بعد متطلبات الحياة الضرورية واللازمة للبقاء والمتمثلة بالغذاء والدواء يأتي مطلب الاستقرار المتمثل بالمسكن الدائم الذي تعيش فيه هادئاً مطمئناً لاتتوقع أن ترحل منه في أية لحظة بطلب غير مبرر من مالكه، أو تجد نفسك مضطراً لذلك لألف سبب وسبب.
المتاعب والمعاناة الناجمة عن عدم الاستقرار لايحس بها سوى الذين اكتووا بنارها، وأولئك الذين يعيشون تحت سطوتها بانتظار اليوم الذي يرمون فيه عصا التنقل والرحيل ويجدون فيه حلاوة الاستقرار بعد طول عناء فالعمر الذي يمضي خارج نطاق الاستقرار ليس عمراً وإن عاش صاحبه، وعد الاعوام والأيام التي تتوالى وتتعاقب غير مستقرٍ صاحبها ليست من العمر قطعاً، لكنها تستقطع منه بلا شك، وهذه هي عين الخسارة وكثيرون هم الذين يدفعون الكثير من أعمارهم أو يدفعونها كاملة حين يعيشون بلا استقرار حتى النهاية، وهؤلاء لم يتكبدوا كل هذه الخسارة باختيارهم لكنهم فعلوا ذلك مكرهين حيث لاخيار أقل خسارة من ذلك.
أجمل ماسمعت عن ضرورة الاستقرار ماقاله أحدهم بعدما صار له مسكن خاص به بعد طول علاقة مع عدم الاستقرار الذي يصفه بالشتات حيث قال: الآن أستطيع أن أفكر بشكل صحيح وسليم. فهو يرى أن من لايملك مسكنه لايفكر بشكل سليم وكثيراً ما تكون آراؤه غير صائبة وحساباته خاطئة وأحلامه مزعجة وتصل إلى درجة الكوابيس المرعبة والأسباب كلها تجيء من عدم الاستقرار في مسكن لاعلاقة له بالإيجار.. وعلى هذا الرأي فإن امتلاك السكن هو أول متطلبات التفكير السليم وعلى من يهمه أن يكون تفكيره سليماً ورأيه سديداً وحساباته صحيحة أن يفكر أولاً بالاستقرار المتمثل بالسكن الدائم الذي يكون ملكاً له وعدا ذلك سوف تبقى الأمور المتعلقة بالعقل والتفكير- وكلها متعلقة به - بعيدة عن دائرة الصواب والإيجابية ولاحل لهكذا مشكلة إلا بالاستقرار على أن مسألة التفكير السليم لاتعني الفرد صاحب المشكلة وحده بقدر ماتعني كل المجتمع والدولة وهنا تكمن أهمية الموضوع وخطورته عندما يصبح عدد الذين لايفكرون بشكل سليم نتيجة عدم الاستقرار يفوق سواهم، إذ كيف يمكن لمعلم أو طبيب أو مهندس أو غيرهم أن يفكر بصورة سليمة ويبدع وهو يفتقر لأبسط مقومات الاستقرار وأهمها؟
إن مسألة التفكير السليم وفق هذا الرأي أو بعيداً عنه لاتتعارض مع فكرة أن الاستقرار في المسكن أول وأهم أسباب الإبداع في التفكير والعمل ولا يمكن تجاوز هذا السبب مهما كان الأمر وهنا لابد من السؤال إلى أي مدى تهتم المؤسسات المختلفة والدولة بصورة عامة بهذه القضية؟ وهل مسألة الإبداع تعنيها من قريب أو بعيد فتعمل على تهيئة أهم أسبابه وهو الاستقرار الذي يلغي التشتت الفكري والعقلي عند أكثر منتسبي تلك المؤسسات ومرافق الدولة بسبب مشكلة السكن وهو يستحوذ على اهتماماتهم وتفكيرهم؟ وقضية بهذا الحجم وبهذه الأهمية والخطورة لاينبغي التعاطي معها بالتجاهل والسخرية فثمة حلول يجب أن تدخل في هذه المعادلة، وإذا كان هذا الطرح خاطئاً فالسبب ماجاء في السياق وإن صح فهو غاية ما أرجوه هنا.

اية يا جماعة الموضوع مش عاجبكم ولا اية فين الردود