مشاهدة النسخة كاملة : ديوان


THE SMART BOY
24-06-2008, 02:19 PM
قراءة في ديوان العصافيــر.. للشاعر عماد على قطري

--------------------------------------------------------------------------------


[يجب عليك التسجيل لرؤية روابط الموضوع ومحتواه , منتدى همسة حب . إضغط هنا للتسجيل]



قراءة في ديوان العصافيــر.. للشاعر عماد على قطري
حاتم عبدالهادي السيد

هل كان عماد قطري في ديوانه (العصافيـــــــــر) يؤطر للحلم مساحة متساوقة، تمتزج فيها الواقعية السحرية بالسيموطيقا؟ أم تراه يمازج بين أوجاع الذات، وهموم الشعوب والأوطان فنراه يزقزق مع العصافير فوق نيل مصر، وبين ربوع اليمامة والرياض وكل أرجاء الوطن العربي الفسيح؟1

لقد تبلور مشروع الشاعر الشعري عبر دواوينه السابقة : ( عذراً سراييفو 1995م ) وديوان (يانيل 1998) وديوان ما بيننا 1999م ) وكذلك مسرحيته الشعرية (المحاكمة 1999م ) ثم ديوانه ( العصافير ) - الذي بين أيدينا الآن 1997م -، وعبر هذه الرحلة الممتدة من

شبراويش - مسقط رأس الشاعر في مصر، ثم إلى سيناء والرياض واليمامة في المملكة العربية السعودية.

إنها رحلة الريف إلى الصحراء، بين عرار نجد، وريح اليمامة، وعبق الإيمان بين مكة والمدينة وغيرها من باقي المدن في المملكة السعودية

وقد يحسب القارئ العليم بأننا تجاوزنا بحديثنا عن موضوع القراءة، وأؤكد أننا لم نغفل ذلك، بل عرجنا عليه لنؤطر لمسيرة الشاعر بين أرجاء اللغة وأمكنة الدهشة عبر صحراء الحلم الممتدة، حيث العصافير تحيلنا إلى فك شفرات النص واستكناه مضامينه وإشارياته الدالة أو المتضمنة عبر الدوال والتي تحيلنا بدورها إلى سبر أغوار النص ودلالاته الفنية والموضوعية من خلال الجمل الإشارية الذكية والموحية كذلك، ومع كلِ سنعتمد الإهداء الذي قدم به الشاعر ديوانه كمرجعية مركزية لفك شفرات النص وتلك ليست حيلة لغوية أو لعبة شعرية بل هي في مضمون استكناه نصوص الديوان يقول في الإهداء : (إلى دمنا المراق / إلى دماء الأسرى الشهداء التي أراقها اليهود في سيناء عام 1967م / إلى دماء الأسرى الشهداء التي أراقها الجنود في الدلتا عام 2007م )هذا

هذا ويعد العنوان - في الدراسات السيموطيقية الحديثة - من أهم العتبات الدلالية التي توجه القارئ إلى استكناه مضامين النص وتفكيك شفراته واستكناه محمولاته الدلالية، بما يعطيه من انطباع أولي عن المحتوى، وبما يمارسه من غواية وإغراء للمتلقي فهو أول مثير سيميائي في النص من حيث انه يتمركز في أعلاه ويبث خيوطه وإشعاعاته فيه ويجليها، ويشير إلى شيء ما يجعل المتلقي يتخذ الحفر والتنقيب سبيلا للكشف عنه وعن ملابساته كما أن الإهداء هو المرحلة اللاحقة لذلك ويقينا أن الدراسات العربية لا تلتفت إلى ذلك لكننا ومن وجهة نظر جديدة سنعتمد شفرة الإهداء وسيلة لقراءة الديوان وفك شفراته الدلالية والجمالية أيضاً

وأول الدوال أو شفرات النص التي تقابلنا نجدها عندما يقول : إلى دمنا المراق وهو هنا - بالطبع - يقصد الدم العربي الذي أهدر في كل من لبنان والعراق وفلسطين، ثم يأتي التخصيص بعد ذلك فيحدثنا عن قضية الأسرى والشهداء في سيناء، حيث حول الصهاينة أجساد جنودنا إلى برك من الدماء فكانت المقابر الجماعية، وكان الظلم والعار الذي لطخ كل عربي، ثم يحيلنا بعد ذلك - في الإهداء - إلى الواقع المصري عام 2007م، حيث الجنود يريقون دماء الضعفاء الكادحين في الريف المصري والذين شبههم بالأسرى أيضا، كما يعرض من خلال ذلك لهموم المواطن في الشارع المصري، يقول في قصيدته ( العصافير ) : هل تبيت العصافير جوعي / وتغدو خماصا /وتأوي إلى عشها بعد حين من البحث / جوعي / وما من رفيق / وما من وطن / خبزنا... / عند باب الكبار استراح / عند باب الحوانيت يشكو العفن / من يبيع الـ...؟ / من إذا ما انتهينا / يوف الثمن؟ /......... ربما يحمل القلب عبء الغياب / ربما..!! / يستطيع الحياة اشتياق الإياب / ربما طلقة من غبي تصيب الجناح / ربما ليس في العش غير العذاب / ربما.. ربما.. ربما.. !! / ليس غير الوطن / راية حانية / دوحة فى الهجير/ عشنا إن رمت في المساء / السهام الرياح /ألف سهم وسهم هناك / ليس يبقى طويلاً غريب الديار(الديوان ص 8 :11 )1لقد جمع شاعرنا ( عماد قطري ) في هذه المقاطع كل هموم المواطن : المصري والعربي حيث نراه يتحدث عن الإنسانية ومدى الظلم الذي يلاقيه الفقراء من الطغمة الحاكمة، أو من أولئك الذين يبيعون الأوطان ويدوسون على أحلام الفقراء أولئك الكادحين فى المصانع والحقول والحطابين في الجبال، إنها المعادلة الفارقة بين الرأسمالية والبروليتاريا، بين من يحكم، ومن يتحكم، إنها معركة الخير والشر منذ عهد آدم عليه السلام والى يومنا الحالي

لقد نادي ماوتسى تونج، وجيفارا، وغاندى، وأحمد بن بيلا، وبوذا وسقراط وغيرهم برفع الظلم عن الإنسان في العالم، كما نادى هيجل وماركس، ونادى عمر بن الخطاب، وعم بن عبد العزيز، وغيرهم بقضية العدل الإنساني وحقوق الإنسان، إذ أنها قضايا الشعوب المقهورة ضد الطغمة الحاكمة المستبدة فى كل العصور وشاعرنا - هنا - هو صوت الضمير، صوت الشعوب المقهورة والحالمة بأن تسود قيم الحق والخير والجمال . انها أحلام البسطاء، فماذا لو ثار البسطاء، ماذا عساهم يفعلون؟1

أن شاعرنا هنا يمزج هموم أهل القرية بهموم أهل المدينة، أى يمزج ما هو محلى بما هو قومى، وما هو قومى بما هو عروبي، ثم بين ما هو عروبي بما هو إسلامي، ثم يربط كل ذلك بالعالم. انها الهموم الشهية : هموم البسطاء الكادحين ( هموم الشعوب ) ورغبة أولئك المتوحشين في التهام هذه الفرائس الشهية لتتاخم أرصدتهم بالدولار والين واليورو، انها الآلام الشهية للوحوش المفترسة التي توغل في الدم وتظلم وتسجن وتقتل من أجل الجاه والسلطان والكرسى، انها المعادلة الصعبة للسلطة والشعب : السلطة بجبروتها وسطوتها وأسلجتها، والشعب بقيمه وتراثه وحضارته، انه صراع الثقافة مع العصا، وصراع القلم مع السيف، وصراع الإنسان مع الظلم والفساد والاستعمار، استعمار الأرض والعرض والشرف، واستعمار العقل والقيم والهوية، هنا تكون الكلمة الثورية، الكلمة المناضلة التي تستحث الشعوب للتمرد والثورة، لتعود الكرامة للإنسان، وتعلو القيم فوق قصور السلاطين والحكام، وفوق بطش المستعمر الغاشم، والحاكم الظالم، انها معركة المال والعقل، معركة السيف مع القلم، معركة العدل مع الظلم وكبت الحريات، ولقد ألمح شاعرنا إلى ذلك في قصيدته ( حوار بين مصريين ) يقول : من عهد مينا لم نزل نفدى الرئيس / بالروح.. / والروح التي باتت من الترداد روحا زائفة / قالوا الخليفة سيدك / أهلا وسهلا سيدى / والبيك والباشا الكبير حبظلم / أسيادك الأفذاذ فاسمع أمرهم / سمعا وألف تحية / رغم الأنوف الزاعقة / حند الفرنجة يافتى / وكبيرهم / هم سادتى / وال سير وال مسيو الكبير/ وظابط الترحيل في قسم الخليفة / سادتى..!! / قالوا الزعيم محرر / فاحمل نعالا فوق رأسك واصطبر / قالوا الرئيس مسدد / قاد الجيوش لنصرة / والضربة الأولى دليلك فاعتبر / والنهب والتوريث / صمتا لاتكن متبرما / أنت الصبور فكن حكيما / أو ترى عند المساء أفاعه / سمعا وألف تحية ( الديوان ص 50: 51) ان شاعرنا هنا يتمرد على المجتمعات التى تأله الحكام، وتجعلهم يورثون ملكهم وعروشهم لأبنائهم مستبعدين في ذلك المخلصين من السياسيين من العامة، ومع استبعادهم للشعوب الا أن الشاعر هنا يرفض كل ذلك، ومع أن القصيدة جاءت بعنوان حوارية بين مصريين الا أنها يمكن أن تنسحب على كل الحكام العرب كذلك

هذا ولقد جاءت قصائد الديوان : العصافير، بعض ما قاله النيل لك، حوارية بين يارا ووجه نيلى، حورس،حوارية بين مصريين، يا بلادي، تظاهرة، وقائع موت نيل مصر، بنات، أقول: جاءت كل هذه القصائد لتكشف الواقع المصرى وقضاياه، وتحكى عن قصص الألم والحرمان لطبقة الكادحين ومدى معاناتهم: في القرية، والحارة، والمدينة، وفى الصحراء بين مضارب الخيام والعشش وبيوت الفقراء الطينية لمجتمع البؤساء، وكأننا أمام ( فيكتور هوجو ) جديد يشرح المجتمع ليضع أمامنا صورة صادقة عن الظلم الذي استشرى والأحلام التي كبتت تحت أحذية الجنود الذين عاثوا فساداً وقتلوا الأبرياء، فكما ظلم الانجليز أهل دنشواى، وكما قتل المستعمرون أطفال مدرسة بحر البقر، فان رجال الشرطة والنظام - كما يذكر - قد أعادوا لنا صورة الظلم القديم، حيث العذاب لكل من يقول ( لا ) في وجه من قالوا : ( نعم )، انه قصف لكل معارض للأنظمة والحكام، فلا حزبية تجدي، ولا حقوق انسان تصان، ومع ذلك وجدنا العصافيـــــــــر لا تزل تزقزق للأمل القادم فوق نهر النيل الخالد، أو هي تقص للأطفال حكايات الغول والعفاريت التي تتسلق كل شيء، وتدخل مع خفافيش الظلام وزوار الفجر إلى غرف النوم، ويبقى النيل شاهداً على العصر ويحمل فى طياته آلاف القصص لسجناء الرأي والسياسيين من المناضلين، لذا لا غرو أن يستدعى لنا قصص ( شهرزاد وشهريار ) وحكاياتها للملك الظالم حتى تلهيه عن القتل والظلم كل ليلة، ومع ذلك نراها شهرزاداً عصرية حداثية، تحكى لنا عن الظلم العربى وعن أحداث فلسطين، ويافا، وبيروت، والعراق وغيرها تقول : (ياشهرزاد العرب تشتاق الحكاية / فاخلعى ثوب الغواية عن تباريح الزمان / ياشهرزاد الليل مفتوح على قصص العروبة / فابدئى ليل النواح / الديك محبوس فلن يغتال حكيك / نور فجر أو صباح / الديك فى سجن الخليفة / يحتمى بالآه والآلام من أثر الجراح / بلغ العروبة أن قاهرة المعز أزلها / مليار دولار سفاح / بلغ العروبة أن يافا أحرقت فاثاقلوا / وتذاكروا عبء الكفاح / بلغ العروبة أن بغداد الهوى سقطت / بأيدى الروم فاشتد النواح / واساقطت فوق الفرات قنابل الموت المنضب / فانتشت فرص الصياح / بالروح.. / لا روح هنالك فاستمرى / مات نبض القلب فينا.. واستراح ) ( أقوال شهرزاد، الديوان : ص 82 : 83 ) 0

لقد كشف شاعرنا - هنا - عن التبلد العربي، والهوان والضعف والعار فى مواجهة الصهاينة والأمريكان والبريطانيين وكل أعداء العروبة والإسلام، والعرب صامتون، عاجزون حتى أن يقولوا كلمة : لا !!0

إن هذا الديوان يحكى عن الدم العربي المستباح، دم الأطفال، ودم الشباب والفتيات، ويبقى السؤال : من يحمى الدم العربي؟ من يدافع عن الأسرى العرب؟ من يمنع الظلم عن العرب؟ ثم من يحمى العرب من العرب؟ ومن يحمى الشعوب المستضعفة من سطوة الطغاة؟0

إن هذا الديوان هو صورة رافضة، وهو ثورة للجياع، ثورة على الورق الآن، ثم تندفع فتصبح ثورة على المنابر، فثورة في الشوارع والميادين لإعادة تصحيح المسار، والقضاء على الظلم للانسان، ولكن رغم كل ذلك فان شاعرنا هنا يخبرنا بأن الأمل لايزل موجوداً طالما هناك رفض ومقاومة، وطالما هناك من يقول لا، يقول : يا بلادي يا رهينة / خلف خوف من سجون / أو تخوم أو سيوف لا تجوع / صوتنا آت ينادى / في القرى.. نيل النجاشى / في المدن / أقصى النجوع / فجرنا رفض الخنوع / فجرنا لا.. ألف لا.. من بعد لا /للعجز أو درب الركوع / فجرنا صبر ولكن.. / ليس عجزاً أو دموع / فجرنا فجر سيحمى نيلنا / المحفور فينا / في الفؤاد (يا بلادي، الديوان : 56).

هذا والديوان مليء بالميثولوجيا، وباستدعاء الإشارات الموحية، كما أن شاعرنا يستخدم التكثيف فى اللغة، والجمل ذات الدلالات التاريخية، أو الإحالات التراثية التي تحيلنا إلى مواقف أو أحداث أو غزوات قديمة، كما أن الديوان يتميز بكثرة الرموز والمفارقات، علاوة على كثرة استخدامه للمجاز وعلوم البيان والبديع والمعانى،كما يستخدم الايقاع العروضى للتفعيلة ذات الجرس المؤثر، والهادىء كذلك، كما يقبض شاعرنا على جذوة القصيدة لديه فنراه يستخدم التصريع أحيانا دون تكلف، أو يستخدم التجنيس والكناية بعناية فائقة، فكأنك أمام لوحة تشكيلية شكلها مبدع واقعى وميثيولوجى فى آن، ومع ميل بعض القصائد الى الخطابية، الا أنها خطابية مبررة وموظفة لخدمة النص وقد تكون أحيانا بقصدية منه اذ تستدعى القصائد الاستنهاضية الى نبرة القوة فى الخطاب، أى أنها خطابية اقتضتها الضرورة الفنية لحالة الانكسار والتلرهل التى أصابت المجتمعات العربية، فهو يستنهض فيهم الهمم ويذكرهم بأيام العرب حيث صلاح الدين الأيوبى ومعارك حطين وعين جالوت، والفتوحات الاسلامية مع موسى بن نصير وطارق بن زياد - وان لم يذكر ذلك صراحة - الا أنه متضمناً فى السياق العام لمدلولالات النصوص واشاريتها المتناثرة0

هذا وشاعرنا - هنا - يمزج فى أسلوب الكتابة بين ما هو تفعيلى وما هو عمودى فنراه فى قصيدته ( صبراً أيا بغداد ) يستلهم قصيدة الشاعر على بن الجهم حينما يقول :0

عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدرى ولا أدرى

وبنظرة متأنية نجد شاعرنا / عماد قطري قد أعاد لنا (فن المعارضات الشعرية ) ذلك الفن الجميل والأسلوب من الكتابة الذي قد تناسيناه على روعته، وفى هذا يقول معارضاً ومستلهماً ومخاطباً الشاعر العربي القديم : ما عاد جسر يا على ولم تعد عين المها بل لم يعد كرخ

أين الرصافة هاج عاشقها بها

ضاع الهوى فاستعظم الشرخ

هل هذه بغداد أحرفها غدت

اكس و واى ما بها النسخ؟

هل هذه بغداد فارسها جثي

تحت التراب فساسها المسخ؟

ثم يكمل فيقول:

قصفوا رؤوس النخل شاهدة

على أفعالهم فاستفحل اللبخ

هذى جموع القاذفات بجونا

وعلى الدروب يدوسنا الفخ

هذى الأ****ي نارها قتلت أخي

شبحاً تصول كأنها الرخ

ما عاد جسر الهوى يهوى هناك

وها هنا رقص... بلا النفخ

صبراً أيا بغداد موعدنا التقى

والفجر.. والأحلام..والكرخ


(قصيدة صبراً أيا بغداد، الديوان : 71:70)

ومع هذه المعارضة الشعرية الا أنه يكشف لنا عن الهم العربي في العراق، وعن الدماء المسالة والأسرى والشهداء، وعن سقوط الرمز وسقوط الكرامة في مستنقع الصمت والانكسار والخنوع والخوف، يقول : يا ألف خيل فوق جسمى وقعها / هذى حوافلرك التي أدمت أديم أحبتي / فانساب في دمنا الخنوع / يا ألف خيل والدروع وطلقة / الجوع ينهش والعفاف ممزق /والقلب نبع الآهة الثكلى يموت / وعيننا تشكو الدموع / ما للجروح

(بميت ألم قد تثور / ومن يهن يبقى أسيراً للركوع ( الديوان : 67:65

وشاعرنا لا ينفى عن نفسه أنه أسير كذلك مثل باقي الأسرى العرب في كل، الأقاليم العربية، لكنه أسر من نوع آخر، أسر البعاد عن الأهل والأحباب والديار، أسر الغريب من أجل البحث عن لقمة يطعم بها العصافير الصغار، عصافيره المقهورة مثل كل العصافير العربية التي تتغرب، يقول : كانت فضاءات اليمامة مرة / والأغنيات تصك سمعي / تفتدى مجداً وآيات الفخار / هذى بنايات الرياض تسد وجهي / قف !! /يا غريب الدار / لن تحيا.. ولن تمضى.. / فان الدرب نار / والقادمون على جياد الكره ألقوا في دروبي صرخة / لا.. عيروني باغترابي ألف عار / والنيل في دمى المسافر / يحضن الذكرى فيسمو / يرسم الدلتا شموساً / خضب دمع الصغار ) إلى أن يقول : ( فيما مقامك والدروب كئيبة/ والذكريات قديمها وجديدها شوك ونار / قد كبلونا قيودهم / أشغلونا بالخزامي.. بالصبا / شم العرار هل كبلوك وأنت حر / هل ترى فى القيد سداً / أم تراك اشتقت عيشاً كالبهائم فى القفار / لا.. /لم نكن يوما كسالى / بل خرجنا نزرع الأيام كداً / نرتجى فجراً ودرباً للصغار (قصيدة آيبون، الديوان : 15: 17)0

ومع هذا الاغتراب وهذه الهجرة للشباب من أجل الحصول على المسكن والطعام للأطفال إلا أن الشاعر يرفض هذه الغربة كذلك، اذ أن الاغتراب والتعيير به هو سمة تحدث لكل المعتربين، لكنهم يصبرون على هذا الأسر الاختياري من أجل الحرية للصغار، انه أسر الذات وتحمل المشقة من أجل الآخرين وهذا حال العرب والمصريين الذين لم يجدوا سعة الرزق في أوطانهم فغادروها بين القفار والصحارى، ومع هذه الغربة فشاعرنا يحن إلى نيل مصر، إلى الحضن الدافىء الرءوم0

هذا ونلحظ استخدام الشاعر للمعادل الموضوعي بشكل عام، فالنيل وخبز الصغار والانكسار العربي هو الصورة الكلية التي تنسحب على كل قصائد الديوان لتحكى معادل الفقر والمرض والجوع والأمية والانهزامية، وكلها أمراض أبتلينا بها من جراء العجز العربي ومع ذلك وجدنا المعادل الضمني في الأمل في استنهاض الهمم، واستعادة الثقة بالنفس، وتشريح الواقع لاعادة صياغته في صورة أكثر إشراقا، إنها الصرخة العربية، صرخة الجياع والمظلومين والمقهورين، صرخة الشعوب الحزينة من جراء ما وصل إليه العجز والهوان العربي، ومع ذلك يحلم شاعرنا بالوحدة والقومية العربية، وبعودة الكرامة التي سلبها اليهود والروم والتتار والأمريكان وكل الذين يناصبون العداء للإسلام والعرب في كل بقاع الكرة الأرضية0

وبعد : ألسنا كلنا أسرى؟، ألسنا أسرى الفقر والجوع والحرمان والعجز؟، ألسنا أسرى الحياة؟ ثم ألسنا امتداداً لأولئك الأسرى الذين قصدهم الشاعر في الإهداء في مطلع الديوان؟!0

إن الإهداء في رأيي هو الدال القاسمة لكل مدلولات الديوان، كما أن العلامات هي التضمينات، والجمل الاشارية الموحية التي تناثرت في كل القصائد، لذا كان علم الدلالة أو السيموطيقا هو الأساس الأول الذي ابتنينا عليه موضوع قرائتنا الأدبية لديوان ( العصافيـــر).

إننا أمام شاعر أحكم أدواته الأدبية لذا رأيناه يوظف الأيديولوجيا والرمز السياسي والميثولوجيا لخدمة المعنى في النص، حيث ضمن كل ذلك في جمل قصيرة موحية تشي بالروعة فغدا الديوان بمثابة عقد لؤلؤ جميل على صدر حسناء عربية، لكنها مصابة بالعجز والترهل فغدا صوتها غير ظاهر للكون والعالم 0

إن هذا الديوان يحتاج منا إلى قراءة أكثر وعياً، وأكثر عمقاً وربما قراءة أخرى تكون أكثر شرحاً وتحليلاً لمضامينه الغنية والمكتنزة من أجل استكناه

معانيه، والاطلاع على مبانيه ودواخله.

إن شاعرنا مهموم في هذا اليوان بالواقع العربي حتى النخاع وأظنه قد نجح في تصوير حالنا العربي إلى حد بعيد، ولكن هل تراه وضع حلولاً للخروج من المأزق العربي؟ أظنه كذلك مع أن الشعر في وظائفه ليس معنيا بإعطاء الحلول، وإنما تبقى الدلائل والإشارات ويبقى الشعر، زقزقة عصفور، وصوت جدول ماء، وسماء زرقاء لغد مشرق وصباحات جميلة ممتدة في سديم لانهائى، مشرق ومثير، وجميلا أيضاً.


[يجب عليك التسجيل لرؤية روابط الموضوع ومحتواه , منتدى همسة حب . إضغط هنا للتسجيل]

هيوي الدلوعة