خالد مسعد .
27-12-2009, 03:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحياة الزوجية بين الحقوق والواجبات
إن التشريع الإسلامي قد كفل للزوجين حياة آمنة مستقرة فوضع أحكاماً شرعية تبين ما لكل منهما من حقوق , وما عليه من واجبات . وقد تولت السنة النبوية تفصيل هذه الحقوق والواجبات ,وكيفية تعامل الرجل مع زوجته , وما هي الصفات التي يجب على المرأة المسلمة أن تتصف بها حتى تكون زوجة صالحة .فها هو رسول الله يبين صفات المرأة الصالحة عندما سُئل أي النساء خير ؟ قال :
( التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره ) رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن .
صفات المرأة الصالحة :
1. حسن الطاعة : والطاعة تعني الاستجابة لأمر الزوج إذا أمر بالمعروف ويجب أن تكون الطاعة نابعة من القلب ، وفيما يرضي الله سبحانه وتعالى فقد قال رسول الله :( لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) رواه مسلم .
وعلى الزوجة طاعة زوجها فيما يخص المعاشرة الزوجية فقد قال رسول الله :
( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ) أخرجه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع
وهذا الحديث يدل على وجوب طاعة المرأة لزوجها وهي مأجورة على هـذا العمل وطاعة الزوج من طاعة الله عز وجل .
ومن قبيل الطاعــة أن تحفظ زوجـهـا في غيبتـه فـلا تدخل أحداً إلى بـيـتـه ، وتحفـظ مالــه فـلا تنفــق منـه إلا في الــمعروف ، فقـد قــال تـعـالى:( َالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ). (1)
فاحرصي أختي الزوجة على حسن الطاعة لزوجك فهي مورثة للحب والرضى , ومقوية للرباط بينكما , واعلمي أن مخالفة الزوج تولد البغضاء والكراهية وتوغر صدره عليك مما يجعل حياة الأسرة عرضة للشقاق والاختلاف الذي ينتهي غالباً بالطلاق .
2. حسن المظهر والهيئة : التجمل أمر فطري عند الإنسان فمبدأ التجمل هو للرجال والنساء وكذلك السمت الحسن ،عن عبدالله بن مسعود قال :( قال رجل للنبي إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً قال : إن الله جميل يحب الجمال ) رواه مسلم ، وعن عبد الله بن سلام عن النبي
قـال:( خيرالنساء من تسُرّك إذا أبصرت ... ) رواه الطبراني .
ولا يعني حسن المظهر أن تكون المرأة جميلة حسناء ، لأن الجمال أمر نسبي ، وجمال المرأة هو دينها وحسن خلقها وأدبها ، والمرأة الحكيمة هي التي تتفنن في كيفية إظهار جمالها لزوجها ، وهذا لا يعني منع الرجل من الزواج بامرأة جميلة إذا كانت على خلق ودين ، فقد قال رسول الله :( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) متفق عليه .
3. التودد إلى الزوج : وذلك بالتعامل معه بكل احترام وتقدير ، حتى تطيب خاطره وتدخل السرور إلى قلبه , وتحسن مخاطبته بالكلمة العذبة التي تذهب عنه التعب والنكد , فإذا اقترب موعد حضوره قامت للقائه واستقبلته بأجمل تحيه . والتودد يكون أيضاً بحسن ثنائها على زوجها في غيابه , وإذا أحضر لها شيئاً شكرته على حسن صنيعه وهذا يزيد من إعجاب الرجل بزوجته وزيادة حبه لها , وتتودد المرأة لزوجها أيضاً بتعهدها لنظافة جسمها فتحافظ على صفات الفطرة
وتتودد المرأة لزوجها بأن ترضيه إذا غـضب فقد قال رسول :( ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة ؟ الودود ، الولود ، العؤود ، التي إذا ظلمت قالت هذي يدي في يدك لا أذوق غمضاً حتى ترضى ) رواه الدار قطني .
ومهما اجتهدنا في تفسير وفهم معاني التودد فلن نبلغ ما أفهمته أم حكيمة وهي أمامة بنت الحارث لابنتها عندما أوصتها ليلة زفافها فقالت :
[ أي بنيـة : إنك فارقت الجو الـذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجت ، إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه فأصـبـح بملكه عليك رقيباً ومليكاً ، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشريكاً .
يا بنية : احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً :
الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن الطاعة ، والتعهد لموقع عينه ، والتفقد لموضـع أنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح ، والكحل أحسن الحسن ، والماء أطيب الطيب المفقود ،والتعهد لوقت طعامه ، والهدوء عند منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة , وتنغيص النوم مبغضة , والاحتفاظ ببيته وماله , والإرعاء على نفسه وحشمه , فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير والإرعاء على العيال والحشم حصن التدبير , ولا تفشي له سراً ولا تعصي له أمراً فانك إن أفشيت سره لم تأمني غدره ، وان عصيت أمره أوغرت صدره واعلمي أنك لن تصلي إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك...(2)
فإذا أردت أن تعيشي أختي المسلمة حياة زوجية ترفرف السعادة بين أرجائها فاحملي هذه الوصية البارعة واجعليها نبراساً تهتدي به لتنعمي بحياة زوجية هادئة هانئة ومستقرة .
4. الرضى بما قسم الله : فهي تعلم أن الأرزاق بيد الله وأن الحياة الزوجية شركة حقاً ولكن رأس مالها ليس المال وإنما الحب في الله فإذا كان الرجل محباً لزوجته في الله فهو يعمل كل ما يرضيها ويسعدها , وكذلك الزوجة بدافع الحب في الله تتقبل الحياة التي يرضاها الزوج , وتساعده على تخطي صعوبات الحياة فلا ترهقه بمطالبها الكثيرة بمواكبتها للموضه في مجال اللباس وتغيير ديكور المنزل وأثاثه بين الحين والآخر ، فقد قـال رسول الله :
( ارض بما قسم الله لك تكن أسعد الناس ) رواه الترمذي .
فالمرأة الصالحة شاكرة لربها معترفة بفضل زوجها عليها , غير شاكية ولا متذمره , وإذا حـصـل بـينها وبينه خلافٌ فلا تكثر الجدال فيه حتى لايتسع وتزيد الهوة بينهما . وكما قال الشاعر :
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنقريني نقرك الدف مرة
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالقوى
فاني رأيت الحب في القلب والأذى
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإنك لا تدرين كيف المغيَّب
ويأباك قلبي والقلوب تقلَّب
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهَب
ولا تتطلع إلى الدنيا وزينتها حتى تشبع نهمها فقد وقفت أزواج النبي يطالبنه بزيادة النفقة فنزل قوله تعالى :( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (3)
وعندما خيرهن رسول الله بينه وبين زينة الحياة الدنيا اخترنه ففرح بهذا الاختيار . فلنا في أزواج رسول الله قدوة حسنة .
ولا تستغربي حصول الخلافات الزوجية فهي أمر عادي , ولو خلا منها بيت لخلا منها بيت النبوة , ولكن إذا حصل خلاف فيجب الوقوف على السبب المباشر لهذا الخلاف حتى يسهل إيجاد الحل المناسب له , ولا يصح إثارة المشاكل السابقة حتى لا تصبح الخلافات كثيرة ومتراكمة ويستعصي حلها , بل يجب التركيز على نقاط الاتفاق , ومناقشة نقاط الاختلاف بهدوء وروية للوصول إلى حل نهائي . ويجب أن يسرع كلا الزوجين بإجراء المصالحة حتى لا يكون هناك مجال للشيطان ليدخل إلى القلوب ويزرع الفرقة بينها , واعلمي أختاه أن الحياة الزوجية تحتاج إلى مدة قد تطول أو تقصر ليتعرف كلا الزوجين على طباع الآخر,ومن ثم يحصل الانسجام والتوافق بينهما . لتبحر سفينة الحياة بهدوء وثبات وتصل إلى شاطئ الأمان بإذن الله
5. الصبر والتوكل على الله تعالى : فإذا كان الزوج فقيراً صبرت حتى يغير الله تعالى الحال إلى ما هو أفضل فهي موقنة بأن الله عز وجل لن يضيع عباده فالفقر أو الغنى ابتلاء واختبار من الله تعالى لعباده المؤمنين . وهي مؤمنة بقول الرسول :( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ) صحيح الجامع الصغير .
فقد روى البخاري بما معناه عن ابن عباس ما قال : جاء إبراهيم عليه السلام بزوجته هاجر وابنها اسماعيل من فلسطين إلى مكة المكرمة تلك الصحراء القاحلة التي لا زرع فيها ولا شجر ولا بشر . و تركها وابنها وترك معهما جراباً من تمر وسقاء فيه ماء وعندما سألته عن سبب تركها وابنها وحيدين في هذا المكان الموحش لم يجبها فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ أجابها : نعم . قالت : إذن لا يضيعنا . فبهذه الثقة وهذا اليقين والمنطق الحكيم تقبلت هذا الأمر العظيم . وانطلق سيدنا إبراهيم عليه السلام راجعاً إلى فلسطين واستقبل البيت ورفع يديه متضرعاً إلى الله :( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ). (4)
وبقيت هاجر وابنها تأكل التمر وتشرب الماء وترضع طفلها حتى نفذ الماء ذات يوم فانطلقت تمشي طالبة الحصول على الماء تعتلي الصفا حيناً وتنزل إلى المروة حيناً وبقيت ذاهبة آيبة بين هذين الجبلين سبع مرات حتى بعث الله ملكاً على هيئة طير فحفر بجناحه الأرض حتى ظهر الماء فأخذت هاجر تزم الماء بيديها وتشرب وتسقي طفلها , وإكراماً للسيدة هاجر ولصبرها وحسن توكلها , فجر الله تعالى عين زمزم قرب البيت الحرام فهي شرب وشفاء للناس , وقد جعل الله تعالى من مناسك الحج
والعمرة السعي بين الصفا والمروة ولقد قال تعالى:( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) (5)
6. تشارك زوجها الحياة بحلوها ومرها : فهي معه في السراء والضراء تثبته وتواسيه فهذه خديجة أم المؤمنين ا تقف إلى جانب رسول الله تخفف عنه عندما جاءها فزعاً مرعوباً حينما نزل عليه الوحي فقالت له :( كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكَل ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ) رواه البخاري . فرفعت معنوياته وبثت الأمل في قلبه حتى غدا قوياً متحمساً لدعوته .
وتبقى إلى جانب زوجها حتى يحقق أهدافه في الحياة وكلما حقق هدفاً بثت في قلبه النشاط والحماس لإنجاز هدف آخر ، فهناك الكثير من النساء كن خير معين لأزواجهن على تخطي صعوبات الحياة , فأعطته قبل أن تأخذ منه , وهيئت له ظروف الالتحاق بركب التحصيل العلمي حتى وصل إلى قمة المجد والعلياء وأصبح رمزاً يشار إليه بالبنان , فشاركته فرحة الإنجاز وأحاطته بالثقة العالية حتى حقق أحلامه , وبذلك تنطبق عليها مقولة " وراء كل رجل عظيم امرأة "وكما قال الرافعي رحمه الله :[ إن المرأة العظيمة هي المرأة التي تستطيع أن تجعل من الرجـل شخصية أعظم منها ] .
7. الوفاء للزوج : فالزوجة الوفية حلم كل رجل مسلم , فهو لا يحب أن يفتح عينيه ويجد زوجته وقد فارقته إلى غيره , بل يحب أن تظل وفية له تقاسمه تقلب الحياة في السراء والضراء , صابرة على البلاء , تذكر حسناته وتتغاضى عن هفواته . حتى بعد مماته تبقى وفية للعشرة الزوجية , ولنا في نائلة زوجة عثمان ما قدوة حسنة , فعندما هجم الأعداء ليقتلوه في بيته وقفت مدافعة عنه حتى هوى السيف على يدها فقطع أصابعها , وبقيت صابرة متماسكة حتى جن الليل وجمعت المسلمين غير هيابة ولا واهمة ,حتى تم دفنه ، وبقيت وفية له حتى بعد موته حيث خطبها رجال كثيرون ومن بينهم معاوية ابن أبي سفيان فقالـت لمن جـاءها بالخبر :( ما الذي يعجب معاوية فيّ ؟ فقيل لها : أجمل ما فيك وكان أجمل ما فيها ثناياها فقلعتهـا وبعثت بهـا إلى معاويـة وقالت : حتى لا يطمع الرجال فيّ بعد عثمان(6)
وهذه آمنة بنت الشريد يلاحق معاوية زوجها فلم يجده فيقبض عليها حتى يصل إلى الزوج وعندما تمكن من الإمساك بزوجها فقتله ثم قطع رأسه ، وبعث به إلى آمنة وهي قابعة في السجن تصلي وتعبد الله ، يدخل عليها رسول معاوية ويلقي في حجرها رأس زوجها فارتاعت ونظرت إلى الرأس ولكنها تماسكت ومدت يدها نحو الرأس والدموع في عينيها ، وهي تقول : واحزناه نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه إليّ قتيلا فأهلاً وسهلاً بمن كنت له غير قالية وأنا له اليوم غير ناسية ثم رفعت رأسها نحو رسول معاوية وقالت له : ارجع إليه وقل له يتم الله ولدك وأوحش منك أهلك , ولا غفر الله لـك ذنبك, فأرسل إليـها معاوية يؤنبـها ويقول : ءأنت صاحبة هذا الكلام ؟ فقالت : نعم . غير نازعة ولا معتذرة ولا منكرة له فلعمري لقد اجتهدت بالدعاء إن نفع الاجتهاد , وأن الحق لمن وراء العباد , وما بلغك شيء من جزاءك وأن الله بالنقمة من ورائك(7)
==================
(1) سـورة النساء الآية 34 .
(2) أحكام النساء / لابن الجوزي ص315 /316 .
(3)سورة الأحزاب الآيات 28-29 .
(4)سورة إبراهيم الآية 37 .
(5) سورة الطلاق الآيات 2-3 .
(6) الأعلام للزركلي 7/343 .
(7) النساء الداعيات ص187 .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحياة الزوجية بين الحقوق والواجبات
إن التشريع الإسلامي قد كفل للزوجين حياة آمنة مستقرة فوضع أحكاماً شرعية تبين ما لكل منهما من حقوق , وما عليه من واجبات . وقد تولت السنة النبوية تفصيل هذه الحقوق والواجبات ,وكيفية تعامل الرجل مع زوجته , وما هي الصفات التي يجب على المرأة المسلمة أن تتصف بها حتى تكون زوجة صالحة .فها هو رسول الله يبين صفات المرأة الصالحة عندما سُئل أي النساء خير ؟ قال :
( التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره ) رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن .
صفات المرأة الصالحة :
1. حسن الطاعة : والطاعة تعني الاستجابة لأمر الزوج إذا أمر بالمعروف ويجب أن تكون الطاعة نابعة من القلب ، وفيما يرضي الله سبحانه وتعالى فقد قال رسول الله :( لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) رواه مسلم .
وعلى الزوجة طاعة زوجها فيما يخص المعاشرة الزوجية فقد قال رسول الله :
( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ) أخرجه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع
وهذا الحديث يدل على وجوب طاعة المرأة لزوجها وهي مأجورة على هـذا العمل وطاعة الزوج من طاعة الله عز وجل .
ومن قبيل الطاعــة أن تحفظ زوجـهـا في غيبتـه فـلا تدخل أحداً إلى بـيـتـه ، وتحفـظ مالــه فـلا تنفــق منـه إلا في الــمعروف ، فقـد قــال تـعـالى:( َالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ). (1)
فاحرصي أختي الزوجة على حسن الطاعة لزوجك فهي مورثة للحب والرضى , ومقوية للرباط بينكما , واعلمي أن مخالفة الزوج تولد البغضاء والكراهية وتوغر صدره عليك مما يجعل حياة الأسرة عرضة للشقاق والاختلاف الذي ينتهي غالباً بالطلاق .
2. حسن المظهر والهيئة : التجمل أمر فطري عند الإنسان فمبدأ التجمل هو للرجال والنساء وكذلك السمت الحسن ،عن عبدالله بن مسعود قال :( قال رجل للنبي إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً قال : إن الله جميل يحب الجمال ) رواه مسلم ، وعن عبد الله بن سلام عن النبي
قـال:( خيرالنساء من تسُرّك إذا أبصرت ... ) رواه الطبراني .
ولا يعني حسن المظهر أن تكون المرأة جميلة حسناء ، لأن الجمال أمر نسبي ، وجمال المرأة هو دينها وحسن خلقها وأدبها ، والمرأة الحكيمة هي التي تتفنن في كيفية إظهار جمالها لزوجها ، وهذا لا يعني منع الرجل من الزواج بامرأة جميلة إذا كانت على خلق ودين ، فقد قال رسول الله :( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) متفق عليه .
3. التودد إلى الزوج : وذلك بالتعامل معه بكل احترام وتقدير ، حتى تطيب خاطره وتدخل السرور إلى قلبه , وتحسن مخاطبته بالكلمة العذبة التي تذهب عنه التعب والنكد , فإذا اقترب موعد حضوره قامت للقائه واستقبلته بأجمل تحيه . والتودد يكون أيضاً بحسن ثنائها على زوجها في غيابه , وإذا أحضر لها شيئاً شكرته على حسن صنيعه وهذا يزيد من إعجاب الرجل بزوجته وزيادة حبه لها , وتتودد المرأة لزوجها أيضاً بتعهدها لنظافة جسمها فتحافظ على صفات الفطرة
وتتودد المرأة لزوجها بأن ترضيه إذا غـضب فقد قال رسول :( ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة ؟ الودود ، الولود ، العؤود ، التي إذا ظلمت قالت هذي يدي في يدك لا أذوق غمضاً حتى ترضى ) رواه الدار قطني .
ومهما اجتهدنا في تفسير وفهم معاني التودد فلن نبلغ ما أفهمته أم حكيمة وهي أمامة بنت الحارث لابنتها عندما أوصتها ليلة زفافها فقالت :
[ أي بنيـة : إنك فارقت الجو الـذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجت ، إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه فأصـبـح بملكه عليك رقيباً ومليكاً ، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشريكاً .
يا بنية : احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً :
الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن الطاعة ، والتعهد لموقع عينه ، والتفقد لموضـع أنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح ، والكحل أحسن الحسن ، والماء أطيب الطيب المفقود ،والتعهد لوقت طعامه ، والهدوء عند منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة , وتنغيص النوم مبغضة , والاحتفاظ ببيته وماله , والإرعاء على نفسه وحشمه , فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير والإرعاء على العيال والحشم حصن التدبير , ولا تفشي له سراً ولا تعصي له أمراً فانك إن أفشيت سره لم تأمني غدره ، وان عصيت أمره أوغرت صدره واعلمي أنك لن تصلي إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك...(2)
فإذا أردت أن تعيشي أختي المسلمة حياة زوجية ترفرف السعادة بين أرجائها فاحملي هذه الوصية البارعة واجعليها نبراساً تهتدي به لتنعمي بحياة زوجية هادئة هانئة ومستقرة .
4. الرضى بما قسم الله : فهي تعلم أن الأرزاق بيد الله وأن الحياة الزوجية شركة حقاً ولكن رأس مالها ليس المال وإنما الحب في الله فإذا كان الرجل محباً لزوجته في الله فهو يعمل كل ما يرضيها ويسعدها , وكذلك الزوجة بدافع الحب في الله تتقبل الحياة التي يرضاها الزوج , وتساعده على تخطي صعوبات الحياة فلا ترهقه بمطالبها الكثيرة بمواكبتها للموضه في مجال اللباس وتغيير ديكور المنزل وأثاثه بين الحين والآخر ، فقد قـال رسول الله :
( ارض بما قسم الله لك تكن أسعد الناس ) رواه الترمذي .
فالمرأة الصالحة شاكرة لربها معترفة بفضل زوجها عليها , غير شاكية ولا متذمره , وإذا حـصـل بـينها وبينه خلافٌ فلا تكثر الجدال فيه حتى لايتسع وتزيد الهوة بينهما . وكما قال الشاعر :
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنقريني نقرك الدف مرة
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالقوى
فاني رأيت الحب في القلب والأذى
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإنك لا تدرين كيف المغيَّب
ويأباك قلبي والقلوب تقلَّب
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهَب
ولا تتطلع إلى الدنيا وزينتها حتى تشبع نهمها فقد وقفت أزواج النبي يطالبنه بزيادة النفقة فنزل قوله تعالى :( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (3)
وعندما خيرهن رسول الله بينه وبين زينة الحياة الدنيا اخترنه ففرح بهذا الاختيار . فلنا في أزواج رسول الله قدوة حسنة .
ولا تستغربي حصول الخلافات الزوجية فهي أمر عادي , ولو خلا منها بيت لخلا منها بيت النبوة , ولكن إذا حصل خلاف فيجب الوقوف على السبب المباشر لهذا الخلاف حتى يسهل إيجاد الحل المناسب له , ولا يصح إثارة المشاكل السابقة حتى لا تصبح الخلافات كثيرة ومتراكمة ويستعصي حلها , بل يجب التركيز على نقاط الاتفاق , ومناقشة نقاط الاختلاف بهدوء وروية للوصول إلى حل نهائي . ويجب أن يسرع كلا الزوجين بإجراء المصالحة حتى لا يكون هناك مجال للشيطان ليدخل إلى القلوب ويزرع الفرقة بينها , واعلمي أختاه أن الحياة الزوجية تحتاج إلى مدة قد تطول أو تقصر ليتعرف كلا الزوجين على طباع الآخر,ومن ثم يحصل الانسجام والتوافق بينهما . لتبحر سفينة الحياة بهدوء وثبات وتصل إلى شاطئ الأمان بإذن الله
5. الصبر والتوكل على الله تعالى : فإذا كان الزوج فقيراً صبرت حتى يغير الله تعالى الحال إلى ما هو أفضل فهي موقنة بأن الله عز وجل لن يضيع عباده فالفقر أو الغنى ابتلاء واختبار من الله تعالى لعباده المؤمنين . وهي مؤمنة بقول الرسول :( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ) صحيح الجامع الصغير .
فقد روى البخاري بما معناه عن ابن عباس ما قال : جاء إبراهيم عليه السلام بزوجته هاجر وابنها اسماعيل من فلسطين إلى مكة المكرمة تلك الصحراء القاحلة التي لا زرع فيها ولا شجر ولا بشر . و تركها وابنها وترك معهما جراباً من تمر وسقاء فيه ماء وعندما سألته عن سبب تركها وابنها وحيدين في هذا المكان الموحش لم يجبها فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ أجابها : نعم . قالت : إذن لا يضيعنا . فبهذه الثقة وهذا اليقين والمنطق الحكيم تقبلت هذا الأمر العظيم . وانطلق سيدنا إبراهيم عليه السلام راجعاً إلى فلسطين واستقبل البيت ورفع يديه متضرعاً إلى الله :( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ). (4)
وبقيت هاجر وابنها تأكل التمر وتشرب الماء وترضع طفلها حتى نفذ الماء ذات يوم فانطلقت تمشي طالبة الحصول على الماء تعتلي الصفا حيناً وتنزل إلى المروة حيناً وبقيت ذاهبة آيبة بين هذين الجبلين سبع مرات حتى بعث الله ملكاً على هيئة طير فحفر بجناحه الأرض حتى ظهر الماء فأخذت هاجر تزم الماء بيديها وتشرب وتسقي طفلها , وإكراماً للسيدة هاجر ولصبرها وحسن توكلها , فجر الله تعالى عين زمزم قرب البيت الحرام فهي شرب وشفاء للناس , وقد جعل الله تعالى من مناسك الحج
والعمرة السعي بين الصفا والمروة ولقد قال تعالى:( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) (5)
6. تشارك زوجها الحياة بحلوها ومرها : فهي معه في السراء والضراء تثبته وتواسيه فهذه خديجة أم المؤمنين ا تقف إلى جانب رسول الله تخفف عنه عندما جاءها فزعاً مرعوباً حينما نزل عليه الوحي فقالت له :( كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكَل ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ) رواه البخاري . فرفعت معنوياته وبثت الأمل في قلبه حتى غدا قوياً متحمساً لدعوته .
وتبقى إلى جانب زوجها حتى يحقق أهدافه في الحياة وكلما حقق هدفاً بثت في قلبه النشاط والحماس لإنجاز هدف آخر ، فهناك الكثير من النساء كن خير معين لأزواجهن على تخطي صعوبات الحياة , فأعطته قبل أن تأخذ منه , وهيئت له ظروف الالتحاق بركب التحصيل العلمي حتى وصل إلى قمة المجد والعلياء وأصبح رمزاً يشار إليه بالبنان , فشاركته فرحة الإنجاز وأحاطته بالثقة العالية حتى حقق أحلامه , وبذلك تنطبق عليها مقولة " وراء كل رجل عظيم امرأة "وكما قال الرافعي رحمه الله :[ إن المرأة العظيمة هي المرأة التي تستطيع أن تجعل من الرجـل شخصية أعظم منها ] .
7. الوفاء للزوج : فالزوجة الوفية حلم كل رجل مسلم , فهو لا يحب أن يفتح عينيه ويجد زوجته وقد فارقته إلى غيره , بل يحب أن تظل وفية له تقاسمه تقلب الحياة في السراء والضراء , صابرة على البلاء , تذكر حسناته وتتغاضى عن هفواته . حتى بعد مماته تبقى وفية للعشرة الزوجية , ولنا في نائلة زوجة عثمان ما قدوة حسنة , فعندما هجم الأعداء ليقتلوه في بيته وقفت مدافعة عنه حتى هوى السيف على يدها فقطع أصابعها , وبقيت صابرة متماسكة حتى جن الليل وجمعت المسلمين غير هيابة ولا واهمة ,حتى تم دفنه ، وبقيت وفية له حتى بعد موته حيث خطبها رجال كثيرون ومن بينهم معاوية ابن أبي سفيان فقالـت لمن جـاءها بالخبر :( ما الذي يعجب معاوية فيّ ؟ فقيل لها : أجمل ما فيك وكان أجمل ما فيها ثناياها فقلعتهـا وبعثت بهـا إلى معاويـة وقالت : حتى لا يطمع الرجال فيّ بعد عثمان(6)
وهذه آمنة بنت الشريد يلاحق معاوية زوجها فلم يجده فيقبض عليها حتى يصل إلى الزوج وعندما تمكن من الإمساك بزوجها فقتله ثم قطع رأسه ، وبعث به إلى آمنة وهي قابعة في السجن تصلي وتعبد الله ، يدخل عليها رسول معاوية ويلقي في حجرها رأس زوجها فارتاعت ونظرت إلى الرأس ولكنها تماسكت ومدت يدها نحو الرأس والدموع في عينيها ، وهي تقول : واحزناه نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه إليّ قتيلا فأهلاً وسهلاً بمن كنت له غير قالية وأنا له اليوم غير ناسية ثم رفعت رأسها نحو رسول معاوية وقالت له : ارجع إليه وقل له يتم الله ولدك وأوحش منك أهلك , ولا غفر الله لـك ذنبك, فأرسل إليـها معاوية يؤنبـها ويقول : ءأنت صاحبة هذا الكلام ؟ فقالت : نعم . غير نازعة ولا معتذرة ولا منكرة له فلعمري لقد اجتهدت بالدعاء إن نفع الاجتهاد , وأن الحق لمن وراء العباد , وما بلغك شيء من جزاءك وأن الله بالنقمة من ورائك(7)
==================
(1) سـورة النساء الآية 34 .
(2) أحكام النساء / لابن الجوزي ص315 /316 .
(3)سورة الأحزاب الآيات 28-29 .
(4)سورة إبراهيم الآية 37 .
(5) سورة الطلاق الآيات 2-3 .
(6) الأعلام للزركلي 7/343 .
(7) النساء الداعيات ص187 .