بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 28-05-2013 05:13 PM

موانع اكتساب القناعة
1- الإكثار من مجالسة ذوي الأموال والمترفين.
2- طلب الزيادة عن الكفاية، والتوسع في جمع الأموال.
3- ترك قراءة القرآن الكريم وتدبُّر آياته.
4- قلة تذكر الموت والدار الآخرة.
5- الانغماس في شهوات الدنيا.
6- التوسع في المباحات والإكثار منها.
الأسباب المعينة على اكتساب القناعة:
1- اكتفاء الإنسان بما رُزق.
2- الاطلاع على سيرة السلف الصالح، وزهدهم وقناعتهم، والاقتداء بهم.
3- الاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف والتبذير.
4- الإلحاح في الدعاء بأنَّ يرزقه الله القناعة، كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
5- الإيمان الجازم بأنَّ الأرزاق مقدرة مقسومة.
6- تعويد النفس على القناعة، والبعد عن الحرص والطمع.
7- تقوية الإيمان بالله تعالى.
8- النظر إلى من هو أقل منه في الرزق، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه .
9- الاعتقاد بأن الله سبحانه جعل التفاوت في الأرزاق بين الناس لحكمة يعلمها.
10- تذكر الموت وزيارة القبور.
11- قراءة القرآن والتأمل في الآيات القرآنية التي تناولت قضية الرزق والمعيشة.
12 أن يعلم أنَّ في القناعة عزة للنفس، وفي الطمع ذل ومهانة.
13- أن يعرف أنَّ في جمع المال انشغال القلب به.

محمد رافع 52 28-05-2013 05:17 PM

نماذج من قناعة النبي صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعًا زاهدًا، فكان من أبعد الناس عن ملذات الدنيا، وأرغبهم إلى الآخرة، وقد خيره ربه جلَّ وعلا بين الدنيا، وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله، وخيَّره أن يكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا.
- قال عمر رضي الله عنه: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره http://www.dorar.net/misc/tip.gifوليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى...)) .
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((اللهم قنِّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كلِّ غائبة لي بخير)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة: ((ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أُوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقلت: ما كان يُعيِّشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنَّه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح ، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم، فيسقيناه)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ارزق آل محمد قوتًا)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدم وحشوه ليف)) .
- وعن قتادة رضي الله عنه قال: ((كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم رأى رغيفًا مرقَّقًا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطًا بعينه قط)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((لقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت، في يوم واحد، مرتين)) .
- وعن أنس رضي الله عنه قال: ((لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزًا مرقَّقًا حتى مات)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لي مثل أحد ذهبًا ما يسرني أن لا يمرَّ علي ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين)) .
- وعن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: ((ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام برٍّ ثلاث ليال تباعًا حتى قُبض)) .

محمد رافع 52 28-05-2013 05:20 PM

نماذج من قناعة الصحابة رضي الله عنهم
لقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما كان عليه واتبعوا آثاره، وتخلَّقوا بأخلاقه، وعاشوا التقشُّف والزهد في أول أمرهم نظرًا لقلة ذات اليد، ثم انتشر الإسلام وجاءتهم الغنائم وفتح الله عليهم، فلم تؤثر هذه الأموال التي اكتسبوها من الغنائم على زهدهم، بل استمروا على ما هم فيه من قناعة وتقشف، وهنا نذكر بعض النماذج من قناعة الصحابة وبعدهم عن الطمع:
- عن أبي العالية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يكفل لي أن لا يسأل أحدًا شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا)) .
- وعن أبي هريرة، قال: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كساءٌ، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن تُرى عورته) .
قال الحافظ ابن حجر: (قوله: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة. يُشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضًا، لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة) .
- وعن الحسن قال: (كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدَّق به، وأكل من سفيف يده) .

محمد رافع 52 29-05-2013 10:41 AM

نماذج في القناعة عند السلف

- (ورث داود الطائي من أبيه دارًا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها) .
- و(عن يحيى بن عروة بن أذينة قال: لما أتى أبي وجماعةٌ من الشعراء هشام ابن عبد الملك فأنشدوه، فلما عرف أبي قال: ألست القائل:


لقد علمت وما الإسراف من خلقي***أن الذي هو رزقي سوف يأتيني



أسعى له فيعنيني تطلبه***ولو قعدت أتاني لا يعنيني



فهلا جلست في بيتك حتى يأتيك؟ فسكت أبي ولم يجبه، فلما خرجوا من عنده جلس أبي على راحلته حتى أتى المدينة، وأمر هشامٌ بجوائزهم، فقعد أبي فسأل عنه فلما خبر بانصرافه، قال: لا جرم، والله ليعلمنَّ أنَّ ذلك سيأتيه. ثم أضعف له ما أعطى واحدًا من أصحابه، وكتب له فريضتين) .
- (وقال زمعة بن صالحٍ: كتب إلى أبي حازمٍ بعض بني أمية يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه، فكتب إليه: أما بعد، فقد جاءني كتابك تعزم علي أن أرفع إليك حوائجي، وهيهات، قد رفعت حوائجي إلى ربي، ما أعطاني منها قبلت، وما أمسك علي منها قنعت) .
- (وعن حفصٍ الجعفي، قال: ورث داود الطائي من أمه أربع مائة درهمٍ، فمكث يتقوت بها ثلاثين عامًا، فلما نفدت، جعل ينقض سقوف الدويرة، فيبيعها.
- وقال عطاء بن مسلمٍ: عاش داود عشرين سنةً بثلاث مائة درهمٍ) .
- (وذكر إبراهيم بن السري الزجاج: أنه كان يجري على أبي جعفرٍ في الشهر أربعة دراهم، يتقوت بها. قال: وكان لا يسأل أحدًا شيئًا) .

محمد رافع 52 29-05-2013 10:46 AM

نماذج في القناعة عند العلماء المعاصرين

الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي:
كان الشنقيطي قنوعًا بما رزقه الله، زاهدًا في الدنيا، عفيفًا عما في أيدي الناس، كريمًا بما يملك. وقد ذكر عنه بعض أقاربه وطلابه شيئًا من قناعته وزهده، نذكر طرفًا منها:
قال عنه ابنه عبد الله: (كان رحمه الله لا يريد الدنيا، ولا يهتم بها، ويحرص على الاقتصاد. ويقول: الذي يفرحنا أن الدنيا لو كانت ميتة لأباح الله منها سد الخلة. وكان يقول: لم أقترض قطُّ لأحد، ولم أبع، ولم أشتر، وترك لي والدي ثروة، فكنت أعيش منها، وكان عندي كنز عظيم أرجو الله أن لا يضيع مني؛ هو القناعة.
وقال عنه أيضًا: أنَّه كان في المدينة، وكان لا يوجد عنده أي مال، وقد وعده أحد جيرانه أن يقترض له مالًا. ولما أراد الشيخ رحمه الله أن يأتيه وجده يشتغل، وعليه ملابس متبذلة، فرجع عنه وكأنه وجد في نفسه قليلًا أنه في عازة. قال: ولم أشعر حتى خررت ساجدًا في الطريق في الغبار، ورفعت رأسي وعندي فرح ونشوة لا يعلمها إلا الله إكرامًا لما أعطاني من العلم، فكيف أريد دنيا، وربي أكرمني بالعلم، وبفهم كتاب الله. فذهبت إلى البيت وكأنَّ الدنيا كملت لي؛ لاستشعاري نعمة الله علي بما أعطاني من فهم القرآن. وقد سد الله لي تلك الحاجة من غير أن أسأل أحدًا، ونذهب لأحد، إكرامًا منه وفضلًا) .
وقال عنه عطية سالم: (والواقع أنَّ الدنيا لم تكن تساوي عنده شيئًا فلم يكن يهتم لها. ومنذ وجوده في المملكة وصلته بالحكومة حتى فارق الدنيا لم يطلب عطاء ولا مرتبًا ولا ترفيعًا لمرتبه ولا حصولًا على مكافأة أو علاوة. ولكن ما جاءه من غير سؤال أخذه، وما حصل عليه لم يكن ليستبقيه، بل يوزعه في حينه على المعوزين من أرامل ومنقطعين، وكنت أتولَّى توزيعه وإرساله من الرياض إلى كلِّ من مكة والمدينة. ومات ولم يخلف درهمًا ولا دينارًا، وكان مستغنيًا بعفته وقناعته. بل إنَّ حقَّه الخاص ليتركه تعففًا عنه، كما فعل في مؤلفاته، وهي فريدة في نوعها، لم يقبل التكسب بها وتركها لطلبة العلم. وسمعته يقول: لقد جئت معي من البلاد بكنز عظيم يكفيني مدى الحياة، وأخشى عليه الضياع. فقلت له: وما هو؟ قال: القناعة. وكان شعاره في ذلك قول الشاعر:


الجوع يطرد بالرغيف اليابس***فعلام تكثر حسرتي ووساوسي

محمد رافع 52 29-05-2013 10:49 AM

مواعظ حول القناعة
موعظة عمر بن عبد العزيز في القناعة:
(قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: من وعظ أخاه بنصيحةٍ له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجب حقه، فاتقوا الله، فإنها نصيحةٌ لكم في دينكم فاقبلوها، وموعظةٌ منجيةٌ من العواقب فالزموها، فالرزق مقسومٌ، ولن يعدو المرء ما قسم له، فأجملوا في الطلب، فإنَّ في القنوع سعةً وبلغةً، وكفًّا عن كَلَفةٍ، لا يحل الموت في أعناقكم، وجهته أيامكم، وما ترون ذاهبٌ، وما مضى كأن لم يكن، وكل ما هو آتٍ قريبٌ، أما رأيتم حالات المنيب وهو يشرف ويعد فراغه، وقد ذاق الموت وعائلهم تعجيل إخراج أهله إياه من داره إلى قبره، وسرعة انصرافهم إلى مسكنه، وجهه مفقودٌ، وذكره منسي، وبابه عن قليلٍ مهجورٌ، كأن لم يخالط إخوان الحفاظ، ولم يعمر الديار، فاتقوا يومًا لا تخفى فيه مثقال حبةٍ في الموازين) .
موعظة وهب بن منبه لعطاء الخرساني في القناعة:
(قال وهب بن منبهٍ لعطاءٍ الخراساني: ويحك يا عطاء! ألم أخبر أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا، ويحك يا عطاء! تأتي من يغلق عنك بابه، ويظهر لك فقره، ويواري عنك غناه! وتدع من يفتح لك بابه ويظهر لك غناه، ويقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]. يا عطاء أترضى بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولا ترضى بالدون من الحكمة مع الدنيا؟! ويحك يا عطاء! إن كان يغنيك ما يكفيك، وإنَّ أدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيءٌ يكفيك. ويحك يا عطاء! إنما بطنك بحرٌ من البحور، ووادٍ من الأودية، ولا يملؤه شيءٌ إلا التراب)

محمد رافع 52 29-05-2013 10:52 AM

أقوال الأدباء والحكماء في القناعة
- (قال أكثم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة.
- وقال بعض السلف: قد يخيب الجاهد الساعي، ويظفر الوادع الهادي. فأخذه البحتري فقال:


لم ألق مقدورًا على استحقاقه***في الحظ إما ناقصًا أو زائدا



وعجبت للمحدود يحرم ناصبًا***كلفًا وللمجدود يغنم قاعدا



ما خطب من حرم الإرادة قاعدًا***خطب الذي حرم الإرادة جاهدا



- وقال بعض الحكماء: إنَّ من قنع كان غنيًّا وإن كان مقترًا ، ومن لم يقنع كان فقيرًا، وإن كان مكثرًا.
- وقال بعض البلغاء: إذا طلبت العزَّ فاطلبه بالطاعة، وإذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فمن أطاع الله عز وجل عن نصره، ومن لزم القناعة زال فقره.
- وقال بعض الأدباء: القناعة عزُّ المعسر، والصدقة حرز الموسر) .
- (وقيل لبعض الحكماء: اكتسب فلانٌ مالًا، قال: فهل اكتسب أيامًا يأكله فيها؟ قيل: ومن يقدر على ذلك؟ قال: فما أراه اكتسب شيئًا) .
- و(كتب حكيمٌ إلى أخٍ له: أما بعد فاجعل القنوع ذخرًا، ولا تعجل على ثمرة لم تدرك، فإنك تدركها في أوانها عذبةً، والمدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح لما تؤمِّل، فثق بخيرته لك في أمورك كلِّها) .
- و(قال الحكيم: أربعةٌ طلبناها فأخطأنا طرقها: طلبنا الغنى في المال، فإذا هو في القناعة، وطلبنا الراحة في الكثرة، فإذا هي في القلة، وطلبنا الكرامة في الخلق، فإذا هي في التقوى، وطلبنا النعمة في الطعام واللباس، فإذا هي في الستر والإسلام) .
- (وقال بعض الحكماء: ما فوق الكفاف إسرافٌ.
- وقال بعض البلغاء: من رضي بالمقدور قنع بالميسور) .
- (وقال بعض الحكماء: الرضى بالكفاف يؤدي إلى العفاف) .
- و(قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بم سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم) .

محمد رافع 52 29-05-2013 10:53 AM

أمثال في القناعة

- يقال في المثل: خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع .
- القناعة مال لا ينفد .
- وقولهم: يكفيك ما بلغك المحل .
- شر الفقر الخضوع، وخير الغنى القناعة .

محمد رافع 52 29-05-2013 11:03 AM

القناعة في واحة الشعر
قال بشر بن الحارث:


أفادتنا القناعةُ أيَّ عزٍّ***ولا عزًّا أعز من القناعه



فخذْ منها لنفسِك رأسَ مالٍ***وصيِّر بعدَها التقوَى بضاعه



تحزْ حالين: تغنى عن بخيلٍ***وتسعدُ في الِجنانِ بصبرِ ساعه



وقال محمد بن حميد الأكاف:


تقنَّعْ بالكَفافِ تعِشْ رخيا***ولا تبغِ الفضول من الكفافِ



ففي خبز القفار بغير أُدمٍ***وفي ماء القِراح غنًى وكافِ



وفي الثوب المرقَّع ما يُغطَّى***به من كلِّ عريٍ وانكشافِ



وكلُّ تزيُّن بالمرء زين***وأزينه التزيُّنُ بالعفافِ



وقال آخر:


هـي القنـاعةُ لا تـرضَى بهــا بـدلا***فيهــا النعيـمُ وفيهــا راحـةُ البـدنِ



انظـرْ لمـن ملَــك الدُّنيـا بأجمـعِـها***هـل راح منها بغيــر القطـن والكفـن



وقال عبد العزيز بن سليمان الأبرش:


إذا المرءُ لم يقنَعْ بعيشٍ فإنَّه***وإن كان ذا مالٍ من الفقرِ مُوقرُ



إذا كان فضلُ الناس يُغنيك بينهم***فأنت بفضل الله أغنى وأيسرُ



وقال آخر:


نصف القنوع وأينا يقنع***أو أينا يرضى بما يجمع



لله درُّ ذوي القناعةِ ما***أصفى معاشهم وما أوسع



من كان يبغي أن يلذَّ وأن***تهدى جوارحه فما يطمع



فقرُ النفوس بقدر حاجتها***وغنى النفوس بقدر ما تقنع



وقال محمود الوراق:


غنى النفس يغنيها إذا كنت قانعا***وليس بمغنيك الكثيرُ مع الحرصِ



وإن اعتقاد الهمِّ للخير جامعٌ***وقلةُ همِّ المرء يدعو إلى النقصِ



وقال آخر:


رضيتُ من الدنيا بقوتٍ يقيمني***فلا أبتغي مِن بعده أبدًا فضلا



ولست أرومُ القُوتَ إلَّا لأنَّه***يُعينُ على علمٍ أردُّ به جهلا



فما هذه الدنيا بطِيبِ نعيمها***لأيسرِ ما في العلمِ من نكتةٍ عَدلا



وقال آخر:


عليك بتقوَى اللهِ واقنعْ برزقِه***فخيرُ عبادِ الله مَن هو قانعُ



ولا تُلهِك الدنيا ولا تطمعْ بها***فقد يُهلك المغرورَ فيها المطامعُ



وقال ابن تيمية:


وجدتُ القناعةَ ثوبَ الغنى***فصرتُ بأذيالها أمتسكْ



فألبسني جاهُها حلةً***يمرُّ الزمانُ ولم تُنتهَكْ



فصرتُ غنيًّا بلا درهمٍ***أمرُّ عزيزًا كأنِّي مَلِكْ



وما أحسن قول الشافعي:


خَبَرتُ بَني الدنيا فلم أرَ منهم***سِوى خادعٍ والخبثُ حشوُ إهابِه



فجرَّدتُ عن غِمدِ القناعةِ صارمًا ***قطعتُ رجائي منهمُ بذُبابِه



فلا ذا يراني واقفًا بطريقِه***ولا ذا يراني قاعدًا عندَ بابِه



غنيٌّ بلا مالٍ عن الناسِ كلِّهم***وليس الغِنى إلا عن الشيءِ لا به



وقال آخر:


إذا أظمأتك أكفُّ اللئامِ***كفَتْك القناعةُ شِبَعًا ورِيَّا



فكن رجلًا رِجله في الثَّرَى***وهامةُ همَّتِه في الثُّريَّا



أبيًّا لنائلِ ذي ثروةٍ***تَراه بما في يديه أبيا



فإنَّ إراقةَ ماءِ الحياةِ***دونَ إراقةِ ماءِ المحيَّا

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpK...(2)_-_Copy.jpg

محمد رافع 52 29-05-2013 11:10 AM

كتمان السِّرِّ

كتمان السِّرِّ لغةً واصطلاحًا
الكتمان لغةً:
الكتمان مصدر كتم، من باب نصر، يقال: كتم الشيء كَتمًا وكِتمانًا: ستره وأخفاه .
الكتمان اصطلاحًا:
الكتمان هو: ستر الحديث .
وقيل: (هو ضبط النفس ضد دوافع التعبير عما يختلج فيها) .
السِّر لغةً:
السِّرُّ: ما تكتمه وتخفيه، وهو خلاف الإعلان، وجمعه أسرار. والسرِيرةُ: كالسِّرِّ، والجمع السرائر، وأسْرَرْت الحديث إسرارًا أخفيته .
السِّر اصطلاحًا:
السِّر هو: الحديث المكتتم في النفس .

محمد رافع 52 29-05-2013 11:12 AM

الفرق بين الكتمان والسِّرِّ والنَّجوى والاختفاء

- الفرق بين النَّجوى والسِّرِّ:
(أنَّ النجوى: اسم للكلام الخفي الذي تناجي به صاحبك، كأنَّك ترفعه عن غيره، وذلك أنَّ أصل الكلمة الرفعة، ومنه النجوة من الأرض، وسمِّي تكليم الله تعالى موسى عليه السلام مناجاةً؛ لأنَّه كان كلامًا أخفاه عن غيره.
والسِّرُّ: إخفاء الشيء في النفس، ولو اختفى بسترٍ، أو وراء جدارٍ لم يكن سرًّا، ويقال في هذا الكلام سر تشبيهًا بما يخفي في النفس، ويقال: سري عند فلان، تريد ما يخفيه في نفسه من ذلك، ولا يقال: نجواي عنده. وتقول لصاحبك: هذا أُلقيه إليك. تريد المعنى الذي تخفيه في نفسك، والنجوى تتناول جملة ما يتناجى به من الكلام، والسِّر يتناول معنى ذلك، وقد يكون السِّر في غير المعاني مجازًا تقول: فعل هذا سرًّا، وقد أسرَّ الأمر. والنجوى لا تكون إلا كلامًا) .
- الفرق بين الكتمان والإسرار:
(قيل: المكتوم يختص بالمعاني، كالأسرار والأخبار؛ لأنَّ الكتمان لا يستعمل إلا فيهما.
والمستور يختص بالجثث والأعيان؛ لأنَّ الأصل في السِّر تغطية الشيء بغطاء. ثم استعمل في غيرها تجوزًا) .
- الفرق بين الكتمان والاختفاء:
(أن الكتمان هو السكوت عن المعنى، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ [البقرة: 159] أي: يسكتون عن ذكره.
والإخفاء: يكون في ذلك وفي غيره، والشاهد أنك تقول: أخفيت الدرهم في الثوب. ولا تقول: كتمت ذلك. وتقول: كتمت المعنى وأخفيته. فالإخفاء أعمُّ من الكتمان) .

محمد رافع 52 30-05-2013 11:28 PM

أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى حكايةً عن كتمان يوسف عليه السلام للرؤيا التي رآها بأمر من أبيه: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يوسف: 5].
قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قصَّ عليه ما رأى من هذه الرؤيا، التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيمًا زائدًا، بحيث يخرُّون له ساجدين إجلالًا، وإكرامًا، واحترامًا، فخشي يعقوب عليه السلام، أن يحدِّث بهذا المنام أحدًا من إخوته فيحسدوه على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسدًا منهم له؛ ولهذا قال له: يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5] أي: يحتالوا لك حيلة يردونك فيها... ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر) .
وقال سبحانه في مؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه: وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر: 28].

محمد رافع 52 30-05-2013 11:32 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ من أشرِّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها)) .
قال ابن الجوزي: (المراد بالسرِّ ها هنا: ما يكون من عيوب البدن الباطنة، وذاك كالأمانة فلزم كتمانه) .
- وعن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)) .


قال المناوي في شرحه لهذا الحديث: (قوله: إذا حدَّث الرجل. أي: الإنسان فذكر الرجل غالبي .الحديث. وفي رواية:أخًا له بحديث. وفي أخرى: إذا حدث رجل رجلًا بحديث ثم التفت. أي: غاب عن المجلس، أو التفت يمينًا وشمالًا، فظهر من حاله بالقرائن أنَّ قصده أن لا يطَّلع على حديثه غير الذي حدَّثه به. فهي. أي: الكلمة التي حدثه بها. أمانة. عند المحدث أودعه إياها، فإن حدَّث بها غيره فقد خالف أمر الله، حيث أدَّى
الأمانة إلى غير أهلها، فيكون من الظالمين فيجب عليه كتمها؛ إذ التفاته بمنزلة استكتامه بالنطق، قالوا وهذا من جوامع الكلم، لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على آداب العشرة، وحسن الصحبة، وكتم السِّر، وحفظ الودِّ، والتحذير من النَّمِيمَة بين الإخوان، المؤدية للشنآن ما لا يخفى)

محمد رافع 52 30-05-2013 11:35 PM

أقوال السلف والعلماء في كتمان السر
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (سرُّك أسيرك، فإن تكلمت به، صرت أسيره) .
- وقال عمرو بن العاص: (عجبت من الرجل يفرُّ من القدر، وهو مواقعه! ويرى القذاة في عين أخيه، ويدع الجذع في عينه! ويخرج الضغن من نفس أخيه، ويدع الضغن في نفسه! وما وضعت سرِّي عند أحد فلمته على إفشاءه، وكيف ألومه وقد ضقت به ذراعا؟) .
- وقال أيضًا: (ما وضعت سرِّي عند أحد أفشاه عليَّ فلمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه) .
- وأسرَّ معاوية رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه: (يا أبت، إن أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال: قلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن أحبُّ أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ. فأتيت معاوية رضي الله عنه فحدثته، فقال: يا وليد، أعتقك أخي من رقِّ الخطأ) .
- وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلُّ امرئ مفتاح سرِّه) .
- وعن الحسن رحمه الله، قال: (سمعته يقول: إنَّ من الخيانة أن تحدِّث بسرِّ أخيك) .
- وقال أبو حاتم: (من حصَّن بالكتمان سرَّه تمَّ له تدبيره، وكان له الظفر بما يريد، والسلامة من العيب والضرر، وإن أخطأه التمكن والظفر والحازم يجعل سره في وعاء، ويكتمه عن كل مستودع، فإن اضطره الأمر وغلبه، أودعه العاقل الناصح له؛ لأنَّ السِّر أمانة، وإفشاؤه خيانة، والقلب له وعاؤه، فمن الأوعية ما يضيق بما يودع، ومنها ما يتسع لما استودع) .
- وقال أيضًا: (الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز، وما كتمه المرء من عدوه فلا يجب أن يظهره لصديقه، وكفى لذوي الألباب عبرًا ما جربوا، ومن استودع حديثًا فليستر، ولا يكن مهتاكًا، ولا مشياعًا؛ لأن السِّر إنَّما سمِّي سرًّا؛ لأنَّه لا يفشى، فيجب على العاقل أن يكون صدره أوسع لسرِّه من صدر غيره، بأن لا يفشيه) .
- وقال: (الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصين الأسرار، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها، ومن لم يكتم السِّر استحقَّ الندم، ومن استحق الندم صار ناقص العقل، ومن دام على هذا رجع إلى الجهل، فتحصين السِّرِّ للعاقل أولى به من التلهُّف بالندم بعد خروجه منه، ولقد أحسن الذي يقول:


خشيت لساني أن يكون خؤونا***فأودعته قلبي فكان أمينا



فقلت ليخفى دون شخصي وناظري***أيا حركاتي كن في سكونا)




- وقال ابن الجوزي: (رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرِّهم، فإذا ظهر، عاتبوا من أخبروا به. فوا عجبًا! كيف ضاقوا بحبسه ذرعًا، ثم لاموا من أفشاه؟!) .
- وقال الراغب الأصفهاني: (إذاعة السِّر من قلة الصبر، وضيق الصدر، وتوصف به ضعفة الرجال والصبيان والنساء

محمد رافع 52 30-05-2013 11:37 PM

فوائد كتمان السر

1- حفظ الأسرار من علامات المروءَة والنبل.
2- من أعظم أسباب النصر على الأعداء.
3- درء مفسدة الحقد والحسد.
4- تُقَوِّي الصِّلة بين الإخوة.
5- تُقَلأسرار سبب من أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح .
7- كتمان السِّر كرم فِي النَّفس، وسمو فِي الهمة، وَدَلِيل على المروءَة، وسبب للمحبة، ومبلغ إلى جليل الرتبة

محمد رافع 52 30-05-2013 11:42 PM

أنواع السر
قال الراغب الأصفهاني: (السِّرُّ ضربان؛ أحدهما: ما يلقي الإنسان من حديث يستكتم، وذلك إمَّا لفظًا،كقولك لغيرك: اكتم ما أقول لك، وإمَّا حالًا، وهو أن يتحرى القائل حال انفراده فيما يورده، أو يخفض صوته، أو يخفيه عن مجالسيه، ولهذا قيل: إذا حدَّثك الإنسان بحديث فالتفت فهو أمانة.
والثاني: أن يكون حديثًا في نفسك بما تستقبح إشاعته، أو شيئًا تريد فعله، وإلى الأول من ذلك أشار النَّبي بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى منكم من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر اللَّه)) ، وإلى الثاني أشار من قال: ((من وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه)) .
وكتمان النوع الأول من الوفاء، ويختص بعامة الناس، والثاني من الحزم والاحتياط، وهو مختص بالملوك وأصحاب السياسات... والسبب في أنَّه يصعب كتمان السِّر هو: أن للإنسان قوتين، آخذة، ومعطية. وكلتاهما تتشوف إلى الفعل المختص بها، ولولا أنَّ اللَّه تعالى وكَل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوده، فصارت هذه القوَّة تتشوف إلى فعلها الخاص بها، فعلى الإنسان أن يمسكها ولا يطلقها إلى حيث ما يجب إطلاقها، ولا يخدعنَّك عن سرِّك قول من قال: وأكتم السِّر فيه ضربة العنق.
وقول من ينشدك:


ويكاتم الأسرار حتى كأنه***ليصونها عن أن تمر بباله



فذلك قول من يستنزلك عما في قلبك، فإذا استفزع ما عندك لم يرْعَ فيه حقَّك، فقد قيل: الصبر على القبض على الجمر أيسر، من الصبر على كتمان السر. وما أصدق من أنبأ عن حقيقة حاله حيث قال له صديقه: أريد أن أفشي إليك سرًّا تحفظه عليَّ، فقال، لا أريد أن أوذي قلبي بنجواك، وأجعل صدري خزانة شكواك، فيقلقني ما أقلقك، ويؤرقني ما أرقك، فتبيت بإفشائه مستريحًا، ويبيت قلبي بحرِّه جريحًا) .

محمد رافع 52 30-05-2013 11:47 PM

صور كتمان السر
لا شك أن الأصل في السِّر كتمانه وعدم إفشائه، ويستثنى من هذا الأصل بعض المجالس التي لا حرمة لأسرارها.
1- كتمان قضاء الحاجات:
من يريد أن يقوم بعمل ما، عليه أن يكتمه وأن لا يحدث به كل أحد حتى يقوم بإكماله.
قال الشاعر:


وإن أردتَ نجاحًا في كل آونةٍ***فاكتم أمورك عن حاف ومنتعلِ



2- كتمان الأسرار الزوجية:
كتمان الأسرار الزوجية من الأمور (التي يجب حفظها وعدم إفشائها... فهو أولًا: حق المرأة في عدم إفشاء ما يكون منها لزوجها، وهو ثانيًا: حق الآداب الإسلامية العامة التي توصي بستر مثل هذه الأمور، فالمرء مستأمن عليها من جهتين، جهة الآداب الإسلامية، وجهة صاحب الحق الخاص) .
فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)) .
3- كتمان أسرار الدولة:
لا شك أن الدول تكون لها أسرارها التي لا ينبغي كشفها أو اطلاع أحد عليها، وخاصة الأسرار الحربية، وقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يكتم الأسرار، ومنها ما يتعلق بالأسرار الحربية والعسكرية، فكان من هديه إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها .
وأرسل سرية بقيادة عبد الرحمن بن جحش ((وكتب له كتابًا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، فيمضي لما أمره به صلى الله عليه وسلم، ولا يستكره من أصحابه أحدًا فلما سار بهم يومين فتح الكتاب، فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، وترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر في الكتاب قال: سمعًا وطاعةً، وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال: قد نهاني أن أستكره أحدًا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة، ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد) .

محمد رافع 52 30-05-2013 11:50 PM

نماذج من كتمان السِّر في حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم
- كان للكتمان أثر كبير في مباغتة النَّبي صلى الله عليه وسلم للعدو:
(فبعد شهرين من غزوة أحد بلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم أن طليحة وسلمة ابني خويلد يحرضان قومهما بني أسد بن خزيمة، لغزو المدينة المنورة ونهب أموال المسلمين فيها، وقرر النَّبي صلى الله عليه وسلم إرسال جيش من المسلمين، وأمرهم بالسير ليلًا والاستخفاء نهارًا، وسلوك طريق غير مطروقة حتى لا يطلع أحد على أخبارهم ونياتهم، فباغتوا بذلك بني أسد في وقت لا يتوقعونه) .
- وفي غزوة (دومة الجندل) قاد النَّبي صلى الله عليه وسلم ألف راكب وراجل، من المهاجرين والأنصار، لمنع القبائل التي تقطن (دومة الجندل) من قطع الطرق ونهب القوافل، والقضاء على حشودها التي تزمع غزو المدينة المنورة.
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين من المدينة المنورة يكمن بهم نهارًا ويسير ليلًا، وقد قطع المسلمون المسافة بين المدينة المنورة و(دومة الجندل) فلم يجد المسلمون أحدًا منهم... وعاد المسلمون من (دومة الجندل) بعد أن أقاموا فيها بضعة أيام. إن كتمان نيات المسلمين بالمسير ليلًا هو الذي جعلهم ينتصرون على أعدائهم .
- وفي غزوة فتح مكة المكرمة بلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق عامل الكتمان حد الرَّوعة، حتى ليمكن اعتبار هذه الغزوة مثالًا من أعظم أمثلة التاريخ العسكري في تطبيق الكتمان إلى أبعد الحدود.
وأمر أهله أن يجهزوه، ولكنه لم يخبر أحدًا من المسلمين في الداخل أو الخارج بنياته، وأهدافه من حركته واتجاهها، بل أخفى نياته وأهدافه واتجاه حركته حتى عن أقرب المقربين إليه، ولما اقترب موعد الحركة صرَّح الرسول صلى الله عليه وسلم بأنَّه سائر إلى مكة المكرمة، ولكنه بث عيونه وأرصاده؛ ليحول دون وصول أخبار اتجاه حركته إلى قريش، وبعث حاطب بن أبي بلتعة رسالة أعطاها امرأة متوجهة إلى مكة المكرمة، أخبرهم في تلك الرسالة بنيات المسلمين في التوجه إلى فتح مكة المكرمة . فعن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه، يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير، والمقداد بن الأسود، قال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجنَّ الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ إني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد صدقكم. قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: إنَّه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) .

محمد رافع 52 30-05-2013 11:52 PM

نماذج للصحابة في كتمان السِّرِّ
- روى البخاري عن عبد الله بن عمر، أنَّ عمر رضي الله عنه حين تأيمت بنته حفصة من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرًا، توفي بالمدينة، قال عمر: ((فلقيت عثمان ابن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئًا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها)) .
- وعن عائشة قالت: ((كنَّ أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فلما رآها رحَّب بها فقال: مرحبًا بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت. فقلت لها: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها، ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه. قالت: فلما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ لما حدثتني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني: أن جبريل كان يعارضه القرآن في كلِّ سنة مرة أو مرتين، وإنَّه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية، فقال: يا فاطمة، أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت)) .
- وعن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: ((أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأنا ألعب مع الغلمان- قال: فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سرٌّ. قالت: لا تحدثنَّ بسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا. قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك يا ثابت)) .
- وكان حذيفة بن اليمان صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن علقمة قال: (قدمت الشام فصليت ركعتين ، ثم قلت : اللهم يسر لي جليسا صالحا ، فأتيت قوما فجلست إليهم ، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي ، قلت : من هذا ؟ قالوا : أبو الدرداء ، فقلت : إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا ، فيسرك لي ، قال : ممن أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : أو ليس عندكم ابن أم عبد ، صاحب النعلين والوساد والمطهرة ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه أحد غيره؟ -يعني حذيفة ابن اليمان-) .

محمد رافع 52 30-05-2013 11:54 PM

صفات أمين السرِّ
ذكر الماوردي بعض الصفات التي يلزم أن تتوفر في الشخص الذي يُؤتمن على السرِّ، فقال:
1- أن يكون ذا عقل صاد.
2- ودين حاجز.
3- ونصح مبذول.
4- وود موفور.
5- وكتومًا بالطبع.
فإن هذه الأمور تمنع من الإذاعة، وتوجب حفظ الأمانة

محمد رافع 52 30-05-2013 11:57 PM

حكم وأمثال في كتمان السر
- كن على حفظ سرك، أحرص منك على حقن دمك.
- من وهن الأمور إعلانه قبل إحكامه.
- لا تنكح خاطب سرك.
- كلما كثر خزان الأسرار ازدادت ضياعًا.
- قلوب العقلاء حصون الأسرار.
- انفرد بسرك، ولا تودعه حازمًا فيزل، ولا جاهلًا فيخون.
- وقيل: أصبرُ النَّاس مَن صبر على كتمان سرِّه، فلم يبده لصديقه.
- الصَّبر على التهاب النار أهون من الصَّبر على كتمان السرِّ .
- صدرك أوسع لسرِّك .
- وكان يقال: الكاتم سرَّه بين إحدى فضيلتين: الظَّفر بحاجته، والسلامة من شرِّ إذاعته .

محمد رافع 52 31-05-2013 12:06 AM

كتمان السِّرِّ في واحة الشعر
: أنس بن أسيد:


ولا تُفشِ سرَّك إلا إليك***فإنَّ لكلِّ نصيح نصيحًا



فإني رأيتُ وُشاةَ الرجالِ***لا يتركون أديمًا صحيحًا



وقال علي بن محمد البسامي:


تبيحُ بسرِّك ضِيقًا به***وتبغي لسرِّك مَن يكتمُ



وكتمانُك السِّرَّ ممن تخافُ***ومَن لا تخافنَّه أحزمُ



إذا ذاع سرُّك من مخبَرٍ***فأنت وإن لمته ألومُ



وقال آخر:


إذا المرءُ أفشَى سرَّه بلسانه***ولام عليه غيره فهو أحمقُ



إذا ضاق صدرُ المرءِ عن سرِّ نفسِه***فصدرُ الذي يُستودعُ السِّرَّ أضيقُ



وقال عبد العزيز بن سليمان:


إذا ضاق صدرُ المرءِ عن بعضِ سرِّه***فألقاه في صدري فصدري أضيقُ



ومَن لامني في أن أُضيِّع سِرَّه***وضيَّعه قبلي فذو السِّر أخرقُ



وقال الصلتان السعدي:


وسرُّك ما كان عندَ امرئٍ***وسرُّ الثلاثةِ غيرُ الخفِي



وقال آخر:


فلا تنطق بسرِّك كلُّ سرّ***إذا ما جاوز الاثنين فاشي



وقال بعض الشعراء:


ولو قدرتُ على نسيانِ ما اشتملتْ***مني الضلوعُ على الأسرارِ والخبرِ



لكنت أولَ من ينسى سرائرَه***إذا كنت مِن نشرِها يومًا على خطرِ



وحكي أن عبد الله بن طاهر تذاكر الناس في مجلسه حفظ السِّرِّ فقال ابنه:


ومستودعي سرًّا تضمنت سرَّه***فأودعته من مستقر الحشى قبرًا



ولكنني أخفيه عنِّي كأنني***من الدهر يومًا ما أحطتُ به خبرًا



وما السِّرُّ في قلبي كمَيْتٍ بحفرة***لأنِّي أرى المدفون ينتظر النشرا



قال الشاعر:


إنَّ الكريم الذي تبقَى مودَّتُه***ويحفظُ السرَّ إن صافى وإن صرما



ليس الكريم الذي إن غاب صاحبُه***بثَّ الذي كان مِن أسرارِه علما



وقال آخر:


وكنت إذا استودعت سرًّا كتمته***كبَيْضِ أَنُوقٍ لا يُنال لها وكرُ

محمد رافع 52 31-05-2013 12:11 AM

http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg
كَظْم الغَيْظ

معنى كَظْم الغَيْظ لغةً واصطلاحًا
معنى الكَظْم لغةً:
أصل مادة كظم يَدُلُّ على معنًى واحد، وهو الإمساك، والجَمعُ للشَّيء.
وأَصْل الكَظْم: حَبْسُ الشَّيء عن امتلائه، يقال: كَظَمْت القِرْبَة، إذا ملَأْتها.
ويقال: كَظَمْت الْغَيْظ، أَكْظِمُه كَظْمًا، إِذا أمْسَكت على ما في نفسك منه .
قال المناوي: (الكَظْم: الإمْسَاك على ما في النَّفس من صَفْحٍ أو غَيْظٍ) .
معنى الغَيْظ لغةً:
الغَيْظ: الغَضَب، وقيل: الغَيْظ غَضَبٌ كامنٌ للعاجز، وقيل: هو أشدُّ من الغَضَب، وقيل: هو سَوْرَته وأوَّله. وغِظْت فلانًا، أَغِيظُه غَيْظًا. وقد غَاظَه، فاغْتَاظ. وغَيَّظه، فتَغَيَّظ، وهو مَغِيظ .
وقال الأصفهاني: (الغَيْظ: أشدُّ الغَضَب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فَوَرَان دم قلبه) .
معنى كَظْم الغَيْظ اصطلاحًا:
كَظْم الغَيْظ: تجرُّعه، واحتمال سببه، والصَّبر عليه .
ويقال: كَظَم غَيْظَه، أي: سكت عليه، ولم يُظْهِره بقولٍ أو فعلٍ، مع قُدْرته على إيقاعه بعدوِّه .
وقال ابن عطيَّة: (كَظْم الغَيْظ: ردُّه في الجَوْف إذا كاد أن يخرج مِن كَثْرَته، فضبطه ومَنَعَه) .

محمد رافع 52 31-05-2013 12:13 AM

الفرق بين الغَيْظ والغَضَب

قال ابن عطيَّة: (الغَيْظ: أصل الغَضَب، وكثيرًا ما يتلازمان، ولذلك فسَّر بعض النَّاس الغَيْظ بالغَضَب، وليس تحرير الأمر كذلك، بل الغَيْظ: فعل النَّفس، لا يظهر على الجوارح. والغَضَبُ: حالٌ لها معه ظهورٌ في الجوارح، وفعلٌ ما ولا بدَّ، ولهذا جاز إسناد الغَضَب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، ولا يُسْند إليه تعالى غيظٌ) .
وقال أبو هلال العسكري: (الفَرْق بين الغَيْظ والغَضَب: أنَّ الإنسان يجوز أن يغْتَاظ مِن نفسه، ولا يجوز أن يغضب عليها، وذلك أنَّ الغَضَب: إرادة الضَّرر للمغضوب عليه. ولا يجوز أن يريد الإنسان الضَّرر لنفسه. والغَيْظ يقرب من باب الغمِّ) .

محمد رافع 52 01-06-2013 12:44 AM

أولًا: في القرآن الكريم
- قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 133-134].
قال ابن عاشور: (الكاظمين الغَيْظ، وكَظْم الغَيْظ: إمسَاكه، وإخفاؤه حتى لا يظهر عليه، وهو مأخوذ من كَظْم القِرْبة إذا مَلَأَها وأمسك فَمَها، قال المبرِّد: فهو تمثيلٌ للإمْسَاك مع الامتلاء، ولا شكَّ أنَّ أقوى القُوَى تأثيرًا على النَّفس القُوَّة الغَاضِبة، فتشتهي إظهار آثار الغَضَب، فإذا استطاع إمْسَاك مظاهرها، مع الامتلاء منها، دلَّ ذلك على عزيمةٍ راسخةٍ في النَّفس، وقهر الإرادة للشَّهوة، وهذا من أكبر قُوى الأخلاق الفاضلة) .
قال الطِّيبي: (وإنَّما حُمِد الكَظْم؛ لأنَّه قَهْر للنَّفس الأمَّارة بالسُّوء، ولذلك مدحهم الله- تعالى- بقوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: 134]، ومن نهى النَّفس عن هواه، فإنَّ الجنَّة مأواه، والحور العين جزاءه. قلت: وهذا الثَّناء الجميل، والجزاء الجزيل إذا ترتَّب على مجرَّد كَظْم الغَيْظ، فكيف إذا انضَمَّ العَفو إليه، أو زاد بالإحسان عليه) .
- قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35].
قال الزَّجَّاج: (وما يُلَقَّى هذه الفِعلة وهذه الحالة -وهي دفع السَّيئة بالحسنة- إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا على كَظْم الغَيْظ، واحتمال المكروه) .
- وقال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ [النَّحل: 126].
قال الطَّبري: (يقول -تعالى ذكره- للمؤمنين: وإن عاقبتم أيُّها المؤمنون مَنْ ظَلَمَكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم مِنْ العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته، واحتسبتم عند الله ما نالكم به مِن الظُّلم، ووَكَلْتم أمره إليه، حتى يكون هو المتولِّي عقوبته، لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ يقول: للصَّبر عن عقوبته بذلك، خيرٌ لأهل الصَّبر احتسابًا، وابتغاء ثواب الله؛ لأنَّ الله يعوِّضه مِن الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه على ظُلْمه إيَّاه من لذَّة الانتصار، وهو من قولهلَهُوَ كِنَايَة عن الصَّبر، وحُسْن ذلك، وإن لم يكن ذَكَرَ قبل ذلك الصَّبرَ؛ لدلالة قوله: وَلَئِن صَبَرْتُمْ عليه) .

محمد رافع 52 01-06-2013 12:48 AM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)) .
قال النَّوويُّ: (فيه كَظْم الغَيْظ، وإمْسَاك النَّفس عند الغَضَب عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة) .
قال المناوي: (... ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة)). بضمٍّ، فَفَتْح، مَن يَصْرَع النَّاس كثيرًا، أي: ليس القَوِيُّ من يقدر على صَرْع الأبطال مِن الرِّجال. ((إنَّما الشَّديد)). على الحقيقة. الذي يملك نفسه عند الغَضَب.
أي: إنَّما القوىُّ -حقيقةً- الذي كَظَم غَيْظَه عند ثَوَرَان الغَضَب، وقاوَم نفسه، وغَلَب عليها، فحوَّل المعنى فيه من القُوَّة الظَّاهرة إلى الباطنة) .
- عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله، مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله)) .
والمعنى: (ما مِن جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله تعالى مِن جَرْعَة غَيْظٍ، كَظَمَها عبدٌ. مع القُدْرَة على التَّنفيذ، شبَّه جَرْع غَيْظِه وردَّه إلى باطنه بتجرُّع الماء، وهي أحبُّ جَرْعةٍ يتجرَّعها العبد، وأعظمها ثوابًا، وأرفعها درجةً لحَبْس نفسه عن التَّشَفِّي، ولا يحصل هذا العِظَم إلَّا عند القُدْرة على الانتقام، وبكفِّ غضبه لله تعالى، ابتغاء وجه الله تعالى) .
- وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كظم غيظًا، وهو يستطيع أن يُنفذه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، حتى يخيِّره في أيِّ الحور شاء)) . (لأنَّه قهر النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، والنَّفس مجبولة -في مثله- على الانتقام، والمجازاة بالإساءة. ولذا كان ذلك مِن آداب الأنبياء والمرسلين، ومِن ثمَّة خدَم أنسٌ المصطفى عشر سنين، فلم يَقُل له في شيء فعله: لِمَ فعلته؟ ولا في شيء تركه: لِمَ تركته؟ حتى يخيِّره في أي الحور شاء. فيختار ما شاء منهنَّ) .

محمد رافع 52 01-06-2013 12:51 AM

أقوال السَّلف والعلماء في كَظْم الغَيْظ

قال عمر بن الخطَّاب: (مَنْ خاف الله لم يَشْفِ غَيْظه، ومَنْ اتَّقى الله لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون) .
- وقال ابن عبد البر: (مَن كَظَم غَيْظَه وردَّ غَضَبه، أخزى شيطانه، وسَلِمت مروءته ودينه) .
قال الرَّاغب: (الكَظْم يدفع محذور النَّدم، كالماء يُطفئ حرَّ الضَّرم . كَظْمٌ يتردَّد في حلقي، أحبُّ إليَّ من نقص أجده في خُلُقي) .
- وقيل: (اصبر على كَظْم الغَيْظ، فإنَّه يُورث الرَّاحة، ويؤمِّن السَّاحة) .
- وقال علي رضي الله عنه: (دُمْ على كَظْم الغَيْظ تُحْمد عواقبك) .
- وقال الغزالي: (كَظْم الغَيْظ عبارة عن التَّحلُّم، أي: تكلُّف الحِلْم، ولا يحتاج إلى كَظْم الغَيْظ إلَّا من هاج غَيْظه، ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعوَّد ذلك مدَّةً، صار ذلك اعتيادًا، فلا يهيج الغَيْظ، وإنْ هاج فلا يكون في كظمه تعبٌ، وهو الحِلْم الطَّبيعي، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه، وانكسار قوَّة الغَضَب، وخضوعها للعقل) .

محمد رافع 52 01-06-2013 12:55 AM

فوائد كَظْم الغَيْظ

1- اعتداد الجنَّة له بجعل صاحبه معدًّا ومهيئًا للجنَّة:
قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 133-134].
2- عِظَم الأجر به وتوفيره:
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله، من جَرْعَة غَيْظٍ كَظَمَها عبد ابتغاء وجه الله)).
3- خضوع العدو وتعظيمه للذي يكظم غيظه:
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [المؤمنون: 96]، قال: الصَّبر عند الغَضَب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عظَّمهم عدوُّهم، وخضع لهم.
4- دلالة قهر الغَضَب به على الشِّدة النَّافعة
ففي الصَّحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)).
5- التَّغلُّب على الشَّيطان:
عن أنس، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم: مرَّ بقوم يَصْطَرِعون، فقال: ((ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله، فلانٌ الصَّريع، لا ينتدِب له أحدٌ إلَّا صَرَعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألَا أدلُّكم على من هو أشدُّ منه؟ رجلٌ ظلمه رجلٌ، فكَظَم غَيْظَه فغلبه، وغلب شيطانه، وغلب شيطان صاحبه)) .
6- يعين على ترك الغَضَب:
قال ابن حجر: (استحضار ما جاء في كَظْم الغَيْظ من الفضل يعين على ترك الغَضَب) .
7- سببٌ في دفع الإساءة بالإحسان، والمكروه بالمعروف، والقهر باللُّطف:
قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35].

محمد رافع 52 01-06-2013 01:04 AM

الوسائل المعينة على كَظْم الغَيْظ
1- أن يعرف المرء الأجر المترتِّب على كَظْم الغَيْظ والعفو عن المخطئين، ويستشعر أنَّه بذلك يطلب الأجر والثَّواب من عند الله تبارك وتعالى.
2- إنَّ رحمة المخطئ والشَّفقة عليه داعيةٌ لكَظْم الغَيْظ، وإخماد نار الغَضَب، وهذا السَّبب قد بيَّنه القرآن الكريم، حيث قال الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران: 159].
3- من الأسباب كذلك أن يربِّي المؤمن نفسه على سعة الصَّدر، فإنَّ سعة الصَّدر تحمل الإنسان على الصَّبر في حال الغَضَب، والعفو عند المقدرة، لذا قيل -قديمًا-: (أحسن المكارم؛ عفو المقْتدر، وجود المفْتقر) ، وقبل ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشُّورى: 43].
4- كذلك فإنَّ شرف نفس المرء واتِّصافه بعلوِّ الهمَّة، من الأسباب المؤدِّية إلى كَظْم الغَيْظ، فهو يترفَّع عن التَّلفُّظ بما يُنزل نفسه، ويحطُّ من قدرها:


لن يبلغ المجدَ أقوامٌ وإن كرموا***حتى يذِلُّوا وإن عزُّوا لأقوام



ويُشْتموا فترى الألوان مشرقة***لا عفو ذُلٍّ ولكن عفو أحلام



5- ومن الأسباب كذلك: الحياء من التَّلبُّس بأخطاء المخطئ، ومقابلته فيما يفعل، قال بعض الحكماء: (احتمال السَّفيه خيرٌ من التَّحلِّي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خيرٌ من مُشَاكلته) .
قال الشَّاعر:


سألزم نفسي الصَّفح عن كلِّ مذنبٍ***وإن كثرت منه إليَّ الجرائم



فما النَّاس إلَّا واحد من ثلاثة***شريف ومَشْرُوف ومثلي مُقَاوِم



فأمَّا الذي فوقي فأعرف فضله***وأتبع فيه الحقَّ والحقُّ قائم



وأمَّا الذي دوني فإن قال صنت عن***إجابته نفسي وإن لام لائم



وأمَّا الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا***تفضَّلت إنَّ الفضل بالفخر لازم



6- ومن ذلك أيضًا: تعويد النَّفس وتدريبها على خُلُق الصَّبر، فهو خير معين في مواقف الغَضَب.
7- ومن الأسباب أيضًا: أن يقطع المرء الملاحاة والجدل في مواقف الخصومة، وأن لا يتمادى في السُّباب والشَّتائم، فقد حُكي أنَّ رجلًا قال لضرار بن القعقاع: (والله لو قلت واحدة؛ لسمعت عشرًا! فقال له ضرار: والله لو قلت عشرًا؛ لم تسمع واحدة) .
8- أن يقدِّم المرء مصلحة الاجتماع والأُلفة على الانتقام للنَّفس؛ فإنَّ ذلك يحمِله على كَظم غَيْظه، والتَّنازل عن حقِّه، ولهذا أثنى النَّبي صلى الله عليه وسلم على الحسن رضي الله عنه بقوله: ((ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) .
9- تذكير النَّفس بما في الانتقام من نفرة القلوب عن المتشفى به، ومن نسبته إلى الخفَّة والطَّيش، وأشدُّ من ذلك على الرؤساء: إعمال الحيلة عليهم في طلب الخلاص منهم متى عُرفوا بسرعة البطش ومعالجة الانتقام .

محمد رافع 52 01-06-2013 01:04 AM

الوسائل المعينة على كَظْم الغَيْظ
1- أن يعرف المرء الأجر المترتِّب على كَظْم الغَيْظ والعفو عن المخطئين، ويستشعر أنَّه بذلك يطلب الأجر والثَّواب من عند الله تبارك وتعالى.
2- إنَّ رحمة المخطئ والشَّفقة عليه داعيةٌ لكَظْم الغَيْظ، وإخماد نار الغَضَب، وهذا السَّبب قد بيَّنه القرآن الكريم، حيث قال الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران: 159].
3- من الأسباب كذلك أن يربِّي المؤمن نفسه على سعة الصَّدر، فإنَّ سعة الصَّدر تحمل الإنسان على الصَّبر في حال الغَضَب، والعفو عند المقدرة، لذا قيل -قديمًا-: (أحسن المكارم؛ عفو المقْتدر، وجود المفْتقر) ، وقبل ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشُّورى: 43].
4- كذلك فإنَّ شرف نفس المرء واتِّصافه بعلوِّ الهمَّة، من الأسباب المؤدِّية إلى كَظْم الغَيْظ، فهو يترفَّع عن التَّلفُّظ بما يُنزل نفسه، ويحطُّ من قدرها:


لن يبلغ المجدَ أقوامٌ وإن كرموا***حتى يذِلُّوا وإن عزُّوا لأقوام



ويُشْتموا فترى الألوان مشرقة***لا عفو ذُلٍّ ولكن عفو أحلام



5- ومن الأسباب كذلك: الحياء من التَّلبُّس بأخطاء المخطئ، ومقابلته فيما يفعل، قال بعض الحكماء: (احتمال السَّفيه خيرٌ من التَّحلِّي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خيرٌ من مُشَاكلته) .
قال الشَّاعر:


سألزم نفسي الصَّفح عن كلِّ مذنبٍ***وإن كثرت منه إليَّ الجرائم



فما النَّاس إلَّا واحد من ثلاثة***شريف ومَشْرُوف ومثلي مُقَاوِم



فأمَّا الذي فوقي فأعرف فضله***وأتبع فيه الحقَّ والحقُّ قائم



وأمَّا الذي دوني فإن قال صنت عن***إجابته نفسي وإن لام لائم



وأمَّا الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا***تفضَّلت إنَّ الفضل بالفخر لازم



6- ومن ذلك أيضًا: تعويد النَّفس وتدريبها على خُلُق الصَّبر، فهو خير معين في مواقف الغَضَب.
7- ومن الأسباب أيضًا: أن يقطع المرء الملاحاة والجدل في مواقف الخصومة، وأن لا يتمادى في السُّباب والشَّتائم، فقد حُكي أنَّ رجلًا قال لضرار بن القعقاع: (والله لو قلت واحدة؛ لسمعت عشرًا! فقال له ضرار: والله لو قلت عشرًا؛ لم تسمع واحدة) .
8- أن يقدِّم المرء مصلحة الاجتماع والأُلفة على الانتقام للنَّفس؛ فإنَّ ذلك يحمِله على كَظم غَيْظه، والتَّنازل عن حقِّه، ولهذا أثنى النَّبي صلى الله عليه وسلم على الحسن رضي الله عنه بقوله: ((ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) .
9- تذكير النَّفس بما في الانتقام من نفرة القلوب عن المتشفى به، ومن نسبته إلى الخفَّة والطَّيش، وأشدُّ من ذلك على الرؤساء: إعمال الحيلة عليهم في طلب الخلاص منهم متى عُرفوا بسرعة البطش ومعالجة الانتقام .

محمد رافع 52 01-06-2013 01:07 AM

نماذج في كَظْم الغَيْظ من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((كنت أمشي مع النَّبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجذبه جذبةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النَّبي صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت به حاشية الرِّداء من شدَّة جذبته، ثمَّ قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه، فضحك، ثمَّ أمر له بعطاء)) .
قال النَّوويُّ: (فيه احتمال الجاهلين، والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السَّيئة بالحسنة، وإعطاء من يُتألَّف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرةٍ -لا حدَّ فيها- بجهله، وإباحة الضَّحك عند الأمور التي يُتعجَّب منها في العادة، وفيه كمال خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحِلمه وصفحه الجميل) .
- عن عائشة رضي الله عنها، زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم، أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: ((هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدُّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلَّا وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وما رَدُّوا عليك، وقد بعث إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني مَلَك الجبال، فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمد، فقال، ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطْبِق عليهم الأَخْشَبَين؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا)) .
قال ابن حجر: (وفي هذا الحديث: بيان شفقة النَّبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافقٌ لقوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران: 159]، وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107]) .
- عن عبد الله رضي الله عنه، قال: ((لما كان يوم حنين، آثر النَّبي صلى الله عليه وسلم أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عُيَيْنة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجلٌ: والله إنَّ هذه القسمة ما عُدل فيها، وما أُريد بها وجه الله. فقلت: والله، لأخبرنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته، فأخبرته، فقال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى، قد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)) .

محمد رافع 52 01-06-2013 01:10 AM

نماذج في كَظْم الغَيْظ من حياة الصَّحابة رضي الله عنهم
أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
- عن أبي برزة، قال: (كنت عند أبي بكر رضي الله عنه، فتغيَّظ على رجلٍ، فاشتدَّ عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام، فدخل، فأرسل إليَّ، فقال: ما الذي قلت آنفًا؟ قلت: ائذن لي أضرب عنقه. قال: أكنت فاعلًا لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا والله، ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم ) . قال أحمد بن حنبل: (أي لم يكن لأبي بكر أن ي*** رجلًا إلَّا بإحدى الثَّلاث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفرٌ بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو *** نفس بغير نفس، وكان للنَّبي صلى الله عليه وسلم أن ي***.
قلت: وفيه دليل على أن التعزير ليس بواجب، وللإمام أن يعزِّر فيما يستحق به التأديب، وله أن يعفو فلا يفعل ذلك) .
عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
- عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: (قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرِّ بن قيس، وكان من النَّفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القُرَّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولًا كانوا أو شبَّانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير؟ فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبَّاس: فاستأذن الحرُّ لعيينة، فأَذِن له عمر، فلمَّا دخل عليه قال: هِيْ يا ابن الخطَّاب! فوالله ما تعطينا الجَزْل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغَضِب عمر، حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله تعالى قال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]، وإنَّ هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله) .

محمد رافع 52 01-06-2013 01:14 AM

نماذج من كَظْم الغَيْظ من حياة الأمم
حبيب النَّجَّار :
- قال تعالى: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس: 26-27].
قال القرطبي: (وفي هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كَظْم الغَيْظ، والحِلم عن أهل الجهل، والتَّرؤف على من أدخل نفسه في غِمار الأشرار وأهل البغي، والتَّشمُّر في تخليصه، والتَّلطُّف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشَّماتة به والدُّعاء عليه. ألَا ترى كيف تمنَّى الخير لقَتَلته، والباغين له الغوائل، وهم كفرةٌ عَبَدة أصنام) .
- نماذج في كَظْم الغَيْظ من حياة السَّلف:
الفضيل بن بَزْوَان:
- عن أبي رزين قال: جاء رجل إلى الفضيل بن بَزْوَان، فقال: إنَّ فلانًا يقع فيك. فقال: لأغيظنَّ مَن أمره، يغفر الله لي وله. قيل: من أمره؟ قال: الشَّيطان .
وهب بن مُنَبِّه:
- عن جبير بن عبد الله قال: شهدت وهب بن مُنَبِّه وجاءه رجلٌ، فقال: إنَّ فلانًا يقع فيك. فقال وهب: أما وجد الشَّيطان أحدًا يستخفَّ به غيرك. قال: فما كان بأسرع من أن جاء الرَّجل، فرفع مجلسه وأكرمه .
عمر بن عبد العزيز:
ذكر ابن كثير في مناقب عمر بن عبد العزيز: أنَّ رجلًا كلَّمه يومًا حتى أغضبه، فهمَّ به عمر، ثمَّ أمسك نفسه، ثمَّ قال للرَّجل: أردت أن يستفزَّني الشَّيطان بعزَّة السُّلطان، فأنال منك ما تناله منِّي غدًا! قُم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك .

محمد رافع 52 01-06-2013 01:16 AM

أمثالٌ وحِكمٌ في كَظْم الغَيْظ

- قالوا: الغَضَب غُول الحِلم. أي: مُهلِكه.
يُضرب في وجوب كَظْم الغَيْظ .
- وقالوا: لا يَصلح رفيقًا من لم يبتلع ريقًا.
يُضرب لمن يكَظْم الغَيْظ .
- وقيل: (كَظْم الغَيْظ حِلمٌ، والحِلم صبرٌ) .
- وقالوا: (ثلاثةٌ من اجتمعن فيه فقد سَعِد: من إذا غَضِب لم يُخرجه غضبه عن الحقِّ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا قَدر عفا) .
- كان سَلَم بن نوفل سيِّد بني كِنَانة، فوثب رجلٌ على ابنه وابن أخيه فجرحهما، فأُتي به. فقال له: ما أمَّنك من انتقامي؟ قال: فلِمَ سوَّدناك إذًا؟! إلَّا أن تكَظْم الغَيْظ، وتحلُم عن الجاهل، وتحتمل المكروه. فخلَّى سبيله .
- وقال رجلٌ من أهل الشَّام للمنصور: يا أمير المؤمنين، مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وانتصَف، ومن عفا تفضَّل، ومن أخذ حقَّه لم يجب شكره، ولم يُذكر فضله، وكَظْم الغَيْظ حِلمٌ، والتَّشفِّي طرفٌ من الجَزَع، ولم يمدح أهل التُّقى والنُّهى من كان حليمًا بشدَّة العقاب، ولكن بحُسن الصَّفح والاغتفار، وشدَّة التَّغافل .
- قيل: (الكَظْم يدفع محذور النَّدم، كالماء يُطفئ حرَّ الضَّرم. كَظْمٌ يتردَّد في حلقي، أحبُّ إليَّ من نقصٍ أجده في خُلُقي) .
- أربع خصال من حُسْن النَّظر: الرِّضا بالزَّوجة الصَّالحة، وغضُّ البصر، والإقدام على الأمر بمشاورة، وكَظْم الغَيْظ .
- وقال الأحنف: (قوَّة الحِلم على الغَضَب أفضل من قوَّة الانتقام) .
- وقال: (كنَّا نعدُّ المروءة: الصَّبر على كَظْم الغَيْظ، ومن لم يصبر على كلمة، سمع كلمات) .

محمد رافع 52 01-06-2013 01:25 AM

كَظْم الغَيْظ في واحة الشِّعر
قال العَرْجِيُّ:


وإذا غَضِبتَ فكن وقورًا كاظمًا***للغيظ تُبصر ما تقول وتسمعُ



فكفَى به شرفًا تصبُّر ساعةٍ***يَرضى بها عنك الإله وتُرفعُ



أي: يَرفع قدرك .
وقال آخر:


إذا المرء لم يحمل على النَّفس ضَيْمها ***فليس إلى حسنِ الثَّناء سبيلُ





يقول: إذا المرء لم يحمل ظُلم نفسه عليها، ولم يصبِّرها على مكارهها، فليس له طريقٌ إلى الثَّناء الحسن. وهذا يشير إلى كَظْم الغَيْظ، واستعمال الحِلم، وترك الظُّلم والبغي مع ذويه، والصَّبر على المشاقِّ، وإهانة النَّفس في طلب الحقوق؛ لأنَّ من تعوَّد هذه الأشياء، عَلا ذكره، وحَسُن ثناؤه .
وقال آخر:


وكَظْمُهمو للغَيْظ عند استِعَارِه***إذا عزَّ بين النَّاس كَظْم المغائظِ



وأخلاقُهم محمودةٌ إن خبرتها***فليست بأخلاقٍ فظاظٍ غلائظِ



تحلَّوْا بآدابِ الكتابِ وأحسنوا التَّـ***فكر في أمثاله والمواعظِ



ففاضت على الصَّبر الجميل نفوسهم***سلامٌ على تلك النُّفوسِ الفَوائظِ



وقال مَعْد بن أوس:


وصبري على أشياء منه تُريبني***وكظمي على غيظي وقد ينفع الكَظْمُ



لأستلَّ منه الضغنَ حتى استللته***وقد كان ذا ضغنٍ يضيق به الجِرْمُ



رأيتُ انثلامًا بيننا فرقعتُه***برفقي وإحيائي وقد يُرقع الثلْمُ



وأبرأتُ غِلَّ الصَّدر منه توسُّعًا***بحلمي كما يُشفَى بأدوية سَقَمُ



وقال آخر:


واصفح عن العوراء إن قَلَّت وَعُدْ***بالحِلْم منك على السَّفيه المعْور



وكِل المسيءَ إلى إساءته ولا***تتعقَّبِ الباغي ببغيٍ تُنصر



وادفعْ بكَظْم الغَيْظ آفةَ غَيِّه***فإنِ استخفَّك مرَّةً فاستغفر



وقال آخر:


وكنتُ إذا الصَّديقُ أراد غَيْظي***وشرَّقني على ظمأ بريقي



غفرتُ ذنوبَه وكَظَمت غَيْظي***مخافةَ أن أعيش بلا صديقِ



وقال آخر:


اتَّضعْ للنَّاسِ إن رُمت العُلا***واكَظمِ الغَيْظ ولا تُبدي الضَّجر



واجعلِ المعروفَ ذُخرًا إنَّه***للفتَى أفضل شيء يُدَّخر



احملِ النَّاس على أخلاقهم***فبه تملك أعناقَ البَشَر
http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpK...(2)_-_Copy.jpg

محمد رافع 52 01-06-2013 01:29 AM

المحبَّة

معنى المحبَّة لغةً واصطلاحًا
معنى المحبَّة لغةً:
المحبة: الحبُّ، وهو نقيضُ البغْضِ. وأصل هذه المادة يدلُّ على اللُّزوم وَالثَّبات، واشتقاقه من أحَبَّه إذا لزمه، تقول: أحبَبْتُ الشَّيْء فَأنا مُحِبٌّ وَهو مُحَبٌّ .
معنى المحبَّة اصطلاحًا:
(المحبَّة: الميل إِلَى الشَّيْء السار) .
وقال الراغب: (المحبَّة: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرًا) .
وقال الهروي: (المحبَّة: تعلق القلب بين الهمة والأنس، فِي البَذْل وَالمنْع على الإِفْرَاد)

محمد رافع 52 01-06-2013 01:32 AM

الفرق بين المحبَّة وبعض الصفات

- الفرق بين الإرادة والمحبَّة:
(أَن المحبَّة تجري على الشَّيء، ويكون المراد به غيره، وليس كذلك الإرادة، تقول: أحببت زيدًا. والمراد أنَّك تحب إكرامه ونفعه، ولا يقال: أردت زيدًا بهذا المعنى، وتقول: أحبُّ الله، أي: أحبُّ طاعته، ولا يقال: أريده. بهذا المعنى، فجعل المحبَّة لطاعة الله محبَّة له، كما جعل الخوف من عقابه خوفًا منه.
والمحبَّة أيضا تجري مجرى الشَّهوة؛ فيقال: فلان يحبُّ اللَّحم، أي: يشتهيه، وتقول: أكلت طعامًا لا أحبه، أي: لا أشتهيه، ومع هذا فإن المحبَّة هي الإرادة) .
- الفرق بين المحبَّة والشهوة:
(الشَّهوة توقان النَّفس، وميل الطباع إلى المشتهى، وليست من قبيل الإرادة، والمحبَّة من قبيل الإرادة، ونقيضها البغضة، ونقيض الحبِّ البغض، والشهوة تتعلَّق بالملاذ فقط، والمحبَّة تتعلَّق بالملاذ وغيرها) .
- الفرق بين المحبَّة والصداقة:
(أنَّ الصَّداقة قوَّة المودَّة، مأخوذة من الشَّيء الصدق، وهو الصلب القوي، وقال أبو علي رحمه الله: الصَّداقة اتفاق القلوب على المودَّة، ولهذا لا يقال: إن الله صديق المؤمن، كما يقال: إنَّه حبيبه وخليله) .
- الفرق بين الحبِّ والودِّ:
(أن الحبَّ يكون فيما يوجبه ميل الطباع والحكمة جميعًا، والودُّ ميل الطباع فقط، ألا ترى أنَّك تقول: أُحبُّ فلانًا وأوده. وتقول: أُحبُّ الصَّلاة. ولا تقول: أودُّ الصَّلاة. وتقول: أودُّ أنَّ ذلك كان لي. إذا تمنيت وداده، وأودُّ الرجل ودًّا ومودة، والودُّ الوديد، مثل الحبُّ وهو الحبيب) .
- الفرق بين المحبَّة والعشق:
(أن العشق شدَّة الشَّهوة لنيل المراد من المعشوق إذا كان إنسان، والعزم على مواقعته عند التَّمكُّن منه، ولو كان العشق مفارقًا للشهوة، لجاز أن يكون العاشق خاليًا من أن يشتهي النَّيل ممَّن يعشقه، إلَّا أنه شهوة مخصوصة لا تفارق موضعها، وهي شهوة الرجل للنيل ممَّن يعشقه، ولا تسمى شهوته لشرب الخمر، وأكل الطِّيب عشقًا، والعشق أيضًا هو الشَّهوة الَّتي إذا أفرطت وامتنع نيل ما يتعلَّق بها ***ت بها صاحبها، ولا ي*** من الشَّهوات غيرها، ألا ترى أن أحدًا لم يمت من شهوة الخمر والطَّعام والطِّيب، ولا من محبَّة داره، أو ماله، ومات خلق كثير من شهوة الخلوة مع المعشوق، والنيل منه) .

محمد رافع 52 01-06-2013 01:34 AM

أهمية المحبَّة
قال الرَّاغب: (لو تحابَّ النَّاس، وتعاملوا بالمحبَّة لاستغنوا بها عن العدل، فقد قيل: العدل خليفة المحبَّة يُستعمل حيث لا توجد المحبَّة، ولذلك عظَّم الله تعالى المنَّة بإيقاع المحبَّة بين أهل الملَّة، فقال عزَّ مِن قائل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96] أي: محبَّة في القلوب، تنبيها على أنَّ ذلك أجلب للعقائد، وهي أفضل من المهابة؛ لأنَّ المهابة تنفِّر، والمحبَّة تؤلِّف، وقد قيل: طاعة المحبَّة أفضل من طاعة الرَّهبة، لأنَّ طاعة المحبَّة من داخل، وطاعة الرَّهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها، وكلُّ قوم إذا تحابُّوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمَّروا، وإذا عمَّروا عمَّروا وبورك لهم) .

محمد محمود بدر 01-06-2013 09:49 AM




جزااااااااااكم الله خيراااااااااااااا



محمد رافع 52 02-06-2013 01:36 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محمود بدر (المشاركة 5304381)


جزااااااااااكم الله خيراااااااااااااا


بارك الله فيكم

محمد رافع 52 02-06-2013 01:48 AM

أولًا: المحبة في القرآن الكريم

- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96].
(قال قتادة: ذكر لنا أنَّ كعبًا كان يقول: إنَّما تأتي المحبَّة من السَّماء.
قال: إنَّ اللَّه تبارك وتعالى إذا أحبَّ عبدًا قذف حبَّه في قلوب الملائكة، وقذفته الملائكة في قلوب النَّاس، وإذا أبغض عبدًا فمثل ذلك، لا يملكه بعضهم لبعض) .
(وقال عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس في قوله: الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا قال: حُبًّا .
وقال مجاهد، عنه: الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا قال: محبَّةً في النَّاس في الدُّنْيَا .
وقال سعيد بن جبيرٍ، عنه: يُحبُّهم ويُحبِّبهم، يَعنِي: إِلى خلقه الْمُؤمنين) .
وقال ابن عباس: (محبَّةً في النَّاس في الدُّنيا) .
وقال مجاهد: (محبَّةً في المسلمين في الدُّنيا) .
وقال مقاتل: (يقول يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم) .
- وقال جلَّ في علاه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي [طه: 39].
قال الطبري: (عن عكرمة قال: حسنًا وملاحةً، قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصَّواب من القول في ذلك أن يقال: إنَّ اللَّه ألقى محبَّته على موسى، كما قال جلَّ ثناؤه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي فحبَّبه إلى آسية امرأة فرعون، حتَّى تبنَّته وغذَّته وربَّته، وإلى فرعون، حتَّى كفَّ عنه عاديته وشرَّه. وقد قيل: إنَّما قيل: وألقيت عليك محبّةً منِّي، لأنَّه حبَّبه إلى كلِّ من رآه) .
وقال أيضًا: (قال ابن عبَّاس: حبَّبتك إلى عبادي، وقال الصِّدائي: حبَّبتك إلى خلقي. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أي حسَّنت خلقك) .
وقال الشوكاني: (وألقيت عليك محبَّةً منِّي أي: ألقى اللَّه على موسى محبَّةً كائنةً منه تعالى في قلوب عباده لا يراه أحد إلَّا أحبَّه وقيل: جعل عليه مسحةً من جمال لا يراه أحد من النَّاس إلَّا أحبَّه. وقال ابن جرير: المعنى وألقيت عليك رحمتي، وقيل: كلمة من متعلِّقة بألقيت، فيكون المعنى: ألقيت منِّي عليك محبَّةً، أي: أحببتك، ومن أحبَّه اللَّه أحبَّه النَّاس) .
و(عن ابن عبَّاس في قوله: وألقيت عليك محبَّةً منِّي قال: كان كلُّ من رآه ألقيت عليه منه محبَّته . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل قال: حبَّبتك إلى عبادي) .

محمد رافع 52 02-06-2013 01:52 AM

ثانيًا: المحبة في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النَّبي عليه السلام فقال: يا رسول اللَّه، كيف تقول في رجل أحبَّ قومًا، ولم يلحق بهم؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحبَّ)) .
قال ابن بطال: (فدلَّ هذا أنَّ من أحبَّ عبدًا في الله، فإنَّ الله جامع بينه وبينه في جنته ومُدخِله مُدخَله، وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله: (ولم يلحق بهم). يعني في العمل والمنزلة، وبيان هذا المعنى - والله أعلم - أنه لما كان المحبُّ للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبَّة عملًا من أعمال القلوب واعتقادًا لها، أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء) .
وقال النووي: (فيه فضل حبِّ اللَّه ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم والصَّالحين وأهل الخير الأحياء والأموات) .
قال العظيم آبادي: (يعني من أحبَّ قومًا بالإخلاص يكون من زمرتهم، وإن لم يعمل عملهم؛ لثبوت التَّقارب بين قلوبهم، وربَّما تؤدِّي تلك المحبَّة إلى موافقتهم، وفيه حثٌّ على محبَّة الصُّلحاء والأخيار، رجاء اللِّحاق بهم والخلاص من النَّار) .
وقال السعدي: (هذا الحديث فيه: الحث على قوة محبة الرسل، واتباعهم بحسب مراتبهم، والتحذير من محبة ضدهم؛ فإنَّ المحبَّة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به، فهي دليل على وجود ذلك، وهي أيضًا باعثة على ذلك) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ((أنَّ رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته، ملكًا فلمَّا أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربَّها؟ قال: لا، غير أنِّي أحببته في الله عزَّ وجلَّ، قال: فإنِّي رسول الله إليك، بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحببته فيه)) .
قال النووي: (في هذا الحديث فضل المحبَّة في اللَّه تعالى وأنَّها سبب لحبِّ اللَّه تعالى العبد) .
وأيضًا فيه: (دليل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه) .
- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى عليه وسلم أخذ بيده، وقال: ((يا معاذ، واللَّه إنِّي لأُحبُّك، واللَّه إنِّي لأُحبُّك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة تقول: اللَّهمَّ أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) .
قال العظيم آبادي: (... ((أخذ بيده)). كأنَّه عقد محبَّة وبيعة مودَّة. ((واللَّه إنِّي لأحبُّك)). لامه للابتداء، وقيل للقسم، وفيه أنَّ من أحبَّ أحدًا يستحبُّ له إظهار المحبَّة له. فقال: ((أوصيك يا معاذ لا تدعنَّ)). إذا أردت ثبات هذه المحبَّة فلا تتركنَّ. ((في دبر كلِّ صلاة)). أي: عقبها وخلفها أو في آخرها) .
وقال ابن عثيمين: (وهذه منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم أقسم أنه يحبُّه، والمحبُّ لا يدَّخر لحبيبه إلا ما هو خير له) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السَّلام بينكم)) .
قال النووي: (فقوله صلى اللَّه عليه وسلم: ((ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا)). معناه: لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلَّا بالتَّحابِّ) .
وقال ابن عثيمين: (ففي هذا دليل على أن المحبَّة من كمال الإيمان، وأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحبَّ أخاه، وأنَّ من أسباب المحبَّة أن يفشي الإنسان السلام بين إخوانه، أي يظهره ويعلنه، ويسلم على من لقيه من المؤمنين، سواء عرفه أو لم يعرفه، فإن هذا من أسباب المحبَّة، ولذلك إذا مرَّ بك رجل وسلم عليك أحببته، وإذا أعرض؛ كرهته ولو كان أقرب الناس إليك) .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم... ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه)) .

محمد رافع 52 02-06-2013 01:55 AM

أقوال السلف والعلماء في المحبَّة
- عن أبي حيَّان التيمي قال: (رؤي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثوب كأنه كان يكثر لبسه، فقيل له فيه. فقال: هذا كسانيه خليلي وصفيِّي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، إنَّ عمر ناصح الله فنصحه) .
- وعن مجاهد قال: (مرَّ على عبد الله بن عباس رجل فقال: إنَّ هذا يحبني. فقيل: أنَّى علمت ذلك؟ قال: إني أحبُّه) .
- وعن سفيان بن عيينة، قال: (سمعت مساور الورَّاق يحلف بالله عزَّ وجلَّ ما كنت أقول لرجل إني أحبك في الله عزَّ وجلَّ فأمنعه شيئًا من الدنيا) .
- وقال ابن تيمية: (إنَّك إذا أحببت الشخص لله، كان الله هو المحبوب لذاته، فكلَّما تصورته في قلبك، تصوَّرت محبوب الحق فأحببته، فازداد حبُّك لله، كما إذا ذكرت النَّبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء قبله والمرسلين وأصحابهم الصالحين، وتصورتهم في قلبك، فإنَّ ذلك يجذب قلبك إلى محبة الله، المنعم عليهم، وبهم، إذا كنت تحبهم لله. فالمحبوب لله يجذب إلى محبة الله، والمحبُّ لله إذا أحبَّ شخصًا لله، فإن الله هو محبوبه، فهو يحبُّ أن يجذبه إلى الله تعالى، وكلٌّ من المحبِّ لله والمحبوب لله يجذب إلى الله) .
- وقال: (واعجبًا لمن يدَّعي المحبَّة! ويحتاج إِلى من يذِّكره بمحبوبه فَلَا يذكرهُ إِلَّا بمذكر. أقل ما في المحبَّة أَنَّها لَا تنسيك تذكُّر المحبوب) .
- وقال أيضًا: (إِذا سَافر المحب للقاء محبوبه ركبت جُنُوده مَعَه، فَكَانَ الحبُّ في مُقَدَّمة العسكر، والرجاء يحدُو بالمطي، والشوق يسوقها، والخوف يجمعها على الطَّرِيق، فإذا شَارف قدوم بلد الوصل خرجت تقادم الحبيب باللقاء) .
- و(قال أبو بكر الورَّاق: سأل المأمون عبد الله بن طاهر ذا الرياستين عن الحبِّ، ما هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة، انبعثت منها لمحة نور تستضيء بها بواطن الأعضاء، فتتحرَّك لإشراقها طبائع الحياة، فيتصوَّر من ذلك خلق حاضر للنفس، متصل بخواطرها، يسمى الحبَّ) .
- وقال الثعالبي: (المحبَّة أريحية منتفثة من النفس نحو المحبوب، لأنَّها تغذو الروح وتضني البدن، ولأنَّها تنقل القوى كلها إلى المحبوب بالتحلي بهيئته، والتمنِّي بحقيقته، بالكمال الذي يشهد فيه) .
- وقال أيضًا: (المحبَّة ثمن لكل شيء وإن غلا، وسُلَّم إلى كلِّ شيء وإن علا) .
- وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: (حقيقة المحبَّة لا يزيدها البرُّ ولا ينقصها الجفاء) .
- وقال الجنيد: (إذا صحَّت المحبَّة سقطت شروط الأدب) .
- (وقال رجل لشهر بن حوشب: إني لأحبُّك قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله، ووزيرك على دين الله، ومؤنتي على غيرك) .
- (وقال آخر: من جمع لك مع المودَّة الصادقة رأيًا حازمًا، فاجمع له مع المحبَّة الخالصة طاعة لازمة) .
- وقال الجاحظ: (ينبغي لمحبِّ الكمال أن يعوِّد نفسه محبَّة النَّاس، والتَّودُّد إليهم، والتَّحنُّن عليهم، والرَّأفة والرَّحمة لهم، فإنَّ النَّاس قبيل واحد متناسبون تجمعهم الإنسانيَّة، وحلية القوَّة الإلهيَّة هي في جميعهم، وفي كلِّ واحد منهم، وهي قوَّة العقل، وبهذه النَّفس صار الإنسان إنسانًا) .

محمد رافع 52 02-06-2013 01:56 AM

فوائد المحبَّة

1- دلالة على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2- المحبَّة تغذِّي الأرواح والقلوب وبها تقرُّ العيون، بل إنَّها هي الحياة الَّتي يعدُّ من حرم منها من جملة الأموات.
3- تظهر آثار المحبَّة عند الشَّدائد والكربات.
4- من ثمار المحبَّة النَّعيم والسُّرور في الدُّنيا، الموصِّل إلى نعيم وسرور الآخرة.
5- محبَّة النَّاس مع التَّودُّد إليهم تحقَّق الكمال الإنسانيِّ لمن يسعى إليه.
6- محبَّة الإخوان في الله من محبَّة الله ورسوله.
7- التَّحابُّ في الله يجعل المتحابِّين في الله من الذين يستظلُّون بظلِّ الله تعالى يوم لا ظلَّ إلّا ظلُّه.
8- لا يكتمل إيمان المرء إلَّا إذا تحقَّق حبَّه لأخيه ما يحبُّه لنفسه، وفي هذا ما يخلِّصه من داء الأنانيَّة.
9- أن يستشعر المرء حلاوة الإيمان فيذوق طعم الرِّضا وينعم بالرَّاحة النَّفسيَّة.

محمد رافع 52 02-06-2013 01:58 AM

أقسام المحبَّة
قسم بعض أهل العلم المحبَّة إلى أنواع، كابن حزم، وابن القيم، وغيرهم من العلماء، فابن حزم قسمها إلى تسعة أنواع، قال: (المحبَّة ضروب:
1- فأفضلها: محبة المتحابين في الله عزَّ وجلَّ، إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضل علم بمنحه الإنسان.
2- ومحبة القرابة.
3- ومحبة الألفة في الاشتراك في المطالب.
4- ومحبة التصاحب والمعرفة.
5- ومحبة البر؛ يضعه المرء عند أخيه.
6- ومحبة الطمع في جاه المحبوب.
7- ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره.
8- ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر.
9- ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس.
فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها، وزائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها، فاترة ببعدها) .
وقسمها ابن القيم إلى أربعة أنواع وهي محبة الله، ومحبة ما يحب الله، والمحبة مع الله وهي المحبة الشركية، والحب لله وفي الله، وهي من لوازم محبة ما يحب، ثم ذكر نوعًا خامسًا، وهي المحبَّة الطبيعية، وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه، كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم والزوجة والولد، فتلك لا تُذمُّ إلا إذا ألهت عن ذكر الله، وشغلت عن محبته .
وقسم الراغب الأصفهاني المحبَّة بحسب المحبين فقال: (المحبَّة ضربان:
1- طبيعي: وذلك في الإنسان وفي الحيوان...
2- اختياري: وذلك يختص به الإنسان... وهذا الثاني أربعة أضرب:
أ- للشهوة، وأكثر ما يكون بين الأحداث.
ب- للمنفعة، ومن ***ه ما يكون بين التجار وأصحاب الصناعة المهنية وأصحاب المذاهب.
ج- مركب من الضربين، كمن يحبُّ غيره لنفع، وذلك الغير يحبه للشهوة.
د- للفضيلة، كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبَّة باقية على مرور الأوقات، وهي المستثناة بقوله تعالى: الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67].
وأما الضروب الأُخر: فقد تطول مدتها وتقصر بحسب طول أسبابها وقصرها) .

محمد رافع 52 02-06-2013 02:00 AM

مراتب المحبَّة

قسم العلماء المحبَّة إلى مراتب عديدة، ومن هؤلاء العلماء ابن قيِّم الجوزية الذي أوصلها إلى عشر مراتب، وهي كما يلي:
أوَّلها: العلاقة، وسمِّيت علاقةً لتعلُّق القلب بالمحبوب.
الثَّانية: الإرادة، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
الثَّالثة: الصَّبابة، وهي انصباب القلب إليه، بحيث لا يملكه صاحبه، كانصباب الماء في الحدور.
الرَّابعة: الغرام، وهو الحبُّ اللَّازم للقلب، الذي لا يفارقه، بل يلازمه كملازمة الغريم لغريمه.
الخامسة: الوداد، وهو صفو المحبَّة.
السَّادسة: الشَّغف يقال: شغف بكذا. فهو مشغوف به. وقد شغفه المحبوب. أي وصل حبَّه إلى شغاف قلبه، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه الحبُّ المستولي على القلب، بحيث يحجبه عن غيره.
الثاني: الحبُّ الواصل إلى داخل القلب.
الثالث: أنَّه الحبُّ الواصل إلى غشاء القلب. والشِّغاف غشاء القلب إذا وصل الحبُّ إليه باشر القلب.
السَّابعة: العشق، وهو الحبُّ المفرط، الَّذي يخاف على صاحبه منه.
الثامنة: التَّتيُّم، وهو التَّعبُّد، والتَّذلُّل.
التَّاسعة: التَّعبُّد وهو فوق التَّتيُّم، فإنَّ العبد هو الذي قد ملك المحبوب رقَّه، فلم يبقَ له شيء من نفسه ألبتَّة، بل كلُّه عبد لمحبوبه ظاهرًا وباطنًا، وهذا هو حقيقة العبوديَّة. ومن كمَّل ذلك فقد كمَّل مرتبتها.
العاشرة: مرتبة الخلَّة الَّتي انفرد بها الخليلان، إبراهيم ومحمَّد صلى اللَّه عليهما وسلم.

محمد رافع 52 02-06-2013 02:01 AM

الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها
للمحبة أسباب جالبة لها، توجب لك المحبَّة في قلوب الآخرين؛ نذكر منها ما يلي:
1- خدمة الآخرين والسعي لمنفعتهم.
2- تقديم الهدية للآخرين.
3- التواضع للآخرين.
4- الإحسان إلى الآخرين.
5- التحلِّي بصفة الصمت.
6- البشاشة والابتسامة.
7- البدء بالسلام.
8- الجود والكرم.
9- الابتعاد عن الحسد.
10- التعامل بصدق وأمانة.
11- الوفاء بالعهد.
12- زيارة الآخرين وتفقد أحوالهم.
13- إنزال الناس منازلهم.
14- الالتزام بالأخلاق الإسلامية.
وقال ابن حمدون: (عشر يورثن المحبَّة: كثرة السَّلام، واللطف بالكلام، واتباع الجنائز، والهدية، وعيادة المرضى، والصدق، والوفاء، وإنجاز الوعد، وحفظ المنطق، وتعظيم الرِّجال)

محمد رافع 52 02-06-2013 02:04 AM

نماذج في المحبَّة
نماذج تطبيقية من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم:
- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: ((يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، والله إنِّي لأحبُّك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة تقول: اللهمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) .
- وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم النِّساء والصِّبيان مقبلين -قال: حسبت أنَّه قال: من عرس- فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم مُمْثِلًا فقال: ((اللهمَّ أنتم من أحبِّ النَّاس إليَّ. قالها ثلاث مرار)) .
- وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا ذرٍّ، إنِّي أراك ضعيفًا، وإنِّي أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي، لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مال يتيم)) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حُبِّب إليَّ: النِّساء والطِّيب، وجعل قرَّة عيني في الصَّلاة)) .
- وعن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ حدَّث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه كان يأخذه والحسن فيقول: ((اللهمَّ أحبَّهما فإنِّي أحبُّهما)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها: ((أنَّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيَّة وسودة، والحزب الآخر أمُّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديَّة يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّرها، حتَّى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهديَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلَّم حزب أمِّ سلمة فقلن لها: كلِّمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلِّم النَّاس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديَّة فليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلَّمته أمُّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: فكلِّميه. قالت: فكلَّمته حين دار إليها أيضًا، فلم يقل لها شيئًا. فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا. فقلن لها: كلِّميه حتَّى يكلِّمك. فدار إليها فكلَّمته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة؛ فإنَّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلَّا عائشة. قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثمَّ إنَّهنَّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إنَّ نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلَّمته، فقال: يا بنيَّة، ألا تحبِّين ما أحبُّ؟ قالت: بلى. فرجعت إليهنَّ فأخبرتهنَّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع...)) .

محمد رافع 52 02-06-2013 02:06 AM

حكم وأمثال في المحبَّة
- أفضل المحبَّة ما كان بعد المعتبة .
- وقالوا: لا يكن حبُّك كلفًا، ولا بغضك سرفًا .
- أبرُّ من الْهِرَّة: قَالُوا لِأَنَّـهَا تَأْكُل أَوْلَادهَا من المحبَّة .
- قَوْلهم: من يبغ فِي الدِّين يصلف: مَعْنَاهُ من يطْلب الدُّنْيَا بِالدِّينِ لم يحظ عِنْد النَّاس وَلم يُرْزق مِنْهُم المحبَّة .
- وقيل: أغلب المحبَّة ما كان عن تشاكل .

محمد رافع 52 02-06-2013 02:12 AM

المحبَّة في واحة الشعر
وقال ابن زهر الحفيد:


يا مَن يُذكِّرني بعهد أحبَّتي***طاب الحديثُ بذكرهم ويطيبُ



أعِدِ الحديثَ عليَّ من جنباتِه***إنَّ الحديث عن الحبيب حبيبُ



ملأ الضلوع وفاض عن أحنائها***قلبٌ إذا ذكر الحبيب يذوبُ



ما زال يضرب خافقًا بجناحه***يا ليت شعري هل تطير قلوب



وأنشد بعضهم:


والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت***إلا وحبُّك مقرونٌ بأنفاسي



ولا جلستُ إلى قومٍ أُحدِّثُهم***إلا وأنت حديثي بين جُلَّاسي



وقال آخر:


يَا منية الْقلب مَا جيدي بمنعطف***إِلَى سواكم ولا حَبْلِي بمنقاد



لولا المحبَّة ما استعملت بارقة***وَلَا سَأَلت حمام الدوح إسعادي



ولا وقفت على الوادي أسائله***بالدمع حَتَّى رثى لي سَاكن الْوَادي



وقال أبو تراب النخشبي:


لا تخدعنَّ فللمحبِّ دلائلُ***ولديه من تحفِ الحبيبِ وسائلُ



منها تنعمُه بمرِّ بلائه***وسروره في كلِّ ما هو فاعلُ



فالمنعُ منه عطيةٌ مقبولةٌ***والفقر إكرام وبرٌّ عاجلُ



ومن الدلائل أن يرى من عزمه***طوع الحبيب وإن ألحَّ العاذلُ



ومن الدلائل أن يُرى متبسِّمًا***والقلب فيه من الحبيب بلابلُ



ومن الدلائل أن يُرى متفهمًا***لكلام من يحظَى لديه السائلُ



ومن الدلائل أن يُرى متقشفًا***متحفظًا من كلِّ ما هو قائلُ


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.