مشاهدة النسخة كاملة : أُريدُ وَطناً للشاعر التركي/ جَاهد صدقي تارانجى


abomokhtar
20-12-2012, 07:45 PM
تقديم/ هشام النجار
ليسألَ أحدُنا نفسه الآن .. الآن قبل أن يتفوه بكلمة.. قبل أن يخطو خطوة.. قبل أن يتخذ موقفاً.. قبل أن يكتب مقالا ً أو ينضم إلى تظاهرة .. أو يصعد إلى استديو فضائية من الفضائيات:
ماذا أريدُ من وراء ذلك .. كله لوطني .
لا تفكر في غنيمة شخصية.. ولا مصلحة حزبية.. ولا خصومة أيديولوجية .. ولا خلاف فكرى.. إنما اعقد العزمَ وتحرك في الطريق منطلقاً من الإجابة على هذا السؤال:
ماذا أريدُ لوطني ؟؟
والسؤال مَطرُوح على السادة والقادة والنخبة والزعماء السياسيين.. تحجبُ عنا ميكروفونات الإذاعات والفضائيات ووكالات الأنباء وكاميرات المُراسلين والصحافيين وجوهَهُم .. ولا نسمع إلا تخبيطا ً وتخليطا ..ً فلا موقف واحد مشرف يقود إلى مصالحة .. ولا كلمة توحي معانيها البعيدة بإمكانية التنازل وقبول الحوار من أجل مصلحة الوطن العليا .
ماذا تريد لوطنك أيها المثقف الواقف هناك في عَراء الضجيج والطنين الفارغ والمُمَاحكات القديمة والانحيازات المُهترئة والتصنيفات المثقلة بثارات وجراحات عهد استبدادي مضى ؟
مضى يا سادة وانقضى .. فلمَ إذا إعادة تشكيل وإنتاج مناخه التعبوي الحاقد الاقصائي؟
أليس في العهد الجديد ميدان واسع كبير يجمع الكل؟
ألا يستطيع الآن الكبير منا والصغير .. القاصي والداني .. الرجل والمرأة.. اليساري واليميني الحديث والكلام والكتابة كما يشاء وكما يريد بعد أن سقط رمز الكبت والإرهاب والقهر ؟
فلماذا تصنعون من الأقلام حِراباً .. ومن الفلاشة ميمورى مُسدساً؟
ولماذا النزاع والقتال على حافة الدائرة؟
يريد الواحد منا إخراج الآخر منها .. رغم أن داخلها كبير جداً وفسيح ورحب.. وداخلها بإمكاننا التعايش – رغم اختلافنا – وبإمكاننا صناعة الجمال والتنوع والحُب؟
ماذا تريد لوطنك أيها السياسي المنتصر لذاتك ومصالحك وحزبك؟
وإلى أين تأخذ الشعب المسكين الذي عانى كثيراً ويريدُ أخيراً أن يستريح ؟
إلى أين تأخذ الناس وقد طمحوا فقط في سكن ودواء وطعام وماء نظيف ومعاملة إنسانية ؟
لماذا تجرهم إلى حرب أهلية ؟
أرادوا ميدان الحب والمشاركة والتعاون والخير والمعروف والإيثار والعطاء والإنتاج والعمل.. وأنت تدفعهم دفعاً إلى ميدان القتال.
أرادوا حملَ الفأس والقلم والمطرقة والمفتاح وسماعة الطبيب وخرائط الإنتاج.. وفى المقابل أنت تدفعهم دفعاً إلى حمل السلاح والرشاش والخرطوش والقنابل .
ماذا تريدُ لوطنك ؟
وأين وطنك منك ومن تفكيرك واهتماماتك وخططك .. وأنت ترتب أوراقك وتجهز خطبك وتعقد مُؤتمراتك وتقيم تحَالفاتك ؟
تلك هي القضية.. وهذه هي المرحلة الحاسمة الكاشفة .. والتاريخ سيشهد لك أو عليك.. فإما تكون في قائمة العاجزين النرجسيين المفتونين بأنفسهم الذين أضروا بالوطن ومصالحه انتصارا ً لذواتهم.. وإما يخلدك التاريخ في سجل الشرفاء المتجردين المجاهدين الحاملين عِبء القضية .. والحَالمين بوطن يختفي فيه البغي والحقد والقتل والحُزن والألم .. وطن يجمعنا وتذوبُ فيه الفروق ويسود فيه الحب والتآخي .
وطن لا ينغصُ عيش الإنسان فيه إلا القدَر الذي لا مَهْْربَ منه ولا مفر (الموْت) .
وطن تغنى به الشاعر التركي الكبير "جاهد صدقي تارانجى" قائلا ً .. ونرددُ وراءه:

أريد وطناً للشاعر/ جاهد صدقي تارانجى
أريد وطنا .. سماؤه زرقاء
الغصنُ فيه أخضر.. والحقولُ صفراء
وأن يكون للطيور مأوى
وللزهور مروج
أريدُ وطناً
لا هم فيه .. ولا ألم ولا حزن
تنتهي فيه كل ألوان النزاع
أريدُ وطناً
تتساقطُ فيه الفروق .. بيني وبينك
بين القوى والضعيف .. بين الغنى والفقير
الكل تحت سقف الوطن سواء
وفى ليالي الشتاء القارسة
يكون لنا جميعاً .. فراش ودثار
أريدُ وطناً
يكون العيش فيه كما الحب في القلب
وطناً لا شكوى فيه .. إلا الموت
فقط من المَوْت