اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإدارى > أرشيف المنتدي

أرشيف المنتدي هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-04-2013, 12:07 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أقسام الإحْسَان
الإحْسَان ينقسم إلى قسمين: إحسان في عبادة الله. وإحْسَان إلى عباد الله، وكل قسم منهما ينقسم إلى واجب ومستحب.
فأما الإحسان في عبادة الله فيتضمن الإحْسَان في الإتيان بالواجبات الظَّاهرة والباطنة، وذلك بــــ(الإتيان بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القَدْر مِن الإحْسَان فيها واجبٌ، وأمَّا الإحْسَان فيها بإكمال مستحبَّاتها فليس بواجب.
والإحْسَان في ترك المحرَّمات: الانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [الأنعام:120]، فهذا القدر مِن الإحْسَان فيها واجبٌ.
وأمَّا الإحْسَان في الصَّبر على المقدورات، فأن يأتي بالصَّبر عليها على وجهه مِن غير تسخُّط ولا جزع) .
وأما الإحسان إلى عباد الله فالواجب منه (هو الإنصاف، والقيام بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجَّه عليك مِن الحقوق...بأن تقوم بحقوقهم الواجبة، كالقيام ببرِّ الوالدين، وصلة الأرحام، والإنصاف في جميع المعاملات، بإعطاء جميع ما عليك مِن الحقوق، كما أنَّك تأخذ مالك وافيًا. قال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النِّساء: 36] فأمر بالإحْسَان إلى جميع هؤلاء) .
وقال ابن رجب: (والإحْسَان الواجب في معاملة الخَلْق ومعاشرتهم: القيام بما أوجب الله مِن حقوق ذلك كلِّه، والإحْسَان الواجب في ولاية الخَلْق وسياستهم، القيام بواجبات الولاية كلِّها) .
وأما المستحب منه فهو (القَدْرُ الزَّائد على الواجب في ذلك كلِّه) . ومثال ذلك (بذل نفع بدنيٍّ، أو ماليٍّ، أو علميٍّ، أو توجيه لخير دينيٍّ، أو مصلحة دنيويَّة، فكلُّ معروف صَدَقة، وكلُّ ما أدخل السُّرور على الخَلْق صَدَقة وإحسان. وكلُّ ما أزال عنهم ما يكرهون، ودفع عنهم ما لا يرتضون مِن قليل أو كثير، فهو صَدَقة وإحسان) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:01 PM
  #2  
قديم 13-04-2013, 12:20 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

صور الإحْسَان
قبل أن نُـفَصِّلَ في صور الإحْسَان نذكر هذه الصور على جهة الإجمال، والتي منها الإحسان في العبادات، والإحسان في المعاملات، والإحسان إلى الحيوانات، والإحسان في الأعمال البدنية، فـ(الإحْسَان في باب العبادات أن تؤدِّى العبادة أيًّا كان نوعها؛ مِن صلاة أو صيام أو حجٍّ أو غيرها أداءً صحيحًا، باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها، وهذا لا يتمُّ للعبد إلَّا إذا كان شعوره قويًّا بمراقبة الله عزَّ وجلَّ حتى كأنَّه يراه تعالى ويشاهده، أو على الأقلِّ يشعر نفسه بأنَّ الله تعالى مطَّلع عليه، وناظرٌ إليه، فبهذا وحده يمكنه أن يحسن عبادته ويتقنها، فيأتي بها على الوجه المطلوب، وهذا ما أرشد إليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ((الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)).
وفي باب المعاملات فهو للوالدين ببرِّهما بالمعروف، وطاعتهما في غير معصية الله، وإيصال الخير إليهما، وكفِّ الأذى عنهما، والدُّعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما.
وهو للأقارب ببرِّهم ورحمتهم والعطف عليهم، وفعل ما يَجْمُل فعله معهم، وترك ما يسيء إليهم.
وهو لليتامى بالمحافظة على أموالهم، وصيانة حقوقهم، وتأديبهم وتربيتهم بالحسنى، والمسح على رؤوسهم.
وهو للمساكين بسدِّ جوعهم، وستر عورتهم، وعدم احتقارهم وازدرائهم، وعدم المساس بهم بسوء، وإيصال النَّفع إليهم بما يستطيع، وهو لابن السَّبيل بقضاء حاجته، وسدِّ خلَّته، ورعاية ماله، وصيانة كرامته، وبإرشاده إن استرشد، وهدايته إن ضلَّ.
وهو للخادم بإتيانه أجره قبل أن يجفَّ عرقه، وبعدم إلزامه ما لا يلزمه، أو تكليفه بما لا يطيق، وبصون كرامته، واحترام شخصيَّته.
وهو لعموم النَّاس بالتَّلطُّف في القول لهم، ومجاملتهم في المعاملة، وبإرشاد ضالِّهم، وتعليم جاهلهم، والاعتراف بحقوقهم، وبإيصال النَّفع إليهم، وكفِّ الأذى عنهم.
وهو للحيوان بإطعامه إن جاع، ومداواته إن مرض، وبعدم تكليفه ما لا يطيق، وحمله على ما لا يقدر، وبالرِّفق به إن عمل، وإراحته إن تعب.
وهو في الأعمال البدنيَّة بإجادة العمل، وإتقان الصَّنعة، وبتخليص سائر الأعمال مِن الغش، وهكذا) . وإليك تفاصيل هذه الصُّور:
1- الإحْسَان في عبادة الله:
(والإحْسَان في عبادة الله له ركن واحد بيَّنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((بأن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)). فأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مرتبة الإحْسَان على درجتين، وأنَّ المحسنين في الإحْسَان على درجتين متفاوتتين، الدَّرجة الأولى: وهي ((أن تعبد الله كأنَّك تراه)). الدَّرجة الثَّانية: أن تعبد الله كأنَّه يراك، والمعنى إذا لم تستطع أن تعبد الله كأنَّك تراه وتشاهده رأي العين، فانزل إلى المرتبة الثَّانية، وهي أن تعبد الله كأنَّه يراك. فالأولى عبادة رغبة وطمع، والثَّانية عبادة خوف ورهب) .
2- الإحْسَان إلى الوالدين:
جاءت نصوص كثيرة تحثُّ على حقوق الوالدين وبرِّهما والإحْسَان إليهما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 23-24].
قال القرطبي: (قال العلماء: فأحقُّ النَّاس بعد الخالق المنَّان بالشُّكر والإحْسَان والتزام البرِّ والطَّاعة له والإذعان مَن قرن الله الإحْسَان إليه بعبادته وطاعته، وشكره بشكره، وهما الوالدان، فقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان: 14]) .
وقوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام: 151].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ العمل أفضل؟ قال: الصَّلاة لوقتها. قال قلت: ثمَّ أي؟ قال: برُّ الوالدين. قال قلت: ثمَّ أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)) .
قال الرَّازي: (أجمع أكثر العلماء على أنَّه يجب تعظيم الوالدين والإحْسَان إليهما إحسانًا غير مقيَّد بكونهما مؤمنين؛ لقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83]) .
3- الإحْسَان إلى الجار:
عن أبي شُريح الخُزاعي أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت)) .
ويكرم جاره بالإحسان إليه وكف الأذى عنه، وتحمل ما يصدر منه، والبشر في وجهه، وغير ذلك من وجوه الإكرام .
4- الإحْسَان إلى اليتامى والمساكين:
ومِن الإحْسَان إلى اليتامى والمساكين: المحافظة على حقوقهم والقيام بتربيتهم، والعطف عليهم، ومدُّ يد العون لهم، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ [البقرة: 83].
(فإنَّ الإحْسَان إليهم والبرَّ بهم وكفالة عيشهم وصيانة مستقبلهم مِن أزكى القربات، بل إنَّ العواطف المنحرفة تعتدل في هذا المسلك وتلزم الجادَّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنَّ رجلًا شكا إلى رسول الله قسوة قلبه، فقال: ((امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين)) . وفي رواية: أنَّ رجلًا جاءه يشكو قسوة قلبه، فقال له: ((أتحبُّ أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه مِن طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك)) . وذلك أنَّ القلب يتبلَّد في المجتمعات التي تضجُّ بالمرح الدَّائم، والتي تصبح وتمسي وهي لا ترى مِن الحياة غير آفاقها الزَّاهرة ونعمها الباهرة، والمترفون إنَّما يتنكَّرون لآلام الجماهير؛ لأنَّ الملذَّات -التي تُيَسَّر لهم- تُغلِّف أفئدتهم وتطمس بصائرهم، فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج وألم المتألِّم وحزن المحزون، والنَّاس إنَّما يُرْزَقون الأفئدة النَّبيلة والمشاعر المرهفة عندما ينقلبون في أحوال الحياة المختلفة، ويُبْلَون مسَّ السَّرَّاء والضَّرَّاء.. عندئذ يحسُّون بالوحشة مع اليتيم وبالفقدان مع الثَّكلى وبالتعب مع البائس الفقير) .
5- الإحسان في المعاملات التجارية :
قد أمر الله تعالى بالعدل والإحْسَان جميعًا، والعدل سبب النَّجاة فقط، وهو يجري من التِّجارة مجرى سلامة رأس المال، والإحْسَان سبب الفوز ونيل السَّعادة، وهو يجري من التِّجارة مجرى الرِّبح، ولا يُعدُّ مِن العقلاء مَن قنع في معاملات الدُّنْيا برأس ماله، فكذا في معاملات الآخرة.
ولا ينبغي للمتديِّن أن يقتصر علىالعدل واجتناب الظُّلم، ويدع أبواب الإحْسَان وقد قال الله تعالى: وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: 77]، وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النَّحل: 90]، وقال سبحانه: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56]، وينال المعامل رتبة الإحْسَان بواحدٍ مِن ستَّة أمور:
الأوَّل: في المغابنة، فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة، فأمَّا أصل المغابنة فمأذونٌ فيه، لأنَّ البيع للرِّبح، ولا يمكن ذلك إلَّا بغبن، ولكن يراعى فيه التَّقريب، ومَن قنع بربحٍ قليلٍ كثرت معاملاته، واستفاد مِن تكررها ربحًا كثيرًا، وبه تظهر البركة.
الثَّاني: في احتمال الغبن، والمشتري إن اشترى طعامًا مِن ضعيف أو شيئًا مِن فقير فلا بأس أن يحتمل الغبن ويتساهل، ويكون به محسنًا وداخلًا في قوله عليه السَّلام: ((رحم الله سهل البيع وسهل الشِّراء)) ، وأما احتمال الغبن مِن الغني فليس محمودًا، بل هو تضييع مال مِن غير أجر ولا حمد، وكان كثيرٌ مِن السَّلف يستقصون في الشِّراء، ويهبون مِن ذلك الجزيل مِن المال، فقيل لبعضهم في ذلك فقال: إنَّ الواهب يعطي فضله، وإنَّ المغبون يغبن عقله.
الثَّالث: في استيفاء الثَّمن وسائر الدُّيون والإحْسَان فيه مرَّة بالمسامحة وحطِّ البعض، ومرَّة بالإمهال والتَّأخير، ومرَّة بالمساهلة في طلب جودة النَّقد، وكلُّ ذلك مندوبٌ إليه ومحثوثٌ عليه، وفي الخبر: ((مَن أقرض دينارًا إلى أجلٍ، فله بكلِّ يوم صدقة إلى أجله، فإذا حلَّ الأجل فأنظره بعده، فله بكلِّ يوم مثل ذلك الدَّين صدقة)) ، ونظر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى رجل يلازم رجلًا بدين، فأومأ إلى صاحب الدَّين بيده، أي: ضع الشَّطر، ففعل، فقال للمديون: ((قم فأعطه)) .
الرَّابع: في توفية الدَّين، ومِن الإحْسَان فيه حسن القضاء، وذلك بأن يمشي إلى صاحب الحقِّ، ولا يكلِّفه أن يمشي إليه يتقاضاه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم أحسنكم قضاءً)) ، ومهما قدر على قضاء الدَّين فليبادر إليه ولو قبل وقته، وإن عجز فلينوِ قضاءه مهما قدر، ومهما كلَّمه مستحقُّ الحقِّ بكلام خشن، فليتحمَّله وليقابله باللُّطف اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم لـمَّا ردَّد عليه كلامه صاحب الدَّين، فهمَّ به أصحابه، فقال: ((دعوه؛ فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالًا)) . ومِن الإحْسَان أن يميل الحكم إلى مَن عليه الدَّين لعسره.
الخامس: أن يُقيل مَن يستقيله؛ فإنَّه لا يستقيل إلَّا متندِّمٌ مُسْتَضِرٌّ بالبيع، ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه، وفي الخبر: ((مَن أقال نادمًا صفقته، أقال الله عثرته يوم القيامة)) .
السَّادس: أن يقصد في معاملته جماعة مِن الفقراء بالنَّسيئة، وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم إن لم يظهر لهم مَيْسَرة، وكان مِن السَّلف مَن يقول لفقير: خذ ما تريد، فإن يُسِّر لك فاقض، وإلَّا فأنت في حلٍّ منه وسعة.
6- الإحْسَان إلى المسيء:
(ومِن أجلِّ أنواع الإحْسَان: الإحْسَان إلى مَن أساء إليك بقولٍ أو فعلٍ. قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35].
ومن كانت طريقته الإحْسَان، أحسن الله جزاءه: هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ [الرحمن: 60]) .
وذكر الهرويُّ أنَّ مِن منازل إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين (الفتوَّة)، وقال: (هي على ثلاث درجات، الدَّرجة الأولى ترك الخصومة، والتَّغافل عن الزلَّة، ونسيان الأذيَّة. والدَّرجة الثَّانية أن تقرِّب مَن يقصيك، وتكرم مَن يؤذيك، وتعتذر إلى مَن يجني عليك، سماحةً لا كظمًا، ومودَّةً لا مصابرةً) .
قال ابن القيِّم في ذلك: (هذه الدَّرجة أعلى ممَّا قبلها وأصعب؛ فإنَّ الأولى تتضمَّن ترك المقابلة والتَّغافل، وهذه تتضمَّن الإحْسَان إلى مَن أساء إليك، ومعاملته بضِدِّ ما عاملك به، فيكون الإحْسَان والإساءة بينك وبينه خُطَّتين فخُطَّتك: الإحْسَان. وخُطَّته: الإساءة.
وفي مثلها قال القائل:


إذا مرِضْنا أتَيْناكم نَعودُكمُ *** وتُذْنبون فنَأْتيكم ونَعتذرُ



ومَن أراد فهم هذه الدَّرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مع النَّاس يجدها بعينها) .
7- الإحْسَان في الكلام:
قال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء: 53].
قال ابن كثير: (يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطَّيبة؛ فإنَّهم إذا لم يفعلوا ذلك، نزغ الشَّيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشَّرُّ والمخاصمة والمقاتلة، فإنَّ الشَّيطان عدوٌّ لآدم وذرِّيته مِن حين امتنع مِن السُّجود لآدم، فعداوته ظاهرة بيِّنة؛ ولهذا نهى أن يشير الرَّجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإنَّ الشَّيطان ينزغ في يده، أي: فربَّما أصابه بها) .
8- الإحْسَان في الجدال:
يقول الله تبارك وتعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النَّحل: 125].
قال الشَّوكاني: (أي: بالطَّريق التي هي أحسن طرق المجادلة. وإنَّما أمر -سبحانه- بالمجادلة الحسنة لكون الدَّاعي محقًّا وغرضه صحيحًا، وكان خصمه مبطلًا وغرضه فاسدًا) .
9- الإحْسَان إلى الحيوان:
ومِن الإحْسَان إلى الحيوان، إطعامه والاهتمام به، وحدُّ الشَّفرة عند ***ه، وأن لا يحدَّ الشَّفرة أمامه، وعدم الحمل إليه أكثر مِن طاقته.
قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله كتب الإحْسَان على كلِّ شيء؛ فإذا ***تم فأحسنوا القِتْلَة...))، وكره أبو هريرة أن تُحَدَّ الشَّفرة والشَّاة تنظر إليها، وروى أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا أضجع شاة، فوضع رجله على عنقها، وهو يحدُّ شَفْرته، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((ويلك، أردت أن تميتها موتات؟ هلا أحددت شَفْرتك قبل أن تضجعها)) ، وكان عمر بن الخطَّاب ينهى أن تُذْبَح الشَّاة عند الشَّاة .
قال ابن رجب: (والإحْسَان في *** ما يجوز ***ه مِن النَّاس والدَّواب: إزهاق نفسه على أسرع الوجوه، وأسهلها. وهذا النَّوع هو الذي ذكره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ولعلَّه ذكره على سبيل المثال، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال، فقال: ((إذا ***تم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ***تم فأحسنوا الذِّبحة))، والقِتْلة والذِّبْحة -بالكسر- أي: الهيئة، والمعنى: أحسنوا هيئة الذَّبح، وهيئة القَتْل. وهذا يدلُّ على وجوب الإسراع في إزهاق النُّفوس التي يُبَاح إزهاقها على أسهل الوجوه. وقد حكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإحْسَان في الذَّبيحة) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((في كلِّ كبد رطبة أجر)) .
قال النَّوويُّ: (معناه في الإحْسَان إلى كلِّ حيوان حي -بسقيه ونحوه- أجر، وسمَّي الحي ذا كبد رطبة؛ لأنَّ الميِّت يجفُّ جسمه وكبده. ففي الحديث الحثُّ على الإحْسَان إلى الحيوان المحترم، وهو ما لا يُؤمر ب***ه. فأمَّا المأمور ب***ه فيمتثل أمر الشَّرع في ***ه، والمأمور ب***ه كالكافر الحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناهن. وأمَّا المحترم فيحصل الثَّواب بسقيه والإحْسَان إليه، أيضًا بإطعامه وغيره سواءً كان مملوكًا أو مباحًا، وسواءً كان مملوكًا له أو لغيره) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((عُذِّبت امرأة في هرَّة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النَّار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل خَشَاش الأرض)) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:02 PM
  #3  
قديم 13-04-2013, 01:22 AM
مستر الادهم مستر الادهم غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 431
معدل تقييم المستوى: 12
مستر الادهم is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا
  #4  
قديم 13-04-2013, 01:44 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستر الادهم مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا
بارك الله فيك
__________________
  #5  
قديم 13-04-2013, 11:38 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الأمثال في الإحْسَان

- اسْقِ رَقَاشِ إنَّها سَقَّايَة:
يُضْرَب في الإحْسَان إلى المحسن .
- إنَّما يَجْزِي الفَتى ليْسَ الجَمَل:
ومعناه إنَّما يجزي على الإحْسَان بالإحْسَان مَن هو حرٌّ وكريم، فأمَّا مَن هو بمنزلة الجمل في لؤمه وموقه ، فإنَّه لا يُوصَل إلى النَّفع مِن جهته إلَّا إذا اقتُسر وقُهر .
- إنَّما هو كبَارحِ الأَرْوَى قليلًا ما يُرى:
وذلك أن الأرْوَى مساكنُها الجبالُ، فلا يكاد النَّاس يرونها سانحةً ولا بارحةً إلَّا في الدَّهر مرَّة. يُضْرب لمن يُرى منه الإحْسَان في الأحايين .
- جَــزَيْــتُهُ كَيْلَ الصَّاعِ بِالصَّاعِ:
إذا كافأتَ الإحْسَانَ بمثله والإساءةَ بمثلها .
- وجدت النَّاسَ إن قارضْتَهُم قارَضُوك:
أي: إن أحسنت إليهم أحسنوا إليك، وإن أسأت فكذلك .
__________________
  #6  
قديم 13-04-2013, 11:45 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الإحْسَان في واحة الشِّعر


قال أبو الفتح البستي:
زيادةُ المرءِ في دنياه نقصانُ***وربحُه غيرَ محضِ الخير خسرانُ



أَحْسِنْ إلى النَّاسِ تَسْتَعبِدْ قلوبَهم***فطالما استعبدَ الإنسانَ إِحسانُ



مَن جادَ بالمالِ مالَ النَّاسُ قاطبةً***إليه والمالُ للإنسانِ فتَّانُ



أَحْسِنْ إذا كان إمكانٌ ومَقْدِرَةٌ***فلن يدومَ على الإنسان إِمكانُ



حيَّاك مَن لم تكنْ ترجو تحيَّتَه***لولا الدَّراهمُ ما حيَّاك إنسانُ


وقال أيضًا:

إن كنتَ تطلبُ رتبةَ الأشرافِ***فعليك بالإحسانِ والإنصافِ



وإذا اعتدى خِلٌّ عليكَ فخلِّهِ***والدَّهرَ فهو له مكافٍ كافِ


وقال المتنبي:

وللتَّرْك للإحسانِ خيرٌ لمحسنٍ***إذا جَعَل الإحْسَانَ غيرَ ربيبِ


وقال أحمد الكيواني:

مَن يغرسِ الإحْسَانَ يجنِ محبَّةً***دونَ المسيءِ المبعدِ المصرومِ



أقِلِ العثارَ تُـقَلْ ولا تحسدْ ولا***تحقِدْ فليسَ المرءُ بالمعصومِ


وقال ابن زنجي:

لا تَحْقِرَنَّ مِن الإحسانِ محقرةً***أحْسِنْ فعاقبةُ الإحسانِ حُسناه


وقال آخر:

واللهِ ما حُلي الإمامُ بحليةٍ***أبهى مِن الإحْسَانِ والإنصافِ



فلسوفَ يلقَى في القيامةِ فِعْلَه***ما كان مِن كدرٍ أتاه وصافي


وقال أبو العتاهية:

لا تمشِ في النَّاس إلَّا رحمةً لهمُ***ولا تعاملْهم إلَّا بإنصافِ



واقطعْ قوَى كلِّ حقدٍ أنت مُضْمِرُه***إن زلَّ ذو زلَّةٍ أو إن هفا هافِ



وارغبْ بنفسك عمَّا لا صلاحَ له***وأوسِعِ النَّاسَ مِن بِرٍّ وإلطافِ



وإن يكنْ أحدٌ أولاك صالحةً***فكافِهِ فوقَ ما أولى بأضعافِ



ولا تكشِّفْ مُسيئًا عن إساءتِه***وصِل حبالَ أخيك القاطعِ الجافي

__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 03-05-2013 الساعة 11:55 PM
  #7  
قديم 13-04-2013, 11:48 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الأُلْفَة
معنى الأُلْفَة لغةً واصطلاحًا
معنى الأُلْفَة لغةً:
يقال: ألِفته إلفًا -من باب علم- وألفته أنِسْت به، ولزمته وأحببته، والاسم الأُلفة بالضمِّ، والأُلفة أيضًا اسم من الائتلاف، وهو الالتئام والاجتماع.
فهو مُؤْلَفٌ ومأْلُوفٌ... وأَلَّفْتُ بينهم تأْلِيفًا إذا جَمَعْتَ بينَهم بعد تَفَرُّقٍ .
معنى الأُلْفَة اصطلاحًا:
الأُلْفَة: اتِّفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش .
وقال الرَّاغب: (الإلْفُ: اجتماع مع التئام، يقال: أَلَّفْتُ بينهم، ومنه: الأُلْفَة) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 14-04-2013 الساعة 12:44 AM
  #8  
قديم 13-04-2013, 11:51 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103].
قال الرَّاغب الأصفهاني: (قوله: وَلاَ تَفَرَّقُواْ حث على الأُلْفَة والاجتماع، الذي هو نظام الإيمان واستقامة أمور العالم، وقد فضَّل المحبَّة والأُلْفَة على الإِنصاف والعدالة، لأنَّه يحُتاج إلى الإِنصاف حيث تفقد المحبَّة. ولصدق محبَّة الأب للابن صار مؤتمنًا على ماله، والأُلْفَة أحد ما شرَّف الله به الشَّريعة سيَّما شريعة الإِسلام) .
- وقال تعالى: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103].
قال الزَّمخشريُّ: (كانوا في الجاهليَّة بينهم الإحَن والعداوات والحروب المتواصلة، فألَّف الله بين قلوبهم بالإسلام، وقذف فيها المحبَّة، فتحابوا وتوافقوا وصاروا إخوانًا متراحمين متناصحين مجتمعين على أمرٍ واحد، قد نظم بينهم وأزال الاختلاف، وهو الأخوَّة في الله) .
وقال السُّيوطي: (إذ كنتم تذابحون فيها، يأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم وألف به بينكم، أما والله الذي لا إله إلَّا هو إنَّ الأُلْفَة لرحمة، وإنَّ الفُرْقَة لعذاب) .
- وقال سبحانه: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: 62-63].
قوله: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوَّتهم بسبب اجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوَّة غير قوَّة الله، فلو أنفقت ما في الأرض جميعًا مِن ذهب وفضَّة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النُّفرة والفُرقة الشَّديدة، مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لأنَّه لا يقدر على تقليب القلوب إلَّا الله تعالى، وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ومِن عزَّته أن ألَّف بين قلوبهم، وجمعها بعد الفرقة) .
وقال القرطبي: في قوله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ. (أي: جمع بين قلوب الأوس والخزرج. وكان تألُّف القلوب مع العصبيَّة الشَّديدة في العرب مِن آيات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعجزاته؛ لأنَّ أحدهم كان يُلْطَم اللَّطمة فيقاتل عنها حتى يستقيدها. وكانوا أشدَّ خَلْق الله حميَّة، فألَّف الله بالإيمان بينهم، حتى قاتل الرَّجل أباه وأخاه بسبب الدِّين. وقيل: أراد التَّأليف بين المهاجرين والأنصار. والمعنى متقارب) .
__________________
  #9  
قديم 13-04-2013, 11:56 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: ((لـمَّا أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في النَّاس في المؤلَّفة قلوبهم، ولم يعطِ الأنصار شيئًا، فكأنَّهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب النَّاس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلَّالًّا فهداكم الله بي، وكنتم متفرِّقين فألَّفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟ كلَّما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ. قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: كلَّما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ. قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب النَّاس بالشَّاة والبعير، وتذهبون بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءًا مِن الأنصار، ولو سلك النَّاس واديًا وشعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والنَّاس دثار، إنَّكم ستَلْقَون بعدي أَثَرَة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) .
وهذا مِن أكبر نعم الله في بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ألَّف به بين قوم قويت بينهم العصبيَّات، وينبغي أن يكون شأن المسلم هكذا: يؤلِّف بين المتفرِّقين ويأتلف حوله المحبون .
- وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف)) .
قال المناوي في شرح قوله: ((المؤمن يأْلَف)) قال: (لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه. وفي رواية: ((إلْفٌ مَأْلُوفٌ)). والإلْف: اللَّازم للشَّيء، فالمؤمن يأْلَف الخير، وأهله ويألفونه بمناسبة الإيمان، قال الطِّيبي: وقوله: ((المؤمن إلْفٌ)) يحتمل كونه مصدرًا على سبيل المبالغة، كرجل عدل، أو اسم كان، أي: يكون مكان الأُلْفَة ومنتهاها، ومنه إنشاؤها وإليه مرجعها، ((ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف)) لضعف إيمانه، وعُسْر أخلاقه، وسوء طباعه. والأُلْفَة سببٌ للاعتصام بالله وبحبله، وبه يحصل الإجماع بين المسلمين وبضِدِّه تحصل الـنُّفْرة بينهم، وإنَّما تحصل الأُلْفَة بتوفيقٍ إلهي... ومِن التَّآلف: ترك المداعاة والاعتذار عند توهُّم شيء في النَّفس، وتَــرْك الجدال والمراء وكثرة المزاح) .
و(قال الماورديُّ: بيَّن به أن الإنسان لا يُصْلِح حاله إلَّا الأُلْفَة الجامعة؛ فإنَّه مقصود بالأذيَّة، محسود بالنِّعمة، فإذا لم يكن إلفًا مألوفًا تختطفه أيدي حاسديه، وتحكَّم فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تَصْفُ له مدَّة، وإذا كان إلفًا مألوفًا انتصر بالأُلْف على أعاديه، وامتنع بهم مِن حسَّاده، فسلمت نعمته منهم، وصفت مودَّته بينهم، وإن كان صفو الزَّمان كدرًا ويُسْرُه عسرًا وسلمه خطرًا) .
قال الرَّاغب الأصفهاني: (ولذلك حثَّنا على الاجتماعات في الجماعات والجمعات، لكون ذلك سببًا للأُلْفَة، بل لذلك عظَّم الله تعالى المنَّة على المؤمنين بإيقاع الأُلْفَة بين المؤمنين ... وليس ذلك في الإنسان فقط، بل لولا أنَّ الله تعالى ألَّف بين الأركان المتضادة، لما استقام العالم) .
- وعن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيار أئمتكم: الذين تحبُّونهم ويحبُّونكم، ويصلُّون عليكم، وتصلُّون عليهم، وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)) .
إنَّ خيار النَّاس في نظر الشَّرع هم الذين يأْلَفون ويُؤْلَفون، وخاصَّة حين يكونون في منصب أو مسؤوليَّة، إذ قد ينزلقون إلى صورٍ مِن الغلظة والجفوة حين يكونون مطلوبين لا طالبين .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((النَّاس معادن كمعادن الفضَّة والذَّهب، خيارهم في الجاهليَّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنودٌ مجنَّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)) .
قال ابن حجر: (قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت، ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم. وقال غيره: المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين، ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت، على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف. قلت: ولا يعكر عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا لأنه محمول على مبدأ التلاقي فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب، وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة، كإيمان الكافر وإحسان المسيء. وقوله: (جنود مجندة) أي أجناس م***ة أو جموع مجمعة. قال ابن الجوزي ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك؛ ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه. وقال القرطبي: الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحًا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة، ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها، ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:08 PM
  #10  
قديم 13-04-2013, 11:59 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أقوال السَّلف والعلماء في الأُلْفَة

- عن مجاهد قال: رأى ابن عبَّاس رجلًا فقال: (إنَّ هذا ليحبُّني. قالوا: وما علمك؟ قال: إنِّي لأحبُّه، والأرواح جنودٌ مجنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) .
- وعن الأوزاعيِّ قال: كتب إليَّ قتادة: إن يكن الدَّهر فرَّق بيننا فإنَّ أُلْفَة الله الَّذي ألَّف بين المسلمين قريب .
- وقال يونس الصَّدفي: (ما رأيت أعقل مِن الشَّافعي، ناظرته يومًا في مسألة، ثمَّ افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثمَّ قال: يا أبا موسى، ألَا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتَّفق في مسألة) .
- وقال السُّلمي: (وأصل التَّآلف هو بغض الدُّنْيا والإعراض عنها، فهي التي توقع المخالفة بين الإخوان) .
- وقال الماورديُّ: (الإنسان مقصود بالأذيَّة، محسود بالنِّعمة. فإذا لم يكن آلفًا مألوفًا تخطَّفته أيدي حاسديه، وتحكَّمت فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تَصْفُ له مُدَّة. فإذا كان آلفًا مألوفًا انتصر بالأُلْفَة على أعاديه، وامتنع مِن حاسديه، فسَلِمت نعمته منهم، وصَفَت مُدَّتُه عنهم، وإن كان صفو الزَّمان عُسْرًا، وسِلمُه خَطَرًا) .
- وقال الْغَزالِي (الأُلْفَة ثَمَرَة حُسْن الخُلُق، والتَّفرق ثَمَرَة سوء الخُلُق، فَحُسْن الخُلُق يُوجب التَّحبُّب والتَّآلف والتَّوافق، وسُوء الخُلُق يُثمر التَّباغض والتَّحاسد والتَّناكر) .
- وقال أبو حاتم: (سبب ائتلاف النَّاس وافتراقهم بعد القضاء السَّابق هو: تعارف الرُّوحين وتناكر الرُّوحين، فإذا تعارف الرُّوحان وُجِدَت الأُلْفَة بين نفسيهما، وإذا تناكر الرُّوحان وُجِدَت الفُرْقَة بين جسميهما) .
- وقال أيضًا: (إنَّ مِن النَّاس مَن إذا رآه المرء يُعْجَب به، فإذا ازداد به علمًا ازداد به عجبًا، ومنهم مَن يبغضه حين يراه، ثمَّ لا يزداد به علمًا إلَّا ازداد له مقتًا، فاتِّفاقهما يكون باتِّفاق الرُّوحين قديمًا) .
- وقال ابن تيمية: (إنَّ السَّلف كانوا يختلفون في المسائل الفرعيَّة، مع بقاء الأُلْفَة والعصمة وصلاح ذات البين) .
- وقال الأبشيهي: (التَّآلف سبب القوَّة، والقوَّة سبب التَّقوى، والتَّقوى حصنٌ منيع وركن شديد، بها يُمْنَع الضَّيم، وتُنَال الرَّغائب، وتنجع المقاصد) .
__________________
  #11  
قديم 14-04-2013, 05:38 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الرَّسول صلى الله عليه وسلم القدوة في الأمَانَة

أشهر مَن اتصف بالأمَانَة هو نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم في كلِّ أمور حياته، قبل البعثة وبعدها.
أما أمانته قبل البعثة: فقد عُرِف بين قومه قبل بعثته بالأمين ولقِّب به، فها هي القبائل مِن قريش لما بنت الكعبة حتى بلغ البنيان موضع الركن -الحجر الأسود- اختصموا فيه، كلُّ قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون القبيلة الأخرى حتى تخالفوا وأعدُّوا للقتال، فمكثت قريش على ذلك أربع ليالي أو خمسًا، ثمَّ تشاوروا في الأمر، فأشار أحدهم بأن يكون أوَّل مَن يدخل مِن باب المسجد هو الذي يقضي بين القبائل في هذا الأمر، ففعلوا، فكان أوَّل داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمَّد، فلمَّا انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((هلمَّ إليَّ ثوبًا، فأُتِي به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثمَّ قال: لتأخذ كلُّ قبيلة بناحية مِن الثَّوب، ثمَّ ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثمَّ بنى عليه)) .
ولقد كان السَّبب في زواجه صلى الله عليه وسلم بخديجة رضي الله عنها هو الأمَانَة، فقد تاجر صلى الله عليه وسلم في مال خديجة قبل البعثة، وقد اتَّصف في تجارته بصدق الحديث، وعظيم الأمَانَة، يقول ابن الأثير في هذا الصَّدد: (فلمَّا بلغها -أي: خديجة- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صِدْقَ الحديث، وعظيم الأمَانَة، وكرم الأخلاق، أرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشَّام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره مع غلامها ميسرة، فأجابها، وخرج معه ميسرة) ، ولـمَّا عاد إلى مكَّة، وقصَّ عليها ميسرة أخبار محمَّد صلى الله عليه وسلم قررت الزَّواج به.
والمواقف التي تدلُّ على أمانته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كثيرة.
أمَّا أمانته بعد البعثة: فقد أدَّى الرَّسول صلى الله عليه وسلم الأمَانَة الكبرى -التي تكفَّل بها وهي الرِّسالة- أعظم ما يكون الأداء، وتحمَّل في سبيلها أعظم أنواع المشقَّة.
وقد شهد له العدوُّ قبل الصَّديق بأمانته، ومِن الأمثلة على ذلك: ما جاء في حوار أبي سفيان (قبل إسلامه) وهرقل، حيث قال هرقل: (سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنَّه يأمر بالصَّلاة، والصِّدق، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمَانَة، قال: وهذه صفة نبيٍّ)... وفي موضع آخر يقول هرقل: (وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرُّسل لا يغدرون).
وقد كان صلى الله عليه وسلم أحرص النَّاس على أداء الأمانات والودائع للنَّاس حتى في أصعب وأحلك الأوقات، فها هي قريش تُودِع عنده أموالها أمانة لما يتوسَّمون فيه مِن هذه الصِّفة، وها هو صلى الله عليه وسلم يخرج مهاجرًا مِن مكَّة إلى المدينة، فماذا يفعل في أمانات النَّاس التي عنده؟! (قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: نَمْ على فراشي، واتَّشح ببردي الأخضر، فنم فيه، فإنَّه لا يخلص إليك شيء تكرهه، وأمره أن يؤدِّي ما عنده مِن وديعة وأمانة .
__________________
  #12  
قديم 14-04-2013, 05:40 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج في الأمَانَة مِن الأمم الماضية
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجل مِن رجل عقارًا له فوجد الرَّجل الذي اشترى العقار في عقاره جرَّةً فيها ذهبٌ، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك منِّى؛ إنَّما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذَّهب. فقال الذي شرى الأرض: إنَّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولدٌ؟ فقال: أحدهما لي غلامٌ، وقال الآخر: لي جارية. قال أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدَّقا)) .
- وعنه أيضًا، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه ذكر رجلًا مِن بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يُسْلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشُّهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدًا. قال: فأتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلًا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمًّى، فخرج في البحر، فقضى حاجته، ثمَّ التمس مركبًا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجَّله، فلم يجد مركبًا فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثمَّ زجَّج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللَّهمَّ إنَّك تعلم أنِّي كنت تسلَّفت فلانًا ألف دينار، فسألني كفيلًا، فقلتُ: كفى بالله كفيلًا، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلتُ: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك، وإنِّي جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإنِّي أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثمَّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرَّجل الذي كان أسلفه ينظر، لعلَّ مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا فلما نشرها وجد المال والصَّحيفة، ثمَّ قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليَّ بشيء؟ قال: أخبرك أنِّي لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه. قال: فإنَّ الله قد أدَّى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدِّينار راشدًا)) .
__________________
  #13  
قديم 14-04-2013, 05:46 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

المعاني التي ترمز إليها الأمانة
الأمَانَة في نظر الشَّارع واسعة الدِّلالة، وهي ترمز إلى معان شتَّى، مناطها جميعًا شعور المرء بتبعته في كلِّ أمر يُوكل إليه، وإدراكه الجازم بأنَّه مسؤول عنه أمام ربِّه... والعوام يقصرون الأمَانَة في أضيق معانيها وآخرها ترتيبًا، وهو حفظ الودائع، مع أنَّ حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل.
وإنَّها الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها، حتى إنَّه عندما يكون أحدهم على أُهْبة السَّفر يقول له أخوه: ((أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)) .
وعن أنس قال: ((قلَّما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) .
ولـمَّا كانت السَّعادة القصوى أن يُوقَى الإنسان شقاء العيش في الدُّنْيا، وسوء المنقلب في الأخرى، فإنَّ رسول الله جمع في استعاذته بين الحالين معًا، إذ قال: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك مِن الجوع فإنَّه بئس الضَّجيع، وأعوذ بك مِنالخيانة فإنَّها بئس البطانة)) ، فالجوع ضياع الدُّنْيا والخيانة ضياع الدِّين .
العمل بالحيل يفتح باب الخيانة:
قال ابن تيمية: (أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أنَّ أوَّل ما يُفْقَد مِن الدِّين الأمَانَة، وآخر ما يُفْقد منه الصَّلاة)) ، وحدَّث عن رفع الأمَانَة مِن القلوب، الحديث المشهور وقال: ((خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم)) فذكر بعد قرنه قرنين، أو ثلاثة، ثمَّ ذكر أنَّ بعدهم قومًا ((يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمن)) ، وهذه أحاديث صحيحة مشهورة. ومعلوم أنَّ العمل بالحيل يفتح بابالخيانة والكذب، فإنَّ كثيرًا مِن الحيل لا يتم إلَّا أن يتفق الرَّجلان على عقد يظهرانه ومقصودهما أمر آخر، كما ذكرنا في التَّمليك للوقف، وكما في الحيل الرِّبويَّة، وحيل المناكح، وذلك الذي اتفقا عليه إن لزم الوفاء به كان العقد فاسدًا. وإن لم يلزم فقد جُوِّزتالخيانة والكذب في المعاملات، ولهذا لا يطمئن القلب إلى مَن يستحل الحيل خوفًا مِن مكره، وإظهاره ما يبطن خلافه، وفي الصحيحين عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((المؤمن مَن أَمِنَه النَّاس على دمائهم وأموالهم)) . والمحتال غير مأمون، وفي حديث ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمر: ((كيف بك يا عبد الله إذا بقيت في حثالة مِن النَّاس قد مَرَجَت عهودهم وأمانتهم، واختلفوا فصاروا هكذا. وشبَّك بين أصابعه، قال: فكيف أفعل يا رسول الله؟ قال: تأخذ ما تعرف، وتدع ما تنكر، وتقبل على خاصَّتك، وتدعهم وعوامهم)) . وهو حديث صحيح، وهو في بعض نسخ البخاري، والحيل توجب مرج العهود والأمانات وهو قلقها واضطرابها، فإنَّ الرَّجل إذا سوغ له مَن يعاهد عهدًا، ثمَّ لا يفي به، أو أن يُؤْمَن على شيء، فيأخذ بعضه بنوع تأويل، ارتفعت الثِّقة به وأمثاله، ولم يُؤْمَن في كثير مِن الأشياء أن يكون كذلك، ومَن تأمَّل حيل أهل الدِّيوان وولاة الأمور التي استحلُّوا بها المحارم، ودخلوا بها في الغلول والخيانة، ولم يبق لهم معها عهدٌ ولا أمانة، عَلِم يقينًا أنَّ الاحتيال والتَّأويلات أوجب عِظَم ذلك، وعَلِم خروج أهل الحيل مِن قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون: 8]، وقوله: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7]، ومخالفتهم لقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النِّساء: 58]، وقوله تعالى: أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة:1]) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:14 PM
  #14  
قديم 14-04-2013, 05:52 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الأمَانَة في واحة الشِّعر
قال كعب المزني:


أرعَى الأمَانَةَ لا أخونُ أمانتي***إنَّ الخؤونَ على الطريقِ الأنكبِ




وقال عبيد بن الأبرص:


إذا أنت حمَّلتَ الخؤونَ أمانةً***فإنَّك أسندتها شرَّ مسندِ



وقال المعري:


يخونُك مَن أدَّى إليك أمانةً***فلم ترعَه يومًا بقولٍ ولا فعلِ



فأَحْسِنْ إلى مَن شئتَ في الأرضِ أو أسئْ***فإنَّك تجزي حذوك النَّعل بالنَّعلِ



وقال العرجي:


وما حُمِّل الإنسانُ مثلَ أمانةٍ***أشقَّ عليه حين يحملُها حملا



فإن أنت حمِّلتَ الأمَانَةَ فاصطبرْ***عليها فقد حمِّلتَ مِن أمرها ثقلا



ولا تقبلنَّ فيما رضيتَ نميمة***وقل للذي يأتيك يحملُها مهلا



وقال صالح بن عبد القدوس:


أدِّ الأمَانَة والخيانة فاجْتَنِبْ***واعْدِلْ ولا تظلمْ، يَطِبْ لك مكسبُ




وإذا بُلِيْتَ بِنكبَةٍ فاصبرْ لها***مَن ذا رأيت مسلَّمًا لا يُنكَبُ
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 03-05-2013 الساعة 11:54 PM
  #15  
قديم 14-04-2013, 05:55 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الإيثَار
معنى الإيثَار لغةً واصطلاحًا
معنى الإيثَار لغةً:
الإيثَار مصدر آثر يُـؤْثِر إيثَارًا، بمعنى التَّقديم والاختيار والاختصاص، فآثره إيثارًا اختاره وفضله، ويقال: آثره على نفسه، والشيء بالشيء خصه به .
معنى الإيثَار اصطلاحًا:
(الإيثَار أن يقدِّم غيره على نفسه في النَّفع له، والدَّفع عنه، وهو النِّهاية في الأخوة) .
وقال ابن مسكويه: (الإيثار: هو فضيلة للنَّفس بها يكفُّ الإنسان عن بعض حاجاته التي تخصُّه حتى يبذله لمن يستحقُّه)
__________________
 

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:35 AM.