مشاهدة النسخة كاملة : يا حاســــــــــد الفاســـــــــــــد!!


نسيم الروض
23-05-2010, 07:45 PM
يا حاسد الفاسد!!
بقلم :
محمد أبو كريشة


ليس المسئول بأعلم من السائل وليس الكاتب بأعلم من القارئ وليس الآخذ بأحوج من المعطي وليس الراكض بأسرع من الماشي وليس اليقظ بأكثر انتباها من النائم وليس من امتلك بأغني ممن استغني وترك.. نحن نعلم ظاهراً من الحياة الدنيا ولكننا عن العلم الحقيقي عمون.. ومن قال أنا عالم فقد جهل ومن قال أنا مؤمن فقد نافق وقربه الرياء من الكفر.. ومن احتكر الحقيقة فهو علي باطل.. ومن قال أنا مرح ودمي خفيف فهو أثقل الناس ظلا.. وأنا لا أصدق من يشهد لنفسه ويزكيها ولكنني أصدق من يشهد عليها ويخالف هواه.. وقال الأحنف بن قيس أو غيره: ما حزبني أمران وتحيرت في التخير بينهما إلا عرضتهما علي هواي فانظر أيهما أقرب إليه فاخالفه وأتركه واختار أبعدهما عن هواي.
ويقول الشاعر العربي القديم:
وإنك لا تدري إذا جاء سائل
أأنت لما تعطيه أم هو أحوج
عسي سائل ذو حاجة إن منعته
من اليوم سؤلا أن يكون له غد
ومن أراد اختبار إيمانه بالله ودرجته فإن لذلك ميزانا لا يخطيء أبداً.. وقد عرضت إيماني علي هذا الميزان فوجدته هشا وضعيفا.. هل أحب لأخي ما أحب لنفسي؟.. لا.. هل الله ورسوله أحب إليّ مما سواهما؟ للأسف لا حتي الآن.. هل أكره أن أعود إلي الكفر كما أكره أن أقذف في النار؟.. لا.. هل هواي تبع لما جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ للأسف لا.. هل أعطي كأنني آخذ واتصدق كأنني اتلقي الصدقة؟ أرجو أن أكون كذلك.. وذروة الإيمان أن يكون حياؤك و"كسوفك" وأنت تعطي وتتصدق مثل حياء من يأخذ ويقبل الصدقة.. ونحن الآن بهذا المقياس في قاع الكفر لأننا نعاني بجاحة الأخذ وبخل العطاء.. وليتنا نعاني بجاحة أخذ الحلال فقط.. بل الأدهي أننا نعيش بجاحة أخذ الحرام.. ونعاني بجاحة بذخ الإنفاق علي الحرام وبخل وشح الإنفاق علي الحلال.. فالمرتشي لا يأخذ الرشوة ولكنه يطلبها ويحارب من أجل أن يأخذها.. والراشي يبخل بقرش الصدقة وينفق الملايين علي الرشوة.. والناس في أمتي فريقان.. فريق فاسد وفريق ينتظر دوره في طابور الفساد.. ونحن نهاجم الفسدة ليس كرها في الفساد ولكن حسداً لهم.. نريد أن ننحيهم ونأخذ مكانهم وإذا لم يأت الدور نلعن سوء حظنا ونقول: "جتنا نيلة في حظنا الهباب".
وعندما أنظر إليها وأجدها "مسدودة" يعيدني الأصدقاء الأعزاء إلي الميدان من جديد واتقوي بهم ومازلت علي يقيني بأنني أكتب إليكم وأخطب فيكم ولكنني لست بخيركم.. ومازال في الأمة من يألمون ويخنقهم همها وتوجعهم مذلتها.. مازال هناك قليلون لم يقذف الله في قلوبهم الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت في سبيله.. والبركة دائماً في القليل.. ليس الآن فقط ولكن منذ خلق الله الأرض ومن عليها.. فنوح عليه السلام ما آمن معه إلا قليل.. ولما كتب علي بني إسرائيل القتال تولوا إلا قليلا منهم.. ولما ابتلاهم الله بنهر شربوا منه إلا قليلا منهم.. والذين يظنون أنهم ملاقو ربهم "والظن هنا بمعني اليقين" يقولون: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.. والله سبحانه يقول: وقليل من عبادي الشكور.. والسابقون في الجنة ثلة من الأولين وقليل من الآخرين.. ونسأل الله أن يبارك في القليل من المال والناس.. وكلمة القلة التي تستخدم كثيراً في أمة العرب لقدح المعارضين أو الرافضين هي في الحقيقة مدح لا قدح.. فلم يحدث علي مر التاريخ أن كان الخير في الكثرة لكنه دائما في القلة.. وفرعون أول من استخدم تعبير القلة في التاريخ عندما أرسل في المدائن حاشرين يقولون إن هؤلاء لشرذمة قليلون وأنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون.. ويقصد بالقلة اتباع موسي.. وكانوا فعلا قلة وشرذمة.. لكن فرعون أراد قدحهم بالتهوين من شأنهم.. بينما وصف فريق بالقلة أو القليل مدح لاذم خصوصا في عصرنا الذي كثر فيه إجماع الناس علي الباطل.. وسادته أغلبية القطيع.. وكثرة غثاء السيل والعدد في الليمون.. والقليلون يألمون ويتوجعون ويرجون من الله ما لا يرجو الكثيرون الذين يسرحون ويمرحون ومن هذا الحديث يعجبون ويضحكون ولا يبكون وهم سامدون.
***
لقد قال أصدقائي الأعزاء أفضل مما قلت ورأيتني قارئا معجبا بآرائهم التي ليس فيها ألم شخصي ووجع خاص ولكنه دائما هم عام ودموع علي حال الأمة لمحتها في أقلام الدكتور أسامة حجازي المسدي ومحمد نجيب وعماد سعيد حزين ومدام عصمت وكريم سيد وكمال الشريف المدرس المصري المقيم في قطر والطالبة الجامعية "زهرات الخريف" التي تسألني عن رسالة إلكترونية علي بريدها حول ما قيل عن فتوي لمجمع البحوث الإسلامية تحرم شرب المياه الغازية "الكولا" لأن فيها مكونات خنزيرية.. وعلي حد علمي لم أسمع أن المجمع أصدر فتوي بهذا المعني.. ولكني بشكل عام لا أحب المياه الغازية وقد قيل الكثير عن أضرارها الصحية.. ونحن نتوقف كثيراً عند حرمة أكل لحم الخنزير ومكونات الطعام ومعجون الأسنان الخنزيرية ولا يشغلنا أكل المرء لحم أخيه ميتا.
وإنني موقن وليس عندي شك بأن المد أو ما يقال عنه المد الديني يغلب عليه الطابع الطقوسي الزاعق الذي فيه كثير من المنظرة وقليل من الصدق.. وموقن بأن المسافة اتسعت بين القول والعمل وأن الكثرة تقول باللسان ما ليس في القلب وأن علو شأن الشعارات يعني هبوط وتدني شأن المضامين.. وأن كثرة القوانين والتشريعات أو ما سماه الفقيه القانوني الراحل عبد الرازق السنهوري الإسهال التشريعي إنما يعني شيوع الانحراف والفساد وانعدام التطبيق.. وانظروا إلي حياتنا نظرة شاملة لتكتشفوا شيوع القول وضمور الفعل.. فنحن نسمع ونردد كلمة الحب ألف مرة في اليوم لكنها كلمة حق يراد بها باطل حيث لا وجود للحب في حياتنا إلا مقرونا بالجنس وبتلك العلاقة الشيطانية بين رجل وامرأة بشرط أن يكونا أجنبيين.. ولا أكاد أعرف زوجين يتبادلان كلمات الحب والغزل ربما حتي الموت.. لكن كل أفعالهما في البيت ومع الأبناء وفي الكد والكدح من أجل الحياة الكريمة منتهي الحب بلا قول.. فالحب كلمة يقولها رجل لغير ذات محرم أو تقولها امرأة لغير زوجها.. وكل قول شائع وشعار طنان رنان يؤكد لك ضمور المضمون وتآكل التطبيق.. فنحن نمارس الحب "علي روحنا" ونردد "علي روحنا" أيضا كلمات الشفافية والنزاهة والحيدة والعدالة والضمير والعودة إلي الدين والستر والصحة والرزق ولقمة العيش والديمقراطية والحرية والوطنية "ومسرنا الحبيبة" علي رأي المذيعة التي تقلب الصاد سينا.. ونعاكس الوطن في أغانينا كأننا واقفون علي الناصية نعاكس البنات "اللي رايحة واللي جاية".. فنحن نتحدث عن عيون الوطن وسيقان الوطن "وشفايف الوطن".. وضحكة الوطن.. والحسنة التي علي خد الوطن وابتسامته وغمازاته.. وما عليك إلا أن تحذف كلمة الوطن لتضع بدلا منها "أي بنت في الدنيا" ولن نجد اضطرابا في المعني و"حتلاقي الكلام ماشي".
والأمر هو نفسه بالنسبة لإسهال الفتاوي.. فهناك مئة مفت لكل مواطن عربي ونحن نأكل مال النبي ومع ذلك نكثر من السؤال عن الحرام والحلال.. ونحن نمارس الاستحلال بأبشع صوره ونستفتي الدهاة الجدد.. أو علماء آخر الزمان الذين حذر منهم رسول الله صلي الله عليه وسلم.. ونسأل بإلحاح عن المباح والمحظور.. نحن نستحل المال العام ونمارس السرقة والفساد جهارا نهارا ونتصرف في مؤسساتنا وهيئاتنا ومواقعنا كما نتصرف في عزبة تركها لنا "اللي خلفونا" ونخلط بين العام والخاص ونتربح من وظائفنا.. ونسرق الكحل من عين الوطن ونكثر في نفس الوقت من صلاة الفروض والسنن وصيام الاثنين والخميس.. قلوبنا وضمائرنا غرابيب سود ومع ذلك نصوم "الستة البيض".. ولو عرض كل منا إيمانه علي الميزان الذي عرضت عليه إيماني لوصل إلي نفس النتيجة التي وصلت إليها.. يخادعون الله ورسوله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.. تماما مثل الرجل الذي صلي خلفه محمد بن سيرين فأعجبته صلاته وقال له: ما أحسن صلاتك! فرد الرجل بمنتهي الغباء والرياء قائلاً: ومع هذا فإنني اليوم صائم.. فقال ابن سيرين: ليتني لم أثن علي صلاتك.. فقد اسقطك الرياء من عيني.
* * *
وقد سألني أحدهم يوماً عن الفرقة الناجية في هذه الأمة.. فقلت: ليس عندي القول الفصل ولكني أرجو أن أكون علي صواب في زعمي أن الفرقة الناجية هي التي ليست فرقة وأن الجماعة التي علي هدي ليست جماعة ذات اسم محدد.. وأن أهل الحق تعرفهم بسيماهم لا بلافتة علي مقرهم وهو ما قاله الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إن الرجال يعرفون بالحق.. ولا يعرف الحق بالرجال.. يعني ليس الحق عند فلان لأنه نجم ولأن اسمه كبير.. ولكن الحق هو الذي يدلني علي الرجال ويعرفني طريق أصحابه.. فنحن نخسر لأننا نمشي وراء أسماء كبيرة.. ولا نمشي وراء الحق.. فالمرء كبير بالحق.. وليس الحق كبيرا بالمرء.. نحن نخسر لأننا نقرأ اسم الكاتب قبل موضوع المقال.. ونبيع ونسوق ونتابع المسلسلات والأفلام بأسماء النجوم والأبطال لا بموضوعاتها وأفكارها.. نحن نسلم عقولنا وقلوبنا لأشكال وملامح وأسماء كبيرة ومكياج صارخ لا لأفكار وأرواح وعقول.. لذلك نخسر ونفشل وننهزم وننخدع و"يطلع نقبنا علي شونة".. وبهذا المنطق المظهري القشري نقرأ ونشاهد التليفزيون وندخل السينما والمسرح ونتزوج ونحب ونعطي أصواتنا في الانتخابات ونستفتي الدهاة الجدد ونتدين.. والنتيجة أننا نفشل وأن اختياراتنا كلها خاطئة وأن رؤيتنا غائمة وأن حياتنا ضبابية وأننا مذبذبون لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء.
وأنا "وأعوذ بالله من قولة أنا" لا ادعو الناس إلي القنوط واليأس والاعتزال.. ولكنني أدعوهم إلي الألم والهم وتقوية جهاز المناعة الفكرية لديهم.. أدعوهم إلي أن يعدوا أصابعهم بعد أن يصافحوا أهل الإعلام والسياسة والفن ومن نسميهم النخبة.. فكثيرون لصوص عقول وأفكار وهم أخطر ألف مرة من لصول المال.. هناك من ينشلون العقول والأفكار بخفة قلم وعبارة أسوأ من خفة يد النشال في الأتوبيس.
اليأس إحدي الراحتين كما يقال وأنا لا أريد الاسترخاء والراحة للناس.. ولكني أريد لهم آلام الشفاء.. فلا شفاء إلا بألم ولا علاج إلا بوجع.. والحكمة والحق والأفكار السليمة لابد أن تولد ولادة طبيعية.. ولا ولادة طبيعية بغير طلق مؤلم وصرخات وجع.. وأسوأ ما ابتليت به الأمة مسكنات التبرير للأفعال القبيحة مثل تبرير الانحراف بالحرية والاستنارة وتبرير الانفلات بالجرأة.. وتبرير الرشوة والاختلاس بالفقر.. وتبرير خيانة الزوجة بأن زوجها "مابيقولهاش كلمة حلوة".. وتبرير الاستسلام بالخيار الاستراتيجي وتبرير الهوان والمذلة بالواقعية والعقلانية وتبرير بيع الوطن بالشبر والمتر بالمتغيرات الدولية.. وتبرير انهيار الأمة بالمؤامرات الخارجية.. ولست منكراً للمؤامرة بل أراها واجبا علي كل دولة واسأل العرب: وأين مؤامراتكم أنتم؟ أليس من حقنا أن نتآمر؟ "قاعدين ليه ما تقوموا تخططوا وتتآمروا".. ولدينا تبرير الفساد والسرقة بالمال السائب.. فنحن نسرق لأنه مال سائب.. بينما المال السائب ينبغي أن يعلمني حراسته لا سرقته.
نحن فاسدون أو ننتظر.. ليس في ذلك شك.. والمال السائب لا يعلمنا السرقة "إحنا متعلمين جاهزين".. لذلك نتكالب علي المواقع والمناصب لأننا نريد أن نأخذ نصيبنا من المال السائب.. وبمنطق المال السائب نسرق الفلوس والشرف والأعراض والحرمات وحجتنا أن كل ذلك مال سائب.
* * *
وأغبي الناس أقدرهم علي خداع نفسه بالتبرير.. والتبرير والرخص الكثيرة أفسدت حياتنا وقتلت فينا النفس اللوامة وأصبحنا نمارس الفساد "زي شكة الدبوس".. وأصبح الفساد فعلا لحظيا.. فنحن مفسدون دون أن نشعر بحكم الاعتياد.. أصبح الفساد عندنا مثل "شغل الإبرة" نمارسه آليا وبلا وعي.. بدليل أننا نحسد الفاسدين الذين يتحكمون في مال سائب أكثر من مالنا.. نحسد المنحرفين والمختلسين ولصوص المال والشرف والأعراض ونقول: "جتنا نيلة في حظنا الهباب".. وأول من ردد هذا المعني "جتنا نيلة في حظنا الهباب" هم هؤلاء الجماعة من قوم موسي الذين حسدوا قارون الفاسد وقالوا: "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون.. إنه لذو حظ عظيم".. ومعناها "جتنا نيلة في حظنا الهباب".. وقد قال لي أحدهم: هل تري أسوأ من الفساد والفاسدين؟ فقلت: نعم.. حاسد الفاسد أسوأ من الفاسد لأنه حاسد ومشروع فاسد.. فقد جمع بين الرذيلتين.. ونحن لنا ويلان.. ويل الفاسد.. وويل حاسد الفاسد!!
نظرة
في دولة السلطان الأشرف قايتباي كما في كل عهود المماليك كانت الضرائب تفرض علي الناس من أجل إنفاقها علي مساخر المماليك والأمراء.. وكانت لهذه الضرائب أسماء عجيبة حتي أنها فرضت علي المساكن بموافقة علماء السلطان الذين كانوا يسوغون المظالم ويجدون لها ألف تبرير.. وقد فرض السلطان علي الناس في إحدي المرات أن يدفعوا أجر مساكنهم سبعة أشهر مقدما.. شهران في البداية ثم خمسة أشهر دفعة واحدة.. وداهم قطعان المماليك البيوت ومنها حوش امرأة فقيرة لم يكن عندها من حطام الدنيا شيء فلما ضربوها وأغلظوا عليها قالت لهم: اقطعوا شجرة النبق التي استظل بها وبيعوها وخذوا ثمنها.. وفعلوا ذلك وضج الناس بالشكوي وقالوا في المواويل:
غرمت شهرين عن أجرة مكاني أمس
وأصبحت مغموس في بحر المغارم غمس
أقسم برب الخلايق والقمر والشمس
ما طقت شهرين كيف أقدر أطيق الخمس!!


المصــــــــــــدر (http://www.algomhuria.net.eg/algomhuria/today/raay/detail00.asp)

Mr. Medhat Salah
23-05-2010, 10:04 PM
جزاك الله خيرا

alea2009
23-05-2010, 11:29 PM
جزاك الله كل خير
والكلام دقيق وصحيح

أ/رضا عطيه
24-05-2010, 12:19 AM
جزاك الله خيرا

™Myth D™
24-05-2010, 01:25 AM
بارك اللّة فيك

وجيه فراج
24-05-2010, 08:48 AM
جزاك الله خيرا

نسيم الروض
29-05-2010, 05:59 PM
الف شكر لكل من مر

بسي مشفتش ايه رأيكم في البخر