بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   علوم القرآن الكريم (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=39)
-   -   تفسير ميسر لسور القرآن الكريم (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=210656)

عاشقة الموج 23-10-2010 06:53 AM

{ 15 - 21 }

{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }

سبأ قبيلة معروفة في أداني اليمن, ومسكنهم بلدة يقال لها "مأرب" ومن نعم اللّه ولطفه بالناس عموما, وبالعرب خصوصا, أنه قص في القرآن أخبار المهلكين والمعاقبين, ممن كان يجاور العرب, ويشاهد آثاره, ويتناقل الناس أخباره, ليكون ذلك أدعى إلى التصديق, وأقرب للموعظة
فقال: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ } أي: محلهم الذي يسكنون فيه { آيَةٌ } والآية هنا: ما أدرَّ اللّه عليهم من النعم, وصرف عنهم من النقم, الذي يقتضي ذلك منهم, أن يعبدوا اللّه ويشكروه. ثم فسر الآية بقوله { جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ } وكان لهم واد عظيم, تأتيه سيول كثيرة, وكانوا بنوا سدا محكما, يكون مجمعا للماء، فكانت السيول تأتيه, فيجتمع هناك ماء عظيم, فيفرقونه على بساتينهم, التي عن يمين ذلك الوادي وشماله. وتُغِلُّ لهم تلك الجنتان العظيمتان, من الثمار ما يكفيهم, ويحصل لهم به الغبطة والسرور، فأمرهم اللّه بشكر نعمه التي أدرَّها عليهم من وجوه كثيرة، منها: هاتان الجنتان اللتان غالب أقواتهم منهما.

ومنها: أن اللّه جعل بلدهم, بلدة طيبة, لحسن هوائها, وقلة وخمها, وحصول الرزق الرغد فيها.

ومنها: أن اللّه تعالى وعدهم - إن شكروه - أن يغفر لهم وَيرحمهم, ولهذا قال:
{ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

ومنها: أن اللّه لما علم احتياجهم في تجارتهم ومكاسبهم إلى الأرض المباركة, - الظاهر أنها:
[قرى صنعاء قاله غير واحد من السلف, وقيل: إنها] الشام - هيأ لهم من الأسباب ما به يتيسر وصولهم إليها, بغاية السهولة, من الأمن, وعدم الخوف, وتواصل القرى بينهم وبينها, بحيث لا يكون عليهم مشقة, بحمل الزاد والمزاد.

ولهذا قال: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أي:
[سيرا] مقدرا يعرفونه, ويحكمون عليه, بحيث لا يتيهون عنه { لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } أي:
مطمئنين في السير, في تلك الليالي والأيام, غير خائفين. وهذا من تمام نعمة اللّه عليهم, أن أمنهم من الخوف.
فأعرضوا عن المنعم, وعن عبادته, وبطروا النعمة, وملوها، حتى إنهم طلبوا وتمنوا, أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى, التي كان السير فيها متيسرا.
{ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } بكفرهم باللّه وبنعمته, فعاقبهم اللّه تعالى بهذه النعمة, التي أطغتهم, فأبادها عليهم, فأرسل عليها سيل العرم.
أي: السيل المتوعر, الذي خرب سدهم, وأتلف جناتهم, وخرب بساتينهم، فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة, والأشجار المثمرة, وصار بدلها أشجار لا نفع فيها, ولهذا قال:
{ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ } أي: شيء قليل من الأكل الذي لا يقع منهم موقعا
{ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ } وهذا كله شجر معروف, وهذا من جنس عملهم.

فكما بدلوا الشكر الحسن, بالكفر القبيح, بدلوا تلك النعمة بما ذكر, ولهذا قال:
{ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ } أي: وهل نجازي جزاء العقوبة - بدليل السياق - إلا من كفر باللّه وبطر النعمة؟

فلما أصابهم ما أصابهم, تفرقوا وتمزقوا, بعدما كانوا مجتمعين, وجعلهم اللّه أحاديث يتحدث بهم, وأسمارا للناس, وكان يضرب بهم المثل فيقال: "تفرقوا أيدي سبأ" فكل أحد يتحدث بما جرى لهم، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم إلا من قال اللّه: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } صبار على المكاره والشدائد, يتحملها لوجه اللّه, ولا يتسخطها بل يصبر عليها. شكور لنعمة اللّه تعالى
يُقِرُّ بها, ويعترف, ويثني على من أولاها, ويصرفها في طاعته. فهذا إذا سمع بقصتهم, وما جرى منهم وعليهم, عرف بذلك أن تلك العقوبة, جزاء لكفرهم نعمة اللّه, وأن من فعل مثلهم, فُعِلَ
به كما فعل بهم، وأن شكر اللّه تعالى, حافظ للنعمة, دافع للنقمة، وأن رسل اللّه, صادقون فيما أخبروا به، وأن الجزاء حق, كما رأى أنموذجه في دار الدنيا.
ثم ذكر أن قوم سبأ من الذين صدَّق عليهم إبليس ظنه, حيث قال لربه:
{ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } وهذا ظن من إبليس, لا يقين, لأنه
لا يعلم الغيب, ولم يأته خبر من اللّه, أنه سيغويهم أجمعين, إلا من استثنى، فهؤلاء وأمثالهم,
ممن صدق عليه إبليس ظنه, ودعاهم وأغواهم، { فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ممن لم يكفر
بنعمة اللّه, فإنه لم يدخل تحت ظن إبليس.
ويحتمل أن قصة سبأ, انتهت عند قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

ثم ابتدأ فقال: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ } أي: على جنس الناس, فتكون الآية عامة في كل من اتبعه.
ثم قال تعالى: { وَمَا كَانَ لَهُ } أي: لإبليس { عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ } أي: تسلط وقهر, وقسر على ما يريده منهم, ولكن حكمة اللّه تعالى اقتضت تسليطه وتسويله لبني آدم.

{ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } أي: ليقوم سوق الامتحان, ويعلم به الصادق
من الكاذب, ويعرف من كان إيمانه صحيحا, يثبت عند الامتحان والاختبار, وإلقاء الشبه
الشيطانية, ممن إيمانه غير ثابت, يتزلزل بأدنى شبهة, ويزول بأقل داع يدعوه إلى ضده،
فاللّه تعالى جعله امتحانا, يمتحن به عباده, ويظهر الخبيث من الطيب.
{ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } يحفظ العباد, ويحفظ عليهم أعمالهم, ويحفظ تعالى جزاءها, فيوفيهم إياها, كاملة موفرة.


عاشقة الموج 23-10-2010 07:05 AM

{ 15 - 21 }

{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }

سبأ قبيلة معروفة في أداني اليمن, ومسكنهم بلدة يقال لها "مأرب" ومن نعم اللّه ولطفه بالناس عموما, وبالعرب خصوصا, أنه قص في القرآن أخبار المهلكين والمعاقبين, ممن كان يجاور العرب, ويشاهد آثاره, ويتناقل الناس أخباره, ليكون ذلك أدعى إلى التصديق, وأقرب للموعظة
فقال: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ } أي: محلهم الذي يسكنون فيه { آيَةٌ } والآية هنا: ما أدرَّ اللّه عليهم من النعم, وصرف عنهم من النقم, الذي يقتضي ذلك منهم, أن يعبدوا اللّه ويشكروه. ثم فسر الآية بقوله { جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ } وكان لهم واد عظيم, تأتيه سيول كثيرة, وكانوا بنوا سدا محكما, يكون مجمعا للماء، فكانت السيول تأتيه, فيجتمع هناك ماء عظيم, فيفرقونه على بساتينهم, التي عن يمين ذلك الوادي وشماله. وتُغِلُّ لهم تلك الجنتان العظيمتان, من الثمار ما يكفيهم, ويحصل لهم به الغبطة والسرور، فأمرهم اللّه بشكر نعمه التي أدرَّها عليهم من وجوه كثيرة، منها: هاتان الجنتان اللتان غالب أقواتهم منهما.

ومنها: أن اللّه جعل بلدهم, بلدة طيبة, لحسن هوائها, وقلة وخمها, وحصول الرزق الرغد فيها.

ومنها: أن اللّه تعالى وعدهم - إن شكروه - أن يغفر لهم وَيرحمهم, ولهذا قال:
{ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

ومنها: أن اللّه لما علم احتياجهم في تجارتهم ومكاسبهم إلى الأرض المباركة, - الظاهر أنها:
[قرى صنعاء قاله غير واحد من السلف, وقيل: إنها] الشام - هيأ لهم من الأسباب ما به يتيسر وصولهم إليها, بغاية السهولة, من الأمن, وعدم الخوف, وتواصل القرى بينهم وبينها, بحيث لا يكون عليهم مشقة, بحمل الزاد والمزاد.

ولهذا قال: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أي:
[سيرا] مقدرا يعرفونه, ويحكمون عليه, بحيث لا يتيهون عنه { لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } أي:
مطمئنين في السير, في تلك الليالي والأيام, غير خائفين. وهذا من تمام نعمة اللّه عليهم, أن أمنهم من الخوف.
فأعرضوا عن المنعم, وعن عبادته, وبطروا النعمة, وملوها، حتى إنهم طلبوا وتمنوا, أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى, التي كان السير فيها متيسرا.
{ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } بكفرهم باللّه وبنعمته, فعاقبهم اللّه تعالى بهذه النعمة, التي أطغتهم, فأبادها عليهم, فأرسل عليها سيل العرم.
أي: السيل المتوعر, الذي خرب سدهم, وأتلف جناتهم, وخرب بساتينهم، فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة, والأشجار المثمرة, وصار بدلها أشجار لا نفع فيها, ولهذا قال:
{ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ } أي: شيء قليل من الأكل الذي لا يقع منهم موقعا
{ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ } وهذا كله شجر معروف, وهذا من جنس عملهم.

فكما بدلوا الشكر الحسن, بالكفر القبيح, بدلوا تلك النعمة بما ذكر, ولهذا قال:
{ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ } أي: وهل نجازي جزاء العقوبة - بدليل السياق - إلا من كفر باللّه وبطر النعمة؟

فلما أصابهم ما أصابهم, تفرقوا وتمزقوا, بعدما كانوا مجتمعين, وجعلهم اللّه أحاديث يتحدث بهم, وأسمارا للناس, وكان يضرب بهم المثل فيقال: "تفرقوا أيدي سبأ" فكل أحد يتحدث بما جرى لهم، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم إلا من قال اللّه: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } صبار على المكاره والشدائد, يتحملها لوجه اللّه, ولا يتسخطها بل يصبر عليها. شكور لنعمة اللّه تعالى
يُقِرُّ بها, ويعترف, ويثني على من أولاها, ويصرفها في طاعته. فهذا إذا سمع بقصتهم, وما جرى منهم وعليهم, عرف بذلك أن تلك العقوبة, جزاء لكفرهم نعمة اللّه, وأن من فعل مثلهم, فُعِلَ
به كما فعل بهم، وأن شكر اللّه تعالى, حافظ للنعمة, دافع للنقمة، وأن رسل اللّه, صادقون فيما أخبروا به، وأن الجزاء حق, كما رأى أنموذجه في دار الدنيا.
ثم ذكر أن قوم سبأ من الذين صدَّق عليهم إبليس ظنه, حيث قال لربه:
{ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } وهذا ظن من إبليس, لا يقين, لأنه
لا يعلم الغيب, ولم يأته خبر من اللّه, أنه سيغويهم أجمعين, إلا من استثنى، فهؤلاء وأمثالهم,
ممن صدق عليه إبليس ظنه, ودعاهم وأغواهم، { فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ممن لم يكفر
بنعمة اللّه, فإنه لم يدخل تحت ظن إبليس.
ويحتمل أن قصة سبأ, انتهت عند قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

ثم ابتدأ فقال: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ } أي: على جنس الناس, فتكون الآية عامة في كل من اتبعه.
ثم قال تعالى: { وَمَا كَانَ لَهُ } أي: لإبليس { عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ } أي: تسلط وقهر, وقسر على ما يريده منهم, ولكن حكمة اللّه تعالى اقتضت تسليطه وتسويله لبني آدم.

{ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } أي: ليقوم سوق الامتحان, ويعلم به الصادق
من الكاذب, ويعرف من كان إيمانه صحيحا, يثبت عند الامتحان والاختبار, وإلقاء الشبه
الشيطانية, ممن إيمانه غير ثابت, يتزلزل بأدنى شبهة, ويزول بأقل داع يدعوه إلى ضده،
فاللّه تعالى جعله امتحانا, يمتحن به عباده, ويظهر الخبيث من الطيب.
{ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } يحفظ العباد, ويحفظ عليهم أعمالهم, ويحفظ تعالى جزاءها, فيوفيهم إياها, كاملة موفرة.


عاشقة الموج 23-10-2010 07:36 AM

{ 22 - 23 }

{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }

أي: { قُلْ } يا أيها الرسول, للمشركين باللّه غيره من المخلوقات, التي لا تنفع ولا تضر,
ملزما لهم بعجزها, ومبينا لهم بطلان عبادتها: { ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ } أي:
زعمتموهم شركاء للّه, إن كان دعاؤكم ينفع، فإنهم قد توفرت فيهم أسباب العجز, وعدم إجابة
الدعاء من كل وجه، فإنهم ليس لهم أدنى ملك فـ
{ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ } على وجه الاستقلال, ولا على وجه الاشتراك, ولهذا قال: { وَمَا لَهُمْ } أي: لتلك الآلهة الذين زعمتم { فِيهِمَا } أي: في السماوات والأرض، { مِنْ شِرْكٍ } أي: لا شرك قليل ولا كثير, فليس لهم ملك, ولا شركة ملك.

بقي أن يقال: ومع ذلك, فقد يكونون أعوانا للمالك, ووزراء له, فدعاؤهم يكون نافعا, لأنهم
- بسبب حاجة الملك إليهم - يقضون حوائج من تعلق بهم، فنفى تعالى هذه المرتبة فقال: { وَمَا لَهُ } أي: للّه تعالى الواحد القهار { مِنْهُمْ } أي: من هؤلاء المعبودين { مِنْ ظَهِيرٍ } أي: معاون ووزير يساعده على الملك والتدبير.
فلم يبق إلا الشفاعة, فنفاها بقوله: { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } فهذه أنواع التعلقات, التي يتعلق بها المشركون بأندادهم, وأوثانهم, من البشر, والشجر, وغيرهم, قطعها اللّه وبيَّن بطلانها, تبيينا حاسما لمواد الشرك, قاطعا لأصوله، لأن المشرك إنما يدعو ويعبد غير اللّه, لما يرجو منه من النفع, فهذا الرجاء, هو الذي أوجب له الشرك، فإذا كان من يدعوه [غير اللّه], لا مالكا للنفع والضر, ولا شريكا للمالك, ولا عونا وظهيرا للمالك, ولا يقدر أن يشفع بدون إذن المالك, كان هذا الدعاء, وهذه العبادة, ضلالا في العقل, باطلة في الشرع.
بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده, فإنه يريد منها النفع، فبيَّن اللّه بطلانه وعدمه, وبيَّن في آيات أخر, ضرره على عابديه وأنه يوم القيامة, يكفر بعضهم ببعض, ويلعن بعضهم بعضا, ومأواهم النار { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }

والعجب, أن المشرك استكبر عن الانقياد للرسل, بزعمه أنهم بشر, ورضي أن يعبد ويدعو
الشجر, والحجر, استكبر عن الإخلاص للملك الرحمن الديان, ورضي بعبادة من ضره أقرب
من نفعه, طاعة لأعدى عدو له وهو الشيطان.

وقوله: { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } يحتمل أن الضمير في هذا الموضع, يعود إلى المشركين, لأنهم مذكورون في اللفظ، والقاعدة في الضمائر,
أن تعود إلى أقرب مذكور، ويكون المعنى: إذا كان يوم القيامة, وفزع عن قلوب المشركين, أي: زال الفزع, وسئلوا حين رجعت إليهم عقولهم, عن حالهم في الدنيا, وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل, أنهم يقرون, أن ما هم عليه من الكفر والشرك, باطل, وأن ما قال اللّه, وأخبرت به عنه رسله, هو الحق فبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وعلموا أن الحق للّه, واعترفوا بذنوبهم.
{ وَهُوَ الْعَلِيُّ } بذاته, فوق جميع مخلوقاته وقهره لهم, وعلو قدره, بما له من الصفات العظيمة, جليلة المقدار { الْكَبِيرُ } في ذاته وصفاته.
ومن علوه, أن حكمه تعالى, يعلو, وتذعن له النفوس, حتى نفوس المتكبرين والمشركين.
وهذا المعنى أظهر, وهو الذي يدل عليه السياق، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الملائكة, وذلك أن اللّه تعالى إذا تكلم بالوحي, سمعته الملائكة, فصعقوا, وخروا للّه سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل, فيكلمه اللّه من وحيه بما أراد، وإذا زال الصعق عن قلوب الملائكة, وزال الفزع, فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك الكلام الذي صعقوا منه: ماذا قال ربكم؟ فيقول بعضهم لبعض: قال الحق, إما إجمالا, لعلمهم أنه لا يقول إلا حقا، وإما أن يقولوا: قال كذا وكذا, للكلام الذي سمعوه منه, وذلك من الحق.
فيكون المعنى على هذا: أن المشركين الذين عبدوا مع اللّه تلك الآلهة, التي وصفنا لكم عجزها ونقصها, وعدم نفعها بوجه من الوجوه, كيف صدفوا وصرفوا عن إخلاص العبادة للرب العظيم, العلي الكبير, الذي - من عظمته وجلاله - أن الملائكة الكرام, والمقربين من الخلق, يبلغ بهم الخضوع والصعق, عند سماع كلامه هذا المبلغ, ويقرون كلهم للّه, أنه لا يقول إلا الحق.
فما بال هؤلاء المشركين, استكبروا عن عبادة من هذا شأنه, وعظمة ملكه وسلطانه. فتعالى العلي الكبير, عن شرك المشركين, وإفكهم, وكذبهم.

عاشقة الموج 23-10-2010 07:42 AM


{ 24 - 27 }
{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *
قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
يأمر تعالى, نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم, أن يقول لمن أشرك باللّه ويسأله عن حجة شركه: { مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فإنهم لا بد أن يقروا أنه اللّه، ولئن لم يقروا فـ { قُلِ اللَّهُ } فإنك لا تجد من يدفع هذا القول، فإذا تبين أن اللّه وحده الذي يرزقكم من السماوات والأرض, وينزل [ لكم ] المطر, وينبت لكم النبات, ويفجر لكم الأنهار, ويطلع لكم من ثمار الأشجار, وجعل لكم الحيوانات جميعها, لنفعكم ورزقكم, فلم تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا, ولا يفيدكم نفعا؟.
وقوله: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي: إحدى الطائفتين منا ومنكم, على الهدى, مستعلية عليه, أو في ضلال مبين، منغمرة فيه، وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق, واتضح له الصواب, وجزم بالحق الذي هو عليه, وبطلان ما عليه خصمه.
أي: قد شرحنا من الأدلة الواضحة عندنا وعندكم, ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه,
من المحق منا, ومن المبطل, ومن المهتدي ومن الضال؟ حتى إنه يصير التعيين بعد ذلك,
لا فائدة فيه، فإنك إذا وازنت بين من يدعو إلى عبادة الخالق, لسائر المخلوقات المتصرف فيها, بجميع أنواع التصرفات, المسدي جميع النعم, الذي رزقهم وأوصل إليهم كل نعمة, ودفع عنهم كل نقمة, الذي له الحمد كله, والملك كله, وكل أحد من الملائكة فما دونهم, خاضعون لهيبته, متذللون لعظمته, وكل الشفعاء تخافه, لا يشفع أحد منهم عنده إلا بإذنه العلي الكبير, في ذاته, وأوصافه, وأفعاله, الذي له كل كمال, وكل جلال, وكل جمال, وكل حمد وثناء ومجد، يدعو إلى التقرب لمن هذا شأنه, وإخلاص العمل له, وينهى عن عبادة من سواه, وبين من يتقرب إلى أوثان, وأصنام, وقبور, لا تخلق, ولا ترزق, ولا تملك لأنفسها, ولا لمن عبدها, نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة, ولا نشورا، بل هي جمادات, لا تعقل, ولا تسمع دعاء عابديها, ولو سمعته ما استجابت لهم، ويوم القيامة يكفرون بشركهم, ويتبرأون منهم, ويتلاعنون بينهم، ليس لهم قسط من الملك, ولا شركة فيه, ولا إعانة فيه، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون اللّه، فهو يدعو مَنْ هذا وصفه, ويتقرب إليه مهما أمكنه, ويعادي من أخلص الدين للّه, ويحاربه, ويكذب رسل اللّه, الذين جاءوا بالإخلاص للّه وحده، تبين لك أي الفريقين, المهتدي من الضال, والشقي من السعيد؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك, لأن وصف الحال, أوضح من لسان المقال.

{ قُلْ } لهم [ { لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي: كل منا ومنكم, له عمله أنتم]
{ لا تسألون } عن إجرامنا وذنوبنا لو أذنبنا, ونحن لا نسأل عن أعمالكم، فليكن المقصود منا ومنكم طلب الحقائق وسلوك طريق الإنصاف، ودعوا ما كنا نعمل, ولا يكن مانعا لكم من اتباع الحق، فإن أحكام الدنيا تجري على الظواهر, ويتبع فيها الحق, ويجتنب الباطل، وأما الأعمال فلها دار أخرى, يحكم فيها أحكم الحاكمين, ويفصل بين المختصمين, أعدل العادلين.
ولهذا قال: { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا } أي: يحكم بيننا حكما, يتبين به الصادق من الكاذب, والمستحق للثواب, من المستحق للعقاب، وهو خير الفاتحين.
{ قُلْ } لهم يا أيها الرسول, ومن ناب منابك: { أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ } أي: أين هم؟
وأين السبيل إلى معرفتهم؟ وهل هم في الأرض, أم في السماء؟ فإن عالم الغيب والشهادة قد أخبرنا أنه ليس في الوجود له شريك.

{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ
اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ }
الآية { وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ }

وكذلك خواص خلقه من الأنبياء والمرسلين, لا يعلمون له شريكا، فيا أيها المشركون أروني الذين ألحقتم بزعمكم الباطل باللّه { شُرَكَاءُ }

وهذا السؤال لا يمكنهم الإجابة عنه, ولهذا قال: { كَلَّا } أي: ليس للّه شريك, ولا ند, ولا ضد. { بَلْ هُوَ اللَّهُ } الذي لا يستحق التأله والتعبد, إلا هو { الْعَزِيزُ } الذي قهر كل شيء فكل ما سواه, فهو مقهور مسخر مدبر. { الْحَكِيمُ } الذي أتقن ما خلقه, وأحسن ما شرعه، ولو لم يكن في حكمته في شرعه إلا أنه أمر بتوحيده, وإخلاص الدين له, وأحب ذلك, وجعله طريقا للنجاة, ونهى عن الشرك به, واتخاذ الأنداد من دونه, وجعل ذلك طريقا للشقاء والهلاك, لكفى بذلك برهانا على كمال حكمته، فكيف وجميع ما أمر به ونهى عنه, مشتمل على الحكمة؟"

عاشقة الموج 23-10-2010 07:47 AM

{ 28 - 30 }

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ }

يخبر تعالى أنه ما أرسل رسوله صلى اللّه عليه وسلم, إلا ليبشر جميع الناس بثواب اللّه, ويخبرهم بالأعمال الموجبة لذلك، وينذرهم عقاب اللّه, ويخبرهم بالأعمال الموجبة له, فليس لك من الأمر شيء، وكل ما اقترح عليك أهل التكذيب والعناد, فليس من وظيفتك, إنما ذلك بيد اللّه تعالى، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } أي: ليس لهم علم صحيح, بل إما جهال, أو معاندون لم يعملوا بعلمهم, فكأنهم لا علم لهم. ومن عدم علمهم, جعلهم عدم الإجابة لما اقترحوه على الرسول, مجبا لرد دعوته.

فمما اقترحوه, استعجالهم العذاب, الذي أنذرهم به فقال:
{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وهذا ظلم منهم. فأي ملازمة بين صدقه, وبين الإخبار بوقت وقوعه؟ وهل هذا إلا رد للحق, وسفه في العقل؟ أليس النذير [ في أمر] في أحوال الدنيا, لو جاء قوما, يعلمون صدقه ونصحه, ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم ويُعِدُّ لهم
فقال لهم: تركت عدوكم قد سار, يريد اجتياحكم واستئصالكم. فلو قال بعضهم: إن كنت صادقا, فأخبرنا بأية ساعة يصل إلينا, وأين مكانه الآن ؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا, أم يحكم بسفهه وجنونه؟
هذا, والمخبر يمكن صدقه وكذبه, والعدو قد يبدو له غيرهم, وقد تنحل عزيمته، وهم قد يكون بهم منعة يدافعون بها عن أنفسهم، فكيف بمن كذب أصدق الخلق, المعصوم في خبره, الذي لا ينطق عن الهوى, بالعذاب اليقين, الذي لا مدفع له, ولا ناصر منه ؟! أليس رد خبره بحجة عدم بيانه وقت وقوعه من أسفه السفه ؟"
{ قُلْ } لهم - مخبرا بوقت وقوعه الذي لا شك فيه -:
{ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ } فاحذروا ذلك اليوم, وأعدوا له عدته.

عاشقة الموج 23-10-2010 07:51 AM

{ 31 - 33 }

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

لما ذكر تعالى أن ميعاد المستعجلين بالعذاب, لا بد من وقوعه عند حلول أجله، ذكر هنا حالهم في ذلك اليوم, وأنك لو رأيت حالهم إذا وقفوا عند ربهم, واجتمع الرؤساء والأتباع في الكفر والضلال, لرأيت أمرا عظيما وهولا جسيما، ورأيت كيف يتراجع, ويرجع بعضهم إلى بعض القول، فـ { يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } وهم الأتباع { لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } وهم القادة:
{ لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } ولكنكم حُلْتُم بيننا وبين الإيمان, وزينتم لنا الكفر[ ان], فتبعناكم على ذلك، ومقصودهم بذلك أن يكون العذاب على الرؤساء دونهم.
{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } مستفهمين لهم ومخبرين أن الجميع مشتركون في الجرم: { أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ } أي: بقوتنا وقهرنا لكم. { بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ } أي: مختارين للإجرام, لستم مقهورين عليه, وإن كنا قد زينا لكم, فما كان لنا عليكم من سلطان.

{ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا }

أي: بل الذي دهانا منكم, ووصل إلينا من إضلالكم, ما دبرتموه من المكر, في الليل والنهار, إذ تُحَسِّنون لنا الكفر, وتدعوننا إليه, وتقولون: إنه الحق, وتقدحون في الحق وتهجنونه, وتزعمون أنه الباطل، فما زال مكركم بنا, وكيدكم إيانا, حتى أغويتمونا وفتنتمونا.
فلم تفد تلك المراجعة بينهم شيئا إلا تبري بعضهم من بعض, والندامة العظيمة, ولهذا قال: { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } أي: زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض لينجو من العذاب, وعلم أنه ظالم مستحق له، فندم كل منهم غاية الندم, وتمنى أن لو كان على الحق, [ وأنه] ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب, سرا في أنفسهم, لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم. وفي بعض مواقف القيامة, وعند دخولهم النار, يظهرون ذلك الندم جهرا.

{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } الآيات.

{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ }
{ وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } الآيات.
{ هَلْ يُجْزَوْنَ } في هذا العذاب والنكال, وتلك الأغلال الثقال { إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } من الكفر والفسوق والعصيان.


عاشقة الموج 23-10-2010 07:53 AM

{ 34 - 39 }

{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ * وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }

يخبر تعالى عن حالة الأمم الماضية المكذبة للرسل, أنها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد صلى اللّه عليه وسلم, وأن اللّه إذا أرسل رسولا في قرية من القرى, كفر به مترفوها, وأبطرتهم نعمتهم وفخروا بها.
{ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا } أي: ممن اتبع الحق { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } أي: أولا, لسنا بمبعوثين, فإن بعثنا, فالذي أعطانا الأموال والأولاد في الدنيا, سيعطينا أكثر من ذلك في الآخرة ولا يعذبنا.
فأجابهم اللّه تعالى, بأن بسط الرزق وتضييقه, ليس دليلا على ما زعمتم، فإن الرزق تحت مشيئة اللّه, إن شاء بسطه لعبده, وإن شاء ضيقه.
وليست الأموال والأولاد بالتي تقرب إلى الله زلفى وتدني إليه، وإنما الذي يقرب منه زلفى, الإيمان بما جاء به المرسلون, والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان, فأولئك لهم الجزاء عند اللّه تعالى مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها, إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, لا يعلمها إلا اللّه، { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي: في المنازل العاليات المرتفعات جدا, ساكنين فيها مطمئنين, آمنون من المكدرات والمنغصات, لما هم فيه من اللذات, وأنواع المشتهيات, وآمنون من الخروج منها والحزن فيها.
وأما الذين سعوا في آياتنا على وجه التعجيز لنا ولرسلنا والتكذيب فـ
{ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ }

ثم أعاد تعالى أنه { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } ليرتب عليه قوله:
{ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } نفقة واجبة, أو مستحبة, على قريب, أو جار, أو مسكين, أو يتيم, أو غير ذلك، { فَهُوَ } تعالى { يُخْلِفُهُ } فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق, بل وعد بالخلف للمنفق, الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر { وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } فاطلبوا الرزق منه, واسعوا في الأسباب التي أمركم بها.

عاشقة الموج 23-10-2010 07:56 AM

{ 40 - 42 }

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ }

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا } أي: العابدين لغير اللّه والمعبودين من دونه, من الملائكة. { ثُمَّ يَقُولُ } الله { لِلْمَلَائِكَةِ } على وجه التوبيخ لمن عبدهم { أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } فتبرأوا من عبادتهم.
و { قَالُوا سُبْحَانَكَ } أي: تنزيها لك وتقديسا, أن يكون لك شريك, أو ند
{ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ } فنحن مفتقرون إلى ولايتك, مضطرون إليها, فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا؟ أم كيف نصلح لأن نتخذ من دونك أولياء وشركاء؟"
ولكن هؤلاء المشركون { كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ } أي: الشياطين, يأمرون بعبادتنا أو عبادة غيرنا, فيطيعونهم بذلك. وطاعتهم هي عبادتهم, لأن العبادة الطاعة, كما قال تعالى مخاطبا لكل من اتخذ معه آلهة

{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }
{ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } أي: مصدقون للجن, منقادون لهم, لأن الإيمان هو: التصديق الموجب للانقياد.
فلما تبرأوا منهم, قال تعالى [مخاطبا] لهم: { فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا } تقطعت بينكم الأسباب, وانقطع بعضكم من بعض. { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا } بالكفر والمعاصي - بعد ما ندخلهم النار - { ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } فاليوم عاينتموها, ودخلتموها, جزاء لتكذيبكم, وعقوبة لما أحدثه ذلك التكذيب, من عدم الهرب من أسبابها.


عاشقة الموج 23-10-2010 07:59 AM

{ 43 - 45 }

{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

يخبر تعالى عن حالة المشركين, عندما تتلى عليهم آيات اللّه البينات, وحججه الظاهرات, وبراهينه القاطعات, الدالة على كل خير, الناهية عن كل شر, التي هي أعظم نعمة جاءتهم, ومِنَّةٍ وصلت إليهم, الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق, والانقياد, والتسليم, أنهم يقابلونها بضد ما ينبغي, ويكذبون من جاءهم بها ويقولون:
{ مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ } أي: هذا قصده, حين يأمركم بالإخلاص للّه, لتتركوا عوائد آبائكم, الذين تعظمون وتمشون خلفهم، فردوا الحق, بقول الضالين, ولم يوردوا برهانا, ولا شبهة.
فأي شبهة إذا أمرت الرسل بعض الضالين, باتباع الحق, فادَّعوا أن إخوانهم, الذين على طريقتهم, لم يزالوا عليه؟ وهذه السفاهة, ورد الحق, بأقوال الضالين, إذا تأملت كل حق رد, فإذا هذا مآله لا يرد إلا بأقوال الضالين من المشركين, والدهريين, والفلاسفة, والصابئين, والملحدين في دين اللّه, المارقين, فهم أسوة كل من رد الحق إلى يوم القيامة.
ولما احتجوا بفعل آبائهم, وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل, طعنوا بعد هذا بالحق،
{ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى } أي: كذب افتراه هذا الرجل, الذي جاء به.
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } أي: سحر ظاهر بيِّن لكل أحد, تكذيبا بالحق, وترويجا على السفهاء.
ولما بيَّن ما ردوا به الحق, وأنها أقوال دون مرتبة الشبهة, فضلا أن تكون حجة, ذكر أنهم وإن أراد أحد أن يحتج لهم, فإنهم لا مستند لهم, ولا لهم شيء يعتمدون عليه أصلا, فقال:
{ وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } حتى تكون عمدة لهم { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ } حتى يكون عندهم من أقواله وأحواله, ما يدفعون به, ما جئتهم به، فليس عندهم علم, ولا أثارة من علم.
ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين [ قبلهم] فقال: { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا } أي: ما بلغ هؤلاء المخاطبون { مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } { فَكَذَّبُوا } أي: الأمم الذين من قبلهم
{ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي: إنكاري عليهم, وعقوبتي إياهم. قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال, وأن منهم من أغرقه, ومنهم من أهلكه بالريح العقيم, وبالصيحة, وبالرجفة, وبالخسف بالأرض, وبإرسال الحاصب من السماء، فاحذروا يا هؤلاء المكذبون, أن تدوموا على التكذيب, فيأخذكم كما أخذ من قبلكم, ويصيبكم ما أصابهم.


عاشقة الموج 23-10-2010 08:04 AM

{ 46 - 50 }

{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ }

أي { قُلْ } يا أيها الرسول, لهؤلاء المكذبين المعاندين, المتصدين لرد الحق وتكذيبه, والقدح بمن جاء به: { إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } أي: بخصلة واحدة, أشير عليكم بها, وأنصح لكم في سلوكها، وهي طريق نصف, لست أدعوكم بها إلى اتباع قولي, ولا إلى ترك قولكم, من دون موجب لذلك, وهي: { أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } أي: تنهضوا بهمة, ونشاط, وقصد لاتباع الصواب, وإخلاص للّه, مجتمعين, ومتباحثين في ذلك, ومتناظرين, وفرادى, كل واحد يخاطب نفسه بذلك.
فإذا قمتم للّه, مثنى وفرادى, استعملتم فكركم, وأجلتموه, وتدبرتم أحوال رسولكم، هل هو مجنون, فيه صفات المجانين من كلامه, وهيئته, وصفته؟ أم هو نبي صادق, منذر لكم ما يضركم, مما أمامكم من العذاب الشديد؟
فلو قبلوا هذه الموعظة, واستعملوها, لتبين لهم أكثر من غيرهم, أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم, ليس بمجنون, لأن هيئاته ليست كهيئات المجانين, في خنقهم, واختلاجهم, ونظرهم، بل هيئته أحسن الهيئات, وحركاته أجل الحركات, وهو أكمل الخلق, أدبا, وسكينة, وتواضعا, ووقارا, لا يكون [إلا] لأرزن الرجال عقلا.

ثم [إذا] تأملوا كلامه الفصيح, ولفظه المليح, وكلماته التي تملأ القلوب, أمنا, وإيمانا, وتزكى النفوس, وتطهر القلوب, وتبعث على مكارم الأخلاق, وتحث على محاسن الشيم, وترهب عن مساوئ الأخلاق ورذائلها، إذا تكلم رمقته العيون, هيبة وإجلالا وتعظيما.
فهل هذا يشبه هذيان المجانين, وعربدتهم, وكلامهم الذي يشبه أحوالهم؟"
فكل من تدبر أحواله ومقصده استعلام هل هو رسول اللّه أم لا؟ سواء تفكر وحده, أو مع غيره, جزم بأنه رسول اللّه حقا, ونبيه صدقا, خصوصا المخاطبين, الذي هو صاحبهم يعرفون أول أمره وآخره.
وثَمَّ مانع للنفوس آخر عن اتباع الداعي إلى الحق, وهو أنه يأخذ أموال من يستجيب له, ويأخذ أجرة على دعوته. فبين اللّه تعالى نزاهة رسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر فقال: { قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ } أي: على اتباعكم للحق { فَهُوَ لَكُمْ } أي: فأشهدكم أن ذلك الأجر - على التقدير - أنه لكم، { إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي: محيط علمه بما أدعو إليه، فلو كنت كاذبا, لأخذني بعقوبته، وشهيد أيضا على أعمالكم, سيحفظها عليكم, ثم يجازيكم بها.
ولما بين البراهين الدالة على صحة الحق, وبطلان الباطل, أخبر تعالى أن هذه سنته وعادته أن { يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } لأنه بين من الحق في هذا الموضع, ورد به أقوال المكذبين, ما كان عبرة للمعتبرين, وآية للمتأملين.
فإنك كما ترى, كيف اضمحلت أقوال المكذبين, وتبين كذبهم وعنادهم, وظهر الحق وسطع, وبطل الباطل وانقمع، وذلك بسبب بيان { عَلَّامُ الْغُيُوبِ } الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب, من الوساوس والشبه, ويعلم ما يقابل ذلك, ويدفعه من الحجج.
فيعلم بها عباده, ويبينها لهم, ولهذا قال: { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ } أي: ظهر وبان, وصار بمنزلة الشمس, وظهر سلطانه، { وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } أي: اضمحل وبطل أمره, وذهب سلطانه, فلا يبدئ ولا يعيد.
ولما تبين الحق بما دعا إليه الرسول, وكان المكذبون له, يرمونه بالضلال, أخبرهم بالحق, ووضحه لهم, وبين لهم عجزهم عن مقاومته, وأخبرهم أن رميهم له بالضلال, ليس بضائر الحق شيئا, ولا دافع ما جاء به.
وأنه إن ضل - وحاشاه من ذلك, لكن على سبيل التنزل في المجادلة - فإنما يضل على نفسه, أي: ضلاله قاصر على نفسه, غير متعد إلى غيره.
{ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ } فليس ذلك من نفسي, وحولي, وقوتي, وإنما هدايتي بما { يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } فهو مادة هدايتي, كما هو مادة هداية غيري. إن ربي { سَمِيعٌ } للأقوال والأصوات كلها { قَرِيبٌ } ممن دعاه وسأله وعبده.


عاشقة الموج 23-10-2010 08:07 AM

{ 51 - 54 }

{ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ }

يقول تعالى { وَلَوْ تَرَى } أيها الرسول, ومن قام مقامك, حال هؤلاء المكذبين، { إِذْ فَزِعُوا } حين رأوا العذاب, وما أخبرتهم به الرسل, وما كذبوا به, لرأيت أمرا هائلا, ومنظرا مفظعا, وحالة منكرة, وشدة شديدة, وذلك حين يحق عليهم العذاب.
فليس لهم عنه مهرب ولا فوت { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } أي: ليس بعيدا عن محل العذاب, بل يؤخذون, ثم يقذفون في النار.
{ وَقَالُوا } في تلك الحال: { آمَنَّا } بالله وصدقنا ما به كذبنا { و } لكن { أَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } أي: تناول الإيمان { مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } قد حيل بينهم وبينه, وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان, لكان إيمانهم مقبولا، ولكنهم { كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ } أي: يرمون { بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } بقذفهم الباطل, ليدحضوا به الحق، ولكن لا سبيل إلى ذلك, كما لا سبيل للرامي, من مكان بعيد إلى إصابة الغرض، فكذلك الباطل, من المحال أن يغلب الحق أو يدفعه, وإنما يكون له صولة, وقت غفلة الحق عنه, فإذا برز الحق, وقاوم الباطل, قمعه.
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من الشهوات واللذات, والأولاد, والأموال, والخدم, والجنود، قد انفردوا بأعمالهم, وجاءوا فرادى, كما خلقوا, وتركوا ما خولوا, وراء ظهورهم،
{ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ } من الأمم السابقين, حين جاءهم الهلاك, حيل بينهم وبين ما يشتهون، { إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ } أي: محدث الريبة وقلق القلب فلذلك, لم يؤمنوا, ولم يعتبوا حين استعتبوا.


تم تفسير سورة سبأ - وللّه الحمد والمنة, والفضل, ومنه العون, وعليه التوكل, وبه الثقة.

عاشقة الموج 23-10-2010 08:10 AM

لله الحمد والمنة والثناء الحسن


تم

الانتهاء من تفسير سورة سبأ

و نتابع بإذن المولى أسباب


نزول سورة فاطر
فما كان من التوفيق فمن الله و رسوله



و إن كان خطأ فمن النفس و الشيطان

هذا رابط للاستماع لمختلف القراءات لمختلف مشايخ المسلمين



عاشقة الموج 23-10-2010 08:20 AM


35- تفسيرسورةفاطر عدد آياتها 45
وهي مكية



{ 1 - 2 }

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

يمدح الله تعالى نفسه الكريمة المقدسة، على خلقه السماوات والأرض، وما اشتملتا عليه من المخلوقات، لأن ذلك دليل على كمال قدرته، وسعة ملكه، وعموم رحمته، وبديع حكمته، وإحاطة علمه.

ولما ذكر الخلق، ذكر بعده ما يتضمن الأمر، وهو: أنه { جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا } في تدبير أوامره القدرية، ووسائط بينه وبين خلقه، في تبليغ أوامره الدينية.
وفي ذكره أنه جعل الملائكة رسلا، ولم يستثن منهم أحدا، دليل على كمال طاعتهم لربهم وانقيادهم لأمره، كما قال تعالى:
{ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

ولما كانت الملائكة مدبرات بإذن اللّه، ما جعلهم اللّه موكلين فيه، ذكر قوتهم على ذلك وسرعة سيرهم، بأن جعلهم { أُولِي أَجْنِحَةٍ } تطير بها، فتسرع بتنفيذ ما أمرت به. { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } أي: منهم من له جناحان وثلاثة وأربعة، بحسب ما اقتضته حكمته.
{ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } أي: يزيد بعض مخلوقاته على بعض، في صفة خلقها، وفي القوة، وفي الحسن، وفي زيادة الأعضاء المعهودة، وفي حسن الأصوات، ولذة النغمات.

{ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقدرته تعالى تأتي على ما يشاؤه، ولا يستعصي عليها شيء، ومن ذلك، زيادة مخلوقاته بعضها على بعض.

ثم ذكر انفراده تعالى بالتدبير والعطاء والمنع فقال:
{ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ } من رحمته عنهم
{ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } فهذا يوجب التعلق باللّه تعالى، والافتقار إليه من جميع الوجوه، وأن لا يدعى إلا هو، ولا يخاف ويرجى، إلا هو. { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي قهر الأشياء كلها { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها.

{ 3 - 4 }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ }

يأمر تعالى، جميع الناس أن يذكروا نعمته عليهم، وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح انقيادا، فإن ذكر نعمه تعالى داع لشكره، ثم نبههم على أصول النعم، وهي الخلق والرزق، فقال:
{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }

ولما كان من المعلوم أنه ليس أحد يخلق ويرزق إلا اللّه، نتج من ذلك، أن كان ذلك دليلا على ألوهيته وعبوديته، ولهذا قال: { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي: تصرفون عن عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق.
{ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ } يا أيها الرسول، فلك أسوة بمن قبلك من المرسلين،
{ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } فأهلك المكذبون، ونجى اللّه الرسل وأتباعهم.
{ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ }




عاشقة الموج 23-10-2010 08:23 AM

{ 5 - 7 }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }

يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ } بالبعث والجزاء على الأعمال، { حَقٌّ } أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، قد دلت على ذلك الأدلة السمعية والبراهين العقلية، فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له، وبادروا أوقاتكم الشريفة بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع، { فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، فتلهيكم عما خلقتم له، { وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } الذي هو { الشَّيْطَانُ } الذي هو عدوكم في الحقيقة { فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } أي: لتكن منكم عداوته على بال، ولا تهملوا محاربته كل وقت، فإنه يراكم وأنتم لا ترونه، وهو دائما لكم بالمرصاد.
{ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } هذا غايته ومقصوده ممن تبعه، أن يهان غاية الإهانة بالعذاب الشديد.
ثم ذكر أن الناس انقسموا بحسب طاعة الشيطان وعدمها إلى قسمين، وذكر جزاء كل منهما، فقال: { الَّذِينَ كَفَرُوا } أي: جحدوا ما جاءت به الرسل، ودلت عليه الكتب
{ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } في نار جهنم، شديد في ذاته ووصفه، وأنهم خالدون فيها أبدا.
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم، بما دعا اللّه إلى الإيمان به { وَعَمِلُوا } بمقتضى ذلك الإيمان، بجوارحهم، الأعمال { الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } لذنوبهم، يزول بها عنهم الشر والمكروه { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } يحصل به المطلوب.

{ 8 }

{ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

يقول تعالى: { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ } عمله السيئ، القبيح، زينه له الشيطان، وحسنه في عينه.
{ فَرَآهُ حَسَنًا } أي: كمن هداه اللّه إلى الصراط المستقيم والدين القويم، فهل يستوي هذا وهذا؟

فالأول: عمل السيئ، ورأى الحق باطلا، والباطل حقا.

والثاني: عمل الحسن، ورأى الحق حقا، والباطل باطلا، ولكن الهداية والإضلال بيد اللّه تعالى،
{ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ } أي: على الضالين الذين زين لهم سوء أعمالهم، وصدهم الشيطان عن الحق { حَسَرَاتٍ } فليس عليك إلا البلاغ، وليس عليك من هداهم شيء، والله [هو] الذي يجازيهم بأعمالهم
. { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }


محمد رافع 52 24-10-2010 04:47 PM

http://www.alhikmeh.com/quran/imegs/0523a.jpg

تفسير سورة الطور
{1} وَالطُّورِ
سُورَة الطُّور [ مَكِّيَّة وَآيَاتهَا تِسْع وَأَرْبَعُونَ ]
"وَالطُّور" أَيْ الْجَبَل الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى
{3} فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ
"فِي رَقّ مَنْشُور" أَيْ التَّوْرَاة أَوْ الْقُرْآن
{4} وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ
"وَالْبَيْت الْمَعْمُور" هُوَ فِي السَّمَاء الثَّالِثَة أَوْ السَّادِسَة أَوْ السَّابِعَة بِحِيَالِ الْكَعْبَة يَزُورهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك بِالطَّوَافِ وَالصَّلَاة لَا يَعُودُونَ إلَيْهِ أَبَدًا
{5} وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ
"وَالسَّقْف الْمَرْفُوع" أَيْ السَّمَاء
{6} وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ
"وَالْبَحْر الْمَسْجُور" أَيْ الْمَمْلُوء
{7} إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ
"إنَّ عَذَاب رَبّك لَوَاقِع" لَنَازِل بِمُسْتَحِقِّهِ
{8} مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ "مَا لَهُ مِنْ دَافِع" عَنْهُ
{9} يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا
"يَوْم" مَعْمُول لَوَاقِع "تَمُور السَّمَاء مَوْرًا" تَتَحَرَّك وَتَدُور
{10} وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا
"وَتَسِير الْجِبَال سَيْرًا" تَصِير هَبَاء مَنْثُورًا وَذَلِكَ فِي يَوْم الْقِيَامَة
{11} فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
"فَوَيْل" شِدَّة عَذَاب "يَوْمئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" أَيْ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ
{12} الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ
"الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْض" بَاطِل "يَلْعَبُونَ" أَيْ يَتَشَاغَلُونَ بِكُفْرِهِمْ
{13} يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا
"يَوْم يُدَعُّونَ إلَى نَار جَهَنَّم دَعًّا" يُدْفَعُونَ بِعُنْفٍ بَدَل مِنْ يَوْم تَمُور وَيُقَال لَهُمْ تَبْكِيتًا : "هَذِهِ النَّار الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ"

محمد رافع 52 24-10-2010 04:50 PM

الطور

{15} أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ
"أَفَسِحْر هَذَا" الْعَذَاب الَّذِي تَرَوْنَ كَمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْوَحْي هَذَا سِحْر
{16} اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
"اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا" عَلَيْهَا "أَوْ لَا تَصْبِرُوا" صَبْركُمْ وَجَزَعكُمْ "سَوَاء عَلَيْكُمْ" لِأَنَّ صَبْركُمْ لَا يَنْفَعكُمْ "إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" أَيْ جَزَاءَهُ
{18} فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ
"فَاكِهِينَ" مُتَلَذِّذِينَ "بِمَا" مَصْدَرِيَّة "آتَاهُمْ" أَعْطَاهُمْ "رَبّهمْ وَوَقَاهُمْ رَبّهمْ عَذَاب الْجَحِيم" عَطْفًا عَلَى آتَاهُمْ أَيْ بِإِتْيَانِهِمْ وَوِقَايَتهمْ وَيُقَال لَهُمْ :
{19} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
"كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا" حَال أَيْ : مُهَنَّئِينَ "بِمَا" الْبَاء سَبَبِيَّة
{20} مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ
"مُتَّكِئِينَ" حَال مِنْ الضَّمِير الْمُسْتَكِن فِي قَوْله "عَلَى سُرَر مَصْفُوفَة" بَعْضهَا إلَى جَنْب بَعْض "وَزَوَّجْنَاهُمْ" عُطِفَ عَلَى جَنَّات أَيْ قَرَنَّاهُمْ "بِحُورٍ عِين" عِظَام الْأَعْيُن حِسَانهَا
{21} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ
"وَاَلَّذِينَ آمَنُوا" مُبْتَدَأ "وَاتَّبَعَتْهُمْ" وَأَتْبَعْنَاهُمْ وَفِي قِرَاءَة وَاتَّبَعَتْهُمْ مَعْطُوف عَلَى آمَنُوا "ذُرِّيَّتهمْ" وَفِي قِرَاءَة ذُرِّيَّتهمْ الصِّغَار وَالْكِبَار "بِإِيمَانٍ" مِنْ الْكِبَار وَمِنْ أَوْلَادهمْ الصِّغَار "أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتهمْ" خَبَر الْمَذْكُورِينَ فِي الْجَنَّة فَيَكُونُونَ فِي دَرَجَتهمْ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا تَكْرِمَة لِلْآبَاءِ بِاجْتِمَاعِ الْأَوْلَاد إلَيْهِمْ "وَمَا أَلَتْنَاهُمْ" بِفَتْحِ اللَّام وَكَسْرهَا نَقَصْنَاهُمْ "مِنْ عَمَلهمْ مِنْ" زَائِدَة "شَيْء" يُزَاد فِي عَمَل الْأَوْلَاد "كُلّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ" مِنْ عَمَلٍ خَيْر أَوْ شَرّ "رَهِين" مَرْهُون يُؤَاخَذ بِالشَّرِّ وَيُجَازَى بِالْخَيْرِ
{22} وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ
"وَأَمْدَدْنَاهُمْ" زِدْنَاهُمْ فِي وَقْت بَعْد وَقْت "بِفَاكِهَةٍ وَلَحْم مِمَّا يَشْتَهُونَ" وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِطَلَبِهِ
{23} يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ
"يَتَنَازَعُونَ" يَتَعَاطَوْنَ بَيْنهمْ "فِيهَا" أَيْ الْجَنَّة "كَأْسًا" خَمْرًا "لَا لَغْو فِيهَا" أَيْ بِسَبَبِ شُرْبهَا يَقَع بَيْنهمْ "وَلَا تَأْثِيم" بِهِ يَلْحَقهُمْ بِخِلَافِ خَمْر الدُّنْيَا
{24} وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ
"وَيَطُوف عَلَيْهِمْ" لِلْخِدْمَةِ "غِلْمَان" أَرِقَّاء "لَهُمْ كَأَنَّهُمْ" حُسْنًا وَلَطَافَة "لُؤْلُؤ مَكْنُون" مَصُون فِي الصَّدَف لِأَنَّهُ فِيهَا أَحْسَن مِنْهُ فِي غَيْرهَا
{25} وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
"وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ" يَسْأَل بَعْضهمْ بَعْضًا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَمَا وَصَلُوا إلَيْهِ تَلَذُّذًا وَاعْتِرَافًا بِالنِّعْمَةِ
{26} قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ
"قَالُوا" إيمَاء إلَى عِلَّة الْوُصُول "إنَّا كُنَّا قَبْل فِي أَهْلنَا" فِي الدُّنْيَا "مُشْفِقِينَ" خَائِفِينَ مِنْ عَذَاب اللَّه
{27} فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ
"فَمَنَّ اللَّه عَلَيْنَا" بِالْمَغْفِرَةِ "وَوَقَانَا عَذَاب السَّمُوم" النَّار لِدُخُولِهَا فِي الْمَسَامّ وَقَالُوا إيمَاء أَيْضًا
{28} إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ
"إنَّا كُنَّا مِنْ قَبْل" أَيْ فِي الدُّنْيَا "نَدْعُوهُ" نَعْبُدهُ مُوَحِّدِينَ "إنَّهُ" بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافًا وَإِنْ كَانَ تَعْلِيلًا مَعْنَى وَبِالْفَتْحِ تَعْلِيلًا لَفْظًا "هُوَ الْبَرّ" الْمُحْسِن الصَّادِق فِي وَعْده "الرَّحِيم" الْعَظِيم الرَّحْمَة
{29} فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ
"فَذَكِّرْ" دُمْ عَلَى تَذْكِير الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَرْجِع عَنْهُ لِقَوْلِهِمْ لَك كَاهِن مَجْنُون "فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبّك" بِإِنْعَامِهِ عَلَيْك "بِكَاهِنٍ" خَبَر مَا "وَلَا مَجْنُون" مَعْطُوف عَلَيْهِ
{30} أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ
"أَمْ" بَلْ "يَقُولُونَ" هُوَ "شَاعِر نَتَرَبَّص بِهِ رَيْب الْمَنُون" حَوَادِث الدَّهْر فَيَهْلَك كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّعَرَاء
{31} قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ
"قُلْ تَرَبَّصُوا" هَلَاكِي "فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ" هَلَاككُمْ فَعُذِّبُوا بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر وَالتَّرَبُّص الِانْتِظَار

محمد رافع 52 24-10-2010 04:53 PM

http://www.islamicbook.ws/1-1/525.png
الطور
{32} أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
"أَمْ تَأْمُرهُمْ أَحْلَامهمْ" عُقُولهمْ "بِهَذَا" قَوْلهمْ لَهُ : سَاحِر كَاهِن مَجْنُون أَيْ لَا تَأْمُرهُمْ بِذَلِكَ "أَمْ" بَلْ "هُمْ قَوْم طَاغُونَ" بِعِنَادِهِمْ
{33} أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ
"أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ" اخْتَلَقَ الْقُرْآن لَمْ يَخْتَلِقهُ "بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ" اسْتِكْبَارًا فَإِنْ قَالُوا اخْتَلَقَهُ :
{34} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ
"فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ" مُخْتَلَق "مِثْله إنْ كَانُوا صَادِقِينَ" فِي قَوْلهمْ
{35} أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ
"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْر شَيْء" مِنْ غَيْر خَالِق "أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" أَنْفُسهمْ وَلَا يُعْقَل مَخْلُوق بِغَيْرِ خَالِق وَلَا مَعْدُوم يَخْلُق فَلَا بُدّ لَهُمْ مِنْ خَالِق هُوَ اللَّه الْوَاحِد فَلِمَ لَا يُوَحِّدُونَهُ وَيُؤْمِنُونَ بِرَسُولِهِ وَكِتَابه
{36} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ
"أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَات وَالْأَرْض" وَلَا يَقْدِر عَلَى خَلْقهمَا إلَّا اللَّه الْخَالِق فَلِمَ لَا يَعْبُدُونَهُ "بَلْ لَا يُوقِنُونَ" بِهِ وَإِلَّا لَآمَنُوا بِنَبِيِّهِ
{37} أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ
"أَمْ عِنْدهمْ خَزَائِن رَبّك" مِنْ النُّبُوَّة وَالرِّزْق وَغَيْرهمَا فَيَخُصُّوا مَنْ شَاءُوا بِمَا شَاءُوا "أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ" الْمُتَسَلِّطُونَ الْجَبَّارُونَ وَفِعْله سَيْطَرَ وَمِثْله بَيْطَرَ وَبَيْقَرَ
{38} أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ
"أَمْ لَهُمْ سُلَّم" مَرْقَى إلَى السَّمَاء "يَسْتَمِعُونَ فِيهِ" أَيْ عَلَيْهِ كَلَام الْمَلَائِكَة حَتَّى يُمْكِنهُمْ مُنَازَعَة النَّبِيّ بِزَعْمِهِمْ إِنِ ادَّعَوْا ذَلِكَ "فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعهمْ" مُدَّعِي الِاسْتِمَاع عَلَيْهِ "بِسُلْطَانٍ مُبِين" بِحُجَّةٍ بَيِّنَة وَاضِحَة وَلِشِبْهِ هَذَا الزَّعْم بِزَعْمِهِمْ أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه
{39} أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ
"أَمْ لَهُ الْبَنَات" بِزَعْمِكُمْ "وَلَكُمْ الْبَنُونَ" تَعَالَى اللَّه عَمَّا زَعَمْتُمُوهُ
{40} أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ
"أَمْ تَسْأَلهُمْ أَجْرًا" عَلَى مَا جِئْتُمْ بِهِ مِنْ الدِّين "فَهُمْ مِنْ مَغْرَم" غُرْم ذَلِكَ "مُثْقَلُونَ" فَلَا يُسْلِمُونَ
{41} أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
"أَمْ عِنْدهمْ الْغَيْب" أَيْ عِلْمه "فَهُمْ يَكْتُبُونَ" ذَلِكَ حَتَّى يُمْكِنهُمْ مُنَازَعَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَعْث وَأُمُور الْآخِرَة بِزَعْمِهِمْ
{42} أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ
"أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا" بِك لِيُهْلِكُوك فِي دَار النَّدْوَة "فَاَلَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ" الْمَغْلُوبُونَ الْمُهْلَكُونَ فَحَفِظَهُ اللَّه مِنْهُمْ ثُمَّ أَهْلَكَهُمْ بِبَدْرٍ
{43} أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
"أَمْ لَهُمْ إلَه غَيْر اللَّه سُبْحَان اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ" بِهِ مِنْ الْآلِهَة وَالِاسْتِفْهَام بِأَمْ فِي مَوَاضِعهَا لِلتَّقْبِيحِ وَالتَّوْبِيخ
{44} وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ
"وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا" بَعْضًا "مِنْ السَّمَاء سَاقِطًا" عَلَيْهِمْ كَمَا قَالُوا : "فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسْفًا مِنَ السَّمَاء" أَيْ تَعْذِيبًا لَهُمْ "يَقُولُوا" هَذَا "سَحَاب مَرْكُوم" مُتَرَاكِب نُرْوَى بِهِ وَلَا يُؤْمِنُونَ
{45} فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
"فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ" يَمُوتُونَ
{46} يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
"يَوْم لَا يُغْنِي" بَدَل مِنْ يَوْمَهُمُ "عَنْهُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ" يُمْنَعُونَ مِنْ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة
{47} وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
"وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا" بِكُفْرِهِمْ "عَذَابًا دُون ذَلِكَ" فِي الدُّنْيَا قَبْل مَوْتهمْ فَعُذِّبُوا بِالْجُوعِ وَالْقَحْط سَبْع سِنِينَ وَبِالْقَتْلِ يَوْم بَدْر "وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ" أَنَّ الْعَذَاب يَنْزِل بِهِمْ
{48} وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
"وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّك" بِإِمْهَالِهِمْ وَلَا يَضِقْ صَدْرك "فَإِنَّك بِأَعْيُنِنَا" بِمَرْأًى مِنَّا نَرَاك وَنَحْفَظك "وَسَبِّحْ" مُتَلَبِّسًا "بِحَمْدِ رَبّك" أَيْ قُلْ : سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ "حِين تَقُوم" مِنْ مَنَامك أَوْ مِنْ مَجْلِسك
{49} وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ
"وَمِنَ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ" حَقِيقَة أَيْضًا "وَإِدْبَار النُّجُوم" مَصْدَر أَيْ عَقِب غُرُوبهَا سَبِّحْهُ أَيْضًا أَوْ صَلِّ فِي الْأَوَّل الْعِشَاءَيْنِ وَفِي الثَّانِي الْفَجْر وَقِيلَ الصُّبْح

مستر رضا الغريب 25-10-2010 07:16 AM

بارك الله فيك وأثابك الخير

محمد رافع 52 25-10-2010 03:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستر رضا الغريب (المشاركة 2774763)
بارك الله فيك وأثابك الخير


اكرمك الله ورضى عنك وغفر لك

محمد رافع 52 29-10-2010 07:55 PM

تفسير سورة الذاريات

{1} وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا
سُورَة الذَّارِيَات [ مَكِّيَّة وَآيَاتهَا سِتُّونَ ]
"وَالذَّارِيَات" الرِّيَاح تَذْرُو التُّرَاب وَغَيْره "ذَرْوًا" مَصْدَر وَيُقَال تَذْرِيهِ ذَرْيًا : تَهُبّ بِهِ
{2} فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا
"فَالْحَامِلَات" السُّحُب تَحْمِل الْمَاء "وِقْرًا" ثِقَلًا مَفْعُول الْحَامِلَات
{3} فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا
"فَالْجَارِيَات" السُّفُن تَجْرِي عَلَى وَجْه الْمَاء "يُسْرًا" بِسُهُولَةٍ مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال أَيْ مُيَسَّرَة
{4} فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا
"فَالْمُقَسِّمَات أَمْرًا" الْمَلَائِكَة تَقْسِم الْأَرْزَاق وَالْأَمْطَار وَغَيْرهَا بَيْن الْبِلَاد وَالْعِبَاد
{5} إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ
"إنَّمَا تُوعَدُونَ" مَا مَصْدَرِيَّة أَيْ وَعْدهمْ بِالْبَعْثِ وَغَيْره "لَصَادِق" لَوَعْد صَادِق
{6} وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ
"وَإِنَّ الدِّين" الْجَزَاء بَعْد الْحِسَاب "لَوَاقِع" لَا مَحَالَة

محمد رافع 52 29-10-2010 08:04 PM

الذاريات

{7} وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ
"وَالسَّمَاء ذَات الْحُبُك" جَمْع حَبِيكَة كَطَرِيقَةٍ وَطَرِيق أَيْ صَاحِبَة الطُّرُق فِي الْخِلْقَة كَالطَّرِيقِ فِي الرَّمَل
{8} إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ
"إنَّكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة فِي شَأْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن "لَفِي قَوْل مُخْتَلِف" قِيلَ شَاعِر سَاحِر كَاهِن شِعْر سِحْر كَهَانَة
{9} يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ
"يُؤْفَك" يُصْرَف "عَنْهُ" عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن أَيْ عَنْ الْإِيمَان بِهِ "مَنْ أُفِكَ" صُرِفَ عَنْ الْهِدَايَة فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى
{10} قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ
"قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ" لُعِنَ الْكَذَّابُونَ أَصْحَاب الْقَوْل الْمُخْتَلِف
{11} الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ
"الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَة" جَهْل يَغْمُرهُمْ "سَاهُونَ" غَافِلُونَ عَنْ أَمْر الْآخِرَة
{12} يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ
"يَسْأَلُونَ" النَّبِيّ اسْتِفْهَام اسْتِهْزَاء "أَيَّانَ يَوْم الدِّين" أَيْ مَتَى مَجِيئُهُ وَجَوَابهمْ : يَجِيء
{13} يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ
"يَوْم هُمْ عَلَى النَّار يُفْتَنُونَ" أَيْ يُعَذَّبُونَ فِيهَا وَيُقَال لَهُمْ حِين التَّعْذِيب :
{14} ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
"ذُوقُوا فِتْنَتكُمْ" تَعْذِيبكُمْ "هَذَا" التَّعْذِيب "الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ" فِي الدُّنْيَا اسْتِهْزَاء
{15} إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
"إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات" بَسَاتِين "وَعُيُون" تَجْرِي فِيهَا
{16} آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ
"آخِذِينَ" حَال مِنْ الضَّمِير فِي خَبَر إنَّ "مَا آتَاهُمْ" أَعْطَاهُمْ "رَبّهمْ" مِنْ الثَّوَاب "إنَّهُمْ كَانُوا قَبْل ذَلِكَ" أَيْ دُخُولهمْ الْجَنَّة "مُحْسِنِينَ" فِي الدُّنْيَا
{17} كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
"كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ" يَنَامُونَ وَمَا زَائِدَة وَيَهْجَعُونَ خَبَر كَانَ وَقَلِيلًا ظَرْف أَيْ يَنَامُونَ فِي زَمَن يَسِير مِنْ اللَّيْل وَيُصَلُّونَ أَكْثَره
{18} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
"وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا
{19} وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
"وَفِي أَمْوَالهمْ حَقّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم" الَّذِي لَا يَسْأَل لِتَعَفُّفِهِ
{20} وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ
"وَفِي الْأَرْض" مِنْ الْجِبَال وَالْبِحَار وَالْأَشْجَار وَالثِّمَار وَالنَّبَات وَغَيْرهَا "آيَات" دَلَالَات عَلَى قُدْرَة اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَوَحْدَانِيّته
{21} وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
"وَفِي أَنْفُسكُمْ" آيَات أَيْضًا مِنْ مَبْدَأ خَلْقكُمْ إلَى مُنْتَهَاهُ وَمَا فِي تَرْكِيب خَلْقكُمْ مِنْ الْعَجَائِب "أَفَلَا تُبْصِرُونَ" ذَلِكَ فَتَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى صَانِعه وَقُدْرَته
{22} وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ
"وَفِي السَّمَاء رِزْقكُمْ" أَيْ الْمَطَر الْمُسَبَّب عَنْهُ النَّبَات الَّذِي هُوَ رِزْق "وَمَا تُوعَدُونَ" مِنْ الْمَآب وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب أَيْ مَكْتُوب ذَلِكَ فِي السَّمَاء
{23} فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ "فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إنَّهُ" أَيْ مَا تُوعَدُونَ "لَحَقّ مِثْل مَا أَنَّكُ
مْ تَنْطِقُونَ" بِرَفْعِ مِثْل صِفَة وَمَا مَزِيدَة وَبِفَتْحِ اللَّام مُرَكَّبَة مَعَ مَا الْمَعْنَى : مِثْل نُطْقكُمْ فِي حَقِيقَته أَيْ مَعْلُومِيَّته عِنْدكُمْ ضَرُورَة صُدُوره عَنْكُمْ
{24} هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
"هَلْ أَتَاك" خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حَدِيث ضَيْف إبْرَاهِيم الْمُكْرَمِينَ" وَهُمْ مَلَائِكَة اثْنَا عَشَر أَوْ عَشْرَة أَوْ ثَلَاثَة مِنْهُمْ جِبْرِيل
{25} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ
"إذْ" ظَرْف لِحَدِيثِ ضَيْف "دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا" أَيْ هَذَا اللَّفْظ "قَالَ سَلَام" أَيْ هَذَا اللَّفْظ "قَوْم مُنْكَرُونَ" لَا نَعْرِفهُمْ قَالَ ذَلِكَ فِي نَفْسه وَهُوَ خَبَر مُبْتَدَأ مُقَدَّر أَيْ هَؤُلَاءِ
{26} فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
"فَرَاغَ" مَالَ "إلَى أَهْله" سِرًّا "فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِين" وَفِي سُورَة هُود "بِعِجْلٍ حَنِيذ" أَيْ مَشْوِيّ
{27} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ
"فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ" عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْأَكْل فَلَمْ يُجِيبُوا
{28} فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ
"فَأَوْجَسَ" أَضْمَرَ فِي نَفْسه "مِنْهُمْ خِيفَة قَالُوا لَا تَخَفْ" إنَّا رُسُل رَبّك "وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيم" ذِي عِلْم كَثِير وَهُوَ إسْحَاق كَمَا ذُكِرَ فِي هُود
{29} فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ
"فَأَقْبَلَتْ امْرَأَته" سَارَّة "فِي صَرَّة" صَيْحَة حَال أَيْ جَاءَتْ صَائِحَة "فَصَكَّتْ وَجْههَا" لَطَمَتْهُ "وَقَالَتْ عَجُوز عَقِيم" لَمْ تَلِد قَطُّ وَعُمْرهَا تِسْع وَتِسْعُونَ سَنَة وَعُمْر إبْرَاهِيم مِائَة سَنَة أَوْ عُمْره مِائَة وَعِشْرُونَ سَنَة وَعُمْرهَا تِسْعُونَ سَنَة
{30} قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ
"قَالُوا كَذَلِك" أَيْ مِثْل قَوْلنَا فِي الْبِشَارَة "قَالَ رَبّك إنَّهُ هُوَ الْحَكِيم" فِي صُنْعه "الْعَلِيم" بِخَلْقِهِ

محمد رافع 52 29-10-2010 08:09 PM

الذاريات

{31} قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ
"قَالَ فَمَا خَطْبكُمْ" شَأْنكُمْ
{32} قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ
"قَالُوا إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْم مُجْرِمِينَ" كَافِرِينَ هُمْ قَوْم لُوط
{33} لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ
"لِنُرْسِل عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ طِين" مَطْبُوخ بِالنَّارِ
{34} مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ
"مُسَوَّمَة" مُعَلَّمَة عَلَيْهَا اسْم مَنْ يُرْمَى بِهَا "عِنْد رَبّك" ظَرْف لَهَا "لِلْمُسْرِفِينَ" بِإِتْيَانِهِمْ الذُّكُور مَعَ كُفْرهمْ
{35} فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
"فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا" أَيْ قُرَى قَوْم لُوط "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" لِإِهْلَاكِ الْكَافِرِينَ
{36} فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
"فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْر بَيْت مِنَ الْمُسْلِمِينَ" وَهُمْ لُوط وَابْنَتَاهُ وُصِفُوا بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَام أَيْ هُمْ مُصَدِّقُونَ بِقُلُوبِهِمْ عَامِلُونَ بِجَوَارِحِهِمْ الطَّاعَات
{37} وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ
"وَتَرَكْنَا فِيهَا" بَعْد إهْلَاك الْكَافِرِينَ "آيَة" عَلَامَة عَلَى إهْلَاكهمْ "لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَاب الْأَلِيم" فَلَا يَفْعَلُونَ مِثْل فِعْلهمْ
{38} وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ
"وَفِي مُوسَى" مَعْطُوف عَلَى فِيهَا الْمَعْنَى : وَجَعَلْنَا فِي قِصَّة مُوسَى آيَة "إذْ أَرْسَلْنَاهُ إلَى فِرْعَوْن" مُلْتَبِسًا "بِسُلْطَانٍ مُبِين" بِحُجَّةٍ وَاضِحَة
{39} فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
"فَتَوَلَّى" أَعْرَضَ عَنْ الْإِيمَان "بِرُكْنِهِ" مَعَ جُنُوده لِأَنَّهُمْ لَهُ كَالرُّكْنِ "وَقَالَ" لِمُوسَى هُوَ "سَاحِر أَوْ مَجْنُون"
{40} فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ
"فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُوده فَنَبَذْنَاهُمْ" طَرَحْنَاهُمْ "فِي الْيَمّ" الْبَحْر فَغَرِقُوا "وَهُوَ" أَيْ فِرْعَوْن "مُلِيم" آتٍ بِمَا يُلَام عَلَيْهِ مِنْ تَكْذِيب الرُّسُل وَدَعْوَى الرُّبُوبِيَّة -
{41} وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ
"وَفِي" إهْلَاك "عَادٍ" آيَة "إذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيح الْعَقِيم" هِيَ الَّتِي لَا خَيْر فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تَحْمِل الْمَطَر وَلَا تُلَقِّح الشَّجَر وَهِيَ الدَّبُور
{42} مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ
"مَا تَذَر مِنْ شَيْء" نَفْس أَوْ مَال "أَتَتْ عَلَيْهِ إلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ" كَالْبَالِي الْمُتَفَتِّت -
{43} وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ
"وَفِي" إهْلَاك "ثَمُود" آيَة "إذْ قِيلَ لَهُمْ" بَعْد عَقْر النَّاقَة "تَمَتَّعُوا حَتَّى حِين" إلَى انْقِضَاء آجَالكُمْ كَمَا فِي آيَة
{44} فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
"فَعَتَوْا" تَكَبَّرُوا "عَنْ أَمْر رَبّهمْ" أَيْ عَنْ امْتِثَاله "فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة" بَعْد مُضِيّ الثَّلَاثَة أَيَّام أَيْ الصَّيْحَة الْمُهْلِكَة "وَهُمْ يَنْظُرُونَ" أَيْ بِالنَّهَارِ
{45} فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ
"فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَام" أَيْ مَا قَدَرُوا عَلَى النُّهُوض حِين نُزُول الْعَذَاب "وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ" عَلَى مَنْ أَهْلَكَهُمْ
{46} وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
"وَقَوْم نُوح" بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى ثَمُود أَيْ وَفِي إهْلَاكهمْ بِمَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْض آيَة وَبِالنَّصْبِ أَيْ وَأَهْلَكْنَا قَوْم نُوح "مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل إهْلَاك هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ
{47} وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
"وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ" بِقُوَّةٍ "وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" قَادِرُونَ يُقَال : آدَ الرَّجُل يَئِيد قَوِيَ وَأَوْسَعَ الرَّجُل : صَارَ ذَا سِعَة وَقُوَّة
{48} وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ
"وَالْأَرْض فَرَشْنَاهَا" مَهَّدْنَاهَا "فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ" نَحْنُ
{49} وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
"وَمِنْ كُلّ شَيْء" مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ : خَلَقْنَا "خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ" صِنْفَيْنِ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالسَّهْل وَالْجَبَل وَالصَّيْف وَالشِّتَاء وَالْحُلْو وَالْحَامِض وَالنُّور وَالظُّلْمَة "لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ الْأَصْل فَتَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِق الْأَزْوَاج فَرْد فَتَعْبُدُوهُ
{50} فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ
"فَفِرُّوا إلَى اللَّه" أَيْ إلَى ثَوَابه مِنْ عِقَابه بِأَنْ تُطِيعُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ "إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير مُبِين" بَيِّن الْإِنْذَار
{51} وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ
"وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّه إلَهًا آخَر إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير مُبِين" يُقَدَّر قَبْل فَفِرُّوا قُلْ لَهُمْ

محمد رافع 52 29-10-2010 08:40 PM


الذاريات

{52} كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
"كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ رَسُول إلَّا قَالُوا" هُوَ "سَاحِر أَوْ مَجْنُون" أَيْ مِثْل تَكْذِيبهمْ لَك بِقَوْلِهِمْ إنَّك سَاحِر أَوْ مَجْنُون تَكْذِيب الْأُمَم قَبْلهمْ رُسُلهمْ بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ
{53} أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
"أَتَوَاصَوْا بِهِ" كُلّهمْ اسْتِفْهَام بِمَعْنَى النَّفْي "بَلْ هُمْ قَوْم طَاغُونَ" جَمَعَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْل طُغْيَانهمْ
{54} فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ
"فَتَوَلَّ" أَعْرِضْ "عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ" لِأَنَّك بَلَّغْتهمْ الرِّسَالَة
{55} وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
"وَذَكِّرْ" عِظْ بِالْقُرْآنِ "فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ" مَنْ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ يُؤْمِن
{56} وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
"وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إلَّا لِيَعْبُدُونِ" وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عَدَم عِبَادَة الْكَافِرِينَ لِأَنَّ الْغَايَة لَا يَلْزَم وُجُودهَا كَمَا فِي قَوْلك : بَرَيْت هَذَا الْقَلَم لِأَكْتُب بِهِ فَإِنَّك قَدْ لَا تَكْتُب بِهِ
{57} مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ
"مَا أُرِيد مِنْهُمْ مِنْ رِزْق" لِي وَلِأَنْفُسِهِمْ وَغَيْرهمْ "وَمَا أُرِيد أَنْ يُطْعِمُونِ" وَلَا أَنْفُسهمْ وَلَا غَيْرهمْ
{58} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
"إنَّ اللَّه هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة الْمَتِين" الشَّدِيد
{59} فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ
"فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا" أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ مِنْ أَهْل مَكَّة وَغَيْرهمْ "ذَنُوبًا" نَصِيبًا مِنْ الْعَذَاب "مِثْل ذَنُوب" نَصِيب "أَصْحَابهمْ" الْهَالِكِينَ قَبْلهمْ "فَلَا يَسْتَعْجِلُونَ" بِالْعَذَابِ إنْ أَخَّرْتهمْ إلَى يَوْم الْقِيَامَة
{60} فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ
"فَوَيْل" شِدَّة عَذَاب "لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ" فِي "يَوْمِهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ" أَيْ يَوْم الْقِيَامَة

عاشقة الموج 05-11-2010 08:14 AM

{ 9 }
{ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ }

يخبر تعالى عن كمال اقتداره، وسعة جوده، وأنه { أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ } فأنزله اللّه عليها { فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }
فحييت البلاد والعباد، وارتزقت الحيوانات، ورتعت في تلك الخيرات، { كَذَلِكَ } الذي أحيا الأرض بعد موتها، ينشر الله الأموات من قبورهم، بعدما مزقهم البلى، فيسوق إليهم مطرا، كما ساقه إلى الأرض الميتة، فينزله عليهم فتحيا الأجساد والأرواح من القبور، ويأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم، ويفصل بحكمه العدل.

{ 10 }
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ }

أي: يا من يريد العزة، اطلبها ممن هي بيده، فإن العزة بيد اللّه، ولا تنال إلا بطاعته، وقد ذكرها بقوله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } من أعمال القلوب وأعمال الجوارح { يَرْفَعُهُ } اللّه تعالى إليه أيضا، كالكلم الطيب.

وقيل: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة، فهي التي ترفع كلمه الطيب، فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه.

وأما السيئات فإنها بالعكس، يريد صاحبها الرفعة بها، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا إهانة ونزولا، ولهذا قال: { والعمل الصالح يرفعه وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يهانون فيه غاية الإهانة. { وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئا، لأنه مكر بالباطل، لأجل الباطل.

{ 11 }

{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }

يذكر تعالى خلقه الآدمي، وتنقله في هذه الأطوار، من تراب إلى نطفة وما بعدها.
{ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا } أي: لم يزل ينقلكم، طورا بعد طور، حتى أوصلكم إلى أن كنتم أزواجا، ذكرا يتزوج أنثى، ويراد بالزواج، الذرية والأولاد، فهو وإن كان النكاح من الأسباب فيه، فإنه مقترن بقضاء اللّه وقدره، وعلمه، { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ } وكذلك أطوار الآدمي، كلها بعلمه وقضائه.
{ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } أي: عمر الذي كان معمرا عمرا طويلا { إِلَّا } بعلمه تعالى، أو ما ينقص من عمر الإنسان الذي هو بصدد أن يصل إليه، لولا ما سلكه من أسباب قصر العمر، كالزنا، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، ونحو ذلك مما ذكر أنها من أسباب قصر العمر.
والمعنى: أن طول العمر وقصره، بسبب وبغير سبب كله بعلمه تعالى، وقد أثبت ذلك { فِي كِتَابٍ } حوى ما يجري على العبد، في جميع أوقاته وأيام حياته.
{ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } أي: إحاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة، وإحاطة كتابه فيها، فهذه ثلاثة أدلة من أدلة البعث والنشور، كلها عقلية، نبه اللّه عليها في هذه الآيات: إحياء الأرض بعد موتها، وأن الذي أحياها سيحيي الموتى، وتنقل الآدمي في تلك الأطوار.
فالذي أوجده ونقله، طبقا بعد طبق، وحالا بعد حال، حتى بلغ ما قدر له، فهو على إعادته وإنشائه النشأة الأخرى أقدر، وهو أهون عليه، وإحاطة علمه بجميع أجزاء العالم، العلوي والسفلي، دقيقها وجليلها، الذي في القلوب، والأجنة التي في البطون، وزيادة الأعمار ونقصها، وإثبات ذلك كله في كتاب. فالذي كان هذا [ نعته] يسيرا عليه، فإعادته للأموات أيسر وأيسر. فتبارك من كثر خيره، ونبه عباده على ما فيه صلاحهم، في معاشهم ومعادهم.

عاشقة الموج 05-11-2010 08:15 AM

{ 12 - 14 }
{ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

هذا إخبار عن قدرته وحكمته ورحمته، أنه جعل البحرين لمصالح العالم الأرضي كلهم، وأنه لم يسوِّ بينهما، لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار عذبة فراتا، سائغا شرابها، لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون، وأن يكون البحر ملحا أجاجا، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات ولأنه ساكن لا يجري، فملوحته تمنعه من التغير، ولتكون حيواناته أحسن وألذ، ولهذا قال: { وَمِنْ كُلٍ } من البحر الملح والعذب { تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } وهو السمك المتيسر صيده في البحر، { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } من لؤلؤ ومرجان وغيرهما، مما يوجد في البحر، فهذه مصالح عظيمة للعباد.
ومن المصالح أيضا والمنافع في البحر، أن سخره اللّه تعالى يحمل الفلك من السفن والمراكب، فتراها تمخر البحر وتشقه، فتسلك من إقليم إلى إقليم آخر، ومن محل إلى محل، فتحمل السائرين وأثقالهم وتجاراتهم، فيحصل بذلك من فضل اللّه وإحسانه شيء كثير، ولهذا قال: { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
ومن ذلك أيضا، إيلاجه تعالى الليل بالنهار والنهار بالليل، يدخل هذا على هذا، وهذا على هذا، كلما أتى أحدهما ذهب الآخر، ويزيد أحدهما وينقص الآخر، ويتساويان، فيقوم بذلك ما يقوم من مصالح العباد في أبدانهم وحيواناتهم وأشجارهم وزروعهم.
وكذلك ما جعل اللّه في تسخير الشمس والقمر، الضياء والنور، والحركة والسكون، وانتشار العباد في طلب فضله، وما فيهما من تنضيج الثمار وتجفيف ما يجفف وغير ذلك مما هو من الضروريات، التي لو فقدت لَلَحِقَ الناس الضرر.
وقوله: { كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } أي: كل من الشمس والقمر، يسيران في فلكهما ما شاء اللّه أن يسيرا، فإذا جاء الأجل، وقرب انقضاء الدنيا، انقطع سيرهما، وتعطل سلطانهما، وخسف القمر، وكورت الشمس، وانتثرت النجوم.
فلما بين تعالى ما بيَّن من هذه المخلوقات العظيمة، وما فيها من العبر الدالة على كماله وإحسانه، قال: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ } أي: الذي انفرد بخلق هذه المذكورات وتسخيرها، هو الرب المألوه المعبود، الذي له الملك كله.
{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } من الأوثان والأصنام { مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } أي: لا يملكون شيئا، لا قليلا ولا كثيرا، حتى ولا القطمير الذي هو أحقر الأشياء، وهذا من تنصيص النفي وعمومه، فكيف يُدْعَوْنَ، وهم غير مالكين لشيء من ملك السماوات والأرض؟
ومع هذا { إِنْ تَدْعُوهُمْ } لا يسمعوكم لأنهم ما بين جماد وأموات وملائكة مشغولين بطاعة ربهم. { وَلَوْ سَمِعُوا } على وجه الفرض والتقدير { مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } لأنهم لا يملكون شيئا، ولا يرضى أكثرهم بعبادة من عبده، ولهذا قال: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } أي: يتبرأون منكم، ويقولون: { سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ }
{ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } أي: لا أحد ينبئك، أصدق من الله العليم الخبير، فاجزم بأن هذا الأمر، الذي نبأ به كأنه رَأْيُ عين، فلا تشك فيه ولا تمتر. فتضمنت هذه الآيات، الأدلة والبراهين الساطعة، الدالة على أنه تعالى المألوه المعبود، الذي لا يستحق شيئا من العبادة سواه، وأن عبادة ما سواه باطلة متعلقة بباطل، لا تفيد عابده شيئا.

{ 15 - 18 }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }

يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه:
فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا.
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم [بها]، لما استعدوا لأي عمل كان.
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء.
فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.
فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
{ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها، صفات كمال، ونعوت وجلال.
ومن غناه تعالى، أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته، وأسمائه، لأنها حسنى، وأوصافه، لكونها عليا، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه [الغني في حمده].
{ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } يحتمل أن المراد: إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بغيركم من الناس، أطوع للّه منكم، ويكون في هذا تهديد لهم بالهلاك والإبادة، وأن مشيئته غير قاصرة عن ذلك.
ويحتمل أن المراد بذلك، إثبات البعث والنشور، وأن مشيئة اللّه تعالى نافذة في كل شيء، وفي إعادتكم بعد موتكم خلقا جديدا، ولكن لذلك الوقت أجل قدره اللّه، لا يتقدم عنه ولا يتأخر.
{ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي: بممتنع، ولا معجز له.
ويدل على المعنى الأخير، ما ذكره بعده في قوله: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أي: في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله، ولا يحمل أحد ذنب أحد. { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي: نفس مثقلة بالخطايا والذنوب، تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها { لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } فإنه لا يحمل عن قريب، فليست حال الآخرة بمنزلة حال الدنيا، يساعد الحميم حميمه، والصديق صديقه، بل يوم القيامة، يتمنى العبد أن يكون له حق على أحد، ولو على والديه وأقاربه.
{ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } أي: هؤلاء الذين يقبلون النذارة وينتفعون بها، أهل الخشية للّه بالغيب، أي: الذين يخشونه في حال السر والعلانية، والمشهد والمغيب، وأهل إقامة الصلاة، بحدودها وشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها، لأن الخشية للّه تستدعي من العبد العمل بما يخشى من تضييعه العقاب، والهرب مما يخشى من ارتكابه العذاب، والصلاة تدعو إلى الخير، وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
{ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ } أي: ومن زكى نفسه بالتنقِّي من العيوب، كالرياء والكبر، والكذب والغش، والمكر والخداع والنفاق، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة، وتحلَّى بالأخلاق الجميلة، من الصدق، والإخلاص، والتواضع، ولين الجانب، والنصح للعباد، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق، فإن تزكيته يعود نفعها إليه، ويصل مقصودها إليه، ليس يضيع من عمله شيء.
{ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } فيجازي الخلائق على ما أسلفوه، ويحاسبهم على ما قدموه وعملوه، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

عاشقة الموج 05-11-2010 08:16 AM

{ 19 - 24 }
{ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ }

يخبر تعالى أنه لا يتساوى الأضداد في حكمة اللّه، وفيما أودعه في فطر عباده. { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى } فاقد البصر
{ وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ } فكما أنه من المتقرر عندكم، الذي لا يقبل الشك، أن هذه المذكورات لا تتساوى، فكذلك فلتعلموا أن عدم تساوي المتضادات المعنوية أولى وأولى.
فلا يستوي المؤمن والكافر، ولا المهتدي والضال، ولا العالم والجاهل، ولا أصحاب الجنة وأصحاب النار، ولا أحياء القلوب وأمواتها، فبين هذه الأشياء من التفاوت والفرق ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى، فإذا علمت المراتب، وميزت الأشياء، وبان الذي ينبغي أن يتنافس في تحصيله من ضده، فليختر الحازم لنفسه، ما هو أولى به وأحقها بالإيثار.
{ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ } سماع فهم وقبول، لأنه تعالى هو الهادي الموفق { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } أي: أموات القلوب، أو كما أن دعاءك لا يفيد سكان القبور شيئا، كذلك لا يفيد المعرض المعاند شيئا، ولكن وظيفتك النذارة، وإبلاغ ما أرسلت به، قبل منك أم لا.
ولهذا قال: { إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ } أي: مجرد إرسالنا إياك بالحق، لأن اللّه تعالى بعثك على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، واندراس من العلم، وضرورة عظيمة إلى بعثك، فبعثك اللّه رحمة للعالمين.
وكذلك ما بعثناك به من الدين القويم، والصراط المستقيم، حق لا باطل، وكذلك ما أرسلناك به، من هذا القرآن العظيم، وما اشتمل عليه من الذكر الحكيم، حق وصدق. { بَشِيرًا } لمن أطاعك، بثواب اللّه العاجل والآجل، { وَنَذِيرًا } لمن عصاك، بعقاب اللّه العاجل والآجل، ولست ببدع من الرسل.
فما { مِنْ أُمَّةٍ } من الأمم الماضية والقرون الخالية { إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } يقيم عليهم حجة اللّه { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ }

عاشقة الموج 05-11-2010 08:23 AM

{ 25 - 26 }

{ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

أي: وإن يكذبك أيها الرسول، هؤلاء المشركون، فلست أول رسول كذب،
{ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } الدالات على الحق، وعلى صدقهم فيما أخبروهم به، { وَبالزُّبُرِ } أي: الكتب المكتوبة، المجموع فيها كثير من الأحكام،
{ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ } أي: المضيء في أخباره الصادقة، وأحكامه العادلة، فلم يكن تكذيبهم إياهم ناشئا عن اشتباه، أو قصور بما جاءتهم به الرسل، بل بسبب ظلمهم وعنادهم.

{ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا } بأنواع العقوبات { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } عليهم؟ كان أشد النكير وأعظم التنكيل، فإياكم وتكذيب هذا الرسول الكريم، فيصيبكم كما أصاب أولئك، من العذاب الأليم والخزي الوخيم.

{ 27 - 28 }

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }

يذكر تعالى خلقه للأشياء المتضادات، التي أصلها واحد، ومادتها واحدة، وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف، ليدل العباد على كمال قدرته وبديع حكمته.
فمن ذلك: أن اللّه تعالى أنزل من السماء ماء، فأخرج به من الثمرات المختلفات، والنباتات المتنوعات، ما هو مشاهد للناظرين، والماء واحد، والأرض واحدة.
ومن ذلك: الجبال التي جعلها اللّه أوتادا للأرض، تجدها جبالا مشتبكة، بل جبلا واحدا، وفيها ألوان متعددة، فيها جدد بيض، أي: طرائق بيض، وفيها طرائق صفر وحمر، وفيها غرابيب سود، أي: شديدة السواد جدا.
ومن ذلك: الناس والدواب، والأنعام، فيها من اختلاف الألوان والأوصاف والأصوات والهيئات، ما هو مرئي بالأبصار، مشهود للنظار، والكل من أصل واحد ومادة واحدة.
فتفاوتها دليل عقلي على مشيئة اللّه تعالى، التي خصصت ما خصصت منها، بلونه، ووصفه، وقدرة اللّه تعالى حيث أوجدها كذلك، وحكمته ورحمته، حيث كان ذلك الاختلاف، وذلك التفاوت، فيه من المصالح والمنافع، ومعرفة الطرق، ومعرفة الناس بعضهم بعضا، ما هو معلوم.
وذلك أيضا، دليل على سعة علم اللّه تعالى، وأنه يبعث من في القبور، ولكن الغافل ينظر في هذه الأشياء وغيرها نظر غفلة لا تحدث له التذكر، وإنما ينتفع بها من يخشى اللّه تعالى، ويعلم بفكره الصائب وجه الحكمة فيها.
ولهذا قال: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } فكل من كان باللّه أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية اللّه، الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية اللّه، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى:
{ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }
{ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ } كامل العزة، ومن عزته خلق هذه المخلوقات المتضادات.
{ غَفُورٌ } لذنوب التائبين.

{ 29 - 30 }

{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }

{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ } أي: يتبعونه في أوامره فيمتثلونها، وفي نواهيه فيتركونها، وفي أخباره، فيصدقونها ويعتقدونها، ولا يقدمون عليه ما خالفه من الأقوال، ويتلون أيضا ألفاظه، بدراسته، ومعانيه، بتتبعها واستخراجها.
ثم خص من التلاوة بعد ما عم، الصلاة التي هي عماد الدين، ونور المسلمين، وميزان الإيمان، وعلامة صدق الإسلام، والنفقة على الأقارب والمساكين واليتامى وغيرهم، من الزكاة والكفارات والنذور والصدقات. { سِرًّا وَعَلَانِيَةً } في جميع الأوقات.
{ يَرْجُونَ } [بذلك] { تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } أي: لن تكسد وتفسد، بل تجارة، هي أجل التجارات وأعلاها وأفضلها، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه، وهذا فيه أنهم يخلصون بأعمالهم، وأنهم لا يرجون بها من المقاصد السيئة والنيات الفاسدة شيئا.
وذكر أنهم حصل لهم ما رجوه فقال: { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } أي: أجور أعمالهم، على حسب قلتها وكثرتها، وحسنها وعدمه، { وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } زيادة عن أجورهم. { إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } غفر لهم السيئات، وقبل منهم القليل من الحسنات.

عاشقة الموج 05-11-2010 08:25 AM

{ 31 - 35 }

{ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }

يذكر تعالى أن الكتاب الذي أوحاه إلى رسوله { هُوَ الْحَقُّ } من كثرة ما اشتمل عليه من الحق، كأن الحق منحصر فيه، فلا يكن في قلوبكم حرج منه، ولا تتبرموا منه، ولا تستهينوا به، فإذا كان هو الحق، لزم أن كل ما دل عليه من المسائل الإلهية والغيبية وغيرها، مطابق لما في الواقع، فلا يجوز أن يراد به ما يخالف ظاهره وما دل عليه.
{ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب والرسل، لأنها أخبرت به، فلما وجد وظهر، ظهر به صدقها. فهي بشرت به وأخبرت، وهو صدقها، ولهذا لا يمكن أحدا أن يؤمن بالكتب السابقة، وهو كافر بالقرآن أبدا، لأن كفره به، ينقض إيمانه بها، لأن من جملة أخبارها الخبر عن القرآن، ولأن أخبارها مطابقة لأخبار القرآن.
{ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } فيعطي كل أمة وكل شخص، ما هو اللائق بحاله. ومن ذلك، أن الشرائع السابقة لا تليق إلا بوقتها وزمانها، ولهذا، ما زال اللّه يرسل الرسل رسولا بعد رسول، حتى ختمهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، فجاء بهذا الشرع، الذي يصلح لمصالح الخلق إلى يوم القيامة، ويتكفل بما هو الخير في كل وقت.
ولهذا، لما كانت هذه الأمة أكمل الأمم عقولا، وأحسنهم أفكارا، وأرقهم قلوبا، وأزكاهم أنفسا، اصطفاهم الله تعالى، واصطفى لهم دين الإسلام، وأورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب، ولهذا قال: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وهم هذه الأمة.
{ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } بالمعاصي، [التي] هي دون الكفر. { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ } مقتصر على ما يجب عليه، تارك للمحرم. { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } أي: سارع فيها واجتهد، فسبق غيره، وهو المؤدي للفرائض، المكثر من النوافل، التارك للمحرم والمكروه.
فكلهم اصطفاه اللّه تعالى، لوراثة هذا الكتاب، وإن تفاوتت مراتبهم، وتميزت أحوالهم، فلكل منهم قسط من وراثته، حتى الظالم لنفسه، فإن ما معه من أصل الإيمان، وعلوم الإيمان، وأعمال الإيمان، من وراثة الكتاب، لأن المراد بوراثة الكتاب، وراثة علمه وعمله، ودراسة ألفاظه، واستخراج معانيه.
وقوله { بِإِذْنِ اللَّهِ } راجع إلى السابق إلى الخيرات، لئلا يغتر بعمله، بل ما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق اللّه تعالى ومعونته، فينبغي له أن يشتغل بشكر اللّه تعالى على ما أنعم به عليه.
{ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } أي: وراثة الكتاب الجليل، لمن اصطفى تعالى من عباده، هو الفضل الكبير، الذي جميع النعم بالنسبة إليه، كالعدم، فأجل النعم على الإطلاق، وأكبر الفضل، وراثة هذا الكتاب.
ثم ذكر جزاء الذين أورثهم كتابه فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } أي: جنات مشتملات على الأشجار، والظل، والظليل، والحدائق الحسنة، والأنهار المتدفقة، والقصور العالية، والمنازل المزخرفة، في أبد لا يزول، وعيش لا ينفد.
والعدن "الإقامة" فجنات عدن أي: جنات إقامة، أضافها للإقامة، لأن الإقامة والخلود وصفها ووصف أهلها.
{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ } وهو الحلي الذي يجعل في اليدين، على ما يحبون، ويرون أنه أحسن من غيره، الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء.
{ و } يحلون فيها { لُؤْلُؤًا } ينظم في ثيابهم وأجسادهم. { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } من سندس، ومن إستبرق أخضر.
{ و } لما تم نعيمهم، وكملت لذتهم { قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } وهذا يشمل كل حزن، فلا حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم، ولا في طعامهم وشرابهم، ولا في لذاتهم ولا في أجسادهم، ولا في دوام لبثهم، فهم في نعيم ما يرون عليه مزيدا، وهو في تزايد أبد الآباد.
{ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ } حيث غفر لنا الزلات { شَكُورٌ } حيث قبل منا الحسنات وضاعفها، وأعطانا من فضله ما لم تبلغه أعمالنا ولا أمانينا، فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب، وبشكره وفضله حصل لهم كل مرغوب محبوب.
{ الَّذِي أَحَلَّنَا } أي: أنزلنا نزول حلول واستقرار، لا نزول معبر واعتبار. { دَارَ الْمُقَامَةِ } أي: الدار التي تدوم فيها الإقامة، والدار التي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها، وذلك الإحلال { مِنْ فَضْلِهِ } علينا وكرمه، لا بأعمالنا، فلولا فضله، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
{ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي: لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى، ولا في كثرة التمتع، وهذا يدل على أن اللّه تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب، ولا هم ولا حزن.
ويدل على أنهم لا ينامون في الجنة، لأن النوم فائدته زوال التعب، وحصول الراحة به، وأهل الجنة بخلاف ذلك، ولأنه موت أصغر، وأهل الجنة لا يموتون، جعلنا اللّه منهم، بمنه وكرمه.

{ 36 - 37 }

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ }

لما ذكر تعالى حال أهل الجنة ونعيمهم، ذكر حال أهل النار وعذابهم فقال: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } أي: جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من الآيات، وأنكروا لقاء ربهم.
{ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } يعذبون فيها أشد العذاب، وأبلغ العقاب. { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ } بالموت { فَيَمُوتُوا } فيستريحوا، { وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا } فشدة العذاب وعظمه، مستمر عليهم في جميع الآنات واللحظات.
{ كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } أي: يصرخون ويتصايحون ويستغيثون ويقولون: { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } فاعترفوا بذنبهم، وعرفوا أن اللّه عدل فيهم، ولكن سألوا الرجعة في غير وقتها، فيقال لهم: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا } أي: دهرا وعمرا { يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } أي: يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل، متعناكم في الدنيا، وأدررنا عليكم الأرزاق، وقيضنا لكم أسباب الراحة، ومددنا لكم في العمر، وتابعنا عليكم الآيات، وأوصلنا إليكم النذر، وابتليناكم بالسراء والضراء، لتنيبوا إلينا وترجعوا إلينا، فلم ينجع فيكم إنذار، ولم تفد فيكم موعظة، وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم، وتمت أعماركم، ورحلتم عن دار الإمكان، بأشر الحالات، ووصلتم إلى هذه الدار دار الجزاء على الأعمال، سألتم الرجعة؟ هيهات هيهات، فات وقت الإمكان، وغضب عليكم الرحيم الرحمن، واشتد عليكم عذاب النار، ونسيكم أهل الجنة، فامكثوا فيها خالدين مخلدين، وفي العذاب مهانين، ولهذا قال: { فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } ينصرهم فيخرجهم منها، أو يخفف عنهم من عذابها.


عاشقة الموج 05-11-2010 08:28 AM

{ 38 }

{ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }

لما ذكر تعالى جزاء أهل الدارين، وذكر أعمال الفريقين، أخبر تعالى عن سعة علمه تعالى، واطلاعه على غيب السماوات والأرض، التي غابت عن أبصار الخلق وعن علمهم، وأنه عالم بالسرائر، وما تنطوي عليه الصدور من الخير والشر والزكاء وغيره، فيعطي كلا ما يستحقه، وينزل كل أحد منزلته.
{ 39 }

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا }

يخبر تعالى عن كمال حكمته ورحمته بعباده، أنه قدر بقضائه السابق، أن يجعل بعضهم يخلف بعضا في الأرض، ويرسل لكل أمة من الأمم النذر، فينظر كيف يعملون، فمن كفر باللّه وبما جاءت به رسله، فإن كفره عليه، وعليه إثمه وعقوبته، ولا يحمل عنه أحد، ولا يزداد الكافر بكفره إلا مقت ربه له وبغضه إياه، وأي: عقوبة أعظم من مقت الرب الكريم؟!
{ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا } أي: يخسرون أنفسهم وأهليهم وأعمالهم ومنازلهم في الجنة، فالكافر لا يزال في زيادة من الشقاء والخسران، والخزي عند اللّه وعند خلقه والحرمان.

{ 40 }

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا }

يقول تعالى مُعجِّزًا لآلهة المشركين، ومبينا نقصها، وبطلان شركهم من جميع الوجوه.
{ قُلْ } يا أيها الرسول لهم: { أَرَأَيْتُمْ } أي: أخبروني عن شركائكم
{ الذين تدعون من دون الله } هل هم مستحقون للدعاء والعبادة، فـ
{ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا [مِنَ الْأَرْضِ } هل خلقوا بحرا أم خلقوا جبالا أو خلقوا] حيوانا، أو خلقوا جمادا؟ سيقرون أن الخالق لجميع الأشياء، هو اللّه تعالى، أَمْ لشركائكم شِرْكٌة
{ فِي السَّمَاوَاتِ } في خلقها وتدبيرها؟ سيقولون: ليس لهم شركة.
فإذا لم يخلقوا شيئا، ولم يشاركوا الخالق في خلقه، فلم عبدتموهم ودعوتموهم مع إقراركم بعجزهم؟ فانتفى الدليل العقلي على صحة عبادتهم، ودل على بطلانها.
ثم ذكر الدليل السمعي، وأنه أيضا منتف، فلهذا قال: { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا } يتكلم بما كانوا به يشركون، يأمرهم بالشرك وعبادة الأوثان. { فَهُمْ } في شركهم { عَلَى بَيِّنَةٍ } من ذلك الكتاب الذي نزل عليهم في صحة الشرك؟
ليس الأمر كذلك؟ فإنهم ما نزل عليهم كتاب قبل القرآن، ولا جاءهم نذير قبل رسول اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم، ولو قدر نزول كتاب إليهم، وإرسال رسول إليهم، وزعموا أنه أمرهم بشركهم، فإنا نجزم بكذبهم، لأن اللّه قال:
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }
فالرسل والكتب، كلها متفقة على الأمر بإخلاص الدين للّه تعالى،
{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ }
فإن قيل: إذا كان الدليل العقلي، والنقلي قد دلا على بطلان الشرك، فما الذي حمل المشركين على الشرك، وفيهم ذوو العقول والذكاء والفطنة؟
أجاب تعالى بقوله: { بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا } أي: ذلك الذي مشوا عليه، ليس لهم فيه حجة، فإنما ذلك توصية بعضهم لبعض به، وتزيين بعضهم لبعض، واقتداء المتأخر بالمتقدم الضال، وأمانيّ مَنَّاها الشيطان، وزين لهم [سوء] أعمالهم، فنشأت في قلوبهم، وصارت صفة من صفاتها، فعسر زوالها، وتعسر انفصالها، فحصل ما حصل من الإقامة على الكفر والشرك الباطل المضمحل.

{ 41 }

{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }

يخبر تعالى عن كمال قدرته، وتمام رحمته، وسعة حلمه ومغفرته، وأنه تعالى يمسك السماوات والأرض عن الزوال، فإنهما لو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق، ولعجزت قدرهم وقواهم عنهما.
ولكنه تعالى، قضى أن يكونا كما وجدا، ليحصل للخلق القرار، والنفع، والاعتبار، وليعلموا من عظيم سلطانه وقوة قدرته، ما به تمتلئ قلوبهم له إجلالا وتعظيما، ومحبة وتكريما، وليعلموا كمال حلمه ومغفرته، بإمهال المذنبين، وعدم معالجته للعاصين، مع أنه لو أمر السماء لحصبتهم، ولو أذن للأرض لابتلعتهم، ولكن وسعتهم مغفرته، وحلمه، وكرمه { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }

{ 42 - 43 }

{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا }
أي وأقسم هؤلاء، الذين كذبوك يا رسول اللّه، قسما اجتهدوا فيه بالأيمان الغليظة.
{ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ } أي: أهدى من اليهود والنصارى [أهل الكتب]، فلم يفوا بتلك الإقسامات والعهود.
{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ } لم يهتدوا، ولم يصيروا أهدى من إحدى الأمم، بل لم يدوموا على ضلالهم الذي كان، بل { مَا زَادَهُمْ } ذلك { إِلَّا نُفُورًا } وزيادة ضلال وبغي وعناد.
وليس إقسامهم المذكور، لقصد حسن، وطلب للحق، وإلا لوفقوا له، ولكنه صادر عن استكبار في الأرض على الخلق، وعلى الحق، وبهرجة في كلامهم هذا، يريدون به المكر والخداع، وأنهم أهل الحق، الحريصون على طلبه، فيغتر به المغترون، ويمشي خلفهم المقتدون.
{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ } الذي مقصوده مقصود سيئ، ومآله وما يرمي إليه سيئ باطل { إِلَّا بِأَهْلِهِ } فمكرهم إنما يعود عليهم، وقد أبان اللّه لعباده في هذه المقالات وتلك الإقسامات، أنهم كذبة في ذلك مزورون، فاستبان خزيهم، وظهرت فضيحتهم، وتبين قصدهم السيئ، فعاد مكرهم في نحورهم، ورد اللّه كيدهم في صدورهم.
فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، الذي هو سنة اللّه في الأولين، التي لا تبدل ولا تغير، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد، أن يحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء، ما فعل بأولئك.

{ 44 - 45 }

{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا * وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا }

يحض تعالى على السير في الأرض، في القلوب والأبدان، للاعتبار، لا لمجرد النظر والغفلة، وأن ينظروا إلى عاقبة الذين من قبلهم ممن كذبوا الرسل، وكانوا أكثر منهم أموالا وأولادا وأشد قوة، وعمروا الأرض أكثر مما عمرها هؤلاء، فلما جاءهم العذاب، لم تنفعهم قوتهم، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا، ونفذت فيهم قدرة اللّه ومشيئته.
{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ } لكمال علمه وقدرته
{ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا }
ثم ذكر تعالى كمال حلمه، وشدة إمهاله وإنظاره أرباب الجرائم والذنوب، فقال:
{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا } من الذنوب { مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ } أي: لاستوعبت العقوبة، حتى الحيوانات غير المكلفة.
{ وَلَكِنْ } يمهلهم تعالى ولا يهملهم و
{ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } فيجازيهم بحسب ما علمه منهم، من خير وشر.
تم تفسير سورة فاطر، والحمد للّه رب العالمين

عاشقة الموج 05-11-2010 08:31 AM

لله الحمد والمنة والثناء الحسن
تم

الانتهاء من تفسير سورة فاطر

و نتابع بإذن المولى أسباب


نزول سورة يس

فما كان من التوفيق فمن الله و رسوله

و إن كان خطأ فمن النفس و الشيطان

هذا رابط للاستماع لمختلف القراءات لمختلف مشايخ المسلمين


http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=surahlist

محمد رافع 52 05-11-2010 08:48 AM

تفسير سورة ق
{1} ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ
سُورَة ق [ مَكِّيَّة إلَّا آيَة 38 فَمَدَنِيَّة وآياتا 45 ]
"ق" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ "وَالْقُرْآن الْمَجِيد" الْكَرِيم مَا آمَنَ كُفَّار مَكَّة بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{2} بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ
"بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ" رَسُول مِنْ أَنْفُسهمْ يُخَوِّفهُمْ بِالنَّارِ بَعْد الْبَعْث "فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا" الْإِنْذَار
{3} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ
"أَإِذَا" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ "مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا" نَرْجِع ؟ "ذَلِكَ رَجْع بَعِيد" فِي غَايَة الْبُعْد
{4} قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ
"قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُص الْأَرْض" تَأْكُل "مِنْهُمْ وَعِنْدنَا كِتَاب حَفِيظ" هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فِيهِ جَمِيع الْأَشْيَاء الْمُقَدَّرَة
{5} بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ
"بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ" بِالْقُرْآنِ "لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ" فِي شَأْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن "فِي أَمْر مَرِيج" مُضْطَرِب قَالُوا مَرَّة : سَاحِر وَسِحْر وَمَرَّة : شَاعِر وَشِعْر وَمَرَّة : كَاهِن وَكَهَانَة
{6} أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ
"أَفَلَمْ يَنْظُرُوا" بِعُيُونِهِمْ مُعْتَبِرِينَ بِعُقُولِهِمْ حِين أَنْكَرُوا الْبَعْث "إلَى السَّمَاء" كَائِنَة "فَوْقهمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا" بِلَا عَمَد "وَزَيَّنَّاهَا" بِالْكَوَاكِبِ "وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوج" شُقُوق تَعِيبهَا
{7} وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
"وَالْأَرْض" مَعْطُوف عَلَى مَوْضِع إلَى السَّمَاء كَيْفَ "مَدَدْنَاهَا" دَحَوْنَاهَا عَلَى وَجْه الْمَاء "وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ" جِبَالًا تُثَبِّتهَا "وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج" صِنْف "بَهِيج" يُبْهِج بِهِ لِحُسْنِهِ
{8} تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ
"تَبْصِرَة" مَفْعُول لَهُ أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِيرًا مِنَّا "وَذِكْرَى" تَذْكِيرًا "لِكُلِّ عَبْد مُنِيب" رَجَّاع إلَى طَاعَتنَا
{9} وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ
"وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُبَارَكًا" كَثِير الْبَرَكَة "فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّات" بَسَاتِين "وَحَبّ" الزَّرْع "الْحَصِيد" الْمَحْصُود
{10} وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ
"وَالنَّخْل بَاسِقَات" طِوَالًا حَال مُقَدَّرَة "لَهَا طَلْع نَضِيد" مُتَرَاكِب بَعْضه فَوْق بَعْض
{11} رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ
"رِزْقًا لِلْعِبَادِ" مَفْعُول لَهُ "وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلَدًا مَيْتًا" يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث "كَذَلِكَ" أَيْ مِثْل هَذَا الْإِحْيَاء "الْخُرُوج" مِنْ الْقُبُور فَكَيْفَ تُنْكِرُونَهُ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ نَظَرُوا وَعَلِمُوا مَا ذُكِرَ
{12} كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ
"كَذَّبَتْ قَبْلهمْ قَوْم نُوح" تَأْنِيث الْفِعْل بِمَعْنَى قَوْم "وَأَصْحَاب الرَّسّ" هِيَ بِئْر كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَيْهَا بِمَوَاشِيهِمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام وَنَبِيّهمْ : قِيلَ حَنْظَلَة بْن صَفْوَان وَقِيلَ غَيْره "وَثَمُود" قَوْم صَالِح
{13} وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ
"وَعَادٌ" قَوْم هُود
{14} وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ
"وَأَصْحَاب الْأَيْكَة" الْغَيْضَة قَوْم شُعَيْب "وَقَوْم تُبَّع" هُوَ مَلِك كَانَ بِالْيَمَنِ أَسْلَمَ وَدَعَا قَوْمه إلَى الْإِسْلَام فَكَذَّبُوهُ "كُلّ" مِنْ الْمَذْكُورِينَ "كَذَّبَ الرُّسُل" كَقُرَيْشٍ "فَحَقَّ وَعِيد" وَجَبَ نُزُول الْعَذَاب عَلَى الْجَمِيع فَلَا يَضِيق صَدْرك مِنْ كُفْر قُرَيْش بِك
{15} أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
"أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّل" أَيْ لَمْ نَعْي بِهِ فَلَا نَعْيَا بِالْإِعَادَةِ "بَلْ هُمْ فِي لَبْس" شَكّ "مِنْ خَلْق جَدِيد" وَهُوَ الْبَعْث

محمد رافع 52 05-11-2010 09:38 AM

ق
{16} وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان وَنَعْلَم" حَال بِتَقْدِيرِ نَحْنُ "مَا" مَصْدَرِيَّة "تُوَسْوِس" تُحَدِّث "بِهِ" الْبَاء زَائِدَة وَالضَّمِير لِلْإِنْسَانِ "وَنَحْنُ أَقْرَب إلَيْهِ" بِالْعِلْمِ "مِنْ حَبْل الْوَرِيد" الْإِضَافَة لِلْبَيَانِ وَالْوَرِيدَانِ عِرْقَانِ بِصَفْحَتَيْ الْعُنُق
{17} إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ
"إذْ" مَنْصُوبَة باُذْكُرْ مُقَدَّرًا "يَتَلَقَّى" يَأْخُذ وَيَثْبُت "الْمُتَلَقِّيَانِ" الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلَانِ بِالْإِنْسَانِ مَا يَعْمَلهُ "عَنِ الْيَمِين وَعَنِ الشِّمَال" مِنْهُ "قَعِيد" أَيْ قَاعِدَانِ وَهُوَ مُبْتَدَأ خَبَره مَا قَبْله
{18} مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
"مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل إلَّا لَدَيْهِ رَقِيب" حَافِظ "عَتِيد" حَاضِر وَكُلّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْمُثَنَّى
{19} وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ
"وَجَاءَتْ سَكْرَة الْمَوْت" غَمْرَته وَشِدَّته "بِالْحَقِّ" مِنْ أَمْر الْآخِرَة حَتَّى الْمُنْكِر لَهَا عِيَانًا وَهُوَ نَفْس الشِّدَّة "ذَلِكَ" أَيْ الْمَوْت "مَا كُنْت مِنْهُ تَحِيد" تَهْرَب وَتَفْزَع
{20} وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ
"وَنُفِخَ فِي الصُّور" لِلْبَعْثِ "ذَلِكَ" أَيْ يَوْم النَّفْخ "يَوْم الْوَعِيد" لِلْكُفَّارِ بِالْعَذَابِ
{21} وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ
"وَجَاءَتْ" فِيهِ "كُلّ نَفْس" إلَى الْمَحْشَر "مَعَهَا سَائِق" مَلَك يَسُوقهَا إلَيْهِ "وَشَهِيد" يَشْهَد عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا وَهُوَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل وَغَيْرهَا وَيُقَال لِلْكَافِرِ
{22} لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ
"لَقَدْ كُنْت" فِي الدُّنْيَا "فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا" النَّازِل بِك الْيَوْم "فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك" أَزَلْنَا غَفْلَتك بِمَا تُشَاهِدهُ الْيَوْم "فَبَصَرك الْيَوْم حَدِيد" حَادَ تُدْرِك بِهِ مَا أَنْكَرْته فِي الدُّنْيَا
{23} وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ
"وَقَالَ قَرِينه" الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِ "هَذَا مَا" أَيْ الَّذِي "لَدَيَّ عَتِيد" حَاضِر فَيُقَال لِمَالِكِ :
{24} أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
"أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم" أَيْ : أَلْقِ أَلْقِ أَوْ أَلْقِيَن وَبِهِ قَرَأَ الْحَسَن فَأُبْدِلَتْ النُّون أَلِفًا "كُلّ كَفَّار عَنِيد" مُعَانِد لِلْحَقِّ
{25} مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ
"مَنَّاع لِلْخَيْرِ" كَالزَّكَاةِ "مُعْتَدٍ" ظَالِم "مُرِيب" شَاكّ فِي دِينه
{26} الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ
"الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّه إلَهًا آخَر" مُبْتَدَأ ضُمِّنَ مَعْنَى الشَّرْط خَبَره "فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَاب الشَّدِيد" تَفْسِيره مِثْل مَا تَقَدَّمَ
{27} قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ
"قَالَ قَرِينه" الشَّيْطَان "رَبّنَا مَا أَطْغَيْته" أَضْلَلْته "وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَال بَعِيد" فَدَعَوْته فَاسْتَجَابَ لِي وَقَالَ هُوَ أَطْغَانِي بِدُعَائِهِ لَهُ
{28} قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ
"قَالَ" تَعَالَى "لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ" أَيْ مَا يَنْفَع الْخِصَام هُنَا "وَقَدْ قَدَّمْت إلَيْكُمْ" فِي الدُّنْيَا "بِالْوَعِيدِ" بِالْعَذَابِ فِي الْآخِرَة لَوْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَا بُدّ مِنْهُ
{29} مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
"مَا يُبَدَّل" يُغَيَّر "الْقَوْل لَدَيَّ" فِي ذَلِكَ "وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" فَأُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ جُرْم وَظَلَّام بِمَعْنَى ذِي ظُلْم لِقَوْلِهِ "لَا ظُلْم الْيَوْم"
{30} يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ
"يَوْم" نَاصِبه ظَلَّام "نَقُول" بِالنُّونِ وَالْيَاء "لِجَهَنَّم هَلْ امْتَلَأْت" اسْتِفْهَام تَحْقِيق لِوَعْدِهِ بِمَلْئِهَا "وَتَقُول" بِصُورَةِ الِاسْتِفْهَام كَالسُّؤَالِ "هَلْ مِنْ مَزِيد" أَيْ لَا أَسَع غَيْر مَا امْتَلَأْت بِهِ أَيْ قَدْ امْتَلَأْت
{31} وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
"وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّة" قَرُبَتْ "لِلْمُتَّقِينَ" مَكَانًا "غَيْر بَعِيد" مِنْهُمْ فَيَرَوْنَهَا وَيُقَال لَهُمْ :
{32} هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
"هَذَا" الْمَرْئِيّ "مَا تُوعَدُونَ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء فِي الدُّنْيَا وَيُبْدَل مِنْ لِلْمُتَّقِينَ قَوْله : "لِكُلِّ أَوَّاب" رَجَّاع إلَى طَاعَة اللَّه "حَفِيظ" حَافِظ لِحُدُودِهِ
{33} مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ
"مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ" خَافَهُ وَلَمْ يَرَهُ "وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيب" مُقْبِل عَلَى طَاعَته وَيُقَال لِلْمُتَّقِينَ أَيْضًا
{34} ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ
"اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ" سَالِمِينَ مِنْ كُلّ مَخُوف أَوْ مَعَ سَلَام أَيْ سَلِّمُوا وَادْخُلُوا "ذَلِكَ" الْيَوْم الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الدُّخُول "يَوْم الْخُلُود" الدَّوَام فِي الْجَنَّة
{35} لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
"لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيد" زِيَادَة عَلَى مَا عَلِمُوا وَطَلَبُوا

محمد رافع 52 05-11-2010 09:40 AM

ق
{36} وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ
"وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن" أَيْ أَهْلَكْنَا قَبْل كُفَّار قُرَيْش قُرُونًا كَثِيرَة مِنْ الْكُفَّار "هُمْ أَشَدّ بَطْشًا" قُوَّة "فَنَقَّبُوا" فَتَّشُوا "فِي الْبِلَاد هَلْ مِنْ مَحِيص" لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَوْت فَلَمْ يَجِدُوا
{37} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
"إنَّ فِي ذَلِكَ" الْمَذْكُور "لَذِكْرَى" لَعِظَة "لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب" عَقْل "أَوْ أَلْقَى السَّمْع" اسْتَمَعَ الْوَعْظ "وَهُوَ شَهِيد" حَاضِر بِالْقَلْبِ
{38} وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ
"وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام" أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة "وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب" تَعَب نَزَلَ رَدًّا عَلَى الْيَهُود فِي قَوْلهمْ : إنَّ اللَّه اسْتَرَاحَ يَوْم السَّبْت وَانْتِفَاء التَّعَب عَنْهُ لِتَنَزُّهِهِ تَعَالَى عَنْ صِفَات الْمَخْلُوقِينَ وَلِعَدَمِ الْمُمَاسَّة بَيْنه وَبَيْن غَيْره "إنَّمَا أَمْره إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون"
{39} فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ
"فَاصْبِرْ" خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَلَى مَا يَقُولُونَ" أَيْ الْيَهُود وَغَيْرهمْ مِنْ التَّشْبِيه وَالتَّكْذِيب "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك" صَلِّ حَامِدًا "قَبْل طُلُوع الشَّمْس" أَيْ صَلَاة الصُّبْح "وَقَبْل الْغُرُوب" أَيْ صَلَاة الظُّهْر وَالْعَصْر
{40} وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ
"وَمِنَ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ" أَيْ صَلِّ الْعِشَاءَيْنِ "وَأَدْبَار السُّجُود" بِفَتْحِ الْهَمْزَة جَمْع دَبْر وَكَسْرهَا مَصْدَر أَدْبَرَ أَيْ صَلِّ النَّوَافِل الْمَسْنُونَة عَقِب الْفَرَائِض وَقِيلَ الْمُرَاد حَقِيقَة التَّسْبِيح فِي هَذِهِ الْأَوْقَات مُلَابِسًا لِلْحَمْدِ
{41} وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ
"وَاسْتَمِعْ" يَا مُخَاطَب مَقُولِي "يَوْم يُنَادِ الْمُنَادِ" هُوَ إسْرَافِيل "مِنْ مَكَان قَرِيب" مِنْ السَّمَاء وَهُوَ صَخْرَة بَيْت الْمَقْدِس أَقْرَب مَوْضِع مِنْ الْأَرْض إلَى السَّمَاء يَقُول : أَيَّتهَا الْعِظَام الْبَالِيَة وَالْأَوْصَال الْمُتَقَطِّعَة وَاللُّحُوم الْمُتَمَزِّقَة وَالشُّعُور الْمُتَفَرِّقَة إنَّ اللَّه يَأْمُركُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ الْقَضَاء
{42} يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ
"يَوْم" بَدَل مِنْ يَوْم قَبْله "يَسْمَعُونَ" أَيْ الْخَلْق كُلّهمْ "الصَّيْحَة بِالْحَقِّ" بِالْبَعْثِ وَهِيَ النَّفْخَة الثَّانِيَة مِنْ إسْرَافِيل وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون قَبْل نِدَائِهِ وَبَعْده "ذَلِكَ" أَيْ يَوْم النِّدَاء وَالسَّمَاع "يَوْم الْخُرُوج" مِنْ الْقُبُور وَنَاصِب يَوْم يُنَادِي مُقَدَّرًا أَيْ يَعْلَمُونَ عَاقِبَة تَكْذِيبهمْ
{44} يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ
"يَوْم" بَدَل مِنْ يَوْم قَبْله وَمَا بَيْنهمَا اعْتِرَاض "تَشَقَّقَ" بِتَخْفِيفِ الشِّين وَتَشْدِيدهَا بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِيهَا "الْأَرْض عَنْهُمْ سِرَاعًا" جَمْع سَرِيع حَال مِنْ مُقَدَّر أَيْ فَيَخْرُجُونَ مُسْرِعِينَ "ذَلِكَ حَشْر عَلَيْنَا يَسِير" فِيهِ فَصْل بَيْن الْمَوْصُوف وَالصِّفَة بِمُتَعَلِّقِهَا لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ لَا يَضُرّ وَذَلِكَ إشَارَة إلَى مَعْنَى الْحَشْر الْمُخْبَر بِهِ عَنْهُ وَهُوَ الْإِحْيَاء بَعْد الْفَنَاء وَالْجَمْع لِلْعَرْضِ وَالْحِسَاب
{45} نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ
"نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَقُولُونَ" أَيْ كُفَّار قُرَيْش "وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ" تُجْبِرهُمْ عَلَى الْإِيمَان وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْجِهَادِ "فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَاف وَعِيد" وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ

أيمن البدري 09-11-2010 10:07 PM

جزاك الله خيرا

محمد رافع 52 10-11-2010 02:41 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة captin9000 (المشاركة 2818013)
جزاك الله خيرا

بارك الله فيك

maha_ramadan 11-11-2010 06:31 PM

http://www.lakii.com/vb/smile/32_306.gif

ما شاء الله بجد مجهود رائع جعله الله فى ميزان حسناتك

محمد رافع 52 11-11-2010 10:06 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maha_ramadan (المشاركة 2822981)



ما شاء الله بجد مجهود رائع جعله الله فى ميزان حسناتك

بارك الله لك في عمرك وأهلك ومالك
اللهم آمين

محمد رافع 52 12-11-2010 09:12 PM

تفسير سورة الحجرات
{1} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
سُورَة الْحُجُرَات [ مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا ثَمَانِي عَشْرَة آيَة ]
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا" مِنْ قَدَّمَ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ أَيْ لَا تُقَدِّمُوا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْل "بَيْن يَدَيِ اللَّه وَرَسُوله" الْمُبَلِّغ عَنْهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنهمَا "وَاتَّقُوا اللَّه إنَّ اللَّه سَمِيع" لِقَوْلِكُمْ "عَلِيم" بِفِعْلِكُمْ نَزَلَتْ فِي مُجَادَلَة أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْمِير الْأَقْرَع بْن حَابِس أَوْ الْقَعْقَاع بْن مَعْبَد وَنَزَلَ فِيمَنْ رَفَعَ صَوْته عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{2} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ" إذَا نَطَقْتُمْ "فَوْق صَوْت النَّبِيّ" إذَا نَطَقَ "وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ" إذَا نَاجَيْتُمُوهُ "كَجَهْرِ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ" بَلْ دُون ذَلِكَ إجْلَالًا لَهُ "أَنْ تَحْبَط أَعْمَالكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" أَيْ خَشْيَة ذَلِكَ بِالرَّفْعِ وَالْجَهْر الْمَذْكُورَيْنِ وَنَزَلَ فِيمَنْ كَانَ يَخْفِض صَوْته عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَبِي بَكْر وَعُمَر وَغَيْرهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ
{3} إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
"إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتهمْ عِنْد رَسُول اللَّه أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ" اخْتَبَرَ "اللَّه قُلُوبهمْ لِلتَّقْوَى" أَيْ لِتَظْهَر مِنْهُمْ "لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم" الْجَنَّة وَنَزَلَ فِي قَوْم جَاءُوا وَقْت الظَّهِيرَة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِله فَنَادَوْهُ
{4} إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
"إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات" حُجُرَات نِسَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْع حُجْرَة وَهِيَ مَا يُحْجَر عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْض بِحَائِطٍ وَنَحْوه وَكَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ نَادَى خَلْف حُجْرَة لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ فِي أَيّ حُجْرَة مُنَادَاة الْأَعْرَاب بِغِلْظَةٍ وَجَفَاء "أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ" فِيمَا فَعَلُوهُ مَحَلّك الرَّفِيع وَمَا يُنَاسِبهُ مِنْ التَّعْظِيم

محمد رافع 52 12-11-2010 09:14 PM

الحجرات

{5} وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
"وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا" أَنَّهُمْ فِي مَحَلّ رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَقِيلَ فَاعِل لِفِعْلٍ مُقَدَّر أَيْ ثَبَتَ "حَتَّى تَخْرُج إلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم" لِمَنْ تَابَ مِنْهُمْ , وَنَزَلَ فِي الْوَلِيد بْن عُقْبَة وَقَدْ بَعَثَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي الْمُصْطَلِق مُصَدِّقًا فَخَافَهُمْ لِتِرَةٍ كَانَتْ بَيْنه وَبَيْنهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَرَجَعَ وَقَالَ إنَّهُمْ مَنَعُوا الصَّدَقَة وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَهَمَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَزْوِهِمْ فَجَاءُوا مُنْكِرِينَ مَا قَالَهُ عَنْهُمْ
{6} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِق بِنَبَإٍ" خَبَر "فَتَبَيَّنُوا" صِدْقه مِنْ كَذِبه وَفِي قِرَاءَة فَتَثَبَّتُوا مِنْ الثَّبَات "أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا" مَفْعُول لَهُ أَيْ خَشْيَة ذَلِكَ "بِجَهَالَةٍ" حَال مِنْ الْفَاعِل ; أَيْ جَاهِلِينَ "فَتُصْبِحُوا" تَصِيرُوا "عَلَى مَا فَعَلْتُمْ" مِنْ الْخَطَأ بِالْقَوْمِ "نَادِمِينَ" وَأَرْسَلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ سَلَّمَ إلَيْهِمْ بَعْد عَوْدهمْ إلَى بِلَادهمْ خَالِدًا فَلَمْ يَرَ فِيهِمْ إلَّا الطَّاعَة وَالْخَيْر فَأَخْبَرَ النَّبِيّ بِذَلِكَ
{7} وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ
"وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللَّه" فَلَا تَقُولُوا الْبَاطِل فَإِنَّ اللَّه يُخْبِرهُ بِالْحَالِ "لَوْ يُطِيعكُمْ فِي كَثِير مِنَ الْأَمْر" الَّذِي تُخْبِرُونَ بِهِ عَلَى خِلَاف الْوَاقِع فَيُرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ "لَعَنِتُّمْ" لَأَثِمْتُمْ دُونه إثْم التَّسَبُّب إلَى الْمُرَتَّب "وَلَكِنَّ اللَّه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان وَزَيَّنَهُ" حَسَّنَهُ "فِي قُلُوبكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان" اسْتِدْرَاك مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى دُون اللَّفْظ لِأَنَّ مَنْ حُبِّبَ إلَيْهِ الْإِيمَان إلَخْ غَايَرَتْ صِفَته صِفَة مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْره "أُولَئِكَ هُمْ" فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْخِطَاب "الرَّاشِدُونَ" الثَّابِتُونَ عَلَى دِينهمْ
{8} فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
"فَضْلًا مِنَ اللَّه" مَصْدَر مَنْصُوب بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر أَيْ أَفْضَل "وَنِعْمَة" مِنْهُ "وَاَللَّه عَلِيم" بِهِمْ "حَكِيم" فِي إنْعَامه عَلَيْهِمْ
{9} وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
"وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَضِيَّة هِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا وَمَرَّ عَلَى ابْن أُبَيٍّ فَبَالَ الْحِمَار فَسَدَّ ابْن أُبَيٍّ أَنْفه فَقَالَ ابْن رَوَاحَة : وَاَللَّه لَبَوْل حِمَاره أَطْيَب رِيحًا مِنْ مِسْكك فَكَانَ بَيْن قَوْمَيْهِمَا ضَرْب بِالْأَيْدِي وَالنِّعَال وَالسَّعَف "اقْتَتَلُوا" جُمِعَ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ كُلّ طَائِفَة جَمَاعَة وَقُرِئَ اقْتَتَلَتَا "فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا" ثُنِّيَ نَظَرًا إلَى اللَّفْظ "فَإِنْ بَغَتْ" تَعَدَّتْ "إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء" تَرْجِع "إلَى أَمْر اللَّه" الْحَقّ "فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ" بِالْإِنْصَافِ "وَأَقْسِطُوا" اعْدِلُوا
{10} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
"إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة" فِي الدِّين "فَأَصْلِحُوا بَيْن أَخَوَيْكُمْ" إذَا تَنَازَعَا وَقُرِئَ إخْوَتكُمْ بالفوقانية
{11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَر" الْآيَة نَزَلَتْ فِي وَفْد تَمِيم حِين سَخِرُوا مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ كَعَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ وَالسُّخْرِيَّة : الِازْدِرَاء وَالِاحْتِقَار "قَوْم" أَيْ رِجَال مِنْكُمْ "مِنْ قَوْم عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ" عِنْد اللَّه "وَلَا نِسَاء" مِنْكُمْ "مِنْ نِسَاء عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسكُمْ" لَا تَعِيبُوا فَتُعَابُوا أَيْ لَا يَعِبْ بَعْضكُمْ بَعْضًا "وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" لَا يَدْعُو بَعْضكُمْ بَعْضًا بِلَقَبٍ يَكْرَههُ وَمِنْهُ يَا فَاسِق يَا كَافِر "بِئْسَ الِاسْم" أَيْ الْمَذْكُور مِنْ السُّخْرِيَّة وَاللَّمْز وَالتَّنَابُز "الْفُسُوق بَعْد الْإِيمَان" بَدَل مِنْ الِاسْم أَنَّهُ فِسْق لِتَكَرُّرِهِ عَادَة "وَمَنْ لَمْ يَتُبْ" مِنْ ذَلِكَ

محمد رافع 52 12-11-2010 09:17 PM

الحجرات
{12} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنّ إنَّ بَعْض الظَّنّ إثْم" أَيْ مُؤْثِم وَهُوَ كَثِير كَظَنِّ السَّوْء بِأَهْلِ الْخَيْر مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ كَثِير بِخِلَافِهِ بِالْفُسَّاقِ مِنْهُمْ فَلَا إثْم فِيهِ فِي نَحْو مَا يَظْهَر مِنْهُمْ "وَلَا تَجَسَّسُوا" حُذِفَ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ لَا تَتَّبِعُوا عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ وَمَعَايِبهمْ بِالْبَحْثِ عَنْهَا "وَلَا يَغْتَبْ بَعْضكُمْ بَعْضًا" لَا يَذْكُرهُ بِشَيْءٍ يَكْرَههُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ "أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ يَأْكُل لَحْم أَخِيهِ مَيْتًا" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَيْ لَا يَحْسُن بِهِ "فَكَرِهْتُمُوهُ" أَيْ فَاغْتِيَابه فِي حَيَاته كَأَكْلِ لَحْمه بَعْد مَمَاته وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْكُمْ الثَّانِي فَكَرِهْتُمُوهُ فَاكْرَهُوا الْأَوَّل "وَاتَّقُوا اللَّه" أَيْ عِقَابه فِي الِاغْتِيَاب بِأَنْ تَتُوبُوا مِنْهُ "إنَّ اللَّه تَوَّاب" قَابِل تَوْبَة التَّائِبِينَ "رَحِيم" بِهِمْ
{13} يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
"يَا أَيّهَا النَّاس إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى" آدَم وَحَوَّاء "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا" جَمْع شَعْب بِفَتْحِ الشِّين هُوَ أَعْلَى طَبَقَات النَّسَب "وَقَبَائِل" هِيَ دُون الشُّعُوب وَبَعْدهَا الْعَمَائِر ثُمَّ الْبُطُون ثُمَّ الْأَفْخَاذ ثُمَّ الْفَصَائِل آخِرهَا مِثَاله خُزَيْمَة : شَعْب كِنَانَة : قَبِيلَة قُرَيْش : عِمَارَة بِكَسْرِ الْعَيْن قُصَيّ : بَطْن هَاشِم : فَخْذ الْعَبَّاس : فَصِيلَة "لِتَعَارَفُوا" حُذِفَ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ لِيَعْرِف بَعْضكُمْ بَعْضًا لَا لِتُفَاخِرُوا بِعُلُوِّ النَّسَب وَإِنَّمَا الْفَخْر بِالتَّقْوَى "إنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّه عَلِيم" بِكُمْ "خَبِير" بِبَوَاطِنِكُمْ
{14} قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
"قَالَتِ الْأَعْرَاب" نَفَر مِنْ بَنِي أَسَد "آمَنَّا" صَدَّقْنَا بِقُلُوبِنَا "قُلْ" لَهُمْ "لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا" انْقَدْنَا ظَاهِرًا "وَلَمَّا" أَيْ : لَمْ "يَدْخُل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ" إلَى الْآن لَكِنَّهُ يَتَوَقَّع مِنْكُمْ "وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله" بِالْإِيمَانِ وَغَيْره "لَا يَلِتْكُمْ" بِالْهَمْزِ وَتَرْكه وَبِإِبْدَالِهِ أَلِفًا : لَا يُنْقِصكُمْ "مِنْ أَعْمَالكُمْ" أَيْ مِنْ ثَوَابهَا "شَيْئًا إنَّ اللَّه غَفُور" لِلْمُؤْمِنِينَ "رَحِيم" بِهِمْ
{15} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
"إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ" أَيْ الصَّادِقُونَ فِي إيمَانهمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْد "الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله لَمْ يَرْتَابُوا" لَمْ يَشُكُّوا فِي الْإِيمَان "وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه" فَجِهَادهمْ يَظْهَر بِصِدْقِ إيمَانهمْ "أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" فِي إيمَانهمْ لَا مَنْ قَالُوا آمَنَّا وَلَمْ يُوجَد مِنْهُمْ غَيْر الْإِسْلَام
{16} قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
"قُلْ" لَهُمْ "أَتُعَلِّمُونَ اللَّه بِدِينِكُمْ" مُضَعَّف عَلِمَ بِمَعْنَى شَعَرَ أَيْ أَتُشْعِرُونَهُ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فِي قَوْلكُمْ آمَنَّا
{17} يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
"يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلَمُوا" مِنْ غَيْر قِتَال بِخِلَافِ غَيْرهمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْد قِتَاله مِنْهُمْ "قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامكُمْ" مَنْصُوب بِنَزْعِ الْخَافِض الْبَاء وَيُقَدَّر قَبْل أَنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ "بَلِ اللَّه يَمُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِي قَوْلكُمْ آمَنَّا
{18} إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
"إنَّ اللَّه يَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض" أَيْ مَا غَابَ فِيهِمَا "وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ

محمد رافع 52 14-11-2010 01:44 AM

تفسير سورة الفتح
{1} إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا
سُورَة الْفَتْح [ مَدَنِيَّة نَزَلَتْ فِي الطَّرِيق عِنْد الِانْصِرَاف مِنْ الْحُدَيْبِيَة وَآيَاتهَا 29 ]
"إنَّا فَتَحْنَا لَك" قَضَيْنَا بِفَتْحِ مَكَّة وَغَيْرهَا فِي الْمُسْتَقْبَل عِنْوَة بِجِهَادِك "فَتْحًا مُبِينًا" بَيِّنًا ظَاهِرًا
{2} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
"لِيَغْفِر لَك اللَّه" بِجِهَادِك "مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ" مِنْهُ لِتُرَغِّب أُمَّتك فِي الْجِهَاد وَهُوَ مُؤَوَّل لِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيّ الْقَاطِع مِنْ الذُّنُوب وَاللَّام لِلْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ فَمَدْخُولهَا مُسَبَّب لَا سَبَب "وَيُتِمّ" بِالْفَتْحِ الْمَذْكُور "نِعْمَته" إنْعَامه "عَلَيْك وَيَهْدِيَك" بِهِ "صِرَاطًا" طَرِيقًا "مُسْتَقِيمًا" يُثَبِّتك عَلَيْهِ وَهُوَ دِين الْإِسْلَام
{3} وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا
"وَيَنْصُرك اللَّه" بِهِ "نَصْرًا عَزِيزًا" ذَا عِزّ لَا ذُلّ لَهُ
{4} هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَة" الطُّمَأْنِينَة "فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانهمْ" بِشَرَائِع الدِّين كُلَّمَا نَزَلَ وَاحِدَة مِنْهَا آمَنُوا بِهَا وَمِنْهَا الْجِهَاد "وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَاوَات وَالْأَرْض" فَلَوْ أَرَادَ نَصْر دِينه بِغَيْرِكُمْ لَفَعَلَ "وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا" بِخَلْقِهِ "حَكِيمًا" فِي صُنْعه أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
{5} لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا
"لِيُدْخِل" مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَمَرَ بِالْجِهَادِ
{6} وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
"وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات الظَّانِّينَ بِاَللَّهِ ظَنّ السَّوْء" بِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَنْصُر مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ "عَلَيْهِمْ دَائِرَة السَّوْء" بِالذُّلِّ وَالْعَذَاب "وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ" أَبْعَدَهُمْ "وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا" مَرْجِعًا
{7} وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
"وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا" فِي مُلْكه "حَكِيمًا" فِي صُنْعه أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
{8} إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
"إنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا" عَلَى أُمَّتك فِي الْقِيَامَة "وَمُبَشِّرًا" لَهُمْ فِي الدُّنْيَا "وَنَذِيرًا" مُنْذِرًا مُخَوِّفًا فِيهَا مَنْ عَمِلَ سُوءًا بِالنَّارِ
{9} لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
"لِيُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله" بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِيهِ وَفِي الثَّلَاثَة بَعْده "وَيُعَزِّرُوهُ" يَنْصُرُوهُ وَقُرِئَ بِزَايَيْنِ مَعَ الْفَوْقَانِيَّة "وَيُوَقِّرُوهُ" يُعَظِّمُوهُ وَضَمِيرهَا لِلَّهِ أَوْ لِرَسُولِهِ "وَيُسَبِّحُوهُ" أَيْ اللَّه "بُكْرَة وَأَصِيلًا" بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ

محمد رافع 52 14-11-2010 01:46 AM

الفتح
{10} إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
"إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك" بَيْعَة الرِّضْوَان بِالْحُدَيْبِيَةِ "إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه" هُوَ نَحْو "مَنْ يُطِعِ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه" "يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ" الَّتِي بَايَعُوا بِهَا النَّبِيّ أَيْ هُوَ تَعَالَى مُطَلِّع عَلَى مُبَايَعَتهمْ فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا "فَمَنْ نَكَثَ" نَقَضَ الْبَيْعَة "فَإِنَّمَا يَنْكُث" يَرْجِع وَبَال نَقْضه "عَلَى نَفْسه وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه فَسَيُؤْتِيهِ" بِالْيَاءِ وَالنُّون
{11} سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
"سَيَقُولُ لَك الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَاب" حَوْل الْمَدِينَة أَيْ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ اللَّه عَنْ صُحْبَتك لَمَّا طَلَبْتهمْ لِيَخْرُجُوا مَعَك إلَى مَكَّة خَوْفًا مِنْ تَعَرُّض قُرَيْش لَك عَام الْحُدَيْبِيَة إذَا رَجَعْت مِنْهَا "شَغَلَتْنَا أَمْوَالنَا وَأَهْلُونَا" عَنْ الْخُرُوج مَعَك "فَاسْتَغْفِرْ لَنَا" اللَّه مِنْ تَرْك الْخُرُوج مَعَك قَالَ تَعَالَى مُكَذِّبًا لَهُمْ "يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ" أَيْ مِنْ طَلَب الِاسْتِغْفَار وَمَا قَبْله "مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ" فَهُمْ كَاذِبُونَ فِي اعْتِذَارهمْ "قُلْ فَمَنْ" اسْتِفْهَام بِمَعْنَى النَّفْي أَيْ لَا أَحَد "يَمْلِك لَكُمْ مِنَ اللَّه شَيْئًا إنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا" بِفَتْحِ الضَّاد وَضَمّهَا "أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
{12} بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا
"بَلْ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَض إلَى آخَر "ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِب الرَّسُول وَالْمُؤْمِنُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبكُمْ" أَيْ أَنَّهُمْ يُسْتَأْصَلُونَ بِالْقَتْلِ فَلَا يَرْجِعُونَ "وَظَنَنْتُمْ ظَنّ السَّوْء" هَذَا وَغَيْره "وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا" جَمْع بَائِر أَيْ هَالِكِينَ عِنْد اللَّه بِهَذَا الظَّنّ
{13} وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا
"وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرَسُوله فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا" نَارًا شَدِيدَة
{14} وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
"وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا" أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِمَا ذُكِرَ
{15} سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا
"سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ" الْمَذْكُورُونَ "إذَا انْطَلَقْتُمْ إلَى مَغَانِم" هِيَ مَغَانِم خَيْبَر "لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا" اُتْرُكُونَا "نَتَّبِعكُمْ" لِنَأْخُذ مِنْهَا "يُرِيدُونَ" بِذَلِكَ "أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه" وَفِي قِرَاءَة : كَلِم اللَّه بِكَسْرِ اللَّام أَيْ مَوَاعِيده بِغَنَائِم خَيْبَر أَهْل الْحُدَيْبِيَة خَاصَّة "قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّه مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل عَوْدنَا "فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا" أَنْ نُصِيب مَعَكُمْ مِنْ الْغَنَائِم فَقُلْتُمْ ذَلِكَ "بَلْ كَانُوا لَا يَفْقُهُونَ" مِنْ الدِّين "إلَّا قَلِيلًا" مِنْهُمْ

محمد رافع 52 14-11-2010 01:47 AM

الفتح
{16} قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
"قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَاب" الْمَذْكُورِينَ اخْتِبَارًا "سَتُدْعَوْنَ إلَى قَوْم أُولِي" أَصْحَاب "بَأْس شَدِيد" قِيلَ هُمْ بَنُو حَنِيفَة أَصْحَاب الْيَمَامَة وَقِيلَ فَارِس وَالرُّوم "تُقَاتِلُونَهُمْ" حَال مُقَدَّرَة هِيَ الْمَدْعُوّ إلَيْهَا فِي الْمَعْنَى "أَوْ" هُمْ "يُسْلِمُونَ" فَلَا تُقَاتِلُونَ "فَإِنْ تُطِيعُوا" إلَى قِتَالهمْ "يُؤْتِكُمْ اللَّه أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْل يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" مُؤْلِمًا
{17} لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا
"لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج" فِي تَرْك الْجِهَاد "وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُوله يُدْخِلهُ" بِالْيَاءِ وَالنُّون "جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبهُ" بِالْيَاءِ وَالنُّون
{18} لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا
"لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَك" بِالْحُدَيْبِيَةِ "تَحْت الشَّجَرَة" هِيَ سَمُرَة وَهُمْ أَلْف وَثَلَثمِائَةِ أَوْ أَكْثَر ثُمَّ بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يُنَاجِزُوا قُرَيْشًا وَأَنْ لَا يَفِرُّوا مِنْ الْمَوْت "فَعَلِمَ" اللَّه "مَا فِي قُلُوبهمْ" مِنْ الصِّدْق وَالْوَفَاء "فَأَنْزَلَ السَّكِينَة عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" هُوَ فَتْح خَيْبَر بَعْد انْصِرَافهمْ مِنْ الْحُدَيْبِيَة
{19} وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
"وَمَغَانِم كَثِيرَة يَأْخُذُونَهَا" مِنْ خَيْبَر "وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا" أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
{20} وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
"وَعَدَكُمْ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة تَأْخُذُونَهَا" مِنْ الْفُتُوحَات "فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ" غَنِيمَة خَيْبَر "وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاس عَنْكُمْ" فِي عِيَالكُمْ لَمَّا خَرَجْتُمْ وَهَمَّتْ بِهِمْ الْيَهُود فَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْب "وَلِتَكُونَ" أَيْ الْمُعَجَّلَة عَطْف عَلَى مُقَدَّر أَيْ لِتَشْكُرُوهُ "آيَة لِلْمُؤْمِنِينَ" فِي نَصْرهمْ "وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا" أَيْ طَرِيق التَّوَكُّل عَلَيْهِ وَتَفْوِيض الْأَمْر إلَيْهِ تَعَالَى
{21} وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا
"وَأُخْرَى" صِفَة مَغَانِم مُقَدَّرًا مُبْتَدَأ "لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا" هِيَ مِنْ فَارِس وَالرُّوم "قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا" عَلِمَ أَنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ "وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرًا" أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
{22} وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
"وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا" بِالْحُدَيْبِيَةِ "لَوَلَّوُا الْأَدْبَار ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا" يَحْرُسهُمْ
{23} سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا
"سُنَّة اللَّه" مَصْدَر مُؤَكَّد لِمَضْمُونِ الْجُمْلَة قَبْله مِنْ هَزِيمَة الْكَافِرِينَ وَنَصْر الْمُؤْمِنِينَ أَيْ سَنَّ اللَّه ذَلِكَ سُنَّة "الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْل وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه تَبْدِيلًا" مِنْهُ

محمد رافع 52 14-11-2010 01:49 AM

الفتح
{24} وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
"وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة" بِالْحُدَيْبِيَةِ "مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ" فَإِنَّ ثَمَانِينَ مِنْهُمْ طَافُوا بِعَسْكَرِكُمْ لِيُصِيبُوا مِنْكُمْ فَأَخَذُوا وَأُتِيَ بِهِمْ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَفَا عَنْهُمْ وَخَلَّى سَبِيلهمْ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب الصُّلْح "وَكَانَ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا" بِالْيَاءِ وَالتَّاء أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
{25} هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
"هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام" أَيْ عَنْ الْوُصُول إلَيْهِ "وَالْهَدْي" مَعْطُوف عَلَى كم "مَعْكُوفًا" مَحْبُوسًا حَال "أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه" أَيْ مَكَانه الَّذِي يُنْحَر فِيهِ عَادَة وَهُوَ الْحَرَم بَدَل اشْتِمَال "وَلَوْلَا رِجَال مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات" مَوْجُودُونَ بِمَكَّة مَعَ الْكُفَّار "لَمْ تَعْلَمُوهُمْ" بِصِفَةِ الْإِيمَان "أَنْ تَطَئُوهُمْ" أَيْ تَقْتُلُوهُمْ مَعَ الْكُفَّار لَوْ أُذِنَ لَكُمْ فِي الْفَتْح بَدَل اشْتِمَال مِنْ هُمْ "فَتُصِيبكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة" أَيْ إثْم "بِغَيْرِ عِلْم" مِنْكُمْ بِهِ وَضَمَائِر الْغِيبَة لِلصِّنْفَيْنِ بِتَغْلِيبِ الذُّكُور وَجَوَاب لَوْلَا مَحْذُوف أَيْ لَأُذِنَ لَكُمْ فِي الْفَتْح لَكِنْ لَمْ يُؤْذَن فِيهِ حِينَئِذٍ "لِيُدْخِل اللَّه فِي رَحْمَته مَنْ يَشَاء" كَالْمُؤْمِنِينَ الْمَذْكُورِينَ "لَوْ تَزَيَّلُوا" تَمَيَّزُوا عَنْ الْكُفَّار "لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ" مِنْ أَهْل مَكَّة حِينَئِذٍ بِأَنْ نَأْذَن لَكُمْ فِي فَتْحهَا "عَذَابًا أَلِيمًا" مُؤْلِمًا
{26} إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
"إذْ جَعَلَ" مُتَعَلِّق بِعَذَّبْنَا "الَّذِينَ كَفَرُوا" فَاعِل "فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة" الْأَنَفَة مِنْ الشَّيْء "حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة" بَدَل مِنْ الْحَمِيَّة وَهِيَ صَدّهمْ النَّبِيّ وَأَصْحَابه عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام "فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ" فَصَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يَعُودُوا مِنْ قَابِل وَلَمْ يَلْحَقهُمْ مِنْ الْحَمِيَّة مَا لَحِقَ الْكُفَّار حَتَّى يُقَاتِلُوهُمْ "وَأَلْزَمَهُمْ" أَيْ الْمُؤْمِنِينَ "كَلِمَة التَّقْوَى" لَا إلَه إلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَأُضِيفَتْ إلَى التَّقْوَى لِأَنَّهَا سَبَبهَا "وَكَانُوا أَحَقّ بِهَا" بِالْكَلِمَةِ مِنْ الْكُفَّار "وَأَهْلهَا" عَطْف تَفْسِيرِيّ "وَكَانَ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا" أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ وَمِنْ مَعْلُومه تَعَالَى أَنَّهُمْ أَهْلهَا
{27} لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا
"لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ" رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْم عَام الْحُدَيْبِيَة قَبْل خُرُوجه أَنَّهُ يَدْخُل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه آمِنِينَ وَيَحْلِقُونَ وَيُقَصِّرُونَ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابه فَفَرِحُوا فَلَمَّا خَرَجُوا مَعَهُ وَصَدَّهُمْ الْكُفَّار بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَجَعُوا وَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَرَابَ بَعْض الْمُنَافِقِينَ نَزَلَتْ وَقَوْله ( بِالْحَقِّ مُتَعَلِّق بِصَدَقَ أَوْ حَال مِنْ الرُّؤْيَا وَمَا بَعْدهَا "لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إنْ شَاءَ اللَّه" لِلتَّبَرُّكِ "آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسكُمْ" أَيْ جَمِيع شُعُورهَا "وَمُقَصِّرِينَ" بَعْض شُعُورهَا وَهُمَا حَالَانِ مُقَدَّرَتَانِ "لَا تَخَافُونَ" أَبَدًا "فَعَلِمَ" فِي الصُّلْح "مَا لَمْ تَعْلَمُوا" مِنْ الصَّلَاح "فَجَعَلَ مِنْ دُون ذَلِكَ" أَيْ الدُّخُول "فَتْحًا قَرِيبًا" هُوَ فَتْح خَيْبَر , وَتَحَقَّقَتْ الرُّؤْيَا فِي الْعَام الْقَابِل
{28} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ" أَيْ دِين الْحَقّ "عَلَى الدِّين كُلّه" عَلَى جَمِيع بَاقِي الْأَدْيَان "وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا" أَنَّك مُرْسَل بِمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى

محمد رافع 52 14-11-2010 01:51 AM

الفتح
{29} مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
"مُحَمَّد" مُبْتَدَأ "رَسُول اللَّه" خَبَره "وَاَلَّذِين مَعَهُ" أَيْ أَصْحَابه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مُبْتَدَأ خَبَره "أَشِدَّاء" غِلَاظ "عَلَى الْكُفَّار" لَا يَرْحَمُونَهُمْ "رُحَمَاء بَيْنهمْ" خَبَر ثَانٍ أَيْ مُتَعَاطِفُونَ مُتَوَادُّونَ كَالْوَالِدِ مَعَ الْوَلَد "تَرَاهُمْ" تُبْصِرهُمْ "رُكَّعًا سُجَّدًا" حَالَانِ "يَبْتَغُونَ" مُسْتَأْنَف يَطْلُبُونَ "فَضْلًا مِنْ اللَّه وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ" عَلَامَتهمْ مُبْتَدَأ "فِي وُجُوههمْ" خَبَره وَهُوَ نُور وَبَيَاض يُعْرَفُونَ بِهِ فِي الْآخِرَة أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي الدُّنْيَا "مِنْ أَثَر السُّجُود" مُتَعَلِّق بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَبَر أَيْ كَائِنَة وَأُعْرِبَ حَالًا مِنْ ضَمِيره الْمُنْتَقِل إلَى الْخَبَر "ذَلِكَ" الْوَصْف الْمَذْكُور "مَثَلهمْ" صِفَتهمْ مُبْتَدَأ "فِي التَّوْرَاة" خَبَره "وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل" مُبْتَدَأ خَبَره "كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ" بِسُكُونِ الطَّاء وَفَتْحهَا : فِرَاخه "فَآزَرَهُ" بِالْمَدِّ وَالْقَصْر قَوَّاهُ وَأَعَانَهُ "فَاسْتَغْلَظَ" غَلُظَ "فَاسْتَوَى" قَوِيَ وَاسْتَقَامَ "عَلَى سُوقه" أُصُوله جَمْع سَاق "يُعْجِب الزُّرَّاع" أَيْ زُرَّاعه لِحُسْنِهِ مِثْل الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَدَءُوا فِي قِلَّة وَضَعْف فَكَثُرُوا وَقَوُوا عَلَى أَحْسَن الْوُجُوه "لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار" مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْله أَيْ شُبِّهُوا بِذَلِكَ "وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُمْ" الصَّحَابَة وَمِنْ لِبَيَانِ الْجِنْس لَا لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّهُمْ كُلّهمْ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَة "مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا" الْجَنَّة وَهُمَا لِمَنْ بَعْدهمْ أَيْضًا فِي آيَات

وائل محرز النقيب 18-11-2010 03:37 AM

جزاك الله خيرا

وائل محرز النقيب 18-11-2010 03:39 AM

جزاك الله خيرا

محمد رافع 52 18-11-2010 03:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وائل محرز النقيب (المشاركة 2844890)
جزاك الله خيرا


بارك الله فيك ورضى عنك

محمد رافع 52 27-11-2010 07:27 PM

تفسير سورة محمد
{1} الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
سُورَة الْقِتَال أَوْ مُحَمَّد [ مَدَنِيَّة إلَّا الْآيَة 13 أَوْ مَكِّيَّة وَآيَاتهَا ثَمَان أَوْ تِسْع وَثَلَاثُونَ آيَة ]
"الَّذِينَ كَفَرُوا" مِنْ أَهْل مَكَّة "وَصَدُّوا" غَيْرهمْ "عَنْ سَبِيل اللَّه" أَيْ الْإِيمَان "أَضَلَّ" أَحْبَطَ "أَعْمَالهمْ" كَإِطْعَامِ الطَّعَام وَصِلَة الْأَرْحَام فَلَا يَرَوْنَ لَهَا فِي الْآخِرَة ثَوَابًا وَيُجْزَوْنَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ فَضْله تَعَالَى
{2} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
"وَاَلَّذِينَ آمَنُوا" أَيْ الْأَنْصَار وَغَيْرهمْ "وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّد" أَيْ الْقُرْآن "وَهُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ" غَفَرَ لَهُمْ "سَيِّئَاتهمْ وَأَصْلَحَ بَالهمْ" حَالهمْ فَلَا يَعْصُونَهُ
{3} ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
"ذَلِكَ" أَيْ إضْلَال الْأَعْمَال وَتَكْفِير السَّيِّئَات "بِأَنَّ" بِسَبَبِ أَنَّ "الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِل" الشَّيْطَان "وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقّ" الْقُرْآن "مِنْ رَبّهمْ كَذَلِكَ" أَيْ مِثْل ذَلِك الْبَيَان "يَضْرِب اللَّه لِلنَّاسِ أَمْثَالهمْ" يُبَيِّن أَحْوَالهمْ أَيْ فَالْكَافِر يُحْبِط عَمَله وَالْمُؤْمِن يَغْفِر لَهُ
{4} فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
"فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْب الرِّقَاب" مَصْدَر بَدَل مِنْ اللَّفْظ بِفِعْلِهِ أَيْ فَاضْرِبُوا رِقَابهمْ أَيْ اُقْتُلُوهُمْ وَعَبَّرَ بِضَرْبِ الرِّقَاب لِأَنَّ الْغَالِب فِي الْقَتْل أَنْ يَكُون بِضَرْبِ الرَّقَبَة "حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ" أَكْثَرْتُمْ فِيهِمْ الْقَتْل "فَشُدُّوا" فَأَمْسِكُوا عَنْهُمْ وَأْسِرُوهُمْ وَشُدُّوا "الْوَثَاق" مَا يُوثَق بِهِ الْأَسْرَى "فَإِمَّا مَنًّا بَعْد" مَصْدَر بَدَل مِنْ اللَّفْظ بِفِعْلِهِ أَيْ تَمُنُّونَ عَلَيْهِمْ بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ غَيْر شَيْء "وَإِمَّا فِدَاء" تُفَادُونَهُمْ بِمَالٍ أَوْ أَسْرَى مُسْلِمِينَ "حَتَّى تَضَع الْحَرْب" أَيْ أَهْلهَا "أَوْزَارهَا" أَثْقَالهَا مِنْ السِّلَاح وَغَيْره بِأَنْ يُسْلِم الْكُفَّار أَوْ يَدْخُلُوا فِي الْعَهْد وَهَذِهِ غَايَة لِلْقَتْلِ وَالْأَسْر "ذَلِكَ" خَبَر مُبْتَدَأ مُقَدَّر أَيْ الْأَمْر فِيهِمْ مَا ذُكِرَ "وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ" بِغَيْرِ قِتَال "وَلَكِنْ" أَمَرَكُمْ بِهِ "لِيَبْلُوَ بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ" مِنْهُمْ فِي الْقِتَال فَيَصِير مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ إلَى الْجَنَّة وَمِنْهُمْ إلَى النَّار "وَاَلَّذِينَ قُتِلُوا" وَفِي قِرَاءَة قَاتَلُوا الْآيَة نَزَلَتْ يَوْم أُحُد وَقَدْ فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْقَتْل وَالْجِرَاحَات "فِي سَبِيل اللَّه فَلَنْ يُضِلّ" يُحْبِط
{5} سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ
"سَيُهْدِيهِمْ" فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إلَى مَا يَنْفَعهُمْ "وَيُصْلِح بَالهمْ" حَالهمْ فِيهِمَا وَمَا فِي الدُّنْيَا لِمَنْ لَمْ يُقْتَل وَأُدْرِجُوا فِي قُتِلُوا تَغْلِيبًا
{6} وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ
"وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا" بَيَّنَهَا "لَهُمْ" فَيَهْتَدُونَ إلَى مَسَاكِنهمْ مِنْهَا وَأَزْوَاجهمْ وَخَدَمهمْ مِنْ غَيْر اسْتِدْلَال
{7} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللَّه" أَيْ دِينه وَرَسُوله "يَنْصُركُمْ" عَلَى عَدُوّكُمْ "وَيُثَبِّت أَقْدَامكُمْ" يُثَبِّتكُمْ فِي الْمُعْتَرَك
{8} وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ
"وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا" مِنْ أَهْل مَكَّة مُبْتَدَأ خَبَره تَعِسُوا يَدُلّ عَلَيْهِ "فَتَعْسًا لَهُمْ" أَيْ هَلَاكًا وَخَيْبَة مِنْ اللَّه "وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ" عُطِفَ عَلَى تَعِسُوا
{9} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
"ذَلِكَ" التَّعْس وَالْإِضْلَال "بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه" مِنْ الْقُرْآن الْمُشْتَمِل عَلَى التَّكَالِيف
{10} أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا
"أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ دَمَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ" أَهْلَكَ أَنْفُسهمْ وَأَوْلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ "وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالهَا" أَيْ أَمْثَال عَاقِبَة مَا قَبْلهمْ
{11} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
"ذَلِكَ" نَصْر الْمُؤْمِنِينَ وَقَهْر الْكَافِرِينَ "بِأَنَّ اللَّه مَوْلَى" وَلِيّ وَنَاصِر

محمد رافع 52 27-11-2010 07:38 PM

محمد
{12} إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ
"إنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ" فِي الدُّنْيَا "وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام" أَيْ لَيْسَ لَهُمْ هَمّ إلَّا بُطُونهمْ وَفُرُوجهمْ وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَى الْآخِرَة "وَالنَّار مَثْوَى لَهُمْ" مَنْزِل وَمُقَام وَمَصِير
{13} وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ
"وَكَأَيِّنْ" وَكَمْ "مِنْ قَرْيَة" أُرِيدَ بِهَا أَهْلهَا "هِيَ أَشَدّ قُوَّة مِنْ قَرْيَتك" مَكَّة أَيْ أَهْلهَا "الَّتِي أَخْرَجَتْك" رُوعِيَ لَفْظ قَرْيَة "أَهْلَكْنَاهُمْ" رُوعِيَ مَعْنَى قَرْيَة الْأُولَى "فَلَا نَاصِر لَهُمْ" مِنْ إهْلَاكنَا
{14} أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ
"أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة" حُجَّة وَبُرْهَان "مِنْ رَبّه" وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ "كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله" فَرَآهُ حَسَنًا وَهُمْ كُفَّار مَكَّة "وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ" فِي عِبَادَة الْأَوْثَان أَيْ لَا مُمَاثَلَة بَيْنهمَا
{15} مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
"مَثَل" أَيْ صِفَة "الْجَنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ" الْمُشْتَرَكَة بَيْن دَاخِلِيهَا مُبْتَدَأ خَبَره "فِيهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن" بِالْمَدِّ وَالْقَصْر كَضَارِبِ وَحَذِر أَيْ غَيْر مُتَغَيِّر بِخِلَافِ مَاء الدُّنْيَا فَيَتَغَيَّر بِعَارِضٍ "وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه" بِخِلَافِ لَبَن الدُّنْيَا لِخُرُوجِهِ مِنْ الضُّرُوع "وَأَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة" لَذِيذَة "لِلشَّارِبِينَ" بِخِلَافِ خَمْر الدُّنْيَا فَإِنَّهَا كَرِيهَة عِنْد الشُّرْب "وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفَّى" بِخِلَافِ عَسَل الدُّنْيَا فَإِنَّهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ بُطُون النَّحْل يُخَالِط الشَّمْع وَغَيْره "وَلَهُمْ فِيهَا" أَصْنَاف "مِنْ كُلّ الثَّمَرَات وَمَغْفِرَة مِنْ رَبّهمْ" فَهُوَ رَاضٍ عَنْهُمْ مَعَ إحْسَانه إلَيْهِمْ بِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ سَيِّد الْعَبِيد فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُون مَعَ إحْسَانه إلَيْهِمْ سَاخِطًا عَلَيْهِمْ "كَمَنْ هُوَ خَالِد فِي النَّار" خَبَر مُبْتَدَأ مُقَدَّر أَيْ أَمَّنْ هُوَ فِي هَذَا النَّعِيم "وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا" أَيْ شَدِيد الْحَرَارَة "فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ" أَيْ مَصَارِينهمْ فَخَرَجَتْ مِنْ أَدْبَارهمْ وَهُوَ جَمْع مِعَى بِالْقَصْرِ وَأَلِفه عَنْ يَاء لِقَوْلِهِمْ مِيعَان
{16} وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ
"وَمِنْهُمْ" أَيْ الْكُفَّار "مَنْ يَسْتَمِع إلَيْك" فِي خُطْبَة الْجُمُعَة وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ "حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدك قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم" لِعُلَمَاء الصَّحَابَة مِنْهُمْ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس اسْتِهْزَاء وَسُخْرِيَّة "مَاذَا قَالَ آنِفًا" بِالْمَدِّ وَالْقَصْر أَيْ السَّاعَة أَيْ لَا نَرْجِع إلَيْهِ "أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ" بِالْكُفْرِ "وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ" فِي النِّفَاق
{17} وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ
"وَاَلَّذِينَ اهْتَدَوْا" وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ "زَادَهُمْ" اللَّه "هُدَى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ" أَلْهَمَهُمْ مَا يَتَّقُونَ بِهِ النَّار
{18} فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ
"فَهَلْ يَنْظُرُونَ" مَا يَنْتَظِرُونَ أَيْ كُفَّار مَكَّة "إلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيهِمْ" بَدَل اشْتِمَال مِنْ السَّاعَة أَيْ لَيْسَ الْأَمْر إلَّا أَنْ تَأْتِيهِمْ "بَغْتَة" فَجْأَة "فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطهَا" عَلَامَاتهَا : مِنْهَا بَعْثَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْشِقَاق الْقَمَر وَالدُّخَان "فَأَنَّى لَهُمْ إذَا جَاءَتْهُمْ" السَّاعَة "ذِكْرَاهُمْ" تُذَكِّرهُمْ أَيْ لَا يَنْفَعهُمْ
{19} فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا اللَّه" أَيْ دُمْ يَا مُحَمَّد عَلَى عِلْمك بِذَلِكَ النَّافِع فِي الْقِيَامَة "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك" لِأَجْلِهِ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ عِصْمَته لِتَسْتَنّ بِهِ أُمَّته وَقَدْ فَعَلَهُ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه فِي كُلّ يَوْم مِائَة مَرَّة ) "وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات" فِيهِ إكْرَام لَهُمْ بِأَمْرِ نَبِيّهمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ "وَاَللَّه يَعْلَم مُتَقَلَّبكُمْ" مُتَصَرَّفكُمْ لِإِشْغَالِكُمْ فِي النَّهَار "وَمَثْوَاكُمْ" مَأْوَاكُمْ إلَى مَضَاجِعكُمْ بِاللَّيْلِ أَيْ هُوَ عَالِم بِجَمِيعِ أَحْوَالكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا فَاحْذَرُوهُ وَالْخِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرهمْ


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:23 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.