مشاهدة النسخة كاملة : فلسفة السفالة و المعارضة


mfa1
18-03-2013, 08:59 PM
فلسفة السفالة و المعارضة

دكتور غنيم و تعريف السفالة

السفالة:

هي صفة تنطبق علي شخص يقول ان مجرد حادث قطار لا

يستدعي استقالتي من منصبي!

السفالة:

هي صفة تنطبق علي شخص يري ان حادث قطار راح ضحيته 20 شاب في مقتبل العمر لا يستدعي تلك الضجة الاعلامية!

السفالة :

هي صفة تنطبق علي شخص قبل ان يترحم علي من مات يروج ان الحادث مدبر لافشال شخص اثبت فشله بنفسه!

السفالة:

هي صفة شعب انعدمت لدية النخوة واصبح موت الابرياء مجرد خبر في جريدة تعود علي قرائته كل صباح!

السفالة :

هي صفة مجتمع لافرق لديه بين دماء شباب تسيل علي الاسفلت وقضبان السكك الحديدية وبين الكاتشب علي افخر واغلي المأكولات!

من وحي فلسفة السفالة !!

وأنا أرى وأراقب أحوال الناس شرقيهم وغربيهم في هذه الأيام ، عادت بي الذاكرة للوراء حيث كنت قد قرأت مقالة رائعة ومروعة في نفس الوقت لرجاء النقاش في صحيفة اللواء الأردنية بتاريخ 18/06/1997 ، تحت اسم " فلسفة السفالة" أصاب في هذه المقالة كبد الحقيقة رغم معارضتنا له في بعض جزئياتها ، فانطلقَ يقول :

ليس من النادر أن نلتقي في حياتنا العملية بشخصيات تتصف بالشر والسفالة والخروج على قواعد الأخلاق .. فالدنيا ليست قائمة على الخير وحده ، بل هي مزيج من الخير والشر .. والذين يفهمون الحياة على أنها خير كامل يخطئون ويتعرضون لصدمات كثيرة مؤلمة ، كما أن الذين يفهمونها على أنها شر كامل يخطئون ، لأنهم في هذه الحالة سوف يعيشون في تشاؤم مستمر يؤدي بهم العجز عن مواصلة الحياة ، فالتشاؤم سمّ قاتل ، يجعل الإرادة الإنسانية عاجزة ، ويصيب الإنسان بالجمود والبرود واليأس ، ويُحرَمُ المصاب بهذا التشاؤم من أي قدرة على إقامة علاقات سليمة مع الآخرين .

ولذلك كله فإن من الطبيعي أن نلتقي بالشر والأشرار ، ولكن الغريب حقا هو أن يكون للأشرار " فلسفة " يبررون بها تصرفاتهم ويدافعون عنها ويحاولون إقناع الآخرين بأن مايفعلونه هو أمر طبيعي وضروري ، بل أحيانا إنهم يصلون إلى درجة من الصفاقة والبجاحة ، فيرون أن تصرفاتهم هي الصواب القائم على فهم صحيح للحياة ، وهذا هو الموقف الذي يقول عنه القرآن الكريم تأخذهم " العزّة بالإثم " .. وهي صورة رائعة حقا لهؤلاء الذين يرتكبون الآثام والشرور ، ثم يدافعون عنها ، باعتزاز وحماس كأنهم يدافعون عن أعمال مجيدة وإنجازات رائعة .

وما أكثر هؤلاء الذين يدافعون عن سفالتهم ويجعلون منها فلسفة في الحياة . والسفالة في حد ذاتها أمر كريه ومرفوض ، ولكن فلسفة السفالة هي من الأمور التي تسبب الحيرة والدهشة ، لأنها نوع عجيب من الجرأة والوقاحة .

وتابع الكاتب رجاء النقاش في الاستشهاد من أقوال وآراء بعض مشاهير الغرب على استنتاجه هذا وقد وُفّق بربط الآراء تلك بفلسفة السفالة ، وهي نماذج واقعية وحقيقية ومما أورده :

كان نابليون "1769-1821" يعيش في عصر مضطرب شديد القسوة هو أوائل القرن التاسع عشر ، وكان الصراع في المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت قائما على القوة وليس على العدل ، وكان المجتمع يحترم النجاح أولا وقبل كل شيء حتى لو كان هذا النجاح مستندا على أسس غير أخلاقية ، وكان نابليون شخصية واقعية حادة الذهن لايخضع في تفكيره وآرائه للأوهام والخيالات ، وفي لحظة من لحظات التأمل المبني على التجربة الواسعة قال لعدد من المحيطين به عبارة غريبة جدا وهي : "..كنت ألاحظ دائما أن الشرفاء لايصلحون لشيء "!!

-عبارة لها خطورتها في توجه هذا القائد وهي المفتاح لفهم المجتمع الذي ينشده نابليون –

يتابع النقّاش إثبات عمل فلسفة السفالة في المجتمع الفرنسي نفسه ، حيث يقول : وبعد أفول نجم نابليون ظهر في المجتمع الفرنسي المضطرب أديب عبقريّ هو بلزاك "1779-1850"فوصف هذا المجتمع في أدبه وصفا فريدا رائعا ، وقدم نماذج حيّة لفلسفة السفالة ، ولهؤلاء الذين يدافعون عنها ببلاغة ومقدرة عالية ، وفي روايته الرائعة "الأب جوريو" نجد صورا أخّاذة لفلسفة السفالة ، ولهؤلاء الأذكياء الأشرار الذين يحاولون تجميل الشرّ ، والذين لايشعرون بالبهجة والسعادة والقوة إلا إذا داسوا على رؤوس الآخرين ..فتقول إحدى شخصيات رواية "الأب جوريو " في التحريض على "البرود" و "إخفاء المشاعر والآراء " و " *** أي تعاطف مع الآخرين" : إن القلب البشري كالكنز إذا استنفدته في غرفة واحدة وجدت نفسك مفلسا..فيجب أن تغامر بضربات قوية ، وإلا أضعت وقتك في الزحف البطيء دون جدوى .. يجب أن تلوث يديك إذا أردت أن تكون من الأثرياء ، ولكن يجب أن تعرف كيف "تشطفها"بعد ذلك ، وهذه خلاصة الأخلاق في عصرنا ..فقد كانت الحياة دائما على هذا النحو . ولن يستطيع الوعّاظ تغييرها . الإنسان كائن غير كامل . وهو يرى - إلى حدّ ما – منافق ، ولهذا يرى الحمقى - وحدهم - أنه عديم الأخلاق . وأنا لا أتهم الأغنياء لمصلحة الفقراء .. وفي كل مليون من هذه الحيوانات الرفيعة التي نسميها باسم الإنسان ، قد تجد عشرة لصوص يضعون أنفسهم فوق كل شيء .. وفوق القوانين ذاتها . وأنا واحد من هؤلاء .. وإذا كانت لي نصيحة أهديها إليك فهي ألا تقف ثابتا عند آرائك أو أقوالك ، وعندما يسألك أحدهم عن رأي ..قم على الفور ببيعه له .والرجل الذي يفتخر بعدم تغيير رأيه مثله مثل من يأخذ نفسه بالسير في خط مستقيم .. إنه "عبيط" ..

ونقرأ معلما آخر للسفالة على لسان سافل آخر رسمه بلزاك بدقة حيث يقول :

"إنني أرى على جبينك كلمة قرأتها بوضوح هي : الوصول ، الوصول بأي ثمن ..برافو - مرحى - ..أتدري كيف يشقّ الناس سبيلهم في هذه الحياة الدنيا ؟ .. إنهم يشقونه بأحد أمرين : بريق العبقرية أو المهارة في الخسة .. وعليك إذا أردت أن تنجح أن تسقط بين الناس كالقنبلة ، أو أن تتسلل بينهم كوباء . أما الشرف فلا فائدة منه .

هذه هي "فلسفة السفالة " كما يكشفها ويقوم بتشريحها الفنان الروائي العظيم بلزاك .. وهؤلاء المنعوتون بالعظماء كان لهم رواجهم والمقتدون بهم في حياتهم العملية ، والخطورة الكبيرة هي أن تُدّرس آراؤهم في الجامعات التي تُخَّرجُ معظم القادة في العالم وبالأخص في عالمنا المسلم !

ولو تابعنا جولة السفالة مع الأدب العالمي الذي يتربى عليه قادة العالم ، لطلع لنا أديب روسيا الكبير دوستويفسكي "1821-1881 " في روايته الشهيرة " الجريمة والعقاب " يرسم لنا ملامح فلسفة السفالة هذه على لسان شخصية "لوجين " فيقتطف لنا النقّاش بعضا من –درره- :

"قالوا لنا حتى الآن ، عليك أن تحب قريبك . فلنفرض أنني أحببته ، فما الذي يترتب على ذلك ؟ يترتب عليه أن أشطر معطفي شطرين ، فأعطيه أحدهما ، فنصبح كلانا عاريين نصف عريّ ، وفقا لما يقوله المثل الروسي : من طارد أرنبين في وقت واحد لم يستطع أن يلحق بأي واحد منهما . أما العلم فيقول : عليك أن تحب نفسك قبل سائر الناس ..فيبقى معطفك لك كاملا سليما لم يتعرض للتمزيق !

وهكذا تمضي هذه الفلسفة برسم معالم الطريق للكثير من قادة العالم ، ومن أبرزهم هتلر "1889-1945 " الذي نعرفه ، فقد تغذّى على موائد هذه الثقافة السافلة حتى رأيناه يحصد أكثر من خمسين مليونا من البشر على مدى خمس سنوات ، مدة الحرب العالمية الثانية الذي أشعلها .

ويتابع النقاش القول فيأتي على الصهيونية : وكلما وجدنا ظلما عاتيا وجدنا وراءه فلسفة السفالة هذه ، وعندما نقرأ فلاسفة الصهاينة يدهشنا ويفزعنا ما في كتاباتهم من التغني بالدمْ ، والسعادة والنشوة بال*** ..

ويخلص الكاتب رجاء النقاش إلى أن فلسفة السفالة هي من أخطر الأوبئة التي تواجه المجتمع والحضارة , فالأصل في السفالة أنها رذيلة ينبغي أن يخجل منها صاحبها ، وعندما تصبح السفالة جريئة وصريحة في الدفاع عن نفسها وتبرير وجودها وتجميل وجهها فذلك إنذار بشرور عظيمة تلحق بالحياة والناس .

وأتساءل بدوري عن قادتنا نحن الذين نصبوا أنفسهم علينا أولياء باعتبارنا قاصرين ! فهم لابد أنْ قد استهوتهم هذه السفالة بفلسفتها ، فنرى تطبيقهم العملي عليها في أبناء شعبهم !! ويطبقونها بحذافيرها ولايحيدون عنها قيد أنملة ..

وفي المقابل نجد شهيد كلمة الحق سيد قطب رحمه الله يقول في كتيّبه الرائع" أفراح الروح " في خاطرته الأخيرة ، الخامسة عشرة :

من الصعب علي أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة!؟ إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل: فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة؟ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة؟! حين نخوض إلى الشط الممرع بركة من الوحل لابد أن نصل إلى الشط ملوثين.. إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا وعلى مواضع هذه الأقدام، كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة: إن الدنس سيعلق بأرواحنا، وسيترك آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التى وصلنا إليها!. إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية، ففى عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات! الشعور الإنساني وحده إذا أحس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة.. بل لن يهتدي إلى استخدامها بطبيعته! " الغاية تبرر الوسيلة!؟ ": تلك هى حكمة الغرب الكبرى!! لأن الغرب يحيا بذهنه، وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات!.

كانت نكبة الصحافة المصرية يوم سيطر عليها الطغاة وامتلكوها بلا مقابل، لتروج لأباطيلهم، وتنشر أكاذيبهم، وتحارب معتقدات الشعب والأمة، وتشهر بالشرفاء والأحرار الذين يرفضون الاستبداد والديكتاتورية.

تحولت الصحافة إلى مجرد بوق يردد ما يقوله الطغاة وأذنابهم، ومع سيطرة اللصوص الكبار من أعوان الطغاة على الاقتصاد المصرى فى عهد المخلوع الفاسد؛ أتيح لهم إنشاء صحف وفضائيات وإذاعات ومواقع إلكترونية قوية، ومن خلال هذه الوسائط الإعلامية، تحولت الصحافة من موقع المجاهد من أجل الشعب إلى موقع المنافح عن الطاغية وأذنابه، فضلا عن غسل سمعة اللصوص الكبار الذين يسرقون بالقانون، وتشويه سمعة الشرفاء وخاصة من ينتمون إلى الإسلام الذين يعدون عقبة فى سبيل استشراء الفساد والظلم والطغيان.

لقد ظهرت فى الفترة الأخيرة من حكم النظام الفاسد، صحف وفضائيات وإذاعات ومواقع، تخلت عن واجبها المهنى والخلقى، وتفرغت للابتزاز والتشهير، ونشر الأكاذيب والترهات، والاهتمام بالقضايا الهامشية على حساب القضايا المهمة للوطن، والأخطر من ذلك تدنى لغة التعبير الصحفى إلى مستوى من الانحطاط غير مسبوق، بلغ الحضيض مع انتخاب رئيس مدنى مسلم لرئاسة مصر لأول مرة فى العصر الحديث.. وما بالك بصحيفة يفترض فيها التعبير المحترم عما تؤمن به تصف الرئيس المنتخب بالبلطجى؟ وما بالك بصحيفة يفترض أنها تعمل على ترقية الذوق العام ولغة التعبير فتصف هذا الرئيس بأنه رئيس تحت الصفر؟ أو تشبهه بالولد العبيط فى مسرحية مدرسة المشاغبين؟ أو تكتب مقالا عنوانه "ورينا غضبك يا مرسى" تصف فيه الرئيس بأن تصرفه مشين لأن شابا انتحر فى الصعيد، وتنعته بعدم الخجل لأن مصريين ***وا فى عمارة منهارة، وتعبر عن القرف والغثيان من الرئيس لأن فتيات تم سحلهن فى مكان ما؟ ما علاقة الرئيس المنتخب بهذه الأحداث وقد جرده الحكام المستبدون من لابسى البيادة من سلطاته الحقيقية، وسلطوا عليه من يلعقون البيادة وهو فى أول أيامه لم يتعرف بعد على من حوله لينعتوه بالفاشى والعاجز؟

إن لاعقى البيادة العسكرية وخدام الاستبداد يسبون الرجل منذ إعلانه رئيسا، لم يوفروا له كرامته بوصفه مواطنا عاديا، بل شربوا جرعة الشهامة المزيفة ليتطاولوا عليه ويمسحوا بكرامته الأرض لحساب الجلادين الأشرار واللصوص الكبار الذين سرقوا الوطن وأذلوه وصادروا حريته وكرامته ووجوده.. لقد وصل فن السفالة الصحفية لوصف الرئيس بـ"شرارة" رمز النحس كما صورته بعض المسلسلات! وراح بعضهم يستشهد بصحف أجنبية تسب رؤساء دولهم! ولم يذكروا المناسبات التى طرح فيها السب، ولم يذكروا أن الرئيس وهو ينبه خدام البيادة فى خطابه "لا يغرنكم حلم الحليم" أنه أخبرهم أن المحبة هى التى ستحكم سلوكه معهم مع كل ما يقترفونه من سفالات وانحطاط دون مسوغ أو مبرر، وكان الأجدر بهم أن يشاركوه فى كيفية التغلب على المشكلات القائمة، ومساعدته ضد المجرمين الذين يلقون بالزبالة وسط القاهرة وعلى الطريق الدائرى، ويقومون بتنغيص حياة الناس وتكديرها بدءا من رغيف الخبز الذى لا يؤكل وانقطاع المياه والكهرباء فضلا عن أزمات البنزين والسولار والبوتاجاز!

إن التفرغ لإهانة الرئيس ومن ينتمى إلى الإسلام، والتشهير بالدعاة وترديد القصص المفبركة حول بعضهم – ومعروف مصدرها – عمل مشين ومخجل ولا يليق بالصحافة المحترمة.. وهناك ملفات حقيقية وليست مفبركة حول بعض الصحفيين المنحرفين معروفة ولا تحتاج إلى ترديد، يعرفها كثير من المنسوبين إلى الوسط الصحفى، ولكن الأقلام الحرة تتعفف عن ذكرها، أو استخدامها ضد لاعقى البيادة وخدام لاظوغلى، ومن ينشرون تقارير الأمن المزيفة على أنها تحقيقات صحفية بذل فيها الصحفى جهده وعبقريته، ولكنها ليست كذلك!

لو أن الرئيس المنتخب يمارس أدنى حد من التسلط الذى يمارسه ضابط صغير فى لاظوغلى، لالتزم لاعقو البيادة حدود الأدب، ولسكتوا إلى الأبد لأن جبنهم متأصل فى نفوسهم ويؤكده انحرافهم وشذوذهم.

إن الصحافة الحقيقية هى التى تقدم الحقيقة، ولا تدلس ولا تضلل، لأن التدليس والتضليل يقودان إلى مأساة كبرى وخاصة لدى القراء العاديين، وإن كانت الحقيقة ستنكشف فى وقت ما، إن الاعتماد على الأكاذيب لن يقدم صحافة محترمة، ولن يكسب ثقة القراء على المدى البعيد.

خذ مثلا موقفهم من زيارة هيلارى كلينتون، وظهور وطنيتهم فجأة، وكان بعضهم يزور أمريكا طوال العام فى زيارات غامضة، أكثر مما يذهب إلى الإسكندرية أو أسيوط مثلا، وكانوا يركبون مع مبارك الطائرة الرئاسية فى الحج السنوى للبيت الأبيض، فجأة أصبحت هيلارى رسول الغرام بين الرئيس ونتنياهو!

المفارقة أن السيدة كلينتون قابلت رئيس المجلس العسكرى، ومع ذلك لم يستنكروا هذا اللقاء، ولم يصفوه بالخيانة كما فعلوا مع لقائها مع الرئيس المنتخب!

المعارضة الحقيقية

أحمد سيد أحمد

برزت على سطح الحياة السياسية أخيرا توجها جديدا مع إعلان العديد من الأحزاب الدخول فى تحالفات مثل التحالف الوطنى المصرى وحزب المؤتمر المصرى الذى يضم أكثر من خمسة عشر حزبا، وإعلان التيار الشعبى وهذا الاتجاه يعد تحولا مهما فى تفاعلات الحياة السياسية والحزبية فى مصر ويعكس نضجا فكريا واقتناعا واضحا أنه لا مستقبل للديمقراطية فى مصر إلا بوجود أحزاب سياسية قوية تتنافس فيما بينها على عملية تداول السلطة.

كما أن الديمقراطية القوية تقوم عبر جناحين متكاملين هما وجود حزب حاكم أو أغلبية قوية وكذلك معارضة قوية وهو الأمر الذى يثرى الحياة السياسية ويجعلها تسير فى الطريق الصحيح، ولذلك فإن مثل هذه التحالفات بدأت تنقل التساؤل من لماذا نجح حزب الأغلبية وهو الحرية والعدالة، ومن ثم الاتهام بالهيمنة ومحاولة التكويش رغم أنه جاء عبر الارادة الشعبية والصندوق، إلى سؤال لماذا فشلنا نحن، ثم الأهم هو كيف ننجح، وهذا بدوره لن يكون إلا بأن تغير تلك الأحزاب من منهجها وتقوم بإصلاح شامل سواء فى هياكلها أو برامجها أو طريقة عملها، خاصة أن الأحزاب المصرية قبل الثورة كانت تعانى من أمراض مزمنة جعلتها عديمة الفاعلية فى العملية السياسية، وكانت بمثابة أحزاب ورقية تتكون من حزب وصحيفة معبرة عنها وتفتقد إلى الديمقراطية داخلها حيث تدور فى فلك شخص واحد، إضافة إلى تمركزها فقط فى العاصمة وبعض المدن الكبرى دون أن تمتد إلى بقية المحافظات والمدن والقرى، كذلك ضعف برامجها وتشابهها وابتعادها عن الواقعية.

لكن هذه التحالفات تواجه إشكاليات كبيرة أبرزها أن تلك الاحزاب وإن كانت تلتقى على هدف واحد وتجتمع تحت مظلة واحدة لبناء تحالف لمواجهة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية فى الانتخابات البرلمانية المقبلة والحفاظ على مدنية الدولة، إلا أنها تتباين فيما بينها تباينا شديدا فى توجهاتها السياسية ومنطلقاتها الفكرية والأيديولوجية، حيث نجد أحزابا ليبرالية ويسارية وناصرية ضمن هذا التحالف، وهو ما يثير التساؤلات حول هل هو تحالف مؤقت ينتهى بانتهاء الانتخابات أم هو تحالف دائم، خاصة فى تجربة التحالف الوطنى الذى يقوم على الائتلاف، وكيف يمكن التمازج بين الإيديولوجيات السياسية المتباينة فى برنامج سياسى واحد يعكس توجه هذا التحالف، خاصة فى حالة حزب المؤتمر الذى يقوم على الاندماج الكامل، كذلك تظل مشكلة الزعامة والقيادة ومن سيقود ومن سيتنازل عن قيادته لحزبه فى ظل ثقافة أن كل فرد يرى فى نفسه مقومات الزعامة والكاريزما كما حدث فى تجربة الانتخابات الرئاسية السابقة.

ومن ناحية اخرى كيف يمكن لتلك الأحزاب أن تحدث إصلاحا جذريا داخلها قبل الدخول فى تلك التحالفات سواء بترسيخ الديمقراطية داخلها أو بالعمل على الالتحام مع المواطن وتقديم برامج عملية قابلة للتطبيق فى كل مجالات الحياة لأن العملية الانتخابية فى نهاية الأمر هو كيف تكسب ثقة المواطن لكى ينضم إلى هذا الحزب السياسى ولكى يصوت له فى الانتخابات. وإذا كانت ثورة 25 يناير قد فتحت الباب أمام إنشاء أحزاب جديدة حتى وصل عددها الآن أكثر من ستين حزبا ومتوقع أن يصل إلى أكثر من مائة بعد أن أصبح إنشاء الحزب بمجرد الاخطار، فإن هذا الأمر يعد ظاهرة صحية، لكنه غير واقعى خاصة أن الديمقراطيات العريقة ترتكز على وجود حزبين أو ثلاثة أحزاب رئيسية تتداول السلطة فيما بينها مع وجود أحزاب أخرى قليلة العدد ليست بذات الثقل، ومن ثم مع مرور الوقت وانتشار ثقافة الديمقراطية وزيادة وعى المواطن فإن الكثير منها سوف يتحلل أو يتجه للاندماج مع آخرين وفقا لقاعدة البقاء للأصلح القادر على طرح المبادرات وتقديم البرامج وجذب المواطن وممارسة العمل السياسى بصورة حقيقية وليس مجرد ديكور سياسى، ولذا فإن هذه التحالفات تمثل تحولا مهما باتجاه إنشاء معارضة سياسية حقيقية للأغلبية الحاكمة، بما تمتلكه من البرامج والكوادر السياسية التى تمكنها من قيادة الدولة فى حالة وصولها إلى الحكم وهذا التداول السلمى للسلطة هو الذى سيثرى ويكرس العملية الديمقراطية باعتبار أن الأحزاب القوية هى أحد أضلاع المنظومة الديمقراطية فى وجود رئيس منتخب وبرلمان فاعل ودستور حديث ومجتمع مدنى قوى وإعلام حر وهذه المنظومة هى الإطار لتقدم مصر ونهضتها، لأن الديمقراطية تمثل البيئة المواتية لانطلاق عملية التنمية والتطور فى ظل وجود الشفافية وتزايد دور المواطن فى صنع القرار ووجود آليات للمراقبة والمحاسبة عبر صندوق الانتخابات، كما أن المعارضة الحقيقية البناءة والفاعلة هى التى تقوم على انتقاد ومعارضة السياسة الخاطئة وليس المعارضة فى حد ذاتها ضد الأشخاص نتيجة للتعارض الايديولوجى، بل يمتد دور المعارضة إلى تقديم سياسات بديلة تستهدف مصلحة الوطن.