مشاهدة النسخة كاملة : شروط وموانع الحكم على المعيّن بالكفر


abomokhtar
22-11-2013, 09:02 AM
شروط وموانع الحكم على المعيّن بالكفر



عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يحكم على الشخص المعين بالكفر حتى تجتمع فيه جميع شروط التكفير وتنتفي عنه جميع الموانع فهم يفرقون بين التكفير المطلق وبين التكفير المعين أو بين تكفير العمل وبين تكفير العامل فقد يفعل الإنسان عملًا بالاتفاق أنه يكفر به لكن لا نكفر صاحبه (وهو العامل) حتى تتحقق فيه الشروط وتنتفي عنه الموانع.

مثال ذلك: لو أن رجلًا شك في قدرة الله - عز وجل - وقال: أن الله لا يقدر أن يعذبني - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا - فإن شكه هذا كفر باتفاق أئمة المسلمين فنحن نطلق هذا الحكم ونقول من قال هذا الشيء فإنه يكفر ولكن لا نستطيع أن نكفر شخصًا بعينه إذا وقع في مثل هذا حتى تتحقق فيه الشروط وتنتفي عنه الموانع لأنه قد يكون جاهلًا أو مكرهًا أو غير ذلك من الموانع التي سوف نذكرها.

ويدل على ذلك:
ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه -في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه وأوصى بنيه أنه إذا مات أن يحرقوه ويسحقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر وقال: "والله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذابًا ما عذب به أحد " وهذه المقولة كفر باتفاق أئمة المسلمين لأن فيها شكًا في قدرة الله ومع ذلك غفر الله له كما جاء في آخر الحديث لأنه حمله على قول ذلك الخوف من الله - عز وجل - كما ثبت في آخر الحديث، فدل هذا على أنه بمقولته جاهل فعُذر بالجهل إذ أنه لا يمكن أن يشك في قدرة الله ويخافه في نفس الوقت.

أولًا: شروط الحكم على المسلم المعين بالكفر:
1- أن يكون عالمًا بتحريم هذا الشيء المكفر.
والعلم ضده الجهل كما في المثال السابق فهذا انتفى عنه هذا الشرط كونه لا يعلم وسيأتي مزيد من تفصيل لهذا الشرط عند ذكر مانع الجهل بإذن الله تعالى.

2- أن يكون متعمدًا لفعله.
وضد العمد النسيان فكون فعل هذا المكفر ناسيًا فإننا لا نكفره بعينه إذ أنه لم يتعمد فعله لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- مرفوعًا " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه.

3- أن يكون مختارًا.
والاختيار ضده الإكراه وسيأتي بإذن الله في موانع التكفير.

ثانيًا: موانع الحكم على المسلم المعّين بالكفر:
1- الجهل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستغاثة (1/381): " إن تكفير المعين وجواز ***ه موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس من جهل شيئًا من الدين يكفر ".

وقال ابن القيم في مدارج السالكين (1/367 )بعد ذكره كفر من هجر فريضة من فرائض الإسلام أو أنكر صفة من صفات الله تعالى أو أنكر خبرًا أخبر الله به عمدًا، قال:" وأما جحد ذلك جهلًا أو تأويلًا يُعذر فيه صاحبه فلا يكفر صاحبه به ".

فمن فعل مكفرًا جهلًا فإنه لا يحكم عليه بالتكفير المعين حتى ينتفي في حقه هذا المانع والموانع الأخرى.

ويدل على هذا المانع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق في قصة الرجل الذي لم يعمل خيرًا قط فأمر أولاده إذا مات أن يحرقوه ثم يذروا رماده في شديد الريح في البحر، وقال: "والله لئن قدر عليّ ليعذبني عذابا ما عذب به أحد " فغفر له. والحديث متفق عليه.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى( 3/230 )بعد ذكره لهذا الحديث: " فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذُري، بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، ولكن كان جاهلًا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنًا يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك ".

ولأهل العلم أقوال وتفصيلات يطول ذكرها في المسائل التي يكون الجهل بها مانعًا من الحكم بكفر المعين، والمسائل التي لا يكون الجهل بها مانعًا من الحكم بكفره [انظر على سبيل المثال: المغني: الردة 3/249 مجموع الفتاوى ابن تيمية 35/164، 165، الدرر السنية 1/ 235،236، 520،521 و 10/ 386 - 474، فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 96 - 100 نواقض الإيمان الاعتقادية للوهي- بي 1/ 225 - 301، فتاوى ابن باز جمع الطيار 2/ 528، 529 ].

• قال الإمام محمد بن عبدالوهاب في مجموعته (12/ 60 ): " وأما ما ذكره الأعداء عنّي أنّي أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم ".

• قال ابن عثيمين:
الجهل بالمكفر على نوعين:
الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام، أو لا يدين بشيء، ولم يكن يخطر بباله أن دينًا يخالف ما هو عليه، فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا - أي أحكام الكفار - وأما في الآخرة فأمره إلى الله تعالى......

النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام، ولكنه عاش على هذا المكفر، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك، فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، أما في الآخرة فأمره إلى الله - عز وجل - وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم ".

2- التأويل.
والتأويل: هو أن يرتكب المسلم أمرًا كفريًا معتقدًا مشروعيته أو إباحته له لدليل يرى صحته أو لأمر يراه عذرًا له في ذلك وهو مخطئ في ذلك كله.

فِإذا اعتقد المسلم أو فعل أو قال أمرًا مخرجًا من الملة، وكان عنده شبهة تأويل في ذلك، وهو ممن يمكن وجود هذه الشبهة لديه، وكانت في مسألة يُحتملُ التأويل فيها، فإنه يُعذر بذلك، وحكى بعض العلماء إجماع أهل السنة على هذا المانع.

• قال الشافعي في الأم: الأقضية (6/ 205): " لم نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم ردّ شهادة أحد بتأويل، وإن خطأه وضلله ورآه استحل فيه ما حرم عليه، ولا ردّ شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول ". - وقال ابن حجر في فتح الباري (12/ 304): " قال العلماء كل متأول معذور بتأويله ليس بآثم إذا كان تأويله سائغًا في لسان العرب وكان له وجه في العلم ".

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (5/239 ): " إن المتأول الذي قصد متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يُكفَّر، بل ولا يُفسَّق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفّر المخطئين فيها، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع ".

• استدل أهل العلم على هذا المانع بما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستغاثة (1/282،283 )أنّ الصحابة - رضي الله عنهم - لم يكفروا قدامة بن مظعون - - رضي الله عنه - - لما شرب الخمر معتقدًا أنها تحل له ولأمثاله، متأولًا قوله تعالى ﴿ ليسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ ﴾ [المائدة: 93] فذكر أن الصحابة لم يكفروا قدامة ومن عمل مثل عمله بالاستحلال ابتداءً؛ لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق، فإن أصروا على الجحود وكفروا، وهذا الخبر رواه عبد الرزاق 9/240 وابن أبي شيبة 9/546 في مصنفيهما والبيهقي في سننه 8/16.

• قال ابن عثيمين: " ومن الموانع أيضًا أن يكون له شبهة تأويل في المكفر، بحيث يظن أنه على حق، لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة، فيكون داخلًا في قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]. ولأن هذا غاية جهده، فيكون داخلًا في قوله تعالى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286] [انظر مجموع الفتاوى لابن عثيمين (جمع فهد السليمان " 2/136 ].

• ولأهل العلم أيضًا تفصيل وأقوال يطول ذكرها في المسائل التي يكون التأويل فيها مانعًا من الحكم بكفر المعيّن، والمسائل التي لا يكون التأويل فيها مانعًا من الحكم بكفره [انظر على سبيل المثال: في مراجع مانع الجهل السابق فينظر في المغني: 12/276، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/263- 268و 5/161،162، ونواقض الإيمان الاعتقادية للوهيبي 2/20- 38 ورسالة (منهج ابن تيمية في مسألة التكفير) 1/193- 250 ].

• ذكر بعض أهل العلم أنه من أجل هذا المانع - وهو مانع التأويل - لم يكفّر الصحابة - رضي الله عنهم - الخوارج الذين خرجوا عليهم وحاربوهم وكفّروا الخليفة الراشد علي بن أبي طالب المشهود له بالجنة، واستحلوا دمه، حتى ***وه، واستحلوا دماء جميع من خالفهم، مع أن بعض ما وقعوا فيه هو من الأمور التي يكفّر مرتكبها.

• قال الشيخ عبدالرحمن السعدي في الإرشاد ص 207،208: " الخوارج الحرورية الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة والمسلمين، وكفّروهم واستحلوا دماءهم الثابت بالكتاب والسنة والإجماع عصمتها واحترامها، فضللوهم واستباحوا قتالهم حيث خرجوا عليهم، ولم يخرجوهم من دائرة الإسلام مع استحلالهم ما هو من ضروريات الدين، ولكن التأويل الذي قام بقلوبهم وظنوا أنه مراد الله ورسوله منع الصحابة من الحكم عليهم بالكفر إتباعا لقوله تعالى ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]، قال الله تعالى (قد فعلت) وهذا عام في كل ما أخطأ فيه المؤمنون من الأمور العملية والأمور الخبرية،بل أبلغ من ذلك أنهم يروون عنهم - أي يروون عن الخوارج - ويأخذون الأحاديث المتعلقة بالدين إذا تبين صدقهم، مع أنّ مذهبهم - غير تكفير المسلمين - إنكار الشفاعة في أهل الكبائر مع ثبوتها وتواترها، ولكنهم مع عدم تكفيرهم لهم قد حكموا عليهم بالضلال والمروق من الشريعة ومخالفة المسلمين، واستحلوا قتالهم، بل رأوه من أفضل الأعمال المقربة منه لشدة ضررهم في عقيدتهم ويسفهم ".

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (5/95): " لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم " [انظر أيضًا مجموع الفتاوى 3/282 و7/217 ].

وقال أيضًا في منهجه في التكفير( 1/198): "المحفوظ عن أحمد وغيره من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية المشبهه وأمثال هؤلاء.... مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية ولا كل من قال " إنه جهمي" كفّره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية... لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم، ويدعوا لهم، ويرى الإئتمام بهم في الصلوات خلفهم والحج والغزو معهم... ".

فائدة:
للتأويل نوعان: قال ابن عثيمين في المجموع الثمين( 2/63 ):
"النوع الثاني - أي من أنواع الجحود - إنكار التأويل، وهو أن لا يجحدها ولكن يؤلها، وهذا نوعان:
الأول: أن يكون لهذا التأويل مسوغ في اللغة العربية، فهذا لا يوجب الكفر.
الثاني: أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية، فهذا موجب للكفر؛ لأنه إذا لم يكن له مسوغ صار تكذيبًا، مثل أن يقول: ليس لله يد حقيقية، ولا بمعنى النعمة أو القوة فهذا كافر؛ لأنه نفاها نفيا مطلقًا فهو مكذب حقيقة، ولو قال في قوله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ المراد بيديه السماوات والأرض فهو كافر؛ لأنه لا يصح في اللغة العربية، ولا هو مقتضى الحقيقة الشرعية، فهو منكر مكذب ".

3- الإكراه.
قال ابن حزم في المحلى( 8/33 ): " والإكراه هو كل ما سمّي في اللغة إكراهًا، وعرف بالحس أنه إكراه، كالوعيد بال*** ممن لا يؤمن منه إنفاذ ما توعد به، والوعيد بالضرب كذلك... ".

وعرفه علاء الدين البخاري من فقهاء الحنفية - تعريفًا شاملًا فقال: " حمل الغير على أمر يمتنع عنه، بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه، ويصير الغير خائفًا فائت الرضا بالمباشرة " [انظر كشف الأسرار 4/482 ].

فإذا قال المسلم أو فعل أمرًا مكفرًا مخرجًا من الملة وهو في ذلك مكرها على *** أو ضرب يؤدي إلى إتلاف نفس أو نحوه فإنه يعذر بذلك ولا يكفر وإن كان قوله أو فعله مكفرًا.

ويدل على ذلك: قوله تعالى: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 106]، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم والمشهور في سبب نزول هذه الآية عند أهل التفسير، ما رواه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: " أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله، قال: (ما وراءك)؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: (كيف تجد قلبك) قال: مطمئنًا بالإيمان، قال: وإن عادوا فعد " رواه البيهقي والحاكم وصححه.

• قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن( 3/192) عن هذه الآية: " هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه ".

• وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة( 2/512 ): " واتفقوا على أنه (أي عمارًا) نزل فيه ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾.

وقال ابن العربي في أحكام القرآن( 3/1180): " لما سمح الله تعالى في الكفر به، وهو أصل الشريعة، عند الإكراه، ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذه به ".

أنواع الإكراه:
1- الإكراه الملجئ (وهو الإكراه التام).
وهو الذي يقع على نفس المكره، ولا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار: كأن يهدد الإنسان ب***ه أو بقطع عضو من أعضاءه كيده ورجله، أو بضرب شديد يفضي إلى هلاكه.

2- الإكراه غير الملجئ (وهو الإكراه الناقص).
وهو التهديد أو الوعيد بما دون تلف النفس أو العضو كالتخويف بالضرب أو الحبس أو أخذ المال اليسير أو الشتم ونحوه في كل ما لا يضطر الإنسان إلى مباشرة ما أكره عليه لتمكنه من الصبر على ما هُدّد به.

مسألة: شروط الإكراه (أو متى يكون الإكراه عذرًا؟)
1- أن يكون المكره - بكسر الراء - قادرًا على تحقيق ما أوعد به، لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة، فإن لم يكن قادرًا لم يكن للإكراه معنى ولا اعتبار.

2- أن يكون المكره - بفتح الراء - عاجزًا عن الدفع عن نفسه بالهرب أو الاستغاثة أو المقاومة أو نحو ذلك.

3- أن يغلب على ظنه وقوع الوعيد، إن لم يفعل ما طُلب منه.

4- أن يكون هذا الوعيد مما يستضر به المكره - بفتح الراء - ضررًا كثيرا كال*** والضرب الشديد، وأما الشتم والسب فليس بإكراه رواية واحدة وكذلك أخذ المال اليسير.

• ولأهل العلم أقوال وتفصيلات يطول ذكرها في الأمور التي يُعذر فيها الإكراه والأمور التي لا يُعذر فيها بذلك، وفي صور الإكراه، وهل يدخل فيها الخوف من ضرر محقق أم لا؟ [انظر على سبيل المثال: تعظيم قدر الصلاة ص 930، والمغني 12/292 - 295، شرح صحيح البخاري لابن بطال أول كتاب الإكراه 8/290، وشرح ابن حجر 12/311- 315، جامع العلوم والحكم (شرح الحديث 39)، نواقض الإيمان الاعتقادية للوهيبي 2/5- 19، ورسالة (منهج ابن تيمية في مسألة التكفير) 1/266- 270 ].

مسألة أخرى: ما الحكم لو أكره المرء على *** معصوم ليفدي نفسه؟
نقل الأئمة الإجماع على أنه لا يحل للمرء أن يفدي نفسه ب*** غيره، وممن نقل الإجماع ابن العربي والقرطبي وابن رجب.

قال القرطبي في تفسيره (10/183): " أجمع العلماء على أن من أكره على *** غيره، أنه لا يجوز له الإقدام على ***ه ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نزل به، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة ".

وإن ***ه فما الحكم؟
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 354: " فإذا ***ه في هذه الحال فالجمهور على أنهما يشتركان في وجوب القود المكرِه والمكرَه لاشتراكهما في ال*** ".

مسألة أخرى: هل يفرق في الإكراه بين الأقوال والأفعال؟
لا خلاف بين الفقهاء في أن أفعال القلوب كالحب والبغض لا مجال للإكراه فيها، واختلفوا في التفريق بين الأقوال والأفعال:
القول الأول: أن الرخصة في الإكراه تكون في الأقوال فقط دون الأفعال فلا رخصة فيها مثل أن يكره على السجود لغير الله أو *** مسلم أو الصلاة لغير القبلة أو الزنى أو أكل الربا، وقالوا لأن الآية السابقة التي نزلت في عمار وردت في القول فقط.

والقول الثاني: عدم التفريق بين الأقوال والأفعال لعموم قوله تعالى: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَان ِ ﴾ [النحل: 106] فلم يفرق في الآية بين القول والفعل.

• قال الشوكاني في فتح القدير( 3/197 ): (وذهب الحسن البصري والأوزاعي والشافعي وسحنون إلى أن هذه الرخصة المذكورة في هذه الآية، إنما جاءت في القول، وأما الفعل فلا رخصة، مثل أن يكره على السجود لغير الله ويدفعه ظاهر الآية فإن الآية عامة فيمن أكره من غير فرق بين القول و الفعل، ولا دليل لهؤلاء القاصرين للآية على القول، وخصوص السبب لا اعتبار به مع عموم اللفظ) وهذا القول هو الأرجح و الله أعلم.

زاد بعضهم في موانع التكفير:
4- الخطأ (وهو أن يريد ما يحسن فعله، ولكن يقع منه خلاف ما يريد).

5- التقليد: ومن أراد الاستزادة في هذين المانعين وهل هي معتبرة أم لا؟ فليراجع نواقض الإيمان الاعتقادية للوهيبي.

خاتمة في موانع التكفير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى( 12/487 ): " إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات - أي من قال أو فعل كذا فقد كفر - لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه، فإن الإمام أحمد مثلًا قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن، ونفي الصفات، وامتحنوه وسائر علماء وقته، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التّجهم بالضرب والحبس وال*** والعزل عن الولايات، وقطع الأرزاق ورد الشهادة، وترك تخليصهم من أرض أهل العدو، بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم يكفرون كل من لم يكن جهميًا موافقا لهم على نفي الصفات، مثل القول بخلق القرآن، ويحكمون فيه بحكمهم في الكافر.... ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون: إن القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة... ".

فائدة:
هذا التفصيل الذي يظهر منه الفرق ين الحكم المطلق والحكم على المعين موجود في كثير من الأحكام الشرعية ومنها مثلًا:
1- قطع يد السارق جاء حكمه في الشرع عامًا مطلقا، قال الله تعالى ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38] لكن لا يجوز قطع يد سارق معين حتى تتوفر فيه جميع شروط القطع وتنتفي عنه جميع موانعه، فلا بد أن يكون هذا السارق المعين بالغا عاقلا، ولا بد أن يكون سرق المال من حرزه، ولا بد أن يبلغ المال المسروق المقدار الذي تقطع اليد بسرقته ولا بد أن لا توجد شبهة لهذا السارق في هذا المال ونحو ذلك، فإذا توفرت جميع شروط القطع وانتفت موانعه وجب حينئذ الحكم بقطع يد هذا السارق المعين.

2- وكذلك جاء الحكم العام بوجوب رجم الثيب الزاني، لكن لا يجوز رجم رجل معين إذا زنا وهو ثيب حتى تتوفر فيه جميع شروط الرجم وتنتفي عنه جميع موانعه، فلا بد أن يكون عالما بتحريم الزنا فقد يكون حديث عهد بإسلام، ولم يعلم بتحريمه، ولا بد أن يكون محصنا، وأن تنتفي الشبهة، ونحو ذلك فإذا توفرت جميع شروط الرجم في هذا الزاني المعين وانتفت عنه جميع موانعه حكم برجمه.

3- وكذلك التفريق بين لعن المطلق ولعن المعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى( 10/329 ): " لعن المطلق لا يستلزم لعن المعين الذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة به، وكذلك التكفير المطلق والوعيد المطلق، ولهذا كان الوعيد المطلق في الكتاب والسنة مشروطا بثبوت شروط وانتفاء موانع ".



الشيخ عبدالله بن حمود الفريح (http://www.alukah.net/Authors/View/Sharia/2597/)