مشاهدة النسخة كاملة : أبناؤنا والإجازة الصيفية


الاستاذ عوض على
25-06-2010, 02:19 PM
http://www.ikhwanonline.com/Data/2007/9/30/img5oo.jpg

الرجل راعٍ ومسئول عن رعيته، وهم زوجته وأولاده، نُذكِّر بهذا الأمر لخطورته في هذه الأيام، وخاصةً أننا على مشارف الإجازة الصيفية، والتي يضع كلٌّ من الآباء والأبناء تصوره لقضاء هذه الإجازة، فالآباء يتصورون الإجازة فرصةً لحفظ القرآن وتعلم مهارة أو حرفة، ومن الآباء مَن يجدها فرصةً للتحرر من مسئوليته تجاه أبنائه وترك الحبل على الغارب للأولاد يسهرون ويلهون ويلعبون ويجلسون الساعات العديدة أمام التلفاز أو الكمبيوتر أو الشبكة العنكبوتية، وقد تفرح الأم لانشغال البنات والأولاد عنها بالكمبيوتر والنت و... إلخ، وللأولاد تصورهم الخاص لقضاء الإجازه، وقد ألقوا عن عاتقهم همَّ المذاكرة والامتحانات، فيرون أن من حقهم أن يلعبوا ويلهوا ويسهروا ويصادقوا مَن يشاءوا، والحكمة المطلوبة من الآباء كيف تتلاقى رغبات الأبناء مع تصور الآباء لقضاء الإجازة.

خطورة الفراغ:
ليس هناك خطر يُداهم شبابنا وبناتنا كما يداهمهم الفراغ؛ ذلك أن الفراغ مفسدة.

إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أية مفسدة

فإذا أردت أن تعرف قيمة الأمة ومدى اهتماماتها، فانظر إليها في وقت فراغها ماذا تفعل وخطورة الفراغ تكمن في أنه:
1- يورث الملل والضجر.
2- يورث الكسل.
3- يورث الأخلاق السيئة.
4- يورث البحث عن طرق لإضاعة الوقت.
5 - يورث المعصية.


د. مصطفى شلبي
أيها الإخوة المسلمون.. أمر حين عودتي إلى بيتي ليلاً على مقاهي النت (السيبر) فأجدها مزدحمةً بالصبيان في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، وأمرُّ فجرًا فأجدهم لا يزالون يجلسون في أماكنهم؛ فأسأل نفسي أين آباء هؤلاء؟ أين أمهاتهم؟ ألم يذكروا قول نبيهم- صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"؟، وأتألم لحال شبابنا واهتماماتهم، وأتذكر قول الله عز وجل: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: من الآية 25)، فهؤلاء الصبيان يضعون أقدامهم على طريق الانحراف، وانحرافهم سيصيب كلاًّ منا ولن ينجوا منه أحد، فهلا تحركنا جميعًا لنتناصح كيف نوجه ونربِّي أبناءنا.

تفكرتُ ونظرتُ فلم أجد ما ننصح به أنفسنا وإخواننا خيرًا من موعظة لقمان لابنه، ونعلم أن لقمان وابنه ماتا ولقيا ربهما، ولكن الله جعلها وصية خالدة.. قرآن يُتلى نتعبَّد إلى الله بتلاوته، وسمَّى السورةَ باسم لقمان عليه السلام، وتكفَّل بحفظه حتى تصل إلينا؛ فننتفع بها في تربيتنا لأبنائنا، فلنعش في ظلال هذه الآيات البينات من سورة لقمان.

- وصية لقمان الحكيم لابنه:
﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)﴾ (لقمان).

ها هو لقمان عليه السلام يعظ ابنه؛ فهل نعظ أبناءنا، وكيف نعظهم وبمَ نعظهم.. فهيا بنا لنعلم ونتعلم من القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)﴾ الله- عزّ وجلّ- في أول هذه الآية يبدأ بِذِكْر أول وصيةٍ أَوْصَى بها لقمان ابنه، ولا شك أن الإنسان إذا أراد أن يوصي بشيء يهتم في هذه الوصية بالشيء الذي يوصي به؛ لأن عنده شفقة وعنده رحمة على من يوصي له، فما بالك إن كان هذا الذي يَوَدُّ أن يوصي إليه الإنسان هو ابنه وَفَلْذَةَ كَبِدِه، لا شك أنه سيقدم إليه أفضل ما يجب، وأنفع ما يراه مناسبًا له، وهذا ما فعله لقمان- عليه السلام- قَدَّمَ لابنه وصايا عظيمة نافعة، تشتمل هذه الوصايا على جوانب ثلاثة:
الجانب الأول: الجانب العَقَدِي.
الجانب الثاني: الجانب العِبَادي.
الجانب الثالث: الجانب الأخلاقي.

ثم انظر- رحمني ورحمك الله- ماهية وكيفية النصيحة؛ حيث نرى لقمان ينادي ابنه بأحب النداءات وألطفها إلى قلبه (يا بني)؛ ما يجعله أكثر استعدادًا لتلقي الموعظة وتقبلها؛ فلنحذر النداءات الأخرى التي توغر الصدور وتنفر الأبناء.

الوصية الأولى:
بدأ لقمان بأهم هذه الجوانب على الإطلاق ألا وهو الجانب العَقَدِي الذي يتعلق بإفراد رب العالمين- سبحانه وتعالى- بالوحدانية، وعدم الإشراك به- جَلَّ في عُلاَه-؛ ولذلك كانت أول وصية وَصَّى بها لقمان ابنه قائلاً: ﴿يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ما الشرك؟ الشرك كما فَسَّرَه أهل العلم، وعلى رأسهم نبي الهدى والرحمة- صلى الله عليه وآله وسلم- كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين وغيرهما: "أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك"، الشرك أن يجعل العبد لله شريكًا أو شبيهًا أو نظيرًا أو مساويًا، يعبده كما يعبد الله، أو يصرف له بعض أنواع العبادة من دون الله أو مع الله- تبارك وتعالى-، الشرك خطير وضرره خطير، وهو أخذ حق الله- عز وجل- ومنحه لمَن لا يستحق من المخلوقين المربوبين لرب العالمين- سبحانه وتعالى- وهو أعظم ذنب خالف فيه العبد ربه ومولاه، أعظم ذنب على الإطلاق يقع فيه الناس هو الشرك بالله تبارك وتعالى؛ لأن الشرك- كما ذكرت- هو أن تأخذ حق الله عزّ وجل الخالص الصافي الذي يجب أن يكون له وحده، ثم بعد ذلك تضعه أو تعطيه لغير الله- تبارك وتعالى-؛ ولذلك فالشرك من أعظم الذنوب على الإطلاق.

فأول وصية وموعظة إخواني في الله هي أن تُعلِّم ولدك معنى لا إله إلا الله وتعلمه ألا يسجد إلا لله، وألا يخاف إلا من الله، وألا يطلب إلا من الله، وأنه إن فعل غير ذلك فهذا هو الظلم العظيم لنفسه ووالديه ووطنه وأمته؛ لأن الذي يشرك بالله ولا يخاف من ربه ولا يراقبه؛ فمن السهل عليه أن يغشَّ في بيعه وشرائه وصنعته، من السهل عليه أن يختلس ويرتشي ويأكل أموال الناس بالباطل، من السهل أن يعقَّ والديه ويقطع رحمه ويأكل ميراث أخواته، ولعظمة الأمر وخطورته كانت هذه أول وصية.

ثم كانت الوصية الثانية بعد وحدانية الله الوصية بالوالدين:

﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ أي أمرناه بالإِحسان إِليهما لا سيما الوالدة ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾؛ أي حملته جنينًا في بطنها، وهي تزداد كل يوم ضعفًا على ضعف، من حين الحمل إِلى حين الولادة؛ لأن الحمل كلما ازداد وعظم، اِزدادت به ثقلاً وضعفًا، ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ أي وفطامه في تمام عامين، ﴿أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ أي وقلنا له: اشكر ربك على نعمة الإِيمان والإِحسان، واشكر والديك على نعمة التربية، ﴿إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ أي إِليَّ المرجع والمآب فأجازي المحسن على إِحسانه، والمسيء على إِساءته.

﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي وإِن بذلا جهدهما، وأقصى ما في وسعهما، ليحملاك على الكفر والإِشراك بالله فلا تطعهما، إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق ﴿فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ أي وصاحبهما في الحياة الدنيا بالمعروف والإِحسان إِليهما- ولو كانا مشركين- لأن كفرهما بالله لا يستدعي ضياع المتاعب التي تحمَّلاها في تربية الولد، ولا التنكر بالجميل.

فأمر الله- عزَّ وجلَّ- بالمصاحبة بالمعروف للوالدين إن كان كافرين بالله، ولم يجعل كفرهما مبررًا لإيذائهما، فما بالنا لو كان الأبوين مؤمنين موحدين لله، فالبر والمعروف أولى وأوجب والعقوق إثمًا وذنبًا عظيمًا.

الوصية الثالثة:
﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ أي واسلك طريق من رجع إلى الله بالتوحيد والطاعة والعمل الصالح، ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي مرجع الخلق إِلى الله فيجازيهم على أعمالهم.

فلقمان عليه السلام يُربي ولده أنه لا يستطيع أن يعيش وحده، ولكنه لا بد أن يكون اجتماعيًّا له صحبة، وكذلك يجب أن نربِّي أبناءنا يجب أن يتكون لهم صحبة في مدارسهم في جامعاتهم ومؤسساتهم التي يعملون بها، ولكن ما مواصفات هذه الصحبة ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ فليصاحب الذين أنابوا إلى الله العابدين له الملتزمين بقرآنه وسنة نبيه الذين يخافون ربهم، ويفعلون ما يأمرهم به وينتهون عن ما نهاهم عنه.

الوصية الرابعة:
قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾، أي يا ولدي إِن الخطيئة والمعصية مهما كانت صغيرة حتى ولو كانت وزن حبة الخردل في الصغر ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)﴾، أي فتكن تلك السيئة- مع كونها في أقصى غايات الصغر- في أخفى مكان وأحرزه، كجوف الصخرة الصماء، أو في أعلى مكان في السماء أو في الأرض يُحضرها الله سبحانه ويحاسب عليها، والغرض التمثيلُ بأن الله لا تخفى عليه خافية من أعمال العباد.. ﴿إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)﴾، أي هو سبحانه لطيف بالعباد خبير: أي عالم ببواطن الأمور.

ما أعظمها من وصية وما أحوجنا أن نربي أبناءنا عليها، أن نربيهم على مراقبة الله في السرِّ والعلن، وأن الله مطَّلع عليهم ناظر إليهم وشاهدهم في خلوتهم وجلوتهم، هذه التربية التي تحفظ وتعصم أبناءنا من ذنوب الخلوات ومن الانحراف السلوكي والأخلاقي؛ فيا له من مجتمع طاهر يتربَّى أبناؤه هذه التربية الطاهرة، هذه التربية هي الحل الوحيد للقضاء على الانحراف السلوكي والأخلاقي، والقضاء على الغش والرشوة والاختلاس.

الوصية الخامسة:

﴿يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ﴾ أي: حافظ على الصلاة في أوقاتها وبخشوعها وآدابها في بيوت الله التي تتراص أقدامهم عبادةً لله، مخلصين له وحده لا شريك له.

يقيم الصلاة التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر، يتعلم من الصلاة وما يسمع فيها من قرآن أن الإسلام داخل المسجد وخارج المسجد؛ فهذه آيات تتحدث عن البيع والشراء، وهذه عن الدين، وتلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلك عن قتال الأعداء وعقد المعاهدات، وهذه عن حقوق الأزواج والأبناء، وهكذا يفهم دينه فهمًا شاملاً صحيحًا.

الوصية السادسة:
﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ أي: وأمر الناس بكل خير وفضيلة، وانههم عن كل شر ورذيلة ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ أي: اصبر على المحن والبلايا؛ لأنَّ الداعي إِلى الحق معرَّض لإِيصال الأذى إِليه، ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ أي: إِن ذلك المذكور مما عزمه الله وأمر به، قال ابن عباس: "من حقيقة الإِيمان الصبر على المكاره".

يا لها من وصيةٍ عظيمة تُربِّي الأبناء على الإيجابية، وتقتل في نفوسهم السلبية البغيضة المهلكة للنفس وللمجتمع.

يا بني! لتكن إيجابيًّا في مدرستك وجامعتك ومعهدك العلمي، ولتشارك في الأنشطة النافعة لنفسك وزملائك ووطنك، وإياك أن تسكت عن منكرٍ تراه، ولتنه عنه بأخلاق المسلم وأدب النصيحة، وإياك أن تبخل على زملائك ومن في محيطك بمعروف تأمر وتنصح به.

ما أحوج الذين يأمرون وينصحون أبناءهم بالسلبية (والمشي بجانب الحيط ولو استطاعوا لأمروهم بالسير داخل الحيط)، نقول ما أحوج هؤلاء لهذه الموعظة الربانية.

الوصية السابعة:
﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ أي: لا تُمِل وجهك عنهم تكبُّرًا عليهم، قال القرطبي: أي لا تمل خدك للناس كبرًا عليهم وإِعجابًا، وتحقيرًا لهم، وهو قول ابن عباس ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ أي: لا تمش متبخترًا متكبرًا ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ تعليلٌ للنهي أي: لأن الله يكره المتكبر الذي يرى العظمة لنفسه، ويتكبر على عباد الله، المتبختر في مشيته، والفخور الذي يفتخر على غيره، ثم لمَّا نهاه عن الخُلُق الذميم، أمره بالخُلُق الكريم، فقال: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ أي: توسَّط في مشيتك، واعتدل فيها بين الإِسراع والبطء ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ أي: اخفض من صوتك، فلا ترفعه عاليًا، فإِنه قبيح لا يجمل بالعاقل أن يرفع صوته ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ أي: إِن أقبح الأصوات صوتُ الحمير، فمن رفع صوته كان مماثلاً لهم، وأتى بالمنكر القبيح، قال الحسن: "كان المشركون يتفاخرون برفع الأصوات، فردّ عليهم بأنه لو كان خيرًا لفضلتهم به الحمير".

ما أعظم أن نربي أبناءنا على هذه الوصايا القرآنية الربانية، وما أسعد أبنائنا في دنياهم وآخرتهم، ويا له من مجتمع طاهر سعيد، الذي سيعمرونه بالإيمان وقيم القرآن، وأخيرًا أخي المسلم: أسوق إليك بعض المقترحات من أجل إجازة صيفية سعيدة لأبنائنا؛ لكي يضعوا أقدامهم على سلم الإبداع والنجاح.

حفظ القرآن، وذلك بالاشتراك بالكتاتيب ومدارس القرآن في المساجد والجمعيات، أن الشاب الذي يشغل وقته في مقتبل شبابه بحفظ القرآن، ينصرف عما يعصف بأمثاله من الشهوات والمغريات، فيكون حفظًا لدينه واستقامته، فعن عثمانَ بن عفانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ" (رواه البخاري).

2- دورة رياضية؛ وذلك بالاشتراك في أحد النوادي الرياضية في لعبة، مثل كرة القدم يتعلم منها روح العمل الجماعي، أو لعبة الكراتيه، أو السباحة أو غيرها من اللعب المفيدة، فالرياضة تجدد البعد النفسي, وتفرِّغ الطاقات الزائدة عند الشباب, وهي بدورها تلعب دورًا مهمًّا في تناسق نمو جسد الأطفال، ولقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه, وسابق عائشة فسبقته مرة وسبقها مرة، فالرياضة انبعاث للحياة من جديد، وتجديد للفكر وطرح للوهن والكسل، وقد ورد عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: "علِّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، ويقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الذي أخرجه مسلم: "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير".

3 - تعلم حرفة، وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم صناعات وحرفًا عديدةً: ففي البخاري يقول رسول الله: "ما أكل أحدٌ طعامًا قَطُّ خيرًا من عمل يده" (رواه البخاري، ح/1930)، وقد سُئل رسول الله: أي الكسب أفضل؟ قال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" (رواه أحمد، ح/16628)، ومدح الزراعة قائلاً: "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة" (رواه البخاري).

وقد حكى لي أحد الأصدقاء أن ابنه كان لا يقنع ولا يتوقف عن طلب المال، وكان يطلب اللعب والهدايا، لا يهمه ثمنها المهم أن يتملكها، وإذا ذهب لقضاء حاجة فلا يركب إلا "التاكسي"، يقول محدثي: وبعد أن عمل في مشروع لديّ في الإجازة، وحددت له أجرًا شهريًّا بشرط ألا يأخذ مصروفًا مني، فإذا به تنقلب سلوكياته بطريقةٍ إيجابية، فإذا اشترى فبحساب، وإذا خرج فعلى قدميه أو بالمواصلات العامة، وهكذا تعلَّم وأدرك قيمة الجنيه.

4- دورة في إحدى اللغات.

5- دورة في الحاسب الآلي.

6- الحرص على تناول وجبة على الأقل مع أولادك، ولتكن جلسة الطعام كما تعلمنا من آبائنا جلسة متابعة، مَن منكم حافظ على صلاته بالمسجد اليوم؟ مَن منكم ساعد أمه بأعمال المنزل اليوم؟ وليستمع لحوارات الأولاد، وألفاظهم فيقوِّم المِعْوَج بلطف وحب وحنان.

وأخيرًا.. أخي المسلم سأسرُّ لك بسرٍّ.. هل لا تغار من التلفاز؟
إليك هذه الرسالة التي بعث بها أحد الأبناء لأمه؛ حيث قال لها: "سأطلب منكِ الليلة شيئًا خاصًّا جدًّا، أريدكِ أن تحوِّليني إلى جهاز تلفزيون، وأن آخذ مكان جهازنا في البيت، وأن أعيش مثله بيننا، وأن يكون لي مكان خاص بي، وأن تجتمع عائلتي حولي، وأن أعامل بجدية عندما أتحدث، وأن أكون مركز الاهتمام، وألا أقاطع عندما أسأل، وأن أتلقى العناية نفسها التي يحظى بها التلفزيون عندما لا يعمل لسبب أو لآخر، وأن أتمتع برفقة والدي عندما يعود إلى البيت مساءً، حتى عندما يكون متعبًا، وأن تتعلق بي أمي حتى وهي حزينة أو متكدرة، بدلاً من عدم الاهتمام الذي ألقاه الآن.، كما أريد يا إلهي من أخي أن يتعارك من أجل أن يكون معي، وأن أشعر أن عائلتي بين الفترة والأخرى تترك كل شيء فقط لتقضي بعض الوقت معي، وأخيرًا أتمنى أن أجعلكم جميعًا سعداء.. وأتمنى ألا أكون قد بالغت في طلبي، فما أريده هو، أن أعيش كجهاز التلفزيون".

engi11
25-06-2010, 04:21 PM
بارك الله فيك

الاستاذ عوض على
25-06-2010, 05:59 PM
شكرا لحضرتك