الموضوع: نهاية المادية
عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 15-08-2009, 07:57 PM
المفكرة المفكرة غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 1,414
معدل تقييم المستوى: 17
المفكرة is on a distinguished road
افتراضي كذبوا و لا يصدقون أبداً

في مطالع الأعوام : نظرة إلى التنجيم
كان علم النجوم في الأزمنة الغابرة يسمى العلم السماوي أو العلم الإلهي و كان ينطوي على علم الدين لأن الأقدمين آمنوا أن لكل رب كوكب يخصه و يؤثر من خلاله في جزء من أجزاء الطبيعة .
و كان علم التنجيم أو علم الطوالع يغطي علوم الفلك و ينطوي على علم السعود و النحوس و النظر في الغيب و تدبير أسباب الوقاية التي يزعم المنجمون أن طلاسمهم تنفع فيها .
و لقد تقدم الزمن و ترك الناس عبادة الكواكب و النجوم و عرفوا حقائق الفلك و أصبح للفلك علم مستقل غير علوم اللاهوت و انقطعت صلة علم الفلك بالخزعبلات . و كان المظنون أن أبناء الغرب المتمدنين قد فرغوا تماماً من أمر التنجيم و خرافاته و قد عرفوا حقائق الأفلاك و أنهم قد نبذوا خرافات أسلافهم الذين جهلوا أقرب الكواكب إليهم و خلطوا مواقع النجوم التي ترى بالعين المجردة.
و اليوم يكشف علماء الفلك النجوم على مدى ملايين السنين الضوئية و يعلمون عن تركيب الكواكب الأخرى ما نعلمه عن تركيب كوكب الأرض ، و يتحدثون عن السفر لهذه الكواكب على أنه أمر ممكن . فكيف يعقل الإنسان المتمدن أن أسرار السماء و الأرض في الحاضر و المستقبل يكشفها المنجمون الجهلاء و ينبىء عنها من غاب عنه كل كشف جديد من كشوف السماء ؟!
الواقع العجيب هو زيادة المؤمنين بالتنجيم في الغرب كلما زادت الكشوف في علم الفلك! و يصدر المنجمون مجلات و كتب بانتظام أكثر مما يصدر علماء الفلك و ذلك بكل اللغات الحية و يشتريها طلاب الطوالع بأثمان تزيد على كتب العلم و الصناعة و الفنون !
تزعم إحدى مجلات التنجيم أن عدد المقبلين على استشارة المنجمين في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية زاد من 3 إلى 10 ملايين و أن المكاتب المفتوحة لقراءة الطالع يبلغ خمسة آلاف مكتباً . و يقدر عدد المؤمنين بالتنجيم في ألمانيا ب27% من سكانها ، كما يزور رجال السياسة في إيطاليا مكاتب المنجمين ليسألوهم تحت جنح الظلام عن مستقبل الأحزاب و الحكومة!

كما تستشير بعض دور الملاحة في اليابان المنجمين في موعد الساعة الملائمة لإنزال السفن الجديدة الماء ! و أن الناشرين اليابانيين وزعوا في سنة واحدة ثمانية ملايين نسخة من خرائط الطوالع ، أما في إيطاليا فتصدر 20 مجلة منتظمة لا تنشر شيئاً غير النبوءات و أسئلة القراء للمنجمين و ردود أولئك عليها ! كما يذكر الكثير من القراء مقدرة المنجمة إفانجلين آدمز على إقناع أصحاب الملايين بنبوءاتها عن تقلبات السوق فيجازفون بالإستثمار بناء على نصائحها!
إن الأساس الذي قام عليه التنجيم قد تهدم و لم يبق لمن اطلع على أي من علوم الفلك شك في بطلانه .

فالمنجمون يبنون علوم التنجيم على الكواكب السبعة و يحسبون القمر منها و هو ليس كذلك و لا يحسبون كوكب الأرض و هو جزء منها!
و كان المنجمون القدماء يجهلون ثلاثة من الكواكب لأنها لم تكن قد اكتشفت بعد و هي أورانوس و نبتون و بلوتو . و يعتبر المنجمون أن الأفلاك ثابتة لأن معلوماتهم ترجع لما قبل الميلاد . أما الآن فنحن نعلم أن البروج متنقلة و بالتالي فهي متداخلة (برج الحمل انتقل إلى برج الميزان و برج الحوت تغير مكانه على مدى آلاف السنين.) لذلك فإن طوالع المواليد الآن لا تتفق مع من ولدوا قبل مائة عام أو ألف عام .
و قد استقرت حقائق الفلك الجديدة لأن لها آثارها الملموسة مثل الكسوف و الخسوف و قدرة الفلكيين على الحساب الدقيق فيما يتعلق بالأجرام السماوية . و تلك الحقائق تنقض أباطيل المنجمين و تثبت أنهم جهلوا حقائق الفلك الظاهرة فما بالك بما ورائها من أسرار مستورة في مجاهل الغيب؟
جهل المنجمون وجود الكواكب فكيف يستطيعون الإستعانة بها على كشف الحاضر و المجهول و المستقبل من حوادث الدنيا و ضمائر الناس؟
إن العلم الذي يخطىء فيما يعلمه كل إنسان الآن هيهات أن يحيط بالمجهول الذي لا يعلمه أحد إلا علام الغيوب .
إن التنجيم الذي يقبل عليه الغرب يعلمنا شيئاً عن أسرار النفس البشرية في كل زمن و بلد . فالنفس البشرية لا تحب أن تنقطع عن عالم الغيب . و لا تغنيها الظواهر المكشوفة عما وراء الحجاب من مقادير الوجود ، قد يشبع العلم عقول الناس لكن قلوبهم جوعى إلى غذاء آخر يستمدونه من قوة أخرى و يلتمسونه بين الصواب و الخطأ و الهداية و الضلال .
إن التنجيم باطل ، لكن شوق النفس البشرية إلى المجهول صحيح ، وليس من النافع لها أن تكف عن طلبه و لكن من النافع لها أن تميز بين طريق الهداية و طريق الضلال و أن تطلب الحق من مصدره و إن طال بها الطريق .
و لقد سبقنا الغرب إلى معرفة التنجيم ، فمن حقنا أن نسبقهم إلى العلم بأباطيله ، و أن نقنع منه بنصيبنا في الماضي فلا نشاركهم في بقيته الباقية بعد اليوم.

رد مع اقتباس