تقديم / هشام النجار
سَرْعان ما يعود بنا هشام فتحي إلى "موال الحزن" وترديد "رجع الألم".. سَرْعان ما ينسج بأنامله دهشة المُعَاناة، ويأخذه الحَنين، ويجْرفنا بموجه العَالي وتياره الشديد إلى تفاصيل المَأساة.
تفكرتُ طويلاً في هذه الظاهرة المُلفتة.. حيث أن أكثر إنتاج هشام هو شجن وموال طويل يردده الصابرون والمتصبرون على شاطئ المحنة ومقاهي التسرى.
خلُصْتُ بعد تأمل إلى نتيجتين لا ثالث لهما – والله أعلم بالحقائق -:
الأولى.. أن الشاعر على العموم ليس هناك على وجه الأرض إنساناً مثله معايشة وتأثراً بمحنة.. فلا تنتظر خلوص الرجل من التجربة المريرة التي نالت منه ونالَ منها في عام أو عامين أو خمسة.. بل أتصور أن نفس وروح وتجليات الشاعر لن تنتهي أبداً ولن تتوقفَ عن الذكرى وتقليب الأحداث والتفاصيل واستحضار المعاني ورسم الملامح ونحت التعابير.
هي ليست تجربة إنسان عادى يخرج من بوابة السجن فينسى أحداث عشر سنين مضت داخله أو أكثر.. ويطرح خلال شهر كل ما عايشه فيها وراء ظهره.. والفارق الجوهري بين الشاعر وغيره أن تجارب الشاعر أمام عينيه.. ليست خلفه تلاحقه كالآخرين من الممكن الإفلات منها.. إنما تواجهه وتؤرقه وتعيقه عن معايشة الواقع والحاضر بصفاء تام دون الاستعانة بها والاقتباس منها .
هذه واحدة.. والأخرى أظنها تجربة داخل التجربة.. وهذا كثير التكرار في عالم الأدباء.
فشاعرنا يعيش بالفعل تجربة جديدة غير تجربة المحنة والسجن في عهد مبارك.. لكنها شبيهة بتجربة السجن في معاناتها وبعض تفاصيلها وهى تجربة الغربة.. حيث فيها الفقد والوحشة والبعد والاغتراب النفسي.. الخ .
وربما كانت القصيدة السابقة له تعبيراً صادقاً عن هذا المزج والمداولة بين التجربتين.. فهو يستدعى هنا آليات وأسلحة دفاع التجربة الأولى ليقف بها صامداً اليوم في وجه الاغتراب الجديد كما صمد بالأمس.
وهذه المُقاربة نلمحها جيداً في أسئلة الشاعر وأجوبته التي تنطلق من الطفولة وحتى اللحظة المُعاشة ليخرج بالمنهج وملامح المسيرة.. والتي يبدو أنه حفظها عن ظهر قلب.. وأنه قد فهم جيداً قدره وانسجمَ معه وأقلم ذاته عليه "قضّيت حياتي ودنيتي محبوس هنا بين السلف والدّين".. ثم : "مكتوب علينا يا زمن واللي انكتب .... لازم تشوفه العين".
قصيدة مكتوب لمين الصبر
للشاعر/ هشام فتحي
مكتوب لمين الصبر
غير للمحرومين
وكمان مرار العمر ده
مكتوب لمين
كان نفسي
نفضل زي ما إحنا صغيّرين
لعبة عروسة مكسّرة
ونلف كورة مدورة
كل الصحاب متجمعين
كان نفسنا
العمر اللي فات
يفضل معانا جنبنا
طول السنين
دلوقت لما كبرنا قال
سطر الفرح
مالهوش مكان فوق الجبين
يا ريتنا كنا صغيرين
يا ريتنا نفضل زي ما حنا
طيبين
مكتوب لمين الصبر
غير للعاشقين
والحب براية قلم
تطحن قلوبنا
وإحنا قال متونسين
ما تقول يا صبر
المر ده واخد فرحنا
لحد فين
مكتوب علينا
وإحنا مش عارفين
مش فارقه
ساعة بنتولد فيها
وساعة بالوجع عايشين
ما هو كل حي بيتوجع
والصبر قالوا للوجع تسكين
عايشين بنغزل في الكفن
بين القبور ماشين
والدنيا دوامة قلق
حزمة ورق
حفنة دموع متجمعه في العين
مكتوب لمين الصبر
غير للمطحونين
راسم خطوط متعرجة
بتمر بين الرمش والخدين
نفس الخطوط بيمر فيها
يحرق بالندم قلبين
فارد أيديه الصبر
شايل غربتي
بنشر همومي كل يوم اتنين
مكتوب علينا
وإحنا مش عارفين
قضّيت حياتي ودنيتي
محبوس هنا
بين السلف والدّين
يا صبر ساكن
بين قصيدة كتبتها
ما تسيب لي فيها
للفَرَح شطرين
مكتوب علينا يا زمن
واللي انكتب ....
لازم تشوفه العين

قصيدة حلوة بارك الله فيكم