) .
د- النَّصِيحَة لأئمة المسلمين:
من صور النَّصِيحَة لأئمة المسلمين:
1- (إعانتهم على ما حُمِّلوا القيام به.
2- تنبيههم عند الغفلة، وسدُّ خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، وردُّ القلوب النافرة إليهم.
3- دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن) .
4- (معاونتهم على الحقِّ، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف.
5- إعلامهم بما غفلوا عنه، ولم يبلغهم من حقوق المسلمين.
6- ترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم.
7- الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم.
8- أن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم.
9- أن يُدعى لهم بالصلاح) .
ه- النَّصِيحَة لعامة المسلمين:
تندرج تحت النَّصِيحَة لعامة المسلمين صور كثيرة منها:
1- (الشَّفقة عليهم.
2- السعي فيما يعود نفعه عليهم.
3- تعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم.
4- أن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه) .
5- (إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم.
6- ستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم.
7- أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص.
8- توقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم.
9- تخولهم بالموعظة الحسنة.
10- ترك غشِّهم وحسدهم.
11- الذبُّ عن أموالهم وأعراضهم) .

محمد رافع 52 16-06-2013 10:59 PM

ضوابط في النَّصِيحَة
1- الإخلاص في النَّصِيحَة:
على الناصح أن يرجو بنصيحته وجه الله تبارك وتعالى، فلا يقصد بنصيحته الأغراض الدنيوية من رياء، وسمعة، وحب شهرة وغيرها، أو عيب المنصوح والحطَّ من قدره. قال تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 3]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى)) .
2- العلم بما ينصح به:
الذي يقوم بالنَّصِيحَة لا ينصح في أمر يجهله، بل لا بد أن يكون عالـمًا بما ينصح به، قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36].
3- أن لا يجهر بنصيحته:
بل ينبغي أن يسرَّ بنصيحته للمنصوح له، فلا ينصحه أمام الملأ:
قال الشافعي:


تعمدني بنصحك في انفرادي***وجنبني النَّصِيحَة في الجماعة



فإن النصح بين الناس نوع***من التوبيخ لا أرضى استماعه



وإن خالفتني وعصيت قولي***فلا تجزع إذا لم تعط طاعة



وقال أيضًا: (من وعظ أخاه سرًّا، فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية، فقد فضحه وشانه) .
وعن سليمان الخواص قال: (من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه) .
وقال ابن رجب: (كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرًّا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه) .
وقال ابن حزم: (إذا نصحت فانصح سرًّا لا جهرًا، أو بتعريض لا بتصريح، إلا لمن لا يفهم، فلا بدَّ من التصريح له) .
4- مراعاة الوقت والمكان المناسب.
5- اللين والرفق في النَّصِيحَة:
أن تكون النَّصِيحَة بالرفق واللين، والأسلوب الحسن، مع انتقاء الألفاظ المحبَّبة، وعدم استخدام الأساليب المنفِّرة، قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125].
وقال سبحانه: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53].
فعن ثابت، أن صلة بن أشيم وأصحابه، أبصروا رجلًا قد أسبل إزاره، فأراد أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم، فقال صلة: (دعوني أكفيكموه، فقال: يا ابن أخي إنَّ لي إليك حاجة، قال: فما ذاك يا عم؟ قال: ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمة عين، فقال لأصحابه: هذا كان مثل لو أخذتموه بشدة؟ قال: لا أفعل، وفعل) .
6- أن لا تكون النَّصِيحَة على شرط القبول:
قال ابن حزم: (لا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه، فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة لا مؤدي حق ديانة وأخوة، وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة، ولكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده) .

محمد رافع 52 16-06-2013 11:13 PM

وسائل وأساليب النَّصِيحَة
1- البدء بقضاء حاجته ثمَّ القيام بنصيحته:
مما يدل على ذلك ما روي عن حكيم بن حزام قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: يا حكيم، إنَّ هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارَك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إنَّ عمر دعاه ليعطيه فيأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، إني أعرض عليه حقَّه الذي قسم الله له من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي رحمه الله)) .
2- تقديم الهدية:
الهدية لها أثرها في النفس، كما أنها تحمل معاني تربوية، ووصايا إيمانية.
3- التواصل بالرسائل:
وهي وسيلة جيِّدة للتناصح، وقد استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الإسلام، وما زال السلف الصالح يقتفون أثره في هذه السنة المباركة.
4- الزيارة للعلماء والدعاة:
فالمنصوح قد يتقبل من شخص دون آخر؛ ولذلك فقد يكون من وسائل قبول بعض الناس للنصيحة زيارة عالم تقي، أو داعية جليل، يسوق النَّصِيحَة بأسلوبه المؤثر.
5- الصحبة والخلطة:
الصحبة من الوسائل التي توثق الصلة بالأشخاص، وتقرِّب الداعية من المدعو، وكلما كانت العلاقة أعمق، كان التناصح أكبر وأسرع، فالعلاقات السطحية بالمدعوين، قد لا تمكن الداعية من إيصال نصحه إليهم، ولذلك لا بد من اللقاءات الأخوية، والرحلات التربوية، والمخيمات الدعوية .

محمد رافع 52 16-06-2013 11:16 PM

نماذج من نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناصح صحابته في جميع الأمور، فكان يناصحهم في الأمور التعبدية، والقضايا الدعوية، والشؤون الأسرية وغيرها.
- فعن معاذ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب. فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب)) .
- وأيضًا نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا وأبا موسى الأشعري حينما بعثهما إلى اليمن فقال: ((يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) .
- تعليمه صلى الله عليه وسلم للرجل الصلاة، كما في الحديث المشهور بحديث المسيء صلاته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النَّبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ، وقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصل. فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ثلاثًا. فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلِّمني. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها)) .
- وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: ((أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها البتَّة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله! ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه نفقة، فأمرها أن تعتدَّ في بيت أمِّ شريك، ثمَّ قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي. اعتدِّي عند ابن أمِّ مكتوم، فإنَّه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلمَّا حللت ذكرت له أنَّ معاوية ابن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمَّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأمَّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد. فكرهته، ثمَّ قال: انكحي أسامة. فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا واغتبطت به)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كنت عند النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل فأخبره أنَّه تزوَّج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها، فإنَّ في أعين الأنصار شيئًا)) .
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((إنَّ عبد الله هلك وترك تسع بنات -أو قال: سبع- فتزوَّجت امرأة ثيِّبًا. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر، تزوَّجت؟ قال: قلت: نعم. قال: فبكر أم ثيِّب؟ قال: قلت: بل ثيِّب يا رسول الله! قال: فهلَّا جارية تلاعبها وتلاعبك- أو قال: تضاحكها وتضاحكك؟- قال: قلت له: إنَّ عبد الله هلك وترك تسع بنات- أو سبع- وإنِّي كرهت أن آتيهنَّ أو أجيئهنَّ بمثلهنَّ، فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهنَّ وتصلحهنَّ. قال: فبارك الله لك أو قال لي خيرًا)) .
- وعن جابر بن عبد الله قال: ((أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ألك مال غيره؟ فقال: لا. فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه، ثُمَّ قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا. يقول فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك)) .

محمد رافع 52 16-06-2013 11:19 PM

نماذج من نصائح السلف
- عن أبي جحيفة، قال: ((آخى النَّبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أمَّ الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كلْ، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم. فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فصليا، فقال له سلمان: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان)) .
- وعن علقمة قال: (كنَّا جلوسًا مع ابن مسعود، فجاء خبَّاب فقال: يا أبا عبد الرحمن، أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ؟ قال أمَّا إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك. قال: أجل. قال: اقرأ يا علقمة، فقال زيد ابن حدير أخو زياد بن حدير: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟! قال: أما إنَّك إن شئت أخبرتك بما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه، فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال قد أحسن، قال عبد الله: ما أقرأ شيئًا إلا وهو يقرؤه، ثم التفت إلى خبَّاب وعليه خاتم من ذهب فقال: ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى؟ قال: أما إنك لن تراه عليَّ بعد اليوم فألقاه) .
- وعن ابن حرملة، مولى أسامة بن زيد (أنَّ الحجاج بن أيمن ابن أم أيمن -وكان أيمن أخا أسامة لأمه، وهو رجل من الأنصار- فدخل الحجاج، فصلى صلاة لا يتم ركوعه ولا سجوده، فرآه ابن عمر، فدعاه حين فرغ، فقال: يا ابن أخي، أتحسب أنك صليت؟ إنَّك لم تصلِّ، فعُد لصلاتك) .
- دخل عطاء بن أبي رباح على هشام بن عبد الملك، فقال له هشام: (مرحبًا مرحبًا هاهنا، هاهنا، فرفعه حتى مسَّت ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدَّثون فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحرمين أهل الله، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم؛ قال: نعم، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة. ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز وأهل نجد، أصل العرب وقادة الإسلام تردُّ فيهم فضول صدقاتهم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن تُردَّ فيهم صدقاتهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون عدوكم قد أجريتم لهم أرزاقًا تدرُّها عليهم، فإنهم إن يهلكوا غزيتم. قال: نعم، اكتب بحمل أرزاقهم إليهم يا غلام. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم لا تجبى صغارهم ولا تتعتع كبارهم، ولا يكلفون ما لا يطيقون، فإنَّ ما تجبونه معونة لكم على عدوكم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن لا يحمَّلوا ما لا يطيقون. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتقِ الله في نفسك، فإنَّك وحدك، وتموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، لا والله ما معك ممن ترى أحد.
قال: وأكبَّ هشام، وقام عطاء. فلمَّا كنا عند الباب، إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما فيه أدراهم أم دنانير! وقال: إنَّ أمير المؤمنين أمر لك بهذا. قال: لا أسألكم عليه أجرًا، إنَّ أجري إلا عند ربِّ العالمين. ثم خرج عطاء، ولا والله ما شرب عندهم حسوة من ماء فما فوقه) .
- وعن هارون بن عبد الله الحمَّال قال: (جاءني أحمد بن حنبل بالليل فدقَّ عليَّ الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت أن خرجت إليه، فمسَّاني ومسَّيته، قلت: حاجة يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، شغلت اليوم قلبي، قلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء، والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس) .

محمد رافع 52 16-06-2013 11:20 PM

الأمثال في النَّصِيحَة
- أخُوك من صَدَقَك النَّصِيحَة. أي صدقك في النَّصِيحَة .
- اسْمَعْ مِمَّنْ لاَ يَجِدُ مِنْكَ بُدًّا.
يضرب في قبول النَّصِيحَة، أي: اقْبَلْ نصيحة من يطلب نفعك يعني الأبوين، ومن لا يستجلب بنصحك نفعًا إلى نفسه، بل إلى نفسك .
- إنَّ كَثِير النَّصِيحَة يَهجُم عَلَى كَثِيرِ الظِّنَّةِ. أي إذا بالَغْتَ في النَّصِيحَة اتَّهمك من تنصحه .

محمد رافع 52 16-06-2013 11:26 PM

النَّصِيحَة في واحة
قال علي بن مقرب:


وما كُلُّ من يبدي المودة ناصحٌ***كما ليس كُلُّ البرقِ يصدقُ خائلهْ



وقد يظهرُ المقهورُ أقصى مودةٍ***وأوهاقه مبثوثة ومناجلهْ



وقال عبد اللَّه السابوري:


من كانَ ذا نصيحةٍ نَهاكا***ومن يكنْ ذا بُغْضةٍ أغراكا



وقال المعري:


متى يولكَ المرءُ الغريبُ نصيحةً***فلا تُقْصهِ وأجب الرفيقَ وإِنَ ذمَّا



ولا تكُ ممن قَرَّبَ العبدَ شارخًا***وضَيَّعَه إِذا صار من كِبَرٍ هَمَّا



وقال الأصمعي:


النصحُ أرخص ماباع الرجالُ فلا***ترددْ على ناصحٍ نُصْحًا ولا تَلُمِ



إِنَّ النصائحَ لا تخفَى مَناهِجُها***على الرجالِ ذوي الألبابِ والفهمِ



وقال الصاحب شرف الدين الأنصاري:


واصبِرْ على مُرِّ النَّصِيحَة واغْتَبطْ***بودادِ من لا قالَ بالإِحفاظِ



إِن تنسَ ما أجرمْتَ فهو مسطرٌ***بأكفِّ أملاكٍ له حُفاظِ



وقال شوقي:


آفةُ النصحِ أن يكون لجاجًا***وأذى النُّصحِ أن يكون جِهارا



وقال أيضًا:


لكَ نُصْحي وما عليكَ جِدالي***آفةُ النصحِ أن يكون جِدالا



وقال عبد اللَّه بن معاوية الجعفري:


لا تبخلنْ بالنصحِ إِنَّ ضؤولة***بالمرءِ غشُّ المستشيرِ المجهَدِ



وأجبْ أخاكَ إِذا استشارَكَ ناصحًا***وعلى أخيكَ نصيحةً لاتردُدِ



وقال الأرجاني:


فما كُلُّ ذي نُصْحٍ بمؤتيكَ نُصْحَهُ***ولا كلُّ مؤتٍ نُصْحَهُ بلبيبِ



ولكن إِذا ما استجمعا عند واحدٍ***فحُقَّ له من طاعةٍ بنَصيبِ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpK...(2)_-_Copy.jpg

محمد رافع 52 16-06-2013 11:29 PM

الورع

معنى الورع لغةً واصطلاحًا

معنى الورع لغةً:
الورع: التَّـقْوَى، والتَّحَرُّج، والكَفُّ عن المحارِم. من وَرِعَ الرَّجُلُ، كوَرِثَ، والورِع، بكسر الرَّاءِ: الرجلُ التَّقِي المتَحَرِّج، والورَعُ في الأصل: الكَفُّ عن المحارِم والتحَرُّج منه، ثم اسْتعِير للكفِّ عن المباح والحلالِ .
معنى الورع اصطلاحًا:
الورع: هو اجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات .
وعرفه القرافي بقوله: (ترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به البأس) .
وقال الكفوي: (الورع: الاجتناب عن الشبهات سواء كان تحصيلًا أو غير تحصيل) .

محمد رافع 52 16-06-2013 11:32 PM

الفرق بين الزهد والورع
قال ابن القيم: (والفرق بينه وبين الورع: أنَّ الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة. والورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة) .

محمد رافع 52 16-06-2013 11:36 PM

الترغيب في الورع من السنة النبوية

- عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فضل العلم أحبُّ إليَّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع)) .
قال المناوي: (لأنَّ الوَرِع دائم المراقبة للحقِّ، مستديم الحذر أن يمزج باطلًا بحقٍّ، كما قال الحبر: كان عمر كالطير الحذر. والمراقبة توزن بالمشاهدة، ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر) .
- وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنَّ الصدق طمأنينة، وإنَّ الكذب ريبة)) .
قال ابن حجر: (قوله: ((يريبك)). بفتح أوله ويجوز الضمُّ، يقال: رابه يريبه بالفتح، وأرابه يريبه بالضمِّ ريبة، وهي الشكُّ والتردد، والمعنى إذا شككت في شيء فدعه، وترك ما يُشَكُّ فيه أصل عظيم في الورع... قال الخطابي: كلُّ ما شككت فيه، فالورع اجتنابه) http://www.dorar.net/misc/tip.gif .
- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبَّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتَّقى المشبَّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحِمَى يوشك أن يُواقعه، ألا وإنَّ لكلِّ ملك حمى، ألا إنَّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب)) .
قال ابن رجب: (هذا الحديث حديث عظيم؛ وهو أحد الأحاديث التي مدار الدين عليها، وقد قيل: إنَّه ثلث العلم أو ربعه... ومعنى الحديث: أنَّ الله أنزل كتابه، وبيَّن فيه حلاله وحرامه، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما خفي من دلالة الكتاب على التحليل والتحريم، فصرَّح بتحريم أشياء غير مصرَّح بها في الكتاب، وإن كانت عامتها مستنبطة من الكتاب وراجعة إليه، فصار الحلال والحرام على قسمين:
أحدهما: ما هو واضح لا خفاء به على عموم الأمة؛ لاستفاضته بينهم وانتشاره فيهم، ولا يكاد يخفى إلا على من نشأ ببادية بعيدة عن دار الإسلام؛ فهذا هو الحلال البيِّن والحرام البيِّن. ومنه: ما تحليله وتحريمه لعينه، كالطيبات من المطاعم، والمشارب والملابس، والمناكح، والخبائث من ذلك كله. ومنه: ما تحليله وتحريمه من جهة كسبه، كالبيع، والنكاح، والهبة، والهدية، وكالربا، والقمار، والزنا، والسرقة، والغصب، والخيانة، وغير ذلك.
القسم الثاني: ما لم ينتشر تحريمه وتحليله في عموم الأمة؛ لخفاء دلالة النص عليه، ووقوع تنازع العلماء فيه ونحو ذلك، فيشتبه على كثير من الناس، هل هو من الحلال أو من الحرام؟ وأمَّا خواص أهل العلم الراسخون فيه فلا يشتبه عليهم؛ بل عندهم من العلم الذي اختصوا به عن أكثر الناس ما يستدلون به على حلِّ ذلك أو حرمته، فهؤلاء لا يكون ذلك مشتبهًا عليهم لوضوح حكمه عندهم.
أما من لم يصل إلى ما وصلوا إليه فهو مشتبه عليه؛ فهذا الذي اشتبه عليه إن اتقى ما اشتبه عليه حلَّه وحرمه، واجتنبه فقد استبرأ لدينه وعرضه، بمعنى أنه طلب لهما البراءة مما يشينهما، وهذا معنى الحديث الآخر: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)). وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى) .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:00 AM

أقوال السلف والعلماء في الورع
- قال أبو الدرداء: (تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حرامًا، حجابًا بينه وبين الحرام) .
- وقال الحسن: (مازالت التقوى بالمتقين؛ حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام).
- وقال الثوري: (إنما سموا المتقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتَّقى. ورُوي عن ابن عمر قال: إني لأحبُّ أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها).
- وقال ميمون بن مهران: (لا يسلم للرجل الحلال؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال).
- وقال سفيان بن عيينة: (لا يصيب عبد حقيقة الإيمان؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال، وحتى يدع الإثم وما تشابه منه) .
- وقال إبراهيم بن أدهم: (الورع ترك كلِّ شبهة، وترك ما لا يعنيك هو ترك الفضلات).
- وقال الشبلي: (الورع أن يتورَّع عن كلِّ ما سوى الله. وقال إسحاق بن خلف: الورع في المنطق أشدُّ منه في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة أشدُّ منه في الذهب والفضة؛ لأنهما يبذلان في طلب الرياسة).
- وقال أبو سليمان الداراني: (الورع أول الزهد، كما أنَّ القناعة أول الرضا).
- وقال يحيى بن معاذ: (الورع الوقوف على حدِّ العلم من غير تأويل). وقال: (الورع على وجهين: ورع في الظاهر، وورع في الباطن، فورع الظاهر أن لا يتحرك إلا لله، وورع الباطن هو أن لا تُدخل قلبك سواه). وقال: (من لم ينظر في الدقيق من الورع؛ لم يصل إلى الجليل من العطاء).
- وقيل: (الورع الخروج من الشهوات، وترك السيئات).
- وقيل: (من دقَّ في الدنيا ورعه - أو نظره - جلَّ في القيامة خطره).
- وقال يونس بن عبيد: (الورع الخروج من كلِّ شبهة، ومحاسبة النفس في كلِّ طرفة عين).
- وقال سفيان الثوري: (ما رأيت أسهل من الورع، ما حاك في نفسك فاتركه).
- وقال سهل: (الحلال هو الذي لا يُعصَى الله فيه، والصافي منه الذي لا ينسى الله فيه، وسأل الحسن غلامًا، فقال له: ما ملاك الدين؟ قال: الورع. قال: فما آفته؟ قال: الطمع. فعجب الحسن منه).
- وقال الحسن: (مثقال ذرةٍ من الورع، خيرٌ من ألف مثقال من الصوم والصلاة).
- وقال أبو هريرة: (جلساء الله تعالى غدًا أهل الورع والزهد) .
- وقال بعض السلف: (لا يبلغ العبد حقيقة التقوى؛ حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس).
- وقال بعض الصحابة: (كنا ندع سبعين بابًا من الحلال؛ مخافة أن نقع في بابٍ من الحرام) .
- وقال الهروي: (الورع توَقٍّ مستقصًى على حذر، وتحرُّجٌ على تعظيم) .
- وقال ابن مسكويه: (وأما الورع فهو لزوم الأعمال الجميلة التي فيها كمال النفس) .
- وقال سفيان: (عليك بالورع يخفف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك) .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:01 AM

فوائد الورع

1- من فوائده أنه يجلب محبة الله سبحانه وتعالى.
2- فيه الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
3- فيه ترك الشبهات، والبعد عنها.
4- به يطيب المطعم والمشرب.
5- أنه سببٌ لاستجابة الدعاء.
6- أنه خير خصال الدين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
7- فيه الاستبراء للدين والعرض.
8- أنه سمةٌ من سمات العُبَّاد.
9-الورع سببٌ من أسباب كمال التقوى.

محمد رافع 52 18-06-2013 12:08 AM

أقسام الورع

قال ابن تيمية: (فأما الورع المشروع المستحب، الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم فهو: اتقاء ما يخاف أن يكون سببًا للذمِّ والعذاب عند عدم المعارض الراجح. ويدخل في ذلك أداء الواجبات، والمشتبهات التي تشبه الواجب، وترك المحرمات والمشتبهات التي تشبه الحرام، وإن أدخلت فيها المكروهات قلت: نخاف أن يكون سببًا للنقص والعذاب) .
1- الورع الواجب:
(وأما الورع الواجب: فهو اتقاء ما يكون سببًا للذمِّ والعذاب، وهو فعل الواجب وترك المحرم، والفرق بينهما فيما اشتبه أمن الواجب هو أم ليس منه؟ وما اشتبه تحريمه أمن المحرم أم ليس منه؟ فأما ما لا ريب في حله فليس تركه من الورع، وما لا ريب في سقوطه فليس فعله من الورع. وقولي (عند عدم المعارض الراجح) فإنه قد لا يترك الحرام البيِّن، أو المشتبه، إلا عند ترك ما هو حسنة موقعها في الشريعة أعظم من ترك تلك السيئة، مثل من يترك الائتمام بالإمام الفاسق؛ فيترك الجمعة والجماعة والحجَّ والغزو، وكذلك قد لا يؤدي الواجب البين، أو المشتبه إلا بفعل سيئةٍ أعظم إثمًا من تركه، مثل من لا يمكنه أداء الواجبات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذوي السلطان، إلا بقتال فيه من الفساد أعظم من فساد ظلمه. والأصل في الورع المشتبه، قول النبي صلى الله عليه وسلم ((الحلال بَيِّنٌ، والحرام بَيِّنٌ، وبين ذلك أمور مشتبهات، لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمن ترك الشبهات؛ استبرأ عرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات؛ وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى؛ يوشك أن يواقعه)) وهذا في الصحيحين. وفي السنن قوله: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) وقوله: ((البرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس، وسكن إليه القلب)) . وقوله في صحيح مسلم في رواية: ((البرُّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وإن أفتاك الناس)) ((وإنه رأى على فراشه تمرة، فقال: لولا أني أخاف أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها)) .) .


2-
الورع الفاسد:
قال ابن تيمية: (كثيرٌ من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادةٍ ونحوها، فيكون ذلك مما يقوِّي تحريمها واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة، فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد، فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ [النجم: 23]، وهذه حال أهل الوسوسة في النجاسات؛ فإنهم من أهل الورع الفاسد المركب من نوع دين، وضعف عقل، وعلم، وكذلك ورع قوم يعدون غالب أموال الناس محرمة أو مشتبهة أو كلها، وآلَ الأمر ببعضهم إلى إحلالها لذي سلطان؛ لأنَّه مستحقٌّ لها وإلى أنَّه لا يقطع بها يد السارق ولا يحكم فيها بالأموال المغصوبة. وقد أنكر حال هؤلاء الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره، وذم المتنطعين في الورع. وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون. قالها ثلاثًا)) .
وورع أهل البدع كثيرٌ منه من هذا الباب، بل ورع اليهود والنصارى والكفار عن واجبات دين الإسلام من هذا الباب، وكذلك ما ذمه الله تعالى في القرآن من ورعهم عمَّا حرَّموه ولم يحرِّمه الله تعالى، كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. ومن هذا الباب الورع الذي ذمَّه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيح، لما ترخَّص في أشياء؛ فبلغه أن أقوامًا تنزهوا عنها فقال: ((ما بال رجالٍ يتنزهون عن أشياء أترخَّص فيها، والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله وأخشاهم. وفي رواية: أخشاهم وأعلمهم بحدوده له)) . وكذلك حديث صاحب القبلة. ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علمٍ كثيرٍ بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم. الثالثة: جهة المعارض الراجح. هذا أصعب من الذي قبله؛ فإنَّ الشيء قد يكون جهة فساده يقتضي تركه فيلحظه المتورع؛ ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح الراجح؛ وبالعكس فهذا هذا. وقد تبين أنَّ من جعل الورع الترك فقط؛ وأدخل في هذا الورع أفعال قوم ذوي مقاصد صالحة بلا بصيرة من دينهم، وأعرض عما فوتوه بورعهم من الحسنات الراجحة، فإنَّ الذي فاته من دين الإسلام أعظم مما أدركه، فإنَّه قد يعيب أقوامًا هم إلى النجاة والسعادة أقرب) .
3- الورع المندوب: وهو الوقوف عن الشبهات .
4- الورع الذي هو فضيلة: وهو الكفُّ عن كثير من المباحات والاقتصار على أقل الضرورات، وذلك للنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:09 AM

درجات الورع

قال الهروي: (الورع على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: تجنُّب القبائح لصون النفس، وتوفير الحسنات، وصيانة الإيمان.
الدرجة الثانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به، إبقاءً على الصيانة والتقوى، وصعودًا عن الدناءة، وتخلصًا عن اقتحام الحدود.
الدرجة الثالثة: التورُّع عن كلِّ داعيةٍ تدعو إلى شتات الوقت، والتعلُّق بالتفرُّق، وعارض يعارض حال الجميع).
وقال الغزالي: (الورع عن الحرام على أربع درجات:
الأولى: ورع العدول: وهو الذي يجب الفسق باقتحامه، وتسقط العدالة به، ويثبت اسم العصيان، والتعرض للنار بسببه، وهو الورع عن كلِّ ما تحرمه فتاوى الفقهاء.
الثانية: ورع الصالحين: وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم، ولكن المفتي يرخص في التناول بناء على الظاهر، فهو من مواقع الشبهة على الجملة.
الثالثة: ما لا تحرِّمه الفتوى، ولا شبهة في حلِّه، ولكن يُخاف منه أداؤه إلى محرم، وهو ترك ما لا بأس به مخافة مما به بأس، وهذا ورع المتقين.
الرابعة: ما لا بأس به أصلًا، ولا يخاف منه أن يؤدي إلى ما به بأس، ولكنه يتناول لغير الله، وعلى غير نية التقوِّي به على عبادة الله، أو تتطرَّق إلى أسبابه المسهلة له كراهية، أو معصية، والامتناع منه ورع الصديقين).

محمد رافع 52 18-06-2013 12:15 AM

صور ومظاهر الورع
الورع له صور ومظاهر عدة، وقد ذكر ابن أبي الدنيا مظاهر للورع، منها:
1- الورع في النظر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: ((لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنَّ لك الأولى، وليست لك الآخرة)) .
عن أنس رضي الله عنه قال: (إذا مرَّت بك امرأة، فغمِّض عينيك حتى تجاوزك) .
عن داود الطائي قال: (كانوا يكرهون فضول النظر) .
قال عمرو بن مرة: (ما أحبُّ أني بصير، كنت نظرت نظرةً وأنا شاب) .
وقال وكيع: خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد؛ فقال: (إنَّ أول ما نبدأ به في يومنا غضُّ أبصارنا) .
2- الورع في السمع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى حديث قومٍ لا يحبُّون أن يستمع حديثهم، أذيب في أذنه الآنك)) .
وعن نافع قال: (سمع ابن عمر مزمارًا - قال - فوضع أصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئًا؟ قال فقلت لا. قال فرفع أصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا) .
3- الورع في الشم:
فعن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: (قدم على عمر رضي الله عنه مسكٌ وعنبرٌ من البحرين، فقال عمر: والله لوددت أني أجد امرأةً حسنةً تزن لي هذا الطيب؛ حتى أفرقه بين المسلمين. فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن، فهلمَّ أزن لك. قال: لا. قالت: ولم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحين عنقك، فأُصيب فضلًا عن المسلمين) .
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله (أنه أُتي بغنائم مسك؛ فأخذ بأنفه، فقالوا: يا أمير المؤمنين: تأخذ بأنفك لهذا؟ قال: إنما ينتفع من هذا بريحه؛ فأكره أن أجد ريحه دون المسلمين) .
4- الورع في اللسان:
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه اطلع على أبي بكر رضي الله عنه وهو يمدُّ لسانه، فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال: هذا أوردني الموارد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس شيءٌ من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدَّته)) .
وعن الحسن بن حي قال: (فتشت عن الورع؛ فلم أجده في شيءٍ أقل منه في اللسان) .
وعن الفضيل بن عياض قال: (أشدُّ الورع في اللسان) .
وعن يونس بن عبيد قال: (إنك لتعرف ورع الرجل في كلامه) .
وسئل عبد الله بن المبارك: (أيُّ الورع أشد؟ قال: اللسان) .
5- الورع في البطن:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون: 51]، وقال: أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172]، ثم ذكر العبد يطيل السفر أشعث أغبر، رافعًا يديه: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لهذا؟)) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم ألا يجعل في بطنه إلا طيبًا فليفعل؛ فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه)) .
وعن أبي صالح الحنفي قال: (دخلت على أم كلثوم فقالت: ائتوا أبا صالح بطعام. فأتوني بمرقةٍ فيها حبوب، فقلت: أتطعموني هذا وأنتم أمراء؟ قالت: كيف لو رأيت أمير المؤمنين عليًّا، وأُتِيَ بأُتْرجٍّ، فأخذ الحسن أو الحسين منها أُتْـرُجَّةً لصبي لهم، فانتزعها من يده، وقسمها بين المسلمين) .


6-
الورع في الفتوى:
كان الصحابة ومن بعدهم من التابعين رضي الله عنهم، يتورعون أشدَّ الورع عن الفتوى، فكانوا يدفعون الفتوى عن أنفسهم، ولا يُقدمون عليها.
فعن البراء رضي الله عنه قال: (لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر، ما منهم من أحد، إلا وهو يحبُّ أن يكفيه صاحبُه الفتوى) .
وقال ابن أبي ليلى: (أدركت مئةً وعشرين من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يُسأل أحدهم المسألة، فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يُسأل عن شيء، إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه) .
(كان ابن سيرين إذا سئل عن شيء من الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان.
وقال عطاء بن السائب: أدركت أقوامًا، إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلَّم وإنه ليرعد.
وروي عن مالك أنه كان إذا سئل عن مسألة، كأنه بين الجنة والنار) .
وقال نفيس بن الأشعث: (كان محمد بن سيرين إذا سُئل عن شيء من فقه الحلال والحرام، تغيَّر لونه، وتبدَّل حتى كأنَّه ليس بالذي كان) .
وقال أبو حصين عثمان بن عاصم التابعي الجليل: (إنَّ أحدهم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر) .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:17 AM

وسائل اكتساب الورع

ذكر الحكيم الترمذي بعض الوسائل في اكتساب الورع فقال: (فالورع من التورع يكون بخمسة أشياء:
أحدهما: بالعلم.
الثاني: بتذكرة منه لما عليه، ورغبته فيما له.
والثالث: بتذكرة عظمة الله، وجلاله وقدرته وسلطانه.
والرابع: بتذكرة استحيائه من الملك الجبار.
والخامس: بتذكرة خوفه من غضب الله عليه، وبقائه له على الشبه) .
مفاهيم مغلوطة في الورع:
(يقع الغلط في الورع من ثلاث جهات: أحدها: اعتقاد كثيرٍ من الناس أنه من باب الترك، فلا يرون الورع إلا في ترك الحرام، لا في أداء الواجب، وهذا يُبتلى به كثيرٌ من المتدينة المتورعة؛ ترى أحدهم يتورع عن الكلمة الكاذبة، وعن الدرهم فيه شبهة؛ لكونه من مال ظالم أو معاملةٍ فاسدة، ويتورع عن الركون إلى الظلمة؛ من أجل البدع في الدين، وذوي الفجور في الدنيا، ومع هذا يترك أمورًا واجبةً عليه، إما عينًا، وإما كفاية، وقد تعينت عليه من صلة رحم، وحقِّ جار، ومسكين، وصاحب، ويتيم، وابن سبيل، وحقِّ مسلم، وذي سلطان، وذي علم، وعن أمرٍ بمعروف، ونهيٍ عن منكر، وعن الجهاد في سبيل الله، إلى غير ذلك مما فيه نفعً للخلق في دينهم ودنياهم مما وجب عليه، أو يفعل ذلك لا على وجه العبادة لله تعالى، بل من جهة التكليف ونحو ذلك. وهذا الورع قد يوقع صاحبه في البدع الكبار؛ فإنَّ ورع الخوارج، والروافض، والمعتزلة، ونحوهم من هذا ال***، تورعوا عن الظلم وعمَّا اعتقدوه ظلمًا من مخالطة الظلمة في زعمهم، حتى تركوا الواجبات الكبار من الجمعة والجماعة، والحج، والجهاد، ونصيحة المسلمين، والرحمة لهم، وأهل هذا الورع ممن أنكر عليهم الأئمة، كالأئمة الأربعة، وصار حالهم يذكر في اعتقاد أهل السنة والجماعة. الجهة الثانية من الاعتقاد الفاسد: أنه إذا فعل الواجب والمشتبه، وترك المحرم والمشتبه، فينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب والسنة، وبالعلم لا بالهوى) .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:20 AM

نماذج من ورع النبي صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة في الورع فكان زاهدًا ورعًا، وقد ضرب لنا نموذجًا أعلى في الورع فهذا أنس رضي الله عنه يحكي لنا مشهدًا من مشاهد الورع؛ فيقول:
- ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتمرةٍ مسقوطة، فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطةً على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة؛ فألقيها)) .
قال ابن حجر: (والنكتة في ذكره هنا، ما فيه من تعيين المحل الذي رأى فيه التمرة، وهو فراشه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يأكلها، وذلك أبلغ في الورع) .
وقال المهلب: (إنما تركها صلى الله عليه وسلم تورعًا وليس بواجب؛ لأنَّ الأصل أنَّ كلَّ شيء في بيت الإنسان على الإباحة حتى يقوم دليلٌ على التحريم) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنَّ الحسن بن علي رضي الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: كخ، كخ! أما تعرف أنَّا لا نأكل الصدقة)) .
- وعن رجلٍ من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر: ((أوسع مِن قِبَل رجليه، أوسع من قِبَل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها. فأرسلت المرأة قالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة، أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت إلي بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطعميه الأسارى)) .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:24 AM

نماذج من ورع السلف
ورع أبي بكر رضي الله عنه:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، غلامٌ يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحسِن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كلَّ شيءٍ في بطنه) .
ورع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن عاصم بن عمر (عن عمر قال: إنه لا أجده يحل لي أن آكل من مالكم هذا، إلا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزيت، والخبز والسمن قال: فكان ربما يُؤتى بالجفنة قد صُنعت بالزيت، ومما يليه منها سمن، فيعتذر إلى القوم ويقول: إني رجل عربي، ولست أستمرئ الزيت) .
- وعن نافع (أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمس مائة، فقيل له هو من المهاجرين، فلِمَ نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه) .
قال ابن عثيمين: (وهذا يدلُّ دلالة عظيمة على شدة ورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهكذا يجب على من تولَّى شيئًا من أمور المسلمين ألا يحابي قريبًا لقربه، ولا غنيًّا لغناه، ولا فقيرًا لفقره، بل ينزل كلَّ أحد منزلته، فهذا من الورع والعدل، ولم يقل عبد الله بن عمر: يا أبت، أنا مهاجر، ولو شئت لبقيت في مكة؛ بل وافق على ما فرضه له أبوه) .
ورع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
عن قزعة، قال: (رأيت على ابن عمر ثيابًا خشنة أو جشبة، فقلت له: إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان، وتقرُّ عيناي أن أراه عليك. قال: أرنيه. فلمسه، وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنَّه من قطن. قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أكون مختالًا فخورًا، والله لا يحبُّ كلَّ مختال فخور) .
- وعن طاووس قال: (ما رأيت أورع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس) .
ورع عمر بن عبد العزيز:
- عن ابن السماك قال: (كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاحًا بين الناس، فجاء ابن له وأخذ تفاحة من ذلك التفاح، فوثب إليه ففك يده؛ فأخذ تلك التفاحة؛ فطرحها في التفاح، فذهب إلى أمه مستغيثًا فقالت له: ما لك أي بني؟ فأخبرها؛ فأرسلت بدرهمين فاشترت تفاحًا، فأكلت وأطعمته، ورفعت لعمر، فلما فرغ مما بين يديه دخل إليها، فأخرجت له طبقًا من تفاح، فقال: من أين هذا يا فاطمة؟ فأخبرته فقال: رحمك الله، والله إن كنت لأشتهيه) .
- وعن فاطمة بنت عبد الملك قالت: (اشتهى عمر بن عبد العزيز يوما عسلًا فلم يكن عندنا، فوجهنا رجلًا على دابة من دواب البريد إلى بعلبك، فأتى بعسل، فقلنا يومًا: إنك ذكرت عسلًا وعندنا عسل، فهل لك فيه؟ قال: نعم. فأتيناه به فشرب، ثم قال: من أين لكم هذا العسل؟ قالت: قلت: وجهنا رجلًا على دابة من دواب البريد بدينارين إلى بعلبك فاشترى لنا عسلًا. قالت: فأرسل إلى الرجل فجاء، فقال: انطلق بهذا العسل إلى السوق، فبعه، فاردد إلينا رأس مالنا، وانظر الفضل، فاجعله في علف دواب البريد، ولو كان ينفع المسلمين قيءٌ لتقيأت) .
ورع محمد بن سيرين:
- عن العلاء بن زياد أنَّه كان يقول: (لو كنت متمنيًا لتمنيت فقه الحسن، وورع ابن سيرين، وصواب مطرِّف، وصلاة مسلم بن يسار) .
- وعن عاصم قال: (سمعت مورقًا العجلي يقول: ما رأيت أحدًا أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين. وقال عاصم: وذُكِرَ محمد عند أبي قلابة، فقال: اصرفوه كيف شئتم، فلتجدنه أشدكم ورعًا، وأملككم لنفسه) .
- وقال بكر بن عبد الله المزني: (من أراد أن ينظر إلى أورع من أدركنا، فلينظر إلى محمد بن سيرين. وقال هشام بن حسان: كان محمد يتجر، فإذا ارتاب في شيءٍ تركه) .
- وعن هشام بن حسان: (أنَّ ابن سيرين اشترى بيعًا من منونيا ، فأشرف فيه على ربح ثمانين ألفا، فعرض في قلبه شيء، فتركه. قال هشام: ما هو والله بربا).
- وقال: محمد بن سعد: (سألت الأنصاري عن سبب الدَّين الذي ركب محمد بن سيرين حتى حبس؟ قال: اشترى طعامًا بأربعين ألفًا، فأُخبر عن أصل الطعام بشيء، فكرهه، فتركه، أو تصدق به، فحبس على المال، حبسته امرأة، وكان الذي حبسه مالك بن المنذر. وقال هشام: ترك محمد أربعين ألفًا في شيء ما يرون به اليوم بأسًا) .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:26 AM

نماذج من ورع العلماء المتقدمين

ورع عبد الله بن المبارك:
- عن الحسن بن عرفة قال: (قال لي ابن المبارك: استعرت قلمًا بأرض الشام، فذهبت على أن أردَّه، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام؛ حتى رددته على صاحبه) .
- وقال الحسن بن الربيع: (لما احتضر ابن المبارك في السفر، قال: أشتهي سويقًا. فلم نجده إلا عند رجل كان يعمل للسلطان، وكان معنا في السفينة، فذكرنا ذلك لعبد الله، فقال: دعوه. فمات ولم يشربه) .
ورع أبي وائل شقيق بن سلمة:
(كان أبو وائل يقول لجاريته، إذا جاء يحيى -يعني ابنه- بشيءٍ فلا تقبليه، وإذا جاء أصحابي بشيء، فخذيه. وكان ابنه قاضيًا على الكناسة.
وكان لأبي وائل -رحمه الله- خصٌّ من قصب، يكون فيه هو وفرسه، فإذا غزا نقضه، وتصدق به، فإذا رجع أنشأ بناءه.
قلت: -القائل الذهبي- قد كان هذا السيد رأسًا في العلم والعمل)

محمد رافع 52 18-06-2013 12:44 AM

الورع في واحة الشعر
قال سفيان الثوري:


إني وجدتُ فلا تظنُّوا غيره***هذا التورع عند هذا الدرهمِ


وقال الشاعر:


لا تُطلِ الشَّكوى ففيه التلفُ***والشكرُ لله الغني شرفُ



لا يُفسدُ دينَ الورَى إلا الطمع***حقًّا ولا يصلحُه إلا الورع



وقال آخر:


هل لكم باللهِ في بدعتِكم***مِن فقيهٍ أو إمامٍ يُتَّبع



مثل سفيان أخي الثوري الذي***علَّم النَّاسَ خفياتِ الورع



وقال علي بن محمد العلوي الجمال:


وذي حسد يغتابني حيث لا يرى***مكاني ويثني صالحًا حيث أسمعُ



تورَّعتُ أن أغتابَه مِن ورائِه***وها هو ذا يغتابني متورعُ



وقال آخر:


تورَّع ودعْ ما قد يريبك كلَّه***جميعًا إلى ما لا يريبك تسلمِ



وحافظْ على أعضائِك السبعِ جملةً***وراعِ حقوقَ الله في كلِّ مسلمِ



وكنْ راضيًا بالله ربًّا وحاكمًا***وفوِّض إليه في الأمور وسلِّمِ



وقال أبو عبد الله الواسطي:


ليس الظريفُ بكاملٍ في ظُرفِه***حتى يكونَ عن الحرامِ عفيفا



فإذا تورَّع عن محارمِ ربِّه***فهناك يُدعى في الأنامِ ظريفا



وقال آخر:


جليلُ العطايا في دقيقِ التورُّعِ***فدقِّقْ تنلْ عالي المقام المرفعِ



وتسلمْ من المحظورِ في كلِّ حالةٍ***وتغنمْ مِن الخيراتِ في كلِّ موضعِ



وتحمدْ جميلَ السَّعيِ بالفوزِ في غدٍ***فسارعْ إليه اليومَ مع كلِّ مسرعِ



ولا تكُ مثلي وابنًا متخلقًا***لجوهر عمر عن شرٍّ مضيعِ



- وقال إبراهيم بن داود:


المرءُ يُزري بلبِّه طمعُه***والدهرُ قدرٌ كثيرةٌ خِدعُه



والناس إخوانُ كلِّ ذي نَشَدٍ***قد خاب عبدٌ إليهم ضرعُه



والمرءُ إن كان عاقلًا ورعًا***أخرسه عن عيوبهم ورعُه



كما المريضُ السقيمُ يشغلُه***عن وجعِ النَّاسِ كلِّهم وجعُه

محمد رافع 52 18-06-2013 12:47 AM


الوفاء

معنى الوفاء لغةً واصطلاحًا
معنى الوفاء لغةً:
الوفاءُ ضد الغَدْر، يقال: وَفَى بعهده وأَوْفَى. بمعنى، ووفى بعهده يفي وفاءً، وأوفى: إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه .
معنى الوفاء اصطلاحًا:
الوفاء هو: (ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء) .
وقيل: (هو الصبر على ما يبذله الإنسان من نفسه، ويرهن به لسانه، والخروج مما يضمنه، وإن كان مجحفًا به) .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:49 AM

الفرق بين الوفاء والصدق
(قيل: هما أعم وأخص، فكل وفاء صدق، وليس كل صدق وفاء.
فإنَّ الوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق إلا في القول؛ لأنَّه نوع من أنواع الخبر، والخبر قول) .

محمد رافع 52 18-06-2013 12:52 AM

أهمية الوفاء بالعهد
(الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أنَّ الوفاء صدق اللسان والفعل معًا، والغدر كذب بهما؛ لأنَّ فيه مع الكذب نقض العهد.
والوفاء يختصُّ بالإنسان، فمن فُقِد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قوامًا لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتمُّ تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب، وارتفع التعايش، ولذلك عظَّم الله تعالى أمره فقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، وقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ [النحل: 91]) .
(والصدق في الوعد وفي العهد من الفضائل الخلقية التي يتحلى بها المؤمنون، والكذب في الوعد وفي العهد من الرذائل الخلقية التي يجتنبها المؤمنون... ويشترك الوعد والعهد بأنَّ كلًّا منهما، إخبار بأمر جزم المخبر بأن يفعله، ويفترقان بأنَّ العهد يزيد على الوعد بالتوثيق الذي يقدمه صاحب العهد، من أيمان مؤكدة، والمواعدة مشاركة في الوعد بين فريقين، والمعاهدة مشاركة في العهد بين فريقين، فيعد كلٌّ من الفريقين المتواعدين صاحبه بما سيفعل، ويعاهد كلٌّ من الفريقين المتعاهدين صاحبه بما سيفعل) .
(وقد وصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات فقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177]، وقال: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: 76]، ونقض الميثاق يؤدي إلى سوء السلوك والأخلاق، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ [المائدة: 13]... واستمرارًا لورود العهد والميثاق في مجال بناء الأمة على الأخلاق السامية؛ يأمر الله عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بعدد من الوصايا التي تُكَوِّن جيلًا ذا خلق رفيع، ثم يختم تلك الوصايا الخالدة بقوله سبحانه: وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام: 152] فالوفاء بالعهد، ضمانة لأداء تلك الأوامر، واجتناب ما ورد من نواهي، ومن ثمَّ يكون الانقياد والطاعة وحسن الخلق، وإخلاف العهد نقض للعهد، ينحطُّ بصاحبه إلى أسوأ البشر أخلاقًا - وبخاصة إذا كان العهد مع الله - فإنَّ المتصف بتلك الصفة ينتقل من مجتمع الصادقين المتقين إلى تجمع المخادعين الكاذبين من المنافقين فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ [التوبة: 77]) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:05 AM

أولًا: في القرآن الكريم
وردت آيات في كتاب الله تحثُّ على الوفاء بالعهد والوعد، منها:
- قوله سبحانه: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34].
قال الطبري في تفسير هذه الآية: (وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام، وفيما بينكم أيضًا، والبيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34] يقول: إن الله جلَّ ثناؤه سائلٌ ناقضَ العهد، عن نقضه إياه، يقول: فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك. وإنما عنى بذلك أنَّ العهد كان مطلوبًا) .
وقال عزَّ مِن قائل: أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد: 19-20].
قال الشوكاني في تفسير هذه الآية: (أي بما عقدوه من العهود فيما بينهم وبين ربهم، أو فيما بينهم وبين العباد وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد:20] الذي وثقوه على أنفسهم، وأكَّدوه بالأيمان ونحوها، وهذا تعميم بعد التخصيص؛ لأنَّه يدخل تحت الميثاق كلُّ ما أوجبه العبد على نفسه، كالنذور ونحوها، ويحتمل أن يكون الأمر بالعكس، فيكون من التخصيص بعد التعميم على أن يراد بالعهد جميع عهود الله، وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده، ويدخل في ذلك الالتزامات التي يلزم بها العبد نفسه، ويراد بالميثاق: ما أخذه الله على عباده، حين أخرجهم من صلب آدم في عالم الذرِّ المذكور في قوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ [الأعراف:172]) .
- وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:10].
- وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1].
قال السعدي: (هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتمَّ قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئًا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم، والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] بالتناصر على الحقِّ، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع.
فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلُّها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها) .

الحارث7 20-06-2013 12:07 AM

ما شاء الله ، جزاكم الله خيرا

محمد رافع 52 20-06-2013 12:08 AM

ثانيًا: في السنة النبوية
فقد وردت أحاديث تأمر بالوفاء بالعهد، وتبين حقيقة الغدر، وتنهى عنه، وهي كثيرة، منها:
- عن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية، وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون، وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر. فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة، ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء)). فرجع معاوية .
(ومعنى قوله ينبذ إليهم على سواء، أي: يعلمهم أنَّه يريد أنَّ يغزوهم، وأنَّ الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع، فيكون الفريقان في ذلك على السواء.
وفيه دليل على أنَّ العهد الذي يقع بين المسلمين وبين العدو، ليس بعقد لازم لا يجوز القتال قبل انقضاء مدته، ولكن لا يجوز أن يفعل ذلك إلا بعد الإعلام به والإنذار فيه) .
- وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى الصبح، فهو في ذمة الله، فلا تخفروا الله في عهده، فمن ***ه، طلبه الله حتى يكبَّه في النار على وجهه)) .
(أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة، وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد، ((فلا تخفروا الله في ذمته)) قال في النهاية: خفرت الرجل: أجرته وحفظته. وأخفرت الرجل: إذا نقضت عهده وذمامه) .
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ، كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) .
قال ابن عثيمين: (وأما إخلاف الوعد فحرام يجب الوفاء بالوعد، سواء وعدته مالًا، أو وعدته إعانة تعينه في شيء، أو أي أمر من الأمور، إذا وعدت فيجب عليك أن تفي بالوعد، وفي هذا ينبغي للإنسان أن يحدد المواعيد، ويضبطها فإذا قال لأحد إخوانه: أواعدك في المكان الفلاني. فليحدد الساعة الفلانية، حتى إذا تأخر الموعود، وانصرف الواعد يكون له عذر، حتى لا يربطه في المكان كثيرًا، وقد اشتهر عند بعض السفهاء أنهم يقولون: أنا واعدك ولا أخلفك، وعدي إنجليزي. يظنون أنَّ الذين يوفون بالوعد هم الإنجليز، ولكن الوعد الذي يوفى به هو وعد المؤمن، ولهذا ينبغي لك أن تقول إذا وعدت أحدًا وأردت أن تؤكد: إنه وعد مؤمن. حتى لا يخلفه؛ لأنَّه لا يخلف الوعد إلا المنافق) .
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفع لكلِّ غادرٍ لواءٌ، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان)) .
قوله ((لكل غادر لواء)) قال النووي: (معناه لكل غادر علامة يشهر بها في الناس؛ لأنَّ موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له، وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر؛ لتشهيره بذلك) .
وقال القرطبي: (هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل؛ لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء؛ ليلوموا الغادر ويذموه، فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر؛ ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف) .
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن خيار عباد الله الموفون المطيبون)) .
- عن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أبيه عن جده قال: استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفًا، فجاءه مال فدفعه إلي، وقال: ((بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء)) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:10 AM

أقوال السلف والعلماء في الوفاء
- قال الأحنف: (لا صديق لملولٍ، ولا وفاء لكذوبٍ، ولا راحة لحسودٍ، ولا مروءة لبخيلٍ، ولا سؤدد لسيئ الخلق) .
- وعن الأصمعي قال: (إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه) .
- وقال ابن مفلح: (كان يقال: كما يُتوخَّى للوديعة، أهل الأمانة والثقة، كذلك ينبغي أن يتوخَّى بالمعروف، أهل الوفاء والشكر) .
- وقال الحريري: (تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زمانًا طويلًا حتى رقَّ الدين، ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة) .
- وقال بعض الحكماء: (من لم يفِ للإخوان، كان مغموز النسب) .
- وقال ابن حزم: (إنَّ من حميد الغرائز وكريم الشيم وفاضل الأخلاق... الوفاء؛ وإنَّه لمن أقوى الدلائل وأوضح البراهين على طيب الأصل وشرف العنصر، وهو يتفاضل بالتفاضل اللازم للمخلوقات... وأول مراتب الوفاء أن يفي الإنسان لمن يفي له، وهذا فرض لازم وحق واجب... لا يحول عنه إلا خبيث المحتد، لا خلاق له ولا خير عنده) .
- وقال أيضًا: (الوفاء مركب من العدل، والجود، والنجدة؛ لأنَّ الوفي رأى من الجور أن لا يقارض من وثق به، أو من أحسن إليه؛ فعدل في ذلك، ورأى أن يسمح بعاجل يقتضيه له عدم الوفاء من الحظ؛ فجاد في ذلك، ورأى أن يتجلَّد لما يتوقَّع من عاقبة الوفاء؛ فشجع في ذلك) .
- وعن عوف بن النعمان الشيباني أنه قال في الجاهلية الجهلاء: (لأن أموت عطشًا، أحبُّ إليَّ من أكون مخلاف الموعدة) .
- وعن عوف الكلبي أنه قال: (آفة المروءة خلف الموعد) .
- وقال الحارث بن عمرو بن حجر الكندي: (أنجز حرٌّ ما وعد) .
- (وقالت الحكماء: لا شيء أضيع من مودة من لا وفاء له، واصطناع من لا شكر عنده، والكريم يودُّ الكريم عن لُقْية واحدة، واللئيم لا يصل أحدًا إلا عن رغبة أو رهبة) .
- (وأوصت أعرابية ابنًا لها، فقالت: يا بني، اعلم أنَّه من اعتقد الوفاء والسخاء، فقد استجاد الحلة بربطتها وسربالها، وإياك والنمائم؛ فإنها تنبت السخائم، وتفرق بين المحبين، وتحسي أهلها الأمرين) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:13 AM

فوائد الوفاء بالعهد
الآثار المترتبة على الالتزام بالعهد والميثاق متنوعة ومتعددة، فهناك الآثار التي تخص الفرد وأخرى تعم الجماعة، بعضها في الحياة الدنيا، وأخرى يوم القيامة، فمن هذه الآثار:
1- الإيمان:
وردت آيات كثيرة تنفي الإيمان عن الناقضين لعهدهم، وتصفهم بالكفر... وفي المقابل وصف الله سبحانه وتعالى الموفين لعهدهم ومواثيقهم بالإيمان، قال تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الحديد: 8].
2- التقوى:
التقوى أثر من آثار الوفاء بعهد الله، وثمرة من ثمرات الالتزام بميثاقه، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 63].
3- محبة الله:
أثبت الله محبته للمتقين الموفين بعهدهم، المستقيمين على عهودهم ومواثيقهم حتى مع أعدائهم ما استقاموا هم على تلك العهود، قال تعالى: فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 7].
4- حصول الأمن في الدنيا، وصيانة الدماء:


لم تقتصر آثار
الوفاء بالعهد والميثاق على المسلمين وحدهم، وإنما شمل عدل الله، الكفار الذين لم يدخلوا في دين الإسلام، ولهم عهود مع المسلمين، فجاءت الآيات صريحة بوجوب الوفاء لهم وصيانة دمائهم.
5- حصول الأجر العظيم:
فقد وعد الله الموفين بعهدهم بجزاء عظيم، قال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ [الأحزاب: 23-24].
وقال: وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 10].
6- دخول الجنات:
فقد ورد في أكثر من آية جزاء من وفَّى بعهده، والتزم بميثاقه، وهو الوعد بدخول الجنة، قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: 40] قال ابن جرير: وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:16 AM

أقسام العهد
العهد نوعان:
- (عهد مع الله عزَّ وجلَّ: فإنَّ الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف: 172]، فقد أخذ الله العهد على عباده جميعًا، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا؛ لأنَّه ربهم وخالقهم.

- وعهد مع عباد الله: ومنه العهود التي تقع بين الناس، بين الإنسان وبين أخيه المسلم، وبين المسلمين وبين الكفار وغير ذلك من العهود المعروفة، فقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد، فقال عزَّ وجلَّ: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34] يعني أنَّ
الوفاء بالعهد مسؤول عنه الإنسان يوم القيامة، يسأل عن عهده هل وفَّى به أم لا؟ قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ [النحل:91] يعني ولا تخلفوا العهد) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:17 AM

أحوال الإخلاف بالعهد والوعد
(من يخلف الوعد له أربع أحوال في إخلافه بذلك:
الحال الأولى: التعبير العملي عن الكذب منذ إعطاء الوعد أو العهد، وهو في هذا يحمل رذيلة الإخلاف المستند إلى رذيلة الكذب.
الحالة الثانية: النكث والنقض لما أبرمه والتزم به من وعد وعهد، وهذا يعبر عن ضعف الإرادة وعدم الثبات، وعدم احترام شرف الكلمة وثقة الآخرين بها، وهذا الخلق يفضي بصاحبه إلى النبذ من الفضلاء الذين يوثق بهم وبأقوالهم.
الحالة الثالثة: التحول إلى ما هو أفضل وخير عند الله، والانتقال إلى ما هو أكثر طاعة لله، وذلك كالعهد مع الله في التزام أمر من الأمور، فقد تجري المفاضلة بينه وبين غيره، لاختيار ما هو أقرب إلى طاعة الله وتحقيق مرضاته.
الحالة الرابعة: العجز عن الوفاء لسبب من الأسباب، ومن عجز عن الوفاء مع صدق رغبته به، وحرصه عليه، فهو معذور لعدم استطاعته.
وأما حالة النسيان فهي من الأمور العامة التي تشمل كل واجب أو مستحب، وتنطبق عليها أحكام النسيان العامة. وصادق الوعد والعهد هو الذي يكون عازمًا على الوفاء منذ إعطائه الوعد أو العهد، ويظل حريصًا على ذلك ما لم يمنعه مانع من التنفيذ يعذر به، أو كان ترك الوفاء استجابة لرغبة من كان الوعد أو العهد من أجله وابتغاء مرضاته أو مسرته .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:21 AM

صور الوفاء

1- الوفاء بالعهد الذي بين العبد وربه:
(فالعهود التي يرتبط المسلم بها درجات، فأعلاها مكانة، وأقدسها ذمامًا، العهد الأعظم، الذي بين العبد وربِّ العالمين، فإنَّ الله خلق الإنسان بقدرته، وربَّاه بنعمته، وطلب منه أن يعرف هذه الحقيقة، وأن يعترف بها، وألا تشرد به المغويات، فيجهلها أو يجحدها، قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [يس: 60]) .
2- الوفاء في سداد الدين:
اهتمَّ الإسلام بالدَّيْن؛ لأنَّ أمره عظيم، وشأنه جسيم، وقد أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء الدين، وكان لا يصلي على الميت إذا كان عليه دين حتى يُقضى عنه. وقد قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله)) .
3- الوفاء بشروط عقد النكاح:
قال صلى الله عليه وسلم: ((أحقُّ الشروط أن توفوا به، ما استحللتُم به الفروج)) .
قال الخطابي: (الشروط في النكاح مختلفة؛ فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقًا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث، ومنها ما لا يوفى به اتفاقًا، كسؤال طلاق أختها... ومنها ما اختلف فيه، كاشتراط أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله) .
4- الوفاء بين الزوجين:
الوفاء بين الزوجين، يجعل الأسر مستقرة، والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء، وفي العسر واليسر.
5- الوفاء بإعطاء الأجير أجره:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره)) .
6- وفاء العامل بعمله:


وذلك بأن يعمل العامل، ويعطي العمل حقه باستيفائه خاليًا من
الغش والتدليس، فعن عاصم بن كليب الجرمي قال: حدثني أبي كليبٌ ((أنَّه شهد مع أبيه جنازة شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر، ولم يمكن لها، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سووا لحد هذا. حتى ظن الناس أنه سنة، فالتفت إليهم، فقال: أما إنَّ هذا لا ينفع الميت ولا يضرُّه، ولكن الله يحبُّ من العامل إذا عمل أن يحسن)) .
7- الوفاء بالنذر:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) ويجب الوفاء بالنذر إذا كان نذر طاعة.
8- الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة:
(الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة، وغير ذلك من المعاملات المالية ما دامت مشروعة، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وسواء كانت هذه العقود مبرمة بين المسلم والمسلم، أو المسلم وغير المسلم) .
9- وفاء الولاة والأمراء بالعهود والمواثيق في علاقاتهم مع الدول:
وقد دلَّت على ذلك عمومات النصوص، وأكَّد الرسول صلى الله عليه وسلم على احترام الأحلاف المعقودة في الجاهلية، وقال صلى الله عليه وسلم مؤكِّدًا على ضرورة الوفاء بأحلاف الجاهلية: ((أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده – يعني الإسلام- إلا شدة)) . وظلَّ تاريخ الإسلام منذ فجر عهده، وعلى مرِّ مراحله التاريخية، صفحة بيضاء نقية، لم يدنَّس بخيانة، ولا غدر، ولا نقض عهد، بدون وجود ناقض من العدو . قال النووي: (واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن


الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:24 AM

نماذج من وفاء النبي صلى الله عليه وسلم
إنَّ الوفاء بالعهد، وعدم نسيانه أو الإغضاء عن واجبه، خلق كريم، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بالمحل الأفضل والمقام الأسمى، والمكان الأشرف، فوفاؤه...كان مضرب المثل، وحقَّ له ذلك، وهو سيد الأوفياء . ويتجلى لنا وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في صور كثيرة منها:
وفاؤه صلى الله عليه وسلم بالعهد لعدوه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفي بالعهود والمواثيق التي تكون بينه وبين أعداء الإسلام.
(فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرسولي مسيلمة الكذاب لما قالا: نقول: إنه رسول الله ((لولا أن الرسل لا ت*** ل***تكما)) . وثبت عنه أنه قال لأبي رافع، وقد أرسلته إليه قريش، فأراد المقام عنده، وأنه لا يرجع إليهم فقال: ((إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إلى قومك، فإن كان في نفسك الذي فيها الآن فارجع)) . وثبت عنه أنَّه ردَّ إليهم أبا جندل للعهد الذي كان بينه وبينهم، أن يردَّ إليهم من جاءه منهم مسلمًا) .
- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل. قال: فأخذنا كفار قريش. قالوا: إنكم تريدون محمدًا؟ فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفنَّ إلى المدينة، ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر. فقال: ((انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم)) .
وفاءه صلى الله عليه وسلم لزوجاته:
فمن وفائه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، أنه كان يكرم صديقات زوجته خديجة رضي الله عنها بعد موتها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالشيء يقول: ((اذهبوا به إلى فلانة؛ فإنها كانت صديقة خديجة، اذهبوا به إلى بيت فلانة؛ فإنها كانت تحب خديجة)) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها؛ وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان لي*** الشاة فيتتبع بها صدائق خديجة؛ فيهديها لهنَّ)) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:28 AM

نماذج من وفاء الصحابة رضي الله عنهم

لقد وفى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعهود والمواثيق، والتزموا بالمبايعات التي أخذها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته في عدة مناسبات، وهذه هي العهود والمواثيق التي ذكرها الله في أكثر من آية، حيث خصَّ بعضها بالذكر كبيعة الرضوان،... وأخذ عليهم العهد في بيعتي العقبة، وبيعة الرضوان، وبايعهم على الإسلام، وبايع النساء بيعة خاصة، كما بايع بعض صحابته على الجهاد، وبايع آخرين على السمع والطاعة، وبايع بعضهم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم... ومما يجدر التنبيه إليه هنا، ما ذكره سبحانه في سورة الأحزاب، مادحًا أصحاب تلك العهود والمواثيق ومثنيًا عليهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23] نعم لقد وَفى صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهودهم، والتزموا مواثيقهم، ولم يكونوا كبني إسرائيل الذين أصبحت الخيانة والغدر من سماتهم، وأبرز سجاياهم وطباعهم.
لقد كان من وفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أحدهم يسقط سوطه وهو راكب على دابته، فينزل ليأخذ سوطه ولا يطلب من أحد أن يناوله؛ لأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يسأل الناس شيئًا أعطوه، أو منعوه.
هذه هي الطاعة، وهذا هو الوفاء، وبمثل هؤلاء تسعد البشرية وتصل إلى مدارج الرقي وسمو الأخلاق، لقد كان جيلًا قرآنيًّا فذًّا، لم تعرف البشرية جيلًا كذلك الجيل، ولا صفوة كتلك الصفوة أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[الزمر: 18]) .
وفاء أبي بكر رضي الله عنه:
وفاؤه بديون النبي صلى الله عليه وسلم ووعوده:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم على أبي بكر أمر مناديًا فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين، أو عدة فليأتني، قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، قال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني، فقال: أقلت تبخل عني، وأي داء أدوأ من البخل؟- قالها ثلاثًا - ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك)) .
وفاؤه في إنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه:
قام أبو بكر رضي الله عنه، بتنفيذ جيش أسامة بن زيد، الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليسير إلى تخوم البلقاء من الشام.
(فخرجوا إلى الجرف فخيموا به، وكان بينهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصديق، فاستثناه رسول الله منهم للصلاة، فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا هنالك، فلما مات عظم الخطب، واشتدَّ الحال، ونجم النفاق بالمدينة، وارتدَّ من ارتدَّ من أحياء العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى الصديق، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وكانت جواثا من البحرين أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحقِّ... وقد كانت ثقيف بالطائف ثبتوا على الإسلام، لم يفروا ولا ارتدوا، والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور، أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة؛ لاحتياجه إليه فيما هو أهم؛ لأنَّ ما جهز بسببه، في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحلُّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنَّ الطير تخطَّفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش أسامة) .
نماذج أخرى من الوفاء:
1- (يذكر أن امرأ القيس الكندي، لما أراد المضي إلى قيصر ملك الروم، أودع عند السموأل دروعًا وسلاحًا، وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة، فلما مات امرؤ القيس، أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل: لا أدفعها إلا لمستحقها. وأبى أن يدفع إليه منها شيئًا، فعاوده فأبى، وقال: لا أغدر بذمتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاء الواجب علي. فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره فدخل السموأل في حصنه، وامتنع به. فحاصره ذلك الملك، وكان ولد السموأل خارج الحصن، فظفر به ذلك الملك فأخذه أسيرًا، ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل. فأشرف عليه من أعلى الحصن. فلما رآه قال له: إن ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلمت إليَّ الدروع والسلاح التي لامرئ القيس عندك، رحلت عنك، وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ***ت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت. فقال له السموأل: ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت، ف*** ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن رجع خائبًا، واحتسب السموأل *** ولده وصبر، محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فصارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكر السموأل في الأول. وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمة من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثناء عليه، واستطلق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه) .
2- قصة أخرى يحكيها مالك بن عمارة اللخمي، قال: (كنت جالسًا في ظل الكعبة أيام الموسم عند عبد الملك بن مروان، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة ابن الزبير، وكنا نخوض في الفقه مرة، وفي المذاكرة مرة، وفي أشعار العرب، وأمثال الناس مرة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتساع في المعرفة، والتصرف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدث، وحلاوة لفظه إذا حدث، فخلوت معه ليلة فقلت له: والله إني لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرفك، وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلًا فسترى العيون طامحة إليَّ، والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إلي فلعلك أن تنقل إليَّ ركابك فلأملأنَّ يديك، فلما أفضت إليه الخلافة، توجهت إليه، فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلما رآني أعرض عني، فقلت: لعله لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكره، فلما قضيت الصلاة، ودخل بيته، لم ألبث أن خرج الحاجب فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه، فمد إليَّ يده، وقال: إنك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلا ما رأيت، فأمَّا الآن فمرحبًا وأهلًا، كيف كنت بعدي؟ فأخبرته، فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم. فقال: والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكني أخبرك بخصال مني سميت بها نفسي إلى الموضع الذي ترى، ما خنت ذا ودٍّ قط، ولا شمتُّ بمصيبة عدوٍّ قط، ولا أعرضت عن محدث حتى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذذًا بها، فكنت أؤمِّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي؛ وقد فعل، ثم دعا بغلام، فقال له: يا غلام بوِّئه منزلًا في الدار، فأخذ الغلام بيدي وأفرد لي منزلًا حسنًا، فكنت في ألذِّ حال، وأنعم بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، ثم أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه؛ فيرفع منزلتي ويقبل عليَّ ويحادثني، ويسألني مرة عن العراق ومرة عن الحجاز، حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغديت يومًا عنده فلمَّا تفرَّق الناس، نهضت قائمًا، فقال: على رِسْلك. فقعدت، فقال: أيُّ الأمرين أحبُّ إليك: المقام عندنا مع النصفة لك في المعاشرة، أو الرجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، فارقت أهلي، وولدي على أني أزور أمير المؤمنين وأعود إليهم، فإن أمرني أمير المؤمنين، اخترت رؤيته على الأهل والولد. فقال: لا، بل أرى لك الرجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وكسوناك، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟! فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدًا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السلامة) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:28 AM

نماذج من وفاء الصحابة رضي الله عنهم

لقد وفى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعهود والمواثيق، والتزموا بالمبايعات التي أخذها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته في عدة مناسبات، وهذه هي العهود والمواثيق التي ذكرها الله في أكثر من آية، حيث خصَّ بعضها بالذكر كبيعة الرضوان،... وأخذ عليهم العهد في بيعتي العقبة، وبيعة الرضوان، وبايعهم على الإسلام، وبايع النساء بيعة خاصة، كما بايع بعض صحابته على الجهاد، وبايع آخرين على السمع والطاعة، وبايع بعضهم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم... ومما يجدر التنبيه إليه هنا، ما ذكره سبحانه في سورة الأحزاب، مادحًا أصحاب تلك العهود والمواثيق ومثنيًا عليهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23] نعم لقد وَفى صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهودهم، والتزموا مواثيقهم، ولم يكونوا كبني إسرائيل الذين أصبحت الخيانة والغدر من سماتهم، وأبرز سجاياهم وطباعهم.
لقد كان من وفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أحدهم يسقط سوطه وهو راكب على دابته، فينزل ليأخذ سوطه ولا يطلب من أحد أن يناوله؛ لأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يسأل الناس شيئًا أعطوه، أو منعوه.
هذه هي الطاعة، وهذا هو الوفاء، وبمثل هؤلاء تسعد البشرية وتصل إلى مدارج الرقي وسمو الأخلاق، لقد كان جيلًا قرآنيًّا فذًّا، لم تعرف البشرية جيلًا كذلك الجيل، ولا صفوة كتلك الصفوة أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[الزمر: 18]) .
وفاء أبي بكر رضي الله عنه:
وفاؤه بديون النبي صلى الله عليه وسلم ووعوده:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم على أبي بكر أمر مناديًا فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين، أو عدة فليأتني، قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، قال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني، فقال: أقلت تبخل عني، وأي داء أدوأ من البخل؟- قالها ثلاثًا - ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك)) .
وفاؤه في إنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه:
قام أبو بكر رضي الله عنه، بتنفيذ جيش أسامة بن زيد، الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليسير إلى تخوم البلقاء من الشام.
(فخرجوا إلى الجرف فخيموا به، وكان بينهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصديق، فاستثناه رسول الله منهم للصلاة، فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا هنالك، فلما مات عظم الخطب، واشتدَّ الحال، ونجم النفاق بالمدينة، وارتدَّ من ارتدَّ من أحياء العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى الصديق، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وكانت جواثا من البحرين أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحقِّ... وقد كانت ثقيف بالطائف ثبتوا على الإسلام، لم يفروا ولا ارتدوا، والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور، أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة؛ لاحتياجه إليه فيما هو أهم؛ لأنَّ ما جهز بسببه، في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحلُّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنَّ الطير تخطَّفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش أسامة) .
نماذج أخرى من الوفاء:
1- (يذكر أن امرأ القيس الكندي، لما أراد المضي إلى قيصر ملك الروم، أودع عند السموأل دروعًا وسلاحًا، وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة، فلما مات امرؤ القيس، أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل: لا أدفعها إلا لمستحقها. وأبى أن يدفع إليه منها شيئًا، فعاوده فأبى، وقال: لا أغدر بذمتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاء الواجب علي. فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره فدخل السموأل في حصنه، وامتنع به. فحاصره ذلك الملك، وكان ولد السموأل خارج الحصن، فظفر به ذلك الملك فأخذه أسيرًا، ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل. فأشرف عليه من أعلى الحصن. فلما رآه قال له: إن ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلمت إليَّ الدروع والسلاح التي لامرئ القيس عندك، رحلت عنك، وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ***ت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت. فقال له السموأل: ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت، ف*** ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن رجع خائبًا، واحتسب السموأل *** ولده وصبر، محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فصارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكر السموأل في الأول. وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمة من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثناء عليه، واستطلق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه) .
2- قصة أخرى يحكيها مالك بن عمارة اللخمي، قال: (كنت جالسًا في ظل الكعبة أيام الموسم عند عبد الملك بن مروان، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة ابن الزبير، وكنا نخوض في الفقه مرة، وفي المذاكرة مرة، وفي أشعار العرب، وأمثال الناس مرة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتساع في المعرفة، والتصرف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدث، وحلاوة لفظه إذا حدث، فخلوت معه ليلة فقلت له: والله إني لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرفك، وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلًا فسترى العيون طامحة إليَّ، والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إلي فلعلك أن تنقل إليَّ ركابك فلأملأنَّ يديك، فلما أفضت إليه الخلافة، توجهت إليه، فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلما رآني أعرض عني، فقلت: لعله لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكره، فلما قضيت الصلاة، ودخل بيته، لم ألبث أن خرج الحاجب فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه، فمد إليَّ يده، وقال: إنك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلا ما رأيت، فأمَّا الآن فمرحبًا وأهلًا، كيف كنت بعدي؟ فأخبرته، فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم. فقال: والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكني أخبرك بخصال مني سميت بها نفسي إلى الموضع الذي ترى، ما خنت ذا ودٍّ قط، ولا شمتُّ بمصيبة عدوٍّ قط، ولا أعرضت عن محدث حتى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذذًا بها، فكنت أؤمِّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي؛ وقد فعل، ثم دعا بغلام، فقال له: يا غلام بوِّئه منزلًا في الدار، فأخذ الغلام بيدي وأفرد لي منزلًا حسنًا، فكنت في ألذِّ حال، وأنعم بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، ثم أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه؛ فيرفع منزلتي ويقبل عليَّ ويحادثني، ويسألني مرة عن العراق ومرة عن الحجاز، حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغديت يومًا عنده فلمَّا تفرَّق الناس، نهضت قائمًا، فقال: على رِسْلك. فقعدت، فقال: أيُّ الأمرين أحبُّ إليك: المقام عندنا مع النصفة لك في المعاشرة، أو الرجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، فارقت أهلي، وولدي على أني أزور أمير المؤمنين وأعود إليهم، فإن أمرني أمير المؤمنين، اخترت رؤيته على الأهل والولد. فقال: لا، بل أرى لك الرجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وكسوناك، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟! فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدًا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السلامة) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:30 AM

أمثال في الوفاء
- يقال في المثل: أوفى من فكيهة:
وهي امرأة من بني قيس بن ثعلبة، كان من وفائها أنَّ السليك بن سلكة، غزا بكر بن وائل، فلم يجد غفلة يلتمسها، فخرج جماعة من بكر، فوجدوا أثر قدم على الماء، فقالوا: إنَّ هذا الأثر قدم ورد الماء. فقصدوا له، فلمَّا وافى حملوا عليه فعدا حتى ولج قبة فكيهة فاستجار بها، فأدخلته تحت درعها، فانتزعوا خمارها، فنادت إخوتها، فجاءوا عشرة، فمنعوهم منها .
- ويقال أوفى من أمِّ جميل:
وهي من رهط ابن أبي بردة من دوس، وكان من وفائها أنَّ هشام بن الوليد ابن المغيرة المخزومي *** رجلًا من الأزد، فبلغ ذلك قومه بالسراة، فوثبوا على ضرار بن الخطاب الفهري لي***وه، فعدا حتى دخل بيت أمِّ جميل وعاذ بها، فقامت في وجوههم، ودعت قومها فمنعوه لها .
- ويقال: أوفى من السموأل بن عاديا .
- ويقال: أوفى من الحارث بن عباد:
وكان من وفائه أنه أسر عدي بن ربيعة ولم يعرفه، فقال له: دلَّني على عدي ابن ربيعة ولك الأمان، فقال: أنا آمن إن دللتك عليه؟ قال: نعم. قال: فأنا عدي بن ربيعة. فخلاه .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:38 AM

الوفاء في واحة الشعر
قال الشاعر:


ذهب الوفاءُ ذهابَ أمسِ الذاهبِ***فالنَّاسُ بين مخاتلٍ ومواربِ



يغشون بينهم المودةَ والصفا***وقلوبُهم محشوةٌ بعقاربِ



وقال علي بن أبي طالب:


مات الوفاءُ فلا رفدٌ ولا طمع***في النَّاسِ لم يبقَ إلا اليأسُ والجزعُ



فاصبرْ على ثقةٍ باللهِ وارضَ به***فاللهُ أكرمُ مَن يُرجى ويُتَّبعُ



وقال علي بن مقرَّب:


لا تركننَّ إلى مَن لا وفاءَ له***الذئبُ مِن طبعِه إن يقتدرْ يثبِ



وقال آخر:


عشْ ألفَ عامٍ للوفاءِ وقلَّما***ساد امرؤٌ إلا بحفظِ وفائِه



لصلاحِ فاسدِه وشعبِ صدوعِه***وبيانِ مشكلِه وكشفِ غطائِه



وقال آخر:


ما أهونَ الإنسانَ إنَّ وفاءَه***إمَّا اتقاءُ أذًى، وإمَّا مغنمُ



عظمتْ على أخلاقِه أكلافه***وهو المصيَّرُ في الحياةِ المرغمُ



نفض الترابُ الضعف في أعراقه***وابنُ الترابِ الصاغرُ المستسلمُ



وقال آخر:


إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ***واللؤمُ مقرون بذي الإخلافِ



وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا***وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ



وقال آخر:


ذهب التكرُّم والوفاءُ مِن الورَى***وتصرَّما إلَّا مِن الأشعارِ



وفشت خياناتُ الثقاتِ وغيرِهم***حتى اتهمنا رؤيةَ الأبصارِ



وقال الرِّياشيّ:


إذا ذَهَب التكرُّم والوَفاءُ***وباد رِجالُه وبَقِي الغُثَاءُ



وأَسْلَمني الزَّمانُ إلى رِجالٍ***كأمْثالِ الذِّئابِ لها عُواءُ



صَديقٌ كلَّما استَغْنيت عنهم***وأَعْداءٌ إذا جَهَدَ البَلاءُ



إذا ما جئتهم يَتدافَعوني***كأنِّي أجربٌ آذاه داءُ



أقولُ ولا أُلاَم على مَقالٍ***على الإخوانِ كُلِّهم العَفاءُ



وقال آخر:


إذا قلتَ في شيءٍ نَعمْ فأتمَّه***فإنَّ نعم دينٌ على الحرِّ واجبُ



وإلَّا فقلْ لا تسترحْ وتُرِحْ بها***لئلا يقولَ النَّاسُ إنَّك كاذبُ



وقال آخر:


لا كلَّف اللهُ نفسًا فوقَ طاقتِها***ولا تجودُ يدٌ إلا بما تجدُ



فلا تعِدْ عدةً إلَّا وَفيت بها***واحذرْ خلافَ مقالٍ للذي تعِدُ

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:A...LwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52 20-06-2013 12:41 AM

الوَقَار

معنى الوَقَار لغةً واصطلاحًا

معنى الوَقَار لغةً:
الوَقَار: السُّكون والحِلْم والرَّزانة، مصدر وَقَرَ يَقِرُ وَقارًا وَقِرَة إذا ثبت، فهو وَقُور ووَقار، ومتوقِّر، وأصل هذه المادَّة يدلُّ على ثِقَل في الشَّيء، وفلان ذو قِرَة، أي: وَقار، ورجل موقَّر: مجرَّب. والتَّوقِير: التَّعظيم والتَّرزين، ومنه قول الله تعالى: مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13]. وأمّا قولك: وقَّر الرَّجل، أي: بجَّلَه وعظَّمه، ومنه قوله تعالى: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9] http://www.dorar.net/misc/tip.gif .
معنى الوَقَار اصطلاحًا:
الوقار: هو سكون النَّفس وثباتها عند الحركات التي تكون في المطَالب .
وقيل: هو التَّأنِّي في التَّوجُّه نحو المطَالب .
وقيل: الوَقَار هو الإمْسَاك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة، فيما يُسْتَغنى عن التَّحرُّك فيه، وقِلَّة الغَضَب، والإصغاء عند الاستفهام، والتَّوقُّف عن الجواب، والتَّحفُّظ من التَّسرُّع

محمد رافع 52 20-06-2013 12:43 AM

الفرق بين الوَقَار وبعض الصِّفات
الفرق بين التَّوْقير والوَقَار:
أنَّ التَّوقير يُستعمل في معنى التَّعظيم؛ يقال: وقَّرته، إذا عظَّمته. وقد أُقِيم الوَقَار موضع التَّوقير في قوله تعالى: مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13] أي: تعظيمًا) .
قال ابن تيمية: (التَّوقير: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما فيه سكينة وطُمأنينة مِن الإجلال والإكرام، وأن يُعامل من التَّشريف والتَّكريم و التَّعظيم بما يصونه عن كلِّ ما يُخرجه عن حدِّ الوَقَار) .
الفرق بين السَّكينة والوَقَار:
قال النَّوويُّ: (قيل: هما بمعنى... والظَّاهر أنَّ بينهما فَـرْقًا، وأنَّ السَّكينة هي التَّأنِّي في الحركات واجتناب العبث، والوَقَار في الهيئة كغضِّ البصر، وخفض الصَّوت وعدم الالتفات) .

محمد رافع 52 20-06-2013 12:46 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحارث7 (المشاركة 5348071)
ما شاء الله ، جزاكم الله خيرا

بارك الله فيك ورضى عنك

محمد رافع 52 22-06-2013 12:10 AM

أولًا: في القرآن الكريم

- قال تبارك وتعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان: 63].
في هذه الآية الكريمة يصف الله عباده المكرمين، وأولياءه الصَّالحين، فكانت أوَّل صفة امتدحهم بها الله تبارك وتعالى هي صفة الوَقَار، (والمعنى: أنَّهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع، لا يضربون بأقدامهم، ولا يَخَفْقِون بنعالهم أشَرًا وبطَرًا) .
قال ابن كثير: هذه صفات عباد الله المؤمنين الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] أي: بسكينة ووقار من غير جبريَّة ولا استكبار، كما قال: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: 37] فأمَّا هؤلاء فإنَّهم يمشون من غير استكبار ولا مَرَح، ولا أشَرٍ ولا بَطَرٍ، وليس المراد أنَّهم يمشون كالمرْضَى مِن التَّصانع تصنُّعًا ورياءً، فقد كان سيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنَّما ينحطُّ من صَبَب، وكأنَّما الأرض تُطوى له. وقد كره بعض السَّلف المشي بتضعُّف وتصنُّع، حتى رُوي عن عمر أنَّه رأى شابًّا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! فعلاه بالدِّرَّة، وأمره أن يمشي بقوَّة. وإنَّما المراد بالهَوْن -هاهنا-: السَّكينة والوَقَار) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19].
هذه إحدى وصايا لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه، وفيها أمرٌ بالسَّكينة والوَقَار حال مَشْيه بين النَّاس، قال البغوي: (أي: ليكن مَشْيك قصدًا لا تخيُّلًا ولا إسراعًا. وقال عطاء: امش بالوَقَار والسَّكينة، كقوله: يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63]) .
وقال الخازن: (أي: ليكن في مِشْيتك قصدٌ بين الإسراع والتَّأنِّي، أمَّا الإسراع فهو من الخُيَلاء، وأمَّا التَّأنِّي فهو أن يُرَى في نفسه الضَّعف تزهُّدًا، وكلا الطَّرفين مذمومٌ، بل ليكن مَشيك بين السَّكينة والوَقَار) .

محمد رافع 52 22-06-2013 12:15 AM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قطُّ ضاحكًا، حتى تُرى منه لهواته، وإنَّما كان يتبسَّم)) .
هذا الحديث ذكره النَّوويُّ تحت باب الوَقَار والسَّكينة في كتابه ((رياض الصَّالحين))، وقد قال الشَّيخ ابن عثيمين مُعلِّقًا: (يعني: ليس يضحك ضَحِكًا فاحشًا بقهقهة، يفتح فمه حتى تبدو لَهاته ولكنَّه صلى الله عليه وسلم كان يبتسم أو يضحك حتى تبدو نواجِذه، أو تبدو أنيابه، وهذا من وَقَار النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا تجد الرَّجل كثير الكَرْكَرة -الذي إذا ضحك، قهقه وفتح فاه- يكون هيِّنًا عند النَّاس، وضيعًا عندهم، ليس له وقار، وأمَّا الذي يُكثر التَّبسُّم في محله، فإنَّه محبوبٌ، تنشرح برؤيته الصُّدور، وتطمئنُّ به القلوب) .
قال ابن حجر: (والذي يظهر من مجموع الأحاديث: أنَّه صلى الله عليه وسلم كان - في مُعْظَم أحواله - لا يزيد على التَّبسُّم، ورُبَّـما زاد على ذلك، فضحك، والمكروه من ذلك إنَّما هو الإكثار منه أو الإفراط فيه؛ لأنَّه يُذهب الوَقَار) .
- عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الهَدي الصَّالح والسَّمت الصَّالح والاقتصاد جُزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا من النُّبوَّة)) .
أي: أنَّ هذه الأخلاق الكريمة هي من صفات الأنبياء وآدابهم، لذا طُلب من أتباع الأنبياء أن يقتدوا بهم، وأن يأخذوا بهذه الخصال الكريمة، فالمقصود أنَّهم يتَّبعونهم، ويسيرون على منهجهم، ويقتدون بهم في الأخلاق والأفعال والسِّمات والهدي والوَقَار، فالهدي الصَّالح هو الطَّريقة الصَّالحة. ويقال: هَدْي الرَّجل: حاله ومذهبه، أي: الحالة والطَّريقة التي هو عليها. والسَّمت: الهيئة الحسنة، والوَقَار والسَّكينة التي تكون فيه.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاكم أهل اليمن، هم أرقُّ أفئدةً، وألين قلوبًا. الإيمان يمان، والحكمة يمانيَّة، والفخر والخُيَلاء في أصحاب الإبل، والسَّكينة والوَقَار في أهل الغنم)) .


(تخصيص الخُيَلاء بأصحاب الإبل، والوَقَار بأهل الغنم، يدلُّ على أنَّ مخالطة الحيوان تؤثِّر في النَّفس، وتعدي إليها هيئاتٍ وأخلاقًا تناسب طباعها، وتلائم أحوالها، قلت: ولهذا قيل: الصُّحبة تؤثِّر في النَّفس، ولعلَّ هذا -أيضًا- وجه
الحكمة في أنَّ كلَّ نبيٍّ رعى الغنم، وخلاصة الكلام ورابطة النِّظام بين فصول الحديث: أنَّ أهل اليمن يغلب عليهم الإيمان والحكمة، كما أنَّ أهل الإبل يغلب عليهم الفَّخْر، وأهل الغنم يغلب عليهم السُّكون، فمن أراد صُحبة أهل الإيمان والعِرْفان، فعليه بمصاحبة نحو أهل اليمن على وجه الإيمان، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [التَّوبة: 119]) .
- وعن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم بالسَّكينة والوَقَار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) .
قال النَّوويُّ: (الوَقَار في الهيئة وغض البصر، وخفض الصَّوت، والإقبال على طريقه بغير التفات ونحو ذلك، والله أعلم) .

محمد رافع 52 22-06-2013 12:19 AM

أقوال السَّلف والعلماء في الوَقَار
- قال ذو النُّون: (ثلاثةٌ من أعلام الوَقَار: تعظيم الكبير، والتَّرحُّم على الصَّغير، والتَّحلُّم على الوضيع) .
- عن عمران بن مسلم أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: (تعلَّموا العلم، وعلِّموه النَّاس، وتعلَّموا له الوَقَار والسَّكينة، وتواضعوا لمن يعلِّمكم عند العلم، وتواضعوا لمن تعلِّموه العلم، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم) .
قال ابن مفلح: (وفي التَّفسير: وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ [الأعراف: 26] قالوا: الحياء. وقالوا: الوَقَار من الله، فمن رزقه الله الوَقَار، فقد وَسَمَه بسِيما الخير. وقالوا: من تكلَّم بالحكمة لاحظته العيون بالوَقَار) .
- قام جرير بن عبد الله رضي الله عنه، يوم مات المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، فحَمِد الله وأثنى عليه، وقال: (عليكم باتِّقاء الله وحده لا شريك له، والوَقَار والسَّكينة حتى يأتيكم أمير، فإنَّما يأتيكم الآن. ثمَّ قال: استعفوا لأميركم؛ فإنَّه كان يحبُّ العفو) .
- قال أبو حاتم: (الواجب على العاقل أن يكون ناطقًا كعَييٍّ، وعالـمًا كجاهل، وساكتًا كناطق؛ لأنَّ الكلام لا بدَّ له من الجواب، والجواب لو جُعل له جواب، لم يكن للقول نهاية، وخرج المرء إلى ما ليس له غاية، والمتكلِّم لا يسلم من أن يُنسب إليه الصَّلف والتَّكلُّف، والصَّامت لا يليق به إلَّا الوَقَار وحُسْن الصَّمت، ولقد أحسن الذي يقول:


حتف امرئ لسانه****في جِدِّه أو لعبه



بين اللَّها م***ه****ركب في مركبه



- وقال ابن مفلح: (قال ابن عقيلٍ -أيضًا- في ((الفنون)): لما رأينا الشَّريعة تنهى عن تحريكات الطِّباع بالرُّعونات، وكَسَرت الطُّبول والمعازف، ونهت عن النَّدب والنِّياحة، والمدح، وجرِّ الخُيَلاء، فعلمنا أنَّ الشَّرع يريد الوَقَار دون الخلاعة) .
- وقال الغزالي: (آداب العالم: الاحتمال، ولزوم الحِلْم، والجلوس بالهيبة على سَمْت الوَقَار مع إطراق الرَّأس، وترك التَّكبُّر على جميع العباد، إلَّا على الظَّلمة زجرًا لهم عن الظُّلم، وإيثارًا للتَّواضع في المحافل والمجالس، وترك الهَزْل والدُّعابة، والرِّفق بالمتعلِّم، والتَّأنِّي بالمتعجرف، وإصلاح البليد بحُسْن الإرشاد، وترك الحَرْد عليه، ومؤاخذة نفسه -أولًا- بالتَّقوى ليَقتدي المتعلِّم -أولًا- بأعماله، ويستفيد -ثانيًا- من أقواله) .
وقال أيضًا: (الوَقَار وَسَط بين الكِبْر والتَّواضع) .

محمد رافع 52 22-06-2013 12:22 AM

فوائد الوَقَار

1- الوقار علامة على وجود الحياء، قال ابن حجر: (أنَّ من الحياء ما يحمل صاحبه على الوَقَار، بأن يوقِّر غيره، ويتوقَّر هو في نفسه، ومنه ما يحمله على أن يَسكن عن كثيرٍ ممَّا يتحرَّك النَّاس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة) .
2- ويقول المناوي: (الحياء زينة)؛ لأنَّه من فِعْل الرُّوح، والرُّوح سماويٌّ نورانيٌّ جميلٌ، والحياء خجل الرُّوح من كلِّ أمرٍ لا يصلح في السَّماء، فهو يخجل من ذلك، فهذا يزيِّن الجوارح، فهو زينة العبد، فمنه الوَقَار والحِلْم، وكفى بهما زينة، وما أحسن قول نَفْطَويه:


وعقل المرء أحسن حليتيه****وزَين المرء في الدُّنيا الحياء



3- الوَقَار يكسو الرَّجل هيبةً وبهاءً، ويعطيه سَمْتًا حسنًا، وهذا داعية لسماع قوله، وقبول نصحه، واحترامه وتقديره.
4- الوَقَار يصون العبد عن المنكرات والرَّذائل، والاحتكاك بما يدنِّس بالنَّفس، ويقلِّل من هيبتها ومكانتها.
5- وهو -أيضًا- يطبع الحبَّ في قلوب الآخرين للشَّخص المتَّصف بالوَقَار، ويُكسبه المهابة بين النَّاس.
6- الوَقَار عزٌّ لصاحبه في الدُّنْيا والآخرة.

محمد رافع 52 25-06-2013 09:53 PM

موانع اكتساب صفة الوَقَار

1- المجاهرة بالمعاصي، قال الحكيم: (إذا استُخِفَّ بالمحقَّرات، دخل التَّخلط في إيمانه، وذهب الوَقَار، وانتقص من كلِّ شيء بمنزلة الشَّمس ينكسف طرف منها، فبقدر ما انكسف -ولو كرأس إبرة- يُنقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدُّنيا، وخلص النُّقصان إلى كلِّ شيء في الأرض، فكذا نور المعرفة ينقص بالذَّنب على قَدْره، فيصير قلبه محجوبًا عن الله، فزوال الدُّنيا بكُلِّيتها أهون من ذلك، فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه وهو أبله لا ينتبه لذلك، حتى يستوجب الحرمان) .
2- الحُمق، وحقيقته، كما قال ابن الأثير: (وضع الشَّيء في غير موضعه مع العلم بقُبحه) .
3- الغَضَب، قال أهل العلم: (اتَّقوا الغَضَب؛ فإنَّه يفسد الإيمان، كما يُفسد الصَّبر العسل) ، فالغَضَب يؤثِّر على البدن حتى يُعمِي البصر، ويُصِمُّ الآذان، ويخرِس اللِّسان، ويُعجِز الإنسان؛ فيُفقِده الوَقَار.
4- كثرة المزَاح. فالإكثار من المزاح يؤدِّي إلى سقوط الوَقَار، فقد قال عمر رضي الله عنه: (مَن مَزَح استُخِفَّ به).
5- الطَّيْش وضدُّه الوَقَار، وهو الحِلْم والرَّزَانَة، فلازم كون الطَّيش ضدُّ الوَقَار أنَّه يمنعه؛ إذ لا يجتمع ضدَّان، ولا يليق لهما أن يجتمعا.
6- سماع الغناء والميل إليه، فبينما ترى الرَّجل وعليه سِمَة الوَقَار، وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام، وحلاوة القرآن، فإذا سمع الغناء ومال إليه، نقص عقله، وقلَّ حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلَّى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله إيمانه، وثَقُل عليه قرآنه، وقال: يا رب! لا تجمع بيني وبين قرآن عدوِّك في صدر واحد .

محمد رافع 52 25-06-2013 09:55 PM

الوسائل المعينة على التَّحلِّي بالوَقَار

1- السَّكينة، فإنَّها تُثمر الخشوع، وتَجْلب الطُّمَأنينة، وتُلبس صاحبها ثوب الوَقَار.
قال ابن القيِّم: (السَّكينة إذا نزلت على القلب اطمأنَّ بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوَقَار، وأنطقت اللِّسان بالصَّواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخَنَا والفحش واللَّغو والهُجْر وكلِّ باطل) .
2- اتِّباع آثار الأنبياء والصَّالحين الذين تحلَّوْا بالوَقَار. عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الهدي الصَّالح والسَّمت الصَّالح والاقتصاد جزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا من النُّبوَّة)) .
3- الخشوع في الطَّاعات، والإكثار من الصَّالحات.
4- طلب العلم، عن الحسن قال: (قد كان الرَّجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشُّعه، وهديه، ولسانه، وبصره، وبرِّه) .
5- البعد عن الغَضَب، والطَّيش والنَّزَق؛ فإنَّ ذلك ينافي الوَقَار والهيبة، وقال طاهر بن الحسين يوصي ابنه عبد الله: (واملك نفسك عن الغَضَب وآثِر الوَقَار والحِلْم. وإيَّاك والحدَّة والطَّيش والغرور فيما أنت بسبيله) .
6- التزام الصَّمت وقلَّة الكلام، إلَّا فيما يعني، كلُّ ذلك من سِمَات الوَقَار وعلاماته، لذا قالوا: (الصَّمت زين الحِلْم وعُوذَة العلم، يُلزِمك السَّلامة، ويُصحِبك الكرامة، ويكفيك مؤنة الاعتذار، ويُلبسك ثوب الوَقَار) .


7- الحياء، قال القرطبيُّ: (إنَّ من
الحياء ما يحمل صاحبه على الوَقَار، بأن يوقِّر غيره، ويتوقَّر هو في نفسه) .
8- الحِلْم، فهو وسط بين الاستشاطة والانفِراك، وهي حالة تكسب النَّفس الوَقَار .
وقد قيل: (فإنَّ من عُرف بالصِّدق صار النَّاس له أتباعًا، ومن نُسب إلى الحِلْم أُلبس ثوب الوَقَار والهيبة وأبَّهة الجلالة، ومن عُرف بالوفاء استنامت بالثِّقة به الجماعات، ومن استعزَّ بالصَّبر نال جَسيمات الأمور) .
9- الصِّدق، فإنَّ (صدق اللَّهجة عنوان الوَقَار) .
10- تعظيم الحرمات.

محمد رافع 52 25-06-2013 09:57 PM

نماذج من وقار الأنبياء عليهم السَّلام
النَّبي محمد صلى الله عليه وسلم:
النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يتصف بالوقار، وكان نموذجًا يقتدى به، ففي وصف أمِّ معبد للنَّبي صلى الله عليه وسلم قالت: (إن صَمَت فعليه الوَقَار، وإن تكلَّم سَمَاه وعلاه البهاء، أجمل النَّاس وأبْهَاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حُلْو المنْطِق، فصلًا لا نَزْر ولا هَذَر ، كأن مَنْطِقه خرزات نظمٍ يتحدَّرن، رَبْعة) .
نبيُّ الله إبراهيم عليه السَّلام:
عن سعيد بن المسيَّب، قال: (كان إبراهيم أوَّل النَّاس أضاف الضَّيف، وأوَّل النَّاس قصَّ شاربه وقلَّم أظفاره واستحدَّ، وأوَّل النَّاس اختتن، وأوَّل النَّاس رأى الشَّيب، فقال: يا رب، ما هذا؟ قال: الوَقَار، قال: رب! زدني وقارًا) .
(...سأله -عليه السَّلام- الزيادة منه؛ إذ قد علم أنَّ الوَقَار محمودٌ مأمورٌ به، من هدي الصَّالحين، ولعلَّه أراد أن يزيده من الشَّيب الذي هو الوَقَار) .

محمد رافع 52 25-06-2013 09:59 PM

نماذج من وقار الصَّحابة رضي الله عنهم

أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
قال عمر رضي الله عنه: (كان أبو بكر رضي الله عنه يوم السَّقيفة أحلم منِّي وأَوْقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلَّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها، حتى سكت... الحديث) .

محمد رافع 52 25-06-2013 10:02 PM

نماذج من وقار السَّلف والعلماء

مصعب بن الزُّبير:
قال عبيد الله بن قيس الــرُّقَيَّات في مصعب بن الزُّبير:


له خُلقٌ يُنزِّههُ كريمٌ***عن الفحشاء والفِعْل المعيبِ



وفيه سماحةٌ ووقار هديٍ***مع العلم المزين للأديبِ



وحيي من مُخَدَّرَةٍ حياءٍ***وأشجعُ من أسامةَ في الحروبِ



الشَّاطبي، مُصنِّف ((الشَّاطبية)):
قال ابن كثير: (كان ديِّنًا خاشعًا ناسكًا كثيرَ الوَقَار، لا يتكلَّم فيما لا يعنيه، وكان يتمثَّل كثيرًا بهذه الأبيات، وهي لغزٌ في النَّعش، وهي لغيره:


أتعرف شيئًا في السَّماء يطير***إذا سار هاج النَّاس حَيْثُ يَسِيرُ



فتلْقَاه مَرْكُوبًا وتلْقَاهُ رَاكِبًا***وكلُّ أمير يعتليه أسيرُ



يَحُثُّ على التَّقوى ويُكْرَه قُرْبه***وتَنْفِر منه الـنَّفْسُ وهو نَذِيرُ



ولم يَسْتَزِرْ عن رَغْبَةٍ في زيارةٍ***ولكن على رَغْم المزُور يَزُور)

محمد رافع 52 25-06-2013 10:06 PM

حكمٌ وأمثالٌ عن الوَقَار
- قال بعض البلغاء: (الزم الصَّمت؛ فإنَّه يُكسبك صفو المحبَّة، ويُؤمِّنك سوء المغبَّة، ويُلبسك ثوب الوَقَار، ويكفيك مئونة الاعتذار). وقال بعض الفُصَحاء: (اعقل لسانك إلَّا عن حقٍّ توضِّحه، أو باطلٍ تدحضه، أو حكمةٍ تنشرها، أو نعمةٍ تذكرها).
وقال الشَّاعر:


رأيت العزَّ في أدبٍ وعقلٍ***وفي الجهل المذلَّة والهوانُ



وما حُسْن الرِّجال لهم بحسنٍ***إذا لم يُسعِد الحُسنَ البيانُ



كفى بالمرء عيبًا أن تراه***له وجهٌ وليس له لسانُ



لذلك حَمَدت العرب آراء الشُّيوخ، حتى قال بعضهم: (المشايخ أشجار الوَقَار) .
- وقالوا: (إنَّ رداء الوَقَار والحِلْم، أَزْيَن ما تعطَّف به ذو العلم، فتحلَّم وتوقَّر وإن لم يكونا من جَدَائلك) .
- ويقال: (لا تُخلِّق نفسك بالحرص، فتُذهب عنك بهجة الوَقَار) .
- ويقال: (العجلة تسلب الوَقار) .
- و(يقال: مِن صفة النَّاسك الوَقَار، والاستتار بالقُنُوع، ورفض الشَّهوات للتخلِّي من الأحزان، وترك إخافة النَّاس؛ لئلَّا يخافهم) .
- وقيل: (الوَقَار في الـنُّزْهة سَخَفٌ) .
- ويقال: (كأنَّ على رؤوسهم الطَّير)، في الوَقَار .
- ويقال: (الشَّيب حلية العقل، وسِمَة الوَقَار) .
- وقال حكيم: (ليس التَّاج الذي يفتخر به علماء الملوك فضة ولا ذهبًا، لكنَّه الوَقَار المكلَّل بجواهر الحِلْم. وأحقُّ الملوك بالبسطة عند ظهور السَّقطة، من اتَّسعت قدرته) .
- وقالوا: (المشايخ أشجار الوَقَار، ومنابع الأخبار، لا يطيش لهم سهم، ولا يُسفَّه لهم فهمٌ، إن رأوك على قبيحٍ صدُّوك، وإن رأوك على جميل أمدُّوك) .
- وقيل: (إن جالست الملوك فالزم الصَّمت، واستعمل الوَقَار، واحفظ الأسرار) .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.