مشاهدة النسخة كاملة : ولا يوم الطين


abomokhtar
01-01-2013, 11:12 PM
بقلم/ حمادة نصار
من مزايا منهج (أهل السنّة والجماعة) العدل في الحكم على الناس.. حيث إنّه المنهج الوحيد الذي يقرّ أنّ الشخص الواحد قابل للوصف بالوصفين معاً.. الحسن من جانب.. والقبيح من جانب آخر.. ولا تعارض بينهما.
وعلى ذلك فهو مستحق للتكريم من ناحية ومستحق للإهانة من ناحية أخري.. ومثال ذلك.. إذا ما سرق الرجل الفقير ما يستحق عليه العقاب بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.. فإنّه يُعاقب على سرقته في الوقت الذي تُصرف له العطايا من بيت المال نظراً لفقره.. وذلك بميزان العدل الذي هو ميزان أهل السنّة والجماعة.
حيث لا تكون جريمة السرقة التي تثبت في حقه سبباً في منعه من أي استحقاق له.. وقد جرت العادة في القوانين الأرضية أو حتى المذاهب الأخرى المخالفة لهذا المذهب على تضمين هذه العقوبة المحددة عقوبات أدبية أخرى.. يسقط معها اعتبار المدان تماماً.. ولا تقبل منه بعد ذلك صرفاً ولا عدلاً.. وعلي أقل التقدير تُعتبر هذه الجناية أو تلك الجريمة الحدّية سابقة في صحيفته الجنائية تلازمه حِلاً وترحالاً أينما ذهب.
ولذا فالإنسان في منهج أهل الحق لا يُحبّ مطلقاً ولا يُكره بإطلاق.. ولا يعادي دائماً ولا يوالي علي الدوام.. وإنّما يُحب بقدر ما فيه من استقامة.. ويُبغض علي وزن ما عنده من إعوجاج.
وحتى لا يكون طرحنا هذا مجرد دعوي لا دليل عليها.. فإليك الدليل الواضح والبرهان الساطع من كلام الله تعالي في القرآن الكريم.. إذ يقول الله تعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا".. ألا تري أنّ الله تعالي قد أنصف الخمر مع إرادته تحريمها وكان بوسعه لو شاء سبحانه أن لا يذكرها بقوله ومنافع للناس.. لكنه العدل الذي قامت عليه السموات والأرض .
ولو أنّ الناس التزموا هذا الميزان ولم ينحرفوا إلي التطفيف.. ولم ينجرفوا إلي المعاير المزدوجة لما تحرشت بهم الشياطين.. ولما حدث هذا التطاحن الذي أدي بدوره إلي هذا الاستقطاب البغيض الذي فرق الأمة إلي شيع كل حزب بما لديهم فرحون!!
لقد أشار النبيّ (صلي الله عليه وسلم) إلي الصنف الذي جُبل علي نكران الجميل وجحد الفضل.. واستعمال أقوى صيغ العموم في الحكم علي الحياة الزوجية وذلك حالة الانفعال والغضب.. حين تقول المرأة لزوجها عند الخلاف العارض "ما رأيت منك خيراً قط".. هذه لاشك طبيعة النساء عند الغضب.. ولا يليق بالرجل اللبيب العاقل أن يوصف بما توصف به المرأة الغاضبة عادة من قلة الإنصاف ونسيان الفضل.. لأنّ هذا السلوك والحالة هذه-أهم أسباب التدابر والتهارج والقطيعة كما قال المتنبي:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم
وقد أعجبتني قصة في كتب التاريخ تذكر أنّ المعتمد على الله بن عباد وكان أميراً علي أشبيلية زمن حكم ملوك الطوائف البغيض في الأندلس كان يجلس مع زوجته في شرفة قصره.. وقد رأت زوجته بنات الشارع يلعبن في الطين وكانت صغيرة في السنّ.
فطلبت من زوجها أن يأذن لها أن تنزل الشارع لتشارك أترابها اللعب في الطين.. لكنه رفض هذه الفكرة رفضاً قاطعاً لأنّها زوجة أمير المؤمنين.. فكيف تلعب مع بنات السوقة والدهماء؟!!.. وتحت ضغط إلحاحها الشديد لجاء الأمير إلي حلًّ أخر وهو أن أمر مسئول الخزانة أن يستقدم لها زعفراناً أسبانياً ومسكاً وعنبراً غالي الثمن ليصنع منه طيناً مخصوصاً تلعب فيه زوجة الأمير وبالفعل قد حدث.. ولعبت الزوج الصغيرة حتى أشبعت نهمتها ورغبتها الملحّة في اللعب واللهو.
وبعد أيامٍ تُعدُ على أصابع اليد الواحدة نشب الخلاف بين الزوجين فقالت الزوجة حالت الغضب كما تقول النساء: عادة ما رأيت منك يوماً خيراً قط !!.
فقال الزوج بكل أسفٍ وأسي:ولا يوم الطين!!
هذا بالضبط ما يحدث بين الفرقاء في الشارع السياسي اليوم.. إذ تناسي كل فريق مناقب الفريق الآخر.. ولم يعد يذكر له إلا مسالبه.. ولم يعد يري إلا عوراته.. ولا يذكر له شيئاً من حسناته.. وكأنّه شر مستطير ونبتٌ شيطاني لا خير فيه.. رغم أنّ هذا هو ميزان نسائي بامتياز لا يليق بأخلاق الرجال.