مشاهدة النسخة كاملة : تفسير قوله تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط} [التحريم: 10]


abomokhtar
30-06-2014, 11:35 AM
السؤال
أستفسر عن قوله - تعالى -: ﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ﴾ [التحريم: 10]؛ بيَّن اللهُ في هذه الآية - كما هو ظاهرها -: أنَّ امرأة لوطٍ كانتْ كافرةً، لكن البعض يقول: إنها لم تكنْ كافرة، إنما أصبحتْ كافرةً بموافقة قومها، ويستدلون بقوله - تعالى -: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الذاريات: 35، 36]، الرجاء التوضيح.


الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فامرأةُ نبيِّ اللهِ لوطٍ - عليه السلام - كانتْ كافرةً، كما دلَّ على ذلك صريحُ القرآنِ؛ قال - تعالى -: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [الأعراف: 83]، وقال: ﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ [هود: 81]، وقال: ﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10]، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ.
قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري في "تفسيره" (23/ 497): "يقول - تعالى ذكرُه -: مَثَّل اللهُ مثلًا للذين كفروا من النَّاس، وسائِرِ الخلقِ امرأةَ نوحٍ، وامرأةَ لوطٍ؛ كانتا تحت عبدين مِن عبادنا، وهما: نوحٌ، ولوطٌ، فخانتاهما.
ذُكر أن خيانة امرأةِ نوحٍ زوجَها أنها كانتْ كافرةً، وكانتْ تقول للناس: إنه مجنونٌ، وأن خيانةَ امرأةِ لوطٍ، أن لوطًا كان يُسِرُّ الضيف، وتَدُلُّ عليه". اهـ.
أمَّا قوله - تعالى -: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الذاريات: 35، 36]، فهي لم تكنْ مؤمنةً؛ ولذلك لم تكنْ من الناجين المخرَجِينَ، فلم تدخُلْ في قوله: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، ولكنها لما كانتْ من أهل البيْتِ المسلم دخلتْ في قوله - تعالى -: ﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾، ولم يكنْ لوطٌ يَعلمُ بكفرِها، وكانتْ معه في البيت، وظاهرُها أنها مؤمنة، ولكنها كانتْ تبطن الكفر، فصارتْ بذلك من المنافقين؛ فأنجى الله لوطًا وأهله المؤمنين إلَّا امرأته، وسمَّى اللهُ البيْتَ بيْتَ إسلامٍ، وأهلَهُ مسلمين كلَّهم؛ لظاهِرِهِم، إلَّا أنه لم ينجُ منه إلَّا المؤمن، ولمَّا كانتْ كافرةً أهلكها اللهُ مع قومِها.
قال ابن القيم في "زاد المهاجر" (ص: 71): "فَفَرَّق بين الإسلام والإيمان هنا؛ لسرٍّ اقتضاهُ الكلامُ؛ فإن الإخراجَ هنا عبارةٌ عن النجاة، فهو إخراجُ نجاةٍ مِن العذاب، ولا رَيْبَ أن هذا مختصٌّ بالمؤمنين المتبِعين للرسل ظاهرًا وباطنًا، وقولُهُ - تعالى -: ﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الذاريات: 36]، لما كان الموجودون من المخرَجين، أوقعَ اسْمَ الإسلامِ عليهم؛ لأنَّ امرأة لوطٍ كانتْ مِن أهل هذا البيت، وهي مسلمةٌ في الظاهِر، فكانتْ في البيت الموجودين، لا في القوم الناجين، وقد أخْبَر - سبحانه - عن خيانة امرأة لوطٍ، وخيانتُها أنها كانتْ تَدُلُّ قومَها على أضيافِهِ، وقلبُها معهم، وليست خيانةَ فاحشةٍ؛ فكانت من أهلِ البيْتِ المُسلمينَ ظاهرًا، وليست من المؤمنينَ الناجِينَ.
ومَن وَضَعَ دلالةَ القرآن وألفاظَه مواضِعَها تَبَيَّن لهُ من أسرارِه وحِكَمِهِ ما يُبْهِرُ العُقُولَ، ويَعلَمُ أنه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ".

وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (7/ 473):
"وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ مِن النَّاسِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنَّ مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَاحِدٌ، وَعَارَضُوا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ تُوَافِقُ الْآيَةَ الْأُولَى؛ لأنَّ اللهَ أخبرَ أنه أخرَجَ مَن كان فيها مؤمنًا، وأنه لم يَجِدْ إلَّا أهل بَيْتٍ من المسلمين؛ وذلك لأنَّ امرأةَ لوطٍ كانتْ في أهلِ البيتِ الموجودِينَ، ولم تكن من المُخرَجين الذين نَجَوْا، بل كانتْ من الغابرين الباقين في العذاب، وكانتْ في الظاهر مع زوجها على دينِهِ، وفي الباطنِ مَعَ قومها على دينِهِم، خائنة لزوجها تَدُلُّ قومَها عَلَى أضيافِهِ؛ كما قال اللهُ - تعالى - فيها: ﴿ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾، وكانتْ خيانتُهما لهما في الدين لا في الْفِرَاشِ؛ فَإنه مَا بَغَت امْرَأةُ نَبِيٍّ قَطُّ؛ إذْ نِكاحُ الْكَافِرةِ قَدْ يَجوزُ فِي بَعْضِ الشَّرائعِ، وَيَجوزُ فِي شَرِيعَتِنَا نِكَاحُ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ، وَهُنَّ الْكِتَابِيَّاتُ، وَأَمَّا نِكَاحُ الْبَغِيِّ، فَهُوَ دِيَاثَةٌ، وَقَدْ صَانَ اللهُ النَّبِيَّ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَيُّوثًا، وَلِهَذَا؛ كَانَ الصَّوَابُ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْبَغِيِّ حَتَّى تَتُوبَ".