(4) وعَن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ».
أولاً: تَخريج الحديث: رواه البخاري (7/ 5401) واللفظ له، ومسلم (1/ 33) والنسائي في "السُّنَن الكُبرى" (10/ 11430) وأحمد (27/ 16481) وعَبد الله بن المُبَارَك في "المُسند" (1/ 43) وعَبد الرَّزاق الصَنْعَانِيّ في "المُصَنَّف" (1/ 1929) وأبو دَاود الطَّيَالِسِيّ في "المسند" (2/ 1337) وأبو بكر بن أبي شَيبة في "المسند" (2/ 567) وأَبُو يَعلَى المَوصليّ في "المسند" (3/ 1505) وابن خُزَيمة في "الصحيح" (3/ 1653) وابن حِبَّان في "الصحيح" (1/ 223) والطَبَرانيّ في "المعجم الكبير" (18/ 43) وفي "المعجم الأوسط" (2/ 1495)، والرُّويَاني في "المسند" (2/ 1375).
ثانياً: التَّعرِيف بِرَاوِي الحَدِيث: هُـــوَ: عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ بْن الخزرج الأَنْصَارِيّ السَّالِمِيّ الخَزْرَجِيّ. شَهِدَ بَدْرًا، وكَانَ ضَعِيفَ البَصَر ثُمَّ عُمِيَ بَعد، وَكَانَ إِمَامَ قَوْمِهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَ بِالمَدِينَة المُنَوَّرَة فِي خِلاَفَة مُعَاوِيَة. رَضْيَ اللهُ عَنْه
ثالثاً: شَرح الحَدِيث:
- (إِنَّ): حَرف تَوْكِيد ونَصْب.
- (لَا): حَرف نَفْي.
- (إِلَّا): حَرف اِسْتِثْنَاء.
- (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ): لاَ مَعبُود حَق إِلاَّ الله تَعَالَى. اِعلَم أَنَّ هَذِهِ الكَلِمَة العَظِيمَة هِي الفَارِقَة بَيْن الكُفْر والإِسْلاَم، وهِي كَلِمَة التَّقْوَى، وهِيَ العُروَة الوُثْقَى، لَهَـا رُكْـنَــان:
فالرُّكْن الأول: النَّفْي، يَعنِي: نَفْي الإِلَهِيّة عَمَّا سِوَى الله تَعَالَى مِن سَائِر المَخْلُوقَات.
والرُّكْن الثَّانِي: الإِثْبَات،وَالْمرَاد بِـهِ: إِثْبَات الإلهية لله سُبْحَانَهُ، فَهُوَ الْإِلَه الْحَق، وَمَا سِوَاهُ مِن الْآلهَة الَّتِي اِتَّخَذَهَا الْمُشْركُونَ فَكُلّهَا بَاطِلَة.
- (يَبْتَغِي): يُرِيد، مُخْلِصاً بِهَا قَلْبُهُ.
فَمعلوم أن الذي يقول هذا طالباً وجه الله، فسيفعل كل شيء يقربه إلى الله، من فروض ونوافل، فلا يكون في هذا دليل للكسالى والمهملين؛ يقولون: نحن نقول لا إله إلا الله نبتغي بذلك وجه الله.
نقول: لو كنتم صادقين ما أهملتم العبادات الواجبة عليكم، لأن العَبدَ إذا قال لاَ إِلَه إِلاَّ الله، مُخْلِصاً بِهَا قَلْبُهُ؛ فإنه سيقوم بمقتضاها، ويعمل بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة، من أداء الواجب، وترك المحرم.
فالإنسان إذا أدى الواجب وترك المحرم؛ أحل الحلال، وحرم الحرام، وقام بالفرائض، واجتنب النواهي، فيكون جَزَاؤُه الجنة، ويحرم الله عليه النار.
وَاعْلَم أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ مِنَ السَّلَف وَالْخَلَف أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ كَانَ سَالِمًا مِنَ الْمَعَاصِي كَالصَّغِير وَالْمَجْنُون وَالَّذِي اتَّصَلَ جُنُونُهُ بِالْبُلُوغ وَالتَّائِبِ تَوْبَةً صَحِيحَةً مِنَ الشِّرْكِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعَاصِي إِذَا لَمْ يُحْدِثْ مَعْصِيَةً بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَالْمُوَفَّقُ الَّذِي لَمْ يُبْتَلَى بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا فَكُلُّ هَذَا الصِّنْف يَدْخُلُون الْجَنَّةَ وَلَا يَدْخُلُون النَّارَ أَصْلًا.
وَأَمَّا مَن كَانَت لَهُ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَة، فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، فَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَلَوْ عَمِلَ مِنَ الْمَعَاصِي مَا عَمِلَ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَا عَمِل، هَذَا مُخْتَصَرٌ جَامِعٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
فَفِي الحَدِيث الشَّرِيف بِشَارَة عَظِيمَة لِأَهْل التَّوْحِيد ومَنْقَبة جَلِيلَة لَهُم، فَللهِ الحَمْد والمِنَّة عَلَى مَا تَفَضَّل بِهِ عَلَيْنَا، والصَّلاَة والسَّلاَم عَلَى رَسُولِنَا مُحَمَّد، الَّذِي هَدَى اللهُ عَلَى يَدَيْهِ العِبَاد، وجَعَل لَنَا سُبْحَانَه هَذِهِ النِّعمَة السَّرّاء كُرمَى لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، حَيثُ قَالَ عَزَّ وجَلّ: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)). (الضُّحَى: 5)، فَصِرنَا بِهَا مِن أَفْضَل الأُمَم عَلَى الإِطلاَق حَيثُ قَالَ سُبْحَانَه: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)). (آل عِمران: 110)، فَللهِ الحَمْدُ أَوَّلاً وآخِراً.
|