بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 13-05-2013 12:55 PM

نماذج من صمت العلماء

- عن أبي إسحاق الفزاري قال: (كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يطيل السكوت؛ فإذا تكلم ربما انبسط قال: فأطال ذات يوم السكوت فقلت: لو تكلمت؟ فقال: الكلام على أربعة وجوه: فمن الكلام كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، والفضل في هذا السلامة منه، ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقلُّ ما لك في تركه خفة المؤنة على بدنك ولسانك، ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نشره، قال خلف: فقلت لأبي إسحاق: أراه قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام؟ قال: نعم) .
- و(قال إبراهيم التيمي: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين سنة، فلم يتكلم بكلام لا يصعد) .
- (وقيل: ما تكلم الربيع بن خثيم بكلام الدنيا عشرين سنة، وكان إذا أصبح وضع دواة وقرطاسًا وقلمًا، فكلُّ ما تكلم به كتبه، ثم يحاسب نفسه عند المساء) .
- (قال إسماعيل بن أمية: كان عطاء: يطيل الصمت، فإذا تكلم يخيل إلينا أنه يؤيد) .
- (قال خارجة بن مصعب: صحبت ابن عون ثنتي عشرة سنة، فما رأيته تكلم بكلمة كتبها عليه الكرام الكاتبون) .
- (قال مورِّق العجلي: أمرٌ أنا في طلبه منذ عشر سنين لم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبدًا، قال: وما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني) .
وصايا في الصمت:
- (قال رجل لسلمان رضي الله عنه: أوصني. قال: لا تتكلم. قال: وكيف يصبر رجل على أن لا يتكلم؟ قال: فإن كنت لا تصبر عن الكلام، فلا تتكلم إلا بخير أو اصمت) .
- و(قال رجل لبعض العارفين: أوصني قال: اجعل لدينك غلافًا كغلاف المصحف؛ لئلا يدنسه، قال: وما غلاف الدين؟ قال: ترك الكلام إلا فيما لا بد منه، وترك طلب الدنيا إلا ما لا بد منه، وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه) .
- وعن عقيل بن مدرك يرفعه إلى أبي سعيد (أن رجلًا أتاه، فقال: أوصني، فقال: أوصيك بتقوى الله، وعليك بالصمت، فإنك به تغلب الشيطان) .
- و(عن أبي الذيَّال، قال: تعلَّم الصمت كما تعلم الكلام، فإن يكن الكلام يهديك، فإن الصمت يقيك، ألا في الصمت خصلتان: تدفع به جهل من هو أجهل منك، وتعلم به من علم من هو أعلم منك) .
- وعن حبيب بن عيسى، قال: (كان ابن مريم يقول: ابن آدم الضعيف؛ علم نفسك الصمت كما تعلمها الكلام، وكن مكينًا حتى تسمع، ولا تكن مضحاكًا في غير عجبٍ، ولا هشًّا في غير أربٍ .) .
- (وقال لقمان لابنه: يا بني، إن غلبت على الكلام، فلا تغلب على الصمت، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، إني ندمت على الكلام مرارًا، ولم أندم على الصمت مرة واحدة) .
- و(تكلم أربعة من حكماء الملوك بأربع كلمات كأنها رمية عن قوس: فقال ملك الروم: أفضل علم العلماء السكوت. وقال ملك الفرس: إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها. وقال ملك الهند: أنا على ردِّ ما لم أقل أقدر مني على ردِّ ما قلت. وقال ملك الصين: ندمت على الكلام، ولم أندم على السكوت) .
- (وقد قال بعض الصالحين: الزم الصمت يكسبك صفو المحبة، ويأمنك سوء المغبة، ويلبسك ثوب الوقار، ويكفك مؤنة الاعتذار. وقيل: الصمت آية الفضل، وثمرة العقل، وزين العلم، وعون الحلم؛ فالزمه تلزمك السلامة) .

محمد رافع 52 13-05-2013 12:58 PM

صوم الصمت
- وهو الامتناع عن الكلام فلا يتكلم يومه وليلته، وهذا كان في الجاهلية، ومنعه الإسلام:
- (قال الخطابي في شرح حديث: ((لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل)): كان من نسك أهل الجاهلية الصمت، فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت، فنهوا عن ذلك، وأُمروا بالنطق بالخير) .
- (قال ابن الهمام: يُكره صوم الصمت، وهو أن يصوم ولا يتكلم، يعني يلتزم عدم الكلام، بل يتكلم بخير وبحاجة) .
صمت العيي:
- (كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟ فقال: بلى، متى يفطر الصائم. قال: إذا غابت الشمس، قال: فإن لم تغِبْ إلى نصف الليل؟ قال: فضحك أبو يوسف، وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعاء نطقك، ثم تمثل:


عجبت لإزراء العييِّ بنفسه***وصمت الذي قد كان للقول أعلما



وفي الصمت ستر للعييِّ، وإنما***صحيفة لبِّ المرء أن يتكلما)

محمد رافع 52 13-05-2013 01:00 PM

حكم وأمثال في الصمت

- (الصمت أخفى للنقيصة، وأنفى للغميصة) .
- (إذا فاتك الأدب فالزم الصمت) .
- (إنَّ في الصمت لحكمًا) .
- (الندم على السكوت خير من الندم على القول) .
- (الزم الصمت إذا لم تسأل) .
- (الصمت يكسب المحبة) .
- (الصمت زين العاقل، وستر الجاهل) .
- (الصمت في غير فكرة سهو... والقول في غير حكمة لغو) .
- (الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه ***) .
- وقال لقمان لابنه: (يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك) .
- (وقالوا: بقدر ما يصمت اللسان يعمر الجنان، وبقدر ما كان يتكلم اللسان يخرب الجنان.
وقالوا أيضًا: إذا كثر العلم قلَّ الكلام، وإذا قلَّ العلم كثر الكلام.
وقالوا أيضًا: من عرف الله كَلَّ لسانه.
وقيل لبعض العلماء: هل العلم فيما سلف أكثر، أو اليوم أكثر؟ قال: العلم فيما سلف أكثر، والكلام اليوم أكثر) .
- (خير الخلال حفظ اللسان) يضرب في الحث على الصمت .
- (قولهم: سكت ألفًا ونطق خلفًا: يضرب مثلًا للرجل يطيل الصمت ثم يتكلم بالخطأ. والخلف الرديء من القول. وكان للأحنف بن قيس جليس طويل الصمت فاستنطقه يومًا؛ فقال: أتقدر يا أبا بحر أن تمشي على شرف المسجد، فقال الأحنف: سكت ألفًا، ونطق خلفًا) .
-(ربَّ كلمة سلبت نعمة) يضرب في اغتنام الصمت .
- (الصمت حُكم وقليل فاعله) يقال: إن لقمان الحكيم دخل على داود عليهما السلام وهو يصنع درعًا، فهمَّ لقمان أن يسأله عما يصنع، ثم أمسك ولم يسأل حتى تمَّ داود الدرع، وقام فلبسها، وقال: نعم أداة الحرب، فقال لقمان: الصمت حُكم وقليل فاعله .
- (مُخْرَنْبِقٌ لينباع): والمعنى: (مطرق وساكت ليثب إذا أصاب فرصة، والمعنى إنه ساكت لداهية يريدها، ويضرب في الرجل يطيل الصمت حتى يحسب مغفلًا وهو ذو نكراء) .

محمد رافع 52 13-05-2013 01:19 PM

الصمت في واحة الشعر
قال الشافعي:


قالوا سكتَّ وقد خُوصِمتَ قلتُ لهم ***إنَّ الجواب لِبابِ الشرِّ مفتاحُ



والصَّمت عن جاهل أو أحمقٍ شرف***وفيه أيضًا لِصون العِرض إصلاحُ



أمَا ترَى الأُسود تُخشَى وهي صامتة***والكلب يُخسَى لعمري وهو نبَّاحُ



وقال أيضًا:


وجدتُ سكوتي متجرًا فلزمتُه***إذا لم أجدْ ربحًا فلستُ بخاسرِ



وما الصَّمتُ إلَّا في الرجالِ متاجر***وتاجره يعلو على كلِّ تاجرِ



وقال آخر:


قالوا نراك تطيلُ الصَّمت قلتُ لهم***ما طولُ صمتي مِن عِيٍّ ولا خرسِ



الصمتُ أحمدُ في الحالَين عاقبةً***عندي وأحسنُ بي من منطق شكسِ



قالوا فأنت مصيبٌ لستَ ذا خطأ***فقلتُ هاتوا أروني وجهَ معتبسِ



أأفرشُ البرَّ فيمَن ليس يعرفُه؟***أم أنثرُ الدرَّ بين العُمْي في الغَلَسِ



وقال آخر:


متى تُطبق على شفتيك تَسلمْ***وإن تفتحْهما فقلِ الصَّوابا



فما أحدٌ يُطيل الصَّمت إلَّا***سيأمنُ أن يُذمَّ وأن يُعابا



فقلْ خيرًا أو اسكتْ عن كثيرٍ***مِن القول المحلِّ بك العقابا



وأجاد من قال:


مهلًا سُليمَى أقلِّي اللوم أو فلُمِي***مَن أقعدته صروفُ الدَّهر لم يقمِ



حظِّي يقصر بي عن كلِّ مكرُمةٍ***ولا تقصر بي عن نيلها هممِي



سألزم الصمت ما دام الزمان كذا***وأمنع الدهرَ مِن نطق اللسان فَمِي



إن لامني لائمٌ في الصَّمت قلتُ له***حبسُ الفتى نطقَه حرزٌ من الندمِ



وقال أبو جعفر القرشي:


استرِ العِيَّ ما استطعتَ بصمت***إنَّ في الصَّمت راحة للصَّمُوتِ



واجعلِ الصَّمت إن عَيِيت جوابًا***ربَّ قولٍ جوابُه في السُّكوتِ



وقال آخر:


إن كان يعجبك السُّكوت فإنَّه***قد كان يُعجبُ قبلك الأخيارَ



ولئن ندمتُ على سكوتٍ مرةً***فلقد ندمتُ على الكلام مِرارا



إنَّ السُّكوت سلامةٌ ولربَّما***زرع الكلام عداوة وضرارا



وإذا تقرَّب خاسر مِن خاسر***زادَا بذاك خسارةً وتَبارا



وأنشد الأبرش:


ما ذلَّ ذو صمت وما مِن مُكثرٍ***إلَّا يَزلُّ وما يُعاب صَمُوتُ



إن كان مَنطقُ ناطقٍ مِن فضَّةٍ***فالصَّمت دُرٌّ زانه الياقوتُ



وقال آخر:


وكن رزينًا طويل الصمت ذا فكر***فإن نطقت فلا تكثر من الخطبِ



ولا تجبْ سائلًا من غير تروية***وبالذي عنه لم تُسألْ فلا تُجِبِ



قال أحيحة بن الجلاح:


والصَّمت أجملُ بالفتَى***ما لم يكنْ عِيٌّ يَشينُه



والقولُ ذو خطَلٍ إذا***ما لم يكنْ لبٌّ يعينُه



وقال مخرز بن علقمة:


لقد وارى المقابرُ مِن شريكٍ***كثيرَ تحلُّمٍ وقليلَ عابِ



صموتًا في المجالس غيرَ عِيٍّ***جديرًا حين ينطقُ بالصَّوابِ



وقال مكي بن سوادة:


تسلَّمَ بالسكوتِ مِن العيوبِ***فكان السَّكتُ أجلبَ للعيوبِ



ويرتجلُ الكلامَ وليس فيه***سِوَى الهَذَيانِ مِن حشد الخطيبِ



وقال آخر:


عجبتُ لإدلال العَيِيِّ بنفسه***وصمتِ الذي كان بالقول أعلما



وفي الصَّمتِ سترٌ للعييِّ وإنما***صحيفةُ لبِّ المرءِ أن يتكلَّما



وقال أحد الشعراء:


أرَى الصَّمت أدَنى لبعض الصواب***وبعض التكلُّم أدنى لعِيِّ



وقال أبو العتاهية:


إذا كنت عن أن تحسن الصَّمت عاجزًا***فأنت عن الإبلاغ في القول أعجزُ



يخوض أناس في المقال ليُوجزوا***ولَلصمتُ عن بعض المقالات أوجزُ



وقال آخر:


قد أفلح الصَّامتُ السَّكوت***كلامُ راعي الكلامِ قوتُ



ما كلُّ نطقٍ له جوابُ***جوابُ ما يُكرهُ السُّكوتُ

محمد رافع 52 13-05-2013 01:22 PM


معنى العدل لغةً واصطلاحًا
معنى العدل لغةً:
العدل خلاف الجور، وهو القصد في الأمور، وما قام في النفوس أنه مستقيم، مِن عَدَلَ يَعْدِلُ فهو عادل من عُدولٍ وعَدْلٍ، يقال: عَدَلَ عليه في القضية فهو عادِلٌ. وبسط الوالي عَدْلَهُ .
معنى العدل اصطلاحًا:
العدل هو:(أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه) .
وقيل هو: (عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينًا) .
وقيل هو: (استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير) .
الفرق بين العدل وبعض الصفات:
الفرق بين العدل والقسط:
(القسط: هو العدل البيِّن الظاهر، ومنه سمي المكيال قسطًا، والميزان قسطًا؛ لأنه يصور لك العدل في الوزن حتى تراه ظاهرًا، وقد يكون من العدل ما يخفى، ولهذا قلنا: إن القسط هو النصيب الذي بينت وجوهه، وتقسط القوم الشيء تقاسموا بالقسط) .

محمد رافع 52 13-05-2013 01:23 PM

الفرق بين العدل والإنصاف:

(الإنصاف: إعطاء النصف، والعدل يكون في ذلك وفي غيره، ألا ترى أنَّ السارق إذا قُطع قيل: إنه عدل عليه. ولا يقال: إنه أنصف، وأصل الإنصاف أن تعطيه نصف الشيء، وتأخذ نصفه من غير زيادة ولا نقصان، وربما قيل: أطلب منك النصف. كما يقال: أطلب منك الإنصاف. ثم استعمل في غير ذلك مما ذكرناه، ويقال: أنصف الشيء. إذا بلغ نصف نفسه، ونصف غيره إذا بلغ نصفه) .

محمد رافع 52 13-05-2013 01:25 PM

أهمية العدل
أرسل الله رسله وأنزل معهم ميزان العدل؛ ليقوم الناس بالقسط، وما ذلك إلا لأهميته، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد:25].
ووردت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تأمر بالعدل وترغب فيه، وتمدح من يقوم به.


يقول ابن القيم: (... إن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس بالقسط، وهو
العدل الذي قامت به الأرض والسموات، فإذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان؛ فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخصَّ طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بيَّن سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين وليست مخالفة له) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:35 PM

أولًا: في القرآن الكريم
أمر الله بإقامة العدل وحثَّ عليه، ومدح من قام به، وذلك في آيات كثيرة منها:
1- آيات فيها الأمر بالعدل:
- قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90].


قال السعدي: (فالعدل الذي أمر الله به، يشمل
العدل في حقِّه، وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة؛ بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقِّه وحقِّ عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كلُّ والٍ ما عليه تحت ولايته، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الخليفة، ونواب القاضي.
والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه، ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك، فلا تبخس لهم حقًّا، ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم. فالعدل واجب، والإحسان فضيلة مستحب) .
- وقال عزَّ مِن قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135].
يقول ابن كثير: (يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوَّامين بالقسط، أي: بالعدل، فلا يعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.
وقوله:شُهَدَاءَ لِلَّهِ كما قال: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق: 2]. أي: ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقًّا، خالية من التحريف والتبديل والكتمان؛ ولهذا قال: وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ. أي: اشهد الحقَّ، ولو عاد ضررها عليك، وإذا سُئِلتَ عن الأمر فقل الحقَّ فيه، وإن كان مضرة عليك، فإنَّ الله سيجعل لمن أطاعه فرجًا ومخرجًا من كلِّ أمر يضيق عليه) .
- وقال سبحانه: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [الشورى:15].
يقول تعالى ذكره: (وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعًا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه... وعن قتادة، قوله: ((وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ قال: أمر نبي الله صَلَّى الله عليه وسلَّم أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه)) . والعدل ميزان الله في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدق الله الصادق، ويكذب الكاذب، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه) .
2- آيات فيها مدح من يقوم بالعدل:
- قال سبحانه: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:181].
قال ابن كثير: (يقول تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ أي: ومن الأمم أُمَّةٌ قائمة بالحق، قولًا وعملًا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يقولونه ويدعون إليه، وَبِهِ يَعْدِلُونَ يعملون ويقضون.
وقد جاء في الآثار: أنَّ المراد بهذه الأمة المذكورة في الآية، هي هذه الأمة المحمدية.
قال سعيد، عن قتادة في تفسير هذه الآية: بلغنا أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية: هذه لكم، وقد أُعطي القوم بين أيديكم مثلها: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:159]) .
- وقال عزَّ مِن قائل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل:76].
(يقول الله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ يعني: هل يستوي هذا الأبكم الكلُّ على مولاه، الذي لا يأتي بخير حيث توجَّه، ومن هو ناطق متكلم، يأمر بالحقِّ، ويدعو إليه، وهو الله الواحد القهار، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته، يقول: لا يستوي هو تعالى ذكره، والصنم الذي صفته ما وصف. وقوله وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل: 76] يقول: وهو مع أمره بالعدل، على طريق من الحقِّ في دعائه إلى العدل، وأمره به مستقيم، لا يعوج عن الحقِّ، ولا يزول عنه) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:37 PM

ثانيًا: في السنة النبوية

لقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم العدل، ورغَّب فيه، وقد وردت الأحاديث تدلُّ على تطبيقه قواعد العدل، وإرسائه لمعالمه منها:
- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكارهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنَّا، لا نخاف في الله لومة لائم)) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا .)) .
قال ابن عثيمين: (فالعدل واجب في كلِّ شيء، لكنه في حق ولاة الأمور آكد وأولى وأعظم؛ لأنَّالظلم إذا وقع من ولاة الأمور حصلت الفوضى والكراهة لهم، حيث لم يعدلوا) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)) .
قال ابن رجب: (وأول هذه السبعة: الإمام العادل: وهو أقرب الناس من الله يوم القيامة، وهو على منبر من نور على يمين الرحمن، وذلك جزاء لمخالفته الهوى، وصبره عن تنفيذ ما تدعوه إليه شهواته وطمعه وغضبه، مع قدرته على بلوغ غرضه من ذلك؛ فإنَّ الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، وهذا أنفع الخلق لعباد الله، فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها، وقد رُوي أنَّه ظلُّ الله في الأرض؛ لأنَّ الخلق كلَّهم يستظلون بظلِّه، فإذا عدل فيهم أظلَّه الله في ظلِّه) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:39 PM

أقوال السلف والعلماء في العدل
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ الله إنما ضرب لكم الأمثال، وصرف لكم القول؛ لتحيا القلوب، فإنَّ القلوب ميتة في صدورها حتى يحييها الله، من علم شيئًا فلينفع به، إنَّ للعدل أمارات وتباشير، فأما الأمارات فالحياء والسخاء والهين واللين، وأما التباشير فالرحمة، وقد جعل الله لكل أمر بابًا، ويسَّر لكلِّ باب مفتاحًا، فباب العدل الاعتبار، ومفتاحه الزهد، والاعتبار ذكر الموت ،والاستعداد بتقديم الأموال، والزهد أخذ الحقِّ من كلِّ أحد قِبَله حقٌّ، والاكتفاء بما يكفيه من الكفاف، فإن لم يكفه الكفاف لم يغنه شيء...) .
- (وقدم على عمر بن الخطاب رجل من أهل العراق، فقال: لقد جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب. فقال عمر: ما هو؟ قال: شهادات الزور ظهرت بأرضنا. فقال عمر: أو قد كان ذلك؟! قال نعم. فقال عمر: والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول .) .
- وقال رِبعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد الفرس لما سأله: ما جاء بكم؟ فقال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتى نفيء إلى موعود الله...) .
- وقال عمرو بن العاص: (لا سلطان إلا بالرجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل) .
- وقال ميمون بن مهران: (سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أقمت فيكم خمسين عامًا ما استكملت فيكم العدل، إني لأريد الأمر وأخاف أن لا تحمله قلوبكم فأخرج معه طمعًا من الدنيا؛ فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا) .
- (وخطب سعيد بن سويد بحمص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنَّ للإسلام حائطًا منيعًا، وبابًا وثيقًا، فحائط الإسلام الحقُّ، وبابه العدل، ولا يزال الإسلام منيعًا ما اشتدَّ السلطان، وليست شدة السلطان ***ًا بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذًا بالعدل) .
- وقال ابن حزم: (أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحقِّ وإيثاره) .
- وقال ابن تيمية:(العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة) .
- وقال أيضا: (وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام) .
- وقال ابن القيم: (ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنَّه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أنَّ السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأنَّ من أحاط علمًا بمقاصدها، ووضعها موضعها، وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة.
فإنَّ السياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحقَّ من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة علمها من علمها، وجهلها من جهلها) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:42 PM

فوائد العدل

1- بالعدل يستتب الأمن في البلاد، وتحصل الطمأنينة في النفوس، ويشعر الناس بالاستقرار، وبذلك يُقضى على المشكلات الاجتماعية والاضطرابات التي تحدث في الدول، بسبب الظلم.
2- بالعدل يعم الخير في البلاد:
فالعدل سبب في حصول الخير والبركة إذا كان منتشرًا بين الولاة، وبين أفراد المجتمع، يقول ابن الأزرق: (إنَّ نية الظلم كافية في نقص بركات العمارة فعن وهب بن منبه قال: إذا هم الولي بالعدل أدخل الله البركات في أهل مملكته حتى في الأسواق والأرزاق وإذا هم بالجور أدخل الله النقص في مملكته حتى في الأسواق والأرزاق) .
فقيام العدل في الأرض كالمطر الوابل، بل هو خير من خصب الزمان كما قيل، فمن كلامهم: (سلطان عادل خير من مطر وابل، وقالوا عدل السلطان خير من خصب الزمان، وفي بعض الحكم: ما أمحلت أرض سال عدل السلطان فيها ولا محيت بقعة فاء ظله عليها) .
3- ظهور رجحان العقل به:
قيل لبعضهم: مَن أرجح الملوك عقلًا، وأكملهم أدبًا وفضلًا؟ قال: من صحب أيامه بالعدل، وتحرَّز جهده من الجور، ولقي الناس بالمجاملة، وعاملهم بالمسألة، ولم يفارق السياسة، مع لين في الحكم، وصلابة في الحقِّ، فلا يأمن الجريء بطشه، ولا يخاف البريء سطوته .
4- العدل أساس الدول والملك وبه دوامهما:
فبالعدل يدوم الملك، ويستقر الحاكم في حكمه، و(في بعض الحِكم: أحقُّ الناس بدوام الملك وباتصال الولاية، أقسطهم بالعدل في الرعية، وأخفهم عنها كلًّا ومؤونة، ومن أمثالهم: من جعل العدل عُدَّة طالت به المدة) .
5- من قام بالعدل نال محبة الله سبحانه، قال تعالى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]
6- بالعدل يحصل الوئام بين الحاكم والمحكوم.


7- بالعدل يسود في المجتمع
التعاون والتماسك.

محمد رافع 52 14-05-2013 04:44 PM

أقسام العدل

(والعدل ضربان:
1- مطلق: يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخًا، ولا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو: الإحسان إلى من أحسن إليك، وكفِّ الأذية عمن كفَّ أذاه عنك.
2- وعدل يعرف كونه عدلًا بالشرع، ويمكن أن يكون منسوخًا في بعض الأزمنة، كالقصاص وأروش الجنايات، وأصل مال المرتد. ولذلك قال: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [البقرة:194]، وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، فسمي اعتداء وسيئة، وهذا النحو هو المعني بقوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، فإنَّ العدل هو المساواة في المكافأة، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، والشرَّ بأقلَّ منه) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:48 PM

صور العدل
العدل له صور كثيرة، تدخل في جميع مناحي الحياة، نقتصر على ذكر أهمها، فمنها:
1- عدل الوالي:
والوالي سواء كانت ولايته ولاية خاصة أو عامة يجب عليه أن يعدل بين الرعية. وأن يستعين بأهل العدل.
قال ابن تيمية، بعد أن ذكر عموم الولايات وخصوصها، كولاية القضاء، وولاية الحرب، والحسبة، وولاية المال قال: (وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية، فأيُّ مَن عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل، وأطاع الله ورسوله بحسب الإمكان- فهو من الأبرار الصالحين، وأيُّ مَن ظلم وعمل فيها بجهل، فهو من الفجار الظالمين) .
وقال أيضًا: (يجب على كلِّ ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذَّر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل) .
2- العدل في الحكم بين الناس:
سواء كان قاضيًا، أو صاحب منصب، أو كان مصلحًا بين الناس، وذلك بإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، قال تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58].


3-
العدل مع الزوجة أو بين الزوجات:
بأن يعامل الزوج زوجته بالعدل سواء في النفقة والسكنى والمبيت، وإن كن أكثر من واحدة، فيعطي كلًّا منهنَّ بالسوية.
قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3].
أما إذا كان له ميل قلبيٌّ فقط إلى إحداهن، فهذا لا يدخل في عدم العدل، قال تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:129].
قال ابن بطال: (قوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ. أي: لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم في حبهنَّ بقلوبكم حتى تعدلوا بينهنَّ في ذلك؛ لأنَّ ذلك مما لا تملكونه وَلَوْ حَرَصْتُمْ يعنى ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك. قال ابن عباس: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهنَّ ولو حرصت. قال ابن المنذر: ودلت هذه الآية أن التسوية بينهنَّ في


المحبة غير واجبة) .
4- العدل بين الأبناء:
قال صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) . ويكون العدل بين الأولاد في العطية ، والهبة، والوقف، والتسوية بينهم حتى في القُبَل، فعن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَل) .
5- العدل في القول:
فلا يقول إلا حقًّا، ولا يشهد بالباطل، قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام:152].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [النساء:135].
6-


العدل في الكيل والميزان:
قال تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ [الأنعام:152] (يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعَّد على تركه في قوله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين: 1 -6] وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان) .
7-


العدل مع غير المسلمين:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8].
(وفي كون


العدل مع الأعداء الذين نبغضهم أقرب للتقوى احتمالان:
الأول: أن يكون أقرب إلى كمال التقوى، وذلك لأنَّ كمال التقوى يتطلب أمورًا كثيرة، منها هذا العدل، والأخذ بكلِّ واحد من هذه الأمور يقرب من منطقة التقوى الكاملة.
الثاني: أن يكون أقرب إلى أصل التقوى فعلًا من ترك العدل مع الأعداء، ملاحظين في ذلك مصلحة للإسلام وجماعة المسلمين، وذلك لأنَّه قد يشتبه على ولي الأمر من المسلمين في قضية من القضايا المتعلقة بعدو من أعدائهم، هل التزام سبيل العدل معه أرضى لله؟ أو ظلمه هو أرضى لله باعتباره معاديًا لدين الله؟ وأمام هذا الاشتباه يعطي الله منهج الحل، فيقول: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8] أي: مهما لاحظتم أنَّ ظلمه لا يتنافى مع التقوى، فالعدل معه أقرب للتقوى.
ولا يخفى أن من ثمرات هذا


العدل ترغيب أعداء الإسلام بالدخول فيه، والإيمان بأنَّه هو الدين الحقُّ، وكم من حادثة عدل حكم فيها قاضي المسلمين لغير المسلم على المسلم اتباعًا للحق، فكانت السبب في تحبيبه بالإسلام ثم في إسلامه) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:50 PM

نماذج من عدل الرسول صلى الله عليه وسلم

الإسلام هو دين العدالة، وإنَّ أمة الإسلام هي أمة الحق والعدل، وقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم العدل، وكان نموذجًا في أعلى درجاته، وأقامه خلفاؤه من بعده.
- فقد ورد ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزيَّة حليف بني عدي ابن النجار قال: وهو مستنتل من الصف، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدح في بطنه، وقال: استو يا سواد. فقال: يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالعدل، فأقدني. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقد. قال: يا رسول الله، إنَّك طعنتني، وليس عليَّ قميص. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: استقد قال: فاعتنقه، وقبَّل بطنه، وقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله، حضرني ما ترى، ولم آمن ال***، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير)) .
- وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ((أنَّ قريشًا أهمَّهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد: فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني -والذي نفسي بيده- لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) . ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقُطعت يدها.

محمد رافع 52 14-05-2013 04:52 PM

نماذج من عدل الصحابة رضي الله عنهم

عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن عطاء: قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالموسم، فإذا اجتمعوا قال:
(أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم. فمن فعل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل واحد قام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ عاملك فلانا ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أُقيد وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه. قال: فدعنا فلنرضه. قال: دونكم فأرضوه. فافتدى منه بمائتي دينار. كل سوط بدينارين) .
- ولما أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتاج كسرى وسواريه، قال: (إنَّ الذي أدَّى هذا لأمين! قال له رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله تعالى، فإذا رتعت رتعوا) .
عدل علي رضي الله عنه:
- افتقد علي رضي الله عنه درعًا له في يوم من الأيام، ووجده عند يهودي، فقال لليهودي: (الدرع درعي لم أبع ولم أهب، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فقال: نصير إلى القاضي، فتقدَّم علي فجلس إلى جنب شريح، وقال: لولا أنَّ خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((وأصغروهم من حيث أصغرهم الله)). فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين. فقال: نعم، هذه الدرع التي في يد هذا اليهودي درعي لم أبع ولم أهب، فقال شريح: إيش تقول يا يهودي؟ قال: درعي وفي يدي. فقال شريح: ألك بينة يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم: قَنْبَر والحسن يشهدان أنَّ الدرع درعي. فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز للأب. فقال علي: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة)). فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدَّمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه، أشهد أنَّ هذا هو الحقُّ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، وأنَّ الدرع درعك) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:54 PM

من أقوال الحكماء في العدل

- قال ابن عبد ربه: (قالت الحكماء: مما يجب على السلطان العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه، وفي باطن ضميره لإقامة أمر دينه؛ فإذا فسدت السياسة ذهب السلطان. ومدار السياسة كلها على العدل والإنصاف، لا يقوم سلطان لأهل الكفر والإيمان إلا بهما ولا يدور إلا عليهما، مع ترتيب الأمور مراتبها وإنزالها منازلها) .
- وقيل: (من عمل بالعدل فيمن دونه، رزق العدل ممن فوقه) .
- وقالوا أيضًا: (يوم العدل على الظالم، أشد من يوم الظلم على المظلوم) .
- وقيل: (الملك لا تصلحه إلا الطاعة والرعية لا يصلحها إلا العدل) .
- (وقال عبد الملك بن مروان لبنيه: كلكم يترشح لهذا الأمر، ولا يصلح له منكم إلا من كان له سيف مسلول، ومال مبذول، وعدل تطمئن إليه القلوب) .
- وقيل: (منهل العدل أصفى من المرآة بعد الصقال، ومن قريحة البليغ الصائب في المقال. ومورد الجور أكدر من هناء الطال، ومن الوعد الممزوج بالمطال) .
- وكما قيل أيضًا: (المنصف يبغض حق أخيه فيولِّيه، والجائر مشغوف به فلا يخلِّيه) .
- (وقال أفلاطون: بالعدل ثبات الأشياء، وبالجور زوالها، لأن المعتدل هو الذي لا يزول.
- وقال الإسكندر: لا ينبغي لمن تمسك بالعدل أن يخاف أحدًا، فقد قيل: إن العدول لا يخافون الله تعالى، أي: لا خوف عليهم منه، إذا اتبعوا رضاه وانتهوا إلى أمره.
- وقال ذيو جانس للإسكندر: أيها الملك، عليك بالاعتدال في الأمور، فإن الزيادة عيبٌ، والنقصان عجزٌ.
- وقال الإسكندر لقومٍ من حكماء الهند: أيما أفضل: العدل أو الشجاعة؟
قالوا: إذا استعمل العدل استغني عن الشجاعة) .
- (وقال أردشير لابنه: يا بني، إنّ الملك والعدل أخوان لا غنى بأحدهما عن صاحبه فالملك أسٌّ والعدل حارس، وما لم يكن أسٌّ فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع) .
- وقيل: (يُبقي الملك ثلاثة: العدل وحسن التدبير، وفعل الخير) .
- وقيل أيضًا: (عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان) .

محمد رافع 52 14-05-2013 04:58 PM

العدل في واحة الشعر
قال ابن حزم:


زمامُ أُصولِ جميع الفضائلِ***عدلٌ وفهمٌ وجُودٌ وباسُ



فمِن هذه رُكِّبت غيرُها فمَن ***حازها فهو في الناس راسُ



كذا الرأسُ فيه الأمورُ التي ***بإحساسها يُكشفُ الالتباسُ



وقال الزمخشري: قدم المنصور البصرة قبل الخلافة، فنزل بواصل بن عطاء، فقال: أبيات بلغتني عن سليمان بن يزيد العدوي في العدل، فمرَّ بنا إليه، فأشرف عليهم من غرفة، فقال لواصل: من هذا الذي معك؟ قال: عبد الله ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: رحب على رحب ، وقرب إلى قرب، فقال: يحب أن يستمع إلى أبياتك في العدل، فأنشده:


حتَّى متى لا نرَى عدلًا نُسَرُّ به ***ولا نرَى لِوُلاةِ الحقِّ أعوانا



مستمسكين بحقٍّ قائمين به ***إذا تلَّون أهلُ الجوْرِ ألوانا



يا للرجالِ لدَاءٍ لا دواءَ له***وقائدٍ ذي عمَى يقتادُ عُميانا



وقال آخر:


أدِّ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ ***واعدلْ ولا تظلمْ يطيب المكسبُ



وقال أبو الفتح البستي:


عليك بالعدلِ إن وُلِّيت مملكةً ***واحذرْ مِن الجوْرِ فيها غايةَ الحذرِ



فالملك يبقَى على عدلِ الكفورِ ولا ***يبقَى مع الجوْرِ في بدْوٍ ولا حَضَرِ



وقال آخر:


عن العدلِ لا تعدلْ وكنْ متيقِّظًا ***وحكمُك بين النَّاس فليكُ بالقسطِ



وبالرِّفقِ عاملْهم وأحسنْ إليهمُ ***ولا تبدلنَّ وجه الرِّضا منك بالسَّخطِ



وحَلِّ بدُرِّ الحقِّ جِيد نظامِه ***وراقبْ إله الخلق في الحلِّ والربطِ

https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...LwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52 14-05-2013 05:05 PM

العِزَّة

معنى العِزَّة لغةً واصطلاحًا

معنى العِزَّة لغةً:
العِزُّ: خلاف الذُلِّ. وهو في الأصل: القُوَّة والشِّدَّة والغَلَبَة والرِّفعة والامْتِنَاع. يقال: عَزَّ يَعَزُّ -بالفتح للمضارع-: إذا اشتَدَّ وقَوِيَ، وبالكسر للمضارع: إذا قَوِيَ وامتَنَع، وبالضَّم: إذا غَلَب وقَهَر. ويقال: عَزَّ فلانٌ، أي: صَار عَزِيزًا، أي: قَوِيَ بعد ذِلَّة. وأعَزَّهُ الله. وهو يَعْتَزُّ بفلان، ورَجُلٌ عَزِيزٌ: مَنِيعٌ، لَا يُغْلب، وَلَا يُقْهر. وعَزَّ الشَّيء: إذا لم يُقْدَر عليه، وعَزَّ الشَّخص: قَوِيَ وبَرِئ من الذُّل .
فهذه المادة في كلام العرب لا تخرج عن معانٍ ثلاثةٍ:
(أحدها: بمعنى الغَلَبَة، يقولون: مَنْ عَزَّ بَزَّ. أي: من غَلَبَ سَلَبَ، يقال منه: عَزَّ يَعُزُّ، ومنه قوله تعالى وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص: 23].
والثَّاني: بمعنى الشِّدَّة والقُوَّة، يقال منه: عَزَّ يَعَزُّ.
والثَّالث: أن يكون بمعنى نَفَاسَة القَدْر، يقال منه: عَزَّ يَعِزُّ) .
معنى العِزَّة اصطلاحًا:
العِزَّة: حالة مانعة للإنسان من أن يُغْلَب .
وقيل: العِزَّة: القُوَّة والغَلَبَة والحَمِيَّة والأَنَفَة .
وقيل: العِزَّة: التَّأَبِّي عن حمل المذَلَّة، وقيل: الـتَّــرَفُّع عمَّا تَلْحَقه غَضَاضَة .

محمد رافع 52 14-05-2013 05:06 PM

الفرق بين الشَّرَف والعِزَّة
أنَّ العِزَّة تتضمَّن معنى الغَلَبَة والامْتِنَاع. فأمَّا قولهم: عَزَّ الطَّعام، فهو عَزِيزٌ، فمعناه: قَلَّ حتى لا يُقْدَر عليه، فشُبِّه بمن لا يُقْدَر عليه، لقُوَّته ومَنْعَته؛ لأنَّ العِزَّ بمعنى القِلَّة. والشَّرَف إنما هو في الأصل شَرَفُ المكان، ومنه قولهم: أَشْرَف فلان على الشَّيء، إذا صار فَوْقَه، ومنه قيل: شُرْفَة القصر، وأَشْرَف على التَّلَف، إذا قَارَبَه، ثمَّ استُعْمِل في كَرَم النَّسَب، فقيل للقرشي: شَرِيف. وكلُّ من له نسب مذكور عند العرب: شَرِيف. ولهذا لا يقال لله تعالى: شَرِيف، كما يقال له: عَزِيز

محمد رافع 52 14-05-2013 05:09 PM

أهمية العِزَّة

العِزَّة والإيمان صِنْوَان لا يفترقان، فمتى وَقَرَ الإيمان في قلب الرَّجل، وتشبَّع به كيَانُه، واختلط بشِغَاف قلبه، تشرَّب العِزَّة مباشرةً، فانبثقت منه أقوال وأفعال صادرة عن شعور عظيم بالفَخْر والاستعْلاء، لا فخرًا واستعلاءً على المؤمنين، بل هو على الكافرين. بل يَنْتُج -أيضًا- عن هذا الخُلُق الكريم، صِدْقُ الانتماء لهذا الدِّين، وقُوَّةُ الرَّابط مع أهله، والتَّواضُع لهم، والرَّحمة بهم.
قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ. [المنافقون: 8] (فجعل العِزَّة صِنْو الإيمان في القلب المؤمن؛ العِزَّة المستمدَّة من عِزَّته تعالى، العِزَّة التي لا تَهُون ولا تَهُن، ولا تنحني ولا تلين، ولا تُــزَايل القلب المؤمن في أحرج اللَّحظات، إلَّا أن يتضَعْضَع فيه الإيمان، فإذا استقرَّ الإيمان ورسخ، فالعِزَّة معه مستقِرَّة راسخة؛ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وكيف يعلمون وهم لا يتذوَّقون هذه العِزَّة، ولا يتَّصِلون بمصدرها الأصيل؟!) .
والعِزَّة تَنْتُج عن معرفة الإنسان لنفسه، وتقديره لها، وترفُّعه بها عن أن تصيب الدَّنايا، أو تُصَاب بها، أو أن تَخْنَع لغير الله عزَّ وجلَّ أو أن تركع لسواه، أو أن تُدَاهن، وتحابي في دين الله عزَّ وجلَّ ، أو أن ترضى بالدَّنيَّة فيه، فهي نتيجة طبيعيَّة لهذه المعرفة، كما أنَّ الكِبْر نتيجة طبيعيَّة للجهل بقيمة هذه النَّفس وبمقدارها، يقول الراغب الأصفهاني: (العِزَّة: منزلة شريفة، وهي نتيجة معرفة الإنسان بقدر نفسه، وإكرامها عن الضَّراعة للأعراض الدُّنيويَّة، كما أنَّ الكِبْر نتيجة جهل الإنسان بقدر نفسه، وإنزالها فوق منزلتها) .
والعِزَّة في الإسلام الحنيف، يستشعرها الدَّاخل في الإسلام بمجرَّد نُطْقه للشَّهادتين، فهو قد دخل في دين الحقِّ، الذي لا يضاهيه دين، والذي أظهره الله على الدِّين كلِّه، ولولا اتِّصافه بهذه الصَّفات ما دخل فيه، ولا استسلم وخضع لأحكامه وتشريعاته، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التَّوبة: 33]، وفي سورة الفتح: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح: 28].
ومما يُظْهِر فضيلة هذه الصِّفة ومَزِيَّتها: أنَّ الله قد تسمَّى بها في كتابه، فسمَّى نفسه: العزيز، أي: الغَاِلب الذي لا يُقْهر، واتَّصف بصفة العِزَّة الذي تضمَّنها الاسم. قال ابن بطَّال: (العزيز يتضمَّن العِزَّة، والعِزَّةُ يُحْتَمل أن تكون صفة ذات، بمعنى القُدْرَة والعظمة، وأن تكون صفة فعل، بمعنى القَهْر لمخلوقاته، والغَلَبَة لهم، ولذلك صحَّت إضافة اسمه إليها) .
وقال الغزالي: (العزيز: هو الخَطِير الذي يَقِلُّ وجود مِثْله، وتشتدُّ الحاجة إليه، ويصعُب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعاني الثَّلاثة، لم يُطْلَق عليه اسم العزيز... ثمَّ في كلِّ واحد من المعاني الثَّلاثة كمال ونقصان، والكمال في قلَّة الوجود: أن يرجع إلى واحد، إذْ لا أقلَّ من الواحد، ويكون بحيث يستحيل وجود مِثْله، وليس هذا إلا الله تعالى؛... وشدَّة الحاجة: أن يحتاج إليه كلُّ شيء في كلِّ شيء، حتى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك -على الكمال- إلَّا لله عزَّ وجلَّ ، والكمال في صعوبة المنَال: أن يستحيل الوصول إليه على معنى الإحاطة بكُنْهِه، وليس ذلك -على الكمال- إلَّا لله عزَّ وجلَّ ، فإنَّا قد بيَّنَّا أنَّه لا يَعرف اللهَ إلَّا الله؛ فهو العزيز المطْلَق الحقُّ، لا يوازيه فيه غيره) .
ويقول ابن القيِّم: (والعِزَّة يُرَاد بها ثلاثة معان: عِزَّة القُوَّة، وعِزَّة الامْتِنَاع، وعِزَّة القَهْر، والرَّبُّ -تبارك وتعالى- له العِزَّة التَّامة بالاعتبارات الثَّلاث) .
كما أنَّه سَمَّى نفسه المعِزَّ، فهو الذي يَهَب العِزَّة لمن يشاء، كما أنَّه يُذِلُّ من يشاء، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]، فهو المعِزُّ الحقيقي لمن يشاء إعزازه من البَشَر، بما يُقيِّض له من الأسباب الموجِبَة للعِزِّ.
إذن فهو عزيز في ذاته، فلا يَحْصُل له الغَلَبَة والقَهْر من أحدٍ سبحانه وتعالى، ومُعِزٌّ لمن شاء من خَلْقه متى شاء، وكَيْفَمَا شاء.

محمد رافع 52 15-05-2013 08:09 PM

أولًا: في القرآن الكريم

لم يفتأ كتاب الله عزَّ وجلَّ يبثُّ في قلب المؤمن وروحه هذا الشُّعور العظيم، الشُّعور بالعِزَّة المستمدَّة من عِزَّة هذا الدِّين وقُـوَّته، والمسْتَلْهَمة من آيات كتابه وتعاليمه، عِزَّةٌ تجعله يترفَّع عن كلِّ ما من شأنه أن يَحُطَّ من قدره، أو يُرْغِمه على إعطاء الدَّنيَّة في دينه.
ففي العديد من آيات الكتاب الكريم، ينبِّه المولى -تبارك وتعالى- على هذه القضيَّة، والتي ينبغي على المؤمن أن يجعلها نُصْب عينيه، فلا يغفل عنها، ولا يتساهل بها؛ لأنَّ الإسلام إنَّما جاء بالعِزَّة لأتباعه والرِّفعة لأوليائه.
وقبل أن نشْرَع في ذكر الآيات التي تحثُّ على صفة العزة وتدعو إليها، نذكر قول ابن الجوزي وهو يتحدَّث عن العِزَّة في القرآن، فيقول:
(ذكر بعض المفسِّرين أنَّ العِزَّة في القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: العَظَمَة. ومنه قوله تعالى في سورة الشُّعراء: وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشُّعراء:44]، وفي ص: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82].
والثَّاني: المنْعَة. ومنه قوله تعالى في سورة النِّساء: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النِّساء: 139].
والثَّالث: الحَمِيَّة. ومنه قوله تعالى في سورة البقرة: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206]، وفي سورة ص: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2]) .
- قال الله تبارك وتعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10].
(أي: من كان يَوَدُّ أن يكون عزيزًا في الدُّنْيا والآخرة، فليلزم طاعة الله تعالى، فإنَّ بها تُنَال العِزَّة؛ إذْ لله العِزَّة فيهما جميعًا) .
ويقول الشِّنقيطي: (بيَّن -جلَّ وعلا- في هذه الآية الكريمة: أنَّ من كان يريد العِزَّة، فإنَّها جميعها لله وحده، فليطلبها منه، وليتسبَّب لنيلها بطاعته -جلَّ وعلا- فإنَّ مَنْ أطاعه، أعطاه العِزَّة في الدُّنْيا والآخرة) . و(هذه الحقيقة كفيلة -حين تستقرُّ في القلوب- أن تبدِّل المعايير كلَّها، وتبدِّل الوسائل والخطط أيضًا! إنَّ العِزَّة كلَّها لله، وليس شيء منها عند أحد سواه، فمن كان يريد العِزَّة، فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره. ليطلبها عند الله، فهو واجدها هناك، وليس بواجدها عند أحد، ولا في أي كَنَف، ولا بأي سبب فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، وهنا ( يضمُّ الله -سبحانه- رسوله والمؤمنين إلى جانبه، ويُضْفِي عليهم من عِزَّته، وهو تكريم هائل، لا يكرِّمه إلا الله! وأي تكريم بعد أن يُوقِف الله -سبحانه- رسوله والمؤمنين معه إلى جواره، ويقول: ها نحن أُولاء! هذا لواء الأعزَّاء) .
- وقال الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النِّساء: 139].
قال ابن كثير: (أخبر تعالى بأنَّ العِزَّة كلَّها لله وحده لا شريك له، ولمن جعلها له. كما قال في الآية الأخرى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، والمقصود من هذا التَّهْيِيج على طلب العِزَّة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديَّته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النُّصْرَة في هذه الحياة الدُّنْيا، ويوم يقوم الأشهاد) .
ويقول الطَّبري: (فإنَّ الذين اتخذوهم -أي المنافقين- من الكافرين أولياء ابتغاء العِزَّة عندهم، هم الأذلَّاء الأقلَّاء، فهلَّا اتَّخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسوا العِزَّة والمنْعة والنُّصْرَة من عند الله الذي له العِزَّة والمنْعَة، الذي يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء، فيُعِزُّهم ويمنعهم) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].
في هذه الآية الكريمة أدب قرآني عظيم، وتوجيه ربَّانيٌّ كبير للثُّلَّة المؤمنة المجاهدة والصَّابرة، يحثُّهم فيه على عدم الهَوَان الذي ينافي العِزَّة ويضادُّها، ويُنْهِيها ويقضي عليها.
فهو أمرٌ للمؤمنين بالثَّبات على عِزَّتهم، حتى في الأوقات العصيبة؛ لتبقى العِزَّة ملازمة لهم، لا تنفكُّ عنهم في الضرَّاء والسَّرَّاء، في الفرح والحزن، في الحرب والسِّلم، في النَّصْر والهزيمة.
يقول الفَخْر الرَّازي: (كأنَّه قال: إذا بحثتم عن أحوال القرون الماضية، علمتم أنَّ أهل الباطل، وإن اتَّفقت لهم الصَّولة، لكن كان مآل الأمر إلى الضَّعف والفُتور، وصارت دولة أهل الحقِّ عالية، وصَوْلة أهل الباطل مُنْدَرِسة، فلا ينبغي أن تصير صَوْلَة الكفَّار عليكم -يوم أُحد- سببًا لضعف قلبكم ولجُبْنكم وعجزكم، بل يجب أن يَقْوى قلبكم، فإنَّ الاستعلاء سيحصل لكم، والقُوَّة والدَّولة راجعة إليكم) .
- قال الله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54] .
في هذه الآية الكريمة يُبيِّن الله -تبارك وتعالى- أنَّ العِزَّة على أهل الكفر، هي صفة من صفات جيل التَّمْكين، الذين أحبَّهم الله وأحبُّوه، وارتضاهم بديلًا عمَّن يرتد عن دينه، وبالمقابل فهم أذلَّة في تعاملهم مع إخوانهم من أهل الإيمان، يَخْفِضُون لهم الجناح تواضعًا، ويلينون لهم القول.


يقول الشِّنقيطي في ((أضواء البيان)): (أخبر تعالى المؤمنين -في هذه الآية الكريمة- إنَّهم إن ارتدَّ بعضهم، فإنَّ الله يأتي -عوضًا عن ذلك المرتد- بقوم، من صفاتهم: الذُّل للمؤمنين، والتَّواضع لهم، ولين الجانب، والقسوة والشِّدَّة على الكافرين، وهذا من كمال
صفات المؤمنين) .

محمد رافع 52 15-05-2013 08:12 PM

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبَويَّة
- عن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)) ، وكان تميم الدَّاري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرُ والشَّرَف والعزُّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذُّل والصَّغَار والجِزْية.
- وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلَّا أدخله الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها)) .
ففي هذا الحديث يُـبَشِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِعِزِّ هذا الدِّين وتمكينه في الأرض، وأنَّ هذا العِزَّ والتَّمكين سيكون سواءً بِعِزِّ عَزِيزٍ، أو بِذُلِّ ذَلِيلٍ، أي: (أدخل الله تعالى كلمة الإسلام في البيت مُلْتَبسة بِعِزِّ شخص عزيز، أي يُعِزُّه الله بها، حيث قَبِلها من غير سَبْيٍ وقتال، ((وذُلِّ ذَلِيلٍ)) أي: أو يُذِلُّه الله بها حيث أباها، والمعنى: يُذِلُّه الله -بسبب إبائها- بِذُلِّ سَبْيٍ أو قتال، حتى ينقاد إليها كَرْهًا أو طَوْعًا، أو يُذْعِن لها ببذل الجِزْية. والحديث مُقْتَبَسٌ من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التَّوبة: 33]، ثمَّ فسَّر العِزَّ والذُّل بقوله: (إمَّا يُعِزُّهم) أي: قومًا أَعَزُّوا الكلمة بالقبول، ((فيجعلهم من أهلها)) بالثَّبات إلى الممات، ((أو بِذُلِّهم)) أي: قومًا آخرين لم يلتفتوا إلى الكلمة وما قبلوها، فكأنَّهم أذَلُّوها، فَجُوزُوا بالإذلال جزاءً وفاقًا، ((فيدينون لها))... أي يُطيعون وينقادون لها) .
- و((أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عُيينة بن حصن بن حذيفة، والحارث بن عوف بن أبى حارثة، رئيسي غَطَفَان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة، وجرت المراوَضةَ في ذلك، ولم يتمَّ الأمر، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا: يا رسول الله، أشيء أمرك الله به فلا بدَّ لنا منه؟ أم شيء تحبُّه فنصنعه، أم شيء تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا أنِّى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنَّا نحن وهؤلاء القوم على الشِّرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطيقون أن يأكلوا منها تمرة إلا قِرَى أو بَيْعًا، فحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام، وهدانا له، وأعزَّنا بك وبه- نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلَّا السَّيف. فصوَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، وتمادوا على حالهم)) .


وهكذا كأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يربِّيهم على معاني
العِزَّة، ويغرسها في قلوبهم غرسًا.

محمد رافع 52 15-05-2013 08:30 PM

اقوال السَّلف والعلماء في العِزَّة

- قال عبد الله بن عمرو: (إيَّاك وعزَّة الغضب، فيضيرك إلى ذُلِّ الاعتذار. وإذا ما عَرَتك في الغضب العِزَّة فاذكر مَذَلَّة الاعتذار) .
- وقيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: فيك عَظَمَة. قال: لا، بل فيَّ عِزَّة الله تعالى، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] .
- وقال ابن أبي لبابة: (من طلب عِزًّا بباطل، أورثه الله ذُلًّا بحقٍّ) .
- قال رجل للحسن: (إنِّي أريد السِّند فأوصني. قال: أَعِزَّ أَمْرَ الله حيث ما كنت، يُعِزَّك الله. قال: فلقد كنت بالسِّند، وما بها أحدٌ أعزَّ منِّي) .
- وقال ابن عطاء: (العِزُّ في التَّواضع، فمن طلبه في الكِبْر، فهو كتطلُّب الماء من النَّار).
- وقال الأحنف: (لا تعدَّنَّ شَتْم الوالي شَتْمًا، ولا إغلاظه إغلاظًا، فإنَّ ريح العِزَّة تُبْسط اللِّسان بالغلظة في غير بأس ولا سخط) .
- وقال بعض السَّلف: (النَّاس يطلبون العِزَّ بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلَّا في طاعة الله) .
- وقال إبراهيم بن شيبان: (الشَّرَف في التَّواضع. والعِزُّ في التَّقوى. والحرِّية في القناعة).
- وعن سفيان الثَّوري أنَّه قال: (أَعَزُّ الخَلْق خمسة أنفس: عالم زاهد، وفقيه صوفيٌّ، وغنيٌّ متواضع، وفقير شاكر، وشريف سني) .
- وكان من دعاء بعض السَّلف: (اللهمَّ أعِزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك) .
- وقال آخر: (إذا طلبت العِزَّة، فاطلبها في الطَّاعة، وإن طلبت الغِنى، فاطلبه في القناعة) .


- وقال الغزالي: (من رزقه
القناعة حتى استغنى بها عن خَلْقه، وأمدَّه بالقوَّة والتَّأييد حتى استولى بها على صفات نفسه، فقد أعزَّه، وآتاه الملك عاجلًا، وسيعزُّه في الآخرة بالتَّقريب) .
- وقال -أيضًا-: (العزيز من العباد: من يحتاج إليه عباد الله في أهمِّ أمورهم، وهي الحياة الأخرويَّة، والسَّعادة الأبديَّة، وذلك ممَّا يَقِلُّ -لا محالة- وجوده، ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء -صلوات الله عليهم أجمعين- ويشاركهم في العزِّ، من ينفرد بالقُرب من درجتهم في عصره، كالخلفاء وورثتهم من العلماء، وعزَّة كلِّ واحدٍ منهم بقدر عُلوِّ رتبته عن سهولة النَّيل والمشاركة، وبقدر عنائه في إرشاد الخَلْق) .
- وقال ابن القيِّم: (العِزَّة والعُلُوُّ إنَّما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو علمٌ وعملٌ وحالٌ، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. [آل عمران: 139] فللعبد من العُلُوِّ بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]، فله من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مُقَابَلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا) .
- وقال ابن باديس: (الجاهل يمكن أن تعلِّمه، والجافي يمكن أن تهذِّبه، ولكن الذَّليل الذي نشأ على الذُّلِّ، يَعْسُر أو يتعذَّر أن تغرس في نفسه الذَّليلة المهينة عزَّةً وإباءً وشهامةً تُلْحِقه بالرِّجال) .

محمد رافع 52 15-05-2013 08:38 PM

أقسام العِزَّة

الخُلُق المحمود دائمًا ما يكون خُلقًا بين خُلقين مذمومين، فهو وسط بينهما، قال ابن القيِّم: (وكلُّ خُلُق محمود مُكْتَنف بخُلقين ذميمين. وهو وسط بينهما. وطرفاه خُلُقان ذميمان، كالجود: الذي يكتنفه خُلُقان: البخل والتَّبذير. والتَّواضع الذي يكتنفه خُلُقان: الذُّل والمهَانة، والكِبْر والعُلُو. فإنَّ النَّفس متى انحرفت عن التَّوسط، انحرفت إلى أحد الخُلُقين الذَّميمين ولا بدَّ...) ، وهكذا هو حال في العِزَّة، فهي خُلُق بين خُلُقين، أحدهما: الكِبْر، والآخر: الذُّل والهَوَان، والنَّفس (إذا انحرفت عن خُلُق العِزَّة -التي وهبها الله للمؤمنين- انحرفت إمَّا إلى كِبْرٍ، وإمَّا إلى ذُّلٍّ. والعِزَّة المحمودة بينهما) .
وقد ذكر الله العِزَّة في مواطن، فمدحها حينًا، وذمَّها حينًا آخر، (فمن الأوَّل: قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، وقال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصَّافَّات: 180]، ومن الثَّاني: قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2]، وبيان ذلك: أنَّ العِزَّة التي هي لله -جلَّ وعلا-، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وللمؤمنين -رضوان الله عليهم- هي الدَّائمة الباقية؛ التي هي العِزَّة الحقيقيَّة. والعِزَّة التي هي للكافرين والمخَالفين هي: التَّعزُّز، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ) .
وعلى ما سبق، يُمْكِننا أن نقسِّم العِزَّة إلى قسمين: شرعيَّة، وغير شرعيَّة.
العِزَّة الشَّرعيَّة:
إنَّها العِزَّة الحقيقيَّة.. العِزَّة في الحقِّ، وبالحقِّ، والتي يكون صاحبها عزيزًا ولو كان ضعيفًا مَظْلومًا، شامخًا ولو كان طريدًا مُستضَامًا، فتجده لا يركع إلا لله، ولا يتنازل عن شيء ممَّا أَمَره به، فهو يَعْتَزُّ بعِزَّة الله -تبارك وتعالى-، الذي يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء. فهذه هي العِزَّة بالحقِّ؛ لأنَّها اعْتِزَاز بمن يملكها، وإذعان له، وانتساب لشرعه وهديه.
وهي التي ترتبط بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، ووجه ذلك: أنَّ العِزَّة - التي لله ولرسوله وللمؤمنين - هي الدَّائمة الباقية، التي هي العِزَّة الحقيقيَّة، والعِزَّة التي هي للكافرين: هي التَّعزُّز، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ.
إنَّ (العِزَّة والإِباء والكرامة من أبرز الخِلَال التي نادى بها الإسلام، وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهَّد نماءها بما شرع من عقائد، وسنَّ من تعاليم، وإليها يشير عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه بقوله: أُحِبُّ الرَّجل -إذا سِيمَ خطَّة خَسْف - أن يقول -بملء فيه-: لا) .
صور العِزَّة الشَّرعيَّة:
1- الاعْتِزَاز بالله تبارك وتعالى:
فهو يعرف أنَّ الله عزيز، يَهَب العِزَّة من يشاء، كما أنَّه ينزعها ممَّن يشاء، كما أنَّه يوقن أنَّ الاعْتِزَاز بالعزيز عزَّة، والاعتماد عليه قوَّة، والالتزام بنَهْجِه شموخ، فتراه قويًّا بإيمانه به، عزيزًا بتوكُّله عليه، شامخًا بيقينه به.
وهو يعلم أنَّ الاعْتِزَاز بغيره ذلٌّ وهَوَان، والاستقواء بغيره ضعف، مُعْتَبِرًا بحال كلِّ من اعتزَّ بغير الله تعالى كيف هَوَى إلى مدارك الذِّلة، وهبط إلى حضيض المهَانة، وكيف تخلَّى عنه من اعتزَّ بهم، ليتَدَحْرج من ذُرَى العلياء والمجد -المزعوم الكاذب- إلى أسفل دركات الذُّلِّ؛ قال عبيدة بن أبي لبابة: (من طلب عزًّا بباطل وجور، أورثه الله ذُلًّا بإنصاف وعدل) .
2- الاعْتِزَاز بالانتساب للإسلام، والاعْتِزَاز بهديه وشرائعه:
فهو يعلم أنَّ هذا الدِّين دين العِزَّة والقوَّة، الذي يستمدُّ المسلمون عزَّهم من عِزِّه، وقوَّتهم من قوَّته، ومتى طلبوا العِزَّة في سواه -من مناهج الأرض الشَّرقيَّة أو الغربيَّة- أذلَّهم الله.
كما أنَّه لا يعتزُّ بقبيلة أو قوميَّة أو نسب أو عِرْق ممَّا ينتسب إليه أهل الجاهليَّة في القديم والحديث، بل عزَّته بدينه فقط، وعلى هذا ربَّى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أصحابه، فلمَّا سمعهم -بأبي هو وأمي، صلَّى الله عليه وسلَّم- ينادي بعضهم: يا للأنصار، وآخرون ينادون: يا للمهاجرين. قال صلى الله عليه وسلم: ((أبِدَعْوَى الجاهليَّة وأنا بين أظهركم)) ، وقال: ((دعوها فإنَّها منتنة)) .
حال المسلم -في اعْتِزَازه بدينه- كحال أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه حين قال: (نحن أمَّة أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العِزَّة بغيره، أذلَّنا الله) .
فلا اعْتِزَاز إلَّا بالإسلام، ولا انتماء إلَّا إلى الإسلام.


أبي الإسلام لا أبَ لي سواه***إذا افتخروا بقيس أو تميم



3- الاعْتِزَاز برسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهو يعتَــزُّ بكونه فَرْدًا في أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ينتسب إليه إذا انتسبت الأمم، ويُفَاخر به إذا ذُكِر القادة والمصلحون العظماء، يرجو شفاعته، ويتمنَّى لقائه، ويسأل الله أن يوفِّقه للسِّير على نهجه وإحياء سنَّته، والقيام بحقوقه.
4- إظهار العِزَّة على الكافرين، والذِّلَّة وخفض الجناح للمؤمنين:
وهذه من أعظم صور العِزَّة ومظاهرها: أن يُرِي المؤمن الكافرين من نفسه عزَّةً وقوَّةً واستعلاءً، لا كِبْرًا وبَطَرًا، بل إظهارًا لقوَّة هذا الدِّين وعزَّته وعلوِّه، قال الله عزَّ وجلَّ وهو يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، فهم رُحَماء فيما بينهم، ألَّا إنَّهم أشدَّاء على الكافرين، أقوياء في مواجهتهم. وقال -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة: 54]، فهذه صفتهم التي استحقُّوا بها التَّمكين، ونالوا بها شرف القيادة، فهم أذِلَّة على المؤمنين، خافضين الجناح لهم، ليِّنين في تعاملهم معهم، إلَّا أنَّهم -في الجانب الآخر- أشدَّاء أقوياء على الكافرين.
العِزَّة غير الشَّرعيَّة:
كاعْتِزَاز الكفَّار بكفرهم، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ، يقول -سبحانه-: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2] أو الاعْتِزَاز بالنَّسب على جهة الفَخْر، أو الاعْتِزَاز بالوطن والمال ونحوها، كلُّ هذه مذمومة.
من صور العِزَّة غير الشَّرعيَّة:
1- الاعْتِزَاز بالكفَّار من يهود ونصارى ومنافقين وغيرهم:
قال تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النِّساء: 138-139].
(واللهُ -جلَّ جلاله- يسأل في استنكار: لِمَ يتَّخذون الكافرين أولياء، وهم يزعمون الإيمان؟ لِمَ يضعون أنفسهم هذا الموضع، ويتَّخذون لأنفسهم هذا الموقف؟ أهم يطلبون العِزَّة والقوَّة عند الكافرين؟ لقد استأثر الله عزَّ وجلَّ بالعِزَّة، فلا يجدها إلَّا من يتولَّاه، ويطلبها عنده، ويَرْتَكِن إلى حِمَاه) .
2- الاعْتِزَاز بالآباء والأجداد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ((لينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنَّما هم فَحْم جهنَّم، أو ليكوننَّ أهْوَن على الله من الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بأنفه، إنَّ الله أذهب عنكم عُبِّـيَّةَ الجاهليَّة وفخرها بالآباء، إنَّما هو مؤمن تقيٌّ، وفاجر شقيٌّ، النَّاس كلُّهم بنو آدم، وآدم خُلِق من تراب)) .
3- الاعْتِزَاز بالقبيلة والرَّهط:
قال تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [هود: 91-92].
(أَجَماعة من البَشَر -مهما يكونوا من القُوَّة والمنْعة- فهم ناس، وهم ضِعَاف، وهم عِبَاد من عِبَاد الله.. أهؤلاء أعزُّ عليكم من الله؟ أهؤلاء أشدُّ قوَّة ورهبة في نفوسكم من الله؟ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا [هود: 92] . وهي صورة حسِّية للتَّرك والإعراض، تزيد في شناعة فِعْلَتهم، وهم يتركون الله ويُعْرضون عنه، وهم من خَلْقه، وهو رازقهم وممتِّعهم بالخير الذي هم فيه. فهو البَطَر وجحود النِّعمة وقلَّة الحياء، إلى جانب الكفر والتَّكذيب وسوء التَّقدير) .
وعن أبي مالك الأشعري، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع في أمَّتي من أمر الجاهليَّة، لا يتركونهنَّ: الفَخْر في الأحساب، والطَّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنُّجوم، والنِّياحة))، وقال: ((النَّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقَام يوم القيامة وعليها سِرْبَال من قَطِرَان ودِرْع من جَرَب )) .
4- الاعْتِزَاز بالكثرة، سواءً كان بالمال أو العدد:
قال تعالى في قصَّة صاحب الجنَّة، في سورة الكهف: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [الكهف: 34].
قال ابن كثير: أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا.
قال قتادة: تلك -والله- أمنيَّة الفاجر: كثرة المال وعزَّة النَّفر ).
5- الاعْتِزَاز بجمال الثِّياب:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لبس ثوب شُهْرة في الدُّنْيا، ألبسه الله ثوب مذلَّة يوم القيامة)) .
(والمراد أنَّ ثوبه يَشْتَهر بين النَّاس، لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع النَّاس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعُجب والتَّكبُّر.
قال ابن رسلان: لأنَّه لَبِس الشُّهْرَة في الدُّنْيا ليَعِزَّ به، ويفتخر على غيره، ويُلْبِسه الله -يوم القيامة- ثوبًا يَشْتهر مذلَّته واحتقاره بينهم عقوبةً له، والعقوبة من *** العمل، انتهى.
وقوله: ((ثوب مذَلَّة))، أي: أَلْبَسه الله -يوم القيامة- ثوب مذَلَّة، والمراد به: ثوب يوجب ذِلَّته يوم القيامة، كما لَبِس في الدُّنْيا ثوبًا يتَعَزَّز به على النَّاس، ويترفَّع به عليهم) .
6- الاعْتِزَاز بالأصنام والأوثان:
قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: 81-82].
(فهؤلاء -الذين كفروا ربَّهم- يتَّخذون من دونه آلهة، يطلبون عندها العِزَّة، والغَلَبَة والنُّصْرَة، وكان فيهم من يعبد الملائكة، ومن يعبد الجنَّ ويستنصر بهم، ويتَّقون بهم كَلَّا، فسيكفر الملائكة والجنُّ بعبادتهم، وينكرونها عليهم، ويَبْرَؤون إلى الله منهم، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا بالتَّبرُّؤ منهم، والشَّهادة عليهم) .

محمد رافع 52 15-05-2013 08:42 PM

أسباب العِزَّة الشَّرعيَّة

1- الاعتقاد الجازم والإيمان اليقينيُّ بأنَّ الله تعالى هو العزيز الذي لا يَغْلِبه شيء، وأنَّه هو مصدر العِزَّة وواهبها. قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]، فلا نصر إلَّا به، ولا استئناس إلَّا معه، ولا نجاح إلَّا بتوفيقه.
قال ابن القيِّم: (العِزَّة والعُلُوُّ إنَّما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو عِلمٌ وعملٌ وحالٌ، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]، فللعبد من العُلُوِّ بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، فله من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مُقَابَلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا) .
وهنا يُقْبِل مُريد العِزَّة على طاعة الله -تبارك وتعالى- فبمقدار طاعته له، تكون العِزَّة والشَّرَف والسُّؤدد، والعكس.. قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، قال طنطاوي: (والمعنى: من كان من النَّاس يريد العِزَّة التي لا ذِلَّة معها. فليطع الله، وليعتمد عليه وحده، فللَّه- تعالى- العِزَّة كلُّها في الدُّنْيا والآخرة، وليس لغيره منها شيء... قال القرطبي ما ملخَّصه: يريد -سبحانه- في هذه الآية، أن ينبِّه ذوي الأقدار والهمم، من أين تُنَال العِزَّة، ومن أين تُسْتَحق، فمَنْ طلب العِزَّة من الله- تعالى- وجدها عنده - إن شاء الله-، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه.. ومن طلبها من غيره، وَكَلَه إلى من طلبها عنده... ولقد أحسن القائل.


وإذا تذلَّــلَتِ الــرِّقاب تواضعًا ***منَّا إليك فعزُّها في ذلِّها



وقال قتادة: (من كان يريد العِزَّة، فليتعزَّز بطاعة الله تعالى) .
وكما أنَّ الطَّاعة تكسو الإنسان ثوب العِزَّة، وتَخْلَع عليه ثياب الكرامة، فإنَّ المعصية تكسوه ثياب الذُّلِّ، وتَخْلَع عليه المهَانة والانكسار، (والمعاصي تَسْلُب صاحبها أسماء المدح والشَّرَف والعِزَّة، وتكسوه أسماء الذُّل والذَّمِّ والصَّغار، وشتَّان ما بين الأمرين: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ [السجدة: 18] .
2- صدق الانتماء لهذا الدِّين، والشُّعور بالفَخْر للانتساب له، والاعْتِزَاز به، حتى ولو كان ذلك في زمن الاستضعاف، واستقواء أعداء المسلمين، يقول تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]، ويقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله الله هذا الدِّين، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذُلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)) .
3- متابعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في هديه، وطاعته في أمره، ولزوم سنَّته، فإنَّه بقدر ذلك تكون عِزَّة العبد في الدُّنْيا، وفلاحه في الآخرة، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله ابن عمرو أنَّه قال: ((بُعِثْت بالسَّيف بين يدي السَّاعة، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رمحي، وجُعل الذُّل والصَّغار على من خالف أمري)) .
يقول ابن القيِّم: (والمقصود أن بحسب متابعة الرَّسول تكون العِزَّة والكِفَاية والنُّصْرَة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنَّجاة، فالله - سبحانه - علَّق سعادة الدَّارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدَّارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعِزَّة والكِفَاية والنُّصْرَة والولاية والتَّأييد وطيب العيش في الدُّنْيا والآخرة، ولمخالفيه الذِّلَّة والصَّغار والخوف والضَّلال والخذلان والشَّقاء في الدُّنْيا والآخرة) .
4 - اليقين بأنَّ دين الله قد كُتِب له العُلُوُّ والتَّمكين في الأرض، وأنَّ دولة الكافرين وعزَّتهم سائرة إلى زوال؛ لأنَّها بُنيت على باطل وسراب، فبهذا الاعتقاد يتولَّد عند المؤمن شعور بالعِزَّة، وإحساس بالشَّرَف والعُلُوِّ.

محمد رافع 52 15-05-2013 08:44 PM

نماذج في العِزَّة عند الصَّحابة رضي الله عنهم
عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (ما زلنا أعزَّة منذ أسلم عمر) .
- عن طارق بن شهاب، قال: خرج عمر بن الخطَّاب إلى الشَّام، ومعنا أبو عبيدة بن الجرَّاح، فأتوا على مَخَاضَة ، وعمر على ناقة له، فنزل عنها، وخلع خُفَّيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته، فخاض بها المخَاضَة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أنت تفعل هذا، تخلع خُفَّيك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخَاضَة؟ ما يسرُّني أنَّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: (أَوَّه ، لم يقل ذا غيرك -أبا عبيدة- جعلته نكالًا لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العِزَّة بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا الله) .
- قال الشَّعبي: كانت دِرَّة عمر رضي الله عنه أهيب من سيف الحجَّاج. ولما جيء بالهرمزان -ملك خوزستان- أسيرًا إلى عمر، لم يزل الموكَّل به يقتفي أثر عمر، حتى عَثر عليه في المسجد نائمًا متوسِّدًا دِرَّته، فلمَّا رآه الهرمزان، قال: هذا هو الملك؟! والله إنِّي خدمت أربعة من الملوك الأكاسرة أصحاب التيجان، فما هِبْت أحدًا منهم كهيبتي لصاحب هذه الدِّرَّة .
أسامة بن زيد رضي الله عنه:
عن حكيم بن حزام، قال: كان محمَّد صلى الله عليه وسلم أحبَّ رجل من النَّاس إليَّ في الجاهليَّة، فلما نُبِّئ صلى الله عليه وسلم ، وخرج إلى المدينة، شهد حكيم الموْسِم وهو كافر، فوجد حُلَّة لذي يَزَن تُبَاع، فاشتراها ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقَدِم بها عليه المدينة، فأراده على قبضها هديَّةً، فأَبَى، فقال: إنَّا لا نقبل من المشركين شيئًا، ولكن إن شئت أخذتها منك بالثَّمن، فأعطيته إيَّاها حين أبى عليَّ الهديَّة، فلبسها، فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئًا أحسن منه يومئذ، ثمَّ أعطاها أسامة بن زيد، فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة، أنت تلبس حُلَّة ذي يَزَن؟! فقال: نعم، والله لأنا خير من ذي يَزَن، ولأبي خير من أبيه. قال حكيم: فانطلقت إلى أهل مكَّة، أُعجِّبهم بقول أسامة .

محمد رافع 52 15-05-2013 08:46 PM

نماذج في العِزَّة عند التَّابعين

طاووس:
قدم هشام بن عبد الملك حاجًّا إلى مكَّة، فلما دخلها، قال: ائتوني برجل من الصَّحابة. فقيل: يا أمير المؤمنين، قد تفانوا. قال: فمن التَّابعين، فأتوه بطاووس اليماني. فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، ولكن قال: السَّلام عليك، ولم يُكَنِّه، ولكن جلس بإزائه. قال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبًا شديدًا، حتى همَّ ب***ه. فقيل له: أنت في حرم الله ورسوله، فلا يمكن ذلك. فقيل له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: وما الذي صنعت؟! فازداد هشام غضبًا، وقال: لقد خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تقبِّل يدي، ولم تسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، ولم تكنِّني، وجلست بإزائي بغير إذني. وقلت: كيف أنت يا هشام؟ فقال: أمَّا ما خلعت نعلي بحاشية بساطك، فإنِّي أخلعهما بين يدي رب العِزَّة كلَّ يوم خمس مرَّات، فلا يعاتبني، ولا يغضب علي. وأما قولك: لم تقبِّل يدي. فإنِّي سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (لا يحلُّ لرجل أن يقبِّل يد أحد، إلَّا امرأته من شهوة أو ولده برحمة). وأما قولك: لم تسلِّم بإمرة أمير المؤمنين. فليس كلُّ النَّاس راضين بإمرتك، فكرهت أن أَكْذب. وأما قولك: جلست بإزائي؛ فإنِّي سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النَّار، فانظر إلى رجل جالس وحوله ناس قيام). وأما قولك: لم تكنِّني. فإنَّ الله عزَّ وجلَّ سمَّى أولياءه، وقال يا داود، يا يحيى، يا عيسى، وكنَّى أعداءه فقال:تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد: 1] فقال هشام: عِظْني. فقال: سمعت أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه يقول: (إنَّ في جهنَّم حيَّات كأمثال القِلَال، وعقارب كالبغال، تلدغ كلَّ أمير لا يعدل في رعيَّته)، ثمَّ قام وذهب .

محمد رافع 52 15-05-2013 08:48 PM

نماذج في العِزَّة عند العلماء المعاصرين
عبد الحميد الجزائري:
استدعى المندوب السَّامي الفرنسي في سورية الشَّيخ عبد الحميد الجزائري، وقال له: إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار، وإلَّا أرسلت جنودًا لإغلاق المسجد الذي تنفث فيه هذه السُّموم ضدَّنا، وإخماد أصواتك المنكرة. فأجاب الشَّيخ عبد الحميد: أيُّها الحاكم، إنَّك لا تستطيع ذلك؟! واستشاط الحاكم غضبًا، وقال: كيف لا أستطيع؟ قال الشَّيخ: إذا كنتُ في عُرْسٍ علَّمتُ المحتفلين، وإذا كنتُ في مأتم وعظتُ المعزِّين، وإن جلستُ في قطار علَّمتُ المسافرين، وإن دخلتُ السِّجن أرشدت المسجونين، وإن ***تموني ألهبت مشاعر المواطنين، وخير لك أيُّها الحاكم ألا تتعرَّض للأمَّة في دينها ولغتها

محمد رافع 52 15-05-2013 08:50 PM

قالوا عن العِزَّة

- ذكر الماوردي قول بعض الأدباء، فقال: (إيَّاك وعزَّة الغضب، فإنَّها تُفْضِي إلى ذُلِّ العذر) .
- وقيل في الحِكَم: (إذا أردت أن يكون لك عزٌّ لا يفنى، فلا تستعزَّ بعزٍّ يفنى. العطاء من الخَلْق حرمان، والمنع من الله إحسان، جلَّ ربُّنا أن يعامل العبد نقدًا فيجازيه نسيئة، إنَّ الله حَكَم بحكم قبل خَلْق السَّماوات والأرض: أن لا يطيعه أحد إلَّا أعزَّه، ولا يعصيه أحد إلَّا أذلَّه، فرَبَط مع الطَّاعة العزَّ، ومع المعصية الذُّلَّ، كما رَبَط مع الإحراق النَّار، فمن لا طاعة له لا عزَّ له) .
- وقال الحكيم: (الاعْتِزَاز بالعبيد منشؤه من حبِّ العزِّ وطلبه له، فإذا طلب العزَّ للدُّنْيا، وطلبه من العبيد، تَرَك العمل بالحقِّ والقولَ به، لينال ذلك العزَّ، فيعزُّوه ويعظِّموه، وعاقبة أمره الذِّلَّة، وأنَّه سبحانه يُمْهِل المخْذول، وينتهي به إلى أن يستخفَّ لباس الذُّلِّ، فعندها يَلْبسه، إمَّا في الدُّنْيا، أو يوم خروجه فيها، فيخرجه من أذلِّ ذلَّة وأ*** عُنْف) .
- قيل في بعض الصُّحف الأولى: (العِزَّة والقوَّة يعظمان القلب، وأفضل منهما خوف الله تعالى؛ لأنَّ من لزم خشية الله، لم يخف الوَضِيعة، ولم يحتج إلى ناصر) .
- وقيل: (احذر دعوة المظْلوم وتوقَّها، ورِقَّ لها إن واجهك بها، ولا تبعثك العِزَّة على البطش، فتزداد ببطشك ظلمًا، وبعزَّتك بغيًا. وحسبك بمَنْصُور عليك، الله ناصره منك) .
- وقيل: (من غرس الزُّهد اجتنى العِزَّة) .
- وقال ابن المقفَّع: (من تعزَّز بالله لم يذلَّه سلطان، ومن توكَّل عليه لم يضرَّه إنسان) .
- وقال المنفلوطي: (جاء الإسلام بعقيدة التَّوحيد ليرفع نفوس المسلمين، ويغرس في قلوبهم الشَّرَف والعِزَّة والأَنَفَة والحَمِيَّة، وليعتق رقابهم من رقِّ العبوديَّة، فلا يَذِلُّ صغيرهم لكبيرهم، ولا يهاب ضعيفهم قويَّهم، ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلا بالحقِّ والعدل) .

محمد رافع 52 15-05-2013 08:52 PM

العِزَّة في الأمثال
- (لا تُقرع له عصا) يشير إلى معاني العِزَّة والمنْعة التي يتَّصف بها الإنسان .
- الموت في مقام العِزَّة خير من الحياة في الذُّلِّ .
- ليست العِزَّة في حُسن البَزَّة .
- قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في العِزَّة قولهم: (تمرَّد ماردٌ، وعزَّ الأَبْلَقُ) .
(يضرب مثلًا للرجل العزيز المنيع الذي لا يقدر على اهتضامه. والمثل للزباء الملكة، ومارد حصن دومة الجندل، والأبلق حصن تيماء، وكانت الزباء أرادت هذين الحصنين فامتنعا عليها فقالت (تمرد مارد وعز الأبلق) وعزَّ أي: امتنع من الضيم) .

محمد رافع 52 15-05-2013 09:02 PM

العِزَّة في واحة الشِّعر
قال المتنبِّي:


عِش عزيزًا أو مُتْ وأنت كريم ***بين طَعنِ الـقَـنَا وخفق الـبنُـودِ



وقال آخر:


ستُّ عيونٍ مَن تأتَّتْ له***كانت له شافيةً كافية



العِلْمُ والعلياءُ والعفوُ والعِـ***زَّةُ والعِفَّةُ والعافية



وقال آخر:


لنا العِزَّة الـقَـعْسَاءُ والعدد الذي***عليه إذا عُـدَّ الحصى يُتَـحَـلَّفُ



وقال آخر:


وإذا ما اعْتَــرَتْك في الغَضَب العِزَّة***فَاذْكُر تَذَلُّلَ الِاعْتِذَارِ



وقال عبد الصَّمد بن المعَذَّل:


إذا عزَّ يومًا أخو***ك في بعض أمر فهُنْ



وقال الرَّبيع بن أبي الحُقَيق اليهودي:


إذا ماتَ منَّا سيِّدٌ قام بعده***له خلَفٌ بادي السِّيادةِ بارعُ



من أبنائنا والغصن ينضُر فرعُهُ***على أصله والعِرق للمرءِ نازعُ



وإنَّا لتغشانا الجدوبُ فما نُرَى***تُقَرِّبـُـنا للمُدنياتِ المطامعُ



وقال قَطَرِيُّ بن الفُجَاءة مُظهرًا عزَّة نفسه:


أقولُ لها إذا جاشتْ حياءً***من الأبطالِ ويحَك لن تُراعِي



فإنَّكِ لو طلبتِ حياةَ يومٍ***على الأجلِ الذي لكِ لن تُطاعي



فصبرًا في مجال الموتِ صبرًا***فما نَيْلُ الخلودِ بمُستطاعِ



وما ثوبُ الحياةِ بثوب عزٍّ***فيُطوَى عن أخي الخَنَع اليَراعِ



سبيلُ الموتِ غايةُ كلِّ حيٍّ***وداعِيه لأهل الأرض داعِي



ومَن لا يُعتبَطْ يهرَمْ ويسأَمْ***ويُفضِ به البقاءُ إلى انقطاعِ



وقال آخر:


ألا هل أتى الأقوام بَذْلي نصيحة ***حبوت بها منِّى سبيعًا وميثمًا



وقلت اعلما أنَّ التَّدابر غادرت***عواقبه للذُّلِّ والقُلِّ جرهما



فلا تقدحا زَنْد العقوق وأبقيا***على العِزَّة القَعْسَاء أن تتهدَّما



وقال النَّابغة الجعدي:


فإن كنتَ ترجو أن تحوِّل عزَّنا***بكفَّيْك فانقل ذا المناكب يذبُلا



وإني لأرجو إن أردت انتقاله***بكفَّيك أن يأتي عليك ويثقُلا

محمد رافع 52 15-05-2013 09:05 PM

http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg
العزم والعزيمة

معنى العزم والعزيمة لغةً واصطلاحًا

معنى العزم والعزيمة لغةً:
العزم: الصبر والجد، مصدر عَزَم على الأمر يَعْزِم عَزْمًا ومَعْزِمًا، وعُزْمانًا، وعَزِيمًا، وعَزِيمة. وعَزَمَه. والعَزْمُ الصبر في لغة هذيل. والعزيمة هي الحاجة التي قد عزمت على فعلها . قال الطبري: (أصل العزم اعتقاد القلب على الشيء) .
معنى العزم والعزيمة اصطلاحًا:
قال ابن عاشور في تعريف العزم: هو (إمضاء الرأي، وعدم التردد بعد تبين السداد) .
وقال الهروي: (العزم تحقيق القصد طوعًا أو كرهًا) .
وقال ابن الأثير: العزيمة (هي ما وكدت رأيك وعزمك عليه، ووفيت بعهد الله فيه) .

محمد رافع 52 15-05-2013 09:08 PM

الفرق بين العزم والحزم والنية
- الفرق بين العزم والحزم:
في العزم والحزم وجهان:
أحدهما: أن معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.
الثاني: معناهما مختلف:
الحزم والعزم أصلان، وما قاله المبرد من أن العين قلبت حاء ليس بشيء، لاطراد تصاريف كل واحد من اللفظين، فليس أحدهما أصلًا للآخر.
وفي اختلافهما وجهان:
- الحزم جودة النظر في الأمر، ونتيجته الحذر من الخطأ فيه. والعزم قصد الإمضاء، وعليه فالحزم الحذر والعزم القوة، ومنه المثل: لا خير في عزم بغير حزم.
الثاني: أن الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه، ومنه قولهم في بعض الأمثال: رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم .
- الفرق بين العزم والنية:
(الصلة بين النية والعزم: أنهما مرحلتان من مراحل الإرادة، والعزم اسم للمتقدم على الفعل، والنية اسم للمقترن بالفعل مع دخوله تحت العلم بالمنوي) .

محمد رافع 52 16-05-2013 10:29 PM

أولًا: في القرآن الكريم
العزم على فعل الخير وعدم التردد والمسارعة لفعل الخيرات من شيم الصالحين، والعزيمة هي الدافع لفعل الخير، ولهذا حثَّ الله عليها في كتابه في غير آية ومن ذلك:
- قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159].
وقال ابن جرير الطبري: (أما قوله: فإذا عزمت فتوكل على الله. فإنه يعني: فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك، أو خالفها، وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع وتحاول أو تزاول على ربك، فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم، فإنَّ الله يحبُّ المتوكلين، وهم الراضون بقضائه، والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه) .
وقال الجصاص: (في ذكر العزيمة عقيب المشاورة دلالة على أنها صدرت عن المشورة، وأنه لم يكن فيها نص قبلها) .
وقال البخاري: (فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله) .
- وقال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران: 186]
قال الشوكاني في قوله: فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: (مما يجب عليكم أن تعزموا عليه؛ لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها) .
وقال الرازي: (من صواب التدبير الذي لا شكَّ في ظهور الرشد فيه، وهو مما ينبغي لكل عاقل أن يعزم عليه، فتأخذ نفسه لا محالة به... ولا يجوز ذلك الترخص في تركه، فما كان من الأمور حميد العاقبة معروفًا بالرشد والصواب، فهو من عزم الأمور؛ لأنه مما لا يجوز لعاقل أن يترخص في تركه) .
وقال ابن عاشور: (وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أهل العزم؛ فإن ذلك من عزم الأمور) .
- وقوله تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 17].
قال أبو حيان الأندلسي: (العزم مصدر، فاحتمل أن يراد به المفعول، أي من معزوم الأمور، واحتمل أن يراد به الفاعل، أي عازم الأمور) .
قال القرطبي: (إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور، أي مما عزمه الله وأمر به قاله ابن جريج، ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق، وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، وقول ابن جريج أصوب) .
- وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: 43].
قال الماوردي: (يحتمل قوله: إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وجهين:
أحدهما: لمن عزائم الله التي أمر بها.
الثاني: لمن عزائم الصواب التي وفق لها) .
وقال ابن كثير: إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: لمن الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة، التي عليها ثواب جزيل، وثناء جميل) .
وقال السعدي: (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (أي: لمن الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يُوفَّق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر) .
وقال الواحدي: إِنَّ ذَلِكَ (أي: الصبر والغفران لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ؛ لأنَّه يوجب الثواب، فهو أتمُّ عزم) .
- وقوله تعالى: طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد: 21].
عن مجاهد في قوله تعالى: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ. قال: ((إذا جدَّ الأمر)). وقال قتادة: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ يقول: طواعية الله ورسوله، وقول معروف عند حقائق الأمور خير لهم) .
قال الرازي: (جوابه -أي جواب إذا- محذوف تقديره فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ خالفوا وتخلفوا، وهو مناسب لمعنى قراءة أُبيٍّ، كأنه يقول في أول الأمر قالوا سمعًا وطاعة، وعند آخر الأمر خالفوا وأخلفوا موعدهم، ونسب العزم إلى الأمر والعزم لصاحب الأمر معناه: فإذا عزم صاحب الأمر. هذا قول الزمخشري، ويحتمل أن يقال هو مجاز، كقولنا: جاء الأمر وولى، فإنَّ الأمر في الأول يتوقع أن لا يقع، وعند إظلاله وعجز الكاره عن إبطاله فهو واقع فقال عَزَمَ، والوجهان متقاربان) .
- وقال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115].
قال ابن الجوزي: (قوله تعالى: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا العزم في اللغة: توطين النفس على الفعل. وفي المعنى أربعة أقوال.
أحدها: لم نجد له حفظًا، رواه العوفي عن ابن عباس، والمعنى:لم يحفظ ما أُمِر به.
والثاني: صبرًا، قاله قتادة ومقاتل، والمعنى: لم يصبر عما نُهي عنه.
والثالث: حزمًا، قاله ابن السائب. قال ابن الأنباري: وهذا لا يُخرج آدم من أولي العزم. وإنما لم يكن له عزم في الأكل فحسب.
والرابع: عزمًا في العَوْد إِلى الذَّنْب) .
وقال الرازي: (قوله: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا يحتمل ولم نجد له عزمًا على القيام على المعصية، فيكون إلى المدح أقرب، ويحتمل أن يكون المراد ولم نجد له عزمًا على ترك المعصية، أو لم نجد له عزمًا على التحفظ والاحتراز عن الغفلة، أو لم نجد له عزمًا على الاحتياط في كيفية الاجتهاد؛ إذا قلنا: إنه عليه السلام إنما أخطأ بالاجتهاد) .
ورحج ابن جرير الطبري أن تأويل وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا هو (لم نجد له عزم قلب، على الوفاء لله بعهده، ولا على حفظ ما عهد إليه) .
وقال ابن عاشور: (واستعمل نفي وجدان العزم عند آدم في معنى عدم وجود العزم من صفته فيما عهد إليه؛ تمثيلًا لحال طلب حصوله عنده بحال الباحث على عزمه، فلم يجده عنده بعد البحث) .

محمد رافع 52 16-05-2013 10:32 PM

ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أبى هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقولنَّ أحدكم: اللهمَّ اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. ليعزم في الدعاء؛ فإنَّ الله صانع ما شاء لا مكره له)) .
قال النووي: (عزم المسألة: الشدة في طلبها، والحزم من غير ضعف في الطلب، ولا تعليق على مشيئة ونحوها) .
وقال ابن حجر: (قوله: ((فليعزم المسألة)). في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور الدعاء، ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه، وأن يجزم بوقوع مطلوبه، ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى، وإن كان مأمورًا في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله تعالى، وقيل معنى العزم: أن يحسن الظن بالله في الإجابة... وقال الداودي: معنى قوله ليعزم المسألة أن يجتهد ويلح، ولا يقل إن شئت كالمستثنى، ولكن دعاء البائس الفقير) .
قال بدر الدين العيني: (قوله: فليعزم المسألة. أي: فليقطع بالسؤال، ولا يعلق بالمشيئة؛ إذ في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب منه والمطلوب) .
وقال السيوطي: (ليعزم المسألة أي يعري دعاءه وسؤاله من لفظ المشيئة) .
- و(عن ابن مسعود، قال: لقد سألني رجل عن أمر ما دريت ما أردُّ عليه، فقال: أرأيت رجلًا مؤديًا نشيطًا يخرج مع أمرائنا في المغازي، فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها؟ فقلت له: والله ما أدري ما أقول لك، إلا أنا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلا مرة حتى نفعله، وإنَّ أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلًا فشفاه منه، وأوشك أن لا تجدوه، والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب شرب صفوه، وبقي كدره) .
قال بدر الدين العيني: (قوله: فيعزم علينا. أي: الأمير يشدد علينا في أشياء لا نطيقها، وقال الكرماني: فيعزم إن كان بلفظ المجهول فهو ظاهر يعني لا يحتاج إلى تقدير الفاعل ظاهرًا، هذا إن كان جاءت به رواية، قوله: حتى نفعله غايةً لقوله: لا يعزم. أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى) .
- وعن جماعة من الصحابة مرفوعًا (إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) .
قال المناوي: (عزائمه أي مطلوباته الواجبة، فإنَّ أمر الله في الرخص والعزائم واحد) .
قال القاري: (الرخصة إذا كانت حسنًا فالعزيمة أولى بذلك) .
- وعن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه قال: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم)) .
قال المناوي: (... ((وأسألك عزيمة الرشد)) وفي رواية: ((العزيمة على الرشد))، قال الحرالي: وهو حسن التصرف في الأمر، والإقامة عليه بحسب ما يثبت ويدوم) .

محمد رافع 52 16-05-2013 10:33 PM

من أقوال العلماء في العزم والعزيمة
- قال ابن منظور: (لا خير في عزم بغير حزم، فإنَّ القوة إذا لم يكن معها حذر أورطت صاحبها) .
- وقال فخر الدين الرازي: (منصب النبوة والإمامة لا يليق بالفاسقين؛ لأنَّه لا بد في الإمامة والنبوة من قوة العزم، والصبر على ضروب المحنة حتى يؤدي عن الله أمره ونهيه، ولا تأخذه في الدين لومة لائم، وسطوة جبار) .
- وقال الغزالي: (التقوى في قول شيوخنا: تنزيه القلب عن ذنب لم يسبق منك مثله، حتى يحصل للعبد من قوة العزم على تركه وقاية بينه وبين المعاصي) .
- وقال ابن الجوزي: (ليس في سياط التأديب أجود من سوط العزم)

محمد رافع 52 16-05-2013 10:38 PM

فوائد العزم والعزيمة
1- مظنة قبول الدعاء:
فقوة العزم والجزم في الدعاء، وعدم تعليقه بالمشيئة من آداب الدعاء وأرجى للقبول.
2- قوة العزم والعزيمة من وسائل تهذيب النفس، وتحصيل الأخلاق الفاضلة:
قال ابن قدامة: (وأشدُّ حاجة الرائض لنفسه، قوة العزم، فمتى كان مترددًا بعد فلاحه، ومتى أحس من نفسه ضعف العزم تصبر، فإذا انقضت عزيمتها عاقبها لئلا تعاود، كما قال رجل لنفسه: تتكلمين فيما لا يعنيك؟! لأعاقبنك بصوم سنة) . ومن صفات المؤمن القوي قوة العزم على الأمر.
3- قوة العزم والعزيمة تعين على تحقيق التقوى:
وذلك بحمل النفس على فعل المأمورات وترك المنهيات وهذه هي حقيقة التقوى قال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران: 186].


4- قوة
العزم والعزيمة تعين على ترك المعاصي.
5- العزم والعزيمة من وسائل التخلص من تلبيس الشيطان ووسوسته:
لأنه إذا كانت مهمة الشيطان هي الوسوسة، ومقصده منها (التشكيك والذبذبة والتردد، فإن عمومات التكليف تلزم المسلم بالعزم واليقين والمضي دون تردد، كما في قوله: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159]، وامتدح بعض الرسل بالعزم وأمر بالاقتداء بهم فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35]... فمن هذا كله كانت دوافع العزيمة مستقاة من التكاليف، مما يقضي على نوازع الشك والتردد، ولم يبق في قلب المؤمن مجال لشك ولا محل لوسوسة) .
6-


العزم على ترك الذنب من شروط قبول التوبة:
فالتوبة واجبة من كل ذنب ولها ثلاثة شروط:ومنها العزم على عدم العودة للذنب أبدًا .
قال أبو حازم: (عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أمَّه الفتوح) .
7- قوة العزم والعزيمة من علامات التوفيق:
قال ابن القيم: (الدين مداره على أصلين العزم والثبات، وهما الأصلان المذكوران في (الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)) . وأصل الشكر: صحة العزيمة، وأصل الصبر قوة الثبات، فمتى أُيِّد العبد بعزيمة وثبات فقد أُيِّد بالمعونة والتوفيق) .
8- قوة العزم والعزيمة تحصل للمرء كل مقام شريف ومنزلة رفيعة:
قال ابن القيم: (فإن كمال العبد بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص ،ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص، فإذا انضمَّ الثبات إلى العزيمة أثمر كلَّ مقام شريف وحال كامل، ولهذا في دعاء النبي الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)) ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر) .
9- صاحب


العزم والعزيمة القوية الصادقة أكثر الناس صبرًا على البلاء.
10- قوة العزم من صفات الأنبياء والمرسلين والصالحين:
قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].

محمد رافع 52 16-05-2013 10:46 PM

موانع اكتساب صفة العزم والعزيمة
1- مرض القلب وضعف النفس وانهزامها:
إذا فقد القلب عزمه خارت قوى الجسد مهما كان قويًّا، قال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
وقال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37]، فإنَّ ضعف العزيمة من ضعف حياة القلب، وهي دليل على حياته، وعلى مرضه أو موته.
2- العجز والكسل:
فالعجز والكسل (هما العائقان اللذان أكثر الرسول من التعوذ بالله سبحانه منهما ، وقد يعذر العاجز لعدم قدرته، بخلاف الكسول الذي يتثاقل ويتراخى مما ينبغي مع القدرة، قال تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46] .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ)) .
4- التسويف والتمني وترك الأخذ بالأسباب:
(وهما صفة بليد الحس عديم المبالاة، الذي كلما همت نفسه بخير- وعزمت عليه- إما يعيقها بـ(سوف) حتى يفجأه الموت فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 10]، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم ...وما أحسن ما قال أبو تمام:


من كان مرعى عزمه وهمومه***روض الأماني لم يزل مهزولا)



5- الخوف من الفشل:
إن الخوف الدائم من الفشل، وتوقع انتقاد الآخرين، من العوامل المؤثرة في ضعف عزيمة النفس، فالمطلوب هو أن تقاوم الخوف، وتتأسى بأصحاب العزم الصادق الذين قال الله تعالى عن عزمهم، وقوتهم في مواجهة الحياة، وحسن توكلهم عليه سبحانه في تقوية عزائمهم على مواجهة الصعوبات الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران: 173-174] واعلم أن عليك أن تسعى وتأخذ بالأسباب، وليس عليك تحصيل النتائج قال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23].
6- التردد وعدم وضوح الأهداف:
(إن الإسلام يكره لك أن تكون مترددًا في أمورك، تحار في اختيار أصوبها وأسلمها، وتكثر الهواجس في رأسك؛ فتخلق أمامك جوًّا من الريبة والتوجس، فلا تدري كيف تفعل، وتضعف قبضتك في الإمساك بما ينفعك فيفلت منك، ثم يذهب سدى) ، ولهذا شرع لنا الله سبحانه مشاورة أهل الرأي والخبرة من أهل الصلاح قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 43]، وشرع لنا الرسول الاستخارة ، إعانة للمرء على بلوغ الصواب، وبعد المشاورة يكون التنفيذ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159].


7-
سوء الظن بالله، واليأس، وفقدان الأمل، والنظرة التشاؤمية للحياة:
إن فقدان الأمل يقعد الإنسان عن طلب المعالي؛ ليأسه وحكمه على المستقبل بما يعيشه من واقع أليم، وإنَّ (عمل الشيطان هو تشييع الماضي بالنحيب والإعوال، هو ما يلقيه في النفس من أسى وقنوط على ما فات، إن الرجل لا يلتفت وراءه إلا بمقدار ما ينتفع به في حاضره ومستقبله، أما الوقوف مع هزائم الأمس، واستعادة أحزانها، والتعثر في عقابيلها وتكرار لو، وليت، فليس ذلك من خلق المسلم... قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [آل عمران: 156] .
وانظر لنبي الله يعقوب؛ لم يمنعه طول الزمان بعد فقدانه ليوسف في الأمل في الله أن يعيده له، بل ازداد أمله بعد حبس ابنه الثاني بمصر فقال لأولاده يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
8- قلة الصبر، وعدم الثبات، واستطالة الطريق، واستعجال النتائج:
قلة


الصبر وعدم الثبات تحرم الإنسان من بلوغ أي هدف، وتحقيق أي كمال، وما أخرج آدم عليه الصلاة والسلام من جنة الخلد، وجوار الرحمن، والعيش الهني، والمسكن الطيب إلى شقاء الدنيا، وتعبها، وهمومها إلا قلة الصبر عما نهاه الله عنه، وعدم الثبات على ما أمر به، قال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115] .
9-

الفتور والغفلة:
الفتور والغفلة هما رأس البلاء، ومكمن الداء، وإن كان (لابد من سنة الغفلة ورقاد الغفلة ولكن كن خفيف النوم) فلا يعني ذلك ترك الواجبات وفعل المحرمات، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِن لكل عمل شِرَّة ، ولكل شِرَّة فَتْرَة فمن كانت شِرَّتُهُ إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك)) .
ومن مظاهر ذلك:
- (تضييع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي والوقتي وعدم البركة في الأوقات، وعدم إنجاز شيء من العمل مع طول الزمن.
- عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي.
- الفوضوية في العمل: فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، الأعمال ارتجالية، التنقل بين الأعمال بغير داع.
- خداع النفس؛ بالانشغال مع الفراغ، وبالعمل وهي عاطلة، الانشغال بجزئيات لا قيمة لها ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، وإنما هي أعمال تافهة ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع.
- النقد لكل عمل إيجابي؛ تنصلًا من المشاركة والعمل، وتضخيم الأخطاء والسلبيات؛ تبريرًا لعجزه وفتوره، تراه يبحث عن المعاذير، ويصطنع الأسباب؛ للتخلص والفرار وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ. [التوبة: 81].)


.

محمد رافع 52 16-05-2013 11:01 PM

الوسائل المعينة على تقوية العزم والعزيمة
1- التوكل على الله وحسن الظن به سبحانه في الوصول للهدف:
أرشدنا الله سبحانه لهذا بقوله سبحانه: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] وإن من آثار عقيدة التوحيد في نفس المؤمن قوة العزم والصبر والثبات لعلمه أن الله معه وأنه مؤيده وناصره، فهو يردد قول الله تعالى: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] التي قالها إبراهيم عندما أُريد إلقاؤه في النار، ومحمد صلى الله عليه وسلم عندما خوِّف بصناديد المشركين، وقول هود عليه السلام لقومه: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ [هود: 55-56] .
2- الدعاء:
فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)).
3- الاقتداء بأصحاب العزائم من أهل الصلاح والدين:
قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].
وقال تعالى في الاقتداء بالصالحين قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4].
4- مصاحبة أهل العزائم القوية، والهمم العالية:
فالمرء على دين خليله، قال ابن تيمية: (الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض) ، وقال لقمان الحكيم لابنه: (من يقارن قرين السوء لا يسلم، ومن لا يملك لسانه يندم، يا بني كن عبدًا للأخيار، ولا تكن خليلًا للأشرار) .


أحبُّ الصالحين ولست منهم ***لعلي أن أنال بهم شفاعة



وأكره من تجارته المعاصي***وإن كنا سواء في البضاعة



5- المسارعة في التنفيذ، وعدم التردد بعد عقد العزم على العمل:
قال تعالى: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد: 21].
6- أخذ الأمور بجدية:
الجدية في الحياة كلها، وإلزام النفس بما يراد تحقيقه طريق الناجحين في حياتهم، ومن جدَّ وجدَ، ومن زرع حصد، قال تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: 12]، وقال تعالى: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 63 ].
7- عدم الاتكال على الحسب والنسب:
والقاعدة الإسلامية لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا يستوي العالم والجاهل، ولا المؤمن والكافر، ولا المجتهد والكسول، ولا القوي والضعيف.
قال المتنبي:


لا بقومي شرفت بل شرفوا بي***وبنفسي فخرت لا بجدودي



ولسنا وإن أحسابنا كرمت ***يومًا على الأحساب نتكل



نبني كما كانت أوائلنا***تبني ونفعل مثل ما فعلوا



إذا ما المرء لم يبن افتخارًا لنفسه***تضايق عنه ما بنته جدوده



8- الرغبة الصادقة في تقوية العزم والعزيمة:
وهذا يشمل خطوات:
- تغيير العادات السلبية إلى أخرى إيجابية:
السعي الحثيث لرفع العزيمة وتقويتها يبدأ بالرغبة في إصلاح مواطن الضعف في النفس، والصدق في تحويلها لمواطن قوة، ولهذا فلم تمنع قاتل التسعة والتسعين نفسًا آثامه من السعي للتغيير، بل ولما أكمل المائة ما زال عازمًا على التوبة، فبحث وسأل، بل وترك ما يحبُّ من أهل ووطن في سبيل ما يرجو، حتى كانت العاقبة مغفرة الله ورضوانه .
- تحديد الهدف المراد تحقيقه ووضوحه.
- معرفة فائدة العمل في حياتك الدينية والدنيوية.
فمعرفة فائدة العمل تعين على تحمل مشاق العمل، ولهذا جاءت الشريعة بالترغيب في العمل الصالح، والترهيب من المعاصي، وذمِّ البطالة والكسل.
- وضع أهداف قصيرة المدى.
- مكافأة النفس بعد كل عمل تنجزه، والمكافأة بقدر العمل.
- محاسبة النفس على التقصير، ومعاقبتها بترك بعض ما تحب.

محمد رافع 52 16-05-2013 11:08 PM

نماذج من عزم الأنبياء والمرسلين
لقد نال الأنبياء والمرسلين من قومهم الأذى الشديد، ولكنهم صبروا مما لقوه من المكاره وواصلوا مهمتهم بالعزم والإصرار، وقد أشاد القرآن بعزمهم الصادق في قوله: اصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].


وأولو
العزم من الرسل هم الذين صبروا وجدوا في سبيل دعوتهم .
نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام والعزم على طلب العلم:
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا [الكهف: 60].
(يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم، أنه قال لخادمه لا أزال مسافرًا وإن طالت علي الشقة، ولحقتني المشقة، حتى أصل إلى مجمع البحرين، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدًا من عباد الله العالـِمِين، عنده من العلم ما ليس عندك، أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا أي: مسافة طويلة، وهذا عزم منه جازم، فلذلك أمضاه) ، ولم يمنعه من الاستمرار في رحلته قوله لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا أي تعبًا، وكذلك لم يثنِ عزمه صلى الله عليه وسلم أنهم أخطؤوا الطريق قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 64-66].
وسبب رحلة نبي الله موسى لطلب العلم أنه (بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل؛ جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال موسى: لا. فأوحى الله عز وجل إلى موسى: بلى، عبدنا خضر. فسأل موسى السبيل إليه، فجعل الله له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع، فإنك ستلقاه) .

محمد رافع 52 16-05-2013 11:11 PM

نماذج من عزم النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة
لقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل تبليغه للرسالة أشد الأذى والمحن، فصبر، مع عزم لا يلين، ممتثلًا لأمر الله عز وجل له: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35] وقد تجلت عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم في مثابرته وجهاده ودعوته إلى الله عز وجل.
قال ابن جرير الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مثبته على المضي لما قلده من عبء الرسالة، وثقل أحمال النبوة صلى الله عليه وسلم، وآمره بالائتساء في العزم على النفوذ لذلك بأولي العزم من قبله من رسله الذين صبروا على عظيم ما لقوا فيه من قومهم من المكاره، ونالهم فيه منهم من الأذى والشدائد) .
وقال ابن عجيبة: (فإنك من جملتهم، بل من أكملهم وأفضلهم) .
والنماذج في تحمل النبي صلى الله عليه وسلم مشاق الدعوة وقوة عزيمته كثيرة، ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ((يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال: فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى وحده لا يشرك به شيئًا)) .

محمد رافع 52 16-05-2013 11:14 PM

نماذج من عزم الصحابة رضي الله عنهم

-عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبى طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، وألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلالًا فإنَّه قد هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه؛ فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد) .
قال السيوطي: (قد وافقوا المشركين على ما أرادوا منهم تقية، والتقية في مثل هذه الحال جائزة، لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106]، والصبر على أذاهم مستحب، وقد علموا على الرخصة، وعمل بلال على العزيمة) .


قال ابن الجوزي: (ولولا جدُّ أنس بن النضر في ترك هواه، وقد سمعت من أثر عزمته: لئن أشهدني الله مشهدًا ليرينَّ الله ما أصنع. فأقبل يوم أحد يقاتل حتى ***، فلم يعرف إلا ببنانه، فلولا هذا
العزم ما كان انبساط وجهه يوم حلف، والله لا تكسر سنُّ الربيع) .
- عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود قال: ((إني والله ما آمن يهود على كتاب)). قال: فما مرَّ بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال: فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم) .
- أرسل يزدجرد كسرى فارس إلى ملك الصين يطلب المدد لمحاربة المسلمين الذين استولوا على بلاد فارس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرسل ملك الصين يعتذر عن نجدته بقوله: (إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق علي، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك صفتهم لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو خلي سربهم أزالوني ما داموا على ما وصف، فسالمهم وارض منهم بالمساكنة، ولا تهجهم ما لم يهيجوك) .
- في (سنة سبع وثمانين وأربعمائة في شهر ربيع، وقيل في جمادى الأولى، أمير الجيوش: أبو النجم بدر الجمالي كان مملوكًا أرمنيًّا لجمال الدولة بن عمار؛ فلذلك عرف: بالجمال، وما زال يأخذ بالجد من زمن سبيه فيما يباشره، ويوطن نفسه على قوة العزم، وينتقل في الخدم، حتى ولي إمارة دمشق من قبل المستنصر) .

محمد رافع 52 16-05-2013 11:16 PM

أمثال في العزم والعزيمة
- قوة العزم تذيب الحجرا .
- رَوِّ بحزم، فإذا استوضحت فاعزم .
(ومعنى المثل أنَّ من حزم الإنسان أن يتروى في الأمر، ويتفكر في مجاريه وعواقبه، إذا أراد أن يأتيه، حتى إذا تبين له أنَّه محمود فليقدم عليه بعزم، ولا يتوانَ فيه حتى يدرك فتور فيتعطل) .
- قد أحزم لو أعزم .

محمد رافع 52 16-05-2013 11:21 PM

العزم والعزيمة في واحة الشعر


إذا هَمَّ ألقَى بين عينيه عزمَه***ونَكَّب عن ذكر العواقب جانبا



ولم يستشِرْ في أمره غيرَ نفسه***ولم يرضَ إلا قائمَ السيفِ صاحبا



قال امرؤ القيس:


ولو أنَّما أسعَى لأدَنى معيشةٍ***كفاني- ولم أطلبْ- قليلٌ من المالِ



ولكنَّما أسعَى لمجدٍ مؤثَّلٍ ***وقد يدركُ المجدَ المؤثلَ أمثالي



وقال أبودُلَف:


وليس فراغُ القلبِ مجدًا ورفعةً***ولكنَّ شغلَ القلبِ للمرءِ رافعُ



قال المتنبي:


إذا غامرتَ في شرفٍ مَرومٍ ***فلا تقنعْ بما دونَ النُّجومِ



فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ***كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ



وقال أيضًا:


على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ***وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ



وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارُها***وتصغرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ

https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...LwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52 16-05-2013 11:27 PM

العفة

معنى العفة لغةً واصطلاحًا

معنى العفة لغةً:
مصدر عفَّ يقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفًّا وعَفَافَةً أي: كفَّ، فهو عَفٌّ وعَفِيفٌ والمرأة عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ وأعَفَّهُ الله، واسْتَعَفَّ عن المسألة أي: عفَّ، وتَعَفَّفَ: تكلف العِفَّةَ.
والعِفة الكَفُّ عما لا يَحِلُّ ويَجْمُل، والاسْتِعْفاف طلَبُ العَفافِ .
معنى العفة اصطلاحًا:
هي: (هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوة، والخمود الذي هو تفريطها، فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة) .
وقيل هي: (ضبط النفس عن الشهوات وقصرها على الاكتفاء بما يقيم أود الجسد، ويحفظ صحته فقط، واجتناب السَّرف في جميع الملذات وقصد الاعتدال) .
وقيل هي: (ضبط النفس عن الملاذ الحيوانية، وهي حالة متوسطة من إفراط وهو الشره وتفريط وهو جمود الشهوة) .

محمد رافع 52 17-05-2013 11:23 PM

أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:30-31].
- وقال سبحانه: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور: 33].


(أي: ليطلب
العفة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون ما لا ينكحون به للصداق والنفقة، حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي: يوسع عليهم من رزقه) .
- وقال سبحانه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور: 60].
(وقوله: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ أي: وترك وضعهنَّ لثيابهنَّ وإن كان جائزًا خير وأفضل لهن، والله سميع عليم) .
- وقال سبحانه: لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم [البقرة: 273].
يحسبهم (... الْجَاهِلُ بحالهم أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ أي: من تعففهم عن السؤال وقناعتهم يظن من لا يعرف حالهم أنهم أغنياء، والتعفف التفعل من


العفة وهي الترك يقال: عفَّ عن الشيء إذا كف عنه، وتعفف إذا تكلف في الإمساك.
تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ السيماء والسيمياء والسمة: العلامة التي يعرف بها الشيء، واختلفوا في معناها هاهنا، فقال مجاهد: هي التخشع والتواضع، وقال السدي: أثر الجهد من الحاجة والفقر، وقال الضحاك: صفرة ألوانهم من الجوع والضر وقيل رثاثة ثيابهم، لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا قال عطاء: إذا كان عندهم غداء لا يسألون عشاءً، وإذا كان عندهم عشاء لا يسألون غداءً، وقيل: معناه لا يسألون الناس إلحافًا أصلًا لأنه قال: من التعفف، والتعفف ترك السؤال) .
- وقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء:6].
(أي: من كان في غُنْية عن مال اليتيم فَلْيستعففْ عنه، ولا يأكل منه شيئًا. قال الشعبي: هو عليه كالميتة والدم) .

محمد رافع 52 17-05-2013 11:26 PM

ثانيًأ: في السنة النبوية

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)) .


(أي
العفة من الزنا . قال الطِّيبي: إنما آثر هذه الصيغة إيذانًا بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الإنسان وتقصم ظهره، لولا أنَّ الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها، وأصعبها العفاف؛ لأنَّه قمع الشهوة الجبلِّية المركوزة فيه، وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين، فإذا استعفَّ وتداركه عون الله تعالى ترقَّى إلى منزلة الملائكة وأعلى عليين) .
- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم)) .
قال ابن عبد البرِّ في شرحه لهذا الحديث: (اضمنوا لي ستًّا: من الخصال ((من أنفسكم)) بأن تداوموا على فعلها ((أضمن لكم الجنة)) أي دخولها ((اصدقوا إذا حدثتم)) أي: لا تكذبوا في شيء من حديثكم إلا إن ترجح على الكذب مصلحة أرجح من مصلحة


الصدق في أمر مخصوص كحفظ معصوم ((وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم)). قال البيهقي: ودخل فيه ما تقلَّد المؤمن بإيمانه من العبادات، والأحكام، وما عليه من رعاية حق نفسه، وزوجه، وأصله، وفرعه، وأخيه المسلم، من نصحه، وحق مملوكه، أو مالكه، أو موليه، فأداء الأمانة في كل ذلك واجب ((واحفظوا)) أيها الرجال والنساء ((فروجكم)) عن فعل الحرام لثنائه تعالى على فاعليه بقوله: وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ [الأحزاب: 35] ((وغضُّوا أبصاركم)) كفوها عما لا يجوز النظر إليه ((وكفُّوا أيديكم)) امنعوها من تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعًا، فلا تضربوا بها من لا يسوغ ضربه، ولا تناولوا بها مأكولًا، أو مشروبًا حرامًا، ونحو ذلك، فمن فعل ذلك؛ فقد حصل على رتبة الاستقامة المأمور بها في القرآن، وتخلقوا بأخلاق أهل الإيمان) .
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ((إن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم. حتى إذا نفد ما عنده. قال: ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم. ومن يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغنِ يغنه الله. ومن يصبر يصبره الله. وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر)) .
قال ابن عبد البر: (فيه الحض على التعفف والاستغناء بالله عن عباده، والتصبر، وأنَّ ذلك أفضل ما أعطيه الإنسان، وفي هذا كلِّه نهي عن السؤال، وأمر بالقناعة والصبر) .
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وقعدت فاستقبلني وقال: من استغنى أغناه الله عز وجل ومن استعفَّ أعفَّه الله عزَّ وجلَّ، ومن استكفى كفاه الله عزَّ وجلَّ، ومن سأل وله قيمة أوقية، فقد ألحف. فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية فرجعت ولم أسأله)) .
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)) .
قال النووي: (أما العفاف والعفة؛ فهو التنزه عما لا يباح، والكف عنه، والغنى هنا غنى النفس، والاستغناء عن الناس، وعما في أيديهم) .

محمد رافع 52 17-05-2013 11:28 PM

أقوال السلف والعلماء في العفة

- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (المروءة مروءتان: مروءة ظاهرة، ومروءة باطنة، فالمروءة الظاهرة الرياش، والمروءة الباطنة العفاف) .
- وقال رضي الله عنه وهو على المنبر: (لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب؛ فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها، ولا تكلفوا الصغير الكسب؛ فإنه إذا لم يجد يسرق، وعفُّوا إذا أعفَّكم الله، وعليكم من المطاعم بما طاب منها) .
- وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (نحن معشر قريش نعدُّ الحلم والجود السؤدد، ونعدُّ العفاف وإصلاح المال المروءة) .
- وقدم وفد على معاوية فقال لهم: (ما تعدون المروءة؟ قالوا: العفاف وإصلاح المعيشة، قال: اسمع يا يزيد) .
- وقال محمد بن الحنفية (الكمال في ثلاثة: العفة في الدين، والصبر على النوائب، وحسن التدبير في المعيشة) .
- وقال عمر بن عبد العزيز: (خمس إذا أخطأ القاضي منهن خصلة كانت فيه وصمة: أن يكون فهمًا حليمًا عفيفًا صليبًا ، عالـمًا سؤولًا عن العلم) .
- وقال أيوب السختياني: (لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: العفة عن أموال الناس، والتجاوز عنهم) .
- وقال الحسن البصري: (لا يزال الرجل كريمًا على الناس حتى يطمع في دينارهم، فإذا فعل ذلك استخفوا به، وكرهوا حديثه وأبغضوه).
- وقال الشافعي: (الفضائل أربع: إحداها: الحكمة، وقوامها الفكرة. والثانية: العفَّة، وقوامها الشهوة.
والثالثة: القوة، وقوامها الغضب. والرابعة: العدل، وقوامه في اعتدال قوى النفس).
- وقال أبو حاتم البستي: (أعظم المصائب: سوء الخلق، والمسألة من الناس، والهم بالسؤال نصف الهرم، فكيف المباشرة بالسؤال، ومن عزت عليه نفسه، صغرت الدنيا في عينيه، ولا ينبل الرجل حتى يعفَّ عما في أيدي الناس، ويتجاوز عما يكون منهم، والسؤال من الإخوان ملال، ومن غيرهم ضد النوال) .
- وعن المديني قال: (كان يقال: مروءة الصبر عند الحاجة والفاقة بالتعفف، والغنى أكثر من مروءة الإعطاء) .

محمد رافع 52 17-05-2013 11:30 PM

فوائد العفة
1- سلامة المجتمع من الفواحش:
فالمجتمع الذي يتصف بالعفة يكون بعيدًا من الفواحش والرذائل.
2- أن العفيف من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
(ورجلٌ طلَبَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ، فقال إني أخافُ اللهَ)
3- العفة سبب للنجاة من الابتلاءات والمضائق:
فقد جاء في قصة أصحاب الغار، الذين انطبقت عليهم الصخرة، أن أحدهم توسل إلى الله بقوله: ((اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار؛ فطلبتها حتى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها فقالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا)) .
4- إعانة الله لمن أراد العفاف:
إن الله سبحانه وتعالى تكفل بمقتضى وعده إعانة من يريد النكاح حتى يعفَّ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حقٌّ على الله عزَّ وجل عونهم: المكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله)) .

محمد رافع 52 17-05-2013 11:32 PM

أقسام العفة

(العفة نوعان: أحدهما العفة عن المحارم، والثاني العفة عن المآثم.
فأما العفة عن المحارم فنوعان:
أحدهما: ضبط الفرج عن الحرام.
والثاني: كف اللسان عن الأعراض.
فأما ضبط الفرج عن الحرام؛ فلأنه مع وعيد الشرع، وزاجر العقل معرة فاضحة، وهتكة واضحة) .
(وأما العفة عن المآثم فنوعان: أحدهما: الكف عن المجاهرة بالظلم، والثاني: زجر النفس عن الإسرار بخيانة) .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.