مشاهدة النسخة كاملة : التحالف الأبدي


aymaan noor
26-03-2013, 08:30 PM
التحالف الأبدي
د. أحمد يوسف أحمد

قام أوباما بزيارة لإسرائيل والضفة الغربية والأردن هي الأولى من نوعها منذ وصل إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2008. وقد ثار الحديث قبل الزيارة عن خطط جديدة لدفع التسوية يحملها أوباما، وقد شجع على الاعتقاد بصحة هذا الحديث أن الرجل الآن في مدة ولايته الثانية، أي لم يعد يطمع في تأييد مطلق من يهود أميركا يحمله إلى مقعد الرئاسة أو يحافظ له عليه لمدة ثانية،

كما شجع عليه أيضاً ما كنا نتابعه بين حين وآخر من توتر بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن الملف النووي الإيراني ومن موقف معارض من قبل أوباما للتوسع السرطاني في عمليات الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واعتبار هذا الاستيطان عقبة في سبيل السلام. ولكن الذين داعبهم الأمل في صحة هذا الحديث نسوا عقوداً طويلة من العلاقات الأميركية- الإسرائيلية لم تشذ يوماً عن مسار الانحياز الأميركى لإسرائيل اللهم إلا في واقعة وحيدة في أكثر من ستين عاماً حينما أصر الرئيس الأميركي الجمهوري أيزنهاور على أن تنسحب القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في أول مارس عام 1957 (في أعقاب مشاركة إسرائيل كلاً من فرنسا وبريطانيا العدوان على مصر في نهاية أكتوبر عام 1956) بعيداً عن المماحكات الإسرائيلية المعتادة في هذه الظروف. كان أيزنهاور في سبيله آنذاك إلى بناء استراتيجية أميركية عالمية جديدة، وكان للشرق الأوسط مكانه المحوري بطبيعة الحال في هذه الاستراتيجية، وتعلمنا منذ ذلك التاريخ أنه عندما تصطدم مصلحتان استراتيجيتان لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل فإنه لا مجال أمام القيادة الأميركية للتسامح مع الإضرار بالمصلحة الأميركية.

ولكن آخرين كثيرين رتبوا نتائج بلا أساس على هذه الواقعة، فلأن أيزنهاور كان جمهورياً استنتجوا أن الحزب الجمهوري أقرب إلى العرب من منافسه الديمقراطي، وظل هذا التفكير قائماً سنوات طويلة حتى تكفل الانحياز المتزايد من قبل الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، لا فرق في ذلك بين جمهوري وديمقراطي، بإثبات وهْم هذه المقولة، وارتبطت بهذه المقولة مقولة أخرى مؤداها أن الرئيس الأميركي في مدة رئاسته الثانية تكون يده مطلقة أو على الأقل أكثر حرية في التعامل مع إسرائيل، لأنه لا يكون بحاجة لأصوات اليهود في انتخابات قادمة (ولكن حزبه يحتاجها)، وكذلك فإن بعضاً من محاولات تحدى الولايات المتحدة لإسرائيل (تم التراجع عنها بطبيعة الحال) حدث في ظل رؤساء لم يقضوا سوى مدة واحدة في سدة الرئاسة، كما في حالة تصويت الولايات المتحدة في مجلس الأمن في عهد كارتر لصالح تفكيك المستوطنات، أو في حالة تجميد ضمانات القروض (وكانت قيمتها عشرة مليارات من الدولارات تستخدمها إسرائيل في بناء مزيد من المستوطنات) في عهد بوش الأب. وهكذا لم يكن بمقدورنا أن نفرق بين رئيس أميركي يقضي مدته الأولى أو الثانية من منظور الانحياز لإسرائيل، ومع ذلك فقد ظل الأمل يداعب البعض بأن يكون أوباما استثناءً على أساس الوهم القديم بأن مواقفه الحقيقية تتفهم المطالب الفلسطينية والعربية أكثر من غيره.

لم يستغرق الأمر سوى لحظات كي ينسف أوباما كل أنماط التفكير هذه، إذ أنه فور وصوله أكد أن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ثابت، واعتبر زيارته فرصة لتأكيد الصلة التي لا تنفصم بين الدولتين، وإعادة تأكيد التزام أميركا الذي لا يتزعزع بأمن إسرائيل، وأضاف أن سبب متانة العلاقة بين الجانبين هو تشاركهما في قيم الحرية والديمقراطية، وأن إسرائيل واحدة من المصالح الأميركية القومية، ولم ينس أوباما لاحقاً أن يبدي الاحترام الكامل لـ«الرموز» الإسرائيلية، فوضع إكليلاً من الزهور على النصب المقام تخليداً لذكرى ضحايا «الهولوكوست»، وأكد أن وجود إسرائيل يعتبر حصناً منيعاً لمنع حدوث «هولوكوست» جديدة، مع أن الصحيح أن يقال إن إسرائيل أصبحت مصدراً لعمليات «هولوكوست» من نوع آخر تُمارَس بشكل منهجي ضد الفلسطينيين. وكذلك حرص أوباما بطبيعة الحال على وضع إكليلي زهور على ضريحي كل من تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية وإسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، غير أن الأخطر هو زيارته للمتحف الوطني الذي يضم مخطوطات البحر الميت التي استولت إسرائيل عليها في عدوان عام 1967، وتزعم أنها تؤكد أحقية اليهود في أرض فلسطين التاريخية. ولذلك كله كان طبيعياً أن يلقى أوباما الثناء كله من القيادات الإسرائيلية، فأعرب نتنياهو عن شكره وتقديره للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة بجانب إسرائيل في ظل التغييرات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والدفاع عن إسرائيل في وجه أي تهديدات تتعرض لها، وأثنى نتنياهو كذلك على الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، فضلاً عن دعم واشنطن حق الشعب اليهودي في دولة يهودية.
أما الفلسطينيون فقد اكتفى أوباما بشأنهم بمواقف قديمة ومعروفة منذ بداية ولايته الأولى، بل لقد تراجع عن بعضها تراجعاً واضحاً كما في قضية الاستيطان، وقد تركز حديث أوباما على حل الدولتين بالإضافة لعمليات الاستيطان، وبخصوص حل الدولتين ليس لأوباما أي فضل فيه، بل إن بوش الابن له سبق استصدار قرار من مجلس الأمن ينص على حل الدولتين، وإن لم يتمكن من تجسيده على أرض الواقع. وقد كرر أوباما أن الولايات المتحدة ملتزمة بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، بتحقيق حل يقوم على دولتين: «فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافياً وقابلة للعيش، ويهودية في إسرائيل» (لاحظ أن وصف إسرائيل بأنها دولة يهودية أصبح مسلماً به)، ولكنه لم يبين خطته لتجسيد فكرة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع. وبخصوص الاستيطان تراجع أوباما عن موقفه السابق في بداية ولايته الأولى حينما كان يرى في الاستيطان عقبة أمام المفاوضات، أما الآن فالاستيطان لديه «واحدة من المشاكل، وهذه المشاكل يجب أن تحل بالتفاوض»، وهو ما يناقض الموقف الفلسطيني تماماً على رغم اعتداله، وقد أضاف أوباما بخصوص الاستيطان أنه أكد لنتنياهو أن النشاط الاستيطاني غير بناء ولا ملائم للسلام، ونحن متأكدون بطبيعة الحال من أن هذا القول لم يجد أي آذان صاغية من نتنياهو، ولكل هذه المواقف كان الرأي العام الفلسطيني غاضباً من الزيارة، وكذلك النخبة الأكثر قدرة على سبر غور موقف أوباما خاصة والموقف الأميركي عامة.

ولكن، ماذا إذن عن الفتح الجديد في مجال التسوية السلمية للصراع العربي- الإسرائيلي الذي ثار الحديث حوله قبل الزيارة؟ طمأننا الرئيس الأميركى في هذا الصدد بأن وزير خارجيته كيرى سيبذل جهداً ووقتاً كبيرين لمحاولة تضييق الخلافات الإسرائيلية- الفلسطينية، وهو أمر ألِفْناه من قبل مع هيلاري وكوندوليزا رايس وغيرهما دون جدوى، فإلى أي شيء سيستند في جهده الجديد؟

كنت قد مللت الكتابة عن هذه الموضوعات، ولكن الخداع الذي يتسلل إلى عقول البعض من حين لآخر دفعني إلى معاودة الكتابة، ولا بأس من تكرار القول للمرة الألف بأنه لا تقدم إيجابياً للقضية الفلسطينية إلا بأن يغيّر الفلسطينيون والعرب ما بأنفسهم، وهو أمر طال انتظاره كثيراً ولا تبدو أي مؤشرات بخصوصه.