اقتباس:
|
جزاكم الله خيرا
|
أكرمكم الله وسدد خطاكم
|
جزاكم الله كل الخير والرشاد
|
ياريت لو حضرتك تكملى
مجهزد رائع |
اقتباس:
|
بارك الله فيك
|
اقتباس:
|
تفسير سورةالصف {1} سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سُورَة الصَّفّ [ مَكِّيَّة أَوْ مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا 14 ] "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض" أَيْ نَزَّهَهُ فَاللَّام مَزِيدَة وَجِيءَ بِمَا دُون مِنْ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ "وَهُوَ الْعَزِيز" فِي مُلْكه "الْحَكِيم" فِي صُنْعه {2} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ" فِي طَلَب الْجِهَاد "مَا لَا تَفْعَلُونَ" إذْ انْهَزَمْتُمْ بِأُحُدٍ {3} كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ "كَبُرَ" عَظُمَ "مَقْتًا" تَمْيِيز "عِنْد اللَّه أَنْ تَقُولُوا" فَاعِل كَبُرَ {4} إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ "إنَّ اللَّه يُحِبّ" يَنْصُر وَيُكْرِم "الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيله صَفًّا" حَال أَيْ صَافِّينَ "كَأَنَّهُمْ بُنْيَان مَرْصُوص" مُلْزَق بَعْضه إلَى بَعْض ثَابِت {5} وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "وَ" اذْكُرْ "إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم لِمَ تُؤْذُونَنِي" قَالُوا : إنَّهُ آدَر أَيْ مُنْتَفِخ الْخُصْيَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَّبُوهُ "وَقَدْ" لِلتَّحْقِيقِ "تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُول اللَّه إلَيْكُمْ" الْجُمْلَة حَال وَالرَّسُول يُحْتَرَم "فَلَمَّا زَاغُوا" عَدَلُوا عَنْ الْحَقّ بِإِيذَائِهِ "أَزَاغَ اللَّه قُلُوبهمْ" أَمَالَهَا عَنْ الْهُدَى عَلَى وَفْق مَا قَدَّرَهُ فِي الْأَزَل "وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ" الْكَافِرِينَ فِي عِلْمه |
الصف {6} وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ "وَ" اذْكُرْ "إذْ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم يَا بَنِي إسْرَائِيل" لَمْ يَقُلْ : يَا قَوْم لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَة "إنِّي رَسُول اللَّه إلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ" قَبْلِي "مِنْ التَّوْرَاة وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمه أَحْمَد" قَالَ تَعَالَى "فَلَمَّا جَاءَهُمْ" جَاءَ أَحْمَد الْكُفَّار "بِالْبَيِّنَاتِ" الْآيَات وَالْعَلَامَات "قَالُوا هَذَا" أَيْ الْمَجِيء بِهِ "سِحْر" وَفِي قِرَاءَة سَاحِر أَيْ الْجَائِي بِهِ "مُبِين" بَيِّن {7} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "وَمَنْ" أَيْ لَا أَحَد "أَظْلَم" أَشَدّ ظُلْمًا "مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه الْكَذِب" بِنِسْبَةِ الشَّرِيك وَالْوَلَد إلَيْهِ وَوَصْف آيَاته بِالسِّحْرِ "وَهُوَ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَام وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ {8} يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا" مَنْصُوب بِأَنْ مُقَدَّرَة وَاللَّام مَزِيدَة "نُور اللَّه" شَرْعه وَبَرَاهِينه "بِأَفْوَاهِهِمْ" بِأَقْوَالِهِمْ إنَّهُ سِحْر وَشِعْر وَكِهَانَة "وَاَللَّه مُتِمّ" مُظْهِر "نُوره" وَفِي قِرَاءَة بِالْإِضَافَةِ "وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" ذَلِكَ {9} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ" يُعْلِيه "عَلَى الدِّين كُلّه" جَمِيع الْأَدْيَان الْمُخَالِفَة لَهُ "وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" ذَلِكَ {10} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد "مِنْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا نَعَمْ {11} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ "تُؤْمِنُونَ" تَدُومُونَ عَلَى الْإِيمَان "بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" أَنَّهُ خَيْر لَكُمْ فَافْعَلُوهُ {12} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "يَغْفِر" جَوَاب شَرْط مُقَدَّر أَيْ إنْ تَفْعَلُوهُ يَغْفِر "لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَيُدْخِلكُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَمَسَاكِن طَيِّبَة فِي جَنَّات عَدْن" إقَامَة {13} وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ "وَ" وَيُؤْتِكُمْ نِعْمَة "أُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْر مِنْ اللَّه وَفَتْح قَرِيب وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ" بِالنَّصْرِ وَالْفَتْح {14} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَار اللَّه" لِدِينِهِ وَفِي قِرَاءَة بِالْإِضَافَةِ "كَمَا قَالَ" إلَخْ الْمَعْنَى : كَمَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ كَذَلِكَ الدَّالّ عَلَيْهِ قَالَ "عِيسَى ابْن مَرْيَم لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّه" أَيْ مَنْ الْأَنْصَار الَّذِينَ يَكُونُونَ مَعِي مُتَوَجِّهًا إلَى نُصْرَة اللَّه "قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه" وَالْحَوَارِيُّونَ أَصْفِيَاء عِيسَى وَهُمْ أَوَّل مَنْ آمَنَ بِهِ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا مِنْ الْحُور وَهُوَ الْبَيَاض الْخَالِص وَقِيلَ كَانُوا قَصَّارِينَ يُحَوِّرُونَ الثِّيَاب أَيْ يُبَيِّضُونَهَا "فَآمَنَتْ طَائِفَة مِنْ بَنِي إسْرَائِيل" بِعِيسَى وَقَالُوا إنَّهُ عَبْد اللَّه رُفِعَ إلَى السَّمَاء "وَكَفَرَتْ طَائِفَة" لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ ابْن اللَّه رَفَعَهُ إلَيْهِ فَاقْتَتَلَتْ الطَّائِفَتَانِ "فَأَيَّدْنَا" قَوَّيْنَا "الَّذِينَ آمَنُوا" مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ "عَلَى عَدُوّهُمْ" الطَّائِفَة الْكَافِرَة "فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" غَالِبِينَ |
تفسير سورة الممتحنة {1} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ سُورَة الْمُمْتَحَنَة [ مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا ثَلَاث عَشْرَة ] "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ" أَيْ كُفَّار مَكَّة "أَوْلِيَاء تُلْقُونَ" تُوَصِّلُونَ "إلَيْهِمْ" قَصْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوهمْ الَّذِي أَسَرَّهُ إلَيْكُمْ وَوَرَّى بِحَنِينٍ "بِالْمَوَدَّةِ" بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ كَتَبَ حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ إلَيْهِمْ كِتَابًا بِذَلِكَ لِمَا لَهُ عِنْدهمْ مِنْ الْأَوْلَاد وَالْأَهْل الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَرَدَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ أَرْسَلَهُ مَعَهُ بِإِعْلَامِ اللَّه تَعَالَى لَهُ بِذَلِكَ وَقَبِلَ عُذْر حَاطِب فِيهِ "وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقّ" أَيْ دِين الْإِسْلَام وَالْقُرْآن "يُخْرِجُونَ الرَّسُول وَإِيَّاكُمْ" مِنْ مَكَّة بِتَضْيِيقِهِمْ عَلَيْكُمْ "أَنْ تُؤْمِنُوا" أَيْ لِأَجْلِ أَنْ آمَنْتُمْ "بِاَللَّهِ رَبّكُمْ إنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا" لِلْجِهَادِ "فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي" وَجَوَاب الشَّرْط دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْله أَيْ فَلَا تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاء "تُسِرُّونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَم بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلهُ مِنْكُمْ" أَيْ إسْرَار خَبَر النَّبِيّ إلَيْهِمْ "فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل" أَخْطَأَ طَرِيق الْهُدَى وَالسَّوَاء فِي الْأَصْل الْوَسَط {2} إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ "إنْ يَثْقَفُوكُمْ" يَظْفَرُوا بِكُمْ "يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ" بِالْقَتْلِ وَالضَّرْب "وَأَلْسِنَتهمْ بِالسُّوءِ" بِالسَّبِّ وَالشَّتْم "وَوَدُّوا" تَمَنَّوْا {3} لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "لَنْ تَنْفَعكُمْ أَرْحَامكُمْ" قَرَابَاتكُمْ "وَلَا أَوْلَادكُمْ" الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لِأَجْلِهِمْ أَسْرَرْتُمْ الْخَبَر مِنْ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة "يَوْم الْقِيَامَة يَفْصِل" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْفَاعِل "بَيْنكُمْ" بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ فَتَكُونُونَ فِي الْجَنَّة وَهُمْ فِي جُمْلَة الْكُفَّار فِي النَّار {4} قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ إِسْوَة" بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَضَمّهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ قُدْوَة "حَسَنَة فِي إبْرَاهِيم" أَيْ بِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا "وَاَلَّذِينَ مَعَهُ" مِنْ الْمُؤْمِنِينَ "إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآء" جَمْع بَرِيء كَظَرِيفٍ "مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه كَفَرْنَا بِكُمْ" أَنْكَرْنَاكُمْ "وَبَدَا بَيْننَا وَبَيْنكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء أَبَدًا" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة وَاوًا "حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَحْده إلَّا قَوْل إبْرَاهِيم لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَن لَك" مُسْتَثْنَى مِنْ أُسْوَة فَلَيْسَ لَكُمْ التَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ تَسْتَغْفِرُوا لِلْكُفَّارِ وَقَوْله "وَمَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه" أَيْ مِنْ عَذَابه وَثَوَابه "مِنْ شَيْء" كَنَّى بِهِ عَنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِك لَهُ غَيْر الِاسْتِغْفَار فَهُوَ مَبْنِيّ عَلَيْهِ مُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْمُرَاد مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ ظَاهِره مِمَّا يُتَأَسَّى فِيهِ "قُلْ فَمَنْ يَمْلِك لَكُمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا" وَاسْتِغْفَاره لَهُ قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي "بَرَاءَة" "رَبّنَا عَلَيْك تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْك أَنَبْنَا وَإِلَيْك الْمَصِير" مِنْ مَقُول الْخَلِيل وَمَنْ مَعَهُ أَيْ قَالُوا : {5} رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلَّذِينَ كَفَرُوا" أَيْ لَا تُظْهِرهُمْ عَلَيْنَا فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقّ فَيُفْتَنُوا أَيْ تَذْهَب عُقُولهمْ بِنَا "وَاغْفِرْ لَنَا رَبّنَا إنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم" فِي مُلْكك وَصُنْعك |
الممتحنة {6} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ" يَا أُمَّة مُحَمَّد جَوَاب قَسَم مُقَدَّر "فِيهِمْ أُسْوَة حَسَنَة لِمَنْ كَانَ" بَدَل اشْتِمَال مِنْ كَمْ بِإِعَادَةِ الْجَار "يَرْجُوا اللَّه وَالْيَوْم الْآخِر" أَيْ يَخَافهُمَا أَوْ يَظُنّ الثَّوَاب وَالْعِقَاب "وَمَنْ يَتَوَلَّ" بِأَنْ يُوَالِي الْكُفَّار "فَإِنَّ اللَّه هُوَ الْغَنِيّ" عَنْ خَلْقه "الْحَمِيد" لِأَهْلِ طَاعَته {7} عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "عَسَى اللَّه أَنْ يَجْعَل بَيْنكُمْ وَبَيْن الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ" مِنْ كُفَّار مَكَّة طَاعَة لِلَّهِ تَعَالَى "مَوَدَّة" بِأَنْ يَهْدِيهِمْ لِلْإِيمَانِ فَيَصِيرُوا لَكُمْ أَوْلِيَاء "وَاَللَّه قَدِير" عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ فَعَلَهُ بَعْد فَتْح مَكَّة "وَاَللَّه غَفُور" لَهُمْ مَا سَلَفَ "رَحِيم" بِهِمْ {8} لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ" مِنْ الْكُفَّار "فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ" بَدَل اشْتِمَال مِنْ الَّذِينَ "وَتُقْسِطُوا" تَقْضُوا "إلَيْهِمْ" بِالْقِسْطِ أَيْ بِالْعَدْلِ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِجِهَادِهِمْ "إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ" الْعَادِلِينَ {9} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّين وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ وَظَاهَرُوا" عَاوَنُوا "عَلَى إخْرَاجكُمْ أَنْ تُوَلُّوهُمْ" بَدَل اشْتِمَال مِنْ الَّذِينَ أَيْ تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاء {10} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَات" بِأَلْسِنَتِهِنَّ "مُهَاجِرَات" مِنْ الْكُفَّار بَعْد الصُّلْح مَعَهُمْ فِي الْحُدَيْبِيَة عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ يُرَدّ "فَامْتَحِنُوهُنَّ" بِالْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُنَّ مَا خَرَجْنَ إلَّا رَغْبَة فِي الْإِسْلَام لَا بُغْضًا لِأَزْوَاجِهِنَّ الْكُفَّار وَلَا عِشْقًا لِرِجَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَذَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَلِّفهُنَّ "اللَّه أَعْلَم بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ" ظَنَنْتُمُوهُنَّ بِالْحَلِفِ "مُؤْمِنَات فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ" تَرُدُّوهُنَّ "إلَى الْكُفَّار لَا هُنَّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ" أَيْ أَعْطُوا الْكُفَّار أَزْوَاجهنَّ "مَا أَنْفَقُوا" عَلَيْهِنَّ مِنْ الْمُهُور "وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ" بِشَرْطِهِ "إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ" مُهُورهنَّ "وَلَا تَمَسَّكُوا" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "بِعِصَمِ الْكَوَافِر" زَوْجَاتكُمْ لِقَطْعِ إسْلَامكُمْ لَهَا بِشَرْطِهِ أَوْ الْحِقَّات بِالْمُشْرِكِينَ مُرْتَدَّات لِقَطْعِ ارْتِدَادهنَّ نِكَاحكُمْ بِشَرْطِهِ "وَاسْأَلُوا" اُطْلُبُوا "مَا أَنْفَقْتُمْ" عَلَيْهِنَّ مِنْ الْمُهُور فِي صُورَة الِارْتِدَاد مِمَّنْ تَزَوَّجْهُنَّ مِنْ الْكُفَّار "وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا" عَلَى الْمُهَاجِرَات كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يُؤْتُونَهُ "ذَلِكُمْ حُكْم اللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ" بِهِ {11} وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ "وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْء مِنْ أَزْوَاجكُمْ" أَيْ وَاحِدَة فَأَكْثَر مِنْهُنَّ أَوْ شَيْء مِنْ مُهُورهنَّ بِالذَّهَابِ "إلَى الْكُفَّار" مُرْتَدَّات "فَعَاقَبْتُمْ" فَغَزَوْتُمْ وَغَنِمْتُمْ "فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجهمْ" مِنْ الْغَنِيمَة "مِثْل مَا أَنْفَقُوا" لِفَوَاتِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَة الْكُفَّار "وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ" وَقَدْ فَعَلَ الْمُؤْمِنُونَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْإِيتَاء لِلْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ ارْتَفَعَ هَذَا الْحُكْم |
الممتحنة {12} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "يَا أَيّهَا النَّبِيّ إذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادهنَّ" كَمَا كَانَ يَفْعَل فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ وَأْد الْبَنَات أَيْ دَفْنهنَّ أَحْيَاء خَوْف الْعَار وَالْفَقْر "وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْن أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ" أَيْ بِوَلَدٍ مَلْقُوط يَنْسُبْنَهُ إلَى الزَّوْج وَوُصِفَ بِصِفَةِ الْوَلَد الْحَقِيقِيّ فَإِنَّ الْأُمّ إذَا وَضَعَتْهُ سَقَطَ بَيْن يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا "وَلَا يَعْصِينَك فِي" فِعْل "مَعْرُوف" هُوَ مَا وَافَقَ طَاعَة اللَّه كَتَرْكِ النِّيَاحَة وَتَمْزِيق الثِّيَاب وَجَزّ الشُّعُور وَشَقّ الْجَيْب وَخَمْش الْوَجْه "فَبَايِعْهُنَّ" فَعَلَ ذَلِكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَوْلِ وَلَمْ يُصَافِح وَاحِدَة مِنْهُنَّ {13} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ" هُمْ الْيَهُود "قَدْ يَئِسُوا مِنْ الْآخِرَة" مِنْ ثَوَابهَا مَعَ إيقَانهمْ بِهَا لِعِنَادِهِمْ النَّبِيّ مَعَ عِلْمهمْ بِصِدْقِهِ "كَمَا يَئِسَ الْكُفَّار" الْكَائِنُونَ "مِنْ أَصْحَاب الْقُبُور" أَيْ الْمَقْبُورِينَ مِنْ خَبَر الْآخِرَة إذْ تُعْرَض عَلَيْهِمْ مَقَاعِدهمْ مِنْ الْجَنَّة لَوْ كَانُوا آمَنُوا وَمَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ النَّار |
بـــــ الله فيك ــــارك
|
بـــــ الله فيك ــــارك
|
|
اقتباس:
|
تفسير سورة الحشر {1} سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سُورَة الْحَشْر [ مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا أَرْبَع وَعِشْرُونَ ] "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض" أَيْ نَزَّهَهُ فَاللَّام مَزِيدَة وَفِي الْإِتْيَان بِمَا تَغْلِيب لِلْأَكْثَرِ "وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم" فِي مُلْكه وَصُنْعه {2} هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ "هُوَ الَّذِي أَخَرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب" هُمْ بَنُو النَّضِير مِنْ الْيَهُود "مِنْ دِيَارهمْ" مَسَاكِنهمْ بِالْمَدِينَةِ "لِأَوَّلِ الْحَشْر" هُوَ حَشْرهمْ إلَى الشَّام وَآخِره أَنْ أَجْلَاهُمْ عُمَر فِي خِلَافَته إلَى خَيْبَر "مَا ظَنَنْتُمْ" أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ "أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتهمْ" خَبَر أَنْ "حُصُونهمْ" فَاعِله تَمَّ بِهِ الْخَبَر "مِنْ اللَّه" مِنْ عَذَابه "فَأَتَاهُمْ اللَّه" أَمْره وَعَذَابه "مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا" لَمْ يَخْطِر بِبَالِهِمْ مِنْ جِهَة الْمُؤْمِنِينَ "وَقَذَفَ" أَلْقَى "فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب" بِسُكُونِ الْعَيْن وَضَمّهَا الْخَوْف بِقَتْلِ سَيِّدهمْ كَعْب بْن الْأَشْرَف "يُخْرِبُونَ" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف مِنْ أَخْرَبَ "بُيُوتهمْ" لِيَنْقُلُوا مَا اسْتَحْسَنُوهُ مِنْهَا مِنْ خَشَب وَغَيْره {3} وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ "وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّه" قَضَى "عَلَيْهِمْ الْجَلَاء" الْخُرُوج مِنْ الْوَطَن "لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا" بِالْقَتْلِ وَالسَّبْي كَمَا فَعَلَ بِقُرَيْظَةَ مِنْ الْيَهُود |
الحشر {4} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا" خَالَفُوا "اللَّه وَرَسُوله وَمَنْ يُشَاقّ اللَّه فَإِنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب" لَهُ {5} مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ "مَا قَطَعْتُمْ" يَا مُسْلِمُونَ "مِنْ لِينَة" نَخْلَة "أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة عَلَى أُصُولهَا فَبِإِذْنِ اللَّه" أَيْ خَيَّرَكُمْ فِي ذَلِكَ "وَلِيُخْزِيَ" بِالْإِذْنِ فِي الْقَطْع "الْفَاسِقِينَ" الْيَهُود فِي اعْتِرَاضهمْ أَنَّ قَطْع الشَّجَر الْمُثْمِر فَسَاد {6} وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "وَمَا أَفَاءَ" رَدَّ "اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ" أَسْرَعْتُمْ يَا مُسْلِمُونَ "عَلَيْهِ مِنْ" زَائِدَة "خَيْل وَلَا رِكَاب" إبِل أَيْ لَمْ تُقَاسُوا فِيهِ مَشَقَّة "وَلَكِنَّ اللَّه يُسَلِّط رُسُله عَلَى مَنْ يَشَاء وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" فَلَا حَقّ لَكُمْ فِيهِ وَيَخْتَصّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فِي الْآيَة الثَّانِيَة مِنْ الْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة عَلَى مَا كَانَ يَقْسِمهُ مِنْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ خُمُس الْخُمُس وَلَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَاقِي يَفْعَل فِيهِ مَا يَشَاء فَأَعْطَى مِنْهُ الْمُهَاجِرِينَ وَثَلَاثَة مِنْ الْأَنْصَار لِفَقْرِهِمْ {7} مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى" كَالصَّفْرَاءِ وَوَادِي الْقُرَى وَيَنْبُع "فَلِلَّهِ" يَأْمُر فِيهِ بِمَا يَشَاء "وَلِذِي" صَاحِب "الْقُرْبَى" قَرَابَة النَّبِيّ مِنْ بَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب "وَالْيَتَامَى" أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هَلَكَتْ آبَاؤُهُمْ وَهُمْ فُقَرَاء "وَالْمَسَاكِين" ذَوِي الْحَاجَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ "وَابْن السَّبِيل" الْمُنْقَطِع فِي سَفَره مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَيْ يَسْتَحِقّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة . عَلَى مَا كَانَ يَقْسِمهُ مِنْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَة خُمُس الْخُمُس وَلَهُ الْبَاقِي "كَيْ لَا" كَيْ بِمَعْنَى اللَّام وَأَنْ مُقَدَّرَة بَعْدهَا "يَكُون" الْفَيْء عِلَّة لِقَسْمِهِ كَذَلِكَ "دُولَة" مُتَدَاوَلًا "بَيْن الْأَغْنِيَاء مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول" أَعْطَاكُمْ مِنْ الْفَيْء وَغَيْره {8} لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ "لِلْفُقَرَاءِ" مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ أَيْ اعْجَبُوا "الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّه وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّه وَرَسُوله أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ" فِي إيمَانهمْ {9} وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار" أَيْ الْمَدِينَة "وَالْإِيمَان" أَيْ أَلِفُوهُ وَهُمْ الْأَنْصَار "مِنْ قَبْلهمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة" حَسَدًا "مِمَّا أُوتُوا" أَيْ آتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير الْمُخْتَصَّة بِهِمْ "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة" حَاجَة إلَى مَا يُؤْثِرُونَ بِهِ "وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسه" حِرْصهَا عَلَى الْمَال |
الحشر {10} وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ" مِنْ بَعْد الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار إلَى يَوْم الْقِيَامَة "يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سِبْقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا يَجِدُونَ فِي قُلُوبهمْ غِلًّا" حِقْدًا {11} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ "أَلَمْ تَرَ" تَنْظُر "إلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب" وَهُمْ بَنُو النَّضِير وَإِخْوَانهمْ فِي الْكُفْر "لَئِنْ" لَام قَسَم فِي الْأَرْبَعَة "أُخْرِجْتُمْ" مِنْ الْمَدِينَة "لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيع فِيكُمْ" فِي خِذْلَانكُمْ "أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ" حُذِفَتْ مِنْهُ اللَّام الْمُوَطِّئَة {12} لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ "لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ" أَيْ جَاءُوا لِنَصْرِهِمْ "لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار" وَاسْتُغْنِيَ بِجَوَابِ الْقَسَم الْمُقَدَّر عَنْ جَوَاب الشَّرْط فِي الْمَوَاضِع الْخَمْسَة "ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ" أَيْ الْيَهُود {13} لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ "لَأَنْتُمْ أَشَدّ رَهْبَة" خَوْفًا "فِي صُدُورهمْ" أَيْ الْمُنَافِقِينَ "مِنْ اللَّه" لِتَأْخِيرِ عَذَابه {14} لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ" أَيْ الْيَهُود "جَمِيعًا" مُجْتَمِعِينَ "إلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَة أَوْ مِنْ وَرَاء جِدَار" سُور وَفِي قِرَاءَة جُدُر "بَأْسهمْ" حَرْبهمْ "بَيْنهمْ شَدِيد تَحْسَبهُمْ جَمِيعًا" مُجْتَمِعِينَ "وَقُلُوبهمْ شَتَّى" مُتَفَرِّقَة خِلَاف الْحُسْبَان {15} كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ مَثَلهمْ فِي تَرْك الْإِيمَان "كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ قَرِيبًا" بِزَمَنٍ قَرِيب وَهُمْ أَهْل بَدْر مِنْ الْمُشْرِكِينَ "ذَاقُوا وَبَال أَمْرهمْ" عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا مِنْ الْقَتْل وَغَيْره "وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم فِي الْآخِرَة {16} كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مَثَلهمْ أَيْضًا فِي سَمَاعهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَتَخَلُّفهمْ عَنْهُمْ "كَمَثَلِ الشَّيْطَان إذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اُكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إنِّي بَرِيء مِنْك إنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ" كَذِبًا مِنْهُ وَرِيَاء |
تفسير سورة المجادلة {1} قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ سُورَة الْمُجَادَلَة [ مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ ] "قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلك" تُرَاجِعك أَيّهَا النَّبِيّ "فِي زَوْجهَا" فِي زَوْجهَا الْمُظَاهِر مِنْهَا وَكَانَ قَالَ لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَقَدْ سَأَلَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهَا بِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُود عِنْدهمْ مِنْ أَنَّ الظِّهَار مُوجِبه فِرْقَة مُؤَبَّدَة وَهِيَ خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة وَهُوَ أَوْس بْن الصَّامِت "وَتَشْتَكِي إلَى اللَّه" وَحْدتهَا وَفَاقَتهَا وَصَبِيَّة صِغَارًا إنْ ضَمَّتْهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا أَوْ إلَيْهَا جَاعُوا "وَاَللَّه يَسْمَع تَحَاوُركُمَا" تُرَاجِعكُمَا "إنَّ اللَّه سَمِيع بَصِير" عَالِم {2} الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ "الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ" أَصْله يَتَظَهَّرُونَ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الظَّاء وَفِي قِرَاءَة بِأَلِفٍ بَيْن الظَّاء وَالْهَاء الْخَفِيفَة وَفِي أُخْرَى كَيُقَاتِلُونَ وَالْمَوْضِع الثَّانِي كَذَلِكَ "مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتهمْ إنْ أُمَّهَاتهمْ إلَّا اللَّائِي" بِهَمْزَةٍ وَيَاء وَبِلَا يَاء "وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ" بِالظِّهَارِ "لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْل وَزُورًا" كَذِبًا "وَإِنَّ اللَّه لَعَفُوّ غَفُور" لِلْمُظَاهِرِ بِالْكَفَّارَةِ {3} وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ "وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا" أَيْ فِيهِ بِأَنْ يُخَالِفُوهُ بِإِمْسَاكِ الْمُظَاهِر مِنْهَا الَّذِي هُوَ خِلَاف مَقْصُود الظِّهَار مِنْ وَصْف الْمَرْأَة بِالتَّحْرِيمِ "فَتَحْرِير رِقْبَة" أَيْ إعْتَاقهَا عَلَيْهِ "مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا" بِالْوَطْءِ {4} فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ "فَمَنْ لَمْ يَجِد" رَقَبَة "فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ" أَيْ الصِّيَام "فَإِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا" عَلَيْهِ : أَيْ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّد لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ مِنْ غَالِب قُوت الْبَلَد "ذَلِكَ" أَيْ التَّخْفِيف فِي الْكَفَّارَة "لِتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتِلْكَ" أَيْ الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة "حُدُود اللَّه وَلِلْكَافِرِينَ" أَيْ وَلِلْكَافِرِينَ بِهَا "عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم {5} إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ "إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ" يُخَالِفُونَ "اللَّه وَرَسُوله كُبِتُوا" أُذِلُّوا "كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" فِي مُخَالَفَتهمْ رُسُلهمْ "وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَات بَيِّنَات" دَالَّة عَلَى صِدْق الرَّسُول "وَلِلْكَافِرِينَ" بِالْآيَاتِ "عَذَاب مُهِين" ذُو إهَانَة |
المجادلة {7} أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "أَلَمْ تَرَ" تَعْلَم "أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إلَّا هُوَ رَابِعهمْ" أَيْ بِعِلْمِهِ {8} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ "أَلَمْ تَرَ" تَنْظُر "إلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان وَمَعْصِيَة الرَّسُول" هُمْ الْيَهُود نَهَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ تَنَاجِيهمْ أَيْ تَحَدُّثهمْ سِرًّا نَاظِرِينَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ لِيُوقِعُوا فِي قُلُوبهمْ الرِّيبَة "وَإِذَا جَاءُوك" أَيّهَا النَّبِيّ "حَيَّوْك بِمَا لَمْ يُحَيِّك بِهِ اللَّه" وَهُوَ قَوْلهمْ : السَّام عَلَيْك أَيْ الْمَوْت "وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسهمْ لَوْلَا" هَلَّا "يُعَذِّبنَا اللَّه بِمَا نَقُول" أَيْ بِمَا نَقُول مِنْ التَّحِيَّة وَأَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ إنْ كَانَ نَبِيًّا "حَسْبهمْ جَهَنَّم يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِير" هِيَ {10} إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "إنَّمَا النَّجْوَى" بِالْإِثْمِ وَنَحْوه أَيْ النَّجْوَى بِالْإِثْمِ وَنَحْوه "مِنْ الشَّيْطَان" بِغُرُورِهِ "لِيَحْزُن الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ" هُوَ "بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِ اللَّه" أَيْ إرَادَته {11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا" تَوَسَّعُوا "فِي الْمَجْلِس" مَجْلِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالذِّكْر حَتَّى يَجْلِس مَنْ جَاءَكُمْ وَفِي قِرَاءَة الْمَجَالِس "فَافْسَحُوا يَفْسَح اللَّه لَكُمْ" فِي الْجَنَّة "وَإِذَا قِيلَ اُنْشُزُوا" قُومُوا إلَى الصَّلَاة وَغَيْرهَا مِنْ الْخَيْرَات "فَانْشُزُوا" وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ الشِّين فِيهِمَا "يَرْفَع اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ" بِالطَّاعَةِ فِي ذَلِكَ "وَ" يَرْفَع "الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم دَرَجَات" فِي الْجَنَّة |
المجادلة {12} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُول" أَرَدْتُمْ مُنَاجَاته "فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ" قَبْلهَا "وَأَطْهَر" لِذُنُوبِكُمْ "فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا" مَا تَتَصَدَّقُونَ بِهِ "فَإِنَّ اللَّه غَفُور" لِمُنَاجَاتِكُمْ "رَحِيم" بِكُمْ يَعْنِي فَلَا عَلَيْكُمْ فِي الْمُنَاجَاة مِنْ غَيْر صَدَقَة ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : {13} أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ "أَأَشْفَقْتُمْ" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْن الْمُسَهَّلَة وَالْأُخْرَى وَتَرَكَهُ أَيْ خِفْتُمْ مِنْ "أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات" لِفَقْرٍ "فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا" الصَّدَقَة "وَتَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ" رَجَعَ بِكُمْ عَنْهَا "فَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله" أَيْ دَاوِمُوا عَلَى ذَلِكَ {14} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ "أَلَمْ تَرَ" تَنْظُر "إلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا" هُمْ الْمُنَافِقُونَ "قَوْمًا" هُمْ الْيَهُود "غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَا هُمْ" أَيْ الْمُنَافِقُونَ "مِنْكُمْ" مِنْ الْمُؤْمِنِينَ "وَلَا مِنْهُمْ" مِنْ الْيَهُود بَلْ هُمْ مُذَبْذَبُونَ "وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب" أَيْ قَوْلهمْ إنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ "وَهُمْ يَعْلَمُونَ" أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِيهِ {15} أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" مِنْ الْمَعَاصِي {16} اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ "اتَّخَذُوا أَيْمَانهمْ جُنَّة" سَتْرًا عَلَى أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ "فَصَدُّوا" بِهَا الْمُؤْمِنِينَ "عَنْ سَبِيل اللَّه" أَيْ الْجِهَاد فِيهِمْ بِقَتْلِهِمْ وَأَخْذ أَمْوَالهمْ "فَلَهُمْ عَذَاب مُهِين" ذُو إهَانَة {17} لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "لَنْ تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه" مِنْ عَذَابه "شَيْئًا" مِنْ الْإِغْنَاء {18} يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ "يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ" أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ "كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء" مِنْ نَفْع حَلِفهمْ فِي الْآخِرَة كَالدُّنْيَا {19} اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ "اسْتَحْوَذَ" اسْتَوْلَى "عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان" بِطَاعَتِهِمْ لَهُ "فَأَنْسَاهُمْ ذِكْر اللَّه أُولَئِكَ حِزْب الشَّيْطَان" أَتْبَاعه {20} إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ "إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ" يُخَالِفُونَ "اللَّه وَرَسُوله أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ" الْمَغْلُوبِينَ {21} كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ "كَتَبَ اللَّه" فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَوْ قَضَى "لَأَغْلِبَن أَنَا وَرُسُلِي" بِالْحُجَّةِ أَوْ السَّيْف |
المجادلة {22} لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "لَا تَجِد قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر يُوَادُّونَ" يُصَادِقُونَ "مَنْ حَادَّ اللَّه وَرَسُوله وَلَوْ كَانُوا" أَيْ الْمُحَادُّونَ "آبَاءَهُمْ" أَيْ الْمُؤْمِنِينَ "أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانهمْ أَوْ عَشِيرَتهمْ" بَلْ يَقْصِدُونَهُمْ بِالسُّوءِ وَيُقَاتِلُونَهُمْ عَلَى الْإِيمَان كَمَا وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ "أُولَئِكَ" الَّذِينَ لَا يُوَادُّونَهُمْ "كَتَبَ" أَثْبَتَ "فِي قُلُوبهمْ الْإِيمَان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ" بِنُورٍ "مِنْهُ" تَعَالَى "وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ" بِطَاعَتِهِ "وَرَضُوا عَنْهُ" بِثَوَابِهِ "أُولَئِكَ حِزْب اللَّه" يَتَّبِعُونَ أَمْره وَيَجْتَنِبُونَ نَهْيه "أَلَا إنَّ حِزْب اللَّه هُمْ الْمُفْلِحُونَ" الْفَائِزُونَ |
بارك الله فيك
|
اقتباس:
|
جزاك الله خيرا
|
تفسير سورة الحديد {1} سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سُورَة الْحَدِيد [ مَكِّيَّة أَوْ مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا تِسْع وَعِشْرُونَ ] "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض" أَيْ نَزَّهَهُ كُلّ شَيْء فَاللَّام مَزِيدَة وَجِيءَ بِمَا دُون مِنْ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ "وَهُوَ الْعَزِيز" فِي مُلْكه "الْحَكِيم" فِي صُنْعه {2} لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض يُحْيِي" بِالْإِنْشَاءِ "وَيُمِيت" بَعْده {3} هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "هُوَ الْأَوَّل" قَبْل كُلّ شَيْء بِلَا بِدَايَةٍ "وَالْآخِر" بَعْد كُلّ شَيْء بِلَا نِهَايَة "وَالظَّاهِر" بِالْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ "وَالْبَاطِن" عَنْ إدْرَاك الْحَوَاسّ |
الحديد {4} هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام" مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش" الْكُرْسِيّ اسْتِوَاء يَلِيق بِهِ "يَعْلَم مَا يَلِج" يَدْخُل "فِي الْأَرْض" كَالْمَطَرِ وَالْأَمْوَات "وَمَا يَخْرُج مِنْهَا" كَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِن "وَمَا يَنْزِل مِنْ السَّمَاء" كَالرَّحْمَةِ وَالْعَذَاب "وَمَا يَعْرُج" يَصْعَد "فِيهَا" كَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة وَالسَّيِّئَة "وَهُوَ مَعَكُمْ" بِعِلْمِهِ {5} لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ "لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور" الْمَوْجُودَات جَمِيعهَا {6} يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ "يُولِج اللَّيْل" يُدْخِلهُ "فِي النَّهَار" فَيَزِيد وَيَنْقُص اللَّيْل "وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل" فَيَزِيد وَيَنْقُص النَّهَار "وَهُوَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور" بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَسْرَار وَالْمُعْتَقَدَات {7} آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ "آمِنُوا" دَاوَمُوا عَلَى الْإِيمَان "بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَأَنْفَقُوا" فِي سَبِيل اللَّه "مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" مِنْ مَال مَنْ تَقَدَّمَكُمْ وَسَيَخْلُفُكُمْ فِيهِ مَنْ بَعْدكُمْ نَزَلَ فِي غَزْوَة الْعُسْرَة وَهِيَ غَزْوَة تَبُوك "فَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا" إشَارَة إلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ {8} وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ" خِطَاب لِلْكُفَّارِ أَيْ لَا مَانِع لَكُمْ مِنْ الْإِيمَان "بِاَللَّهِ وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أُخِذَ" بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْر الْخَاء وَبِفَتْحِهَا وَنَصْب مَا بَعْده "مِيثَاقكُمْ" عَلَيْهِ أَيْ أَخَذَهُ اللَّه فِي عَالَم الذَّرّ حِين أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ "إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" أَيْ مُرِيدِينَ الْإِيمَان بِهِ فَبَادِرُوا إلَيْهِ {9} هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ "هُوَ الَّذِي يُنَزِّل عَلَى عَبْده آيَات بَيِّنَات" آيَات الْقُرْآن "لِيُخْرِجكُمْ مِنْ الظُّلُمَات" الْكُفْر "إلَى النُّور" الْإِيمَان "وَإِنَّ اللَّه بِكُمْ" أَيْ فِي إخْرَاجكُمْ مِنْ الْكُفْر إلَى الْإِيمَان {10} وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ "وَمَا لَكُمْ" وَمَا حَالكُمْ بَعْد إيمَانكُمْ "أَلَّا" فِيهِ إدْغَام نُون أَنْ فِي لَام لَا "تُنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلِلَّهِ مِيرَاث السَّمَاوَات وَالْأَرْض" بِمَا فِيهِمَا فَتَصِل إلَيْهِ أَمْوَالكُمْ مِنْ غَيْر أَجْر الْإِنْفَاق بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْفَقْتُمْ فَتُؤْجَرُونَ "لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح" لِمَكَّة "وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَم دَرَجَة مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْد وَقَاتَلُوا وَكُلًّا" مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي قِرَاءَة بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأ "وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى" الْجَنَّة "وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير" فَيُجَازِيكُمْ بِهِ {11} مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه" بِإِنْفَاقِ مَاله فِي سَبِيل اللَّه "قَرْضًا حَسَنًا" بِأَنْ يُنْفِقهُ لِلَّهِ "فَيُضَاعِفهُ" وَفِي قِرَاءَة فَيُضَعِّفهُ بِالتَّشْدِيدِ "لَهُ" مِنْ عَشْر إلَى أَكْثَر مِنْ سَبْعمِائَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْبَقَرَة "وَلَهُ" مَعَ الْمُضَاعَفَة "أَجْر كَرِيم" مُقْتَرِن بِهِ رِضَا وَإِقْبَال |
الحديد {12} يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ اُذْكُرْ "يَوْم تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات يَسْعَى نُورهمْ بَيْن أَيْدِيهمْ" أَمَامهمْ "و" يَكُون "بِأَيْمَانِهِمْ" وَيُقَال لَهُمْ : "بُشْرَاكُمْ الْيَوْم جَنَّات" أَيْ اُدْخُلُوهَا {13} يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ "يَوْم يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات لِلَّذِينَ آمَنُوا اُنْظُرُونَا" أَبْصِرُونَا وَفِي قِرَاءَة بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الظَّاء : أَمْهِلُونَا "نَقْتَبِس" نَأْخُذ الْقَبَس وَالْإِضَاءَة "مِنْ نُوركُمْ قِيلَ" "لَهُمْ اسْتِهْزَاء بِهِمْ "رْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا " فَرَجَعُوا "فَضُرِبَ بَيْنهمْ " وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ "بِسُورٍ " قِيلَ هُوَ سُور الْأَعْرَاف "لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة " مِنْ جِهَة الْمُؤْمِنِينَ "وَظَاهِره " مِنْ جِهَة الْمُنَافِقِينَ {14} يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ "يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ " عَلَى الطَّاعَة "قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسكُمْ " بِالنِّفَاقِ "وَتَرَبَّصْتُمْ" بِالْمُؤْمِنِينَ الدَّوَائِر "وَارْتَبْتُمْ " شَكَكْتُمْ فِي دِين الْإِسْلَام "وَغَرَّتْكُمْ الْأَمَانِيّ " الْأَطْمَاع "حَتَّى جَاءَ أَمْر اللَّه" الْمَوْت "وَغَرَّكُمْ بِاَللَّهِ الْغَرُور " الشَّيْطَان {15} فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ "فَالْيَوْم لَا يُؤْخَذ " بِالْيَاءِ وَالتَّاء "مِنْكُمْ فِدْيَة وَلَا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّار هِيَ مَوْلَاكُمْ " أَوْلَى بِكُمْ "وَبِئْسَ الْمَصِير" هِيَ {16} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ "أَلَمْ يَأْنِ " يَحِنْ "لِلَّذِينَ آمَنُوا" نَزَلَتْ فِي شَأْن الصَّحَابَة لَمَّا أَكْثَرُوا الْمِزَاح "أَنْ تَخْشَع قُلُوبهمْ لِذِكْرِ اللَّه وَمَا نَزَّلَ " بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "مِنْ الْحَقّ " الْقُرْآن "وَلَا يَكُونُوا " مَعْطُوف عَلَى تَخْشَع "كَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْل " هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى "فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَد " الزَّمَن بَيْنهمْ وَبَيْن أَنْبِيَائِهِمْ "فَقَسَتْ قُلُوبهمْ " لَمْ تَلِنْ لِذِكْرِ اللَّه {17} اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "اعْلَمُوا " خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ الْمَذْكُورِينَ "أَنَّ اللَّه يُحْيِي الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا " بِالنَّبَاتِ فَكَذَلِكَ يَفْعَل بِقُلُوبِكُمْ يَرُدّهَا إلَى الْخُشُوع "قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَات" الدَّالَّة عَلَى قُدْرَتنَا بِهَذَا وَغَيْره {18} إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ "إنَّ الْمُصَّدِّقِينَ" مِنْ التَّصَدُّق أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الصَّاد أَيْ الَّذِينَ تَصَدَّقُوا "وَالْمُصَّدِّقَات" اللَّاتِي تَصَدَّقْنَ وَفِي قِرَاءَة بِتَخْفِيفِ الصَّاد فِيهِمَا مِنْ التَّصْدِيق وَالْإِيمَان "وَأَقْرَضُوا اللَّه قَرْضًا حَسَنًا " رَاجِع إلَى الذُّكُور وَالْإِنَاث بِالتَّغْلِيبِ وَعَطَفَ الْفِعْل عَلَى الِاسْم فِي صِلَة أَلْ لِأَنَّهُ فِيهَا حَلَّ مَحَلّ الْفِعْل وَذَكَرَ الْقَرْض بِوَصْفِهِ بَعْد التَّصَدُّق تَقْيِيد لَهُ "يُضَاعَف " وَفِي قِرَاءَة يُضَعِّف بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَرْضهمْ |
الحديد {19} وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ "وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله أُولَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ " الْمُبَالِغُونَ فِي التَّصْدِيق "وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبّهمْ " عَلَى الْمُكَذِّبِينَ مِنْ الْأُمَم "لَهُمْ أَجْرهمْ وَنُورهمْ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا " الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّتنَا "أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم " النَّار {20} اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو وَزِينَة " تَزْيِين "وَتَفَاخُر بَيْنكُمْ وَتَكَاثُر فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد " أَيْ الِاشْتِغَال فِيهَا وَأَمَّا الطَّاعَات وَمَا يُعِين عَلَيْهَا فَمِنْ أُمُور الْآخِرَة "كَمَثَلِ" أَيْ هِيَ فِي إعْجَابهَا لَكُمْ وَاضْمِحْلَالهَا كَمَثَلِ "غَيْث " مَطَر "أَعْجَبَ الْكُفَّار " الزُّرَّاع "نَبَاته " النَّاشِئ عَنْهُ "ثُمَّ يَهِيج" يَيْبَس "فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُون حُطَامًا " فُتَاتًا يَضْمَحِلّ بِالرِّيَاحِ "وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد " لِمَنْ آثَرَ عَلَيْهَا الدُّنْيَا "وَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرِضْوَان " لِمَنْ لَمْ يُؤْثِر عَلَيْهَا الدُّنْيَا "وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا" مَا التَّمَتُّع فِيهَا {21} سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ وَجَنَّة عَرْضهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْض " لَوْ وُصِلَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَالْعَرْض : السَّعَة {22} مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الْأَرْض " بِالْجَدْبِ "وَلَا فِي أَنْفُسكُمْ" كَالْمَرَضِ وَفَقْد الْوَلَد "إلَّا فِي كِتَاب" يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ "مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأهَا " نَخْلُقهَا وَيُقَال فِي النِّعْمَة كَذَلِكَ {23} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ "لِكَيْلَا " كَيْ نَاصِبَة لِلْفِعْلِ بِمَعْنَى أَنْ أَيْ أَخْبَرَ تَعَالَى بِذَلِكَ لِئَلَّا "تَأْسَوْا" تَحْزَنُوا "عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا " فَرَح بَطَر بَلْ فَرَح شُكْر عَلَى النِّعْمَة "بِمَا آتَاكُمْ" بِالْمَدِّ أَعْطَاكُمْ وَبِالْقَصْرِ جَاءَكُمْ مِنْهُ "وَاَللَّه لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَال" مُتَكَبِّر بِمَا أُوتِيَ "فَخُور" بِهِ عَلَى النَّاس {24} الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ "الَّذِينَ يَبْخَلُونَ " بِمَا يَجِب عَلَيْهِمْ "وَيَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبُخْلِ" بِهِ لَهُمْ وَعِيد شَدِيد "وَمَنْ يَتَوَلَّ" عَمَّا يَجِب عَلَيْهِ "فَإِنَّ اللَّه هُوَ" ضَمِير فَصْل وَفِي قِرَاءَة بِسُقُوطِهِ "الْغَنِيّ " عَنْ غَيْره "الْحَمِيد" لِأَوْلِيَائِهِ |
تفسير سورة الواقعة {1} إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ سُورَة الْوَاقِعَة [ مَكِّيَّة إلَّا آيَتَيْ 81 و 82 فَمَدَنِيَّتَانِ ] "وَآيَاتهَا 96 و 97 و 99" "إذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَة" قَامَتْ الْقِيَامَة {2} لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ "لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة" نَفْس تَكْذِب بِأَنْ تَنْفِيهَا كَمَا نَفَتْهَا فِي الدُّنْيَا {3} خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ "خَافِضَة رَافِعَة" أَيْ هِيَ مُظْهِرَة لِخَفْضِ أَقْوَام بِدُخُولِهِمْ النَّار وَلِرَفْعِ آخَرِينَ بِدُخُولِهِمْ الْجَنَّة {4} إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا "إذَا رُجَّتْ الْأَرْض رَجًّا" حُرِّكَتْ حَرَكَة شَدِيدَة وَإِذَا هَذِهِ بَدَل مِنْ الْأُولَى {5} وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا "وَبُسَّتْ الْجِبَال بَسًّا" فُتِّتَتْ {6} فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا "فَكَانَتْ هَبَاء" غُبَارًا "مُنْبَثًّا" مُنْتَشِرًا {7} وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً "وَكُنْتُمْ" فِي الْقِيَامَة "أَزْوَاجًا" أَصْنَافًا {8} فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ "فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة" وَهُمْ الَّذِينَ يُؤْتُونَ كُتُبهمْ بِأَيْمَانِهِمْ مُبْتَدَأ خَبَره "مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة" تَعْظِيم لِشَأْنِهِمْ بِدُخُولِهِمْ الْجَنَّة {9} وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ "وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة" أَيْ الشِّمَال بِأَنْ يُؤْتَى كُلّ مِنْهُمْ كِتَابه بِشِمَالِهِ "مَا أَصْحَاب الْمَشْأَمَة" تَحْقِير لِشَأْنِهِمْ بِدُخُولِهِمْ النَّار {10} وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ "وَالسَّابِقُونَ" إلَى الْخَيْر وَهُمْ الْأَنْبِيَاء مُبْتَدَأ "السَّابِقُونَ" تَأْكِيد لِتَعْظِيمِ شَأْنهمْ {13} ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ "ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ" مُبْتَدَأ أَيْ جَمَاعَة مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة {14} وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ "وَقَلِيل مِنْ الْآخِرِينَ" مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ السَّابِقُونَ مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة وَهَذِهِ الْأُمَّة وَالْخَبَر {15} عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ "عَلَى سُرَر مَوْضُونَة" مَنْسُوجَة بِقُضْبَانِ الذَّهَب وَالْجَوَاهِر {16} مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ "مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ" حَالَانِ مِنْ الضَّمِير فِي الْخَبَر |
الواقعة {17} يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ "يَطُوف عَلَيْهِمْ" لِلْخِدْمَةِ "وِلْدَان مُخَلَّدُونَ" عَلَى شَكْل الْأَوْلَاد لَا يَهْرَمُونَ {18} بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ "بِأَكْوَابٍ" أَقْدَاح لَا عُرَا لَهَا "وَأَبَارِيق" لَهَا عُرَا وَخَرَاطِيم "وَكَأْس" إنَاء شُرْب الْخَمْر "مِنْ مَعِين" أَيْ خَمْر جَارِيَة مِنْ مَنْبَع لَا يَنْقَطِع أَبَدًا {19} لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ "لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزَفُونَ" بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْرهَا مِنْ نَزَفَ الشَّارِب وَأَنْزَفَ أَيْ لَا يَحْصُل لَهُمْ مِنْهَا صُدَاع وَلَا ذَهَاب عَقْل بِخِلَافِ خَمْر الدُّنْيَا {21} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ "وَلَحْم طَيْر مِمَّا يَشْتَهُونَ" لَهُمْ لِلِاسْتِمْتَاعِ {22} وَحُورٌ عِينٌ "وَحُور" نِسَاء شَدِيدَات سَوَاد الْعُيُون وَبَيَاضهَا "عِين" ضِخَام الْعُيُون كُسِرَتْ عَيْنه بَدَل ضَمّهَا لِمُجَانَسَةِ الْيَاء وَمُفْرَده عَيْنَاء كَحَمْرَاء وَفِي قِرَاءَة بِجَرِّ حُور عِين {23} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ "كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون" الْمَصُون {24} جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "جَزَاء" مَفْعُول لَهُ أَوْ مَصْدَر وَالْعَامِل الْمُقَدَّر أَيْ جَعَلْنَا لَهُمْ مَا ذُكِرَ لِلْجَزَاءِ أَوْ جَزَيْنَاهُمْ {25} لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا "لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا" فِي الْجَنَّة "لَغْوًا" فَاحِشًا مِنْ الْكَلَام "وَلَا تَأْثِيمًا" مَا يُؤْثِم {26} إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا "إلَّا" لَكِنْ "قِيلًا" قَوْلًا "سَلَامًا سَلَامًا" بَدَل مِنْ قِيلًا فَإِنَّهُمْ يَسْمَعُونَهُ {28} فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ "فِي سِدْر" شَجَر النَّبْق "مَخْضُود" لَا شَوْك فِيهِ {29} وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ "وَطَلْح" شَجَر الْمَوْز "مَنْضُود" بِالْحَمْلِ مِنْ أَسْفَله إلَى أَعْلَاهُ {30} وَظِلٍّ مَمْدُودٍ "وَظِلّ مَمْدُود" دَائِم {31} وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ "وَمَاء مَسْكُوب" جَارٍ دَائِمًا {33} لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ "لَا مَقْطُوعَة" فِي زَمَن "وَلَا مَمْنُوعَة" بِثَمَنٍ {34} وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ "وَفُرُش مَرْفُوعَة" عَلَى السُّرَر {35} إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً "إنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء" أَيْ الْحُور الْعِين مِنْ غَيْر وِلَادَة {36} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا "فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا" عَذَارَى كُلَّمَا أَتَاهُنَّ أَزْوَاجهنَّ وَجَدُوهُنَّ عَذَارَى وَلَا وَجَع {37} عُرُبًا أَتْرَابًا "عُرُبًا" بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُونهَا جَمْع عُرُوب وَهِيَ الْمُتَحَبِّبَة إلَى زَوْجهَا عِشْقًا لَهُ "أَتْرَابًا" جَمْع تِرْب أَيْ مُسْتَوِيَات فِي السِّنّ {38} لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ "لِأَصْحَابِ الْيَمِين" صِلَة أَنْشَأْنَاهُنَّ أَوْ جَعَلْنَاهُنَّ وَهُمْ : "ثُلَّة مِنْ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّة مِنْ الْآخِرِينَ" {42} فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ "فِي سَمُوم" رِيح حَارَّة مِنْ النَّار تَنْفُذ فِي الْمَسَامّ "وَحَمِيم" مَاء شَدِيد الْحَرَارَة {43} وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ "وَظِلّ مِنْ يَحْمُوم" دُخَان شَدِيد السَّوَاد {44} لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ "لَا بَارِد" كَغَيْرِهِ مِنْ الظِّلَال "وَلَا كَرِيم" حَسَن الْمَنْظَر {45} إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ "إنَّهُمْ كَانُوا قَبْل ذَلِك" فِي الدُّنْيَا "مُتْرَفِينَ" مُنَعَّمِينَ لَا يَتْعَبُونَ فِي الطَّاعَة {46} وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ "وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْث" الذَّنْب "الْعَظِيم" أَيْ الشِّرْك {47} وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ "وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ" فِي الْهَمْزَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ التَّحْقِيق وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ {48} أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ "أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ" بِفَتْحِ الْوَاو لِلْعَطْفِ وَالْهَمْزَة لِلِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا قَبْله لِلِاسْتِبْعَادِ وَفِي قِرَاءَة بِسُكُونِ الْوَاو عَطْفًا بِأَوْ وَالْمَعْطُوف عَلَيْهِ مَحَلّ إنَّ وَاسْمهَا {50} لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ "لَمَجْمُوعُونَ إلَى مِيقَات" لِوَقْتِ "يَوْم مَعْلُوم" أَيْ يَوْم الْقِيَامَة |
الواقعة {52} لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ "لَآكِلُونَ مِنْ شَجَر مِنْ زَقُّوم" بَيَان لِلشَّجَرِ {53} فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ "فَمَالِئُونَ مِنْهَا" مِنْ الشَّجَر {54} فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ "فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ" أَيْ الزَّقُّوم الْمَأْكُول {55} فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ "فَشَارِبُونَ شَرْب" بِفَتْحِ الشِّين وَضَمّهَا مَصْدَر "الْهِيم" الْإِبِل الْعِطَاش جَمْع هَيْمَان لِلذَّكَرِ وَهَيْمَى لِلْأُنْثَى كَعَطْشَان وَعَطْشَى {56} هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ "هَذَا نُزُلهمْ" مَا أُعِدَّ لَهُمْ "يَوْم الدِّين" يَوْم الْقِيَامَة {57} نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ "نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ" أَوَجَدْنَاكُمْ مِنْ عَدَم "فَلَوْلَا" هَلَّا "تُصَدِّقُونَ" بِالْبَعْثِ إذْ الْقَادِر عَلَى الْإِنْشَاء قَادِر عَلَى الْإِعَادَة {58} أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ "أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ" تُرِيقُونَ مِنْ الْمَنِيّ فِي أَرْحَام النِّسَاء {59} أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ "أَأَنْتُمْ" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْن الْمُسَهَّلَة وَالْأُخْرَى وَتَرْكه فِي الْمَوَاضِع الْأُخْرَى "تَخْلُقُونَهُ" أَيْ الْمَنِيّ بَشَرًا {60} نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ "نَحْنُ قَدَّرْنَا" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "بَيْنكُمْ الْمَوْت وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ" بِعَاجِزِينَ {61} عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ "عَلَى" عَنْ "أَنْ نُبَدِّل" نَجْعَل "أَمْثَالكُمْ" مَكَانكُمْ "وَنُنْشِئكُمْ" نَخْلُقكُمْ "فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ" مِنْ الصُّوَر كَالْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِير {62} وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ "وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَة الْأُولَى" وَفِي قِرَاءَة بِسُكُونِ الشِّين "فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ" فِيهِ إدْغَام التَّاء الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِي الذَّال {63} أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ "أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ" تُثِيرُونَ فِي الْأَرْض وَتُلْقُونَ الْبَذْر فِيهَا {64} أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ "أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ" تُنْبِتُونَهُ {65} لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ "لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا" نَبَاتًا يَابِسًا لَا حَبّ فِيهِ "فَظَلْتُمْ" أَصْله ظَلِلْتُمْ بِكَسْرِ اللَّام حُذِفَتْ تَخْفِيفًا أَيْ أَقَمْتُمْ نَهَارًا "تَفَكَّهُونَ" حُذِفَتْ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأَصْل تَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ وَتَقُولُونَ : {66} إِنَّا لَمُغْرَمُونَ "إنَّا لَمُغْرَمُونَ" نَفَقَة زَرْعنَا {67} بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ "بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ" مَمْنُوعُونَ رِزْقنَا {69} أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ "أَأَنْتُمْ أَنَزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْن" السَّحَاب جَمْع مُزْنَة {70} لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ "لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا" مِلْحًا لَا يُمْكِن شُرْبه "فَلَوْلَا" هَلَّا {71} أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ "أَفَرَأَيْتُمْ النَّار الَّتِي تُورُونَ" تُخْرِجُونَ مِنْ الشَّجَر الْأَخْضَر {72} أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ "أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتهَا" كَالْمَرْخِ وَالْعَفَار والكلخ {73} نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ "نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَة" لِنَارِ جَهَنَّم "وَمَتَاعًا" بِلُغَةٍ "لِلْمُقْوِينَ" لِلْمُسَافِرِينَ مِنْ أَقْوَى الْقَوْم : أَيْ صَارُوا بالقوا بِالْقَصْرِ وَالْمَدّ أَيْ الْقَفْر وَهُوَ مَفَازَة لَا نَبَات فِيهَا وَلَا مَاء {74} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ "فَسَبِّحْ" نَزِّهْ "بِاسْمِ" زَائِدَة "رَبّك الْعَظِيم" اللَّه {75} فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ "فَلَا أُقْسِم" لَا زَائِدَة "بِمَوَاقِع النُّجُوم" بِمَسَاقِطِهَا لِغُرُوبِهَا {76} وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ "وَإِنَّهُ" أَيْ الْقَسَم بِهَا "لَقَسَم لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم" لَوْ كُنْتُمْ مِنْ ذَوِي الْعِلْم لَعَلِمْتُمْ عِظَم هَذَا الْقَسَم |
الواقعة {77} إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ "إنَّهُ" أَيْ الْمَتْلُوّ عَلَيْكُمْ {78} فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ "فِي كِتَاب" مَكْتُوب "مَكْنُون" مَصُون وَهُوَ الْمُصْحَف {79} لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ "لَا يَمَسّهُ" خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي "إلَّا الْمُطَهَّرُونَ" الَّذِينَ طَهَّرُوا أَنْفُسهمْ مِنْ الْأَحْدَاث {80} تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ "تَنْزِيل" مُنَزَّل {81} أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ "أَفَبِهَذَا الْحَدِيث" الْقُرْآن "أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ" مُتَهَاوِنُونَ مُكَذِّبُونَ {82} وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ "وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ" مِنْ الْمَطَر أَيْ شُكْره "أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" بِسُقْيَا اللَّه حَيْثُ قُلْتُمْ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا {83} فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ "فَلَوْلَا" فَهَلَّا "إذَا بَلَغَتْ" الرُّوح وَقْت النَّزْع "الْحُلْقُوم" هُوَ مَجْرَى الطَّعَام {84} وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ "وَأَنْتُمْ" يَا حَاضِرِي الْمَيِّت "حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ" تَنْظُرُونَ إلَيْهِ {85} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ "وَنَحْنُ أَقْرَب إلَيْهِ مِنْكُمْ" بِالْعِلْمِ "وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ" مِنْ الْبَصِيرَة أَيْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ {86} فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ "فَلَوْلَا" فَهَلَّا "إنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ" مَجْزِيِّينَ بِأَنْ تُبْعَثُوا أَيْ غَيْر مَبْعُوثِينَ بِزَعْمِكُمْ {87} تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "تَرْجِعُونَهَا" تَرُدُّونَ الرُّوح إلَى الْجَسَد بَعْد بُلُوغ الْحُلْقُوم "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِيمَا زَعَمْتُمْ فَلَوْلَا الثَّانِيَة تَأْكِيد لِلْأُولَى وَإِذَا ظَرْف لِتَرْجِعُونَ الْمُتَعَلِّق بِهِ الشَّرْطَانِ وَالْمَعْنَى : هَلَّا تَرْجِعُونَهَا إنْ نَفَيْتُمْ الْبَعْث صَادِقِينَ فِي نَفْيه أَيْ لِيَنْتَفِيَ عَنْ مَحِلّهَا الْمَوْت كَالْبَعْثِ {88} فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ "فَأَمَّا إنْ كَانَ" الْمَيِّت {89} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ "فَرَوْح" أَيْ فَلَهُ اسْتِرَاحَة "وَرَيْحَان" أَيْ رِزْق حَسَن "وَجَنَّة نَعِيم" وَهَلْ الْجَوَاب لِأَمَّا أَوْ لإنْ أَوْ لَهُمَا ؟ أَقْوَال . {91} فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ "فَسَلَام لَك" أَيْ لَهُ السَّلَامَة مِنْ الْعَذَاب "مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين" مِنْ جِهَة أَنَّهُ مِنْهُمْ {95} إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ "إنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين" مِنْ إضَافَة الْمَوْصُوف إلَى صِفَته {96} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ "فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبّك الْعَظِيم" تَقَّدَمَ |
تفسير سورة الرحمن {1} الرَّحْمَنُ سُورَة الرَّحْمَن [ مَكِّيَّة إلَّا آيَة 29 فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا سِتّ أَوْ ثَمَان وَسَبْعُونَ آيَة ] "الرَّحْمَن" اللَّه تَعَالَى {2} عَلَّمَ الْقُرْآنَ "عَلَّمَ" مَنْ شَاءَ {3} خَلَقَ الْإِنْسَانَ "خَلَقَ الْإِنْسَان" أَيْ الْجِنْس {4} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ "عَلَّمَهُ الْبَيَان" النُّطْق {5} الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ "الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ" يَجْرِيَانِ {6} وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ "وَالنَّجْم" مَا لَا سَاقَ لَهُ مِنْ النَّبَات "وَالشَّجَر" مَا لَهُ سَاق "يَسْجُدَانِ" يَخْضَعَانِ لِمَا يُرَاد مِنْهُمَا {7} وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ "وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَان" أَثْبَت الْعَدْل {8} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ "أَلَّا تَطْغَوْا" أَيْ لِأَجْلِ أَنْ لَا تَجُورُوا "فِي الْمِيزَان" مَا يُوزَن بِهِ {9} وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ "وَأَقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ" بِالْعَدْلِ "وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَان" تُنْقِصُوا الْمَوْزُون {10} وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ "وَالْأَرْض وَضَعَهَا" أَثْبَتَهَا "لِلْأَنَامِ" لِلْخَلْقِ الْإِنْس وَالْجِنّ وَغَيْرهمْ {11} فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ "فِيهَا فَاكِهَة وَالنَّخْل" الْمَعْهُود "ذَات الْأَكْمَام" أَوْعِيَة طَلْعهَا {12} وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ "وَالْحَبّ" كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِير "ذُو الْعَصْف" التِّبْن "وَالرَّيْحَان" الْوَرَق الْمَشْمُوم {13} فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ "فَبِأَيِّ آلَاء" نِعَم "رَبّكُمَا" أَيّهَا الْإِنْس وَالْجِنّ "تُكَذِّبَانِ" ذُكِرَتْ إحْدَى وَثَلَاثِينَ مَرَّة وَالِاسْتِفْهَام فِيهَا لِلتَّقْرِيرِ لِمَا رَوَى الْحَاكِم عَنْ جَابِر قَالَ : "قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَة الرَّحْمَن حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ : مَالِي أَرَاكُمْ سُكُوتًا لَلْجِنّ كَانُوا أَحْسَن مِنْكُمْ رَدًّا مَا قَرَأْت عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ مَرَّة "فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ" إلَّا قَالُوا : وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمك رَبّنَا نُكَذِّب فَلَك الْحَمْد {14} خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ "خَلَقَ الْإِنْسَان" آدَم "مِنْ صَلْصَال" طِين يَابِس يُسْمَع لَهُ صَلْصَلَة أَيْ صَوْت إذَا نُقِرَ "كَالْفَخَّارِ" وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ طِين {15} وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ "وَخَلَقَ الْجَانّ" أَبَا الْجِنّ وَهُوَ إبْلِيس "مِنْ مَارِج مِنْ نَار" هُوَ لَهَبهَا الْخَالِص مِنْ الدُّخَان |
الرحمن {17} رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ "رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ" مَشْرِق الشِّتَاء وَمَشْرِق الصَّيْف "وَرَبّ الْمَغْرِبَيْنِ" مَغْرِب الصَّيْف وَمَغْرِب الشِّتَاء {19} مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ "مَرَجَ" أَرْسَلَ "الْبَحْرَيْنِ" الْعَذْب وَالْمِلْح "يَلْتَقِيَانِ" فِي رَأْي الْعَيْن {20} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ "بَيْنهمَا بَرْزَخ" حَاجِز مِنْ قُدْرَته تَعَالَى "لَا يَبْغِيَانِ" لَا يَبْغِي وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى الْآخَر فَيَخْتَلِط بِهِ {22} يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ "يَخْرُج" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْفَاعِل "مِنْهُمَا" مِنْ مَجْمُوعهمَا الصَّادِق بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمِلْح "اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان" خَرَز أَحْمَر أَوْ صِغَار اللُّؤْلُؤ {24} وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ "وَلَهُ الْجَوَار" السُّفُن "الْمُنْشَآت" الْمُحْدَثَات "فِي الْبَحْر كَالْأَعْلَامِ" كَالْجِبَالِ عِظَمًا وَارْتِفَاعًا {26} كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ "كُلّ مَنْ عَلَيْهَا" أَيْ الْأَرْض مِنْ الْحَيَوَان "فَانٍ" هَالِك وَعَبَّرَ بِمَنْ تَغْلِيبًا لِلْعُقَلَاءِ {27} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ "وَيَبْقَى وَجْه رَبّك" ذَاته "ذُو الْجَلَال" الْعَظَمَة "وَالْإِكْرَام" لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنْعُمِهِ عَلَيْهِمْ {29} يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ "يَسْأَلهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض" بِنُطْقٍ أَوْ حَال : مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الْقُوَّة عَلَى الْعِبَادَة وَالرِّزْق وَالْمَغْفِرَة وَغَيْر ذَلِكَ "كُلّ يَوْم" وَقْت "هُوَ فِي شَأْن" أَمْر يُظْهِرهُ عَلَى وَفْق مَا قَدَّرَهُ فِي الْأَزَل مِنْ إحْيَاء وَإِمَاتَة وَإِعْزَاز وَإِذْلَال وَإِغْنَاء وَإِعْدَام وَإِجَابَة دَاعٍ وَإِعْطَاء سَائِل وَغَيْر ذَلِكَ {31} سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ "سَنَفْرُغُ لَكُمْ" سَنَقْصِدُ لِحِسَابِكُمْ "أَيّهَا الثَّقَلَانِ" الْإِنْس وَالْجِنّ {33} يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ "يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا" تَخْرُجُوا "مِنْ أَقْطَار" نَوَاحِي "السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَانْفُذُوا" أَمْر تَعْجِيز "لَا تَنْفُذُونَ إلَّا بِسُلْطَانٍ" بِقُوَّةٍ وَلَا قُوَّة لَكُمْ عَلَى ذَلِكَ {35} يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ "يُرْسَل عَلَيْكُمَا شُوَاظ مِنْ نَار" هُوَ لَهَبهَا الْخَالِص مِنْ الدُّخَان أَوْ مَعَهُ "وَنُحَاس" أَيْ دُخَان لَا لَهَب فِيهِ "فَلَا تَنْتَصِرَانِ" تَمْتَنِعَانِ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَسُوقكُمْ إلَى الْمَحْشَر {37} فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ "فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاء" انْفَرَجَتْ أَبْوَابًا لِنُزُولِ الْمَلَائِكَة "فَكَانَتْ وَرْدَة" أَيْ مِثْلهَا مُحْمَرَّة "كَالدِّهَانِ" كَالْأَدِيمِ الْأَحْمَر عَلَى خِلَاف الْعَهْد بِهَا وَجَوَاب إذَا فَمَا أَعْظَم الْهَوْل {39} فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ "فَيَوْمئِذٍ لَا يُسْأَل عَنْ ذَنْبه إنْس وَلَا جَانّ" عَنْ ذَنْبه وَيُسْأَلُونَ فِي وَقْت آخَر "فَوَرَبِّك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" وَالْجَانّ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي بِمَعْنَى الْجِنّ وَالْإِنْس فِيهِمَا بِمَعْنَى الْإِنْسِيّ |
الرحمن {41} يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ "يُعْرَف الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ" سَوَاد الْوُجُوه وَزُرْقَة الْعُيُون "فَيُؤْخَذ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَام" "فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ" تُضَمّ نَاصِيَة كُلّ مِنْهُمْ إلَى قَدَمَيْهِ مِنْ خَلْف أَوْ قُدَّام وَيُلْقَى فِي النَّار وَيُقَال لَهُمْ : "هَذِهِ جَهَنَّم الَّتِي يُكَذِّب بِهَا الْمُجْرِمُونَ" {44} يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ "يَطُوفُونَ" يَسْعَوْنَ "بَيْنهَا وَبَيْن حَمِيم" مَاء حَارّ "آنٍ" شَدِيد الْحَرَارَة يُسْقَوْنَهُ إذَا اسْتَغَاثُوا مِنْ حَرّ النَّار وَهُوَ مَنْقُوص كَقَاضٍ {46} وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ "وَلِمَنْ خَافَ" أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمْ "مَقَام رَبّه" قِيَامه بَيْن يَدَيْهِ لِلْحِسَابِ فَتَرَكَ مَعْصِيَته {48} ذَوَاتَا أَفْنَانٍ "ذَوَاتَا" تَثْنِيَة ذَوَات عَلَى الْأَصْل وَلَامهَا يَاء "أَفْنَان" أَغْصَان جَمْع فَنَن كَطَلَلٍ {52} فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ "فِيهِمَا مِنْ كُلّ فَاكِهَة" فِي الدُّنْيَا أَوْ كُلّ مَا يُتَفَكَّه بِهِ "زَوْجَانِ" نَوْعَانِ رَطْب وَيَابِس وَالْمُرّ مِنْهُمَا فِي الدُّنْيَا كَالْحَنْظَلِ حُلْو {54} مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ "مُتَّكِئِينَ" حَال عَامِله مَحْذُوف أَيْ يَتَنَعَّمُونَ "عَلَى فُرُش بَطَائِنهَا مِنْ إسْتَبْرَق" مَا غَلُظَ مِنْ الدِّيبَاج وَخَشُنَ وَالظَّهَائِر مِنْ السُّنْدُس "وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ" ثَمَرهمَا "دَانٍ" قَرِيب يَنَالهُ الْقَائِم وَالْقَاعِد وَالْمُضْطَجِع {56} فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ "فِيهِنَّ" فِي الْجَنَّتَيْنِ وَمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَلَالِيّ وَالْقُصُور "قَاصِرَات الطَّرْف" الْعَيْن عَلَى أَزْوَاجهنَّ الْمُتَّكِئِينَ مِنْ الْإِنْس وَالْجِنّ "لَمْ يَطْمِثهُنَّ" يَفْتَضّهُنَّ وَهُنَّ مِنْ الْحُور أَوْ مِنْ نِسَاء الدُّنْيَا الْمُنْشَآت {58} كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ "كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت" مِنْ صَفَاء "وَالْمَرْجَان" اللُّؤْلُؤ بَيَاضًا {60} هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ "هَلْ" مَا "جَزَاء الْإِحْسَان" بِالطَّاعَةِ "إلَّا الْإِحْسَان" بِالنَّعِيمِ {62} وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ "وَمِنْ دُونهمَا" مِنْ دُون الْجَنَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ "جَنَّتَانِ" أَيْضًا لِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه {64} مُدْهَامَّتَانِ "مُدْهَامَّتَانِ" سَوْدَاوَانِ مِنْ شِدَّة خُضْرَتهمَا {66} فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ "فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ" فَوَّارَتَانِ بِالْمَاءِ |
الرحمن {68} فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ "فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان" هُمَا مِنْهَا وَقِيلَ مِنْ غَيْرهَا {70} فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ "فِيهِنَّ" أَيْ الْجَنَّتَيْنِ وَمَا فِيهِمَا "خَيْرَات" أَخَلَاقهَا خَيِّرَة "حِسَان" حَسَنَة الْوُجُوه {72} حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ "حُور" شَدِيدَات سَوَاد الْعُيُون وَبَيَاضهَا" "مَقْصُورَات" مَسْتُورَات "فِي الْخِيَام" خِيَام مِنْ دُرّ مُجَوَّف مُضَافَة إلَى الْقُصُور شَبِيهَة بِالْخُدُورِ {74} لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ "لَمْ يَطْمِثهُنَّ إنْس قَبْلهمْ" قَبْل أَزْوَاجهنَّ {76} مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ "مُتَّكِئِينَ" أَيْ أَزْوَاجهمْ وَإِعْرَابه كَمَا تَقَدَّمَ "عَلَى رَفْرَف خُضْر" جَمْع رَفْرَفَة أَيْ بُسُط أَوْ وَسَائِد "وَعَبْقَرِيّ حِسَان" جَمْع عَبْقَرِيَّة أَيْ طَنَافِس {78} تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ "تَبَارَكَ اسْم رَبّك ذِي الْجَلَال وَالْإِكْرَام" تَقَّدَمَ وَلَفْظ اسْم زَائِد |
تفسير سورة القمر {1} اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ سُورَة الْقَمَر [ مَكِّيَّة إلَّا الْآيَة 45 فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا خَمْس وَخَمْسُونَ آيَة ] "اقْتَرَبَتِ السَّاعَة" قَرُبَتْ الْقِيَامَة "وَانْشَقَّ الْقَمَر" انْفَلَقَ فِلْقَتَيْنِ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَقَيْقَعَانَ آيَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَهَا فَقَالَ "اشْهَدُوا" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ {2} وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ "وَإِنْ يَرَوْا" أَيْ كُفَّار قُرَيْش "آيَة" مُعْجِزَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا" هَذَا "سِحْر مُسْتَمِرّ" قَوِيّ مِنْ الْمِرَّة : الْقُوَّة أَوْ دَائِم {3} وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ "وَكَذَّبُوا" النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ" فِي الْبَاطِل "وَكُلّ أَمْر" مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ "مُسْتَقِرّ" بِأَهْلِهِ فِي الْجَنَّة أَوْ النَّار {4} وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ "وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاء" أَخْبَار إهْلَاك الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهمْ "مَا فِيهِ مُزْدَجَر" لَهُمْ اسْم مَصْدَر أَوْ اسْم مَكَان وَالدَّال بَدَل مِنْ تَاء الِافْتِعَال وَازْدَجَرْته وَزَجَرْته : نَهَيْته بِغِلْظَةٍ وَمَا مَوْصُولَة أَوْ مَوْصُوفَة {5} حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ "حِكْمَة" خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَوْ بَدَل مِنْ مَا أَوْ مِنْ مُزْدَجَر "بَالِغَة" تَامَّة "فَمَا تُغْنِ" تَنْفَع فِيهِمْ مَا لِلنَّفْيِ أَوْ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيّ وَهِيَ عَلَى الثَّانِي مَفْعُول مُقَدَّم "النُّذُر" جَمْع نَذِير بِمَعْنَى مُنْذِر أَيْ الْأُمُور الْمُنْذِرَة لَهُمْ {6} فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ "فَتَوَلَّ عَنْهُمْ" هُوَ فَائِدَة مَا قَبْله وَتَمَّ بِهِ الْكَلَام "يَوْم يَدْعُ الدَّاعِي" هُوَ إسْرَافِيل وَنَاصِب يَوْم يَخْرُجُونَ بَعْد "إلَى شَيْء نُكُر" بِضَمِّ الْكَاف وَسُكُونهَا أَيْ مُنْكَر تُنْكِرهُ النُّفُوس وَهُوَ الْحِسَاب |
القمر {7} خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ "خُشَّعًا" أَيْ ذَلِيلًا وَفِي قِرَاءَة خُشَّعًا بِضَمِّ الْخَاء وَفَتْح الشِّين مُشَدَّدَة "أَبْصَارهمْ" حَال مِنْ الْفَاعِل "يَخْرُجُونَ" أَيْ النَّاس "مِنَ الْأَجْدَاث" الْقُبُور "كَأَنَّهُمْ جَرَاد مُنْتَشِر" لَا يَدْرُونَ أَيْنَ يَذْهَبُونَ مِنْ الْخَوْف وَالْحِيرَة وَالْجُمْلَة حَال مِنْ فَاعِل يَخْرُجُونَ {8} مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ "مُهْطِعِينَ" مُسْرِعِينَ مَادِّينِ أَعْنَاقهمْ "إلَى الدَّاعِ يَقُول الْكَافِرُونَ" مِنْهُمْ "هَذَا يَوْم عَسِر" صَعْب عَلَى الْكَافِرِينَ كَمَا فِي الْمُدَّثِّر "يَوْم عَسِير عَلَى الْكَافِرِينَ" {9} كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ "كَذَّبَتْ قَبْلهمْ" قَبْل قُرَيْش "قَوْم نُوح" وَتَأْنِيث الْفِعْل كَذَّبَتْ لِمَعْنَى قَوْم "فَكَذَّبُوا عَبْدنَا" نُوحًا "وَقَالُوا مَجْنُون وَازْدُجِرَ" انْتَهَرُوهُ بِالسَّبِّ وَغَيْره {10} فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ "فَدَعَا رَبّه أَنِّي" بِالْفَتْحِ أَيْ بِأَنِّي {11} فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ "فَفَتَحْنَا" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد "أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاءٍ مُنْهَمِر" مُنْصَبّ انْصِبَابًا شَدِيدًا {12} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ "وَفَجَّرْنَا الْأَرْض عُيُونًا" تَنْبُع "فَالْتَقَى الْمَاء" مَاء السَّمَاء وَالْأَرْض "عَلَى أَمْر" حَال "قَدْ قُدِرَ" قُضِيَ بِهِ فِي الْأَزَل وَهُوَ هَلَاكهمْ غَرَقًا {13} وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ "وَحَمَلْنَاهُ" أَيْ نُوحًا "عَلَى" سَفِينَة "ذَات أَلْوَاح وَدُسُر" وَهُوَ مَا تُشَدّ بِهِ الْأَلْوَاح مِنْ الْمَسَامِير وَغَيْرهَا وَأَحَدهَا دِسَار كَكِتَابٍ {14} تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا" بِمَرْأَى مِنَّا أَيْ مَحْفُوظَة "جَزَاء" مَنْصُوب بِفِعْلٍ مُقَدَّر أَيْ أُغْرِقُوا انْتِصَارًا "لِمَنْ كَانَ كُفِرَ" وَهُوَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وَقُرِئَ كَفَرَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ أُغْرِقُوا عِقَابًا لَهُمْ {15} وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ "وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا" أَبْقَيْنَا هَذِهِ الْفِعْلَة "آيَة" لِمَنْ يَعْتَبِر بِهَا أَيْ شَاعَ خَبَرهَا وَاسْتَمَرَّ "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر" مُعْتَبِر وَمُتَّعِظ بِهَا وَأَصْله مُذْتَكِرٌ أُبْدِلَتْ التَّاء دَالًا مُهْمَلَة وَكَذَا الْمُعْجَمَة وَأُدْغِمَتْ فِيهَا {16} فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ "فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر" أَيْ إنْذَارِي اسْتِفْهَام تَقْرِير وَكَيْفَ خَبَر كَانَ وَهِيَ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَال وَالْمَعْنَى حَمْل الْمُخَاطَبِينَ عَلَى الْإِقْرَار بِوُقُوعِ عَذَابه تَعَالَى بِالْمُكَذِّبِينَ لِنُوحٍ مَوْقِعه {17} وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن لِلذِّكْرِ" سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَهَيَّأْنَاهُ لِلتَّذَكُّرِ "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر" مُتَّعِظ بِهِ وَحَافِظ لَهُ وَالِاسْتِفْهَام بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ احْفَظُوهُ وَاتَّعِظُوا بِهِ وَلَيْسَ يُحْفَظ مِنْ كُتُب اللَّه عَنْ ظَهْر الْقَلْب غَيْره {18} كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ "كَذَّبَتْ عَاد" نَبِيّهمْ هُودًا فَعُذِّبُوا "فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر" إنْذَارِي لَهُمْ بِالْعَذَابِ قَبْل نُزُوله أَيْ وَقَعَ مَوْقِعه وَقَدْ بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي الْآيَة التَّالِيَة {19} إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ "إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا" أَيْ شَدِيدَة الصَّوْت "فِي يَوْم نَحْس" شُؤْم "مُسْتَمِرّ" دَائِم الشُّؤْم أَوْ قَوِيّه وَكَانَ يَوْم الْأَرْبِعَاء آخِر الشَّهْر {20} تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ "تَنْزِع النَّاس" تَقْلَعُهُمْ مِنْ حُفَر الْأَرْض الْمُنْدَسِّينَ فِيهَا وَتَصْرَعهُمْ عَلَى رُءُوسهمْ فَتَدُقّ رِقَابهمْ فَتُبَيِّن الرَّأْس عَنْ الْجَسَد "كَأَنَّهُمْ" وَحَالهمْ مَا ذُكِرَ "أَعْجَاز" أُصُول "نَخْل مُنْقَعِر" مُنْقَطِع سَاقِط عَلَى الْأَرْض وَشُبِّهُوا بِالنَّخْلِ لِطُولِهِمْ وَذُكِّرَ هُنَا وَأُنِّثَ فِي الْحَاقَّة "نَخْل خَاوِيَة" مُرَاعَاة لِلْفَوَاصِلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ {23} كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ "كَذَّبَتْ ثَمُود بِالنُّذُرِ" جَمْع نَذِير بِمَعْنَى مُنْذِر أَيْ بِالْأُمُورِ الَّتِي أَنْذَرَهُمْ بِهَا نَبِيّهمْ صَالِح إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَتَّبِعُوهُ {24} فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ "فَقَالُوا أَبَشَرًا" مَنْصُوب عَلَى الِاشْتِغَال "مِنَّا وَاحِدًا" صِفَتَانِ لبَشَرًا "نَتَّبِعهُ" مُفَسِّر لِلْفِعْلِ النَّاصِب لَهُ وَالِاسْتِفْهَام بِمَعْنَى النَّفْي الْمَعْنِيّ كَيْفَ نَتَّبِعهُ وَنَحْنُ جَمَاعَة كَثِيرَة وَهُوَ وَاحِد مِنَّا وَلَيْسَ بِمَلَكٍ أَيْ لَا نَتَّبِعهُ "إنَّا إذًا" إِنِ اتَّبَعْنَاهُ "لَفِي ضَلَال" ذَهَاب عَنْ الصَّوَاب "وَسُعُر" جُنُون {25} أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ "أَأُلْقِيَ" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَتَرْكه "الذِّكْر" الْوَحْي "عَلَيْهِ مِنْ بَيْننَا" أَيْ لَمْ يُوحَ إلَيْهِ "بَلْ هُوَ كَذَّاب" فِي قَوْله إنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ "أَشِر" مُتَكَبِّر بَطِر {26} سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ "سَيَعْلَمُونَ غَدًا" فِي الْآخِرَة "مَنِ الْكَذَّاب الْأَشِر" وَهُوَ هَمّ بِأَنْ يُعَذَّبُوا عَلَى تَكْذِيبهمْ نَبِيّهمْ صَالِحًا {27} إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ "إنَّا مُرْسِلُو النَّاقَة" مُخْرِجُوهَا مِنْ الْهَضْبَة الصَّخْرَة كَمَا سَأَلُوا "فِتْنَة" مِحْنَة "لَهُمْ" لِنَخْتَبِرهُمْ "فَارْتَقِبْهُمْ" يَا صَالِح أَيْ انْتَظِرْ مَا هُمْ صَانِعُونَ وَمَا يُصْنَع بِهِمْ "وَاصْطَبِرْ" الطَّاء بَدَل مِنْ تَاء الِافْتِعَال أَيْ اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ |
القمر {28} وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ "وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَة" مَقْسُوم "بَيْنهمْ" وَبَيْن النَّاقَة يَوْم لَهُمْ وَيَوْم لَهَا "كُلّ شِرْب" نَصِيب مِنْ الْمَاء "مُحْتَضَر" يَحْضُرهُ الْقَوْم يَوْمهمْ وَالنَّاقَة يَوْمهَا فَتَمَادَوْا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَلَّوْهُ فَهَمُّوا بِقَتْلِ النَّاقَة {29} فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ "فَنَادَوْا صَاحِبهمْ" قِدَارًا لِيَقْتُلهَا "فَتَعَاطَى" تَنَاوَلَ السَّيْف "فَعَقَرَ" بِهِ النَّاقَة أَيْ قَتَلَهَا مُوَافَقَة لَهُمْ {30} فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ "فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر" إنْذَارِي لَهُمْ بِالْعَذَابِ قَبْل نُزُوله أَيْ وَقَعَ مَوْقِعه وَبَيَّنَهُ تَعَالَى فِي الْآيَة التَّالِيَة {31} إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ "إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَة وَاحِدَة فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر" هُوَ الَّذِي يَجْعَل لِغَنَمِهِ حَظِيرَة مِنْ يَابِس الشَّجَر وَالشَّوْك يَحْفَظهُنَّ فِيهَا مِنْ الذِّئَاب وَالسِّبَاع وَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ فَدَاسَتْهُ هُوَ الْهَشِيم {33} كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ "كَذَّبَتْ قَوْم لُوط بِالنُّذُرِ" بِالْأُمُورِ الْمُنْذِرَة لَهُمْ عَلَى لِسَانه {34} إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ "إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا" رِيحًا تَرْمِيهِمْ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ صِغَار الْحِجَارَة الْوَاحِد دُون مِلْء الْكَفّ فَهَلَكُوا "إلَّا آل لُوط" وَهُمْ ابْنَتَاهُ مَعَهُ "نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ" مِنْ الْأَسْحَار وَقْت الصُّبْح مِنْ يَوْم غَيْر مُعَيَّن وَلَوْ أُرِيدَ مِنْ يَوْم مُعَيَّن لَمُنِعَ مِنَ الصَّرْف لِأَنَّهُ مَعْرِفَة مَعْدُول عَنْ السَّحَر لِأَنَّ حَقّه أَنْ يُسْتَعْمَل فِي الْمَعْرِفَة بِأَلْ وَهَلْ أُرْسِلَ الْحَاصِب عَلَى آل لُوط أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ وَعَبَّرَ عَنْ الِاسْتِثْنَاء عَلَى الْأَوَّل بِأَنَّهُ مُتَّصِل وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّهُ مُنْقَطِع وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجِنْس تَسَمُّحًا {35} نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ "نِعْمَة" مَصْدَر أَيْ إنْعَامًا "مِنْ عِنْدنَا كَذَلِكَ" أَيْ مِثْل ذَلِكَ الْجَزَاء "نَجْزِي مَنْ شَكَرَ" أَنْعَمْنَا وَهُوَ مُؤْمِن أَوْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَأَطَاعَهُمَا {36} وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ "وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ" خَوَّفَهُمْ لُوط "بَطْشَتنَا" أَخْذَتنَا إيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ "فَتَمَارَوْا" تَجَادَلُوا وَكَذَّبُوا "بِالنُّذُرِ" بِإِنْذَارِهِ {37} وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ "وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفه" أَنْ يُخَلِّي بَيْنهمْ وَبَيْن الْقَوْم الَّذِينَ أَتَوْهُ فِي صُورَة الْأَضْيَاف لِيَخْبُثُوا بِهِمْ وَكَانُوا مَلَائِكَة "فَطَمَسْنَا أَعْيُنهمْ" أَعْمَيْنَاهَا وَجَعَلْنَاهَا بِلَا شَقّ كَبَاقِي الْوَجْه بِأَنْ صَفَقَهَا جِبْرِيل بِجَنَاحِهِ "فَذُوقُوا" فَقُلْنَا لَهُمْ ذُوقُوا "عَذَابِي وَنُذُر" إنْذَارِي وَتَخْوِيفِي أَيْ ثَمَرَته وَفَائِدَته {38} وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ "وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَة" وَقْت الصُّبْح مِنْ يَوْم غَيْر مُعَيَّن "عَذَاب مُسْتَقِرّ" دَائِم مُتَّصِل بِعَذَابِ الْآخِرَة {41} وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ "وَلَقَدْ جَاءَ آل فِرْعَوْن" قَوْمه مَعَهُ "النُّذُر" الْإِنْذَار عَلَى لِسَان مُوسَى وَهَارُون فَلَمْ يُؤْمِنُوا {42} كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ "كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلّهَا" التِّسْع الَّتِي أُوتِيَهَا مُوسَى "فَأَخَذْنَاهُمْ" بِالْعَذَابِ "أَخْذ عَزِيز" قَوِيّ "مُقْتَدِر" قَادِر لَا يُعْجِزهُ شَيْء {43} أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ "أَكُفَّاركُمْ" يَا قُرَيْش "خَيْر مِنْ أُوْلَئِكُمْ" الْمَذْكُورِينَ مِنْ قَوْم نُوح إلَى فِرْعَوْن فَلَمْ يُعْذَرُوا "أَمْ لَكُمْ" يَا كُفَّار قُرَيْش "بَرَاءَة" مِنْ الْعَذَاب "فِي الزُّبُر" الْكُتُب وَالِاسْتِفْهَام فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى النَّفْي أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ {44} أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ "أَمْ يَقُولُونَ" أَيْ كُفَّار قُرَيْش "نَحْنُ جَمِيع" جَمْع "مُنْتَصِر" عَلَى مُحَمَّد {45} سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ "سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر" وَلَمَّا قَالَ أَبُو جَهْل يَوْم بَدْر إنَّا جَمْع مُنْتَصِر نَزَلَتْ الْآيَة فَهُزِمُوا بِبَدْرٍ وَنُصِرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ {46} بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ "بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ" بِالْعَذَابِ "وَالسَّاعَة" أَيْ عَذَابهَا "أَدْهَى" أَعْظَم بَلِيَّة "وَأَمَرّ" أَشَدّ مَرَارَة مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا {47} إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ "إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَال" هَلَاك بِالْقَتْلِ فِي الدُّنْيَا "وَسُعُر" نَار مُسَعَّرَة بِالتَّشْدِيدِ أَيْ مُهَيَّجَة فِي الْآخِرَة {48} يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ "يَوْم يُسْحَبُونَ فِي النَّار عَلَى وُجُوههمْ" فِي الْآخِرَة وَيُقَال لَهُمْ "ذُوقُوا مَسَّ سَقَر" إصَابَة جَهَنَّم لَكُمْ {49} إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ "إنَّا كُلّ شَيْء" مَنْصُوب بِفِعْلٍ يُفَسِّرهُ "خَلَقْنَاهُ" وَقُرِئَ كُلّ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأ خَبَره خَلَقْنَاهُ "خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" بِتَقْدِيرِ حَال مِنْ كُلّ أَيْ مُقَدَّرًا |
القمر {50} وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ "وَمَا أَمْرنَا" لِشَيْءٍ نُرِيد وُجُوده "إلَّا" مَرَّة "وَاحِدَة كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ" فِي السُّرْعَة وَهِيَ قَوْل : كُنْ فَيُوجَد "إنَّمَا أَمْره إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون" {51} وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ "وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعكُمْ" أَشْبَاهكُمْ فِي الْكُفْر مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر" اسْتِفْهَام بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ اُذْكُرُوا وَاتَّعِظُوا {52} وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ "وَكُلّ شَيْء فَعَلُوهُ" أَيْ الْعِبَاد مَكْتُوب "فِي الزُّبُر" كُتُب الْحَفَظَة {53} وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ "وَكُلّ صَغِير وَكَبِير" مِنْ الذَّنْب أَوْ الْعَمَل "مُسْتَطَر" مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {54} إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ "إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات" بَسَاتِين "وَنَهَر" أُرِيدَ بِهِ الْجِنْس وَقُرِئَ بِضَمِّ النُّون وَالْهَاء جَمْعًا كَأَسَدِ وَأُسْد وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَ مِنْ أَنَهَارهَا الْمَاء وَاللَّبَن وَالْعَسَل وَالْخَمْر {55} فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ "فِي مَقْعَد صِدْق" مَجْلِس حَقّ لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تَأْثِيم أُرِيدَ بِهِ الْجِنْس وَقُرِئَ مَقَاعِد الْمَعْنَى أَنَّهُمْ فِي مَجَالِس مِنْ الْجَنَّات سَالِمَة مِنْ اللَّغْو وَالتَّأْثِيم بِخِلَافِ مَجَالِس الدُّنْيَا فَقَلَّ أَنْ تَسْلَم مِنْ ذَلِكَ وَأُعْرِبَ هَذَا خَبَرًا ثَانِيًا وَبَدَلًا وَهُوَ صَادِق بِبَدَلِ الْبَعْض وَغَيْره "عِنْد مَلِيك" مِثَال مُبَالَغَة أَيْ عَزِيز الْمُلْك وَاسِعه "مُقْتَدِر" قَادِر لَا يُعْجِزهُ شَيْء وَهُوَ اللَّه تَعَالَى وَعِنْده إشَارَة إلَى الرُّتْبَة وَالْقُرْبَة مِنْ فَضْله تَعَالَى |
تفسير سورة النجم {1} وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى سُورَة النَّجْم [ مَكِّيَّة وَآيَاتهَا اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ ] "وَالنَّجْم" الثُّرَيَّا "إذَا هَوَى" غَابَ {2} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى "مَا ضَلَّ صَاحِبكُمْ" مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ طَرِيق الْهِدَايَة "وَمَا غَوَى" مَا لَابَسَ الْغَيّ وَهُوَ جَهْل مِنْ اعْتِقَاد فَاسِد {3} وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى "وَمَا يَنْطِق" بِمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ "عَنِ الْهَوَى" هَوَى نَفْسه {4} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى "إنْ" مَا "هُوَ إلَّا وَحْي يُوحَى" إلَيْهِ {5} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى "عَلَّمَهُ" إيَّاهُ مَلَك {6} ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى "ذُو مِرَّة" قُوَّة وَشِدَّة أَوْ مَنْظَر حَسَن أَيْ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام "فَاسْتَوَى" اسْتَقَرَّ {7} وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى "وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى" أُفُق الشَّمْس أَيْ عِنْد مَطْلَعهَا عَلَى صُورَته الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا فَرَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بِحِرَاءٍ قَدْ سَدَّ الْأُفُق إلَى الْمَغْرِب فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ وَكَانَ قَدْ سَأَلَهُ أَنْ يُرِيه نَفْسه عَلَى صُورَته الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا فَوَاعَدَهُ بِحِرَاءٍ فَنَزَلَ جِبْرِيل لَهُ فِي صُورَة الْآدَمِيِّينَ {8} ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى "ثُمَّ دَنَا" قَرُبَ مِنْهُ "فَتَدَلَّى" زَادَ فِي الْقُرْب {9} فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى "فَكَانَ" مِنْهُ "قَاب" قَدْر "قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" مِنْ ذَلِكَ حَتَّى أَفَاقَ وَسَكَنَ رَوْعَهُ {10} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى "فَأَوْحَى" تَعَالَى "إلَى عَبْده" جِبْرِيل "مَا أَوْحَى" جِبْرِيل إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُر الْمُوحَى تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ {11} مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى "مَا كَذَبَ" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَنْكَرَ "الْفُؤَاد" فُؤَاد النَّبِيّ "مَا رَأَى" بِبَصَرِهِ مِنْ صُورَة جِبْرِيل {12} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى "أَفَتُمَارُونَهُ" تُجَادِلُونَهُ وَتَغْلِبُونَهُ "عَلَى مَا يَرَى" خِطَاب لِلْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ رُؤْيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيل {13} وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى "وَلَقَدْ رَآهُ" عَلَى صُورَته "نَزْلَة" مَرَّة {14} عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى "عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى" لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ فِي السَّمَاوَات وَهِيَ شَجَرَة نَبْق عَنْ يَمِين الْعَرْش لَا يَتَجَاوَزهَا أَحَد مِنْ الْمَلَائِكَة وَغَيْرهمْ {15} عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى "عِنْدهَا جَنَّة الْمَأْوَى" تَأْوِي إلَيْهَا الْمَلَائِكَة وَأَرْوَاح الشُّهَدَاء الْمُتَّقِينَ {16} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى "إذْ" حِين وَإِذْ مَعْمُولَة لِرَآهُ "يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى" مِنْ طَيْر وَغَيْره {17} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى "مَا زَاغَ الْبَصَر" مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَمَا طَغَى" أَيْ مَا مَالَ بَصَره عَنْ مَرْئِيّه الْمَقْصُود لَهُ وَلَا جَاوَزَهُ تِلْكَ اللَّيْلَة {18} لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى "لَقَدْ رَأَى" فِي تِلْكَ اللَّيْلَة "مِنْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى" الْعِظَام أَيْ بَعْضهَا فَرَأَى مِنْ عَجَائِب الْمَلَكُوت رَفْرَفًا أَخْضَر سَدَّ أُفُق السَّمَاء وَجِبْرِيل لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح {20} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى "وَمَنَاة الثَّالِثَة" لِلَّتَيْنِ قَبْلهَا "الْأُخْرَى" صِفَة ذَمّ لِلثَّالِثَةِ وَهِيَ أَصْنَام مِنْ حِجَارَة كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَشْفَع لَهُمْ عِنْد اللَّه وَمَفْعُول أَفَرَأَيْتُمْ الْأَوَّل اللَّاتِي وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي مَحْذُوف وَالْمَعْنَى أَخْبِرُونِي أَلِهَذِهِ الْأَصْنَام قُدْرَة عَلَى شَيْء مَا فَتَعْبُدُونَهَا دُون اللَّه الْقَادِر عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْره وَلَمَّا زَعَمُوا أَيْضًا أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه مَعَ كَرَاهَتهمْ الْبَنَات نَزَلَتْ {22} تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى "ضِيزَى" جَائِرَة مِنْ ضَازَهُ يَضِيزهُ إذَا ظَلَمَهُ وَجَارَ عَلَيْهِ {23} إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى "إنْ هِيَ" أَيْ مَا الْمَذْكُورَات "إلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ" أَيْ سَمَّيْتُمْ بِهَا أَصْنَامًا تَعْبُدُونَهَا "مَا أَنْزَلَ اللَّه بِهَا" أَيْ بِعِبَادَتِهَا "مِنْ سُلْطَان" حُجَّة وَبُرْهَان "إنْ" مَا "يَتَّبِعُونَ" فِي عِبَادَتهَا "إلَّا الظَّنّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُس" مِمَّا زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان مِنْ أَنَّهَا تَشْفَع لَهُمْ عِنْد اللَّه تَعَالَى "وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهُمُ الْهُدَى" عَلَى لِسَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُرْهَانِ الْقَاطِع فَلَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ {24} أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى "أَمْ لِلْإِنْسَانِ" أَيْ لِكُلِّ إنْسَان مِنْهُمْ "مَا تَمَنَّى" مِنْ أَنَّ الْأَصْنَام تَشْفَع لَهُمْ ؟ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ {25} فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى "فَلِلَّهِ الْآخِرَة وَالْأُولَى" أَيْ الدُّنْيَا فَلَا يَقَع فِيهِمَا إلَّا مَا يُرِيدهُ تَعَالَى {26} وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى "وَكَمْ مِنْ مَلَك" أَيْ وَكَثِير مِنْ الْمَلَائِكَة "فِي السَّمَوَات" وَمَا أَكْرَمهمْ عِنْد اللَّه "لَا تُغْنِي شَفَاعَتهمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ بَعْد أَنْ يَأْذَن اللَّه" لَهُمْ فِيهَا "لِمَنْ يَشَاء" مِنْ عِبَاده "وَيَرْضَى" عَنْهُ لِقَوْلِهِ "وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى" وَمَعْلُوم أَنَّهَا لَا تُوجَد مِنْهُمْ إلَّا بَعْد الْإِذْن فِيهَا "مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ" |
النجم {27} إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى "إنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَة تَسْمِيَة الْأُنْثَى" حَيْثُ قَالُوا : هُمْ بَنَات اللَّه {28} وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا "وَمَا لَهُمْ بِهِ" بِهَذَا الْقَوْل "مِنْ عِلْم إنْ" مَا "يَتَّبِعُونَ" فِيهِ "إلَّا الظَّنّ" الَّذِي تَخَيَّلُوهُ "وَإِنَّ الظَّنّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقّ شَيْئًا" أَيْ عَنْ الْعِلْم فِيمَا الْمَطْلُوب فِيهِ الْعِلْم {29} فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا "فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرنَا" أَيْ الْقُرْآن "وَلَمْ يُرِدْ إلَّا الْحَيَاة الدُّنْيَا" وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْجِهَادِ {30} ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى "ذَلِكَ" أَيْ طَلَب الدُّنْيَا "مَبْلَغهمْ مِنَ الْعِلْم" أَيْ نِهَايَة عِلْمهمْ أَنْ آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة "إنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيله وَهُوَ أَعْلَم بِمَنِ اهْتَدَى" عَالِم بِهِمَا فَيُجَازِيهِمَا {31} وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى "وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض" هُوَ مَالِك لِذَلِكَ وَمِنْهُ الضَّالّ وَالْمُهْتَدِي يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء "لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا" مِنْ الشِّرْك وَغَيْره "وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا" بِالتَّوْحِيدِ وَغَيْره مِنْ الطَّاعَات "بِالْحُسْنَى" الْجَنَّة وَبَيَّنَ الْمُحْسِنِينَ بِقَوْلِهِ : {32} الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى "الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إلَّا اللَّمَم" هُوَ صِغَار الذُّنُوب كَالنَّظْرَةِ وَالْقُبْلَة وَاللَّمْسَة فَهُوَ اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع وَالْمَعْنَى لَكِنَّ اللَّمَم يُغْفَر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر "إنَّ رَبّك وَاسِع الْمَغْفِرَة" بِذَلِكَ وَبِقَبُولِ التَّوْبَة وَنَزَلَ فِيمَنْ كَانَ يَقُول : صَلَاتنَا صِيَامنَا حَجّنَا "هُوَ أَعْلَم" أَيْ عَالِم "بِكُمْ إذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْض" أَيْ خَلَقَ أَبَاكُمْ آدَم مِنْ التُّرَاب "وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّة" جَمْع جَنِين "فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسكُمْ" لَا تَمْدَحُوهَا عَلَى سَبِيل الْإِعْجَاب أَمَّا عَلَى سَبِيل الِاعْتِرَاف بِالنِّعْمَةِ فَحَسَن "هُوَ أَعْلَم" أَيْ عَالِم {33} أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى "أَفَرَأَيْت الَّذِي تَوَلَّى" عَنْ الْإِيمَان ارْتَدَّ لَمَّا عُيِّرَ بِهِ وَقَالَ إنِّي خَشِيت عِقَاب اللَّه فَضَمِنَ لَهُ الْمُعِير لَهُ أَنْ يَحْمِل عَنْهُ عَذَاب اللَّه إنْ رَجَعَ إلَى شِرْكه وَأَعْطَاهُ مِنْ مَاله كَذَا فَرَجَعَ {34} وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى "وَأَعْطَى قَلِيلًا" مِنْ الْمَال الْمُسَمَّى "وَأَكْدَى" مَنَعَ الْبَاقِي مَأْخُوذ مِنْ الْكَدِيَّة وَهِيَ أَرْض صُلْبَة كَالصَّخْرَةِ تَمْنَع حَافِر الْبِئْر إذَا وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ الْحَفْر {35} أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى "أَعِنْده عِلْم الْغَيْب فَهُوَ يَرَى" يَعْلَم مِنْ جُمْلَته أَنَّ غَيْره يَتَحَمَّل عَنْهُ عَذَاب الْآخِرَة ؟ لَا وَهُوَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة أَوْ غَيْره وَجُمْلَة أَعِنْده الْمَفْعُول الثَّانِي لِرَأَيْت بِمَعْنَى أَخْبِرْنِي {36} أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى "أَمْ" بَلْ "لَمْ يُنَبَّأ بِمَا فِي صُحُف مُوسَى" أَسْفَار التَّوْرَاة أَوْ صُحُف قَبْلهَا {37} وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى "و" صُحُف "إبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى" تَمَّمَ مَا أُمِرَ بِهِ نَحْو "وَإِذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيم رَبّه بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ" وَبَيَان مَا {38} أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى "أَ" أَنْ "لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى" إلَخْ وَأَنْ مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة أَيْ لَا تَحْمِل نَفْس ذَنْب غَيْرهَا {39} وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى "وَأَنْ" أَيْ أَنَّهُ "لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى" مِنْ خَيْر فَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَعْي غَيْره الْخَيْر شَيْء {40} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى "وَأَنَّ سَعْيه سَوْف يُرَى" يُبْصَر فِي الْآخِرَة {41} ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى "ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى" الْأَكْمَل يُقَال : جَزَيْته سَعْيه وَبِسَعْيِهِ {42} وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى "وَأَنَّ" بِالْفَتْحِ عَطْفًا وَقُرِئَ بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافًا وَكَذَا مَا بَعْدهَا فَلَا يَكُون مَضْمُون الْجُمَل فِي الصُّحُف عَلَى الثَّانِي "إلَى رَبّك الْمُنْتَهَى" الْمَرْجِع وَالْمَصِير بَعْد الْمَوْت فَيُجَازِيهِمْ {43} وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ" مَنْ شَاءَ أَفْرَحَهُ "وَأَبْكَى" مَنْ شَاءَ أَحْزَنَهُ {44} وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا "وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ" فِي الدُّنْيَا "وَأَحْيَا" لِلْبَعْثِ |
النجم {45} وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ" الصِّنْفَيْنِ {46} مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى "مِنْ نُطْفَة" مَنِيّ "إذَا تُمْنَى" تُصَبّ فِي الرَّحِم {47} وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى "وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَة" بِالْمَدِّ وَالْقَصْر "الْأُخْرَى" الْخَلْقَة الْأُخْرَى لِلْبَعْثِ بَعْد الْخَلْقَة الْأُولَى {48} وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى "وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى" النَّاس بِالْكِفَايَةِ بِالْأَمْوَالِ "وَأَقْنَى" أَعْطَى الْمَال الْمُتَّخَذ قِنْيَة {49} وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى "وَأَنَّهُ هُوَ رَبّ الشِّعْرَى" هُوَ كَوْكَب خَلْف الْجَوْزَاء كَانَتْ تُعْبَد فِي الْجَاهِلِيَّة {50} وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى "وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى" وَفِي قِرَاءَة بِإِدْغَامِ التَّنْوِين فِي اللَّام وَضَمّهَا بِلَا هَمْزَة وَهِيَ قَوْم عَادٍ وَالْأُخْرَى قَوْم صَالِح {51} وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى "وَثَمُودَ" بِالصَّرْفِ اسْم لِلْأَبِ وَبِلَا صَرْف لِلْقَبِيلَةِ وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى عَادًا "فَمَا أَبْقَى" مِنْهُمْ أَحَدًا {52} وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى "وَقَوْم نُوح مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل عَادٍ وَثَمُود أَهْلَكْنَاهُمْ "إنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَم وَأَطْغَى" مِنْ عَادٍ وَثَمُود لِطُولِ لُبْث نُوح فِيهِمْ "فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْف سَنَة إلَّا خَمْسِينَ عَامًا" وَهُمْ مَعَ عَدَم إيمَانهمْ بِهِ يُؤْذُونَهُ وَيَضْرِبُونَهُ {53} وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى "وَالْمُؤْتَفِكَة" وَهِيَ قُرَى قَوْم لُوط "أَهْوَى" أَسْقَطَهَا بَعْد رَفْعهَا إلَى السَّمَاء مَقْلُوبَة إلَى الْأَرْض بِأَمْرِهِ جِبْرِيل بِذَلِكَ {54} فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى "فَغَشَّاهَا" مِنْ الْحِجَارَة بَعْد ذَلِكَ "مَا غَشَّى" أُبْهِمَ تَهْوِيلًا وَفِي هُود : "جَعَلْنَا عَالِيهَا سَافِلهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَة مِنْ سِجِّيل" {55} فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى "فَبِأَيِّ آلَاء رَبّك" أَنْعُمه الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته "تَتَمَارَى" تَتَشَكَّك أَيّهَا الْإِنْسَان أَوْ تَكْذِب {56} هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى "هَذَا" مُحَمَّد "نَذِير مِنْ النُّذُر الْأُولَى" مِنْ جِنْسهمْ أَيْ رَسُول كَالرُّسُلِ قَبْله أَرْسَلَ إلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلُوا إلَى أَقْوَامهمْ {57} أَزِفَتِ الْآزِفَةُ "أَزِفَتِ الْآزِفَة" قَرُبَتْ الْقِيَامَة {58} لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ "لَيْسَ لَهَا مِنْ دُون اللَّه" نَفْس "كَاشِفَة" أَيْ لَا يَكْشِفهَا وَيُظْهِرهَا إلَّا هُوَ كَقَوْلِهِ "لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلَّا هُوَ" {59} أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ "أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيث" أَيْ الْقُرْآن "تَعْجَبُونَ" تَكْذِيبًا {60} وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ "وَتَضْحَكُونَ" اسْتِهْزَاء "وَلَا تَبْكُونَ" لِسَمَاعِ وَعْده وَوَعِيده {61} وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ "وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ" لَاهُونَ غَافِلُونَ عَمَّا يُطْلَب مِنْكُمْ {62} فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا "فَاسْجُدُوا لِلَّهِ" الَّذِي خَلَقَكُمْ "وَاعْبُدُوا" وَلَا تَسْجُدُوا لِلْأَصْنَامِ وَلَا تَعْبُدُوهَا |
شكرا لمروركم جميعا تقبل الله منا و منكم
|
{ 7 - 9 }
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ * أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } أي: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } على وجه التكذيب والاستهزاء والاستبعاد، وذكر وجه الاستبعاد. أي: قال بعضهم لبعض: { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } يعنون بذلك الرجل, رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم, وأنه رجل أتى بما يستغرب منه, حتى صار - بزعمهم - فرجة يتفرجون عليه, وأعجوبة يسخرون منه، وأنه كيف يقول { إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ } بعدما مزقكم البلى, وتفرقت أوصالكم, واضمحلت أعضاؤكم؟!. فهذا الرجل الذي يأتي بذلك, هل { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } فتجرأ عليه وقال ما قال, { أَمْ بِهِ جِنَّةٌ } ؟ فلا يستغرب منه, فإن الجنون فنون، وكل هذا منهم, على وجه العناد والظلم, ولقد علموا, أنه أصدق خلق اللّه وأعقلهم, ومن علمهم, أنهم أبدوا وأعادوا في معاداتهم, وبذلوا أنفسهم وأموالهم, في صد الناس عنه، فلو كان كاذبا مجنونا لم ينبغ لكم - يا أهل العقول غير الزاكية - أن تصغوا لما قال, ولا أن تحتفلوا بدعوته، فإن المجنون, لا ينبغي للعاقل أن يلفت إليه نظره, أو يبلغ قوله منه كل مبلغ. ولولا عنادكم وظلمكم, لبادرتم لإجابته, ولبيتم دعوته, ولكن { مَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } ولهذا قال تعالى: { بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } ومنهم الذين قالوا تلك المقالة، { فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ } أي: في الشقاء العظيم, والضلال البعيد, الذي ليس بقريب من الصواب، وأي شقاء وضلال, أبلغ من إنكارهم لقدرة اللّه على البعث وتكذيبهم لرسوله الذي جاء به, واستهزائهم به, وجزمهم بأن ما جاءوا به هو الحق, فرأوا الحق باطلا, والباطل والضلال حقا وهدى. ثم نبههم على الدليل العقلي, الدال على عدم استبعاد البعث, الذي استبعدوه, وأنهم لو نظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم, من السماء والأرض فرأوا من قدرة اللّه فيهما, ما يبهر العقول, ومن عظمته ما يذهل العلماء الفحول, وأن خلقهما وعظمتهما وما فيهما من المخلوقات, أعظم من إعادة الناس - بعد موتهم - من قبورهم، فما الحامل لهم, على ذلك التكذيب مع التصديق, بما هو أكبر منه؟ نعم ذاك خبر غيبي إلى الآن, ما شاهدوه, فلذلك كذبوا به. قال اللّه: { إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ } أي: من العذاب, لأن الأرض والسماء تحت تدبيرنا, فإن أمرناهما لم يستعصيا، فاحذروا إصراركم على تكذيبكم, فنعاقبكم أشد العقوبة. { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي: خلق السماوات والأرض, وما فيهما من المخلوقات { لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } فكلما كان العبد أعظم إنابة إلى اللّه, كان انتفاعه بالآيات أعظم, لأن المنيب مقبل إلى ربه, قد توجهت إراداته وهماته لربه, ورجع إليه في كل أمر من أموره, فصار قريبا من ربه, ليس له هم إلا الاشتغال بمرضاته، فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة, لا نظر غفلة غير نافعة. |
{ 10 - 11 }
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي: ولقد مننا على عبدنا ورسولنا, داود عليه الصلاة والسلام, وآتيناه فضلا من العلم النافع, والعمل الصالح, والنعم الدينية والدنيوية، ومن نعمه عليه, ما خصه به من أمره تعالى الجمادات, كالجبال والحيوانات, من الطيور, أن تُؤَوِّب معه, وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها, مجاوبة له، وفي هذا من النعمة عليه, أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده, وأن ذلك يكون منهضا له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات, تتجاوب بتسبيح ربها, وتمجيده, وتكبيره, وتحميده, كان ذلك مما يهيج على ذكر اللّه تعالى. ومنها: أن ذلك - كما قال كثير من العلماء, أنه طرب لصوت داود، فإن اللّه تعالى, قد أعطاه من حسن الصوت, ما فاق به غيره, وكان إذا رجَّع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجيِّ المطرب, طرب كل من سمعه, من الإنس, والجن, حتى الطيور والجبال, وسبحت بحمد ربها. ومنها: أنه لعله ليحصل له أجر تسبيحها, لأنه سبب ذلك, وتسبح تبعا له. ومن فضله عليه, أن ألان له الحديد, ليعمل الدروع السابغات, وعلمه تعالى كيفية صنعته, بأن يقدره في السرد, أي: يقدره حلقا, ويصنعه كذلك, ثم يدخل بعضها ببعض. قال تعالى: { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } ولما ذكر ما امتن به عليه وعلى آله, أمره بشكره, وأن يعملوا صالحا, ويراقبوا اللّه تعالى فيه, بإصلاحه وحفظه من المفسدات, فإنه بصير بأعمالهم, مطلع عليهم, لا يخفى عليه منها شيء. |
{ 12 - 14 }
{ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } لما ذكر فضله على داود عليه السلام, ذكر فضله على ابنه سليمان, عليه الصلاة والسلام, وأن اللّه سخر له الريح تجري بأمره, وتحمله, وتحمل جميع ما معه, وتقطع المسافة البعيدة جدا, في مدة يسيرة, فتسير في اليوم, مسيرة شهرين. { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } أي: أول النهار إلى الزوال { وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } من الزوال, إلى آخر النهار { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } أي: سخرنا له عين النحاس, وسهلنا له الأسباب, في استخراج ما يستخرج منها من الأواني وغيرها. وسخر اللّه له أيضا, الشياطين والجن, لا يقدرون أن يستعصوا عن أمره, { وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ } وأعمالهم كل ما شاء سليمان, عملوه. { مِنْ مَحَارِيبَ } وهو كل بناء يعقد, وتحكم به الأبنية, فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة، { وَتَمَاثِيلَ } أي: صور الحيوانات والجمادات, من إتقان صنعتهم, وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } أي: كالبرك الكبار, يعملونها لسليمان للطعام, لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، " و " يعملون له قدورا راسيات لا تزول عن أماكنها, من عظمها. فلما ذكر منته عليهم, أمرهم بشكرها فقال: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ } وهم داود, وأولاده, وأهله, لأن المنة على الجميع, وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم. { شُكْرًا } للّه على ما أعطاهم, ومقابلة لما أولاهم. { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } فأكثرهم, لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه, ودفع عنهم من النقم. والشكر: اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى, وتلقيها افتقارا إليها, وصرفها في طاعة اللّه تعالى, وصونها عن صرفها في المعصية. فلم يزل الشياطين يعملون لسليمان, عليه الصلاة والسلام, كل بناء، وكانوا قد موهوا على الإنس, وأخبروهم أنهم يعلمون الغيب, ويطلعون على المكنونات، فأراد اللّه تعالى أن يُرِيَ العباد كذبهم في هذه الدعوى, فمكثوا يعملون على عملهم، وقضى اللّه الموت على سليمان عليه السلام, واتَّكأ على عصاه, وهي المنسأة، فصاروا إذا مروا به وهو متكئ عليها, ظنوه حيا, وهابوه. فغدوا على عملهم كذلك سنة كاملة على ما قيل, حتى سلطت دابة الأرض على عصاه, فلم تزل ترعاها, حتى باد وسقط فسقط سليمان عليه السلام وتفرقت الشياطين وتبينت الإنس أن الجن { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } وهو العمل الشاق عليهم، فلو علموا الغيب, لعلموا موت سليمان, الذي هم أحرص شيء عليه, ليسلموا مما هم فيه. |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:40 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.