الموضوع: نهاية المادية
عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 07-07-2009, 06:56 PM
المفكرة المفكرة غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 1,414
معدل تقييم المستوى: 17
المفكرة is on a distinguished road
افتراضي شك و حيرة

الشك برهان الإيمان
ترد إلى العقاد رسائل صريحة من الشباب الحائر في شئون العقيدة من الشك في الإيمان بالله إلى صلاح العبادات للعصر الحالي .
يقول العقاد : لست متشائماً من هذه الصراحة فهي تدل أن الشباب يريدون أن ينتقلوا في عقيدتهم من التقليد إلى الفهم العميق و التبصر و الإجتهاد لذلك يسألون عما لا تصل إليه عقولهم. و تدل هذه الرسائل أيضاً على ضيق أصحابها من الشك و الحيرة بدلاً من التذرع بهذا الشك لترك الفرائض و الآداب الإنسانية التي تقوم على مبادىء الدين .
و تدل أن الشباب لم يصبهم داء الغرور فيستغنوا بعقولهم عن السؤال و مزيد الفهم للوصول إلى الوضوح .
إحدى تلك الرسائل يحكي كاتبها أنه اقترب من النجاح في امتحانات كلية الطيران ليرفضه الكشف الطبي لأن قلبه على اليمين !
يتساءل صاحب الرسالة لماذا يعذبه الله على هذا النحو ؟!
الرسالة الثانية يتساءل صاحبها لماذا لا يظهر الله علانية للبشر بدلا من هذا التخبط و المنازعات بين المنكرين و المؤمنين و بين المؤمنين من أنصار كل دين !
يجيب العقاد الرسالة على هذا النحو :
لو ذهبنا نطلب البراهين الفلسفية على قضايا الإيمان لطال بنا الطريق . يكفينا أن نتخلص من الشك كي نصل إلى اليقين .
من اليسير أن نفهم أن إنكار وجود الخالق لشيوع النقص و العذاب في المخلوقات إنكار ضعيف و أظهر منه بطلان حجة من يطلب أن يرى الله عياناً أو ما شابهه .
لا يمكن تصور عالماً يكون المخلوق فيه كاملاً كمال الخالق لا يعوزه شيء . لأن قدرة الله التي لا نهاية لها هي التي توجب أن يكون المخلوق محدوداً بزمانه و مكانه و تمنع أن يوجد إله كامل مخلوق جانب الإله الكامل الخالق لجميع الأشياء .
و لنتعسف التصور و نتخيل أن المخلوقات الناقصة سعيدة مع نقصها لا ترجو شيء و بالتالي لا يفوتها شيء ترجوه ، أتوجد تلك المخلوقات السعيدة الظافرة بما تريد دفعة واحدة بلا ولادة أو نمو أو وقوف بالنمو عند حد ؟
أتكون تلك السعادة من نوع واحد لا فرق فيه بين هذا المخلوق و ذاك كأنها نسخ مكررة و هل تتم سعادتها بغير مجهود منها و بغير فرق بين من ولد بالأمس و من يتبعه في الميلاد .
أم يكون المولود الصغير ناقص شاعر بالنقص ؟!
أما لو تفرقت هذه المخلوقات في السعادة فكيف تتفرق دون أن يكون لكل منها مزية على الآخرين يشعر بها و يشعر بتفضيله عمن سواه ؟!
إن الشك في الخالق و نظام الخلق القائم على افتراض العالم بصورة مثالية هو أظهر الأخطاء بعد تفكير بسيط .
كمال الخلق لا يدل على كمال الخالق المتفرد بالكمال المطلق ، بل إن نقص الخلق هو الذي يدل على ذلك الكمال من كل وجه .
من اليسير أن نفهم الآن أننا نطلب شيء لا يتحقق و أننا نرجو شيئاً نجهله و لا ندري بما يضمره الغيب لنا من عواقب .
لقد أردت في مطلع شبابي أن أنجح في امتحان لإتمام الدراسة في أوروبا و كانت الجامعة المصرية في نشأتها الأولى هي التي نظمت ذلك الإمتحان على يد رئيسها سعد زغلول لتخريج الأساتذة المرشحين للعمل بها بعد عودتهم من الجامعات الإنجليزية .
و قد فاتني النجاح في الإمتحان لسبب من الأسباب الشكلية فأظلمت الدنيا في عيني و ظننت أنه الرجاء الأول و الأخير في الحياة . لكنني علمت بعد قليل أنه لم يكن و اليوم لست نادماً على ما فات أو عاتباً على المقادير .
أما الشك في وجود الله لأنه لا يظهر لنا عياناً فهو أضعف الشكوك التي تساور العقول في مسألة الدين . إننا لا نعرف أوضح شيء في العالم المحسوس (الشمس) لأنه يرينا نفسه جلياً واضحاً للعيان ! و لازال الكشف العلمي يرينا منها الكثير كأننا نراها أول مرة في ضوء العلم و الكشوف !
ليس معقولاً أن تكون حقيقة الحقائق أقل غموضاً من الشمس مثلاً .
لنعتسف التصور و نحاول أن نعرف كيف يمكن أن نرى الله عياناً . هل يتجلى مرة في القدم ثم يروي كل جيل لمن بعده تلك الرؤية ؟ إن كان الأمر كذلك فما يدرينا لعل الأعقاب ينكرون على أسلافهم تلك الرؤية كما أنكر الكثيرون رسالات الأنبياء !
أيتجلى الله لكل مولود جديد في كل جيل جديد ؟ و إذا تكرر هذا التجلي لكل فرد فهل تتساوى المخلوقات في درجة الإيمان و كنهه و درجة العيان ؟
إذاً تكون النفوس كالآلات الصماء ، و تتوقف العقول عن الفكر و تستغني الضمائر عن البحث . إيمان كهذا لا معنى فيه للعقائد و لا للفكر و للهداية .
هاتان حجتان من أشيع الحجج التي يحتج بها المتشككون في الدين ، حجة الألم في الدنيا و طلب رؤية الله عياناً شرطاً للإيمان . أطلب من المتشككين أن يتصوروا عالماً كما يصفون فيجدونه أصعب تصوراً وأشد ظلماً من العالم كما يتصوره المتدينون المؤمنون بوجود الله ذي الحكمة و القدرة .
إن سائر البراهين التي تعترض المتشككين تنتهي بعد البحث عند نفس النهاية ، كلها كافية للإقتناع أن الشك و الإلحاد أظهر خطأ من اليقين و الإيمان .
**************************
أرأيتم كيف لم ينقص العقاد شيئاً بفشله في هذا الإمتحان ؟ درس و تعلم و علم الكثيرين و ترك في مؤلفاته علماً غزيراً ، و كذلك كل منا ، فقط أن النفس تتصور حالها مظلومة منقوصة الحظ حين يفوتها شيء يقسم لغيرها .

رد مع اقتباس