مشاهدة النسخة كاملة : ساعة لقلبك وساعة لربك وساعة لهريك


أ/رضا عطيه
13-08-2016, 01:19 PM
أمينة خيرى


ساعة لقلبك وساعة لربك وساعة لهريك








تسارعت دقات قلبى، وتواترت نبضات عروقى، وتهرتقت قرون استشعارى،

ما أن انقطع البث وانطلق الأثير لإذاعة خارجية لينبئنا بأن مصر حصلت على القرض. فما القرض إلا سجال كبير. وما السجال إلا خناق رهيب. وما الخناق إلا هرى مهيب.

وما الهرى المهيب إلا سمة من سمات العصر فى مصر فى العام السادس عشر من الألفية الثالثة.

بدءاً بسائقى التاكسى المتمركزين أسفل الكوبرى لاحتساء الشاى، مروراً بكتائب التوك شو من محللين استراتيجيين وخبراء تكتيكيين ومختصين ما أنزل الله ببعضهم من سلطان،

وانتهاء بمتثورى «فيس بوك» وأحرار «تويتر» ومحترفى التدوين والتغريد على الفاضية والمليانة،

ينشغل المصريون والمصريات بتفنيد شروط القرض (غير المعلنة) وتحليل قواعد الاقتراض (غير المعروفة) وتفسير آثار القرض (غير المتوقعة) وتبرير عوامل الرفض غير المنطقية وقواعد القبول غير العلمية.

إنه الهرى يا سادة. ويمكن القول إننا من أعلى شعوب العالم قدرة على الهرى، وأعتى سكان المعمورة تفرغاً للهرى المقابل.

ويذكر أن الصندوق أو بالأحرى «بتوع الصندوق» -الذى زارت مصر بعثته أخيراً للتأكد من «الإصلاحات» وتقييم الإجراءات ورصد التحركات المالية والتحررية والتصحيحية- لقى اهتماماً منقطع النظير بين شتى فئات المصريين.

فبينما تجد فئة المثقفين نفسها مهمومة بما ستخلفه من قروض وديون وفوائد بليونية للأجيال المقبلة، تنخرط فئة خبراء الاقتصاد ومنظروه وأكاديميوه ومستشاروه فى حروب سجالية طاحنة ومعارك تنظيرية جارفة تتأرجح بين التخفيف من مخاوف قرض الصندوق والإغراق فى التحذير من مغباته،

وكل مستند على خبرة طويلة ومعرفة عميقة وإلمام شامل لأبعاد القروض والديون وتجارب دول سبقت مصر فى طريق الدين والإقراض.

وتظل هناك فئة ثالثة حيث القاعدة العريضة التى تسمع اسم الصندوق يتردد فى نشرات الأخبار وسيرته تتكرر فى برامج الحوارات وبلايينه تتبدد بين رفض الرافضين وتأييد المؤيدين.

ويمكن القول كذلك إننا نتفرد ونتميز ونبزغ بزوغاً غير تقليدى فى مجال تسييس الصناديق وتحميل المشاريع وقلب الحقائق وليّها لأغراض شخصية بحتة، أو أهداف أيديولوجية جمة،

أو مجرد لملء وقت الفراغ لا سيما بعد ما تم تصنيف بعضها بـ«ثوار» والبعض الآخر بـ«النشطاء» والثالث بـ«الأحرار» والرابع بـ«الإخوان» (الإخوانجية فى قاموس معارضيهم)

والخامس بـ«الوطنيين» (السيساوية فى قاموس كارهيهم) وهلم جرا. كثيرون من أولئك باتوا يخصصون جانباً من يومهم للهرى أو الهرى المضاد، وهو ما أسفر عن صبغ كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا بصبغة تبدو سياسية لكنها فى حقيقة الأمر تافهة سطحية لا محتوى فيها.

فلو كنت من مؤيدى الرئيس، فالقرض جميل. ولو كنت من معارضيه، فالقرض دخيل. وإن كنت من الإخوان فـ«القرض حرام» (باستثناء طبعاً لو كان قد أبرم فى عصر الشرعية والشريعة).

وعلى مدى أيام زيارة بعثة الصندوق، انقسمت الأجواء العنكبوتية بين فريق مؤيد للخطوات الرسمية على بينة نسبية بمخاطر الصندوق ومعلوماتية واضحة عن الأوضاع الاقتصادية وتسليم بقضاء الله وسياسات حقبة ما بعد الربيع،

وآخر مندد معارض مهدد منفر داق على أوتار «فشل السياسة» و«إخفاق الاقتصاد» حيناً و«عقاب ضياع الشرعية» و«انقشاع الشريعة» حيناً.

وحين يتفكر المرء فى الهرى المصرى الطاغى على الساحة، يبدو شكلاً من أشكال الإعجاز. ولا يملك الرائى إلا أن يتساءل: ومتى يعمل أولئك؟

فالناتج المحلى الإجمالى من التدوينات والتغريدات، ناهيك عن نقاشات القهاوى وقعدات العصارى وسهرات ما بعد منتصف الليل، تفوق الناتج المحلى الإجمالى لدول الشرقين الأقصى والأدنى مجتمعة. والفائض المتوقع فى ميزانية عام 2016- 2017 قادر على أن يحقق لمصر نقلة نوعية وقفزة جهنمية تجعلنا نترأس قائمة أعلى شعوب الأرض إنتاجية وأعتاها لولبية.

ولولا إيمان يصل حد اليقين لتشككت فيما أرى وأتابع من حجم الحراك والنشاط العنبكوتى على الفاضية والمليانة، وما يستحق وما لا يستحق على مدى ساعات الليل والنهار، التى يفترض أن يكون بعضها مخصصاً للعمل أو كسب العيش أو حتى النوم. متى يعمل أولئك؟ بل متى ينامون؟ أو متى يتمكنون من إمضاء الوقت مع الأسرة أو الأصدقاء؟

ولو كان الهرى والإدلاء بالرأى والتعبير عن مكنون النفس مرتكزاً ولو على قدر ضئيل من المعلوماتية، أو حجم بسيط من البحث والتقصى قبل الإفراط فى الهبد والرزع، لتفهمت واحترمت وتقبلت،

بل وشاركت وتداخلت لتكون الفائدة أعم وأشمل. لكن أن يؤكد أحدهم أن «قرض البنك الدولى إعلان وفاة مصر» وهو لا يعلم الفرق بين البنك الدولى وصندوق النقد الدولى،

أو تشير أخت ناشطة إلى أن «مصر لا تحتاج القرض، وكان فى الإمكان تخصيص الأموال التى تنفق على التسليح دون احتياج أن تحل محله وتفيض»،

أو يندب أحدهم متسائلاً «كل الفلوس دى بتروح فين؟! لا فيه مشروع ولا فيه تحسن ولا حاجة خالص غير الفشل»، حيث محدودية الرؤية وأنيميا الاطلاع على مشروعات الطرق والإسكان والتموين وغيرها،

فإن هذا يعنى أن الهرى بغرض الهرى. وعلى الصعيد الآخر، فإن كثيرين ممن يرون فى القرض خيراً مطلقاً وأملاً لا ريب فيه ونجاحاً منقطع النظير يبنون رؤاهم تلك على عاطفة جياشة أو وطنية عارمة أو حتى مخاوف هائلة تجعلهم يقعون فى حب الصندوق،

مبجلين محاسن القرض ومتغنين بالقواعد والشروط. غاية القول هو أن كل ما زاد على الحد ينقلب إلى الضد، والهرى حق مشروع، والهرى المضاد كذلك عرف معروف، وبحكم أننا شعب وسطى بالفطرة،

فلنرفع شعار «ساعة لقلبك، وساعة لربك، وساعة لهريك»، على أن تكون ساعة القلب للعمل فقط.

عماد عبد الستار
14-08-2016, 09:46 PM
http://www.samysoft.net/fmm/fimnew/shokr/3/86868686.gif (http://www.samygames.com/)

أ/رضا عطيه
15-08-2016, 10:49 PM
شكرا جزيلا لمرورك استاذنا الفاضل

جزاكم الله خيرا