مشاهدة النسخة كاملة : ويسألونك عن السرطان


ابو وليد البحيرى
13-05-2015, 12:09 PM
ويسألونك عن السرطان
عبد المطلب السح

يتألف جسمنا من أعضاء وأجهزة عديدة، وكل عضو يتألف من أجزاء أصغر تتكون بدورها من خلايا مجهرية الأبعاد لها كينونتها الخاصة وبنيتها المميزة، ويغطي كل ذلك الجلد ذلك الرداء الجميل الذي ألبسنا إياه الله - سبحانه-، تجري أحوال الجسم وأحداثه بمنتهى الدقة والنظام، وقد يختل ذلك الضبط بأن تتحول بعض الخلايا لسبب ما مجهول أو ربما معلوم، فتصبح خلايا كاسرة مهاجمة تلطم جوارها وأحبابها وأخوتها من الخلايا التي كانت معها في تعاون ووئام، إن تلك الخلايا التي كشرت عن أنيابها كذئاب الغابة، وزال من قلبها البياض ليحل مكانه السواد، تتكاثر بشكل كبير، مدمرة ما يحيط بها، محتلة المواقع حولها، ومرسلة بنذر شر إلى أماكن بعيدة في الجسم لتنشئ مستعمرات هنا وهناك تتزايد وتتكاثر فيها أيضاً، ففي البداية تكون الفريسة منطقة أو عضواً ما في البدن، ولكن في النهاية قد يكون الجسم كله هو الضحية لا سمح الله -.
تلك الخلايا هي الخلايا السرطانية، وهي أنواع مختلفة متنوعة، فالسرطانات قبيلة كثير عديدها، تحل بأي أرض من البدن، وتنزل المصائب بأي عضو، وتأتي في أي عمر من الجنين في بطن أمه إلى الكهل الكبير، وشدة الإصابة ودرجتها تختلف من نوع لآخر، ومن مريض لآخر، وسرعة حدوث الآفة أيضاً تتفاوت، وفي الأسباب قالوا ما قالوا، فهناك الأسباب الوراثية، وهناك السرطانات الولادية، وهناك بعض المواد الكيميائية، وحتى بعض الأدوية، وكذلك الفيروسات وبعض الأمراض كالإيدز وتشمع الكبد وبعض آفات الجلد، ومما يجدر ذكره أن سرطان القضيب يكثر عند غير المختونين، وهناك بالطبع تأثيرات الإشعاعات المختلفة، وهذه شاعت وانتشرت في عصر لوث فيه الإنسان الأرض والماء والهواء.
أما العضو أو الجهاز المصاب فيتنوع تنوع أجهزة البدن، فالسرطان يشتهي ما شئت، ولكن بدرجات تفضيل لبعضها أكثر من الآخر، اذكر ما تريد وأنت على صواب، فهناك من يؤذي الجملة الدموية، وهناك من يضرب الجملة العصبية، وهناك من يستبيح الجلد وملحقاته، وهناك من يعيث خراباً في القلب والعروق الدموية، وهناك من يستهدف الرئتين، وبعضها يبطش بالجملة المناعية، وبعضها يهدم العظام ويفتك بالعضلات، ومنها من تستهويه الكلى وأجهزة التناسل والتكاثر، وبعضها يتفنن ب***** الغدد، وبعضها يلتهم الجملة الهضمية، ومنها ما يجعل الكبد يكابد الأمرين، ومنها ما ينشب مخالبه بأكثر من عضو.
السرطان عندما يكون في الجلد فإنه قد يظهر بشكل تورم وانتفاخ، أو على شكل تقرح يطول انتظار شفائه، أو على شكل تغير بهيئة أو لون أو مواصفات الجلد، وربما يكون الورم في عقدة لمفاوية تحت الجلد تؤدي لارتفاع الجلد فوقها، وقد يكون السرطان كامناً في الداخل في الأعماق فيؤدي لتشكل ورم، ويكون هناك هضبة من خلف ستار، فلا العين رأته مباشرة، ولا الآخرون أشاروا له بالبنان، وإنما الأعراض وجهت له، وربما اليد حاولت أن تتحسسه، ومن ثم أتت عيننا التي اخترعناها من فحوص مخبرية وصور شعاعية وأجهزة تنظيرية لترينا العلة المختفية.
هناك أعراض يهوى السرطان الظهور بها من حمى ونقص شهية للطعام ونقص وزن وتعب عام وضعف ووهن وشحوب ونزوف والتهابات متكررة، وأعراض أخرى تحلو له وتتعلق بمكان الآفة كالصداع والتقيؤ والتبدلات العصبية والنفسية في أورام الدماغ، والسعال الذي يرافقه الدم في سرطان قصبات الرئة، والاضطرابات الهضمية في سرطانات الأمعاء، والبول المدمى في بعض السرطانات، وتغير الصوت في آفات الحنجرة، واضطراب العين حجماً ووظيفة في سرطانها، إلى ما هنالك من قائمة يطول سردها، وصفة أخرى تطيب له ألا وهي الإزمان وطول الإقامة.
بالطبع يجب الحذر قبل اتهام شكوى المريض بأنها توجه للسرطان، فليست الحمى بحد ذاتها دليلاً على السرطان، حيث أن الزكام البسيط قد يؤدي لحدوث حمى، وكذلك ليس نقص الوزن واسماً له فالنزلة المعوية (التهاب الأمعاء) تؤدي لإسهال وتجفاف ومن ثم نقص وزن، وحتى التورم الجلدي ليس علامة قاطعة، فلدغة نحلة تأتي بتورم مماثل وربما أكبر، فللعلامة صفات خاصة يجب أن تتمتع بها كي نقول عنها إنها قد تشير لسرطان لا سمح الله -.
السرطانات عموماً لها مواطئ قدم في كل أرجاء المعمورة، ولكن يختلف توزعها نوعاً وكماً من منطقة لأخرى، فلكل بيئة خصوصياتها وظروفها الصحية والاجتماعية والاقتصادية والمناخية والعرقية وعاداتها الغذائية والحياتية والسلوكية وغير ذلك من أمور تشكل بمجملها حالة تؤهب أو تمنع ظهور سرطان ما.
لكل داء دواء، والسرطان لا يخالف هذه القاعدة رغم قوته وشراسته، فهناك العلاجات العديدة والحديثة من دوائية كيميائية إلى شعاعية إلى جراحية إلى عرضية داعمة قد أدت بإذن الله لنسب نجاح وشفاء عالية للغاية والحمد لله -، فصار الشفاء بفضل الله - عز وجل - حقيقة واقعة وشائعة، وحتى الوقاية صارت متيسرة في العديد من الحالات، أو حتى اجتثاث الآفة قبل انتشارها وتوغلها في أرجاء البدن، لا بل إن بعض السرطانات تزول - بأمر الله من تلقاء نفسها، هذا ما يذكره الأدب الطبي وما شاهدته بأم عيني فرغم مرور أكثر من عشرين سنة لا زلت أذكر ذلك الطفل الذي ألم به سرطان النوروبلاستوما وشفي منه دونما علاج بفضل الله - تعالى -.
حكاية السرطان كبيرة كبر الحكايات التي نسجت حولها وليس من فراغ، وصغيرة هزيلة عند الذين تعمر قلوبهم حلاوة الإيمان والحمد لله.