بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 02-06-2013 02:15 AM


المدَاراة
معنى المدَاراة لغةً واصطلاحًا
معنى المدَاراة لغةً:
المداراة مصدر دارى، يقال: داريته مداراة: لاطفته ولاينته، ومداراة الناس: أي ملاينتهم وحسن صحبتهم واحتمالهم؛ لئلا ينفروا عنك .
معنى المدَاراة اصطلاحًا:
قال ابن بطال: (المدَاراة: خفض الجناح للناس، ولين الكلام وترك الإغلاظ لهم في القول) .
وقال ابن حجر: (المراد به الدفع برفق) .
وقال المناوي: (المدَاراة: الملاينة والملاطفة) .

محمد رافع 52 02-06-2013 02:22 AM

الفرق بين المدَاراة والمداهنة

قال ابن بطال: (المدَاراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق أنَّ المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسَّرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمدَاراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك) .
وقال القرطبي في الفرق بينهما: (أنَّ المدَاراة: بذل الدنيا لصلاح الدنيا، أو الدين، أو هما معًا، وهي مباحة وربما استحبت. والمداهنة: ترك الدين لصلاح الدنيا) .
وقال الغزالي: (الفرق بين المدَاراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء؛ فإن أغضيت لسلامة دينك، ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء، فأنت مدار، وإن أغضيت لحظِّ نفسك، واجتلاب شهواتك، وسلامة جاهك فأنت مداهن) .

محمد رافع 52 02-06-2013 09:41 PM

أولًا: المداراة في القرآن الكريم
- قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 41-47].
قال السعدي: (وفي هذا من لطف الخطاب ولينه، ما لا يخفى، فإنه لم يقل: يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل. أو: ليس عندك من العلم شيء. وإنما أتى بصيغة تقتضي أنَّ عندي وعندك علمًا، وأنَّ الذي وصل إليَّ لم يصل إليك ولم يأتك، فينبغي لك أن تتبع الحجة وتنقاد لها) .
- وقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 14-15].
قال القرطبي: (قوله تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا نعت لمصدر محذوف، أي مصاحبًا معروفًا، يقال: صاحبته مصاحبة ومصاحبًا. ومَعْرُوفًا أي: ما يحسن. والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق) .
- وقال سبحانه: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه: 43-47].
قال ابن كثير: (هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أُمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين) .

محمد رافع 52 02-06-2013 09:44 PM

ثانيًا: المدَاراة في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن عروة بن الزبير، أنَّ عائشة أخبرته أنَّه استأذن على النَّبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إنَّ شرَّ الناس منزلةً عند الله من تركه- أو ودعه- الناس اتقاء فحشه)) . (أي لأجل قبح فعله وقوله، أو لأجل اتقاء فحشه، أي: مجاوزة الحدِّ الشرعي قولًا أو فعلًا، وهذا أصل في ندب المدَاراة إذا ترتب عليها دفع ضرٍّ، أو جلب نفع، بخلاف المداهنة فحرامٌ مطلقًا، إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا، والمدَاراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا، بنحو رفقٍ بجاهلٍ في تعليم، وبفاسقٍ في نهيٍ عن منكر، وترك إغلاظ وتألُّف، ونحوها مطلوبةٌ محبوبةٌ إن ترتب عليها نفع، فإن لم يترتب عليها نفع، بأن لم يتقِ شرَّه بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهنَّ خلقن من ضِلع، وإنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا)) .


قال ابن حجر: (وفي الحديث الندب إلى المدَاراة لاستمالة النفوس، وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ
العفو منهنَّ، والصبر على عوجهنَّ، وأنَّ من رام تقويمهنَّ فاته الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها، ويستعين بها على معاشه، فكأنَّه قال: الاستمتاع بها لا يتمُّ إلا بالصبر عليها) .
- وعن هاني بن يزيد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ موجبات المغفرة: بذل السلام، وحسن الكلام)) .
قال المناوي: (أي: إلانة القول للإخوان، واستعطافهم على منهج المدَاراة، لا على طريق المداهنة والبهتان) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس اتقوا الله، وإنْ أُمِّر عليكم عبد حبشي مجدَّع، فاسمعوا له وأطيعوا، ما أقام لكم كتاب الله)) .
قال المباركفوري: (فيه حثٌّ على المدَاراة، والموافقة مع الولاة، وعلى التحرز عما يثير الفتنة، ويؤدي إلى اختلاف الكلمة) .

محمد رافع 52 02-06-2013 09:46 PM

أقوال السلف والعلماء في المدَاراة
- عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم، وإنَّ قلوبنا لتلعنهم) .
- وعنه أيضًا رضي الله عنه قال لزوجته: (إذا غضبت فَـرَضيِّني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق) .
- وقال معاوية رضي الله عنه: (لو أنَّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدُّوها خلَّيتها، وإن خلَّوْا مددتها) .
- وعن عمر بن الخطاب قال: (خالطوا الناس بالأخلاق، وزايلوهم بالأعمال) .
- وقال عبد الله بن مسعود: (خالط الناس وزايلهم، ودينك لا تُكْلِمنَّه) .
- وعن محمد بن الحنفية، قال: (ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف، من لا يجد من معاشرته بدًّا، حتى يجعل الله له فرجًا، أو قال: مخرجًا) .
- وقال الحسن البصري: (كانوا يقولون: المدَاراة نصف العقل، وأنا أقول هي العقل كلُّه) .
- وعنه أيضًا: (المؤمن يداري ولا يماري ، ينشر حكمة الله ، فإن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله) .
- وعن يحيى بن سعيد، قال: قال لي نصر بن يحيى بن أبي كثير: (من عاشر الناس داراهم، ومن داراهم راياهم) .
- وعن يونس، قال: بلغني عن ابن عباس، أنه كان يقول: (النساء عورة، خُلِقن من ضعف، فاستروا عوراتهنَّ بالبيوت، وداروا ضعفهنَّ بالسكوت) .
- وقال أبو يوسف: (خمسة تجب على الناس مداراتهم: الملك المسلط، والقاضي المتأول، والمريض، والمرأة، والعالم ليقتبس من علمه) .
- وعن وُهيب بن الورد قال: ( قلت لوهب بن مُنبِّه: إني أريد أن أعتزل الناس. فقال لي: لا بدَّ لك من الناس وللناس منك؛ لك إليهم حوائج، ولهم إليك حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعًا، أعمى بصيرًا، سكوتًا نطوقًا) .
- (وقال أبو حاتم رضي الله عنه الواجب على العاقل أن يلزم المدَاراة مع من دفع إليه في العشرة، من غير مقارفة المداهنة، إذ المدَاراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه، والفصل بين المدَاراة والمداهنة هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة؛ لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم، بلزوم المدَاراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلَّق المرء بخلق، شابه بعض ما كره الله منه في تخلقه فهذا هو المداهنة؛ لأنَّ عاقبتها تصير إلى قلٍّ، ويلازم المدَاراة؛ لأنها تدعو إلى صلاح أحواله) .
- وقال محمد بن السماك: (من عرف الناس داراهم، ومن جهلهم ماراهم، ورأس المدَاراة ترك المماراة) .
- وقال أبو بكر الطرطوشي: (المدَاراة: أن تداري الناس على وجه يسلم لك دينك) .

محمد رافع 52 02-06-2013 09:48 PM

فوائد المدَاراة
1- المدَاراة تزرع الألفة والمودة.
2- المدَاراة تجمع بين القلوب المتنافرة.
3- المدَاراة تطفئ العداوة بين الناس.
4- المدَاراة من صفات المؤمن، والمداهنة من صفات المنافق .
5- علامة على حسن الخلق .
6- من عوامل إنجاح الدعوة إلى الله، إما بهداية من يداريه الداعية، أو بكفاية شره، وفتح مجالات أوسع للدعوة.
7- تحقيق السعادة الزوجية .
8- تحقيق السلامة والأمن والطمأنينة للنفس .
9- العصمة من شرِّ الأعداء .
قال ابن الجوزي: (من البله أن تبادر عدوًّا أو حسودًا بالمخاصمة؛ وإنَّما ينبغي إن عرفت حاله أن تظهر له ما يوجب السلامة بينكما، إن اعتذر قبلت، وإن أخذ في الخصومة صفحت، وأريته أن الأمر قريب، ثم تبطن الحذر منه، فلا تثق به في حال، وتتجافاه باطنًا، مع إظهار المخالطة في الظاهر) .

محمد رافع 52 02-06-2013 09:51 PM

صور المداراة
صفة المدَاراة يحتاج إليها في التعامل مع بعض الأشخاص، في بعض الأوقات، ومن صور المداراة:
1- صيانة النفس من أهل الفجور والشرور:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ شرَّ النَّاس منزلةً عند الله، من تركه أو ودعه الناس، اتقاء فحشه)). وهذا فيما لابدَّ من مخالطته.
2- في تعامل الإمام مع الرعية:
فعن أُمِّ المؤمنين عائشة قالت: أنه استأذن على النَّبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال صلى الله عليه وسلم: ((ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إنَّ شرَّ الناس منزلةً عند الله من تركه أو ودعه الناس، اتقاء فحشه)) .
فليس كل الرعية على نمط واحد، من حسن الخلق والمعشر، إنَّما الناس يختلفون، فيحتاج الإمام للمداراة، وهذا يكون من الإمام جمعًا للأمة، ورأفةً بها، وإرشادًا للضال، وتعليمًا للجاهل، لاسيما إن كان هؤلاء من أهل الرياسات والأتباع، فيداري الإمام مراعاة لمصلحة الأمة كلها .
3- الخوف من الكفار والعجز عن مقاومتهم:
قال تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28].
قال الشنقيطي: (هذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقًا وإيضاح؛ لأنَّ محلَّ ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم، بقدر المدَاراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة) .
4- في دعوة الناس والسلطان:
قال تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 43 – 44].
(أمر الله جلَّ وعلا نبيه موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: أن يقولا لفرعون في حال تبليغ رسالة الله إليه قَوْلاً لَّيِّنًا أي: كلامًا لطيفًا سهلًا رقيقًا، ليس فيه ما يغضب وينفر. وقد بين جلَّ وعلا المراد بالقول اللين في هذه الآية بقوله: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى [النازعات: 17-19] وهذا، والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته، كما ترى. وما أمر به موسى وهارون في هذه الآية الكريمة أشار له تعالى في غير هذا الموضع، كقوله:ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]) .
وقال ابن القيم: (المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذم، والفرق بينهما أنَّ المداري يتلطَّف بصاحبه حتى يستخرج منه الحقَّ، أو يردَّه عن الباطل، والمداهن يتلطَّف به؛ ليقره على باطله، ويتركه على هواه، فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق) .
5- المدَاراة مع الوالدين:
قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 15].
6- المدَاراة مع الزوجة محافظةً على الحياة الزوجية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج)) .
7- المدَاراة مع النفس:
بحملها على الطاعة بذكر نعيم الجنة، وكفها عن المعصية بذكر عذاب النار.
قال ابن الجوزي: (ومن فهم هذا الأصل، علَّل النفس، وتلطف بها، ووعدها الجميل، لتصبر على ما قد حملت، كما كان بعض السلف يقول لنفسه: والله ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك... واعلم أن مداراة النفس والتلطف بها لازم، وبذلك ينقطع الطريق) .

محمد رافع 52 02-06-2013 09:52 PM

موانع اكتساب صفة المدَاراة
1- العجلة، والطيش، وسرعة الغضب، والانتصار للنفس.
2- عدم تفهم الواقع وطبائع الناس.
3- سوء الخلق، وغلظة القلب.
4- الكبر، وضعف إرادة الخير للناس.
5- قلة الصبر والحلم والرفق.
6- العزلة عن الناس.

محمد رافع 52 02-06-2013 09:55 PM

الوسائل المعينة على اكتساب صفة المدَاراة
1- التحلِّي بخلق الصبر:
قال ابن تيمية: (المؤمن مشروع له مع القدرة أن يقيم دين الله بحسب الإمكان بالمحاربة وغيرها، ومع العجز يمسك عما عجز عنه من الانتصار، ويصبر على ما يصيبه من البلاء من غير منافقة، بل يشرع له من المدَاراة ومن التكلم بما يُكره عليه، ما جعل الله له فرجًا ومخرجًا) .
2- النظر للمصالح المترتبة على المدَاراة .
3- التحلي بخلق الرفق والرحمة:
فإن المدَاراة قائمة على الرفق، لتحقيق المراد من صلاح معوج، أو كفاية شر عدو ونحوه .
4- فهم الواقع و معرفة طبائع الناس:
قال ابن الجوزي: (لينظر المالك في طبع المملوك، فمنهم: من لا يأتي إلا على الإكرام، فليكرمه، فإنه يربح محبته. ومنهم: من لا يأتي إلا على الإهانة، فليداره، وليعرض عن الذنوب؛ فإن لم يكن، عاتب بلطف، وليحذر العقوبة ما أمكن. وليجعل للمماليك زمن راحة. والعجب ممن يُعنى بدابته، وينسى مداراة جاريته ) .
قال بشر بن الحارث: (من عرف الناس استراح) .
5- احتساب الأجر في دعوة الخلق:
من يتصدر لدعوة الناس، لابد أن يناله منهم أذى مما قد يدفع الداعية لترك دعوتهم، لذا فاحتساب الداعية للأجر عند الله في مداراته لأهل الكفر والفجور، والتحبب لهم من غير إقرار بمعصية أملًا في هدايتهم - مما يعين الداعية على تحمل الأذى .
6- ترك الانتصار للنفس في حال القدرة، وحفظ النفس في حال العجز:
ففي ترك الانتصار للنفس استبقاء للودِّ، والمسير قدمًا في الإصلاح، وفي حفظ النفس العصمة ودفع الشرور.

محمد رافع 52 02-06-2013 09:57 PM

نماذج في المدَاراة
- عن المسور بن مخرمة، قال: ((قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئًا، فقال مخرمة: يا بني، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت معه، فقال: ادخل فادعه لي. قال: فدعوته له، فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال: خبأت هذا لك. قال: فنظر إليه، فقال: رضي مخرمة)) .
- وشكا رجل إلى مخلد بن الحسين رجلًا من أهل الكوفة فقال: (أين أنت عن المدَاراة؟ فإني أداري حتى أدارى، هذه جارية حبشية تغربل شعير الفرس له، ثم قال: ما تكلمت بكلمة أُريد أن أعتذر منها منذ خمسين سنة) .
- وقال ابن الجوزي: (كنت قد رُزقت قلبًا طيِّبًا... فأحضرني بعض أرباب المناصب إلى طعامه، فما أمكن خلافه، فتناولت، وأكلت منه؛ فلقيت الشدائد، ورأيت العقوبة في الحال، واستمرت مدة، وغضبت على قلبي، وفقدت كلَّ ما كنت أجده، فقلت: واعجبًا! لقد كنت في هذا كالمكره فتفكَّرت، وإذا به قد يمكن مداراة الأمر بلقيمات يسيرة؛ وإنما التأويل جعل تناول هذا الطعام بشهوة أكثر مما يدفع بالمدَاراة، فقالت النفس: ومن أين لي أنَّ عين هذا الطعام حرام؟! فقالت اليقظة: وأين الورع عن الشبهات؟! فلما تناولت بالتأويل لقمة، واستجلبتها بالطبع، لقيت الأمرين بفقد القلب: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) .

محمد رافع 52 02-06-2013 10:05 PM

المدَاراة في واحة الشعر
قال الشافعي:


وداريتُ كلَّ الناسِ لكنَّ حاسدي***مداراتُه عزَّت وعزَّ منالُها



وكيف يُداري المرءُ حاسدَ نعمةٍ***إذا كان لا يرضيه إلا زوالُها؟



وقال أحمد الخطابي:


ما دمتَ حيًّا فدارِ النَّاس كلَّهم***فإنما أنت في دارِ المدَاراةِ



من يَدرِ دارى ومن لم يَدرِ سوف يرَى***عما قليلٍ نديمًا للنداماتِ



وقال القاضي التنوخي:


القَ العدوَّ بوجهٍ لا قطوبَ به***يكادُ يقطرُ من ماءِ البشاشاتِ



فأحزمُ النَّاسِ من يلقَى أعاديَه***في جسمِ حقدٍ وثوبٍ من مودَّاتِ



الرفقُ يمنٌ وخيرُ القولِ أصدقُه***وكثرةُ المزحِ مفتاحُ العداواتِ



وقال زهير:


ومَن لم يُصانعْ في أمورٍ كثيرةٍ***يُضرَّس بأنيابٍ ويُوطَأ بَمنْسِمِ



وقال النمر بن تولب:


وأبغِضْ بغيضَك بُغضًا رويدًا***إذا أنت حاولتَ أن تحكما



وأحبِبْ حبيبَك حبًّا رويدًا***فليس يعولك أن تصرما



وقال علي بن محمد البسامي:


دارِ مِن الناسِ مَلالاتِهم***مَن لم يدارِ الناسَ ملُّوه



ومكرمُ النَّاسِ حبيبٌ لهم***مَن أكرمَ الناسَ أحبُّوه



وقال آخر:


تجنبْ صديقَ السوءِ واصرمْ حبالَه***وإن لم تجدْ عنه محيصًا فدارِه



وأحببْ حبيبَ الصدقِ واحذرْ مراءَه***تنلْ منه صفوَ الودِّ ما لم تمارِه



وقال عبد الله السابوري:


مَن لم يكنْ لعيشِه مُداريًا***عاداه مَن كان له مواليًا



ولا غِنى للفاضلِ الكبيرِ***عن المدَاراةِ ولا الصغيرِ



يستجلبُ النفعَ بها الحكيمُ***ويدركُ الحظَّ بها المحرومُ



مَن وارب الناسَ يخاتلوه ***ومَن يصانعهم يجاملوه



قال الشاعر:


وإذا عجزتَ عن العدوِّ فدارِهِ***وامزحْ له إنَّ المزاحَ وفاقُ



فالنَّارُ بالماءِ الذي هو ضدُّها***تُعطي النضاجَ وطبعُها الإحراقُ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpK...(2)_-_Copy.jpg

محمد رافع 52 02-06-2013 10:10 PM

المروءَة

معنى المروءَة لغةً واصطلاحًا
معنى المروءَة لغةً:
المروءة هي كمال الرجولية، مصدر من: مَرُؤ يَمْرُؤ مُروءة، فهو مَرِيء أي: بَيِّن المروءَة، وتَمَرَّأ فلان: تَكَلَّف المروءَة. وقيل: صار ذا مُروءَةٍ، وفلان تَمَرَّأ بالقوم: أي سعى أن يوصف بالمروءَة بإِكرامهم، أَو بنقصهم وعَيْبهم .
معنى المروءَة اصطلاحًا:
قال الماورديُّ: (المروءَة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها، حتَّى لا يظهر منها قبيحٌ عن قصد، ولا يتوجَّه إليها ذمٌّ باستحقاق) .
وقال ابن عرفة: (المروءَة هي المحافظَةُ على فِعْل ما تَرْكُه من مُباحٍ يُوجِبُ الذَّمَّ عُرْفًا... وعلى ترْك ما فعلُه من مُباحٍ يوجبُ ذَمَّه عُرْفًا...) .
وقال الفيومي: (المروءَة آداب نفسانيَّة، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات)

محمد رافع 52 02-06-2013 10:12 PM

أهمية المروءَة
يقول الماوردي: (وفي اشتقاق اسم المروءَة من كلام العرب ما يدل على فضيلتها عندهم، وعظم خطرها في نفوسهم، ففيه وجهان:
أحدهما: مشتقة من المروءَة والإنسان، فكأنها مأخوذة من الإنسانية، والوجه الثاني: أنها مشتقة من المريء وهو ما استمرأه الإنسان من الطعام، لما فيه من صلاح الجسد، فأخذت منه المروءَة لما فيها من صلاح النفس) .
(وهي خلق رفيع القدر، يستعمله الأدباء في المدح، وعلماء الأخلاق والنفس في مكارم الأخلاق وسموِّ النفس، وعلماء الشرع من فقهاء ومحدِّثين في صفات الراوي والشاهد؛ ليوثق بكلامهما، والقاضي ليطمئنَّ إلى عدل، فتجدها في كتب أصول الفقه في صفات الراوي، وكذلك في كتب الحديث، بينما تجدها في كتب الفقه في كلِّ باب يتعرض للعدالة بالشرح والتفصيل، كالقضاء والشهادة والوقف) .
فأكثرَ العلماء، والفقهاء، والأدباء، والشعراء، من ذكرها وبيان كنهها، وماهيتها، وبمَ تكون، وكيف تكون، فتنوعت فيها الأقوال، وتعددت فيها الآراء، وتباينت فيها العبارات (فمن قائل قال: المروءَة ثلاثة: إكرام الرجال إخوان أبيه، وإصلاحه ماله، وقعوده على باب داره، ومن قائل قال: المروءَة إتيان الحق، وتعاهد الضعيف، ومن قائل قال: المروءَة تقوى الله، وإصلاح الضيعة، والغداء والعشاء في الأفنية، ومن قائل قال: المروءَة إنصاف الرجل من هو دونه، والسموُّ إلى مَن هو فوقه، والجزاء بما أُتي إليه، ومن قائل قال: مروءة الرجل صدق لسانه، واحتماله عثرات جيرانه، وبذله المعروف لأهل زمانه، وكفُّه الأذى عن أباعده وجيرانه، ومن قائل قال: إن المروءَة التباعد من الخلق الدني فقط، ومن قائل قال: المروءَة أن يعتزل الرجل الريبة، فإنه إذا كان مريبًا كان ذليلًا، وأن يصلح ماله، فإنَّ من أفسد ماله لم يكن له المروءَة، والإبقاء على نفسه في مطعمه و مشربه، ومن قائل قال: المروءَة حسن العشرة، وحفظ الفرج واللسان، وترك المرء ما يُعاب منه، ومن قائل قال: المروءَة سخاوة النفس وحسن الخلق، ومن قائل قال: المروءَة العفة والحرفة، أي: يعف عمَّا حرم الله، ويحترف فيما أحل الله، ومن قائل قال: المروءَة كثرة المال والولد، ومن قائل قال: المروءَة إذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت، ومن قائل قال: المروءَة حسن الحيلة في المطالبة، ورقة الظرف في المكاتبة، ومن قائل قال: المروءَة اللطافة في الأمور وجودة الفطنة، ومن قائل قال: المروءَة مجانبة الريبة، فإنه لا ينبل مريب، وإصلاح المال، فإنه لا ينبل فقير، وقيامه بحوائج أهل بيته، فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته إلى غيره، ومن قائل قال: المروءَة النظافة وطيب الرائحة، ومن قائل قال: المروءَة الفصاحة والسماحة، ومن قائل قال: المروءَة طلب السلامة واستعطاف الناس، ومن قائل قال: المروءَة مراعاة العهود، والوفاء بالعقود، ومن قائل قال: المروءَة التذلل للأحباب بالتملُّق، ومداراة الأعداء بالترفُّق، ومن قائل قال: المروءَة ملاحة الحركة ورقة الطبع، ومن قائل قال: المروءَة هي المفاكهة والمباسمة...) إلى غير ذلك من الأقوال والآراء في حقيقة المروءَة وحدِّها الذي تعرف به، وفي تنوع هذه الأقوال دليل على فضل هذه السجية الكريمة، وعلو شأنها ورفعة قدرها، وبيان ما تنطوي عليه من الفضائل التي تسمو بالنفس عن منزلة البهيمية الحيوانية، إلى منزلة الإنسانية الكاملة.
وإنَّ الاختلاف في تعريف المروءَة ليس من باب اختلاف التضاد والتباين، بل هو من باب اختلاف التنوع وتعدد الأجناس تحت الأصل الواحد، فكلُّ هذه التعاريف مندرجة تحت لواء المروءَة مستظلة بظلها الوارف ، فهي تشمل كل ما ذكر من فضائل وسجايا وأخلاق كريمة، وكفى بذلك فضلًا وشرفًا.
قال أبو حاتم: (اختلفت ألفاظهم في كيفية المروءَة ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض) .

محمد رافع 52 02-06-2013 10:13 PM

حقيقة المروءَة
يتكلم ابن القيم عن حقيقة المروءَة فيقول: حقيقتها: (اتصاف النفس بصفات الإنسان، التي فارق بها الحيوان البهيم والشيطان الرجيم، فإنَّ في النفس ثلاثة دواع متجاذبة:
1- داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان، من الكبر، والحسد، والعلو، والبغي، والشرِّ، والأذى، والفساد، والغشِّ.
2- وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان، وهو داعي الشهوة.
3- وداع يدعوها إلى أخلاق الملك: من الإحسان، والنصح، والبرِّ، والعلم، والطاعة، فحقيقة المروءَة: بغض ذينك الداعيين، وإجابة الداعي الثالث، وقلة المروءَة وعدمها: هو الاسترسال مع ذينك الداعيين، والتوجه لدعوتهما أين كانت، فالإنسانية والمروءَة والفتوة: كلها في عصيان الداعيَيْن، وإجابة الداعي الثالث)

محمد رافع 52 02-06-2013 10:15 PM

الفرق بين المروءَة وبعض الصفات

- الفرق بين المروءَة والفتوَّة:
قد يظنُّ ظانٌّ أنَّ المروءَة والفتوة شيء واحد لا يختلفان في معناهما، وليس ذلك بصحيح، بل بينهما فرق واضح وهو أنَّ المروءَة أعمُّ من الفتوة، فالمروءَة هي ما يتخلَّق به الإنسان مما يختص به في ذاته، أو يتعدَّى إلى غيره، بينما الفتوة ما يتخلَّق به الإنسان، ويكون متعديًا إلى غيره.
قال ابن القيم في التفريق بينهما: (أن المروءَة أعمُّ منها، فالفتوة نوع من أنواع المروءَة، فإنَّ المروءَة استعمال ما يجمل ويزين مما هو مختصٌّ بالعبد، أو متعدٍّ إلى غيره، وترك ما يُدنِّس ويشين مما هو مختص أيضًا به، أو متعلِّق بغيره، والفتوة إنما هي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق) .
- العلاقة بين المروءَة والعقل:
سُئِلَ بعض الحكماءِ عن العلاقة بين العقل والمروءَة فقال: (العَقل يأمرك بِالْأنفعِ، والمروءَة تأمرك بِالأجمل) .
- الفرق بين المروءَة والكرم:
(الكرم والمروءَة... قرينان في الفضل، ومتشاكلان في العقل، والفرق بينهما مع التشاكل من وجهين:
أحدهما: أن الكرم: مراعاة الأحوال، أن يكون على أنفعها وأفضلها، والمروءَة: مراعاة الأحوال، أن يكون على أحسنها وأجملها.
والوجه الثاني: أن الكرم، ما تعدى نفعه إلى غير فاعله. والمروءَة: قد تقف على فاعلها ولا تتعدى إلى غيره، فإن استعملها في غيره مازجت الكرم، ولم ينفرد بالمروءَة وصار بالاجتماع أفضل، وإن افترقا كان الكرم أفضل لتعدي نفعه، وتعدي النفع أفضل.
وليس واحد من الكرم والمروءَة خلقًا مفردًا، ولكنه يشتمل على أخلاق يصير مجموعها كرمًا ومروءةً) .

mabrok 08-06-2013 10:40 AM

http://sphotos-h.ak.fbcdn.net/hphoto...90292856_n.jpg

محمد رافع 52 11-06-2013 01:48 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mabrok (المشاركة 5320351)

واياكم بارك الله فيكم
وجزاكم عنا خيرا

محمد رافع 52 11-06-2013 02:00 AM

أولًا: المروءَة في القرآن الكريم

المروءَة: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، وهي رعيٌ لمساعي البر ورفع لدواعي الضر، وهي طهارة من جميع الأدناس والأرجاس؛ لذا فإنَّ كلَّ آية من كتاب الله تأمر بفضيلة من الفضائل، أو تنهى عن رذيلة من الرذائل فهي تدلُّ على المروءَة، وترشد إلى طريقها، ونحن هنا بصدد ذكر بعض الآيات التي تأمر بالتحلي بمحاسن الأخلاق، والتزين بجميلها:
- قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 99].
قيل لسفيان بن عيينة: (قد استنبطت من القرآن كل شيء، فهل وجدت المروءَة فيه؟ فقال: نعم، في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، يقول: ففيه المروءَة وحسن الأدب ومكارم الأخلاق، فجمع في قوله: خُذِ الْعَفْوَ صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، وذلك في قوله: خُذِ الْعَفْوَ، ودخل في قوله: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، ودخل في قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الحض على التخلق بالحلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة والأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة).
- وقال الله تبارك وتعالى في صفات عباده الذين اتصفوا بأعلى صفات المروءَة ووصلوا إلى غاياتها: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 63-76].
- وقال فيهم أيضًا شاهدًا لهم بالفلاح: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون: 1-10].
- وقال أيضًا في وصفهم: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا [الإنسان: 7 – 9].
- وقال الله عزَّ وجلَّ: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77].
قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في هذه الآية: (فيها عين المروءَة وحقيقتها) .
- وقال الله تبارك وتعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه ويعطيه دروسًا في القيم ومعالم في المروءَة: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِيَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 17-19].
- وقال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل: 90 – 92].
وقد جعل سفيان الثوري المروءَة مبنية على ركنين استمدهما من هذه الآية الكريمة، حيث سئل عن المروءَة ما هي؟ فقال: (الإنصاف من نفسك، والتفضل لله تعالى: إنَّ الله يأمر بالعدل، وهو الإنصاف، والإحسان، وهو التفضل، ولا يتمُّ الأمر إلا بهما، ألا تراه لو أعطى جميع ما يملك، ولم ينصف من نفسه لم تكن له مروءة؛ لأنَّه لا يريد أن يعطي شيئًا إلا أن يأخذ من صاحبه مثله، وليس مع هذا مروءة) .
فكلُّ هذه الآيات وما سواها -وما أكثرها في كتاب الله تبارك وتعالى- متضمنة لأصول المروءَة وركائزها التي تبنى عليها، وإن كانت لا تدلُّ على المروءَة بحروفها.

محمد رافع 52 11-06-2013 02:03 AM

ثانيًا: المروءَة في السُّنَّة النَّبويَّة
وردت كثير من الأحاديث تشير إلى بعض ما تضمنته صفة المروءة من حسن الخلق وجميل المعاشرة، والتحذير من كلِّ ما يشين الإنسان، ويدنِّس عرضه، وسنقتصر على عرض بعض هذه الأحاديث:
- ((قيل: يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم لله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: يوسف نبي الله، بن نبي الله، بن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) .
قال النووي: (معناه أنَّ أصحاب المروءات، ومكارم الأخلاق في الجاهلية، إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس) .
- ومن ذلك حديث عائشة أمِّ المؤمنين في بدء الوحي، والذي فيه قول خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلَّا واللَّه ما يخزيك اللَّه أبدًا، إنَّك لتصل الرَّحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضَّيف، وتعين على نوائب الحقِّ... )) .
- و((عن أبي ذرٍّ رضي اللَّه عنه قال: سألت النَّبي صلى اللَّه عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ قال: إيمان باللَّه، وجهاد في سبيله. قلت: فأيَّ الرِّقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق. قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع النَّاس من الشَّرِّ، فإنَّها صدقة تصدَّق بها على نفسك)) .
- وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل اللَّه وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصَّائم لا يفطر)) .
- وعن سهل رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنَّة هكذا، وأشار بالسَّبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا)) .

محمد رافع 52 11-06-2013 02:06 AM

أقوال السلف والعلماء في المروءَة
- قال معاوية رضي الله عنه: (المروءَة ترك الشَّهوات وعصيان الهوى) .
- وحُكي أنَّ معاوية سأل عَمرًا رضي الله عنه عن المروءَة، فقال: (تقوى اللَّه تعالى وصلة الرَّحم. وسأل المغيرة، فقال: هي العفَّة عمَّا حرَّم اللَّه تعالى، والحرفة فيما أحلَّ اللَّه تعالى. وسأل يزيد، فقال: هي الصَّبر على البلوى، والشُّكر على النُّعمى، والعفو عند المقدرة. فقال معاوية: أنت منِّي حقًّا) .
- وروي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (من مُرُوءَةِ الرَّجُل نقاءُ ثوْبِه) .
- وسأل الحسين أخاه الحسن عن المروءَة فقال: (الدين، وحسن اليقين) .
- وَسُئِل محمد بن علي عن المروءَة فقال: (أَنْ لَا تعمل في السِّر عَمَلًا تَسْتَحِي مِنْهُ فِي العلانية) .
- وقال علي بن الحسين: (من تمام المروءَة خدمة الرجل ضيفه، كما خدمهم أبونا إبراهيم الخليل بنفسه وأهله) .
- وقال عمر بن عبد العزيز: (ليس من المروءَة أن تستخدم الضيف) .
- وقال الأحنف بن قيس: (الكذوب لا حيلة له، والحسود لا راحة له، والبخيل لا مروءة له، والملول لا وفاء له، ولا يسود سيئ الأخلاق، ومن المروءَة إذا كان الرجل بخيلًا أن يكتم ويتجمل) .
- وسئل أيضًا عن المروءَة فقال: (صدق اللِّسان، ومواساة الإخوان، وذكر اللَّه تعالى في كلِّ مكان) .
- وقال مرَّة: (العفَّة والحرفة) .
- وقال الماوردي: (اعلم أنَّ من شواهد الفضل ودلائل الكرم، المروءَة التي هي حلية النُّفوس، وزينة الهمم) .
- وسئل بشر بن الحارث عن القناعة فقال: (لو لم يكن فيها إلَّا التَّمتُّع بعزِّ الغنى لكان ذلك يجزي، ثمَّ أنشأ يقول:


أفادتنا القناعة أيَّ عزٍّ***ولا عزَّ أعزَّ من القناعه



فخذ منها لنفسك رأس مال***وصيِّر بعدها التَّقوى بضاعه




تحز حالين تغنى عن بخيل***وتسعد في الجنان بصبر ساعه



ثمَّ قال: مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء) .
- وقال سفيان بن حسين: (قلت لإياس بن معاوية: ما المروءَة؟ قال: أمَّا في بلدك فالتَّقوى، وأمَّا حيث لا تعرف فاللِّباس) .
- وقال أحمد -في آداب مؤاكلة الإخوان-: (يأكل بالسُّرور مع الإخوان، وبالإيثار مع الفقراء، وبالمروءَة مع أبناء الدُّنيا) .

محمد رافع 52 11-06-2013 02:10 AM

فوائد التحلي بالمروءَة واجتناب ما يخرمها
1- صون النفس، وهو حفظها وحمايتها عما يشينها، ويعيبها ويزري بها عند الله عزَّ وجلَّ، وملائكته، وعباده المؤمنين، وسائر خلقه .
2- توفير الحسنات، ويكون ذلك من وجهين:
أحدهما: توفير زمانه على اكتساب الحسنات، فإذا اشتغل بالقبائح نقصت عليه الحسنات التي كان مستعدًّا لتحصيلها.
والثاني: توفير الحسنات المفعولة عن نقصانها، بموازنة السيِّئات وحبوطها، فإنَّ السيِّئات قد تحبط الحسنات، وقد تستغرقها بالكلية أو تنقصها، فلابد أن تضعفها قطعًا؛ فتجنبها يُوَفِر ديوان الحسنات، وذلك بمنزلة من له مال حاصل، فإذا استدان عليه؛ فإمَّا أن يستغرقه الدين أو يكثره أو ينقصه، فهكذا الحسنات والسيئات سواء .
3- صيانة الإيمان؛ وذلك لأنَّ الإيمان عند جميع أهل السُّنَّة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد حكاه الشافعي وغيره عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإضعاف المعاصي للإيمان أمر معلوم بالذوق والوجود، فإنَّ العبد- كما جاء في الحديث- إذا أذنب نُكِت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن عاد فأذنب نُكت فيه نكتة أخرى، حتى تعلو قلبه .
4- سبيل إلى نيل المطالب العالية، والسبق إليها، وإن كثر عليها المتنافسون، قال بعْض الْعلماءِ: إذَا طلب رجلانِ أَمْرًا ظفِر بِهِ أَعْظمهما مروءةً .
5- التحلي بها مما يزيد في ماء الوجه وبهجته، قال ابن القيم: (أَربعةٌ تزِيد فِي ماءِ الوجهِ وبهجتِهِ: المروءَة، والوفاء، والكرم، والتَّقوى) .
6- تحجز المرء عن كلِّ لذة يتبعها ألم، وكل شهوة يلحقها ندم، فهي جُنَّة عن اللذائذ المحرمة، والشهوات المهلكة، وقد قيل: (الدين، والمروءَة، والعقل، والروح، ينهين عن لذة تعقب ألمًا، وشهوة تورث ندمًا) .
7- والمروءَة مانعة من الكذب، باعثة على الصدق؛ لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرهًا، فأولى من فعل ما كان مستقبحًا .
8- داعية إلى إنصاف الرجل لجميع الخلق، سواء في ذلك من كان دونه، أو من كان فوقه، لا يفرق بين هؤلاء وهؤلاء.
9- داعية إلى الرفعة والعلو، والمنافسة في خيري الدنيا والآخرة، وعدم الرضا من الشيء إلا بأعلاه وغايته.
10- تحمل صاحبها إلى الترفع عن سفاسف الأمور، ومحقراتها.
11- تحجزه عن الوقوع في مواطن الريب والشبهات، وإن حصل ووقع في مثل هذه المواطن تحمله على التخلص منها وعدم الرجوع إليها.
12- جالبة لمحبة الله تبارك وتعالى للعبد، ومن ثم محبة الخلق له.

محمد رافع 52 11-06-2013 02:11 AM

أقسام المروءَة

كل من تكلم عن المروءَة وحدِّها وبيانها لم يخرجها عن أحد نوعين:
إما أفعال أو تروك، وهذا ما بيَّنه أبو حاتم البستي بعد أن سرد مجموعة من الأقوال في تعريف المروءَة، قال: (والمروءَة عندي خصلتان:
- اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال.
- واستعمال ما يحبُّ الله والمسلمون من الخصال) .
وهذا ما عناه ابن القيم بقوله: (وحقيقة المروءَة تجنب للدنايا والرذائل، من الأقوال، والأخلاق، والأعمال، فمروءة اللسان: حلاوته، وطيبه، ولينه، واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر. ومروءة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض. ومروءة المال: الإصابة ببذله مواقعه المحمودة، عقلًا وعرفًا وشرعًا. ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه. ومروءة الإحسان: تعجيله، وتيسيره، وتوفيره، وعدم رؤيته حال وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه، فهذه مروءة البذل.
وأما مروءة الترك: فترك الخصام، والمعاتبة، والمطالبة، والمماراة، والإغضاء عن عيب ما يأخذه من حقِّك، وترك الاستقصاء في طلبه، والتغافل عن عثراته) .
وبهذا التقسيم -أعني مروءة الفعل والبذل ومروءة الترك- ينتظم جميع الأقوال التي عرفت بها المروءَة في سلك واحد.

محمد رافع 52 11-06-2013 02:14 AM

شروط المروءَة
للمروءة شروط لا تتأتى إلا بها، ولا يحصلها الشخص إلا بنوع من المعاناة وبذل الجهد، يقول الماوردي: (من حقوق المروءَة وشروطها ما لا يتوصَّل إليه إلَّا بالمعاناة، ولا يوقف عليه إلَّا بالتَّفقُّد والمراعاة، فثبت أنَّ مراعاة النَّفس على أفضل أحوالها هي المروءَة.
وإذا كانت كذلك فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلَّا من تسهَّلت عليه المشاقُّ رغبةً في الحمد، وهانت عليه الملاذُّ حذرًا من الذَّمِّ) .
وقد عدَّد بعض البلغاء بعض شروط المروءَة، فقال: (من شرائط المروءَة أن تعفَّ عن الحرام، وتتصلَّف عن الآثام، وتنصف في الحكم، وتكفَّ عن الظلم، ولا تطمع في ما لا تستحق، ولا تستطيل على من لا تسترق، ولا تعين قويًّا على ضعيف، ولا تؤثر دنيًّا على شريف، ولا تُسِرَّ ما يُعقب الوزر والإثم، ولا تفعل ما يقبح الذكر والاسم) .
وقد أجاد الماوردي في بيان شروط المروءة، مع حسن التقسيم، وبراعة العرض، وفيما يلي تلخيص لكلامه:
من هذه الشروط:
الأول شروط المروءَة فِي نفسِ الشخص: وشروطها فِي نفسِه بعد التِزامِ ما أوجبه الشَّرع من أحكامِه يكون بثلاثة أمورٍ وهي:
1- العِفَّة: وهي نوعان:
أحدهما: العِفَّة عن المحارِمِ: وهذه تكون بشيئين اثنين:
أحدهما: ضبط الفرجِ عن الحرامِ.
والثَّانِي: كفُّ اللِّسانِ عن الأعراضِ.
والثَّانِي: العِفَّة عن المآثِمِ: وهذه أيضًا لا تكون إلا بشيئين:
أَحدهما: الكفُّ عن المجاهرةِ بِالظُّلمِ.
والثَّانِي: زجر النَّفسِ عن الإِسرارِ بِخِيانةٍ.
2- النَّزاهة: وهي نوعانِ:
أَحدهما: النَّزاهة عن المطامِعِ الدَّنِيَّةِ .
والثَّاني: النَّزاهة عن مواقف الرِّيبة.
3- الصِّيانة: وهي نوعانِ:
أَحدهما: صِيانة النَّفسِ بالتِماس كِفايتها، وتقدِير مادَّتها.
والثَّاني: صيانتها عن تحمُّل المنن من النَّاسِ، والاسترسال في الاستعانة.
الثَّانِي: شروط المروءَة في غيره، وتكون بثلاثة أمور وهي:
- المؤازرة: وهي نوعانِ:
أحدهما: الإِسعاف بِالجاه.
والثَّاني: الإسعاف فِي النَّوائِب.
- والمياسرة وهي نوعانِ:
أَحدهما: العفو عن الهفوات.
والثَّانِي: المسامحة في الحقوق وهي نوعان:
المسامحة في عقودٍ: بأَن يكون فيها سهل المناجزةِ، قلِيل المحاجزةِ، مأمون الغيبةِ، بعِيدًا مِن المكرِ والخدِيعةِ.
المسامحة في حقوق: وتتنوَّع المسامحة فِيها نوعينِ:
أَحدهما فِي الأَحوالِ: وهو اطِّراح المنازعةِ فِي الرُّتبِ، وترك المنافسةِ فِي التَّقدُّمِ.
والثَّانِي فِي الأَموالِ: وهي ثلاثة أنواع: وهي مسامحة إسقاطٍ لِعدمٍ، ومسامحة تخفِيفٍ لِعجزٍ، ومسامحة إنكارٍ لِعسرةٍ.
- والإِفضال: وهو نوعان:
إفضال اصطِناعٍ: وهو نوعان:
أحدهما: ما أَسداه جودًا فِي شكورٍ.
والثَّانِي: ما تأَلَّف به نبوة نفورٍ.
وإِفضال استكفافٍ ودِفاعٍ:
وذلك لأَنَّ ذا الفضلِ لا يعدم حاسِد نِعمةٍ، ومعانِد فضِيلةٍ، يعترِيهِ الجهل بِإِظهارِ عِنادِهِ، ويبعثه اللُّؤم على البذاءِ بِسفهِهِ، فإِن غفل عن استِكفافِ السُّفهاءِ، وأَعرَض عن استِدفاعِ أَهلِ البذاءِ، صار عِرضه هدفًا لِلمثالِبِ، وحاله عُرضةً للنَّوائب، وإذا استكفى السَّفِيه، واستدفع البذِيء صان عرضه، وحمى نِعمته.
ولاستِكفافِ السُّفهاءِ بالإِفضالِ شرطان:
أحدهما: أَن يخفِيه حتَّى لا ينتشِر فِيهِ مطامِع السُّفهاء، فيتوصَّلون إلى اجتِذابِهِ بِسبِّه، وإِلى مالِه بِثلبِه.
والثَّاني: أَن يتطلَّب له فِي المجاملة وجهًا، ويجعله فِي الإِفضال عليه سببًا؛ لأَنَّه لا يرى أَنَّه على السَّفهِ واستِدامةِ البذاءِ .

محمد رافع 52 11-06-2013 02:16 AM

درجات المروءَة

للمروءة ثلاث درجات ذكرها ابن القيم، فقال:
- الدرجة الأولى: مروءة المرء مع نفسه وهي أن يحملها قسرًا على ما يجمل ويزين، وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في العلانية، فمن أراد شيئًا في سرِّه وخلوته، ملكه في جهره وعلانيته، فلا يكشف عورته في الخلوة، ولا يتجشأ بصوت مزعج ما وجد إلى خلافه سبيلًا، ولا يخرج الريح بصوت وهو يقدر على خلافه، ولا يجشع وينهم عند أكله وحده.
وبالجملة: فلا يفعل خاليًا ما يستحي من فعله في الملأ، إلا ما لا يحظره الشرع والعقل؛ ولا يكون إلا في الخلوة كالجماع والتخلي ونحو ذلك.
- الدرجة الثانية: المروءَة مع الخلق، بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه، وليتخذ الناس مرآة لنفسه، فكلُّ ما كرهه ونفر عنه من قول أو فعل أو خلق فليجتنبه، وما أحبَّه من ذلك واستحسنه فليفعله.
وصاحب هذه البصيرة ينتفع بكلِّ من خالطه وصاحبه، من كامل، وناقص، وسيئ الخلق، وحسنه، وعديم المروءَة، وغزيرها. وكثير من الناس يتعلم المروءَة ومكارم الأخلاق من الموصوفين بأضدادها، كما روي عن بعض الأكابر أنه كان له مملوك سيئ الخلق، فظٌّ غليظ لا يناسبه، فسُئل عن ذلك فقال: أدرس عليه مكارم الأخلاق. وهذا يكون بمعرفة مكارم الأخلاق في ضد أخلاقه، ويكون بتمرين النفس على مصاحبته ومعاشرته والصبر عليه.
- الدرجة الثالثة: المروءَة مع الحقِّ سبحانه، بالاستحياء من نظره إليك، واطلاعه عليك في كلِّ لحظة ونفس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان، فإنه قد اشتراها منك، وأنت ساع في تسليم المبيع وتقاضي الثمن، وليس من المروءَة: تسليمه على ما فيه من العيوب وتقاضي الثمن كاملًا، أو رؤية مِنَّته في هذا الإصلاح، وأنَّه هو المتولِّي له لا أنت، فيغنيك الحياء منه عن رسوم الطبيعة، والاشتغال بإصلاح عيوب نفسك عن التفاتك إلى عيب غيرك، وشهود الحقيقة عن رؤية فعلك وصلاحك .

محمد رافع 52 11-06-2013 02:24 AM

صور المروءَة وآدابها
للمروءة آدابٌ كثيرة قلَّ أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى؛ ولذلك فإنَّ منازل الناس فيها تتباين تبعًا لما يُحصِّله الإنسان من آدابها ومراتبها.
قال ابن هذيل: إنَّ (للمروءة وجوهًا وآدابًا لا يحصرها عدد ولا حساب، وقلَّما اجتمعت شروطها قط في إنسان، ولا اكتملت وجوهها في بشر، فإن كان ففي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم دون سائرهم، وأمَّا الناس فيها فعلى مراتب بقدر ما أحرز كلُّ واحد منهم من خصالها، واحتوى عليها من خلالها) .
وقد وردت جُملةٌ من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءَة، ومنها :
1- أن يكون ذا أناةٍ وتؤدةٍ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة، كأن يُكثر الالتفات في الطريق، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال.
2- أن يكون متَّئدًا في كلامه يرسل كلماته مفصَّلة، ولا يخطف حروفها خطفًا، حتى يكاد بعضها يدخل في بعض، بل يكون حسن البيان، واضح العبارة، بعيدًا عن التكلف والتقعر، ينتقي أطايب الحديث، كما ينتقي أطايب الثمر، وقد كتب عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه إِلى أبي موسى رضي الله عنه: (خُذِ النَّاس بالعربِيَّة، فإِنَّه يزيد في العَقل، ويُثبت المروءَة) .
3- أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب، أو دهشة الفرح، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السرَّاء والضرَّاء.
4- أن يتحلَّى بالصراحة، والترفع عن المواربة، والمجاملة، والنفاق، فلا يُبدي لشخصٍ الصداقة، وهو يحمل له العداوة، أو يشهد له باستقامة السيرة، وهو يراه منحرفًا عن السبيل.
5- ألا تطيش به الولاية والإمارة في زهو، ولا ينزل به العزل في حسرة.
6- ألاَّ يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعدُّوه من سقطاته والمآخذ عليه، وقد رفع محمد بن عمران التيمي شأن هذا الأدب حتى جعله هو المروءَة، فقال لما سئل عن المروءَة: ألَّا تعمل في السِّر ما تستحي منه في العلانية.
7- أن يتجنب القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها، فيكون تجنبه لها في السِّر والعلانية.
8- أن يلاقي الناس بطلاقة وجه، ولسان رطب، غير باحث عما تكنُّه صدورهم من مودة، أو بغضاء، ولكنه لا يستطيع أن يرافق ويعاشر إلا ودودًا مخلصًا.
9- أن يكون بخيلًا بوقته عن إطلاق لسانه في أعراض الناس، والتقاط معايبهم، أو اختلاق معايب لهم، فهو لا يرضى بأن يشغل وقته إلا بما تتقاضاه المروءَة من حقوق، قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطيب لا يحسن يهجو، فقال له: لا تقل ذلك، فوالله ما تركه من عي، ولكنه كان يترفع عن الهجاء، ويراه ضعة، كما يرى تركه مروءةً وشرفًا، وأنشد قول أبي الهيذام:


وأجرأ من رأيت بظهر غيب***على عيب الرجال ذوو العيوب



وربما اضطر ذو المروءَة أن يدافع شرَّ خصومه الكاشحين بذكر شيء من سقطاتهم، ولكن المروءَة تأبى له أن يختلق لهم عيبًا يقذفهم به، وهم منه براء، فإنَّ الإخبار بغير الواقع يقوض صروح المروءَة، ولا يبقي لها عينًا ولا أثرًا، قال الأحنف: لا مروءة لكذوب، ولا سؤدد لبخيل.
كما أنه يحفظ لسانه عن أن يلفظ مثلما يلفظ أهل الخلاعة من سفه القول:


وحذار من سفه يشينك وصفه***إنَّ السفاه بذي المروءَة زاري



10- أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعملٍ خفيف؛ فقد ورد عن عمر ابن عبد العزيز رحمه الله قوله: (ليس من المروءَة استخدام الضيف).
- أن يسود في مجلسه الجدُّ والحكمة، وأن لا يلمَّ في حديثه بالمزاح إلا إلمامًا، مؤنسًا في أحوال نادرة، قال الأحنف بن قيس: (كثرة المزاح تذهب المروءَة).
11- أن يُحسن الإصغاء لمن يُحدثه من الإخوان، فإنَّ إقباله على محدثه بالإصغاء إليه يدلُّ على ارتياحه لمجالسته، وأُنسه بحديثه. وإلى هذا الأدب الجميل يُشير أبو تمام بقوله:


من لـي بإنسانٍ إذا أغضبته***ورضيتُ كان الحِلم ردَّ جوابه



وتراه يُصغي للـحديث بقلبه***وبسـمعه، ولعـله أدرى بـه



12- أن يحتمل ضيق العيش، ولا يبذل ماء حيائه وكرامته في السعي لما يجعل عيشه في سعة، أو يديه في ثراء، قال مهيار:


ونفس حرة لا يزدهيها ***حلى الدنيا وزخرفها المعار



يبيت الحق أصدق حاجتيها***وكسب العز أطيب ما يمار



13- ألَّا يظهر الشكوى من حوادث الدهر إلا أن يتقاضى حقًّا:


لا يفرحون إذا ما الدهر طاوعهم ***يومًا بيسر ولا يشكون إن نكبوا





وقال عبد الله بن الزبير الأسدي في عمر بن عثمان بن عفان:


فتى غير محجوب الغنى عن صديقه***ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت



14- أن يكون حافظًا لما يؤتمن عليه، من أسرارٍ وأُمور لا ينبغي أن تظهر لأحدٍ غير صاحبها. وفي هذا المعنى يقول المتنبي:


كفتك المروءَة ما تتقى***وأمَّنك الود ما تحذر



يريد أنه ذو مروءة، وذو المروءَة لا يُفشي سرًّا اؤتمن عليه.
15- أن يحذر أن يؤذي شخصًا ما، وأشد ما يحذر أن يؤذي ذا مروءة مثله:


وأستحيي المروءَة أن تراني ***ت مناسبي جلدًا وقهرًا



16- أن يحرص على أن تطابق أقواله وأفعاله ما جرت عليه الأعراف والتقاليد الحسنة، والتي لا تخالف الشرع ولا تضادُّ الدين.
17- أن يعامل الآخرين بما يحب أن يعاملوه به، وأن يحترمهم ولا يفضل نفسه عليهم في شيء.

محمد رافع 52 11-06-2013 02:26 AM

أسباب خوارم المروءَة

1- الخبل في العقل (أي الفساد فيه):
إن الإنسان سمي مرءًا أو امرءًا أي عاقلًا، ووصف بالمروءَة؛ لأنه لا يتصف بخلافها إلا الحمقى، ومن هنا كان الخبل في العقل سببًا في اقتراف خوارم المروءَة، والذي يجعلنا لا نثق بكلامه فنرد شهادته بسببه.
ولا تستغرب هذا! بل من الحكماء من جعل المروءَة أعلى درجة من العقل، فقال: (العقل يأمرك بالأنفع، والمروءَة تأمرك بالأرفع) فمن أخلَّ بمروءته رضي بالدون، ولم يكرم نفسه مما يشينها.
ويلتقي هذا مع اشتراط الفقهاء الفطنة وعدم التغفل في الشهود ولو كانوا عدولًا، وعدم قبول شهادة المجنون ابتداءً.
2- نقصان الدين:
إنَّ الفسق علامة على النقص في الدين، فلا يقدم على الكبائر مثلًا إلا فاسق غير مبال بدينه، وكذا خوارم المروءَة لا يقدم عليها حتى تخرم مروءته إلا ناقص دين، فكان أحد الأسباب التي تخرم المروءَة.
3- قلة الحياء:
إنَّ من أسباب فعل الخوارم قلة الحياء؛ لأنَّ فاعلها لا يستقبح القبيح، ولا يبالي بكلام الناس، وقلة حيائه تعطيه الجسارة في فعل خوارم المروءَة .

محمد رافع 52 11-06-2013 02:28 AM

أنواع خوارم المروءَة
يمكن أن نقسم خوارم المروءَة إلى نوعين اثنين:
الأول: خوارم للمروءة بحسب الشرع.
الثاني: خوارم للمروءة بحسب العرف السائد.
فالأولى لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الأحوال والأزمان؛ لأنها تستمد ثباتها من الشرع الحنيف. وعليه، فكلُّ من وصف بأنَّه منخرم المروءَة بواحدة من تلك الخوارم، فهو مخروم المروءَة في كلِّ حين، كأخذ الأجر على التحديث عند مَن يرى حرمة ذلك، فمن خرمت مروءته لهذا، فإنَّه لا يزال على ذلك أبدًا، وكذلك مَن خرمت مروءته بسبب السفه، وبذاءة اللسان؛ لأنَّ المسلم لا يكون بذيئًا ولا سفيهًا...
وأمَّا الخوارم التي ترجع إلى مخالفة عرف سائد، فإنَّ المحققين من العلماء لا ينظرون إليها سواء بسواء مع تلك الخوارم التي ترجع إلى مخالفة أصل شرعي؛ لجواز أن يتغير العرف السائد، فما يعدُّ من الخوارم في زمن لا يكون كذلك في زمن آخر، وما يعدُّ من الخوارم في بلد لا يكون كذلك في بلد آخر... (لاختلاف العرف في هذين البلدين، مثل: كشف الرأس، فقد يكون مستقبحًا في بلد للعرف السائد فيه، فيكون قادحًا في المروءَة والعدالة، وقد لا يكون مستقبحًا في بلد آخر، فلا يكون قادحًا في العدالة) ولهذا فإن المروءَة في مثل هذا هي مراعاة العرف السائد .
شروط الأفعال حتى تكون خارمة للمروءة:
الأول: أن يكون الإقدام على الأفعال والأقوال المحرمة شرعًا، ولو لمرة واحدة، أو المكروهة بشرط التكرار، أو الصغائر بشرط الغلبة على الطاعات، أمَّا المباحات فيشترط فيها حتى تكون خارمة للمروءة، قبحها في العادات والأعراف المعتبرة شرعًا، إذ لا يُؤمن معها الجرأة على الكذب، والإدمان على فعلها.
الثاني: الإدمان أو الإصرار أو الغلبة:
خوارم المروءَة من المحرمات لا يشترط فيها الإدمان، وكذلك صغائر الخسة، أما الصغائر ورذائل المباحات فيشترط فيها الإدمان؛ وذلك لأنَّ الإنسان لا يسلم من يسير اللهو، أو فعل بعض المباحات؛ لعدم العصمة، وليس هذا شرطًا متفقًا عليه

محمد رافع 52 11-06-2013 02:29 AM

حكم فعل خوارم المروءَة

(أجمع العلماء على أنَّ مَن فعل ما يخلُّ بالمروءَة لا تُقبل شهادته، والأفعال والأقوال التي تخلُّ بالمروءَة أقسام:
الأول: المحرمات التي يُعدُّ فعلها كبيرةً، سواء أكانت محرمةً لذاتها أم لغيرها، ومن العلماء من جعل كلَّ ما يخلُّ بالمروءَة كبيرة وليس ذلك صحيحًا.
الثاني: المكروهات إذا حكم على فعلها بأنها صغيرة، فتخلُّ بالمروءَة والعدالة بالإدمان عليها، وغلبتها على الطاعات؛ إلا صغائر الخسة؛ فإنها تخل بالمروءَة لفعلها مرة واحدة.
الثالث: المباحات؛ فالأصل فيها أن لا يأثم الإنسان على تركها ولا يثاب على فعلها، وقد يثاب إذا رافقتها نيَّة صالحة، كالتقوي على العبادة، أو التصدق على المحتاجين... إلخ.
وهذه المباحات لا تخلُّ بالمروءَة إلا إذا انتقلت من حكم الإباحة إلى غيره؛ فقد تصبح محرمةً إذا كان فعلها إتلافًا وإضرارًا بالآخرين، وقد يصبح فعلها مكروهًا بالإدمان عليها، أو التشبه بالفسقة في فعلها، أو رافقها الإسراف؛ فهذه تخلُّ بالمروءَة.
وهناك من المباحات ما يخلُّ بالمروءَة عرفًا؛ فهذه تخلُّ بالمروءَة إذا كان العرف معتبرًا شرعًا، أي غير فاسد باصطدامه بمقاصد الشرع وأدلته؛ ولأنَّ هذه المباحات المخلة بالمروءَة عرفًا لا يحرم فعلها، إلا إذا تعينت على فاعلها الشهادة، ولم تكن هناك وسيلة للإثبات غير شهادته بوجود شاهد آخر أو وثيقة؛ فحرمة فعلها جاءت لتسببها في ضياع الحقوق)

محمد رافع 52 11-06-2013 02:33 AM

الوسائل المعينة على اكتساب المروءَة

يقول ابن حبان البستي: (الواجب على العاقل أن يلزم إقامة المروءَة، بما قدر عليه من الخصال المحمودة وترك الخلال المذمومة، وقد نبغت نابغة اتكلوا على آبائهم، واتكلوا على أجدادهم في الذكر والمروءات، وبعدوا عن القيام بإقامتها بأنفسهم، ولقد أنشدني منصور بن محمد في ذمِّ من هذا نعته:


إنَّ المروءَة ليس يدركها امرؤ***ورث المروءَة عن أب فأضاعها



أمرته نفس بالدناءة والخَنا ***ونهته عن طلب العلى فأطاعها



فإذا أصاب من الأمور عظيمة***يبني الكريم بها المروءَة باعها



...إلى أن قال: (ما رأيت أحدًا أخسر صفقة، ولا أظهر حسرة، ولا أخيب قصدًا، ولا أقل رشدًا، ولا أحمق شعارًا، ولا أدنس دثارًا، من المفتخر بالآباء الكرام، وأخلاقهم الجسام، مع تعريه عن سلوك أمثالهم وقصد أشباههم، متوهمًا أنهم ارتفعوا بمن قبلهم، وسادوا بمن تقدَّمهم، وهيهات أنى يسود المرء على الحقيقة إلا بنفسه، وأنى ينبل في الدارين إلا بكدِّه) .
فإذا كانت المروءَة لا تنال بالميراث، ولا تنتقل عبر المورثات الجينية من الآباء إلى الأبناء، فكيف ينالها الشخص وكيف يصل إليها؟
والجواب أن هناك وسائل تعين المرء للوصول إلى المروءَة المبتغاة نذكر بعضها فيما يلي:
1- علو الهمة والتطلع إلى السمو بالنفس، والترقي بها إلى المعالي.
2- منافسة أصحاب المروءات ومسابقة أصحاب الأخلاق العالية وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26].
3- شرف النفس واستعفافها ونزاهتها وصيانتها.
4- المال الصالح خير معين على بلوغ المروءات، قال أبو حاتم: (من أحسن ما يستعين به المرء على إقامة مروءته المال الصالح، ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي:


احتل لنفسك أيها المحتال***فمن المروءَة أن يرى لك مال



كم ناطق وسط الرجال وإنما***عنهم هناك تكلم الأموال



فالواجب على العاقل أن يقيم مروءته بما قدر عليه، ولا سبيل إلى إقامة مروءته إلا باليسار من المال، فمن رزق ذلك، وضنَّ بإنفاقه في إقامة مروءته، فهو الذي خسر الدنيا والآخرة، ولا آمن أن تفجأه المنية فتسلبه عما ملك كريهًا، وتودعه قبرًا وحيدًا، ثم يرث المال بعد من يأكله ولا يحمده، وينفقه ولا يشكره، فأي ندامة تشبه هذه، وأي حسرة تزيد عليها .
ولذا قال بعض العرب: (المروءَة طعام مأكول، ونائل مبذول، وبشر مقبول، وكلام معسول. وقيل: لا مروءة لمقل. وقال بعضهم: المال والمروءَة رضيعا لبان، وشريكا عنان، وغزيا حصان، وفرسا رهان. وقال بعضهم: لا مروءة إلا بالمال والفعال. ورفع إلى المنصور كثرة نفقات محمد بن سليمان والي البصرة، فوقع: أعظم الناس مروءة أكثرهم مؤنة) .
5- اختيار الزوجة الصالحة ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) .
قال مسلمة بن عبد الملك: (ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة).
قال الشاعر:


إذا لم يكن في منزل المرء حرة***مدبرة ضاعت مروءة داره



6- مجالسة أهل المروءات، ومجانبة السفهاء وأهل السوء.
أسند ابن حبان عن بعضهم قال: (كان يقال: مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلب صدأ الذنوب، ومجالسة ذوي المروءات تدلُّ على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تذكي القلوب) .
ومتى جالس المرء أهل المروءات اكتسب منهم صالح الأخلاق والصفات: قال ابن عبد البر: (فلا تكاد تجد حسن الخلق، إلا ذا مروءة وصبر) .
وكذلك إن عاشر المرء إخوان السوء وقليلي المروءَة أخذ عنهم أخلاقهم، وكان ذلك سببًا في القدح بمروءته: قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: (آفة المروءَة إخوان السوء) .

محمد رافع 52 11-06-2013 02:35 AM

انقسام الفضائل بين الكرم والمروءَة

كل كرم ومروءة فضيلة وليس كل فضيلة كرمًا ومروءةً، بل تنقسم الفضائل مع الكرم والمروءَة إلى أربعة أقسام:
1- القسم الأول: ما يدخل من الفضائل في الكرم والمروءَة: كالعفو، والعفة، والأمانة.
2- والقسم الثاني: ما يدخل في الكرم ولا يدخل في المروءَة: كالحمد، والرحمة، والحمية، والبذل، والمساعدة.
3- والقسم الثالث: ما يدخل في المروءَة ولا يدخل في الكرم: كعلو الهمة، وحسن المعاشرة، ومراعاة المنازل، والملابس.
4- والقسم الرابع: ما لا يدخل في الكرم ولا المروءَة: كالشَّجَاعَة، والصبر على الشدة.
فاجتمع الكرم والمروءَة في بعض الفضائل، وافترقا في بعضها، فصار الكرم أعم من المروءَة في بعض الفضائل، والمروءَة أعم من الكرم في بعض الفضائل، فلم يتعيَّن عموم أحدهما وخصوص الآخر، وإن تناسب ما ميَّز به أحدهما

محمد رافع 52 11-06-2013 02:37 AM

قالوا عن المروءَة
- قال أعرابي: (مروءة الرجل في نفسه نسب لقوم آخرين، فإنه إذا فعل الخير عرف له، وبقي في الأعقاب والأصحاب، ولقيه يوم الحساب) .
- وقال صاحب (كليلة ودمنة): (الرجلُ ذو المروءَة يكرم على غير مال، كالأسد يهاب وإن كان رابضًا، والرجل الذي لا مروءة له يهان وإن كان غنيًّا، كالكلب يهون على الناس وإن عسَّى وطوَّف) .
- وقيل لبعض العرب: (ما المروءَة فيكم؟ قال: طعام مأكول، ونائل مبذول، وبشر مقبول) .
- وقيل: (لا مروءة لمقلٍّ) .
- وقال بعض الحكماء: (من قبل صلتك، فقد باعك مروءته وأذلَّ لقدرك عزَّه وجلالته) .
- وقالوا: (لا تتمُّ المروءَة وصاحبها ينظر في الدقيق الحقير، ويعيد القول ويبدئه في الشيء النزر الذي لا مرد له ظاهر، ولا جدوى حاضرة) .
- وقيل لبعض العارفين: (ما المروءَة؟ قال: التَّغافلُ عن زلَّة الإِخْوانِ) .
- وقيل:( مجالسة أهل الدَّيانة تجلو عن القلب صدأ الذُّنوب، ومجالسة ذوي المروءات تدلُّ على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تذكي القلوب) .
- قال زياد لبعض الدَّهاقين: (ما المروءَة فيكم؟ قال: اجتناب الرِّيب، فإنَّه لا ينبل مريب، وإصلاح الرَّجل ماله، فإنَّه من مروءته، وقيامه بحوائجه وحوائج أهله، فإنَّه لا ينبل من احتاج إلى أهله، ولا من احتاج أهله إلى غيره)

محمد رافع 52 11-06-2013 02:48 AM

المروءَة في واحة الشعر

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:


للَّهِ دَرُّ فَتًى أنسابُهُ كَرَمٌ***يا حبَّذا كرمٌ أضحى له نسبا



هل المروءَةُ إِلَّا ما تَقُومُ به***من الذِّمامِ وحفظِ الجَارِ إنْ عَتَبا



وقال الشاعر:


وإذا جلستَ وكان مثـلُكَ قائمًا***فمِن المروءَة أن تقـومَ وإن أبَـى



وإذا اتكـأتَ وكان مثلُكَ جالسًا***فمِن المروءَة أن تُزيـلَ المتَّكـا



وإذا ركبتَ وكان مثـلُكَ ماشيًا***فمن المروءَة أن مشيتَ كما مشى



وقال آخر:


لا تنْظُرنَّ إلَى الثِّياب فَإِنَّنِي***خلِقُ الثِّيَابِ من المروءَة كَاسِ



وقال بعض الشعراء:


وفَتًى خَلَا من ماله***ومن المروءَة غَيْرُ خَالِي



أَعْطَاك قَبْل سُؤَاله***وكفاك مكرُوه السُّؤَالِ



وقال الْأَحْنف بن قَيْس:


فلو كنتُ مُثرًى بمالٍ كثيرٍ***لجُدْتُ وكنتُ له باذِلًا



فإنَّ المروءَة لا تُستطاعُ***إذا لم يكنْ مالُها فاضلًا



وقال ابن الجلَّال:


رُزقت مالًا ولم أُرزقْ مُروءتَه***وما المروءَةُ إلَّا كثرة المالِ



إذا أردتُ رُقى العلياءِ يُقعدني***عمَّا ينوِّه باسمي رقَّة الحال



قال أبو المنصور:


هبني أسأتُ كما تقولُ***فأين عاطفةُ الأُخوة



أو إن أسأتَ كما أسأتُ***فأين فضلُك والمرُوَّة



وقد قال الحصين بن المنذر الرَّقاشيِّ:


إنَّ المروءَة ليس يدركها امرؤٌ***ورث المكارمَ عن أبٍ فأضاعها



أمرته نفسٌ بالدَّناءةِ والخَنا***ونهته عن سُبلِ العُلا فأطاعها



فإذا أصاب مِن المكارمِ خلَّةً***يبني الكريمُ بها المكارمَ باعها



وقال آخر:


إذا المرءُ أعيته المروءَة ناشئًا***فمطلبُها كهلًا عليه شديدُ



وقال منصور الفقيه:


وإذا الفتى جمع المروءَة والتُّقَى***وحوى مع الأدبِ الحياءَ فقد كمل



وقال بعضهم:


ومن المروءَةِ للفتى***ما عاش دارٌ فاخره



فاقنعْ من الدنيا بها***واعملْ لدارِ الآخره



وقال آخر:


كفى حزنًا أنَّ المروءَة عُطِّلت***وأنَّ ذوي الألباب في الناس ضيعُ



وأنَّ ملوكًا ليس يحظَى لديهمُ***من النَّاسِ إلا من يغني ويصفعُ



وقال بهاء الدين زهير:


وَما ضَاقتِ الدُّنيا على ذي مروءةٍ***ولا هي مسدودٌ عليهِ رحابها



فقَد بشَّرتني بالسَّعادَةِ هِمَّتي***وجاء من العلياءِ نحوي كتابها



وقال عبد الجبار بن حمديس:


أدِمِ المروءَة والوفاءَ ولا يكنْ***حبلُ الديانة منك غيرَ متينِ



والعزُّ أبقَى ما تراه لمكرمٍ***إكرامه لمروءةٍ أو دينِ



وقال أبو فراس الحمداني:


الحُرُّ يَصْبِرُ مَا أطَاقَ تَصَبُّرًا***في كلِّ آونةٍ وكلِّ زمانِ



ويرى مساعدةَ الكرامِ مروءةً***ما سالمتهُ نوائبُ الحدثانِ



وقال حافظ إبراهيم:


إنِّي لتطربني الخلال كريمة***طرب الغريب بأوبة وتلاقي



وتهزَّني ذكرى المروءَة والنَّدى***بين الشَّمائل هزَّةَ المشتاقِ



وقال آخر:


مررتُ على المروءَة وهي تبكي***فقلتُ علامَ تنتحبُ الفتاةُ؟



فقالَتْ كيف لا أبكي وأهلِي***جميعًا دونَ خلقِ اللَّهِ ماتوا

محمد رافع 52 12-06-2013 12:21 AM


معنى المزَاح لغةً واصطلاحًا
معنى المزَاح لغةً:
المزاح: الدُّعابة، وهو نقيضُ الجِدِّ، من مزَح يمزَح مَزحًا ومِزاحًا ومُزاحًا ومُزاحة، وقد مازحه ممازحة ومِزاحًا، والاسم المزاح، والمزاحة أيضًا .
معنى المزَاح اصطلاحًا:
المبَاسطة إلى الغير على جهة التَّلطُّف والاستعطاف، دون أذيَّة

محمد رافع 52 12-06-2013 12:23 AM

الفرق بين المزَاح وبعض الصِّفات

- الفرق بين المزَاح والهَزْل:
أنَّ الهَزْل يقتضي تواضع الهازل لمن يهْزِل بين يديه، والمزَاح لا يقتضي ذلك، فالملِك يُمَازِح خدمه وإن لم يتواضع لهم تواضع الهازل لمن يهْزِل بين يديه، والنَّبي يُمَازِح، ولا يجوز أن يُقال يهْزِل. ويقال لمن يسخر: يهْزِل، ولا يقال: يمزح .
- الفرق بين المزاح والاستهزاء:
أنَّ المزَاح لا يقتضي تحقير من يمازِحه، ولا اعتقاد ذلك، فالتَّابع يُمَازِح المتبوع من الرُّؤساء والملوك، ولا يقتضي ذلك تحقيرهم ولا اعتقاد تحقيرهم، ولكن يقتضي الاستئناس بهم، والاستهزاء يقتضي تحقير المسْتَهْزَأ به، واعتقاد تحقيره .
وقيل: المزاح: الإيهام للشَّيء في الظَّاهر، وهو على خلافه في الباطن، من غير اغترارٍ للإيقاع في مكروه. والاستهزاء: الإيهام لما يجب في الظَّاهر، والأمر على خلافه في الباطن، على جهة الاغترار .
- الفرق بين المزَاح والمجُون:
أنَّ المجُون هو صلابة الوجه، وقلَّة الحياء، من قولك: مَجَن الشَّيء، يَمْجُن مُجُونًا، إذا صَلُبَ وغَلُظَ، ومنه سُمِّيت الخشبة التي يَدقُّ عليها القَصَّار الثَّوب: مِيجَنة. والمجُون كلمة مُولَّدة، لم تعرفها العرب، وإنَّما تعرف أصلها... المزاح الإيهام للشيء في الظاهر وهو على خلافه في الباطن من غير اغترار للإيقاع في مكروه. والاستهزاء الإيهام لما يجب في الظاهر، والأمر على خلافه في الباطن على جهة الاغترار .
- الفرق بين المزَاح والمدَاعَبة: !
فرَّق بعضهم بين المدَاعَبة والمزَاح بأنَّ المدَاعَبة: ما لا يُغْضِب جِدُّه، والمزَاح: ما يُغْضِب جِدُّه .

محمد رافع 52 12-06-2013 12:26 AM

الأحاديث الواردة في المزَاح

- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنِّي لأمزح، ولا أقول إلَّا حقًّا)) .
قال المناوي وهو يشرح هذا الحديث: (إنِّي لأمزح. أي: بالقول، وكذا بالفعل، وتخصيصه بالأوَّل ليس عليه مُعَوَّل. ولا أقول إلَّا حقًّا. لعصمتي عن الزَّلل في القول والعمل، وذلك كقوله لامرأة... ((لا يدخل الجنَّة عجوز)) ، وقوله لأخرى: ((لأحملنَّك على ولد النَّاقة)) . وقيل لابن عيينة: المزَاح سُبَّة. فقال: بل سُنَّة، ولكن مَن يُحْسِنه. وإنَّما كان يمزح لأنَّ النَّاس مأمورون بالتَّأسِّي به، والاقتداء بهديه، فلو ترك اللَّطافة والبشاشة، ولزم العُبُوس والقُطُوب، لأخذ النَّاس مِن أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من الشَّفَقة والعناء، فمَزح ليمزحوا) .
- عبد الرحمن بن أبي ليلى قال ((حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه، فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال: ما يضحككم؟ فقالوا: لا إلا أنَّا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا)) .
قال الطَّحاوي: (ففي هذا الحديث، ذكر ما فعله الرَّجل المذكور فيه، مِن أَخْذ كِنَانة صاحبه -ليرْتَاع بفقدها- على أنَّ ذلك عنده مباحٌ له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((لا يحلُّ لمسلم أن يروِّع مسلمًا))، فكان قوله ذلك له -بعد فعله ما فعله- ممَّا هو من *** ما كان فعله نُعَيْمان بسويبط، وما كان فعله عبد الله بن حذافة -في حديث علقمة المدلجي- بأصحابه ليضحكوا من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ليلى لفاعل ما ذُكر فعله إيَّاه فيه: ((لا يحلُّ لمسلم أن يروِّع مسلمًا)). فكان ذلك تحريمًا منه لمثل ذلك، ونسخًا لما كان قد تقدَّمه، ممَّا ذكرناه في هذا الباب، ممَّا تعلَّق به من تعلَّق ممَّن يذهب إلى إباحة مثله، إن كان مباحًا حينئذ، واللهَ نسأله التوفيق) .
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنَ الناسِ خُلُقًا، وكان لي أخٌ يُقالُ له أبو عُمَيرٍ -قال: أحسِبُه- فَطيمٌ، وكان إذا جاء قال: (يا أبا عُمَيرٍ، ما فعَل النُّغَيرُ؟ نُغَرٌ كان يَلعَبُ به)) .
قال ابن حجر وهو يعدِّد فوائد الحديث: (وفيه جواز الممَازَحة، وتكرير المزْح، وأنَّها إباحة سنَّة لا رخصة، وأنَّ مُمَازَحة الصَّبي الذي -لم يميِّز- جائزة، وتكرير زيارة الممْزُوح معه، وفيه ترك التَّكبُّر والتَّرفُّع، والفرق بين كون الكبير في الطَّريق فيتَوَاقَر، أو في البيت فيَمْزَح) .

محمد رافع 52 12-06-2013 12:31 AM

أقوال السلف والعلماء في المزَاح

المزَاح منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود، فكلُّ ما جاء في ذَمِّه، فالمقصود به المذموم من المزَاح:
- قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (مَن أكثرَ مِن شيءٍ عُرف به، ومَن مازح، استُخِفَّ به، ومن كَثُر ضَحِكه، ذهبت هيبته) .
- عن عيسى بن عبد العزيز، أنَّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة: (اِنْهَ مَن قِبَلَك عن المزَاح، فإنَّه يُذْهِب المروءة، ويُوغِر الصَّدر) .
- أوصى يَعْلَى بن مُنْيَة بثلاثٍ، فقال -في كلامٍ طويل-: (إيَّاكم والمزَاح؛ فإنَّه يُذهب بالبهاء، ويُعْقِب المذمَّة، ويزري بالمروءة) .
- قال عمر بن عبد العزيز: (امتنعوا من المزَاح، تسلم لكم الأعراض) .
- عن ابن المنكدر قال: (قالت لي أمِّي: يا بُنيَّ، لا تُمَازِح الصِّبيان فتهون عليهم. وقد كانت أدركت النَّبي صلى الله عليه وسلم) .
- قال سعيد بن العاص لابنه: (يا بُنَيَّ، لا تُمَازِح الشَّريف، فيحقد عليك، ولا تُمَازِح الدَّنيَّ، فيجترئ عليك) .
- كان العبَّاس رضي الله عنه يقول: (مَزَح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار المزْح سنَّة) .
- قيل لسفيان بن عيينة: المزَاح هُجنة. فقال: (بل سنَّة، ولكن الشَّأن فيمن يُحسِنه، ويضعه مواضعه) .
- قال سالم بن قتيبة لأهل بيته: (لا تُمَازِحوا فيُستَخَفَّ بكم، ولا تدخلوا الأسواق فترقَّ أخلاقكم) .
- قال الأحنف: (مَن كَثُر مِزَاحه ذهبت هيبته، ومَن كَثُر ضَحِكه استُخِفَّ به) .
- قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (لا يكون المزَاح إلَّا مِن سَخَفٍ أو بَطَر) .
- قال علي رضي الله عنه: (ستٌّ مِن المروءة، ثلاثٌ في الحضر، وثلاثٌ في السَّفر، وأمَّا اللَّاتي في الحضر: فتلاوة كتاب الله، وعِمَارة مساجد الله، واتِّخاذ الإخوان في الله، وأمَّا اللَّاتي في السَّفر: فبذل الزَّاد، وحُسْن الخُلُق، والمزَاح في غير معاصي) .

محمد رافع 52 12-06-2013 12:34 AM

حكم المزَاح
المزَاح مباحٌ، وقد يُسْتَحبُّ إذا كان فيه تَطْيِيب نفس المخَاطَب، ومؤانسته بالضَّوابط الشَّرعية، وقد يكون منهيًّا عنه، إذا أفرط فيه صاحبه أو داوم عليه، أو كان فيه تحقيرٌ أو استهزاء أو كذب، أو ترويع لمسلم أو نحوه ممَّا فيه ضرَر.
قال النَّوويُّ: (اعلم أنَّ المزَاح المنهيَّ عنه، هو الذي فيه إفراط ويُداوَم عليه، فإنَّه يُورث الضَّحك، وقسوة القلب، ويُشغل عن ذكر الله، والفِكْر في مهمَّات الدِّين، ويؤول في كثيرٍ من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوَقار، فأمَّا ما سَلِم مِن هذه الأمور، فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله على النُّدرة؛ لمصلحة تَطْيِيب نفس المخَاطب ومؤانسته، وهو سنَّةٌ مستحبَّة) .
وقال ابن حجر: (أخرج التِّرمذي -وحسَّنه- من حديث أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله، إنَّك تداعبنا! قال: ((إنِّي لا أقول إلَّا حقًّا)) . وأخرج من حديث ابن عبَّاس -رفعه- (( لا تمار أخاك، ولا تمازحه...)) الحديث. والجمع بينهما: أنَّ المنهيَّ عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه؛ لما فيه من الشُّغل عن ذكر الله، والتَّفكُّر في مهمَّات الدِّين، ويؤول -كثيرًا- إلى قسوة القلب، والإيذاء والحقد، وسقوط المهابة والوَقَار، والذي يَسلَم من ذلك هو المباح، فإن صادف مصلحة -مثل تَطْيِيب نفس المخَاطَب ومؤانسته- فهو مستحبٌّ. قال الغزالي: مِن الغلط أن يُتَّخذ المزَاح حرفةً، ويُتَمَسَّك بأنَّه صلى الله عليه وسلم مَزَح، فهو كمن يدور مع الزنج حيث دار، وينظر رقصهم، ويتمسَّك بأنَّه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة أن تنظر إليهم) .
وقال المرتضى الزبيدي: (قال الأئمَّة: الإكثار منه، والخروج عن الحدِّ، مخلٌّ بالمروءة والوَقَار، والتَّنزُّه عنه بالمرَّة والتَّقبُّض، مخلٌّ بالسُّنَّة والسِّيرة النَّبويَّة المأمور باتِّباعها والاقتداء، وخير الأمور أوسطها) .
وقال القاري: (صرَّح العلماء بأنَّ المزَاح -بشرطه- من جملة المستحبَّات) .

محمد رافع 52 12-06-2013 12:37 AM

النَّوع الأوَّل: المزَاح المذموم
المزاح المذموم هو ما اشتمل على محظور من المحظورات كترويع المسلمين أو الكذب، أو غلب على صاحبه وأفرط فيه، يقول النَّوويُّ: (المزَاح المنهيَّ عنه، هو الذي فيه إفراط ويُداوَم عليه، فإنَّه يورث الضَّحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله والفِكْر في مهمَّات الدِّين، ويؤول في كثيرٍ من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوَقَار) .

محمد رافع 52 12-06-2013 12:39 AM

أضرار المزَاح المذموم
1- الإفراط والمبالغة في المزَاح مَضْيَعة للوقت، وشاغلٌ عن ما هو أهمُّ، فالمداومة عليه تدلُّ عدم تقدير للزَّمن المهْدَر الذي كان ينبغي أن يستغلَّ فيما هو أولى.
2- الإكثار من المزَاح، يجلب كثرة الضَّحك، وقسوة القلب، وقد مرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتضاحكون ويتمازحون، فقال لهم -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((أكثروا من ذكر هاذم اللَّذَّات)) ، فنبَّههم إلى ما يُلين قلوبهم، بدل ما هم فيه من كثرة الضَّحك الذي يقسِّي القلب.
3- المزَاح المذموم يؤول في كثيرٍ من الأحيان إلى الإيذاء، وتوريث الأحقاد، فينبغي تجنُّبه.


4-
المزاح المذموم وكثرته، يُذهِب المهابة من قلوب النَّاس لهذا المكثر من المزاح، ويُذهِب عنه الوَقار.

محمد رافع 52 12-06-2013 12:41 AM

الوسائل المعينة على ترك المزَاح المذموم

1- التَّفكُّر في الأضرار التي قد تنتج عن المزَاح المذموم، واستحضار عواقبه السَّيئة.
2- مراقبة الله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم باجتناب المزاح الذي فيه ترويع للمسلمين وغير ذلك مما نهي عنه.
3- شَغْل النَّفس بما ينفع، فالاشتغال بالنَّافع يُبعد المرء عن ممارسة الضَّار.
4- ذكر الموت، ولقد أرشد إليه النَّبي صلى الله عليه وسلم، حين مرَّ بقوم يتضاحكون ويتمازحون، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا من ذكر هاذم اللَّذَّات)).

محمد رافع 52 12-06-2013 12:42 AM

النَّوع الثَّاني المزَاح المحمود
وهو ما سَلِم من المحظورات الشرعية، ولم يغلب على صاحبه، وكانت فيه مصلحة، وتحققت فيه الضوابط الشرعية.
قال النَّوويُّ: (فأمَّا ما سَلِم من هذه الأمور، فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله على النُّدرة؛ لمصلحة تَطْيِيب نفس المخَاطَب ومؤانسته، وهو سنَّةٌ مستحبَّة) .

محمد رافع 52 12-06-2013 12:47 AM

ضوابط المزَاح المحمود
1- ألا يكون فيه استهزاء بشيء من أمور الدِّين:
فالاستهزاء بالدِّين، يُعتبر ناقضًا مِن نواقض الإسلام، ومُخْرِجًا لصاحبه من الملَّة، قال سبحانه وتعالى:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التَّوبة: 65-66].
2- أن لا يتضمَّن المزَاح سخريةً أو استهزاءً بالآخرين:
وما أكثر هذه الآفة في المزَّاحين، ولا يخفى أنَّ السُّخرية بالآخرين، تُعتبر كبيرةً من الكبائر، قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11].
3- أن يكون هذا المزَاح بصدق:
فلا يُدخِل المازح فيه الكذبَ من أجل إضحاك من حوله، فقد جعل النَّبي صلى الله عليه وسلم هذا ضابطًا لمزْحِه الذي يجب علينا أن نتأسَّى به فيه، وذلك عندما قال له الصَّحابة -رضوان الله عليهم-: يا رسول الله، إنَّك تداعبنا! قال: ((إنِّي لا أقول إلَّا حقًّا)) . وقال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ويلٌ للذي يحدِّث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له)) .
4- أن لا يترتَّب عليه ضرر على الآخرين:
وذلك مثل ترويع الشَّخص بقصد المزَاح معه، فقد نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال ((حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه، فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال: ما يضحككم؟ فقالوا: لا إلا أنَّا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا)) .
5- أن لا يتَّخذ المرء المزَاح دَيْدَنه وعادته:
وإنَّما يكون كالملح في الطَّعام، فإنَّ الإكثار من المزَاح مُذْهِب للمروءة، ويُفقد الشَّخص الهيبة، وقد يؤدِّي إلى أن يجعل الشَّخص عرضةً لسخرية الآخرين منه. كما ينبغي عليه ألا يبالغ في المزَاح، ولا يطيل فيه.
6- أن يراعي الشَّخصَ الذي يمزح معه:
فما كلُّ أحدٍ يُمْزَح معه، ولا بدَّ من إنزال النَّاس منازلهم في المزَاح، فقد قيل: (لا تمازح الشَّريف فيحقد عليك، ولا الدَّنيَّ فيجترئ عليك) . فلا يكون مع مَن لا يليق بهم المزْح؛ ممَّن يحرجهم لمكانتهم، ولا يكون مع السُّفهاء؛ حتى لا يجترئوا على المازح.
7- أن يخلو من المعاصي التي كثيرًا ما تصاحب المزَاح غير المنضبط:
وذلك كالغيبة والهَمْز واللَّمز.
8- اختيار الوقت المناسب للمزاح:
وهذا من الضَّوابط المهمَّة للمَزْح، فليس كلُّ وقتٍ يَصلُح للمِزَاح، ولا كلُّ زمانٍ تليق فيه الدُّعابة.

محمد رافع 52 12-06-2013 12:49 AM

فوائد المزَاح المحمود
- المزَاح المعتدل يحبِّب الشَّخص إلى النَّاس، ويُكسبه وُدَّهم، ويجعله مرغوبًا محبوبًا.
- مؤانسة الأصحاب، وإدخال السُّرور عليهم.
- التَّخفيف عن النَّفس، وإبعاد الملَالة والسَّأَم عنها.

محمد رافع 52 12-06-2013 12:50 AM

نماذج من مزاح النَّبي صلى الله عليه وسلم
- عن أنس رضي الله عنه: ((أنَّ رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، يهدي النَّبي صلى الله عليه وسلم الهديَّة من البادية، فيجهِّزه النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله: إنَّ زاهرًا باديتنا، ونحن حاضروه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّه، وكان رجلًا دميمًا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، ولا يبصره الرَّجل، فقال: أرسلني، مَنْ هذا؟ فالتفت، فعرف النَّبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يَأْلُو ما ألصق ظهره بصدر النَّبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن -عند الله- لست بكاسد. أو قال: لكن -عند الله- أنت غال)) .
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رجلًا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنِّي حاملك على ولد النَّاقة. فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد النَّاقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النُّوق؟)) .

محمد رافع 52 12-06-2013 12:54 AM

نماذج من مزاح السَّلف
- كان علي رضي الله عنه فيه دعابة، فقد قال عمر رضي الله عنه: (أرجو ألَّا يخالف إن شاء الله، وما أظنُّ أن يلي إلَّا أحد هذين الرَّجلين: علي أو عثمان؛ فإن وليَ عثمان، فرجل فيه لين، وإن وليَ علي ففيه دعابة) .
- عن بكر بن عبد الله قال: (كان أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، يَتبادَحون بالبطِّيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرِّجال) .
- قال عطاء بن السَّائب: (كان سعيد بن جبير لا يقصُّ علينا إلَّا أبكانا بوعظه، ولا يقوم من مجلسنا حتى يضحكنا بمزحه) .
- قال غالب القطَّان: (أتيت ابن سيرين يومًا، فسألت عن هشام، فقال: تُوفِّي البارحة، أما شعرت؟! فقلت: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فضحك، فقلت: لعلَّه أراد النَّوم) .
- قال ابن سيرين: (ليس من حُسْن الخُلُق، الغَضَب من المزْح) .
نماذج من مزاح العلماء المعاصرين:
- كان الشيخ ابن باز رحمه الله حريصًا على ملاطفة جُلَّاسه، وإدخال السُّرور عليهم، وكان يداعبهم، ويمازحهم مزاحًا لا إسراف فيه ولا إسفاف، فمن ذلك: جاءه -ذات مرَّة- مُطَلِّق، فقال له: ما اسمك؟ قال: ذيب، قال: ما اسم زوجتك؟ قال: ذيبة، فقال رحمه الله -مداعبًا-: أسأل الله العافية! أنت ذيب، وهي ذيبة، كيف يعيش بينكما الأولاد؟! .
- وهذا الموقف حدث للشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، حيث يقول راوي القصَّة:
(صلى الشَّيخ في الحرم المكي، وعند خروجه استقلَّ سيَّارة تاكسي، وأراد التَّوجُّه إلى مِنى، وأثناء الطَّريق أراد السَّائق أن يتعرَّف على الرَّاكب، فقال من الشَّيخ؟ فأجابه الشَّيخ: محمد بن عثيمين. فأجابه السَّائق: أنت الشَّيخ ابن عثيمين؟! -ظنًّا منه أنَّه يمزح معه- فقال: نعم. فقال السَّائق -وهو يهزُّ رأسه متعجبًا من جرأته في تقمُّص شخصية الشَّيخ ابن عثيمين، فقال الشَّيخ للسَّائق: ومن الأخ؟ فأجاب السَّائق: أنا الشَّيخ عبد العزيز بن باز. وكان ذلك في حياة ابن باز مفتي عام المملكة، فأجابه الشَّيخ: لكن ابن باز ضرير، ولا يمكن أن يسوق سيَّارة! ولما تبيَّن للسَّائق أنَّه الشَّيخ ابن عثيمين، اعتذر منه، وكان في غاية الحرج. وهذا يدلُّنا على تواضع الشَّيخ، ومداعبته لعامة النَّاس) .
- ركب أحد طلبة العلم مع الشَّيخ الألباني رحمه الله في سيَّارته، وكان الشَّيخ يُسرع في السَّير. فقال له الطَّالب: خفِّف يا شيخ! فإنَّ الشَّيخ ابن باز يرى أنَّ تجاوُز السُّرعة إلقاء بالنَّفس إلى التَّهلكة. فقال الشَّيخ الألباني رحمه الله: هذه فتوى من لم يجرِّب فنَّ القيادة. فقال الطَّالب: هل أُخْبِر الشَّيخ ابن باز؟ قال الألباني: أخبره. فلمَّا حدَّث الطَّالب الشَّيخ ابن باز رحمه الله بما قال الشَّيخ الألباني، ضحك؛ وقال: قل له هذه فتوى من لم يجرِّب دفع الدِّيات !!

محمد رافع 52 12-06-2013 01:01 AM

أقوالٌ وأمثالٌ في المزَاح

- كان يقال: لكلِّ شيء بَذْر، وبَذْر العداوة المزَاح .
- وأجود ما قيل في كراهة المزَاح قولهم: (إنَّ المزَاح هو السُّباب الأصغر) .
- وقال خالد بن صفوان التميمي: (المزَاح سُباب النَّوكى) .
- وقال أبو عبيد: (من أمثال أكثم بن صيفي: المزْحَة تُذهب المهابة. يقول: إذا عُرف بها الرَّجل، قلَّت هيبته) .
- وقال بعض الحكماء: (الخصومة تُمرِض القلوب، وتثبِّت فيها النِّفاق. والمزَاح يُذهب ببهاء العزِّ) .
- وفي المثل العربيِّ: (المزَاح لقاحُ الضَّغائن) .
- لا تمازح الشَّريف فيحقد عليك، ولا الدَّنيَّ فيجترئ عليك .
- المزْح أوَّله فرحٌ، وآخره ترحٌ .
- الإفراط في المزْح مُجُونٌ وجنون، والاقتصاد فيه ظُرف، والتَّقصير عنه ندامة .
- قال ابن المعتز: (المزْح يأكل الهيبة، كما تأكل النَّار الحطب) .
- من كَثُر مَزْحه، لم يسلم من استخفافٍ به، أو حقدٍ عليه .
- من كَثُر مِزَاحه، تنازعه الحقد والهوان .
- رُبَّ مَزحٍ في غَوره جِدٌّ وكَدٌّ .
- أوَّل أسباب القطيعة: المراء والمزْح .
- وكان يقال: (المزْح في الكلام، كالملح في الطَّعام) .
- وقال الحجَّاج بن يوسف لابن القرِّيَّة: (ما زالت الحكماء تكره المزَاح، وتنهى عنه، فقال: المزَاح من أدنى منزلته إلى أقصاها عشرة أبواب: المزاح أوَّله فرح، وآخره تَرح. المزاح نقائض السُّفهاء، كالشِّعر نقائض الشُّعراء. والمزَاح يوغر صدر الصَّديق، ويُنفِّر الرَّفيق. والمزاح يُبدِي السَّرائر؛ لأنَّه يُظهر المعَاير. والمزاح يُسقِط المروءة، ويُبدِي الخَنا. لم يجر المزْح خيرًا، وكثيرًا ما جرَّ شرًّا. الغالب بالمزاح واترٌ، والمغلوب به ثائرٌ. والمزاح يجلِب الشَّتمَ صغيرُه، والحربَ كبيرُه، وليس بعد الحرب إلَّا عفوٌ بعد قُدْرة. فقال الحجَّاج: حسبك، الموت خيرٌ من عفوٍ معه قُدْرة) .
- العرب تقول: (لو كان المزَاح فحلًا، لكان الشَّرُّ له نسلًا) .
- وتقول العرب -أيضًا-: (لو كان المزَاح فَحْلًا، ما أَلْقح إلَّا جهلًا) .
- وقيل: (إذا كان المزَاح أوَّل الكلام، كان آخره الشَّتم واللكام) .
- قيل: (المزَاح يبدي المهانة، ويُذهب المهابة، والغالب فيه واترٌ، والمغلوب ثائرٌ) .
- قيل: (احذر فلتات المزاح، فسَقْطَة الاسترسال لا تُقَال) .
- قال أكثم بن صيفي: (قد يُشْهَر السِّلاح في بعض المزَاح) .

محمد رافع 52 12-06-2013 01:29 AM

المزَاح في واحة الشِّعر
قال الشَّاعر:


ولا تمزحْ فإنَّ المزحَ جهلٌ***وبعضُ الشَّرِّ يبدؤُه المزَاحُ



قال أبو الفتح البُستي:


أعد طبعَك المكْدُود بالهمِّ راحة***قليلًا وعلِّله بشيء من المزْحِ



ولكن إذا أعطيته المزْح فليكنْ***بمقدارِ ما تُعطي الطَّعامَ من الملحِ



يُرْوى عن شاعرة عربيَّة:


فإيَّاك، إيَّاك المزَاحَ، فإنَّه***يجرِّي عليك الطَّفلَ والدَّنِس النَّذلا



ويُذْهب ماءَ الوجهِ بعد وَضَاته***ويُورِثُ بعد العزِّ صاحبَه ذُلَّا



وقال بعض الشُّعراء:


مازحْ أخاك إذا أردتَ مزاحًا***وتوقَّ منه في المزَاحِ جماحًا



فلربَّما مَزَح الصَّديق بمَزْحَة***كانت لبابِ عَدَاوةٍ مفتاحًا



وقال محمود الورَّاق:


تلقَى الفتَى يلقَى أخاه وخِدْنَه***في لحنِ منطقِه بما لا يُغْفَرُ



ويقول: كنت مُمَازِحًا ومُلَاعبًا***هيهاتَ نارُك في الحشا تتسعَّرُ



ألهبتَها وطَفِقتَ تضحكُ لاهيًا***عمَّا به، وفؤادُه يتفطَّرُ



أو ما علمتَ، ومثلُ جهلِك غالبٌ***أنَّ المزَاح هو السُّبابُ الأصغرُ؟



وقال مسعر بن كِدَام الهلالي لابنه:


ولقد منحتك، يا كِدَام، نصيحتي***فاسمعْ لقولِ أبٍ عليك شفيقِ



أمَّا المزَاحةُ والمرَاءُ فدعْهما***خُلُقان لا أرضاهما لصديقِ



إنِّي بلوتُهما، فلم أحمدْهما***لمجاورٍ جاورته، ورفيقِ



وقال آخر:


إنَّ المزَاح للجلالِ مسلبهْ***والضَّحِكُ أيضًا للبهاءِ مذهبهْ



وقال آخر:


إنَّ المزَاح يورثُ الضَّغينة***وحَمْل ضَغن في الحشا مؤونة



قال وهب بن جرير بن حازم الجهضمي البصري:


دعِ المزَاحَ فقد يُزري بصاحبِه***وربَّما آلت العقبى إلى غضبِ



وقال عديُّ بن زيد:


وإيَّاك مِن فرطِ المزَاحِ فإنَّه***جديرٌ بتسفيه الحليمِ المسدَّدِ



وقال الشَّاعر:


امزحْ بمقدارِ الطَّلاقةِ واجتنبْ***مزَحًا تُضاف به إلى سوءِ الأدبْ



لا تُغْضِبنْ أحدًا إذا مَازحتَه***إنَّ المزَاحَ على مُقدمةِ الغَضَبْ



وقال أبو جعفر الطَّبري:


لي صاحبٌ ليس يخلو***لسانُه من جِراحِ



يجيدُ تمزيقَ عرضي***على سبيلِ المزَاحِ



وقال شاعرٌ:


اكرهْ لنفسِك ما لغيرِك تكرَهُ***وافعلْ لنفسِك فعلَ مَن يتنَزَّهُ



وارفعْ بصمتِك عنك سبَّاتِ الورَى***خوفَ الجوابِ فإنَّه بك أشبهُ



ودعِ الفُكَاهةَ بالمزَاحِ فإنَّها***تُودي وتُسقِط من بها يتفكَّهُ



وقيل:


ألا رُبَّ قولٍ قد جرى من مُمَازح***فساق إليه الموت في طَرْف الحبلِ



فإنَّ مِزَاحَ المرءِ في غيرِ حينِه***دليلٌ على فرطِ الحَمَاقةِ والجهلِ



وقال الشَّاعر:


إنَّ الصَّديقَ يريدُ بسطَك مازحًا***فإذا رأى منك الملَالة يُقْصِرُ



وترَى العدوَّ إذا تيقَّن أنَّه***يُؤذيك بالمزْحِ العنيفِ يُكثِّر



وقال ناصح الدِّين ابن الدَّهان:


لا تجعل الهَزْل دأبًا فهو منقصةٌ***والجِدُّ تعلو به بين الورى القيمُ



وقال آخر:


ودعِ المزَاحَ فرُبَّ لفظةِ مَازحٍ***جلبت إليك بلابلًا لا تُدفعُ



وقال أبو فِرَاس الحمداني:


أُرَوِّح القلبَ ببعضِ الهَزْل***تجاهلًا منِّي، بغير جهلِ



أمزحُ فيه مَزْحَ أهلِ الفضلِ***والمزْحُ أحيانًا جلاءُ العقلِ



وقال صفي الدِّين الحلِّي:


أقلِّل المزْح في الكلام احترازًا***فبإفراطه الدِّماء تُراقُ



قِلَّة السمِّ لا تضرُّ، وقد يقــتلُ***مع فرطِ أكله الدِّرياقُ



وقال أيضًا:


كلُّ من كان شأنه الانبساط***ليس يُطوى للقَدح فيه بِسَاطُ



رُبَّما أوغر الصُّدور بمَزْح***لاح فيه الجفا والاشتطاطُ



فأقلل المزْح ما استطعت ولا تأ***ت بنَزْر إلَّا وفيه احتياطُ



وتوقَّ الإفراط فيه فقد يُفــرط***في وضع قدرك الإفراطُ



وقال ابن رشيق القيرواني:


وجانبوا المزْح إنَّ الجِدَّ يتبعُه***ورُبَّ موجعةٍ في إثرِ تقبيلِ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpK...(2)_-_Copy.jpg

محمد رافع 52 12-06-2013 01:38 AM

النُّبْل
معنى النُّبْل لغةً واصطلاحًا

معنى النُّبْل لغةً:
النُّبْل -بالضَّم- الذَّكاءُ والنَّجابة، من نَـبُل نُـبْلًا ونَبالة، والنَّبِيلة: الفَضِيلة. وقيل: نَبِيل، أَي: عاقل. وقيل: حاذِق، وهو نَبِيل الرَّأْي، أَي: جيِّده، وقيل: نَبِيل، أَي: رفيق بإِصلاح عِظام الأُمور، ونبل فلان: كرم حسبه وحمدت شمائله .
معنى النُّبْل اصطلاحًا: !
النُّبْل: هو خُلُقٌ حميد، يتحلَّى صاحبه بالذَّكاء والنَّجابة في ذاته، والفضل والرِّفق في تعامله مع النَّاس، مع حِذْقٍ في الرَّأي والعمل .

محمد رافع 52 12-06-2013 01:39 AM

الفرق بين النُّبْل والجَمَال
قال أبو هلال عن النُّبل: (هو ما يرتفع به الإنسان من الرُّوَاء، ومن المنظر، ومن الأخلاق والأفعال، وممَّا يَختصُّ به من ذلك في نفسه دون ما يُضَاف، يقال: رجل نَبِيلٌ: في فعله ومنظره، وفَرَسٌ نَبِيلٌ: في حُسْنه وتمامه.
والجمال يكون في ذلك، وفي المال وفي العشيرة، والأحوال الظَّاهرة، فهو أعمُّ من النُّبْل، ألا ترى أنَّه يقال لك في المال والعشيرة: جمالٌ، ولا يقال لك في المال: نُبْل، ولا هو نَبِيل في ماله، والجمال -أيضًا- يُستعمل في موضع الحُسْن، فيقال: وجه جميل، كما يقال: وجه حَسَن، ولا يقال: نَبِيل، بهذا المعنى) .

محمد رافع 52 12-06-2013 09:35 PM

أقوال السَّلف والعلماء في النُّبْل

- قال معاوية رضي الله عنه: (أتدري من النَّبِيل؟ هو الذي إذا رأيته هِبْتَه، وإذا غاب عنك اغتبته) .
- (قيل لمعاوية بن أبي سفيان: ما المروءة؟ فقال: إصلاح المعيشة، واحتمال الجَرِيرَة. قيل له: فما النُّبْل؟ قال: مؤاخاة الأَكْفَاء، ومداجَاة الأعداء) .
- (وقيل لمعاوية: ما المروءة؟ فقال: احتمال الجَرِيرَة، وإصلاح أمر العشيرة. فقيل له: وما النُّبْل؟ فقال: الحِلْم عند الغضب، والعفو عند القدرة) .
- وقال الغزالي: (وأما النُّبْل فهو سرور النَّفس بالأفعال العظام) .
- وقال الجاحظ: (ومتى كنت من أهل النُّبْل لم يضرك التَّبذُّل، ومتى لم تكن من أهله لم ينفعك التَّنَـبُّل) .
- وقال -أيضًا-: (النُّبْل كَلف بالمولِّي عنه، شَنف للمقبل عليه، لازق بمن رفضه، شديد النِّفار ممَّن طلبه) .
- وقيل: الحياء يزيد في النُّبْل .
- وقال يحيى بن خالد: (من حقوق المروءة، وأمارة النُّبْل: أن تتواضع لمن دونك، وتنصف من هو مثلك، وتستوفي على من هو فوقك. ولله درُّ النَّابغة حين يقول:


ومن عصاك فَعاقبْه معاقبةً***تنهى الظلومَ ولا تقعُد على ضَمَد



إلا لمثلك أو من أنت سابقُه***سبقَ الجواد إذا استولى على الأمد)



- وقيل: (النَّبِيل: مجمع لجميع الفضائل الخُلقيَّة والجسميَّة والاجتماعيَّة) .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.